عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 05-01-2009, 03:53 AM   #15
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

(1/105)

الراشدين حتى غير الناس بعد ذلك وبنوا على القبور وهذا من الجهل والغلط والمنكر العظيم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا، وقال صلى الله عليه وسلم لما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة لما كانتا في أرض الحبشة عن كنيسة فيها تصاوير قال: « أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصور » (2) ، ثم قال: « أولئك شرار الخلق عند الله » (3) .
فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب بنائهم على القبور واتخاذهم الصور عليها، نسأل الله السلامة، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه جندب بن عبد الله في صحيح مسلم : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك » (4) ، فنهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وحذر من هذا وبين أنه من عمل من كان قبلنا من اليهود والنصارى وهو عمل مذموم ملعون فاعله لكونه من وسائل الشرك، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا قبابا ولا مساجد على قبور أمواتهم، بل هذا منكر ومن وسائل الشرك.
أما أصحاب الصخرة فهم أناس خرجوا يتمشون فآواهم المبيت والمطر إلى غار في جبل، فلما دخلوا انحدرت عليهم صخرة وسدت عليهم باب الغار، فقالوا فيما بينهم: لا ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم -التي فعلتموها لله-.
فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51).
(3) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51).
(4) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).

(1/106)

إلا وقد ناما فوقفت بالقدح أنتظر استيقاظهما فلم يستيقظا حتى برق الصبح، والصبية يتضاغون تحت قدمي. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا قليلا لا يستطيعون معه الخروج.
ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني أردتها على نفسها فأبت، فألمت بها سنة -يعني: حاجة في بعض السنين- فجاءت إلي تطلبني، فقلت لها: لا حتى تمكنيني من نفسك، فوافقت على ذلك -على عشرين ومائة دينار سلمها لها- فلما جلس بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خوفا من الله وتركها، وترك الذهب لها، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة أيضا ولكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل أجير حقه إلا أجيرا واحدا كان له فرق من أرز فتركه، فثمرته له حتى اشتريت منه رقيقا وإبلا وبقرا وغنما فجاء بعد ذلك وقال: أعطني حقي، فقلت: يا عبد الله كل هذا من حقك، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت له: إني لا أستهزئ بك بل هذا كله من حقك، فأخذه واستاقه جميعا. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
وهذا دليل على أن الله على كل شيء قدير وأنه سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، وهذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم

(1/107)

في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حديث صحيح فيه عبرة وفيه إرشاد إلى الضراعة إلى الله، وسؤاله عند الكروب والشدائد، وأنه سبحانه قريب مجيب يسمع دعاء الداعي ويجيب دعوته إذا شاء سبحانه وتعالى، وأن الأعمال الصالحات من أسباب تفريج الكروب ، ومن أسباب تيسير الأمور، ومن أسباب إزالة الشدة، والمؤمن إذا وقع في الشدة يضرع إلى الله ويسأله ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته وبأعماله الصالحة، بإيمانه بالله ورسوله وبتوحيده وإخلاصه لله.
هذه هي الأسباب، والله سبحانه من فضله وإحسانه يجيب دعوة المضطر، ويرحم عبده المؤمن، ويجيب سؤاله، كما قال سبحانه وتعالى: ** وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ** (1) [البقرة: 186] ، وهو القائل سبحانه: ** ادعوني أستجب لكم ** (2) [غافر: 60] ، وهو القائل سبحانه: ** أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ** (3) [النمل: 62] ، وهؤلاء مضطرون، نزل بهم أمر عظيم وكربة شديدة، فسألوا الله بصالح الأعمال فأجاب الله دعاءهم.
وفي هذا من الفوائد فضل بر الوالدين ، وأن بر الوالدين من أفضل القربات ومن أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور، وهكذا العفة عن الزنا، فإن الحذر من الزنا من الأعمال الصالحات، ومن أسباب تفريج الكروب ومن أسباب النجاة من كل شدة، ومن أفضل الأعمال الصالحات، وهكذا أداء الأمانة، والنصح في أداء الأمانة من أعظم الأسباب في تفريج الكروب، ومن أفضل الأعمال الصالحات والنعم،
__________
(1) سورة البقرة الآية 186
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة النمل الآية 62

(1/108)

فهذه الأعمال الصالحة من أسباب النجاة في الدنيا والآخرة.

(1/109)

قوله تعالى: ** فأردت أن أعيبها ** (1)
س51: يقول السائل: ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام، في قوله تعالى: ** أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ** (2) إلى قوله تعالى: ** ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ** (3) [الكهف: 79-82] .
لاحظت أنه عند السفينة قال: ** فأردت أن أعيبها ** (4) وعند ذكر الأبوين المؤمنين: ** فأردنا أن يبدلهما ربهما ** (5) وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: ** فأراد ربك ** (6) فما الفرق بين التعابير الثلاثة؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله؟
الجواب: الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه نبي، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي، ولهذا قال: ** وما فعلته عن أمري ** (7) أي: بل عن أمر الله سبحانه وتعالى.
وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: « إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت » (8) .
فدل ذلك على أنه من الأنبياء، ولهذا قال: ** فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ** (9)
__________
(1) سورة الكهف الآية 79
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 82
(4) سورة الكهف الآية 79
(5) سورة الكهف الآية 81
(6) سورة الكهف الآية 82
(7) سورة الكهف الآية 82
(8) صحيح البخاري تفسير القرآن (4450),صحيح مسلم الفضائل (2380),سنن الترمذي تفسير القرآن (3149),مسند أحمد بن حنبل (5/118).
(9) سورة الكهف الآية 82

(1/109)

وقال: ** وما فعلته عن أمري ** (1) والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك.
وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه ** فأردت أن أعيبها ** (2) هذا والله أعلم لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب، فنسبه إلى نفسه تأدبا مع ربه عز وجل، فقال: ** فأردت أن أعيبها ** (3) وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك; لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه، فلما كان ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال: ** فأردت أن أعيبها ** (4)
وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال: ** فأردنا أن يبدلهما ربهما ** (5) كذلك لما كان أمرا طيبا نسبه إلى نفسه؛ لأنه مأمور من جهة الله عز وجل ( أردنا )، وذكر نون الجمع؛ لأنه نبي، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول: ( أردنا ) ، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فناسب أن يقال فيه: ( أردنا ) ، ولأنه كان عملا طيبا ومناسبا وفيه مصلحة.
ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم وصلاح لهما، ومنفعة لهما قال: ** فأراد ربك ** (6) فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن، حيث قال سبحانه عن الجن: ** وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ** (7) [الجن: 10] .
فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: ** أم أراد بهم ربهم رشدا ** (8) فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى; لأن
__________
(1) سورة الكهف الآية 82
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 79
(4) سورة الكهف الآية 79
(5) سورة الكهف الآية 81
(6) سورة الكهف الآية 82
(7) سورة الجن الآية 10
(8) سورة الجن الآية 10

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة