منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=87)
-   -   الفهم الجديد للنصوص! (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=32146)

( الباحث ) 22-10-2009 11:04 AM

الفهم الجديد للنصوص!
 
الفهم الجديد للنصوص!
الشيخ محمد بن صالح المنجد
--------------------------------------------------------------------------------

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته.

وبعد،
فموضوعنا في هذا المقام عظيم وخطير والله، إنَّه يَمَسّ الدين، إنَّه يُتعلق بالنجاة، فإنَّ الله تعالى قد أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم هذا العلم من الكتاب والسنَّة، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ** [الشورى: 52]، وفي الوقت الذي يهدي به كثيرًا يضل به كثيرًا، وما يضل به إلا الفاسقين، إلا أهل الهوى، إلا أهل التحريف.

النص الشرعي بنوعيه: القرآن والسنَّة أساس الدين، فلا مصدر للأحكام، ولا أساس للشريعة إلا هذا الوحي المتعبد بتلاوته القرآن، وغير المتلوِّ وهو السنَّة، فالمتلوُّ كلام الله وكتابه العزيز: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ** [فصلت: 42]، محفوظ من التحريف والزيادة والنقصان، حبل الله المتين، وصراطه المستقيم، يُخرج الله به من شاء من الظلمات إلى النور، جعله الله حكمًا بين الناس ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا** [الأنعام: 114] موضحًا فيه الحلال والحرام، أصول الدين وفروعه بجلاء، لا أحسن، ولا أحكم، ولا أقوم من هذا الكتاب.

والوحي غير المتلو سُنَّة محمد صلى الله عليه وسلم {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى** [النجم: 2-4]، هو راشد مهتدٍ، صادق لا يفعل إلا حقًّا، ولا يقرر إلا عدلًا، سنته هي الحكمة {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا** [النساء: 113].

قال الشافعي –رحمه الله–: ((ذَكر الله الكتاب وهو القرآن، وذَكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقولون: الحكمة: سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم))، هذا الكتاب القرآن، وهذا شرحه في هذه السنَّة، لا فرق بينهما في الحجية والعمل.

وعلى هذا النَّهج سارت قرون الأمة الخيِّرة، تُقدم النص وتقدسه، تفهمه وتعمل به ولا تعدل عنه، ولمَّا عرف أعداؤنا مصدر عزتنا وقوتنا -وهو هذه النصوص من الكتاب والسنَّة- أغاروا عليها وخطَّطوا من أجل حَرْفِنا عنها، وأن نعدل عنها، اجتهدوا في الطعن في القرآن والسنَّة لسلخ المسلمين عن هذين المصدرين العظيمين، وباءت محاولاتهم بالخسران والإخفاق، لم تلقَ على مرِّ العصور آذانًا مصغية من جمهور المسلمين، زاغ من زاغ، وضل من ضل، ولكن بقي أكثر الجسم الإسلامي سليمًا من نتائج هذه المحاولات للإسقاط، فبقيت الهيبة في النفوس، بقيت الهيبة لهذا الدين، ما أكثرَ المقبلين على القرآن، حتى في بلاد أوربا التي أنتجت الرسومات المسيئة، والأفلام المشوهة، زاد الإقبال على القرآن، ونَفِدَت قبل أيام نسخ إلكترونية من المعاني المترجمة للقرآن في هولندة، وأعلن أُناسٌ إسلامهم، فهذا إقبال.

لما رأى أعداءُ الدين عظمة هذين المصدرين في نفوس المسلمين تحيروا في أمرهم، وغلت بالحقد قلوبهم، وهاج الحسد في نفوسهم، فأمعنوا النظر، وقلَّبوا الفكر وسلكوا السبل، عقدوا الاجتماعات، وعصفوا أذهانهم لينظروا ماذا يعملون، فخرجوا فيما خرجوا به من المؤامرات ببدعة: إعادة قراءة النص، وفتنة: القراءة الجديدة للنص.

دعوة قد أطَّلت علينا في هذه الأيام، مع أنَّ لها سلفًا من الباطنية وأهل الضلال والزيغ في الماضي، لكنها لبست لبوسًا وأقبلت تُطل بقرونها، لما أدرك هؤلاء الأعداء أنَّ الله تكفل بحفظ نصوص الوحيين، وأنَّ كل محاولات تحريف القرآن اللَّفظي باءت بالإخفاق، وكل محاولات الدس والطعن في السنَّة، ووضع الأحاديث المكذوبة باءت بالإخفاق.

ماذا سيعملون؟!
استسلموا من جهة عدم إمكانية تحريف القرآن والسنَّة -تحريف اللفظ- لأنَّ الله تكفل بحفظه فكيف سيغلِبون الله؟!! لا يستطيعون، فقالوا: تحريف المعنى، هذا قصدنا، هذه طريقتنا الجديدة، ومؤامرتنا في القديم والحديث الآن، فتنة تطل عبر الصحف والمواقع، والقنوات والمجالس: القراءة الجديدة للنص، الفهم الجديد للكتاب والسنَّة، وهكذا، تحريف الكلم عن مواضعه، حتى صارت اليوم القضية ظاهرة خطيرة، ومنهجًا دخيلًا، وزيفًا فكريًّا، ومؤامرة عظيمة تُحاك؛ قراءة معاصرة، قراءة حذفية.

وواجبنا الدفاع عن القرآن والسنَّة، {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ** [الأنعام: 55]، قامت هذه الدعوة على أيدي أُناس يتظاهرون بالانتساب إلى الدين، ويتسمون بالمفكرين الإسلاميين؛ لتلقى رواجًا عند بعض المثقفين والعامة، تقدمت هذه المؤامرة داخل البيت الإسلامي، لم تأتِ من الخارج تمامًا كما فعل المستشرقون، وإنَّما من أذنابهم وتلاميذهم المتأثرون بهم، السائرون على دربهم، من داخل البيت الإسلامي، يعبثون بالنصوص ويحرفون، يفرغونها من معناها الحقيقي، وبالباطل يستبدلون، يطرحون أفكارهم وآراءهم على أنَّها رؤى إسلامية، وعلى أنَّها فهم جديد للنص، وهو تحريف وتغيير لما أراد الله، وما أراده رسوله صلى الله عليه وسلم.

لقد حدثنا نبينا صلى الله عليه وسلم عنهم، فقال: ((دُعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، قال حذيفة: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: ((هم من جِلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا))، رواه البخاري ومسلم. يستشهدون بالنصوص نفسها، يأتون بالأدلة بالآيات بالأحاديث، لكن الفهم مختلف، التفسير مختلف، المعنى مغاير لما قاله الصحابة والتابعون وسلف الأمة وعلماؤها.

بدأت هذه الفتنة تتنامى في عالمنا الإسلامي، وتتلقفها هذه الصحف المغرضة، هذه الأقلام المسمومة تكتب، ووسائل الإعلام تنشر، المقابلات تِلو المقابلات والدِّعايات، وتُفتح السُّدد لأصحابها، المعارض والقنوات من مختلف الأقطار: عصرانيون، حداثيون، ليبراليون، ليبروإسلاميون، وبالفلسفة متشبعون، ومن لسان الغرب قد ارتضعوا يفسدون، لا يكاد يخلو منهم بلد، فظهر في مصر: نصر حامد أبو زيد، وجمال البنا، وحسن حنفي، وفي السودان: محمود محمد طه، وحسن الترابي، وفي الشام: محمد شحرور، والطيب تيزيني، وفي تونس: عبد المجيد الشرفي، ومحمد الشرفي، وفي المغرب: محمد عابد الجابري، وفي فرنسا: محمد أركون جزائري الأصل، وتبعهم الكتاب في الدول العربية وفي الخليج، وفي أنحاء من العالم الإسلامي يفسدون في الأرض، ويريدون أن يعيثوا فسادًا في الكتاب والسنَّة.

ومن الأخبار القريبة:
جامعة أنقرة تعد القيام بمراجعة شاملة للأحاديث النبوية؛ لأنَّ الأحاديث غالبًا ما تكون لها مضامين تؤثر سلبًا في المجتمع!! يقول أنصار هذه المراجعة: ((إنَّ الأصول العقلانية للإسلام يتم اكتشافها الآن من جديد، وبعض الأحاديث الصحيحة يتم تعديلها ويتم إعادة تفسيرها))، ويقول محمد جرميز: ((إن هناك أحاديث تمنع النساء من السفر أكثر من ثلاثة أيام بغير إذن أزواجهن، وهي أحاديث صحيحة، لكنها ليست منعًا دينيًّا؛ بل جاءت لأنَّ السفر في زمن الرسول كان أخطر مما هو اليوم، لكن الأمور تغيرت، والناس أبقوا على تعليمات لم يكن مقصودًا منها إلا حماية النساء مؤقتًا))، لننتبه: الولي والمحرم هذه حماية مؤقتة، كانت في زمن فيه السفر خطير، والآن تغيرت الأوضاع، وتغير نمط السفر فسقط الولي، وسقط المحرم، وسقط ذلك المعنى للنص الذي يحذر السفر بغير محرم.

ويقول آخر: ((الخنزير كان محرمًا؛ لأنَّه كان يتناول القاذورات، فلما صاروا يطعمونه في مزارع أوربا أطعمة نظيفة فهو حلال اليوم))، الخبير البريطاني فادي من مؤسسة شاتام هاوس في لندن يقول: ((إنَّ ما يحدث الآن في المؤسسات العلمية في الجامعات هو تحويل الإسلام من دين تجب طاعة تعاليمه إلى دين مصمم لتلبية حاجيات الناس في الديمقراطية العلمانية الحديثة، وإنَّ بعض كليات الشريعة في أنحاء من العالم الإسلامي يجري فيها استخدام تقنيات النقد والفلسفة الغربية في التعامل مع الحديث)). موقع الـ BBC.

يريدون دينًا آخر، يريدون طريقة أخرى، انتهاج سياسة بني إسرائيل في تحريف الكلم عن مواضعه:
لا تحذُ حذو عصابة مفتونة يجدون كلَّ قديمِ أمرٍ منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا من مات من آبائهم أو عمرا


حمل هذا الاتجاه شعارًا هو الأخطر: إنَّه شعار التحديث للإسلام، وعصرنة الإسلام، وإعادة فهم الإسلام من جديد، تركٌ لما كان عليه سلف الأمة، وأخذٌ بزبالات الأذهان التي أنتجتها عقولهم العفنة، وهكذا نجد أنَّ من أسباب نشوء هذه الفكرة في هذا المنهج الخبيث: مسايرة الواقع، ضغوط الأعداء، الافتتان بالحياة الغربية، وخاصة بما فيها مما يصادم نصوصنا الشرعية.

ولذلك لما قال الضال محمد أركون عن كيفية التعامل مع النصوص الواضحة غير المحتملة مثل قول الله –عز وجل–: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ** [النساء: 11]، قال: في مثل هذه الحالة لا يمكن فعل أي شيء.

يقول الآن العالم: للذكر مثل الأنثى ماذا نفعل في الآية؟ المشكلة الآية فيها صراحة واضحة تمنع محاولات إعادة التفسير {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ**، ماذا نفعل مع هذا النص؟! ورطة!! قال: لا يمكن فعل أي شيء إلا إعادة طرح مسألة التفسير القرآني! أعيدوا تفسير القرآن!! لا يمكننا أن نستمر في قبول أن لا يكون للمرأة قسمة عادلة!! يُتهم الله بالظلم!! يقول: لا يمكن أن نقبل أن لا يكون للمرأة قسمة عادلة، فعندما يستحيل التكيف مع النص ينبغي العمل على تغييره، (أجرت الحوار مجلة لونوفيل الفرنسية).

