منتدى الرقية الشرعية

منتدى الرقية الشرعية (https://ruqya.net/forum/index.php)
-   المنبر الإسلامي العام (https://ruqya.net/forum/forumdisplay.php?f=87)
-   -   فتاوى نور على الدرب لابن باز (https://ruqya.net/forum/showthread.php?t=25155)

أسامي عابرة 05-01-2009 01:38 AM

فتاوى نور على الدرب لابن باز
 
المكتبة الشاملة - فتاوى نور على الدرب لابن باز





الكتاب : فتاوى نور على الدرب للعلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله
المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى : 1420هـ)
اعتنى به : أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار - أبو عبد الله محمد بن موسى الموسى
مصدر الكتاب : موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء
http://www.alifta.com
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]



المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
** يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ** (1) [آل عمران: 102] .
** يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ** (2) [النساء: 1] .
** يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ** (3) ** يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ** (4) [الأحزاب: 70 ، 71] .
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعمة الإسلام وأكمل لنا الدين، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وبين سبحانه وتعالى أن طريق الخير خير طريق للمؤمنين والدعوة إلى الله على بصيرة أفضل ما يقوم به أهل الفضل والإحسان والدين: ** ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ** (5) [فصلت: 33] .
ومن تمام نعمته سبحانه وتعالى على عباده أن هيأ لهذه الأمة في
__________
(1) سورة آل عمران الآية 102
(2) سورة النساء الآية 1
(3) سورة الأحزاب الآية 70
(4) سورة الأحزاب الآية 71
(5) سورة فصلت الآية 33

(1/5)

مختلف العصور علماء عاملين مخلصين وقفوا حياتهم على خدمة الشريعة ونشرها بين الناس؛ تعليما وتأليفا ودعوة، وصيانة لها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين، ويأتي على رأس هؤلاء في عصرنا -ولا نزكي على الله أحدا- سماحة والدنا وشيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الذي وقف حياته على العلم والتدريس وقضاء حاجات الناس، فوضع الله له القبول في الأرض، وسرت فتاواه وتوجيهاته في العالمين، وانتشر طلابه في أنحاء العالم الإسلامي ينقلون عنه، ويبثون علمه، فتعلم على يديه خلق عظيم ممن جلس على يديه أو سمع منه أو قرأ له.
ومن أكثر ما نفع الله به من دروس شيخنا وفتاواه: برنامجه الأسبوعي الإذاعي (نور على الدرب) ، حيث يستمع إليه خلق عظيم ويسجلونه ويتناقلونه بينهم، وهذا البرنامج تعرض فيه أسئلة متنوعة، تعالج مشاكل الناس وما يحتاجون إليه في شئون دينهم، وعلاقاتهم مع بعضهم، ومعاملاتهم فيما بينهم، فيجدون في إجابة الشيخ العلاج النافع، والبلسم الشافي الموثق بالدليل من الكتاب والسنة.
ورغبة منا في تعميم فائدة هذا البرنامج؛ ليستفيد منه وينتفع به من لم يتيسر له -وهم كثير- حرصنا على نشره والعناية به وترتيبه.
وقد بذلنا وسعنا، فإن وفقنا فمن الله فله الحمد والمنة، وهذا جزء من حق شيخنا علينا، وإن كانت الأخرى فمن أنفسنا ومن الشيطان، ونستغفر الله ونتوب إليه، ونعتذر من شيخنا اعتذار الابن من أبيه، والتلميذ من شيخه.

(1/6)

نسأل الله بمنه وكرمه أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يعلي منزلة شيخنا ويمتعه بالصحة والعافية، ويجمعنا وإياه ووالدينا في جنات النعيم. آمين.
ونرجو صادقين من كل أخ يطلع عليه، وتكون له ملاحظة أو توجيه أن يفيدنا به، وله منا الدعاء بالتوفيق والصلاح والرشاد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكتب: أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
أبو عبد الله محمد بن موسى الموسى

(1/7)

مصادر التلقي

(1/9)

