![]() |
أدب من آداب القاضي ، وهو نهيه أن يحكم وهو غضبان
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنهما قَالَ : (( كَتَبَ أَبِي - أَوْ كَتَبْتُ لَهُ - إلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ قَاضٍ بِسِجِسْتَانَ : أَنْ لا تَحْكُمْ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ . فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( يَقُولُ : لا يَحْكُمْ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ )) .
وَفِي رِوَايَةٍ : (( لا يَقْضِيَنَّ حَاكِمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ )) . -------------------------------------------- معاني الكلمات : سجستان : بكسر السين ، وهي جهة الهند . حَكَم : بفتح الحاء ، هو الحاكم . الفوائد : 1- في الحديث أدب من آداب القاضي ، وهو نهيه أن يحكم وهو غضبان . وقد اختلف في النهي هل هو للتحريم أو للكراهة ؟ والراجح أنه للتحريم . قال في المغني : " لا خلاف بين أهل العلم فيما علمناه في أن القاضي لا ينبغي له أن يقضي وهو غضبان " . 2- الحكمة من النهي : قال ابن دقيق العيد : " فيه النهي عن الحكم حالة الغضب ، لما يحصل بسببه من التغير الذي يختل به النظر فلا يحصل استيفاء الحكم على الوجه " . قال : " وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به تغير الفكر كالجوع والعطش المفرطين وغلبة النعاس وسائر ما يتعلق به القلب تعلقاً يشغله عن استيفاء النظر " قال ابن قدامة : " وفي معنى الغضب كلما شغل فكره من الجوع المفرط والعطش الشديد والجوع المزعج ومدافعة أحد الأخبثين وشدة النعاس والهم والغم والحزن والفرح ، فهذه كلها تمنع الحاكم لأنها تمنع حضور القلب واستيفاء الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب ، فهي بمعنى الغضب المنصوص عليه فتجري مجراه " . 3- لو خالف القاضي وحكم وهو غضبان : فقيل : لا ينفذ قضاؤه . لأنه منهي عنه ، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه . وقيل : يصح إن صادف الحق مع الكراهة . وهذا قول الجمهور . قال النووي في حديث اللقطة : " فيه جواز الفتوى في حال الغضب ، وكذلك الحكم ، وينفذ ولكنه مع الكراهة في حقنا ولا يكره في حقه ( لأنه لا يخاف عليه في الغضب ما يخاف على غيره " . وبعضهم استدل أنه ( قضى للزبير بشراح الحرة بعد أن أغضبه خصم الزبير . قال الحافظ : " لكن لا حجة فيه لرفع الكراهة عن غيره لعصمته ( ، فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضا " . 4- أنه ينبغي للحاكم أن يكون فارغ البال عند التحاكم . 5- حماية الشريعة للأموال والأعراض والأبدان ، لأن هذا النهي من أجل أن لا يخطئ الحاكم في حكمه ، والخطأ في حكمه يعتبر جناية على الأموال والأبدان والأعراض . فائدة : بعض آداب القاضي : أولاً : ينبغي أن يكون قوياً من غير عنف ، ليناً من غير ضعف ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، ويكون حليماً متأنياً ذا فطنة وتيقظ ، لا يؤتى من غفلة ولا يخدع من غرة . قال علي : " لا ينبغي أن يكون القاضي قاضياً حتى يكون فيه خمس خصال : عفيف ، حليم ، عالم بما كان قبله ، مستشير ذوي الألباب ، لا يخاف في الله لومة لائم " . وقال عمر بن عبد العزيز : " ينبغي للقاضي أن تجتمع فيه سبع خلال : العقل ، والعفة ، والورع ، والنزاهة ، والصرامة ، والعلم بالسنن ، والحلم " . ثانياً : ينبغي للقاضي أن يشاور فيما يشكل عليه . وقد ذكر الله تعالى العدل في القرآن وحث عليه ورغب فيه وأمر به في إحدى وعشرين آية . وقوله تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) . وعن عبد الله بن عمرو أنه ( قال : ( المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وفي أهلهم ) . رواه مسلم 6- ويحرم على القاضي أن يأخذ رشوة . أولاً : لحديث عبد الله بن عمرو قال : ( لعن رسول الله ( الراشي والمرتشي ) . رواه الترمذي ورواه أبو هريرة وزاد : ( في الحكم ) . ثانياً : أن فيها فساد الخلق . ثالثاً : أنها سبب لتغيير حكم الله . رابعاً : أن فيها ظلماً وجوراً . خامساً : أن فيها أكلاً للمال الباطل . سادساً : أن في الرشوة ضياع الأمانات . 7- يحرم على القاضي أخذ الهدية . وقد رتب بعض العلماء قبول الهدية مراتب : أولاً : هدية من شخص يهاديه قبل ولايته وليس له حكومة ، فحكمها جائز لبعدها تماماً عن الرشوة . ثانياً : رجل أهدى إليه هدية وليس من عادته أن يهاديه وليس له حكومة ، فالمذهب لا يجوز . وقيل : يجوز ، وهو الصحيح . ثالثاً : أن يكون له حكومة ويهاديه ، وهو ممن جرت عادته بمهاداته من قبل ، هذا لا يجوز . . |
بارك الله فيك وأحسن إليك
|
الساعة الآن 09:43 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com