ثم من الأسباب لهذه المنهجية المنحرفة:
التأثر بالمدارس الغربية والدراسة في الغرب، والجهل بالشريعة واتباع الهوى والتنازلات؛ لأنَّ الناس الآن تريد دينًا سهلًا، فيقدمون لهم تفسيرًا جديدًا لا يتنافى مع أهوائهم، صعب عليهم التمسك بالأحكام، فلا بد من الإتيان بأحكام جديدة تُفهم على طريقة جديدة من النصوص نفسها، حذَّرنا الله في كتابه من هذه المنهجية المنحرفة، فقال: {يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ** [البقرة: 75]، سلفهم يهود.

ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنَّ هذه الأمة تتبع من كان قبلها حذو القُذَّة بالقُذَّة، كان لا بد أن نتوقع أن ينشأ في هذه الأمة من يسير على منوال يهود، والمحرفين من بني إسرائيل في تحريف الكلم عن مواضعه. ولقد عرف التاريخ فِرقًا وأفرادًا سلكوا هذا المسلك في تحريف النصوص كالمعتزلة والخوارج والفرق الباطنية وبعض المتصوفة، وباب التأويل عريض، دخل منه الزنادقة لهدم الإسلام، وحمَّلوا الآيات والأحاديث من المعاني ما لا تحتمله.

قال بشر المريسي: ((ليس شيء أنقض لقولنا من القرآن، فأقِرُّوا به في الظاهر ثم اصرفوه في التأويل))، دبروا له صرفة في المعنى والتفسير، مانعو الزكاة قالوا: الآية تقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ** يا محمد صلى الله عليه وسلم {صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا** [التوبة: 103]، وبما أنَّه مات سقطت الزكاة؛ لأنها خاصة به.

القرامطة الباطنية: فسروا الصيام: بكتم أسرار الطائفة، والحج: بالسفر إلى شيوخهم، والجنة: بالتمتع باللَّذات في الدنيا، والنار: بالتزام الشرائع والدخول تحت آثارها وأغراضها، لأنَّهم لا يُقرُّون بالقرآن، لا يقرون بالجنة والنار، باطنية الفلاسفة فسروا الملائكة: بقوى النفس الطيبة، وفسروا الشياطين: بقوى النفس الخبيثة، وقالوا: لا يوجد جنة ولا نار، بل كانت هذه من باب حمل الناس على فعل الخير وترك الشر، ولذلك وصفنا لهم أوصافًا في الجنة من باب التحفيز لفعل الخير، فلا جنة، ولا ميعاد أصلا، وكذلك النار حتى يخاف الناس ولا تعتدي ولا تسرق ولا تقتل، وهكذا.

والمعتزلة: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا** [النساء: 164]، قالوا: كلََّّم من التكليم يعني: التجريح –الكَلْم: الجرح– كلمه تكليمًا أي: جرحه بأظافير الحكمة!!

غلاة الصوفية: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ** [الحجر: 99]، يعني: حتى تصل لمنزلة اليقين، فتسقط عنك التكاليف، فينبغي إعادة قراءة للنص.

وقال بعضهم في قوله: {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ** [الغاشية: 18]: إلى الأرواح كيف جالت في الغيوم، {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ** [الغاشية: 19]: إلى قلوب العارفين كيف أطاقت حمل المعرفة الإلهية.

وسئل بعضهم عن الحجة في الرقص؟ قال: قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا** [الزلزلة: 1]، وقال بعض الباطنية في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً** [البقرة: 67]: عائشة، {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ** [الرحمن: 19]: علي وفاطمة، {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ** [الرحمن: 22]: الحسن والحسين، {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ** [الإسراء: 60]: بنو أمية... إعادة قراءة للنص!!.. وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّه لا نبي بعدي)) قالوا: بشَّر بنبي اسمه (لا)!!.

وفهموا ((من بدل دينه فاقتلوه)) قالوا: من بدَّل دينه من اليهودية إلى الإسلام، أو من النصرانية إلى الإسلام فاقتلوه –إعادة قراءة للنص!! معنى جديد للنص!!– تحريف النصوص الشرعية لم ينقطع عبر الزمن.

الباطنية الجهمية.. هذا مسلكهم.. هكذا فعلوا، والآن اللاحق يسير على منوال السابق، وعلى طريق الأسلاف تمضي قافلة الزنادقة من الباطنية الجدد..

تقوم دعوتهم على أسس منها:
أولاً: القول بالظنِّية المطلقة لدلالة النص الشرعي:
هذا الموجود في معارض الكتاب، كتب والناس تشتري وتدخل، ماذا يوجد فيها؟ يقولون: النصوص الشرعية من الكتاب والسنَّة ظنية الدلالة غير قطعية فيها، النص الشرعي ظني الدلالة، فإذًا بما أنَّه غير قطعي فالفهم هذا غير ملزم، ظاهره غير ملزم بالنسبة لنا.

ولذلك فإنَّ هذا الفهم لا يصح أن يُحترم ويقال: لا تأتوا بخلافه؛ لأنَّه ظني غير قطعي الدلالة، القرآن عندهم كما يقول أركون: ((القرآن نص مفتوح على جميع المعاني، ولا يمكن لأي تفسير أو تأويل أن يغلقه أو يستنفده بشكل نهائي)) هذا في كتابه "تاريخية الفكر العربي الإسلامي" [ص: 143]، بل يدعو أركون إلى أنَّ من حق كل فرد أن يفهم القرآن على حاجات عقله، وأن يفسره بحسب أحواله ومقتضياته وحاجاته، وأنَّ من حق كل فرد أن تكون له قراءته الخاصة للنَّص، فلا يلزم أن تروح للعالم أو تسأل أهل الذكر، ولا تنظر ماذا قال ابن عباس أو السلف، كل واحد يفهم حسب حاله وحسب وضعه، وهكذا يريدون أن ينتهوا إلى حرية مطلقة لا يحتكم فيها إلى قانون معين، ولا إلى مثلًا: ما أجمعت عليه الأمة أو الصحابة أو التابعون أو القرون الثلاثة، فلا مرجعية في قضية الفهم، كل واحد حر يفهم كيف يشاء.

ويقول أيضا في كتاب "الفكر الأصولي واستحالة التأصيل": ((إنَّ القراءة –يعني قراءة النص الشرعي– التي أحلم بها هي قراءة حرة))، هذا هو ما يكتبه الآن هؤلاء الكتاب في الصحف، فما ترى من كتابات هؤلاء على درجات متفاوتة هو من هذا الباب، داخل في هذا الباب، ما يكتبه بعض هؤلاء الكتاب اليوم في الجرائد هو من هذا الباب، يقول: ((إنَّ القراءة التي أحلم بها هي قراءة حرة إلى درجة التشرد والتسكع في كل الاتجاهات، إنَّها قراءة تجد فيها كلُّ ذات بشرية نفسَها))، فيرفعون شعار: "النص مقدس والتأويل حر"، طيب هو لا يمكن أن يجحد القرآن؛ لأنَّه سيقول الناس له: أنت كافر، تجحد الحديث فأنت كافر، إذًا ما الحل؟ أن يكون القرآن مقدسًا، والحديث مقدسًا، لكن الفهم حر، افهم كما تشاء، هذه نظرية جديدة.

فكلمة الجيب في قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ** [النور: 31]، ممكن أن يفهم منها شخص معنى، وشخص آخر معنى ثانيًا، وشخص ثالث معنى ثالثًا، وكل واحد له قراءته، وكل واحد فهمه غير ملزم للآخر، فمثلًا شحرور هذا الضال يقول: ((الأجزاء بالمرأة التي تُلزَم بتغطيتها وتحجيبها هي الجيب))، وأيش يكون الجيب عنده؟! كل ما له طبقتان –أي: ما له طبقتان فهو جيب– وبناء عليه يقول: ((الفرج والأليتان والإبط والثديان، يقول: هذا الذي يجب تغطيته)) {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ**، طيب يا غبي: الفم له طبقتان، والعين ما هي؟!

وآخر يفسر قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا** [النساء: 1]، قال النفس الواحدة: البروتون وزوجها الإلكترون، "القرآن والعلم الحديث" عبد الرزاق نوفل.. فينبغي إعادة قراءة للنص!! السلف ما كانوا يعرفون الإلكترون والبروتون، الآن تطور العلم، الآن نحن نعيد تفسير القرآن والسنَّة على حسب المكتشفات المعاصرة، ولو مشينا على هذا المنهج فماذا ستتوقعون؟ إلى أين سنصل أيها الإخوة والأخوات في إعادة قراءة النص؟ إذًا سيعاد كما فعل الباطنية، تفسير الصلاة يعاد، تفسير الصيام يعاد، تفسير الزكاة يعاد، تفسير الحج يعاد، وكل يفسر على طريقته الخاصة، ومن ثم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، ((خذوا عني مناسككم))، هذا كله سيسقط، وكل واحد يصوم كما يريد.

ويقول عبد المجيد الشرفي وهو من أنبيائهم –أنبياء الزور والبهتان–: ((الحرية للمسلم يتعبد بالصيغة التي يراها أنسب وأفضل)) فهذه النصوص عندهم لا يتحصل من معناها شيء يضبطه قانون، فإذا كان القرآن كتابًا مفتوحًا على جميع المعاني إذًا لا يوجد سبيل واحد للمؤمنين، ومن ثم {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ** [النساء: 115]، ليس لها قيمة.

ولكل إنسان أن يفهم ويطبق، ومن ثم حتى لو أردت أن تستخرج كل الاختراعات الطبية والمكتشفات الهندسية والجيولوجية والبيولوجية أمكن، {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ** [المؤمنون: 71]، ولو حصل العمل بهذه الطريقة لانهدمت الحياة، فلا يريد هؤلاء في النهاية إلَّا تحطيم الإسلام، كيف سنعمل بالأوامر والنواهي على ضوء الطريقة الجديدة هذه؟! ماذا سنعمل بالشرائع والأحكام والعبادات التي جاءت؟!

لو قدَّم أحد أصحاب هذه الفكرة لتلاميذه في الامتحان قصيدة المتنبي في مدح سيف الدولة، ثم خطر للتلاميذ أن يفسر كل واحد منهم قصيدة المتنبي في مدح سيف الدولة بقراءة عصرية حديثة، فكتب تلميذ في ورقة الامتحان: هذا هجاء مقذع، وأوَّل كلام المتنبي كله على الاستعارة التهكمية، يعني مثل (ذق إنك أنت العزيز الكريم)، إن أصل كلام المتنبي كله عشق من باب الاستهزاء والسخرية، مدح في صورة سخرية، وكتب زميل آخر من التلاميذ في الورقة: هذا غزل رقيق، المتنبي أسقط على سيف الدولة صورة الأنثى التي لم يجدها في الواقع، إعادة قراءة النص بطريقة الإسقاط، وآخر ثالث قال: هذه قصيدة في الفخر، المتنبي يريد أن يفتخر بنفسه والثنائية متوهمة؛ لأنَّ في الحقيقة ما في غير شخصية واحدة في القصة، وسيف الدولة غير موجود، وفي الحقيقة المتنبي يمدح نفسه على قاعدة أو مذهب الأنا الأخرى، أنا يعني: مذهب فلسفي أوربي، ورابع قدم الورقة بيضاء، ولا يمكن للأستاذ أن يعطيه صفرًا ولا أن يوبخه؛ لأنَّ لهذا الطالب أن يقول: إنَّ سكوتي هو تعبير استفزازي حداثي على الثورة على كل نص تراثي، ورفض لكل الإسقاطات العصرية التي جاءت في شاعرية المتنبي، هذه الفوضى، وهذا الدمار الذي يريدون أن يخرجوا إليه.

