وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أختي الفاضلة حياك الله وبياك،اعلمي اخية ان العلماء اختلفوا في مسألة الاسترقاء
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز بأن الاسترقاء لمن احتاج له لا يخرج المسلم من اللحاق بالسبعين ألفا حيث أنه مـحتاج للرقية ، ويرى حفظه الله تعالى استحباب العلاج من المرض أ.هـ.
ألم تر أن الله قال لمــريم
وهزي إليك الجذع يساقط الرطب
ولو شاء أن تجنيه من غير هزها
جنته ولكنْ كـل شيء لـه سبب
ومن المعلوم أن التداوي له أحكام خمسة واجب ، مستحب ، مباح ، مكروه ، ومحرم ، فإذا ما كان الإنسان مصابا بسحر تهيج ، أو سحر غواية ، أو سحر عقوق أو سحر مرض، أو كان مصابا بمس وكان الجان الصارع من الكفار وكان مسيطراً على الإنسان وكان الشيطان يأزه لفعل المعاصي بأنواعها ولا يستطيع دفعه عنه ، وقد يكون المرض أو السحر أو المس يسبب المشقة للمريض وأهله عندها قد يكون التداوي واجبا للضرروة الملحة[1] ؛ ومن القواعد الفقهية "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
فينبغي على من يعاني من أعراض المس أو السحر أو العين أن يستشفي بكلام الله وبما جاء من أدعية مأثورة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم . وإذا كان يعاني من سحر أو مس شديد فينبغي عليه أن يستعين بالله ثم بمن له علم ودراية في علاج هذه الأمراض ، لأنه يخشى عليه أن تتدهور حاله فيَتعب ويُتعب من يعيش معه من غير أن يشعر ، وفي الغالب أن من به مس أو سحر يتصرف تصرفات غير متزنة يشعر بها من يعايشه ، والتكبر عن الاستشفاء بكلام الله هو خلاف المنطق الصحيح وهروب من الواقع ، يقول مطرف: لأن أعافى فاشكر احب إلي من أن أبتلى فأصبر.
[1] انظر فتح الباري ج11 صفحة 409 ، حديث رقم 6541 ، باب يدخل الجنة سبعون الفا بغير حساب وفي باب من لم يرق ج 10 صفحة 211 حديث رقم 5752 ، وانظر شرح النووي في باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وانظر الطب النبوي لابن القيم وأنظر كتاب أحكام التداوي والحالات الميؤوس منها وقضية موت الرحمة للدكتور محمد على البار ، وانظر حاشية العدوي في باب التعالج ، وانظر نيل الأوطار باب إباحة التداوي وتركه، وانظر فتح القدير شرح الجامع الصغير ، وشريط الرقى المشروع منها والممنوع إصدار تسجيلات العصر الإسلامية في الرياض رقم 8063.
اليك المزيد عن حكم الاسترقاء
حكم الاسترقاء:
أما الاسترقاء: وهو طلب الرقية، فقد اختلفوا أيضا في حكمه، وقبل أن نسرد أدلة كل فريق، يحسن أن نأتي على الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، وقد تضمنت ثلاثة أنواع، وهي:
1- الأمر: لحديث عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرها أن تسترقي من العين'؛ وفي لفظ: أمرني أن أسترقي من العين؛ وقوله: "استرقوا لها فإنّ بها النظرة"، وقوله: "فهلاّ استرقيتم له من العين". وقد مرت كلها قريبا.
2- الإباحة: لحديث أبي خزامة عن أبيه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله أرأيت (أي أخبرني عن) رقىً نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: "هي من قدر الله".(4)
ولحديث أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: "نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين".(5)
3- النهي: لحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب"، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: "هم الذين لا يسْـتَـرْقُون، ولا يتطيـّرون، ولا يكْـتَوُون، وعلى ربهم يتوكلون".(6) وفي لفظ لمسلم زيادة: "هم الذين لا يرقون ولا يسترقون".
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل".(7)
ويمكن إرجاع اختلافهم إلى أمرين:
1- إختلافهم في علة النهي الواردة في الحديث.
2- إختلافهم في زيادة لفظ مسلم (220): "لا يرقون ولا يسترقون". وقد ذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى أن "لا يرقون" مقحمة في الحديث، وهي غلط أو وهم من بعض الرواة، وحكم الشيخ الألباني رحمه الله بشذوذها في مختصره لمسلم، لكن قال ابن حجر (11/409): "وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وسعيد بن منصور حافظ وقد اعتمده البخاري ومسلم، واعتمد مسلم على روايته هذه، وبأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يُصار إليه، والمعنى الذي حمله على التغليط موجود في المسترقي لأنه اعتل بأن الذي لا يطلب من غيره أن يرقيه تام التوكل فكذا يقال له..".
