![]() |
القواعد الحسان في صفات الرب الرحمن
بسم الله الرّحمن الرّحيم القواعد الحسان في صفات الرب الرحمن الحمد لله ربّ العالمين ، و الصّلاة و السّلام على رسوله الأمين ، و على آله و أصحابه الطّيّبين الطاّهرين ، و تابعيهم بإحسانٍ - من الأثريّين السّلفيّين - إلى يوم الدّين . أمّا بعد : فاعلم - يا رحمك الله - أناّ السّلفيّين - كلأنا الله برعايتــه - نُثبت لله - سبحانه - صفاتِ الكمال و الجمال و الجلال كلَّها ؛ الّتي أثبتها - سبحانه - لنفسه ، و أثبتها له رسوله - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - ؛ لأنّ الله - سبحانه - هو أعلم بنفسه ، و هو الأحسن قِيلاً ، و الأصدق حديثاً ، و قد تعهّد بحفظ ذكره . و رسوله - صلّى الله عليه و على آله و سلّم - أعلم النّاس ، و أفصح النّاس ، و أنصح النّاس للنّاس . نُثبتها على وجهٍ يليق بجلال الله - سبحانه - و جماله و كماله ؛ بغير تكييفٍ و لا تحريفٍ ، و بغير تمثيلٍ و لا تعطيلٍ ، و لا تفويض . - فالتّكييف : هو ذكر كيفيّة الصّفة ؛ و الحقّ أنّ الكيف غير معقول . - و التّحريف : هو تغيير الكَلِم عن موضعه ؛ و هو نوعان : - تغيير المبنى ، - و تغيير المعنى . - و التّمثيل : هو التّشريك بين الأصل و الفرع في كلّ جوانب الشّبه . - و التّعطيل : هو ترك مدلول اللّفظ في الأسماء و الصّفات ، و تخلية المبنى من المعنى ؛ و هو نوعان : - تعطيل الله - سبحانه - من أسمائه و صفاته ؛ الّذي هو كفر الجهميّة - لعنهم الله - ، - و تعطيل الأسماء والصّفات من مدلولها و معناها - مع تسمية الله - سبحانه - بها - ؛ الّذي هو كفر المعتزلة - لعنهم الله - . و لا نقول - كما يقول بعض أهل السّنّة - : (( بغير تأويلٍ ، ... و بغير تشبيهٍ ... )) ؛ لأنّ : - ( التّحريف ) ، و ( التّمثيل ) هو لفظ القرآن . - و لأنّ التّعبير بهما أبلغ في التّنفير عن هذه البدع . - و لأنّ : - التّشبيه : هو التّشريك بين المشبّه و المشبّه به في جانبٍ أو جوانب ؛ لكن : ليس في كلّ الجوانب ؛ و ليس هذا منفيّاً . - أمّا التّمثيل : فهو التّشبيه الكامل . - و التّحريف : هو الميل عن الجادة ، و بغير دليل . - فأمّا التّأويل : فله معان : - منها : التّفسير ؛ و هو القول في معنى المؤوّل بالدّليل . - و منها : مآل الشّيء ؛ فإن كان خبرً ا فوقوعه . - و إن كان طلباً فامتثاله . و التّمثيل يُبنى على التّكييف ، و التّعطيل على التّمثيل ، و التّحريف على التّعطيل . فمن أصابه داءٌ ليس كمن أرداه اثنان ؛ و ليس الثّلاثة كالأربعة . - و التّفويض : هو إرجاع العلم في معاني ( الأسماء و الصّفــات ) إلى الله - سبحانه - ؛ و هو شرّ قول الفرق الضّالّة - هذه - كلّها ؛ لأنّه يفتح الباب للمحرّفة و الممثّلة ، و لأنّ صاحبه يدّعي الجهل ؛ و المحرّف و الممثّل يدّعيان العلم . و نبرؤ إلى الله - سبحانه - من التّفويض - المذكور - في معنى الصّفة ؛ و نفوّض إليه - سبحانه - كيفيّتها - كما سبق - . و الصّفات - عندنا - نوعان : - صفات كمالٍ ثبوتيّة ؛ نثبتها - على القاعدة الآنفة - ، - و صفات نقصٍ سلبيّة ؛ ننفيها ، و نُنزّه ربّ العرش - سبحانه - عنها - . و نُثبت صفات الكمال إجمالاً و تفصيلاً ؛ فأمّا على وجه الإجمال فبالعقل و النّقل ، و أمّا على وجه التّفصيل فليس إلاّ بالدّليل ؛ إلاّ الصّفات المعنويّة - كما سيأتي - ، و إلاّ الكمالات المُطلقة ؛ فنسبتها إلى الله واجبةٌ من باب القياس الأولويّ . فأمّا صفات النّقص فننفيها عن الله - سبحانه - و نسلبها و نُنزّهه عنها كلّها ؛ و على وجه الإجمال و التّفصيل ؛ فأمّا إجمالاً ؛ فعقلاً و نقلاً - أي : ابتداءاً - ، و أمّا تفصيلاً ؛ فبالنّقل الصّحيح