إنَّ الله عز وجل أنزل القرآن بلسان عربي مبين، واللَّغة لها معانٍ واضحة، والعرب استعملت الألفاظ في شعرها ونثرها بمعانٍ معينة، والقرآن نزل بلغتهم، وهذه السنَّة بلغتهم، والجدار يعرف معناه، والخشب يعرف معناه، والأسد يعرف معناه، وهكذا. فإذا أردت أن تجعل الفهم لهذه النصوص فوضويًّا لهذه الدرجة فما قيمة النص الإلهي، وأيّ قانون إذًا يريد الله من البشرية أن تسير بموجبه؟ ومن سيكون المكذب والمعرض والعاصي إذا كان كل واحد يفهم ويفسر القرآن والسنَّة على حسب هواه ويعمل بموجب ذلك.

ثانيًا: طريقتهم مبنية على إهدار فهم علماء الأمة للنصوص الشرعية:
وذلك تحطيم في العلماء، استهزاء بالعلماء، هذه طريقتهم اليوم في الجرائد والمقالات، لا يبغون علماء.. لا يريدون فهم علماء.. لا قديمًا ولا حديثًا، يقولون: (الإسلام ليس حكرًا على أحد)، بس العالم يفسر القرآن والسنة، (أنا أفسر القرآن وهذا يفسر القرآن، كل واحد يفسر على هواه)، العالم يقول لنا: هذا حلال وهذا حرام، (نحن نعرف، عندنا عقل ونستنبط، لا نحتاج علماء لا تُوهموا أنفسكم أنَّ الناس يحتاجون إلى علماء)!! كلنا عقلاء وهذا يكفي.

إذًا {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ** [المجادلة: 11]، إذن لا قيمة لها ليستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، كلٌّ عالم الآن، ((العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورّثوا العلم، والعالم يستغفر له من السموات والأرض حتى الحيتان في البحر، والنملة في الجحر)) كل هذا انتهى، كل الناس تفهم!! فالدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وما سارت عليه الأمة في هذه القرون الماضية صار عندهم الآن لا قيمة له، ففهم الرسالة كما تم من قِبَل الجيل الإسلامي الأول وضبطه العلماء والصحابة والسلف والتابعون هذا عندهم لا قيمة له، وألَّف عبد المجيد الشرفي كتابا خصه لشرح هذه الفكرة، واختار له عنوانًا "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" يقول: ((فالإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو الإسلام الذي تحقق في التاريخ))، لماذا؟ يقول: ((كل عصر يفسر الإسلام بحسب ظروفه وموضعه، فالذي صار في الإسلام في الأربعة عشر قرنًا الماضية ما هو الإسلام الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، هذه (إسلامات) ونحن الآن إسلام القرن الخامس عشر الهجري أو القرن الحادي والعشرون الميلادي، هذا إسلام جديد يتناسب مع الواقع العصري)).

ويقول الترابي الضال: ((وكل التراث الفكري الذي خلفه السلف الصالح في أمور الدين هو تراث لا يُلتزم به، وإنَّما يستأنس به))، ويسخرون من فهم السلف ويقولون: ((إلى متى تظلون على الفهم الصحراوي البدوي للقرآن والسنَّة))، هذا موجود في مقالات وجرائد اليوم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ((استجهال السابقين الأولين واستبلاههم، واعتقاد أنَّهم كانوا قومًا أُميين لم يتبحروا في الحقائق من علم الله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأنَّ الخلف الفضلاء حازوا قصب السلف في هذا كله، هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة)) [مجموع الفتاوي]، والمنافقون ماذا قال الله عنهم؟ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ** [البقرة: 13]، ما المقصود بقوله تعالى: {كَمَا آَمَنَ النَّاسُ**؟ أخبروني أنتم، الآية تنزل على النبي –عليه الصلاة والسلام– ومن معه، يقول الله عن المنافقين الذين كانوا مندسين في المجتمع الإسلامي: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ** ما المقصود بالناس؟ الصحابة! نعم! فكل من سبَّ وانتقص الصحابة والتابعين وسلف الأمة فهو ضال.

الأساس الثالث: القول بتاريخية النص الشرعي:
معنى ذلك: أنَّ ما تضمنته النصوص الشرعية من أوامر ونواهٍ إنما كان موجهًا إلى أناس موجودين في زمن نزوله، الآن الناس أحوالهم تغيرت، إذن الأوامر والنواهي الموجودة في النصوص الشرعية للقرآن والسنَّة غير موجهة للناس الآن؛ لأنَّ تلك كانت موجهة لناس موجودين في ذلك الوقت، هذا معنى القول بتاريخية النص الشرعي، والذين يكونون في زمن غير ذلك الزمن، وفي وضع غير ذلك الوضع ليسوا مشمولين بالنص الشرعي، هم نصوا على هذا، فإذا تغيرت أوضاع الناس في مجمل حياتهم كما هو الأمر في حياة الناس اليوم فإنَّ تلك الأحكام التي تضمنها النص ليست متعلقة بهم أمرًا ونهيًا، وللناس أن يتدينوا فهما وتطبيقًا بخلافها، ويرون أنَّ ذلك هو الدين الصحيح في حقهم، كما كانت تلك الأحكام هي الدين الصحيح في حق المخاطبين في زمن نزول الوحي.

يقول محمد أحمد خلف الله: ((موقف القرآن الكريم من المرأة كان موقفًا في عصرٍ معين، ووُضعت تلك القواعد لعصر معين، ومن الممكن جدًّا أنَّ مثل هذه الأشياء قد لا يسمح العصر الذي نعيش فيه بتطبيقها))، فالآن المدرسة هذه هي التي تنشر المقالات في القنوات في الجرائد، النصوص هذه يا جماعة خاصة بوضع معين وعصر معين، لا ينطبق علينا، نحن لنا ظروفنا المختلفة، فإذًا نحن لسنا المخاطبين بالنصوص، تجد اللوثة هذه موجودة في الكتَّاب هؤلاء الصحفيين على تفاوت درجاتهم في الانحراف.

ويرى آخر: ((إنَّ ما فرض من تفاصيل العبادات والمعاملات هو أثر لمقتضيات البيئة الحجازية البسيطة في عصر الرسول دون غيرها من البيئات))، هذا كلام عبد المجيد الشرفي في "الإسلام بين الرسالة والتاريخ".

((فيكون الشخص إذًا في حلٍّ من الفروض التي فُرضت سابقًا لأجل أوضاعه الجديدة))، هكذا يقول أركون في كتابه "الفكر الوصولي"، المقصود بالناس هنا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ**: الجماعة الأولى التي كانت تحيط بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتي سمعت القرآن من فمه لأول مرة. الناس الآن غير الناس الأولين، إذن هذه الآية خطاب للناس أولئك، الآن الناس اختلفوا.

فقضية صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان هذه انتهت، يعني: أنك عندما تكلم واحدًا من الغربيين تقول له: أنتم قوانينكم كم عمرها؟ نحن شريعتنا منذ أكثر من 1400 سنة، وهي لا تزال صالحة لكل زمان ومكان، هي أحكام الله في النكاح: الولي والشاهدان والإيجاب والقبول، هي في كل زمان إلى قيام الساعة، في طيارات وصواريخ أو في دواب، والصلاة: خمس أوقات بهذه الركعات سواء في البر وفي البحر وفي الجو، قبل ألف سنة هي واحدة، والزكاة: خمس وعشرون في الألف هي واحدة، والصيام: في رمضان من الفجر إلى المغرب، هو واحد.

وعندما تقول: الربا حرام، سواء من القديم أو الحديث، هو واحد، هم لا يُقرون بذلك، فيقول يوسف أبو الخير هذا: ((كذلك من الملائم هنا إعادة النظر لبعض التشريعات الفقهية الملازمة لزمانها، والتي لا يمكن إعادة تصور تطبيقها حاليًا بعد تطور الفكر السياسي العالمي)) هذا من تلاميذهم، يقول: ((كذلك من الملائم هنا إعادة النظر لبعض التشريعات الفقهية الملازمة لزمانها -طبعا ما ينبغي أن يقول بالآيات والأحاديث –فيقول التشريعات الفقهية الملازمة لزمانها والتي لا يمكن تصور تطبيقها حالياً بعد تطور الفكر السياسي العالمي وعلى رأسها ما يعرف بفقه أهل الذمة)).. طويناه، كانت مرحلة وانتهت.

وكذلك تجد مثلًا في مقالات ليلى الأحدب في "أحكام المرأة"، الأمر نفسه، تطور الزمان، فالأحكام التي كان فيها ولي وكان فيها محرم انتهت وصارت مرحلة تاريخية، النص مرحلة تاريخية ومضت، ثم يقول بعضهم أيضًا: ((إعادة النظر ببعض التشريعات الفقهية الاقتصادية؛ كان الربا حرامًا مثلًا التي كان تشريعها ملازمًا لواقعها الاجتماعي، المختلف كليًّا عن واقعنا المعاصر، ويأتي على رأسها ما يتعلق بعمليات البنوك التي تمثل عصب الاقتصاد المعاصر، مثل العوائد الربوية على رؤوس الأموال المقرضة، والتي كان الهدف من تحريمها آنذاك حماية الضعفاء والمحتاجين من أن تستغل حاجتهم إلى الأموال لتمويل قوتِهم اليومي، فتتراكم عليهم الديون، ويستولي المقرضون على بيوتهم ومزارعهم))، يقول: تحريم الربا بسبب عصور الإقطاع الأولى، حتى لا يمتص السادة عرق الضعفاء والمساكين، ولحماية المحتاجين من استغلال حاجاتهم، والآن الناس المساكين الذين رواتبهم تنتهي في نصف الشهر بسبب ربا البنوك، أليسوا محتاجين؟! أليسوا ضعفاء ومساكين؟!

أزمة الرهون العقارية العالمية: هذه التي أسقطت اقتصاديات البنوك في الغرب أيش تكون؟ ما نتيجة الربا؟ أناس اقترضوا بالربا لبناء مساكن، وما عندهم مجال للتسديد؟ فصارت الديون معدمة، فدارت الدورة أنَّ كل واحد يستسلف من البنك، وإذا لم يسدد أول واحد سقطوا كلهم... ربا! أصلا واضح جدًّا أضرار الربا عليهم الآن، انظر أزمة الرهون العقارية الآن التي تُلقي بظلالها على كل العالم شرقًا وغربًا، أيش تكون أصلا؟ أيش تكون الأزمة؟ ربا، قروض عقارية ربوية، أخفق الكثيرون في تسديدها فتحولت لديون معدمة، فدخلت في الدائرة فحصل التواطؤ الاقتصادي والانهيارات، الربا لما حرمه الله أليس ربنا حكيمًا؟! أليس ربنا عليمًا؟! أليس ربنا يعلم ما كان وما يكون وما سيكون؟ ولما حرَّم الربا حرمه إلى قيام الساعة، ولما حرَّم الزنا حرمه إلى قيام الساعة، وأحل وأباح إلى قيام الساعة.

هذا الدين لكل زمان ومكان، يقول الجابري في كتابه "الحوار قوام الدين": ((إنَّ حد الزنا كان من الممكن تطبيقه في مجتمع البادية، أمَّا المجتمع الجديد فلا يمكن تطبيقه كما اشترط الفقهاء))، طيب الحدود الشرعية مثل: قطع اليد، ورجم الزاني المحصن، وجلد السكران، وحد القذف قال: ((الحدود أملتها الظروف))!.