* فأما من ذهب إلى كراهة الاسترقاء، وهم جماعة من أهل الأثر والفقه كسعيد بن جبير وداود بن علي وابن تيمية ابن القيم وغيرهم من المعاصرين، ولو كانت الرقية بما هو مشروع من الأذكار والهيئات، فقد استدل بحديث النهي، ورأى أن علة النهي تكمن في أن الاسترقاء:
- يقدح في كمال التوكل على الله تعالى، لما فيه من الاحتياج إلى الغير فيما الفائدة فيه مظنونة غير راجحة، أي أن البرء بالاسترقاء والاكتواء أمر موهوم، خلافا لسائر أنواع الطب.
- و لأنه سؤال المخلوق وإنزال الحوائج به دون الخالق، وقد ورد ذمّ المسألة إلاّ فيما تسوغ فيه كطلب العلم وغيره، فالمسترقي سائل راج نفع الغير، طالب للدعاء من غيره، ملتفت إلى غير الله بقلبه، والتوكل ينافي ذلك، بخلاف الراقي فإنه محسن إلى أخيه نافع له، وأن ترك الاسترقاء توكل على الله ورغبة عن سؤال غيره ورضاء بما قضاه. وليس هذا من باب ترك مباشرة الأسباب أصلاً، وإنما المراد أن الذين لا يسْـتَـرْقُون، يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها، توكلاً على الله تعالى، كالاكتواء والاسترقاء، فتركهم له لكونه سبباً مكروهاً.
* أما من ذهب إلى أن الاسترقاء الوارد في الحديث لا كراهة فيه، فلاعتبار أن علة النهي هي نفس العلة المتعلقة بالرقى الغير مشروعة، وقد سبق ذكرها، أي من جهة خلو الرقية من كل محذور شرعي، ومن جهة اعتقاد الطالب لها أن الشفاء ليس بذاتها استقلالا.
وأكثرالعلماء يسوون في حكم الرقية والاسترقاء بالشروط المذكورة سابقا.
وأجيب عن حجج الفريق الأول بردود منها:
- أن مظنونية البرء بالاسترقاء والاكتواء ليست خاصة بهما، بل أكثر أبواب الطب موهوم، فقد ينجع التعالج بالدواء كما هو الغالب وقد يتخلف الشفاء لمانع، وهذا يقتضي أن يتساوى حكم التداوي والاسترقاء باعتبار أن الاسترقاء نوع من التداوي، وهذا لا يقول به الفريق الأول.
- وإذا كان المسترقي سائل راج نفع الغير ملتفت إلى غير الله بقلبه، كان المتداوي كذلك ولا فرق، وهذا لا يقول به أيضا الفريق الأول.
- وأما أن الاسترقاء هو طلب الدعاء من الغير، فهذا لا ينطبق بمجمله على مسمى الاسترقاء إذ الرقية تتضمن أيضا تلاوة القرآن وهو أعم من الأذكار والأدعية.
- فإذا قَدَح الاسترقاء من حيث هو سبب في كمال التوكل وتمام الرضى بقضاء الله تعالى، قَدَح التداوي تبعا ولا فرق.
على أن قوله صلى الله عليه وسلم: "وعلى ربهم يتوكلون" يحتمل أن تكون هذه الجملة مفسرة لما تقدم من ترك الاسترقاء والاكتواء والطيرة، ويحتمل أن تكون من العام بعد الخاص، لأن صفة كل واحدة منها صفة خاصة من التوكل، وهو أعم من ذلك. أفاده ابن حجر في "الفتح" °(11/409).
علما أن التوكل عمل القلب واعتماده على الله في حصول النفع، وجمهور علماء السنة على أن من وثق بالله، وأيقن أن قضاءه عليه ماضٍ لم يقدح في توكّلـه تعاطيه الأسباب.
فإن كان التوكل عل الله هو الأصل الجامع الذي تفرع عنه الاسترقاء والاكتواء والطيرة، كانت علة النهي الجامعة بين هذه الأفعال والخصال هي: اعتقاد تأثير الأشياء بذاتها لا بقدرة الله وقدره، وقد كان أهل الجاهلية يتشاءمون فيعلّقون أفعالهم وأسفارهم باتجاه طيران الطير، كما أنهم كانوا في الغالب يرون البرء لذات السبب لا لكونه من صنع البارئ جل وعلا، فنفى ذلك الشرع وأبطله، وهذا أمر تكثر فيه شكوك الناس، يقولون لو فعل كذا لكان كذا، فيتكلون على الأسباب.
ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسترقاء والتداوي واستعمال التقاة هل ترد من قدر الله؟ قال: "هي من قدر الله"، حسما لاعتقاد تأثير الأسباب بنفسها.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "وهذا هو الأصل في هذا الباب، وهو أن يستعمل هذا الأسباب التي بينها الله تعالى لعباده وأذن فيها وهو يعتقد أن المسبب هو الله سبحانه وتعالى، وما يصل إليه من المنفعة عند استعمالها بتقدير الله عز وجل، وأنه إن شاء حرمه تلك المنفعة مع استعماله السبب، فتكون ثقته بالله عز وجل واعتماده عليه في إيصال تلك المنفعة إليه مع وجود السبب". نقله عنه البيهقي في "السنن الكبرى" (9/348).
فلو أن الاسترقاء المنهي عنه في الحديث يشمل المباح، لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها أن تسترقي من العين'، ولكان تعاطيها للاسترقاء قادحا في توكلها، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون رقية النملة من الشفاء بنت عبد الله، ورقية العقرب من عمرو بن حزم.
والأجمع في هذا الموضوع أن يقال بأن الاسترقاء يحرم إذا كان على الوجه الممنوع كما سبق بيانه، أو أنه يكره إذا وقع في قلب المسترقي، قبل إقدامه على الاسترقاء شيء من الاتكال على السبب فخشي أن يكل نفسه إلى الرقية أو إلى شخص الراقي ـــ وهذا شيء يقع فيه كثير من الناس، مثله مثل التطير ـــ فهنا يكره له الاسترقاء خشية الوقوع في المحذور، وهو من باب "ومَن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"، إلا أن يذهبه بالتوكل على الله، فيحسّن اعتقاده بأن لا شافي ولا مدبر سوى الله، فيستعين بالله مما يجده ويمضي على وجهه متوكلا على ربه.
أما اعتقاد الشفاء في غير الله أو التعلق بالأسباب دون خالق الأسباب، فهذا يحرم اتفاقا، وهو من معتقد الجاهلية.
فإذا انتفت هذه الموانع، وأيقن الطالب للرقية أن تعاطيه للأسباب لا يؤثر في قضاء الله وقدره، وأنه لايأتى بالحسنات إلا هو، ولايدفع السيئات إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا به، فحينئذ يشرع له الاسترقاء من غير كراهة، وخاصة مما يوقع الضرر كالعين والسحر وغيرهما، وهذا جمعا بين النصوص ودفعا لمسلك النسخ أو تعسف أنواع العلل، والله أعلم.
الهوامش:
(1) كتاب: "الأمّ" (7/288).
(2) "فيض القدير"(6/54)
(3) "مجموع الفتاوى" (ج 19/ ص: 47- 51- 55)
(4) رواه أحمد(3/421) والترمذي (4/399) وقال: "حديث حسن صحيح" وابن ماجة (3437) وغيرهم من حديث الزهري وانظر "الإصابة " '(3/283) لابن حجر، وحسن إسناده الشوكاني في "النيل" (9/90).
(5) رواه أحمد(27510) والترمذي (4/395) وقال: "حديث حسن صحيح"، والبيهقي في "الكبرى" (9/348) والحميدي في "مسنده" (1/158) وابن ماجة (3710) من حديث سفيان بن عيينة به ورواه أيضا النسائي في "الكبرى" (4/365) وغيره.
(6) روي من طرق عن جمع من الصحابة:
- عن ابن عباس : رواه البخاري (5378-5420-6107-6175) ومسلم (220) وأبو نعيم في "المستخرج" (527) وابن حبان (6430) والبيهقي في "السنن" (76040) و"الشعب" (1/251- 2/58) والطبراني في "الكبير" (380-425-426-494-605) وأبوعوانة (248) والبزار (3565) والأصبهاني في "دلائل النبوة" (1/807).
- عن عمران بن حصين : رواه مسلم (218) وأحمد (19412- 19464- 19482) والطبراني في "الأوسط" (2373-2705) والبزار (1441) وابن حبان (6089) وأبو نعيم في "المستخرج" (524).
- عن ابن مسعود: رواه البخاري في "الأدب المفرد" (911) وأحمد (3796- 3809- 4327) والطبراني في "الكبير" (9765) وأبو يعلى (5340) والحاكم (8278- 8721) وابن حبان (6084- 6431) وأبو نعيم في "الحلية" (2/248) والضياء المقدسي، وقال: "هذا عندي على شرط مسلم" ذكره ابن كثير (1/394).
- عن أبي هريرة : رواه الطبراني في "الأوسط" (8083) و"الكبير" (9765-9766) قال في "المجمع" (5/109): "وفيه من لم أعرفه" وأبو نعيم في "المستخرج" (523).
- عن خباب : رواه البزار (2120-2139).
أختك في الله