منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   منبر التزكية والرقائق والأخلاق الإسلامية (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=122)
-   -   هل الفتور معصية ؟ (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=34860)

أسامي عابرة 27-01-2010 08:20 AM

هل الفتور معصية ؟
 
هل الفتور معصية ؟


كيف نجمع بين قولنا : إذا لم يكن المسلم في زيادة فهو في نقصان ، وبين أن المسلم يفتر أوقاتا عن الطاعات ؟ وأيضا هل الفتور معصية ؟ وإذا مات وهو في فتور هل يعتبر كمن يعمل ويجتهد ثم يختم له بسوء ؟

الحمد لله

الفتور هو الكسل والتراخي بعد الجد والنشاط ، ولا شك أنه من الآفات التي تعرض للنفس بين الحين والآخر ، سواء في شؤون الدين ، أم في شؤون الدنيا ، وذلك من طبيعتها التي خلقها الله تعالى عليها .

وكل مسلم – بل كل إنسان – يجد ذلك في نفسه تراه مجتهدا في العبادة والتأدب بالأخلاق الحسنة وفي طلب العلم والدعوة إليه ، ثم بعدَ حينٍ يَدِب إليه الفتور ، فتضعف همته عن الخير الذي كان فيه إلى مغريات الكسل والراحة .
وكل امرئ بقدر فترته محاسب .

فمن أداه فتوره إلى ترك الفرائض والوقوع في المحرمات ، فهو على خطر عظيم ، وفتوره حينئذ معصية تستوجب الخوف من سوء الخاتمة نسأل الله العافية .

أما من كان فتوره في الفضائل والنوافل ، وهو مع ذلك محافظ على الفرائض والواجبات ، مجتنب للكبائر والمحرمات ، ولكن قلَّ نصاب الساعات التي كان يقضيها في طلب العلم مثلا ، أو في قيام الليل ، أو في قراءة القرآن الكريم ، فمِثلُه يُرجَى له أن تكون فترته عَرضا زائلا ، وآفةً مؤقتة ، تنتهي بعد مدة قصيرة إن شاء الله ، ولكن تحتاج إلى شيء من السياسة الحكيمة في العلاج والمداواة .

وهذا هو معنى ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ يَجْتَهِدُونَ فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا فَقَالَ : ( تِلْكَ ضَرَاوَةُ الْإِسْلَامِ وَشِرَّتُهُ ؛ وَلِكُلِّ ضَرَاوَةٍ شِرَّةٌ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ ، فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى اقْتِصَادٍ وَسُنَّةٍ : فَلِأُمٍّ مَا هُوَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى الْمَعَاصِي : فَذَلِكَ الْهَالِكُ ) رواه أحمد (2/165) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2850) .

قوله : ( فَلِأُمٍّ مَا هُوَ ) أي : قد رجع في فترته إلى أصل عظيم ، يعني : السنة ، أو : إنه ما زال على الصراط المستقيم ، ما دام متمسكاً بالكتاب والسنة ، وفي بعض الروايات : ( فقد أفلح ) .

يقول أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله : " ومن عيوبها – أي النفس - فَتَرٌ فيها في حقوق كان يقوم بها قبل ذلك ، وأتم منه عيبا من لا يهتم بتقصيره وفترته ، وأكثر من ذلك عيبا من لا يرى فترته وتقصيره ، ثم أكثر منه عيبا من يظن أنه متوفر [ يعني : مجتهد ] مع فترته وتقصيره ، وهذا من قلة شكره في وقت توفيقه للقيام بهذه الحقوق ، فلما قل شكره أزيل عن مقام التوفر إلى مقام التقصير ، ويستر عليه نقصانه ، واستحسن قبايحه ، قال الله تعالى : ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ) .
والخلاص من ذلك داوم الالتجاء إلى الله تعالى ، وملازمة ذكره ، وقراءة كتابه ، وتعظيم حرمة المسلمين ، وسؤال أولياء الله الدعاء له بالرد إلى الحالة الأولى ، لعل الله تعالى أن يمن عليه بأن يفتح عليه سبيل خدمته وطاعته " انتهى "عيوب النفس" (ص/8) .