الشرفي هذا في كتابه "الإسلام والحرية" يقول: ((الحدود هذه أملتها الظروف التي كان عليها المجتمع الذي نزل فيه، حيث كان ذلك المجتمع بدائيًّا، وما كان يمكن استتباب الأمن؛ لأنَّ الناس كانوا يتوافد بعضهم على بعض بالانتقام إلَّا بالحدود، فأقل الحلول شرًّا وأدناها مضرة على ما فيها من وحشية كانت الحدود هذه))، يقول: الآن توجد شرطة وتوجد قوانين، فما عاد هناك داعٍ للحدود، قال: ((الآن تغيرت أحوال المجتمعات، وتوفرت السجون وأصبحت أحكام الحدود غير ملزمة للمخاطبين بهذا النص القرآني))، سبحان الله!

انظر إلى عدد المجرمين في الغرب، وعدد الجرائم كل ثانية، يعني: سنصير أكثر تقدمًا منهم في السجون؟! يعني سنصير أكثر تقدمًا منهم؟! وعندهم في الثانية كم جريمة اغتصاب؟! وكم جريمة، وكم... ، أأفلح الأمن المعاصر والشرطة المعاصرة في ضبط المجتمعات؟ خلل يسير، ونتذكر أحداث نيويورك لما قامت الفتنة بين السود والبيض وحرق المحلات، والنهب والسلب لماذا؟ عندهم جهاز شرطة رهيب. ولا يمكن أن يكون المسلمون المعاصرون عندهم مثل هذا! ومع ذلك ما استتبَّ الأمن، وما انتهت الجرائم، جرائم مستمرة ليلًا ونهارًا، وهذا يقول: الحدود الآن ليست ملزمة!
وما يقال عن الحدود سيقال عن العبادات أيضًا، فإنَّ العبادات في ظل الظروف الجديدة تختلف، ولذلك ذهب بعضهم إلى أنَّ الجمع الآن مباح في كل الحالات، أفتى بعض هؤلاء الضلال أنَّ الظهر والعصر دائمًا تُجمع، والمغرب والعشاء دائمًا تُجمع، لماذا؟! قالوا: لأنَّه قديما لم يكن هناك زحمة سير وأناس ودوام، وإلزام الحضور في الوقت، وشركات، وإذا تأخرت صار كذا وكذا، فالآن الوضع في المجتمع معقد أكثر، والدنيا وطلب الرزق معقدة أكثر، وزحمة الشوارع أكثر، فإذًا اجمع دائمًا في كل الحالات، يا أخي، طيب! الظهر والعصر توجد زحمة، أما المغرب والعشاء يا رجل... في بيتك! طيب الخميس والجمعة؟ قالوا: السبت والأحد، ولذلك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤدي صلاة على نحو معين، إلا أنَّ ذلك لا يعني أنَّ المسلمين مضطرون في كل الأمكنة والأزمنة والظروف إلى الالتزام بذلك "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" عبد المجيد الشرفي.

الزعماء هؤلاء هم مرشدو الكتاب الذين نقرأ اليوم في الصحف المحلية كتاباتهم عن الأحكام وانتقادات الأحكام الشرعية.

وبحسب هذا التخريج فإنَّ الأحكام الدينية بما فيها من العبادات هي في الإلزام رهينة الأوضاع الاجتماعية، وليست لها صفة الإلزام المطلق، وللمسلمين في كل زمان أن يقرءوا النص الشرعي قراءة يخرجون فيها بفهم تحدده أوضاعهم، وهذه القراءة نحن نقول: إنَّها ستنتهي؛ لأنَّه لا يكون للنصوص الشرعية معنى ثابت، طبعًا هذا الكلام قاله ناصر حامد أبو زيد في كتابه "النص السلطة الحقيقية" كما يفهم عند أهل الزمن على أنَّه مطلوب يصبح عند غيره مفهومًا على أنَّه غير مطلوب.

الأساس الرابع لهذه المدرسة: إعادة قراءة النص وإعادة فهم النص، والقول بالحقيقة النسبية:
وأنَّه ليس هناك حق مطلق، فيقول أركون: ((إنَّ القول أنَّ هناك حقيقة إسلامية مثالية وجوهرية مستمرة على مدار التاريخ، وحتى اليوم ليست إلا وهمًا أسطوريًّا لا علاقة له بالحقيقة والواقع، فتعدد الحقائق يعبر عنه بالفكر النسبي))، وهذا الذي يلهث به الحداثيون، وهو قضية التعددية وقبول الآخر، إذًا لا توجد حقيقة قطعية، فكل قول يقوله أيّ واحد في العالم هو تعددية فكرية، وأنت لا بد أن تقبل التعددية الفكرية، هو يقول: الله غير موجود، أو الله خلق الخلق ثم تركهم –بل منهم من يقول هذا– يقول: الله خلق الخلق ثم تخلَّى عنهم، يدبرون أمورهم بنفسهم، لا يتدخل في قضية كيف يتعاملون مع بعض من بيع وشراء وإجارة، وزواج وطلاق، لا، هو خلقهم نعم، الله موجود وخلقهم، لكن يقول تركنا، فكلمة قبول التعددية الفكرية، يعني: أيّ واحد في أيّ مكان في العالم عنده فكرة لا بد أن تقبلها، حرية رأي! حرية تعبير! لا بد أن تحترم رأي الآخر أيًّا ما كان رأي الآخر! فهذا هو الأساس الرابع: القول بالحقيقة النسبية، وأنَّه ليس هناك حقق مطلق، وبما أنَّه ليس هناك حق مطلق إذًا كل واحد ممكن أن يكون معه حق، أو كل الآراء متساوية، ولا يوجد حق وباطل، يعني: إذًا كما يقول الله عز وجل: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ** [يونس: 32]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ** [الأنعام: 153] يعني: واحد، صراطي مستقيمًا واحدًا {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ** [الأنعام: 153] هم لا ينظرون إلى قضية أنَّ الحق واحد، وأنَّ الصراط المستقيم واحد، لا، هذه منسوفة، ولذلك عندهم قبول الآخر، والتعددية الفكرية، وحرية التعبير، إلحاد فجور كله يدخل في: لا تشنِّع على أي شذوذ فكري، يقول أحدهم: ((لن تكون متقدمًا أو صاحب أمل في التقدم إذا قبلت الرأي على أنَّه حقيقة))، لا تأخذ مثلًا نص آية، أو حديث فتقبله على أنَّه حقيقة، لا، ما هو بحقيقة، هذه قضية نسبية، لا يوجد حق مطلق، وطبعًا هذا المذهب يقول شيخ الإسلام: ((أوله سفسطة وآخره زندقة)) يعني: أنَّ السفسطة تجعل الحقائق تتبع العقائد، وأمَّا كون آخره زندقة يقول شيخ الإسلام: ((بأنه يرفع الأمر والنهي والإيجاب والتحريم والوعيد في هذه الأحكام))، لا أمر ولا نهي، ولا إيجاب ولا تحريم ولا وعيد، قال شيخ الإسلام ((ويبقى الإنسان إن شاء أن يوجب وإن شاء أن يحرم، وتستوي الاعتقادات والأفعال وهذا كفر وزندقة)) "فتاوى شيخ الإسلام" [19/ 144].

وقال في "تلبيس إبليس": ((قد زعمت فرقة من المتجاهلين أنَّه ليس للأشياء حقيقة واحدة بنفسها، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب ما يُعتقد فيها))، وبناءً على ذلك الإسلام لا يكون ملزمًا، ليس بحق ملزم للجميع، اليهودية، النصرانية، البوذية، السيخية، الهندوسية، كل واحد معه جزء من الحقيقة، فلا تُلزمني بدين معين!!

طيب اشرح لي قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ** [آل عمران: 85] ماذا سيكون مصير هذا عندهم؟

فإذًا الدعوة لقراءة جديدة ومعاصرة للنص الشرعي دعوة لها نتائج خطيرة ستؤدي إلى:
أولاً: نزع الثقة بالدين، وخلخلة الثقة بالنص الديني (القرآن والسنَّة)، الأحاديث والآيات ليست حقًّا قطعيًّا، فهْمُ السلف والصحابة هذا ليس ملزمًا، وهكذا، والنتيجة رفع القرآن الإلهي من الأرض ولا يبقى إلا القراءات البشرية النسبية، وفهم كل واحد.

طيب أين مراد الله من الآية؟ وأين مراد رسوله صلى الله عليه وسلم من الحديث؟ يعني: نحن سنسأل، سنقول لهم: الله لمَّا أنزل القرآن هل كان له مراد معين من الآيات، أو أن كل إنسان يجتهد ليعرف المراد؟ النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا قال الأحاديث هل كان له مراد معين؟ فإذا قالوا: ليس لله مراد معين، وليس لرسوله صلى الله عليه وسلم مراد معين، إذًا لا فائدة من النص من الآية أو الحديث؟ ما له قيمة، والنتيجة الحتمية لهذه المدرسة –مدرسة إعادة قراءة النص والقراءة الجديدة للنص– أن يصبح القرآن والسنَّة إذًا ألفاظًا لا معاني لها محددة ولا يرجع إليها، إذًا فقدت صفة المرجعية، فقدت القطعية.

وقد جاء عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقال: ((وذاك عند أوان ذهاب العلم))، قلت: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرؤه أبناءنا، ويقرؤه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: ((ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل لا ينتفعون مما فيهما بشيء؟)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

إذن اليهود والنصارى لماذا لم يستفيدوا من كتابهم الذي نزَل عليهم؟ لأنَّهم حرَّفوه تحريفين: تحريف اللفظ وتحريف المعنى، الأحبار والرهبان لمدرسة إعادة قراءة النص في زمننا الآن لا يستطيعون تحريف اللفظ، فليس عندهم طريق إلا تحريف المعنى، وسينتج عن إعادة قراءة النص إلغاء الفهم السائد للدين، فالقراءة الجديدة للنص هي قراءة طبعًا محرفة باحتمالات غير متناهية، وبما أنَّ الشأن شخصي وفردي، وبما أنَّنا الآن في ظروف متغيرة وعصر مختلف؛ فإذن هذه القراءة الجديدة ناسخة للدين الصحيح السائد الذي تناقلته الأمة عبر الأجيال من عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الآن.

وقد اعتمد بعض هؤلاء المحرفين تعبيرًا عن الفهم الجديد للدين بمصطلح الرسالة الثانية للإسلام، أو الوجه الثاني لرسالة الإسلام، فأنت تجد في كلامهم من عبارات يستعملونها: الرسالة الثانية للإسلام، أو الوجه الثاني لرسالة الإسلام؛ إشارة إلى أنَّ الرسالة الأولى: هي التي استقرَّ عليها فهم الأمة وسلف الأمة ومن تبعهم إلى زمننا هذا، والرسالة الثانية: هي التي آن الأوان لها، هي التي يبشرون بها، هي القادم الجديد، هي القراءة الجديدة للنص.

وقد عنون محمود محمد طه كتابه الذي شرع فيه فهمه الجديد للدين بعنوان "الرسالة الثانية في الإسلام" حتى نعرف أيش المقصود بالرسالة الثانية، إنَّ الفهم الجديد الذي تنتجه هذه القراءة هو فهم قد ينتهي من حيث المبدأ إلى مخالفة كل شيء سائد، من السائد الآن أنَّ هناك شيئا اسمه الصلوات الخمس، الآن ستأتي أشياء تخالف هذا السائد، صوم رمضان سيخالف هذا السائد، مثلًا: تحريم نكاح المحارم، مثلا تحريم نكاح العمة والخالة والأخت، يمكن أن يجيء الآن فهم آخر مخالف للسائد؛ لأنَّ تحريم نكاح المحارم سائد؛ فإذن هذا مخالف للسائد.