حكم الاطلاع على الإنجيل والتوراة
س 1: يقول السائل: هل يجوز لي وأنا مسلم أن أطلع على الإنجيل وأقرأ فيه من باب الاطلاع فقط، وليس لأي غرض آخر؟ وهل الإيمان بالكتب السماوية يعني الإيمان بأنها من عند الله أم نؤمن بما جاء فيها؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: على كل مسلم أن يؤمن بها أنها من عند الله: التوراة والإنجيل والزبور، فيؤمن أن الله أنزل الكتب على الأنبياء، وأنزل عليهم صحفا فيها : الأمر والنهي، والوعظ والتذكير، والإخبار عن بعض الأمور الماضية، وعن أمور الجنة والنار ونحو ذلك، لكن ليس له أن يستعملها؛ لأنها دخلها التحريف والتبديل والتغيير، فليس له أن يقتني التوراة أو الإنجيل أو الزبور أو يقرأ فيها؛ لأن في هذا خطرا؛ لأنه ربما كذب بحق أو صدق بباطل؛ لأن هذه الكتب قد حرفت وغيرت، ودخلها من أولئك اليهود والنصارى وغيرهم التبديل والتحريف والتقديم والتأخير، وقد أغنانا الله عنها بكتابنا العظيم: القرآن الكريم.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه « رأى في يد عمر شيئا من التوراة فغضب وقال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي » (1) عليه الصلاة والسلام.
والمقصود: أننا ننصحك وننصح غيرك ألا تأخذوا منها شيئا، لا من التوراة، ولا من الزبور، ولا من الإنجيل، ولا تقتنوا منها شيئا، ولا
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/387),سنن الدارمي المقدمة (435).

(1/10)

تقرءوا فيها شيئا، بل إذا وجد عندكم شيء فادفنوه أو حرقوه؛ لأن الحق الذي فيها قد جاء ما يغني عنه في كتاب الله القرآن، وما دخلها من التغيير والتبديل فهو منكر وباطل، فالواجب على المؤمن أن يتحرز من ذلك، وأن يحذر أن يطلع عليها، فربما صدق بباطل وربما كذب حقا، فطريق السلامة منها إما بدفنها وإما بحرقها.
وقد يجوز للعالم البصير أن ينظر فيها للرد على خصوم الإسلام من اليهود والنصارى ، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالتوراة لما أنكر الرجم اليهود حتى اطلع عليها عليه الصلاة والسلام، واعترفوا بعد ذلك.
فالمقصود: أن العلماء العارفين بالشريعة المحمدية قد يحتاجون إلى الاطلاع على التوراة أو الإنجيل أو الزبور لقصد إسلامي؛ كالرد على أعداء الله، ولبيان فضل القرآن وما فيه من الحق والهدى، أما العامة وأشباه العامة فليس لهم شيء من هذا، بل متى وجد عندهم شيء من التوراة أو الإنجيل أو الزبور، فالواجب دفنها في محل طيب أو إحراقها حتى لا يضل بها أحد.

(1/11)

هل هناك أجر في قراءة الأحاديث النبوية؟
س2: يقول السائل: وردت الأدلة على الأجر في قراءة القرآن الكريم، فهل هناك أجر في قراءة الأحاديث النبوية؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب: نعم قراءة العلم كلها فيها أجر، تعلم العلم، وطلب العلم من طريق القرآن، ومن طريق السنة فيه أجر عظيم، فالعلم يؤخذ من

(1/11)

الكتاب، ويؤخذ من السنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « خيركم من تعلم العلم وعلمه » (1) وجاء في قراءة القرآن أحاديث كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم : « اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة » (2) رواه مسلم .
وقال -ذات يوم- عليه الصلاة والسلام: « أيحب أحدكم أن يذهب إلى بطحان -وادي في المدينة - فيأتي بناقتين عظيمتين في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقالوا: كلنا يحب ذلك يا رسول الله، فقال: لأن يذهب أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين عظيمتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع ، ومن أعدادهن من الإبل » (3) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على فضل تعلم القرآن، وقراءة القرآن .
وفي حديث ابن مسعود : « من قرأ حرفا من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها » (4) .
هكذا السنة إذا تعلمها المؤمن، فقرأ الأحاديث ودرسها يكون له أجر عظيم؛ لأن هذا من تعلم العلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة » (5) ، وهذا يدل على أن دراسة العلم، وحفظ الأحاديث، والمذاكرة فيها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار، وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين » (6) متفق عليه، والتفقه في الدين يكون من طريق الكتاب، ويكون من طريق السنة، والتفقه في السنة من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرا كما أن التفقه في القرآن دليل على ذلك، والأدلة في هذا كثيرة والحمد لله.
__________
(1) صحيح البخاري فضائل القرآن (4739),سنن الترمذي فضائل القرآن (2907),سنن أبو داود الصلاة (1452),سنن ابن ماجه المقدمة (211),مسند أحمد بن حنبل (1/69),سنن الدارمي فضائل القرآن (3338).
(2) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (804),مسند أحمد بن حنبل (5/255).
(3) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (803),سنن أبو داود الصلاة (1456),مسند أحمد بن حنبل (4/154).
(4) سنن الترمذي فضائل القرآن (2910).
(5) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699),سنن الترمذي العلم (2646),سنن أبو داود الأدب (4946),سنن ابن ماجه المقدمة (225),مسند أحمد بن حنبل (2/252),سنن الدارمي المقدمة (344).
(6) صحيح البخاري العلم (71),صحيح مسلم الإمارة (1037),سنن ابن ماجه المقدمة (221),مسند أحمد بن حنبل (4/93),موطأ مالك الجامع (1667),سنن الدارمي المقدمة (226).

