رابعًا : لا تقنطوا من رحمة اللَّه .
قال تعالى : ** قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ** [ الزمر : 53 ] . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لو يعلم المؤمن ما عند اللَّه من العقوبة ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند اللَّه من الرحمة ما قنط من جنته أحد )) .
ولذا فإن القنوط من رحمة اللَّه من علامات الكفر والضلال ، وما يقنط من رحمة اللَّه عز وجل إلا رجلٌ من اثنين : ضال ، أو كافر ، قال تعالى : ** وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ ** [ الحجرات : 56 ] .
وقد نصح يعقوب عليه السلام بنيه بألا ييأسوا من روح اللَّه أبدًا ، وذلك في قوله تعالى : ** وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ** [ يوسف : 87 ] .
عن جندب أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال : (( أن رجلاً قال : واللَّه لا يغفر اللَّهُ لفلان ، وإن اللَّه تعالى قال : من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان ، فإني قد غفرتُ لفلان وأحبطتُ عملك )).
وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه وقد قال لضمضم بن جوس اليمامي : يا يمامي لا تقولنَّ لرجل : واللَّه لا يغفر اللَّه لك ، أو لا يدخلك الله الجنة أبدًا .
فقال له : يا أبا هريرة ، إن هذه الكلمة ، يقولها أحدنا لأخيه وصاحبه ، إذا غضب ، قال أبو هريرة : فلا تقلها ، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( كان في بني إسرائيل رجلان ؛ كان أحدهما مجتهدًا في العبادة ، وكان الآخر مسرفًا على نفسه ، فكانا متآخين ، فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب ، فيقول : يا هذا أقصر ، فيقول : خلَّني وربي ، أبعثت عليَّ رقيبًا ؟
قال : إلى أن رآه يومًا على ذنب استعظمه ، فقال له : ويحك أقصر ، قال : خلَّني وربِّي ابعثت عليَّ رقيبًا ؟ قال : فقال : واللَّه لا يغفر اللَّهُ لك ، أو لا يدخلك اللَّه الجنة أبدًا .
قال أحدهما : قال : فبعث اللَّه إليهما مَلَكًا فقبض أرواحهما واجتمعا عنده ، فقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : أكنت بي عالمًا ؟ أكنت على ما في يدي خازنًا ؟ اذهبوا به إلى النار . قال : فوالذي نفس أبي القاسم بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته )) .