فالخلاصة: يقول نصر حامد أبو زيد: ((إنَّ الفهم الجديد للدين الذي تنتجه هذه القراءة هو فهم قد ينتهي من حيث المبدأ إلى مخالفة كل ما هو سائد للفهم، سواء تعلق الأمر بالمرتكزات العقائدية أو بالشرائع أو بالأخلاق))، يمكن أن تتغير الأخلاق السائدة الآن، وتجيء أخلاق جديدة، هي المعتمدة وهي الأصح، هذا في كتابه "النص السلطة الحقيقية".

فالخلاصة: أنًَّ الإسلام الذي يتحدثون عنه ليس هو الإسلام الذي أنزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم، وقال عنه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ** [آل عمران: 19]، وليس هو الإسلام الذي قال الله عنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا** [المائدة: 3]، فالإسلام الجديد العصري المستنير ليس من الضرورة أن يقوم على خمسة أركان، ولذلك يوجد في كتاباتهم نزاع حتى في قضية الشهادتين، فالشهادتان في الدين الجديد ليس لهما مدلول إيماني؛ لأنَّه كما يقول حسن حنفي في "من العقيدة إلى الثورة" يقول: ((في حقيقة الأمر وطبقًا لمقتضيات العصر لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما، إنَّما تعني الشهادة على العصر، ليست الشهادتان إذًا إعلانًا لفظيًّا عن الألوهية والنبوة –يقول حسن حنفي– بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ)).. شاهد على العصر!!.

أما الجزء الثاني من الشهادة فليس من الإسلام، هم يقولون: يعني: أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، الذي هو الجزء الثاني من الشهادة هذه ورطة، يعني هو الآن يتعامل مثلًا مع اليهود والنصارى والبوذيين، يعني: أشهد أن لا إله إلا الله، يمكن أن نرى لها إلها نلتقي نحن وهم في إله واحد، يمكن، لكن أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، اليهود لا يؤمنون بها، النصارى لا يؤمنون بها، فالجزء الثاني من الشهادة عندهم ليس من الإسلام، يعني متى يتصورون أنَّه يمكن أن يوجد إسلام لكن لا يلزمك بشهادة أنَّ محمدًا رسول الله، لا يلزم، لماذا؟ لأنَّ المسلمين.. يقول الصادق النيهوم وهو من أنبيائهم في العصر هذا، يقول -وهو مفكر ليبي–: ((الجزء الثاني من الشهادة ليس من الإسلام؛ لأنَّ المسلمين هم الذين أضافوها؛ إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان))، الصادق النيهوم في صوت الناس "محنة ثقافة مزورة" [ص: 25] يقول: إضافة (أشهد أنَّ محمدًا رسول الله) التي لا يعترف بها اليهودي والنصراني يقول: هذه إضافة أضافها بعض الناس فيما مضى، وأنَّها ليست من الإسلام الأصلي، لماذا؟ لأنَّ الإسلام الأصلي سيلتقي مع بقية الأديان، فكيف سيلتقي مع بقية الأديان؟ فيقول النيهوم هذا: ((إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان))، يقول: هذا الدين غلط، فما المشكلة؟ لم تدخل محمدًا رسول الله في الموضوع؟ لأنَّ بقية الأديان لا يؤمنون بها، ولذلك عندهم تركيز على الرب الواحد، أما (محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه فما لها اسم.

والصلاة مسألة شخصية، وليست واجبة عند أركون وعبد المجيد الشرفي، وفرضت ابتداء، طيب لم فرضت الصلاة؟ أنتم تقولون: إنَّ الصلاة هذه كانت مؤقتة بظروف، فلماذا فرضت منذ زمن في أول الإسلام؟ يقول عبد الهادي عبد الرحمن في "سلطة النص": ((وفرضت أصلًا لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد))؛ لأنَّ رجال العرب من قبائل وكلهم متنافرون، ولا قائد، بل فوضى، فلكي يعوِّد العرب الأوائل على أن يطيعوا قائدًا يقودهم -محمدًا صلى الله عليه وسلم- جاءت الصلاة لتليين عريكة العربي وتعليمه –إمام ومأموم هذه– من أجل تعويد العرب أن يتبعوا قائدهم، والآن هناك نظام! والناس كلهم يتبعون قائدًا، يعني الحياة المدنية أوجدت نظامًا، يعني لا فوضى كالسابق، فلم يعد للصلاة داعٍ؛ لأنَّ الصلاة كانت لتليين العريكة! عريكة العربي الفوضوي الأول!!.

والزكاة عندهم ليست واجبة، وإنَّما هي اختيارية، كما يقول عبد المجيد الشرفي، كما أنَّها لا تؤدي الغرض؛ لأنَّها تراعي معهود العرب في الحياة التي كانوا عليها، فهي تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة، هكذا يقول الجابري، والصوم كذلك ليس فرضًا، وإنَّما هو للتخيير، وهو مفروض على العربي فقط؛ لماذا؟ لأنَّه قديما كان هناك فقر، فلمواجهة الفقر وقلة الطعام شرع الصيام، لكن الآن الأطعمة متوفرة ومنتشرة، ولا فقر ولا جوع خصوصًا في المدن، يعني: في السوبر ماركت كم تجد من أصناف الطعام، فالصيام فرض لأجل حل مشكلة الفقر، فلم الصيام؟ إعادة قراءة للنص! تجديد الدين! هذا ليس تجديدا للدين، هذا مفهوم تجديد الدين عندهم، نحن التجديد عندنا أهل الإسلام ((يبعث الله على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)) يعني: يعيدها إلى ما كان عليه على عهد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تجديد الدين عندنا يعني: إعادة الناس إلى الكتاب والسنَّة، يعني: تطلع بدع ومحدثات وشركيات، فالمجدد ما وظيفته؟ يخلص الناس الذين في عهده ويبين لهم البدع والشركيات والمحدثات، ويرجعهم إلى الأصل وإلى النقاء وإلى الصفاء وإلى المصدرين: الكتاب والسنَّة، وإلى فهم الصحابة وإلى الأصل، هذا التجديد عندنا، أما التجديد عندهم فهو: الإتيان بدين جديد.

الحج عندهم ليس من الضروري أن يقام بطقوسه المعروفة؛ إذ يغني عنه الحج العقلي، أو الحج الروحي، ولذلك تقول هذه الضالة نوال السعداوي: ((أنا أحج عندي في البلكونة، في فكري يجول ويحج في البلكونة)) يعني: أنتم تظنون أنَّا نحن نسخر أو نستهزئ، هم ينصون على هذا! هذا كلامهم، يعني مضحك، يعني أهل الإيمان يضحكون، مشكلة والله، الواحد يشفق على الأجيال القادمة؛ لأنَّها تقرأ، يعني: يخرج شباب وجامعات وثانوية وموظفون، تأسيسهم العلمي ضعيف مثلًا، اطلاعهم على الكتاب والسنَّة، ومعاني كلام الصحابة والسلف والعلماء ضعيف، يقرءون الجرائد، فيقرأ الجرائد، وقنوات ومواقع إنترنت وأشياء من هذا النوع، ماذا تتوقع؟! فنحن والله قلقون ونخشى عليهم، ليس لأنَّ القوم عندهم حجج قوية، أنت ترى الآن شيئًا مضحكًا، أنت لو تأملت واستعرضت هكذا اتضح لك الضلال، يعني: أيّ مسلم صادق وعنده قواعد وثوابت وأسس يعرف ضلال هؤلاء، فليس صعبا اكتشاف ضلالهم لأنه واضح، لكن أنت تقلق على الجيل الذي ليس عنده الثوابت واضحة، ويصب فوق رأسه يوميًّا من مقالات الجرائد، والمواقع، والبرامج الإعلامية، ماذا سينشأ عنده في نفسه؟

ويقول صاحب الكتاب واصفًا الإسلام بين التزوير والتنوير في بيان هذه المشكلة، نحن اليوم ندعوه لإعادة النظر في الفرائض والعبادات وسؤال أهل الخبرة والاختصاص عن فوائد الصيام وأضراره اقتصاديًّا وصحيًّا، لماذا؟ لأنَّه إذا قال أهل الخبرة: إنَّ الصيام يقلل الإنتاج، يقلل إنتاج المصانع، يقلل إنتاج الشركات، يقلل الدخل القومي، إذًا الصيام مضر بالمجتمع، فلا بد من ترك الصوم؛ لأنَّ هؤلاء الناس يعبدون الدينار والدرهم، فإذا كان عندهم شيء يقلل الدينار والدرهم فلا بد من إيقافه، فليس المهم عندهم الصلة بين العبد والرب وأنَّ الأهم الجنة، وأنَّ الأهم الآخرة، والأهم زيادة الإيمان، بل عندهم الأهم الدنيا لا الآخرة، ولذلك يقول: منذ زمن كان هناك جوع وفقر فالصيام مناسب، لكن الآن الصيام يقلل الإنتاج، يصير الدوام ست ساعات، ويقل الإنتاج، يقول: بما أنَّ الزمن تغير نشطب الصوم، وعلى هذا الأساس الجديد والتأصيل ألغت هذه القراءة الحدود الشرعية باعتبارها مؤلمة ووحشية وهمجية وبغيضة، والغرب ينتقدنا عليها صباح مساء، وحقوق الإنسان والأمم المتحدة يقولون: هذه همجية وهذه وحشية (قطع يد السارق)، والمثقف الذي عندنا الذي يتبعهم، يعني الهمجية على قطع السارق too much، المسألة متابعة، بما أنَّ الغرب استنكر، فهؤلاء لا بد أن يسيروا على منوال الغرب، وإن كان الاستنكار ألفاظه تختلف، فهذا يقول: همجية، وهذا يقول: too much لكنها في النهاية اعتراض على حكم الله، وهكذا جعلوا الثوابت الشرعية مجالًا للنقاش والأخذ والعطاء، والرد والقبول، والنهي والإيجاب، وهي أشياء محكمة وقطعية {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ** [النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ** [المائدة: 38]، هذا صار الآن أخذًا وعطاء! حدّ الردة تؤيد ولا تعارض؟! (برامج في قنوات إسلامية)، تعدد الزوجات تؤيد ولا تعارض؟! حكم شرعي ثابت من الكتاب والسنَّة، ويخرجون الآن تلامذة الغرب المتأثرون بمدرسة إعادة قراءة النص، يطلع لك الآن استفتاء على تعدد الزوجات.

طبعًا نظام الإرث أيضًا طالته القراءة الجديدة للنص، تمييز ضد المرأة، ظلم المرأة، لم تكون المرأة نصف الرجل؟ لماذا؟ مخلوق آخر هي؟ ولا ينظرون للحِكم الإلهية، مع أنَّ بعض حالات الميراث المرأة تأخذ أكثر من الرجل، وفي حالات تأخذ مثل الرجل، الإخوة لأم، إخوة وأخوات ما عندهم نظر في حِكم الشرع؛ لأنَّهم أصلًا لا يعترفون، الشرع عندهم هذا عقبة في طريق الهوى، ناس عندها شهوات، كيف تعيش والشرع يقف في الطريق، يقف ضدهم، يقف ضد أهوائهم، يريدون شهوات مفتوحة، حكم تحريم الاختلاط يقف في طريقه، والمحرم والولي يقف في طريقه، والحجاب يقف في طريقه، فلا بد للناس من هذه الأشياء، ترى يا جماعة والله هم دعاة شهوات، يبتغون التحرر من كل القيود، أمنيتهم أن يتسافدوا تسافد الحمير، بعضهم على بعض كالحمير في الشوارع، إباحية، كيف سيصلون للإباحية، الحجاب مشكلة في الطريق، الاختلاط مشكلة في الشريعة، نقول: صفوف النساء وراء، وباب خاص للنساء، وليس لكن أن تحققن الطريق، لا تمشي المرأة في وسط الطريق وهن خارجات للمسجد أنكر عليهن، لماذا لا يختلطن بالرجال، والمرأة استعطرت فخرج منها ريحها فهي زانية، هو يبغي السكرتيرة، في الصباح يشم رائحة العطر منها! فيجيء الحديث يقول لمن استعطرت: هي زانية، لا يمشي معه، ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))، يقول: لا!.. المرأة محل وموضع ثقة، وهذا تشكيك بالمرأة، وهذا تشكيك في النيات، يوجه الكلام لمن؟ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، للحديث، هذا التشكيك في النيات، يقول الحديث: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))، هذا تشكيك في النيات.