(1/12)

(2)
أهل السنة والجماعة

(1/13)

كثرة الطوائف الزاعمة أنها الطائفة المنصورة
س 3: كثرت الطوائف والفرق التي تزعم أنها هي الطائفة المنصورة ، واشتبه على كثير من الناس الأمر، فماذا نفعل خاصة أن هناك فرقا تنتسب للإسلام كالصوفية والسلفية ونحو ذلك من الفرق فكيف نميز؟ بارك الله فيكم.
الجواب: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة- يعني: كلها في النار إلا واحدة، وهم أتباع موسى عليه السلام- وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة- والمعنى: أن كلها في النار إلا واحدة، وهم التابعون لعيسى عليه السلام- قال: وستفترق هذه الأمة- يعني: أمة محمد عليه الصلاة والسلام- على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة » (1) قيل: يا رسول الله، من هي الفرقة الناجية؟ قال: "الجماعة" ، وفي لفظ: « ما أنا عليه وأصحابي » (2) .
هذه هي الفرقة الناجية، الذين اجتمعوا على الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واستقاموا عليه، وساروا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج أصحابه، وهم أهل السنة والجماعة ، وهم أهل الحديث الشريف السلفيون الذين تابعوا السلف الصالح، وساروا على نهجهم في العمل بالقرآن والسنة، وكل فرقة تخالفهم فهي متوعدة بالنار.
فعليك -أيتها السائلة- أن تنظري في كل فرقة تدعي أنها فرقة ناجية، فتنظري أعمالها؛ فإن كانت أعمالها مطابقة للشرع فهي من الفرقة
__________
(1) سنن ابن ماجه الفتن (3992).
(2) سنن الترمذي الإيمان (2641).

(1/14)

الناجية، وإلا فلا.
والمقصود أن الميزان هو القرآن العظيم والسنة المطهرة في حق كل فرقة، فمن كانت أعمالها وأقوالها تسير على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه داخلة في الفرقة الناجية، ومن كانت بخلاف ذلك؛ كالجهمية والمعتزلة والرافضة والمرجئة وغير ذلك، وغالب الصوفية الذين يبتدعون في الدين ما لم يأذن به الله، هؤلاء كلهم داخلون في الفرق التي توعدها الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار حتى يتوبوا مما يخالف الشرع.
وكل فرقة عندها شيء يخالف الشرع المطهر فعليها أن تتوب منه، وترجع إلى الصواب وإلى الحق الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبهذا تنجو من الوعيد، أما إذا بقيت على البدع التي أحدثتها في الدين ولم تستقم على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنها داخلة في الفرق المتوعدة، وليست كلها كافرة، إنما هي متوعدة بالنار، فقد يكون فيها من هو كافر لفعله شيئا من الكفر، وقد يكون فيها من هو ليس بكافر ولكنه متوعد بالنار، بسبب ابتداعه في الدين، وشرعه في الدين ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى.

أسامي عابرة 05-01-2009 01:45 AM

(1/15)

تفسير حديث: بدأ الإسلام غريبا..
س 4: قال الحبيب صلى الله عليه وسلم : « بدأ الإسلام غريبا وسيعود... » (1) إلى آخر الحديث. نرجو تفسير هذا الحديث وبيان مدى صحته؟
الجواب: هذا الحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « بدأ الإسلام غريبا وسيعود
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (145),سنن ابن ماجه الفتن (3986),مسند أحمد بن حنبل (2/389).

