منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=87)
-   -   الحلقة الخامسة من فوائد الذكر (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=31364)

الفلك 28-09-2009 12:58 PM

الحلقة الخامسة من فوائد الذكر
 
* الفائدة الرابعة والثلاثون : أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده ؛ فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها؛ قال تعالى ** ولا تكونوا كالذين نسوا ألله فانساهم انفسهم أولئك هم الفاسقون ** وإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بد ، كمن له زرع او بستان أو ماشية أو غير ذلك ومما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فإنه يفسد ولابد هذا مع إمكان قيام غيره مقامه فيه ، فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها إذا أهملها ونسيها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها فما شئت من فساد وهلاك وخيبة وحرمان وهذا هو الذي صار أمره كله فرطا فانفرط عليه أمره وضاعت مصالحه وأحاطت به أسباب القطوع والخيبة والهلاك .
ولاسبيل إلى الأمان من ذلك إلا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به وأن لا يزال اللسان رطبا به وأن يكون الذكر بمنزلة حياته التي لا غنى له عنها ، ومنزلة غذائه الذي إذا فقده فسد جسمه وهلك ، وبمنزلة الماء عند شدة العطش ، وبمنزلة اللباس في الحر والبرد ، وبمنزلة الكنِّ في شدة الشتاء والسموم ، فحقيق بالعبد أن ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة وأعظم .
فأين هلاك الروح والقلب وفسادهما من هلاك البدن وفساده ؟ فهلاك البدن هلاك لا بد منه وقد يعقبه صلاح ولا بد ، وأما هلاك القلب والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولو لم يكن في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة وحدها لكفى بها؛ فمن نسي الله تعالى أنساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة قال تعالى ** ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ** أي تنسى في العذاب كما نسيت آياتي فلم تذكرها ولم تعمل بها .
وإعراضه عن ذكره يتناول :
· إعراضه عن الذكر الذي أنزله وهو أن يذكر الذي أنزله في كتابه وهو المراد
· ويتناول إعراضه عن أن يذكر ربه بكتابه وأسمائه وصفاته وأوامره والائه ونعمه فإن هذه كلها توابع إعراضه عن كتاب ربه تعالى فإن الذكر في الاية إما مصدر مضاف إلى الفاعل أو مضاف إضافة الأسماء المحضة
· أو يكون المعنى : أعرض عن كتابي ولم يتله ولم يتدبره ولم يعمل به ولا فهمه فإن حياته ومعيشته لا تكون إلا مضيقة عليه منكده معذبا فيها .
والضنك : هو الضيق والشدة والبلاء ، ووصفت المعيشة نفسها بالضنك مبالغةً .
وفسرت هذه المعيشة بعذاب البرزخ ، والصحيح أنها تتناول معيشته في الدنيا وحاله في البرزخ فإنه يكون في ضنك في الدارين وهو شدة وجهد وضيق في الدنيا والبرزخ ، وفي الاخرة ينسى في العذاب .
وهذا عكس أهل السعادة والفلاح فإن حياتهم في الدنيا أطيبُ الحياة ولهم في البرزخ وفي الآخرة أفضلُ الثواب ؛ قال تعالى : ** من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة **
فهذا في الدنيا ثم قال : ** ولنجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ** فهذا في البرزخ والآخرة .
وقال تعالى : ** والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الاخرة أكبر لو كانوا يعلمون**.
وقال تعالى : ** وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ** فهذا في الاخرة .
وقال تعالى : ** قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة و أرض الله واسعة إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب** فهذه أربعة مواضيع ذكر تعالى فيها أنه يجزي المحسن بإحسانه جزاءين جزاءً في الدنيا وجزاءً في الاخرة ، فالإحسان له جزاءٌ معجل - ولا بد- والإساءة لها جزاء معجل –ولابد- .
ولو لم يكن إلا ما يجازى به المحسن من انشراح صدره و انفساح قلبه وسروره ولذته بمعاملة ربه عز وجل وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى اعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه بسلطانه - وما يجازى به المسئ من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه – لكفى، وهذا أمر لايكاد من له أدنى حس وحياة يرتاب فيه ، بل الغموم والهموم والأحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية وجهنم حاضرة ، والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضاء به وعنه وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثوابٌ عاجل وجنةٌ وعيشٌ لا نسبة لعيش الملوك إليه البته .
وسمعت [[ الكلام لابن القيم رحمه الله تعالى ]] شيخ الاسلام ابن تيمية يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة .
وقال لي [[ الكلام لابن القيم رحمه الله تعالى ]] مرة: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني ، إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة .
وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هده النعمة أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا
وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله .
وقال لي [[ الكلام لابن القيم رحمه الله تعالى ]] مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه .
ولما دخل الى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : ** فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِهِ العذاب ** .
وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيبِ الناس عيشاً وأشرحِهم صدراً وأقواهم قلبا وأسرِّهم نفسا ، تلوح نضرة النعيم على وجهه.
وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحاً وقوة ويقينا وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عبادَه جنته قبل لقائه ، وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها .
وكان بعض العارفين يقول : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .
وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: و ما أطيب ما فيها ؟ قال : محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا .
وقال آخر: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً.
وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد و عزماته وإرادته هي جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهي قرة عين المحبين وحياة العارفين ، وإنما تقر عيون الناس بذلك على حسب قرة أعينهم بالله عز وجل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات ، وإنما يصدق هذا من في قلبه حياة واما ميت القلب فيوحشك مآله ثم ، فاستأنس بغيبته ما أمكنك ، فإنك لا يوحشك إلا حضوره عندك ، فإذا ابتليت به فأعطه ظاهرك ، وترحل عنه بقلبك ، وفارقه بسرك ، ولا تشغل به عما هو أولى بك .
واعلم أن الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به إلا فوت نصيبك وحظك من الله عز وجل ،وانقطاعك عنه ، وضياع وقتك عليك ، وضعف عزيمتك ، وتفرق همك . فإذا بليت بهذا -ولا بد لك منه- فعامل الله تعالى فيه واحتسب عليه ما أمكنك ، وتقرب إلى الله تعالى بمرضاته فيه ، واجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة ، وكن معه كرجل سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره ، فاجتهد أن تأخده معك وتسير به فتحمله ولا يحملك ، فإن أبى ولم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه بلا ركب الدرب ، ودَعْهُ ولاتلتفت إليه فإنه قاطع الطريق ولو كان من كان ، فانج بقلبك ، وضن بيومك وليلتك ، لاتغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فتؤخذ أو يطلع الفجر أنى لك بلحاقهم.


الساعة الآن 05:54 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com