سد الذرائع! يقول: هذا الباب مرفوض أصلاً:
أنتم عقَّدتم الدين، أنتم أتيتم بسد الذرائع، وهو واضح من نصوص الآيات والأحاديث؛ {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ** [الأنعام: 108] يعني: سدًّا للذريعة منعهم، ومن سبَّ أصلًا آلهة المشركين فما حكمه؟ طيب وأنظمة الأسرة، ونظام القوامة، ونظام الطلاق، ونظام الحضانة، وتعدد الزوجات، وقضية الإجهاض، هذه عندهم.. يقول عبد المجيد الشرفي: ((لا تنسجم مع تطورات العصر، فيجب أن تلغى أو تعدل، لمنافاتها للعدل والمساواة بين الرجل والمرأة)).

وانتهت هذه القراءة -إعادة قراءة النص- أيضًا إلى ما يشبه إباحة بعض أنواع الزنا وإخراجه عن دائرة التحريم الذي أثبتته النصوص القطعية، وقال أحدهم: يتحتم حصر معنى الزنا في العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة أحدهما متزوج، هذه جريمة، ويعاقب عليها القانون، أمَّا إذا كان الرجل غير متزوج، والمرأة غير متزوجة، فما هذه بخيانة، ما هي بزنا، هذه مباحة، والقانون ما يحرمها مع أنَّ الحد يقول مائة جلدة.

جمال البنا.. أيش أباح مؤخرًا؟ التقبيل بين الجنسين!! قال: هذا تدعو إليه الحاجة، نوع من التنفيس، تنفيس أيش؟! لماذا تسلط الأضواء على هذه الفتاوى؟! لماذا؟! فهوم وتأويلات وأحكام مناسبة للعصر، وتغيير أحكام شرعية، وقضية العالمية الإسلامية الثانية، والبعد الزماني والبعد المكاني، ترى قضية البعد الزماني والمكاني –تجدها في كتاباتهم– أيش المقصود بالبعد الزماني والمكاني؟

يقول لك: إنَّه هناك بعد زماني ومكاني، وستصبح الأحكام الشرعية الآن لها مدلولات، ولا بد أن تعدل، ويقول محمد شحرور: ((إنَّ الإيمان المعاصر له ركنان فقط: الإيمان بالله واليوم الآخر))، طيب: والإيمان بالملائكة؟! لا، والإيمان بالرسل؟ لا، والإيمان بالكتب؟ لا، والإيمان بالقضاء والقدر؟ لا، طيب: حديث جبريل، فهو يرد حديث جبريل، ويقول الإيمان: ركنان: الإيمان بالله والاستقامة! انظر ما تفسير الاستقامة؟ لماذا؟ اسأل نفسك لماذا؟ لأنَّهم يريدون إدخال النصارى واليهود في مفهوم الإيمان والإسلام، واعتبارهم ناجين يوم القيامة، لماذا يحذف أربعة من أركان الإيمان؟ ويكون الإيمان بالله واليوم الآخر فقط؛ لأنَّه يستطيع أن يدخل فيها اليهود والنصارى على أنَّهم مؤمنون، الله يقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ** [المائدة: 73] الله كفرهم وأنت بعد أن كفرهم تجعلهم من أهل الإيمان، وتلغي أربعة من أركان الإيمان من أجل عيونهم لجعلهم داخلين في الإيمان.

وعند طائفة ثالثة يُفتح المجال للبوذية وكل الأديان الوضعية للدخول في سفينة النجاة، نصُّوا على هذا! أليسوا يؤمنون ببوذا؟! إذًا مؤمنون!! إخواننا في الإيمان! الهندوس يؤمنون بالبقرة، إذًا مؤمن!، ومن ثم فإنَّ مسألة الشرك بالله عز وجل هذه من باب أولى ألَّا تكون موجودة، وأنَّ التخلف هو الشرك، والتقدم توحيد، هذا الشحرور يقول: يصير كل شيء إلكتروني توحيدًا، والمتخلف الذي يكتب باليد مشرك!

كذلك يجب أن نفهم أن الغيبيات عمومًا كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين والصراط والسجلات ليست إلا تصورات أسطورية، من يقول هذا الكلام؟ نصر حامد أبو زيد، الذي يلمعونه في الفضائيات، مقابلات، الدكتور نصر حامد أبو زيد!! ويقولون: فكرة اليوم الآخر في أساسها نشأت مع عبادة الشمس من المصريين، وفكرة الخلود مع دين الفراعنة كما جاء بكتاب "ملاحم الحقيقة"، والعالم الآخر أسطورة اخترعها الكهنة ليسيطروا على الناس ويحكمونهم، هذا قاله مفكر النيهوم في كتاب "الإسلام في الأثر"، البعث الذي يعنيه القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو البعث بعد الموت، وإنَّما هو البعث من عالم الطفولة والتخلف إلى عالم التقدم، ويقول حنفي: ((قد لا يكون البعث واقعة مادية تتحرك فيها الجبال وتخرج لها الأجساد، بل يكون البعث هو بعث الحزب، وبعث الأمة، وبعث الروح، فأي واقعة شعورية تمثل لحظة اليقظة في الحياة في مقابل لحظة الموت والسكون)).

إذن عندهم أنَّ المرء يكون مسلمًا ويكون مؤمنًا، ولو لم يؤمن بالجن ولا بالملائكة ولا بالكتب، فالإيمان ما وقر في القلب وصدَّقه العمل بناء على كلامهم، والجنة والنار: هما النعيم والعذاب في الدنيا، وليس في عالم آخر، هكذا يقول حنفي في كتابه من "العقيدة إلى الثورة"، وطبعًا نحن نعرف ابن سينا وأشكاله، أنكروا الجنة والنار والنبوات، وقالوا: إنَّ الجنة هذه فكرة جلبتها الشريعة لأجل تحميس الناس لفعل الخير، والنار حتى تخوفهم من فعل الشر، وفي الحقيقة لا جنة ولا نار بعد الموت.

ويقول تركي الربيع: ((أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق))، وهذا في كتابه "العنف المقدس والجن في الميثولوجيا الإسلامية".

وطريقة هؤلاء القوم كما يقول ابن القيم –نرجع إلى علمائنا–: ((استخراج معاني النصوص، وصرفها عن حقائقها بأنواع المجازات، وغرائب اللغات، ومستنكر التأويلات؛ فأدى بهم هذا الظن الفاسد إلى نبذ الكتاب والسنَّة وأقوال الصحابة والتابعين وراء ظهورهم، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف والكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف، والتأويل إذا تضمن تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فحسبه ذلك بطلانًا)) [كتاب "الصواعق المرسلة"].

وقد صدق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم))، رواه مسلم، وفي رواية: ((لا يضلونكم ولا يفتنونكم))، رواه مسلم، هؤلاء أصحاب إعادة قراءة النص، القراءة الجديدة للنص، هؤلاء الذين يريدون الاستغناء عن النصوص بقواعد المصالح والضرورات، هؤلاء هم العدو فاحذرهم.

وانظر في فتاويهم:
هذا جمال البنا يقول: ((لا لزوم للحجاب، وشعر المرأة ليس عورة)).
الفتوى الثانية: ((ليس في القرآن والسنَّة أمر بالحجاب)).
الفتوى الثالثة: ((ارتداء المرأة للبنطلون أكثر حشمة وسترة)).
رابعة: ((الاختلاط ضروري، ومن الطبيعة والفطرة لأنَّ الفصل بين الجنسين عملية وحشية)).
فتوى خامسة: ((رضاء الطرفين وتوافقهما كاف لصحة الزواج، فلا شهود، ولا مهر، ولا ولي)).
((لا يقع طلاق الرجل منفردًا بدون موافقة زوجته)).
جمال البنا: ((المرأة الأكثر علمًا تؤم الرجال في الصلاة)).

هذه القراءة الجديدة للنص تحمل إمكانية تغيير الدين الذي عرفته الأمة تغييرًا كاملًا، تغيير المنهج، ويسمونه الإسلام اليوم؛ لأنَّه غير الإسلام الأمس، تجديد هذه القضية الآن عصرنة وقضية تجديد، إذن هذه المسألة خطوات واحدة وراء واحدة؛ لأنَّه عندهم أنَّ الإسلام بالأمس غير الإسلام باليوم غير الإسلام في بالغد.

ومن الملاحظات العامة على أصحاب هذا المنهج: التشدق بالألفاظ، والتعمق في المصطلحات بقصد الإغراب والاستفزاز، واستعراض الذات، فترى في كلامهم كثيرًا من استعمال (وِيَّة) كثيرًا، (الإسلاموية، السلفوية، الأصولوية، النفطوية، الماضوية، الرسموية، التاريخوية، الأخلاقوية)، وهذه ممكن تكون أول كلمة مفهومة، والـ (وية) prefix and suffix، لكن إذا جئت إلى المصطلحات الأخرى: (الغنوصية والإبستمولوجية، والإمبريقوية، والأنثنة، والمستقبلوية، والأنثولوجية، والبلشفاوية والديانكتكاوية، والزمكانوية، والمكانزماتية، والهرمنطوقية، والديماغوجية) كثيرة في كلامهم، فهؤلاء كيف نعرفهم؟ فمن طرق معرفتهم أن تجد هذه الألفاظ في كلامهم، ويسمون أنفسهم متنورين، الإسلام المستنير، عصرانيين، عصرنة الإسلام، وهكذا.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)). رواه الترمذي وهو حديث حسن، وكلامهم فيه من هذا الجدل كثير، حتى مترجم كتب محمد أركون –هو كاتب فرنسي– هاشم صالح يعترف في مقدمته لكتاب "أين هو الفكر الإسلامي المعاصر" بأنَّه لم يستطع أن يفهم هذه المصطلحات إلا بعد عشر سنوات، وبعضها بعد ثلاث سنوات من الدراسة في المعاهد الفرنسية، فهؤلاء القوم تُعجبهم هذه الألفاظ والمصطلحات وخصوصًا كلمة (لوجيا)، ولذلك يختالون بها كالطواويس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إنَّ أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان))، ويتشدقون بها كثيرًا، ولو أنَّ أحدًا ذكر لنا هذه القصة التالية التي تشبه حال هؤلاء المتشدقين لم يكن كلامه بعيدًا عن الحال:
(كان في قديم الزمان خياط، أصابت حرفته الكساد، فسافر يلتمس رزقه في بلاد الله الواسعة، فحط عصا ترحاله في مدينة من المدن، ولأنَّه كان ألمعيا فقد أوعز إلى ابنه الذي كان يرافقه أن يشيع في المدينة أنَّ أبي يخيط ما لا قِبل للناس به، فتناهت الأخبار إلى رئيس المدينة، ولأنَّ هذا الرئيس لا يحب أن يسبقه غيره إلى شيء نادر أو تحفة طريفة فقد أرسل سريعًا في طلب الخياط، فكان هذا الحوار:
- من أنت؟
- خياط.
- ما هذا الذي يقوله الناس عنك؟
- صحيح يا مولاي، أنا أخيط ما لا يحسنه غيري، وأستطيع أن أخيط كسوة لا يراها إلا الأذكياء، والبلداء عنها عمون.
الرئيس: إن لم تصنعها لي أو صنعتها لأحد قبلي قطعت رأسك.
فانصرف الخياط إلى أجل مسمى، وانقلب للحسنيين: جناح في قصر، وأمر لخازن المال ألا يعصي له أمرًا من أجل إنجاز العمل.
ومضى الأجل ولم يحضر الخياط، فطافت الشكوك، فأرسل الرئيس حاجبه ليستطلع الأمر، فلما مثل بين يدي الخياط وجده منكبًّا على ثوب لا يراه هو، وجعل يتعجب من الزر غير المرئي الذي يناوله الخياط لابنه، ويشتد عجبه أكثر من هذا الصبي الذي يقلب الزر في يده ثم يثبته في صدر الثوب غير المرئي، أيكون الصبي يبصر الزر والثوب؛ لأنه ذكي، ويكون الحاجب (...)، وفي الطريق استقر رأي الحاجب على ما لا بد له منه.