(1/15)

غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء » (1) وهو حديث صحيح ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
زاد جماعة من أئمة الحديث في رواية أخرى: « قيل: يا رسول الله من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس » (2)
وفي لفظ آخر: « الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي » (3) وفي لفظ آخر: « هم النزاع من القبائل » (4) ، وفي لفظ آخر: « هم أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير » (5) .
فالمقصود أن الغرباء هم أهل الاستقامة، وأن الجنة والسعادة للغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس ، إذا تغيرت الأحوال والتبست الأمور وقل أهل الخير ثبتوا هم على الحق واستقاموا على دين الله ووحدوا الله وأخلصوا له العبادة واستقاموا على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر أمور الدين، هؤلاء هم الغرباء، وهم الذين قال الله فيهم وفي أشباههم: ** إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ** (6) ** نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون ** (7) ** نزلا من غفور رحيم ** (8) [فصلت: 30-32] . ** ما تدعون ** (9) أي ما تطلبون.
فالإسلام بدأ قليلا غريبا في مكة لم يؤمن به إلا القليل، وأكثر الخلق عادوه وعاندوا النبي صلى الله عليه وسلم وآذوه، وآذوا أصحابه الذين أسلموا، ثم انتقل إلى المدينة مهاجرا وانتقل معه من قدر من أصحابه، وكان غريبا أيضا حتى كثر أهله في المدينة وفي بقية الأمصار، ثم دخل الناس في دين الله
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (145),سنن ابن ماجه الفتن (3986),مسند أحمد بن حنبل (2/389).
(2) مسند أحمد بن حنبل (4/74).
(3) سنن الترمذي الإيمان (2630).
(4) سنن الترمذي الإيمان (2629),سنن ابن ماجه الفتن (3988),مسند أحمد بن حنبل (1/398),سنن الدارمي الرقاق (2755).
(5) مسند أحمد بن حنبل (2/177).
(6) سورة فصلت الآية 30
(7) سورة فصلت الآية 31
(8) سورة فصلت الآية 32
(9) سورة فصلت الآية 31

(1/16)

أفواجا بعد أن فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، فأوله كان غريبا بين الناس، وأكثر الخلق على الكفر بالله والشرك بالله وعبادة الأصنام والأنبياء والصالحين والأشجار والأحجار ونحو ذلك.
ثم هدى الله من هدى على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى يد أصحابه فدخلوا في دين الله وأخلصوا العبادة لله وتركوا عبادة الأصنام والأوثان والأنبياء والصالحين وأخلصوا لله العبادة فصاروا لا يعبدون إلا الله وحده، لا يصلون إلا له، ولا يسجدون إلا له; ولا يتوجهون بالدعاء والاستعانة وطلب الشفاء إلا له سبحانه وتعالى، لا يسألون أصحاب القبور، ولا يطلبون منهم المدد، ولا يستغيثون بهم، ولا يستغيثون بالأصنام والأشجار والأحجار ولا بالكواكب والجن والملائكة، بل لا يعبدون إلا الله وحده سبحانه وتعالى، هؤلاء هم الغرباء.
وهكذا في آخر الزمان هم الذين يستقيمون على دين الله عندما يتأخر الناس عن دين الله، وعندما يكفر الناس، وعندما تكثر معاصيهم وشرورهم يستقيم هؤلاء الغرباء على طاعة الله ودينه، فلهم الجنة والسعادة ولهم العاقبة الحميدة في الدنيا وفي الآخرة.

(1/17)

حديث: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة
س 5: يقول السائل: هل الملل والنحل والطرق الموجودة الآن هي التي ينطبق عليها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) والقول الآخر: « ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة » (2) ؟ أفيدونا بالصواب جزاكم الله خيرا.
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270).
(2) سنن الترمذي الإيمان (2641).

