منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=87)
-   -   السنة المطهرة ودعاوي تحريفها (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=49726)

راجيه الجنة 26-03-2012 07:15 PM

السنة المطهرة ودعاوي تحريفها
 
السنة المطهرة ودعاوى تحريفها
جمال الحسيني أبو فرحة




لما فشلت كل محاولة لإثارة أية شبهة حول النص القرآني جعل ذلك أعداء الإسلام يتجهون لمحاولة التشكيك في صحة الحديث النبوي الركيزة الثانية للإسلام- وهو ما يأباه التاريخ.
فكما كان حرص الصحابة على حفظ القرآن وتدوينه وجمعه كذا كان حرصهم على السنة فهي جزء من دينهم الذي يدينون به.
وفي القرآن الحث على طاعة الرسول، والنهي عن مخالفته قال - تعالى -: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء: 80، وقال جلّ شأنه: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) النساء: 59، وقال -عزّ من قائل-: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء: 65. وقال - سبحانه -: (وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر: 7 إلى غير ذلك من الآيات.
وفي القرآن الكريم أيضًا الحث على الاقتضاء به، قال - تعالى -: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأحزاب: 21.
بالإضافة إلى ذلك فقد حذرهم الرسول من ترك سنته حين قال لهم: ((لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به، أو نهيت عنه، فيقول: ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه)) رواه أبو داود، والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وحين قال لهم: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)) رواه أحمد وأبو داود.
وقد أحسّوا بأهمية السنة يقيناً حين نزلت بعض آيات من القرآن، فلم يستطيعوا فهمها، أو تنفيذ ما بها من أمر أو نهي إلا بالرجوع إلى سنة الرسول، والتي قال الله عنها: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) النحل: 44 كالأوامر بالصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك، فقد نزلت مجملة ثم جاءت السنة ففصلت هذا الإجمال.
كما أحسوا بذلك حين نزلت بعض الآيات تحمل أحكاماً عامة، فجاء الرسول فخصص هذا العموم، مثال ذلك قوله - تعالى -: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) النساء: 11 ثم قوله: ((القاتل لا يرث)) رواه الترمذي.
وحين جاءت بعض الآيات تحمل أحكاماً مطلقةً، فجاءت سنة الرسول فقيدتها، مثال ذلك قوله - تعالى-: ((من بعد وصية يوصي بها أو دين)) النساء: 11 ثم تقيده الوصية فيما رواه الترمذي وغيره بالثلث وبألا تكون لوارث.
بل إن السنة جاءت بأحكام كثيرة غير موجودة بالقرآن كتحريم الجمع بين المرأة وعمّتها أو خالتها.
ومن ثمة كان حرص الصحابة على السنة ومذاكرتها، فقال علي رضي الله عنه-: "تزاوروا وأكثروا ذكر الحديث، فإنكم إن لم تفعلوا يندرس"، وقال عبد الله بن مسعود: "تذاكروا الحديث فإن حياته مذاكرته".
كما كان حرصهم على الدقة في أخذها وأدائها حتى لم يجز بعضهم لنفسه أن يروي الحديث إلا إذا سمعه أكثر من ثلاث مرات، وقد قال لهم نبيهم: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) رواه مسلم.. وذلك لأن الإنسان لا يحفظ كل ما يسمع.
وكما يسر الله - تعالى- القرآن للذكر: ((ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر)) القمر: 17 يسر- تعالى- السنة كذلك، فعن عائشة - رضي الله عنها -: "كان كلام النبي فصلاً يفقهه كل أحد، لم يكن يسرده سرداً" رواه أحمد.. وعنها - رضي الله عنها - كذلك: "كان رسول الله لا يسرد سردكم هذا، يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من سمعه" رواه أحمد.. وعنها كذلك - رضي الله عنها -: "إن رسول الله لم يكن يسرد الحديث كسردكم كان يحدث حديثا لو عدّه العاد لأحصاه" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ومن هنا تسابق الصحابة -رضوان الله عليهم- في حفظ أحاديث الرسول وتدوينها في عهده، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت للرسول، فأومأ بأصبعه إلى فمه فقال: ((اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق)) رواه أبو داود والدارمي وأحمد.. وهو ما يؤكده قوله - تعالى -: (وما ينطق عن الهوى *إن هو إلا وحي يوحى) النجم 3، 4.
ومن ثمة يتبين لنا أن ما روي من أحاديث مرفوعة إلى النبي تنهى عن كتابة الحديث النبوي فمقصودها:
إما النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة فيختلط القرآن بالحديث.
وإما أن النهي خاص بمن خشي منه الاتكال على الكتابة دون الحفظ، والإذن لمن أمن منه ذلك.
أو أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره والإذن في غير ذلك.
أو أن النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس.
وها هي بعض من الأحاديث مما ورد في البخاري ومسلم فقط مما يؤكد على أن كتابة الحديث إنما بدأت في العهد النبوي وبغزارة وهناك غيرها كثير من الأحاديث مما لا يتسع المقام له.
روى البخاري بسنده عن وهب بن منبه عن أخيه قال: سمعت أبا هريرة يقول: "ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثاً عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب".
وروى البخاري ومسلم وغيرهما أنه "لما فتح رسول الله مكة خطب فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال: ((اكتبوا لأبي فلان)) قال ابن حجر: هو أبو شاه، وقيل للأوزاعي: ما قوله اكتبوا لي؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله.
وروى البخاري بسنده أن رسول الله لما اشتد وجعه قال: ((ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده))، قال ابن حجر: وفي هذا الحديث دليل على جواز كتابة العلم (الحديث) وهو لا يهم إلا بحق.
كما روى البخاري بسنده عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر".
وروى البخاري أيضًا: أن أبا بكر كتب لأنس بن مالك فرائض الصدقة التي سنها الرسول.
وروى مسلم بسنده أن أنس بن مالك كتب حديثا عن رسول الله غير كتاب أبي بكر.
وروى البخاري كذلك أن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - كتب حديث رسول الله، وأرسله إلى بعض أصحابه.
كما روى البخاري أن المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهم - بعض الحديث.
ويشهد لتدوين السنة المبكر في عهده كثيرٌ من كبار المستشرقين مثل: شبرنجر Sprenger، وجولدزيهر Goldziher، بل إن جولدزيهر ليعترف بدقة منهج علماء الإسلام في توثيق السنة، فهو يقرر أن المسلمين لا يعتبرون الحديث صحيحاً إلا إذا تتابعت سلسلة الإسناد من غير انقطاع، وكانت تتألف من أفراد يوثق بروايتهم، فلم يكتفوا بتحقيق أسماء الرجال وأحوالهم لمعرفة الوقت الذي عاشوا فيه وأحوال معاشهم، ومكان وجودهم، ومن منهم كان على معرفة شخصية بالآخر، بل فحصوا أيضًا مدى صدق أو كذب المحدث ومدى تحريه للدقة والأمانة في نقل المتون ليحكموا أي الرواة كان ثقة في روايته.
ومن ذلك: أنه حتى وإن سلم الراوي من وضع الحديث، وادعاء السماع ممن لم يلقه، وجانب الأفعال التي تسقط بها العدالة، غير أنه لم يكن له كتاب بما سمعه، فحدث عن حفظه، لم يصح الاحتجاج بحديثه حتى يشهد له أهل العلم بالأثر والعارفون به أنه ممن قد طلب الحديث وعاناه وضبطه وحفظه، ويختبر إتقانه وضبطه بقلب الأحاديث عليه..
قال أبو الزناد: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال ليس من أهله" راجع مسلم بشرح النووي. أي لا يوثق في قدرتهم على الحفظ والضبط.
وكما ترك علماء الإسلام رواية العدل إن لم يوثق في ضبطه ولم يكن له كتاب بما سمع، تركوا أخذ شيء من كتاب من لم يسمع من ثقة، وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إذا وجد أحدكم كتابا فيه علم لم يسمعه من عالم فليدع بإناء وماء فلينقعه فيه حتى يختلط سواده مع بياضه".
ويعلل الإمام مالك ذلك بخوفه من أن يزاد في هذه الكتب أو يحرف من وراء صاحبها، فحين سئل: أيؤخذ ممن لا يحفظ ويأتي بكتب فيقول: قد سمعتها وهو ثقة؟ قال: لا يؤخذ عنه، أخاف أن يزاد في كتبه بالليل.
وقال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وقال بن سيرين: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.
ومن ثمة يتبين لنا أن السنة النبوية بمعزل لا ترقى إليه شبه المضلين، وبذا امتازت الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم، فما تيقنت أمة من صحة كتابها تيقن الأمة الإسلامية من صحة القرآن والسنة، فصدق رسولنا الكريم: ((ما أعطيت أمة من اليقين أفضل مما أعطيت أمتي)) رواه الحكيم عن سعيد بن مسعود، وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: (قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) آل عمران: 73


الساعة الآن 04:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com