فقال له الرئيس: هل رأيت الثوب بعينك؟
قال: نعم يا سيدي، وما رأيت في الدنيا أحسن، لله دره من خياط!

ثم يأتي من عنده ممن يستشيره ليكون الكلام نفسه بعد عودته من الخياط، هل يكون الحاجب أذكى منه؟ فسئل: هل رأيت الثوب بعينك؟
نعم يا سيدي، وما رأيت في الدنيا أحسن منه، لله دره من خياط.

ثم جاءت الزوجة، لتقول الشيء نفسه، فهل تكون أقل منهم؟ يعني هي البليدة وأولئك هم الأذكياء؟

وهكذا حتى جاء الاحتفال، وخرج ذلك في كامل زينته التي لا يراها إلا الأذكياء، وتعالت صيحات الناس استحسانًا وإعجابًا إلا طفل صغير، يضغط على كف أمه ويقول لها: انظري أمي إلى هذا يسير عاريًا، ولكن لما كان الطفل قليل العقل غبيا فقد حرم من رؤية الكسوة).

وهكذا حال هؤلاء الكتاب الذين يكتبون كتابات رمزية، طبعًا أيش المقصود من القصة يا إخوان؟ أنَّ كتابات بعض هؤلاء عندما تقرأ أنت أحيانا لا تفهم، فيظن بعض الناس أنَّ هذا الكلام ما يفهمه إلا الأذكياء، ولأنِّي أنا لست مثقفًا فأنا لا أفهمه، الكتاب الحداثيون وهؤلاء الكتاب الذين يكتبون من هذا الجنس، بعض الناس يظن أنَّه لا يفهم كلامه لأنَّه ليس بذكي أو ليس بمثقف، أما الحقيقة فهي أن الكاتب نفسه تعمد الإغراب والرمزية في الكتابة؛ لأنَّهم لا يريدون لإنسان فضح مقاصدهم من جهة، ومن جهة أخرى فهم يريدون أن يتميزوا عن الناس بشيء وأنَّهم الطبقة الأرقى، ولذلك يصغي بعضهم إلى بعض وكتاباتهم فيها من هذه السفسطة والغباء الشيء الكثير.

نعود الآن إلى معرفة الحق في هذه المسألة، وما أصول وقواعد أهل السنَّة والجماعة في فهم النصوص الشرعية:
أهل السنَّة والجماعة يعظمون النصوص؛ لأنَّها كلام ربهم وكلام رسولهم صلى الله عليه وسلم، فهم يأخذونها على الرأس والعين وهي عندهم مقدسة، فلا يرضون عنها بديلًا ولا تحويلًا، لا يتحولون عنها، وكذلك ثانيًا: يرجعون في فهمها إلى لغة العرب؛ لأنَّها نزلت بلسان العرب {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ** [يوسف: 2]، {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ** [فصلت: 3]، {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ** [الزخرف: 3]، وهذه الحكم الإلهية الموجودة في هذه النصوص من الكتاب والسنَّة النبوية إنَّما هي بهذه الألفاظ العربية، فلا بد من الرجوع إلى كلام العرب وقوانينهم في لغتهم لمعرفة معاني كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد –كما يقول الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام"– أن ينظر في هذه النصوص ويستقل بمعرفة معانيها واستخراج ما فيها ولا أن يتكلم بشيء حتى يكون عربيًّا -يعني على مستوى العرب الذين نزل القرآن بلغتهم- أو كالعربي في كونه عارفًا بلسان العرب، فإذا لم يبلغ ذلك فحسبه في فهم معاني القرآن التقليد –يقلد العلماء- إذا كان لا يعرف لغة العرب كيف سيستخرج ويفهم ويستنبط من الكتاب والسنَّة، ولذلك ميزة ابن عباس وابن مسعود، وميزة مجاهد وعكرمة، وميزة أحمد والشافعي ما هي؟ أنَّهم عارفون بلسان العرب، علماء باللغة العربية؛ ولذلك يستنبطون، ولذلك يستخرجون، ولذلك يفسرون ويشرحون.

قال الحسن عن قوم ضلوا في الفهم: ((أهلكتهم العجمة، يتأولونه على غير تأويله)).

قال شيخ الإسلام –رحمه الله–: ((ولا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يُعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يُفهم كلامه بدون معرفة اللغة العربية، فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإنَّ عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، يحملون كلام الله ورسوله على ما يدَّعون، لا على مراد الله ومراد رسوله)).

قال مالك –رحمه الله–: ((لا أُوتى برجل غير عالم بلغة العرب، يفسر كتاب الله إلَّا جعلته له نكالًا)) يعني عقوبة، وجاء عن مجاهد أنَّه قال: ((لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب))، قال الزهري: ((إنَّما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن لجهلهم بلغة العرب))، قال أيوب السختياني: ((عامة من تزندق بالعراق لقلة علمهم بالعربية))؛ إذن فهم اللغة العربية مهم جدًا.

طيب لو جاء واحد، وقال: الإنسان يجوز أن يتزوج تسعة، يجتمعن عنده في وقت واحد، من أين جئت يا أخي بزواج التسعة، نحن نعرف أربعة؟ قال: من القرآن! وأين دليلك على زواج التسعة في وقت واحد؟ قال: قول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ** [النساء: 3] مجموعهن تسعة! آية واضحة، قال القرطبي: ((وهذا كله جهل باللسان؛ فإنَّ الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة)). يعني: هذا عبث، يعني: لا يمكن لعربي يريد أن يقول مثلًا: هذه الدار لها تسعة، أبواب فيقول: هذه الدار لها بابان، وثلاثة، وأربعة، فهذا عبث عند العرب، هذا يعتبر إسفاف بالكلام، فلا يمكن أن يقوله عربي، قال: وكذلك العرب تستقبح أن يقول: أعطي فلانًا أربعة ستة ثمانية، ولا يقول: ثمانية عشر، فهذه لغة العرب، إذًا إذا أعطيت أحدًا ثمانية عشرة ريالًا تقول له: أعطيه أربعة ستة ثمانية؟! هذه في مباراة الكرة 4 2 4، لكن في لغة العرب لا تأتي، العدد لا يفهم بهذه الطريقة، فالمراد بالآية إذن التخيير بين تلك الأعداد لا الجمع، أنت تتزوج اثنتين أو ثلاثة أو أربعة وليس سواه، ولو أراد الجمع لقال تسع، ولم يعدل إلى ما هو أطول، والقرآن بليغ، والبلاغة تقتضي الإيجاز، فإذن هذا منافٍ للبلاغة.

وكذلك من زعم أنَّ المحرَّم في الخنزير هو اللحم، وأما شحم الخنزير حلال، لماذا ضل؟ لأنَّه لا يعرف أنَّ اللحم في اللغة العربية يطلق على الشحم، فهو لما سمع {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ** [المائدة: 3] حرم اللحم بس؛ هذا من جهله باللغة. ومن ظن أنَّ نبي الله يونس في قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ** [الأنبياء: 87] يعني: أن لن نستطيع، فهو جاهل باللغة، اتهم النبي يونس –عليه الصلاة والسلام– أنَّه يشك في قدرة الله، ومعنى ظن أن لن نقدر عليه أي: لن نضيق عليه. وكذلك من فهم من قوله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ** [الحج: 27] فهِم كلمة رجالًا بالذكور، مع أنَّ رجالًا في الآية معناها المشاة، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ** يعني: مشاة أو ركبانًا، فلأنَّه جاهل باللغة العربية ما فهم من السياق هذا إلا أنَّ كلمة رجالًا تعني الذكور، ومن العجيب أنَّ بعضهم يكتب في التمائم للبنت التي ما تقدم لها أحد للزواج هذه الآية {يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ**، ويقول: هذه رقية تنفع للعانس.

قال الشاطبي –رحمه الله– في حال هؤلاء: ((تخرصهم على الكلام في القرآن والسنَّة العربيين مع العرو -يعني: عراة- عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله، فيخالفون الراسخين في العلم وإنَّما أُتوا من باب الجهل بالعربية))، كما قال بعضهم في قوله تعالى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ** [آل عمران: 117] أيش يعني الصر؟ فثبت في آية أخرى صرصر، يعني: البرد الشديد، قالوا: الصراصير، هذا فهمهم.

ومن القواعد أيضًا ثالثًا:
وجوب الرجوع إلى منهج السلف في فهم النصوص الشرعية، فلو قال واحد: لماذا يجب علينا الرجوع إلى فهم السلف، أليسوا رجالا ونحن رجال؟ نقول: لكن فيهم ميزات غير موجودة فيمن بعدهم، {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ** [النساء: 115] ما سبيل المؤمنين؟ سبيل الصحابة، سبيل من قال الله فيهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ** [التوبة: 100]، أمَّا إذا خالفوهم فليسوا من الذين اتبعوهم بإحسان، هذا الاتباع للسلف هو الذي يضبط الأمور، ولما نقول: الكتاب والسنَّة بفهم السلف لضبط الفوضى ولمنع حصولها، ثم إنَّه قد جاء الأمر من نبينا –عليه الصلاة والسلام– لقوله: ((من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا))، والله لقد رأينا الاختلاف الكثير، إعادة قراءة للنص!! قال: ((وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قال ابن القيم –رحمه الله–: ((قرَن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنَّة أصحابه بسنته، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته، وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ))، قال حذيفة: ((اتقوا الله يا معشر القراء، واحذوا طريق من كان قبلكم، فلعمري لئن اتبعتموه فلقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن تركتموه يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا)).
أسيرُ خلفَ ركابِ النُّجْبِ ذا عرج مؤملًا كشفَ ما لاقيتُ من عوجِ
فإن لحقتُ بهم من بعد ما سبقوا فكم لرب الورى في ذاك من فرجِ
وإن بقيتُ بظهر الأرض منقطعا فما على عَرِجٍ في ذاك من حرجِ


ماذا قال نبينا -عليه الصلاة والسلام-؟ قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، رواه البخاري. يقدمون في العلم والفهم لأن لهم خيرية تقتضي أنهم أعلم وأوجب في الاتباع، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة))، قالوا: ومن هي يا رسول الله، قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) حسنه الألباني.