والمسلم القائم بحقوق الله تعالى ، المبتعد عن نواهيه ، هو على خير إن شاء الله تعالى ، وإن جاءه ملك الموت على ذلك الحال فليستبشر بفضل الله ورحمته ، ويكفيه أنه يحمل في قلبه كلمة التوحيد متحققا بها عمله أيضا .

وما ورد عن شقيق بن عبد الله رحمه الله قال : ( مَرِضَ عبدُ الله بن مسعود ، فعدناهُ ، فجعل يَبكي ، فعوتب ، فقال : إني لا أبكي لأجل المرض ، لأني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : المرض كفارة .

وإنما أبكي أنه أصابَني على حال فترة ، ولم يُصِبْني في حال اجتهاد ، لأنه يُكتَب لِلْعبد من الأجر إذا مَرِض ما كان يُكتب له قبل أن يَمرض فَمَنَعَهُ منه المرض " انتهى .

عزاه ابن الأثير في "جامع الأصول" لـ "رزين" .

فلا يفسر ذلك على أن الموت في حال الفتور يعني سوء الخاتمة ، وإنما هي رغبة في الكمال ، وحرص على أفضل الأحوال ، ولكن قد لا يتيسر لكل مسلم أن يموت على الحال التي يتمنى .

وعلى كل حال فقد بشر الله تعالى المؤمنين المقتصدين بالأجر والخير ، فقال سبحانه :

( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة/277 ، وقال عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأحقاف/13-14 .

قال ابن القيم رحمه الله : " فتخلل الفترات للسالكين أمرٌ لازمٌ لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تُخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرَّم ، رُجي له أن يعود خيرا مما كان .

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه :

إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا ، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل ، وإن أدبرت فألزموها الفرائض . وفي هذه الفترات والغيوم والحجب التي تعرض للسالكين مِن الحِكَم ما لا يعلم تفصيله إلا الله ، وبها يتبين الصادق من الكاذب :

فالكاذب ينقلب على عقبيه ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه .

والصادق ينتظر الفرج ولا ييأس من روح الله ، ويُلقي نفسه بالباب طريحا ذليلا مسكينا مستكينا ، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتة ، ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يصلح له ، لا بسبب من العبد - وإن كان هذا الافتقار من أعظم الأسباب - لكن ليس هو منك ، بل هو الذي مَنَّ عليك به ، وجرَّدَك منك ، وأخلاك عنك ، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه ، فإذا رأيته قد أقامك في هذا المقام فاعلم أنه يريد أن يرحمك ويملأ إناءك ، فإن وضعت القلب في غير هذا الموضع فاعلم أنه قلبٌ مضيَّع ، فسل ربه ومن هو بين أصابعه أن يرده عليك ، ويجمع شملك به ، ولقد أحسن القائل :

إذا ما وضعت القلب في غير موضع ... بغير إناء فهو قلب مضيع " انتهى "مدارج السالكين" (3/126) .

وليس ثمة تعارض بين تأخر منزلة مَن فَتَرَ عن الكمالات ، وبين تعرُّضِ المؤمنين للفتور ، من وجهين اثنين :

1- أن المؤمن الذي يكون فتوره إلى اقتصاد والتزام ، يرجى له أن يرجع بعده أنشط على الخير ، وأحرص على الأجر ، فيعوض ما فاته من درجات المعالي وأسباب الكمال .

2- أنه إن بقي بعد ذلك تفاوت بين المؤمنين بسبب فتور بعضهم وَهِمَّةِ آخرين ، فذلك فضل الله تعالى ، يفاضل به بين درجات المؤمنين في الجنة .

يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : " إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة ، إذ صاحب حفظه مترق على درجات الكمال ، فإذا أضاعه لم يقف موضعه ، بل ينزل إلى درجات من النقص ، فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد ، فالعبد سائر لا واقف ، فإما إلى فوق ، وإما إلى أسفل ، إما إلى أمام ، وإما إلى وراء ، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة ، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي ، إلى الجنة أو إلى النار ، فمسرع ومبطئ ، ومتقدم ومتأخر ، وليس في الطريق واقف ألبتة ، وإنما يتخالفون في جهة المسير وفي السرعة والبطء ، قال تعالى : ( إنها لإحدى الكبر . نذيرا للبشر . لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) ، ولم يذكر واقفا ، إذ لا منزل بين الجنة والنار ، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين ألبتة ، فمن لم يتقدم إلى هذه الأعمال الصالحة ، فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة .

