خامسًا : من أسباب الحرمان من رحمة اللَّه تبارك وتعالى .
فبالرغم من سعة رحمة اللَّه وعظمتها ، إلاَّ أن هناك من الناس من حرموا أنفسهم منها بذنوبهم ، وسنذكر فيما يلي جانبًا منهم :
أولاً : من لا يَرحم لا يُرحم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قبَّلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليٍّ وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا . فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : (( من لا يَرْحَمُ ، لا يُرْحَم )).
ولِمَ يرحم اللَّه من لم يرحم عباده الذين خلقهم بيده ونفخ فيهم من روحه ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يرحم اللَّه من لا يرحم الناس )).
ثانيًا : تعذيب الناس :
فعن ابن مسعود البدري رضي الله عنه قال : كنت أضرب غلامًا لي بالسوط ، فسمعت صوتًا من خلفِي : (( اعْلَمْ أبا مسعود أن اللَّهَ أقدرُ عليك منك على هذا الغلام )) . فقلت : لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا . وفي رواية : فقلت : يا رسول اللَّه ، هو حرٌ لوجه اللَّه ، فقال : (( أما لو لَمْ تَفْعَل لَلَفَحَتْكَ النارُ أو لَمَسَّتْكَ النارُ )).
وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنهما قال : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن اللَّه يُعذِّب الذين يُعذّبون الناس في الدنيا )) .
ثالثًا : تعذيب الحيوانات :
فقد حرَّم اللَّه تعذيب الحيوان والحشرات ، ويعاقب من فعل ذلك ؛ فعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( عُذِّبت امرأةٌ في هِرَّة : حبستها حتى ماتَتْ فدخَلَتْ فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاشِ الأرض )).
رابعًا : الاختلاف والفرقة :
وكفى بنزع الرحمة عن المختلفين ثلاثة أمور كل منها أشد من الأخرى .
الأولى : حرمان المغفرة :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( تُفْتَح أبوابُ الجنةِ يوم الاثنين ويوم الخميس فيُغفَرُ لكلِ عبدٍ لا يُشرك باللَّه شيئًا إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أنظِرُوا هَذَيْنِ حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا )).
الثانية : ضياع الهُدى :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما حُضِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمرُ بن الخطاب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هَلمَّ أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده )) . فقال عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسْبُنَا كتابُ اللَّه . فاختلف أهل البيت فاختصموا . منهم من يقول : قرِّبُوا يكتب لكم النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا لن تضلوا بعده . ومنهم من يقول ما قال عمر . فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قوموا عنِّى )) .
وكان ابن عباس يقول : إن الرَّزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
الثالثة : إخفاء ليلة القدر عن المسلمين :
عن عبادة بن الصامت قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : (( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان ، فَرُفعِت ... )) .