إذن ما فيصل التفريق بين الحق والباطل؟
الفيصل هو اتباع الصحابة، ففيه جميع الميزات: علم اللسان العربي؟ موجود، عايشوا التنزيل؟ نعم، سمعوا من النبي – عليه الصلاة والسلام – مباشرة؟ كذلك، هم أعلم بمراد الله ومراد نبيه منَّا، كان فيهم فصاحة لسان، وتوَّقد أذهان، وحُسن إدراك، وجودة قصد، وتقوى لله، فالعربية طبيعتهم وطريقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في خصالهم وعقولهم، ولذلك لا محيد ولا مناص من الرجوع إلى الصحابة في فهم النصوص، وليس إلى أركون ولا الشرفي ولا الجابري ولا من شايعهم وتابعهم من الأذناب.

قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ((كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنَّما أُنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيمن نزل، وإنَّه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ولا يدرون فيمن نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا))، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه معاني الكتاب والسنَّة، وقال لهم: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) هذه المحجة الناصعة: الطريق الواضح، لا خفاء فيه ولا لبس ولا إبهام، هذه التي ترك أصحابه عليها فسلكوها، ويجب علينا نحن أن نسلكها.

وهكذا كانت القرون الثلاثة الأولى من هذه الأمة، قد جمعوا الفضائل، وحازوا العلوم، وفهموا مراد الله ومراد رسوله، وهم بالصواب أحرى، وبالحق أولى، وبصحيح الفهم أليق.

قال ابن عباس في مناظرة الخوارج: ((أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد)). أنتم طلعتم الآن نابتة، أنتم حاججتم فلا بد من التقيد بما أُثر عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والسنَّة. قال شيخ الإسلام: ((من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين...)) –[حتى الإعجاز العلمي إذا ما تمسكوا بتفسير الصحابة ضالون]- قال شيخ الإسلام: ((من فسر القرآن أو الحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين - فهو مفترٍ على الله، ملحد في آيات الله، محرِّف للكلم عن مواضعه، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام)) [الفتاوى].


إذن لا مناص من الأخذ بفهم الصحابة للكتاب والسنَّة، ولا بد أن يكون عندنا مرجعية لهؤلاء؛ فهم أئمة القرون وهم المفضلون.

رابعًا: لابد أن نرجع للقواعد والأصول التي وضعها السلف في فهم النصوص:
وضعوا القواعد –يعني مثلًا– جمع النصوص في المسألة الواحدة، وستأتي أمثلة. شن أصحاب إعادة قراءة النص على من ذكر قواعد السلف في الفهم والتفسير شنوا الحملات عليهم، فمن أوَّل من ألف في أصول الفقه؟ وبيَّن قواعد السلف في فهم النصوص؟ الشافعي –رحمه الله– في كتابه "الرسالة"، هذا نحن نعرفه، يقول هؤلاء –ورأسهم أركون–: ((إنَّ الإمام الشافعي في كتابه "الرسالة" قد أسهم في سجن العقل الإسلامي داخل أسوار منهجية المعاينة))، وقال: ((وليست رسالته إلا الحيلة الكبرى التي أتاحت شيوع ذلك الوهم الكبير بأنَّ الشريعة ذات أصل إلهي، وقال وهو المشرع الأكبر للعقل العربي: بأنَّه جعل النص هو السلطة المرجعية الأساسية للعقل العربي وفاعليته))، هذا الجابري يتهم الشافعي!! لماذا شن الهجوم على الشافعي؟ أركون والجابري لماذا شنوا الهجوم على الشافعي؟! لأنَّ الشافعي –رحمه الله– أوَّل من كتب في الأصول، وبيَّن منهج السلف في الاستدلال، وبيَّن منهج السلف في فهم النصوص، وبيَّن القواعد، مثل: قضية العام والخاص، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، وجمع النصوص في المسألة الواحدة، إلى آخره، وتمييز الصحيح من السقيم، هذه القواعد لفهم النصوص، ومثلًا الرجوع إلى كلام العرب ولغة العرب، الرجوع إلى الصحابة والتابعين والسلف.. هذه قواعد لفهم النصوص، فكان لا بد أن يهاجم الشافعي ولا يسكتون عنه؛ لأنَّه أصَّل الأصول في القضية التي تخالف أهواءهم التي عليها مناط السعادة الدينية والأخروية!

ويقول عبد المجيد الشرفي: ((ولذلك فمن غير المقبول اليوم أن نتمسك بمنهج الشافعي الأصولي في فهم الكتاب والسنَّة؛ لأنَّه يؤدي بنا إلى مأزق)).

طيب لا تريدون أصول الفقه، ولا تريدون الضوابط التي كتبها الشافعي ولا غيره، طيب ماذا تريدون؟ يقولون: نضع قواعد جديدة لأصول الفقه، وهذا ينادي به اليوم بعض من يسمون بالمفكرين الإسلاميين، يقولون: نريد وضع قواعد جديدة لأصول الفقه، ولذلك فإنَّهم يرون أنَّ من واجبهم، ومن واجب المثقفين المعاصرين القيام بوضع قواعد جديدة لأصول الفقه، فيقول أحدهم: ((وقواعد الفقه التي وضعها الفقهاء ليست في حقيقتها ذات طبيعة دينية، وإنَّما هي قواعد من صنع البشر، ولذلك فهي منافية للعدل والمساواة وحقوق الإنسان))؛ ولذلك هم يقولون: نقرأ النص بدون قواعده وضوابطه الأولية، إذن فقضية كسر الحواجز والقواعد والضوابط لكي يفهموا على هواهم، ولذلك نادوا بقضية إعادة كتابة أصول الفقه من جديد بقواعد جديدة تناسب العصر الحاضر، ومن الذين يتبنون هذا أصحاب المعهد العالي للفكر الإسلامي أو معهد الفكر الإسلامي، إعادة كتابة أصول الفقه من جديد، ولهم اجتماعات في تركيا وماليزيا، وفي الغرب أيضًا لهم تجمعات لأجل إعادة كتابة الفقه الإسلامي من جديد.

طيب نحن نعرف أنَّ من قواعد فهم السلف للنصوص مثلًا: أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السلف، يعني: مثلًا لما نزلت آية الظهار في من؟ خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت، معروفة كفارة الظهار، ماذا يقول أصحاب إعادة قراءة النص؟ نجعل الحكم خاصًّا بمن نزل به وليس عامًّا لكل من وقع منه الظهار، مع أنَّ من قواعد السلف في فهم النصوص أنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل واحد وقع في هذا فيلزمه نفس الحكم، هذا معروف. الأمة مجمعة عليه في اللعان، في الظهار، في السرقة، إلى آخره ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))، وردت في قصة معينة؛ تنازع سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة في ولد معين فحكم النبي –عليه الصلاة والسلام– بقاعدة: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))، قالوا: لا! الحكم هذا خاص بذلك الولد في تلك الواقعة، وهذا ضلال مبين؛ ولذلك يقول أحدهم في مسألة موالاة المشركين، وفي قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ** [المجادلة: 22] يقول: لا مناص من الإقرار بصحة الشهادات القرآنية المقدمة من قبل أنصار عقيدة الولاء والبراء، يأتوننا بآيات لا نستطيع أن ننكر صحتها، فيقولون: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ** ماذا سيفعلون؟ يقولون: لا نستطيع أن نرد النص؛ لأنَّها نصوص واضحة فصيحة لا تحتمل تأويلًا، لكنها تحتمل تفسيرا، ربما هو الأصدق من أنصار الكراهية، قالوا: هذه الآيات لا يمكن تعميمها على كل زمان ومكان، فهذه الآيات تتحدث عن قضية المودة والموالاة في زمن معين في ظرف معين، طيب لم؟ قالوا: لأنَّ الظروف حينذاك في أول الإسلام فرقت بين الأب والابن، لما أسلم أحدهم وهاجر للمدينة، وفرقت بين الأخ وأخيه، وبين سائر أفراد العشيرة، منعًا لوصول أسرار الدولة الناشئة عبر حالة عاطفية بين أخوين نهى القرآن عن موالاتهم، وبناءً عليه، بما أنَّ ذاك الزمن انتهى والمرحلة انتهت، إذن هذه الآية انتهى مفعولها، كان هناك خشية معينة من تسرب أسرار معينة، وهكذا يقول الجابري في ضرورة ربط عقوبة القطع في السرقة بأسباب النزول، فقال: ((كان المجتمع بدويًّا صحراويًّا يعتمد على التنقل والترحال، ولم يكن من الممكن عقوبة السارق بالسجن؛ لأنَّه لا سجن ولا جدران ولا شرطة تحرس المسجون، أما الآن بعد التطور العمراني والصناعي وإنشاء السجون، السارق يسجن، ليست قاعدة؛ ولذلك فقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ** [المائدة: 38]، قال: هذه خاصة بالوقت الذي ما كان فيه سجون، صحراء بلا أبنية ولا إجراءات أمنية، ولا إجراءات إنذار، ولا كاميرات مراقبة، ولا شرطة تحرس السجن، الآن وجد سجن وإجراءات إنذار وكاميرات مراقبة، وأفراد حراسة، وشرطة، إذن لم تقطع يد السارق؟ ضعه في السجن! إعادة قراءة للنص!!

والله من تأمل في هؤلاء القوم أيها الإخوة سيجد أمرًا عجبًا، والكلام في هذا يطول جدًّا، ونحن سنضطر للتوقف، لكن انظروا ماذا سيحل بالأحكام، واحد يقول: يعني رسم الصور هذه للذكرى لا مانع، لماذا؟ أيش دليلك؟ ((لعن الله المصورين)) لا يجوز، قال: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ** [الذاريات: 55] أحد المقرئين في عزاء قال: أريد 500، قالوا له: كثير يا شيخ، لم تأخذ أجرة مرتفعة على القرآن؟ قال: أليس الله يقول: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا**، بعضهم نصح أخاه المقصر في صلاة الجماعة، قال: يا أخي لا يجوز لك، النبي –عليه الصلاة والسلام– قال للأعمى: ((لا أجد لك رخصة))، يقول له: لا.. عندنا قراءة جديدة للنص؟ أيش تكون؟ قال له: قال للأعمى لا، [فاصلة]، أجدُ لك رخصة!!!

واحد في المغرب يفتي بعدم وضع اليدين على الصدر في الصلاة، لماذا؟ قال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ** [التوبة: 67]، خلاص إذا كانت القراءة الجديدة للنص الأعمال بالنيات، يأتي واحد شامي أو لبناني يقول بالنيات، ما هي سوداء ولا بيضاء!! بنية إعادة قراءة للنص!! ((قصوا الشارب)) الشارب يشرب ماء! إعادة قراءة للنص!

وهكذا سنتخبط في ضلال مبين في قضية إعادة قراءة النص، وزلزلة أركان الدين والإلحاد والزندقة بإعادة قراءة النص، فليت قومي يعلمون.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا للحق وأن يدلنا عليه وأن يثبتنا عليه.


اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، اللهم اجعلنا بسنة نبيك مستمسكين، وبحبلك مستمسكين يا رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


منقول من موقع الالوكه

عمرابوجربوع 06-11-2009 06:25 AM

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك على ما قدمت
من معلومات قيمه
اسأل الله ان يجعل ذلك في ميزان حسناتك
اللهم آميييين

*** 06-11-2009 10:20 PM

بارك الله فيكم شيخنا الباحث جزاكمالله عنا خيرا

( الباحث ) 07-11-2009 06:38 AM

احييكم على متابعه هذه النوعيه من المواضيع ....
بارك الله بكم ونفعنا واياكم بالعلم واهل العلم

أبو البراء 12-01-2010 10:44 AM

:bism:
:icon_sa1: ،،،،،،

بارك الله فيكم أخي الحبيب ( الباحث ) ، موضوع قيم للغاية ، ويا ليت قومي يعلمون ، زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0


الساعة الآن 12:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com