فإن قلت : كل مُجِدٍّ في طلب شيء لا بد أن يعرض له وقفة وفتور ثم ينهض إلى طلبه ؟

قلت : لا بد من ذلك ، ولكن صاحب الوقفة له حالان :

إما أن يقف ليجم نفسه ، ويعدها للسير : فهذا وقفته سير ، ولا تضره الوقفة ، فإن لكل عمل شرَّة ، ولكل شرَّة فترة .

وإما أن يقف لداع دعاه من ورائه ، وجاذب جذبه من خلفه ، فإن أجابه أخره ولا بد ، فإن تداركه الله برحمته ، وأطلعه على سبق الركب له وعلى تأخره : نهض نهضة الغضبان الآسف على الانقطاع ، ووثب ، وجمز – أي : [ قفز ] ، واشتد سعيا ليلحق الركب .

وإن استمر مع داعي التأخر ، وأصغى إليه ، لم يُرض برده إلى حالته الأولى من الغفلة وإجابة داعي الهوى ، حتى يرده إلى أسوأ منها ، وأنزل دركا ، وهو بمنزلة النكسة الشديدة عقيب الإبلال من المرض ، فإنها أخطر منه وأصعب .

وبالجملة : فإن تدارك الله سبحانه وتعالى هذا العبد بجذبة منه مِن يَدِ عدوِّه وتخليصه ، وإلا فهو في تأخر إلى الممات ، راجع القهقرى ، ناكص على عقيبه ، أو مُوَلٍّ ظهره ، ولا قوة إلا بالله ، والمعصوم من عصمه الله " انتهى .


"مدارج السالكين" (1/267-268) .

وانظر جواب السؤال رقم: (47565) ، (20059)

والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب



*** 27-01-2010 12:42 PM

بارك الله فيك أختنا الفاضلة ام سلمى على هذا النقل الموفق

*** 28-01-2010 10:22 PM

يرفع

أبوسند 29-01-2010 02:58 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خير على هذي الفتوى وبارك الله فيك
والله يجعل جهدك في ميزان حسناتك
والله يكتب لك الخير حيث كان
والله يرزقنا وغياكم الفردوس
الاعلى

ريحانة الربيع 29-01-2010 03:25 PM

كم أحزن 00 اصبحث لا أأدي صلاتي

شعور الثقل بها كبير فكم احزن فهناك ما يؤرقني يجعل تفككيري في حجم القلق الى ان لا افعل شيئ

اقرأ الموضوع ولا اشعر به دعواتكم لي بالهدايه واصلاح فكم احاول في نفسي ومازلت

اعاننا الله

جزاكم الله خيرا

أسامي عابرة 29-01-2010 08:40 PM

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم أخوتي الكرام

تشرفت بمروركم الكريم وتعليقكم الطيب المبارك

أسأل الله لكِ شفاء لا يغادر سقما أختي الكريمة ريحانة الربيع

رفع الله قدركم وأعلى نزلكم في جنات النعيم

في رعاية الله وحفظه

المشتاقة للكعبة 01-03-2012 09:23 AM

السلام عليكم و رحمة الله .كنت بحاجة لهذا الموضوع .بارك الله فيك و جعله الله في ميزان حسناتك .شكرا

أسامي عابرة 01-03-2012 09:30 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وفيكِ بارك الله أختي الحبيبة المشتاقة الحمد لله الذي وجدتي ضالتكِ

سرني مروركِ الكريم وحسن قولكِ

رزقكِ الله خيري الدنيا والآخرة

في حفظ الله ورعايته

أبوسند 01-03-2012 09:52 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



موضوع مميز أسأل الله أن يميزك بالعلم والطاعه
والله يزيدك من فضله ومنه وكرمه والله ينفعك وينفع بموضوعك
الجميع
والله يكتب لكم الخير حيث كان والله يجعلنا وإياكم من أهل الفردوس
الأعى

أسامي عابرة 02-03-2012 05:39 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

وإياكم ..اللهم آمين .. بارك الله فيكم

تشرفت بمروركم الكريم وتعليقكم الطيب المبارك

رفع الله قدركم وأعلى نزلكم في جنات النعيم

في رعاية الله وحفظه


الساعة الآن 09:05 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com