الموافقه العقل الصّريح . أي أنّ ( العقل السّليم المستقيم ) قد يدلّ - وحده - على إثبات جميع الصّفات الكاملة لله - سبحانه - ، و نفي الصّفات النّاقصة كلّهــــا عنه - سبحانه - ؛ هذا إجمالاً ، و أمّا على وجه التّفصيل فبالدّليل ، و العقل تابعٌ له ؛ إلاّ ما سلف استثناؤه . و القاعدة في نفي الصّفات السّلبيّة : - أن لا ننفي - تفصيلاً - إلاّ ما نفاه الشّرع ؛ خشية نفي ما تظنّه نقصًا في حقّ الله - سبحانه - لكونه نقصًا في غيره ؛ فلا يكون نقصًا في حقّه - سبحانه - - كما سيأتي - . - و أن يُذكر الدّليل حين النّفي و السّلب ؛ خشية الخلط بين دليل الإثبات و النّفي ؛ فتنفي بدليلٍ لا يدلّ إلاّ على الإثبات ؛ بل ننفي ما نفاه الشّرع ، و نثبت ما أثبت ، و لا نلتزم نفي ضدّ ما هو مثبت . - و أن نذكر كمال الضدّ في محلّ النّفي ؛ إذ ليس كلّ من نفى النّقص أثبت كمال ضدّه ؛ أمّا نحن ؛ فنثبت كمال ضدّ الصّفة الناّقصة في مكان نفيها . و الصّفات الثّبوتيّة نوعان : - صفاتٌ لازمةٌ ذاتيّة : و هي الّتي ما زال الله - سبحانه - و لا يزال متّصفاً بها . - و صفاتٌ فعليّةٌ طارئة : و هي الّتي يتّصف بها ربّنا متى شاء ، كيف شاء ؛ فلذلك نسمّيها - أيضًا - : ( الصّفات المشيئيّة ) . و الصّفات الّلازمة نوعان : - صفاتٌ معنويّة : و هي الّتي قد تثبت - ابتداءًا - بالعقول على وجه التّفصيل ؛ و منها ما يثبتها جهميّة الأشاعرة من : السّمع و البصر ، و الحياة و العلم ، و القدرة و الإرادة ، و الكلام . و يزيدها الماتريديّة صفةً ثامنةً يأباها الأشعريّة ؛ هي : الحكمة . و الحقّ أنّهم لم يثبتوها اتّباعًا للشّرع ؛ لا ؛ بل تقديسًا لعقولهم ! و ليت شعري ؛ ما الفرق بين هذه الصّفات و بين القوّة و العظمة و العزّة و الكبرياء و الجبروت - و غيرها - المنفيّة - عندهم - عنه - سبحانه و تعالى عن كفرهم - ؟! ثمّ إنّ هؤلاء الجهميّة - لعنهم الله - لا يثبتون ما أثبتوه ممّا سلف بيانه إلاّ ذاتيّاً لازما ؛ و ما كان منه مشيئيًّا فعليًّا طارئًا فإنّهم لا يثبتونه على هذا الوجه الثّاني ؛ فتأمّل . - و النّوع الثّاني من الصّفات اللاّزمة هو : الصّفات الخبريّة : و هي ما كانت - فينا - من جنس الأبعاض و الأجزاء ؛ كالوجه ، و اليدين ، و العينين ، و الأصابع ، و الرّجل ، و السّاق . . و من الصّفات ما هي : ذاتيّةٌ من وجهٍ ، فعليّةٌ من آخر ؛ كصفة : الكلام ، و الخلق ، . . و من الصّفات ما هي : كمالٌ إذا نُسبت لله - سبحانه - ، نقصٌ إذا نسبت لغيره ؛ كالكِبر ، و العظمة ، و نحوها . و منها ما هي : نقصٌ إذا نُسبت إليه - سبحانه - ، كمالٌ في غيره ؛ كالزّوجة ، و الولادة ، و النّوم . و من الصّفات ما هي : ثبوتيّةٌ من وجهٍ ، سلبيّةٌ من آخر ؛ كالاستهزاء ، و الكيد ، و المكر ، و الخداع ؛ فإنّها ثبوتيّةٌ كاملةٌ إذا كانت مقيّدةً بكون ذلك للكافرين المستهزئين ، الكائدين ، الماكرين ، المخادعين ؛ و هي سلبيّةٌ ناقصةٌ بغير ذلك . و من الصّفات ما لها معنيان ؛ أحدهما كمالٌ مُثبَت ، و الآخر نقصٌ منفيّ ؛ كصفة النّسيان ؛ فهي بمعنى التّرك : كمالٌ مُثبَتة ، و بمعنى عدم الحفظ : نقصٌ منفيّة . و نتوقّف في صفاتٍ لم يرد فيها إثباتٌ و لا نفي ؛ كالحركة ، و الحدّ ، و المكان ؛ فلا نثبتها ، و لا ننفيها ؛ بل نستبين عن معناها ؛ فإن كان المعنى حقًّا أثبتناه ، و إن كان باطلاً نفيناه . و هذا آخر المقصود بيانه . و الحمد لله ربّ العالمين . و كتب : أبو عبد الرّحمن الأثريّ معاذ بن يوسف الشّمّريّ - أعانه ربّه - في : الأردن – إربد – حرسها الله - في : 25 - صفر - 1417 هـ . |
الساعة الآن 04:28 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com