(1/17)

الجواب: كل طريقة وكل نحلة يحدثها الناس تخالف شرع الله، فهي داخلة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) وداخلة في الحديث الصحيح: « ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة » (2) .
وفي رواية أخرى: « ما أنا عليه وأصحابي » (3) فكل طريقة أو عمل أو عبادة يحدثها الناس يتقربون بها إلى الله ويرونها عبادة ويبتغون بها الثواب وهي تخالف شرع الله فإنها تكون بدعة، وتكون داخلة في هذا الذم والعيب الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالواجب على جميع أهل الإسلام أن يزنوا أقوالهم وأعمالهم وعباداتهم بما قاله الله ورسوله، وما شرعه الله، وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، بما وافق الشرع وما جاء في كتابه وما ثبت عن رسوله صلى الله عليه وسلم ويعرضوها عليها فهذا هو الحق المقبول، وما خالف كتاب الله، أو خالف السنة من عباداتهم وطرقهم فهو المردود، وهو الداخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (4) .
وهذا كله يتعلق بما يتعبد به الناس، وبما يقصد به الناس القربى، أما ما أحدثه الناس من الصنائع والاختراعات كالسلاح، أو من المركوبات أو الملابس أو المآكل فهذا كله غير داخل في هذا، وإنما الحديث يتعلق بالعبادات التي يتعبد بها الناس، ويتقربون بها إلى الله، هذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (5) وقوله: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (6) .
ولكن يدخل في هذا الحديث أيضا: العقود المخالفة لشرع الله،
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270).
(2) سنن الترمذي الإيمان (2641).
(3) سنن الترمذي الإيمان (2641).
(4) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270).
(5) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).
(6) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270).

(1/18)

فكل عقد يخالف شرع الله فإنه رد.

أسامي عابرة 05-01-2009 01:49 AM

(1/19)

دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى التوحيد
س 6:يقول السائل: فضيلة الشيخ، يسمي بعض الناس عندنا العلماء في المملكة العربية السعودية بالوهابية فهل ترضون بهذه التسمية؟ وما هو الرد على من يسميكم بهذا الاسم؟
الجواب: هذا لقب مشهور لعلماء التوحيد علماء نجد ينسبونهم إلى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه؛ لأنه دعا إلى الله عز وجل في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، واجتهد في إيضاح التوحيد وبيان الشرك للناس، حتى هدى به الله جما غفيرا، ودخل الناس في توحيد الله، وتركوا ما هم عليه من أنواع الشرك الأكبر، من عبادة أهل القبور، ومن البدع المتعلقة بالقبور، وعبادة الأشجار والأحجار، والغلو في الصالحين.
فصارت دعوته تجديدية إسلامية عظيمة، نفع الله بها المسلمين في الجزيرة العربية وفي غيرها رحمه الله رحمة واسعة، وصار أتباعه ومن دعا بدعوته ونشأ على هذه الدعوة في نجد يسمى بالوهابي، وكان هذا اللقب علما لكل من دعا إلى توحيد الله، ونهى عن الشرك وعن التعلق بأهل القبور، أو التعلق بالأشجار والأحجار، وأمر بالإخلاص لله وحده وسمي وهابيا، فهو لقب شريف عظيم يدل على أن من لقب به فهو من أهل التوحيد، ومن أهل الإخلاص لله، وممن ينهى عن الشرك بالله، وعن عبادة القبور والأشجار والأحجار والأصنام والأوثان.

(1/19)

هذا هو أصل هذه التسمية وهذا اللقب، هو نسبة إلى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي الداعي إلى الله عز وجل رحمه الله رحمة واسعة، فقد نشأ في نجد ، وتعلم في نجد ، ثم سافر إلى مكة والمدينة والعراق والأحساء وأخذ عن علمائها من أهل السنة ، ثم رجع إلى نجد فرأى ما الناس فيه من الجهل، وعبادة القبور والغلو فيها، والشرك بالله سبحانه وتعالى، ودعاء الأموات والاستعانة بهم والبناء على قبورهم، فدعا إلى الله، وأرشد الناس ونهاهم عن الشرك، وبين لهم أن التوحيد هو حق لله عز وجل على عباده، وأنه الذي دعت إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام.
وبين لهم معنى لا إله إلا الله ، وأن معناها: لا معبود حق إلا الله، يعني أنها نفي وإثبات، تنفي الإلهية عن غير الله وتثبت العبادة لله وحده سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: ** ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ** (1) [الحج: 62] . وقال سبحانه: ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (2) [الفاتحة: 5] . وقال عز وجل: ** وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ** (3) [الأنبياء: 25] . وقال سبحانه: ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (4) [الإسراء: 23] . وقال عز وجل: ** فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ** (5) [غافر: 14] . وقال سبحانه: ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (6) [البينة: 5] .
فالشيخ رحمه الله - محمد بن عبد الوهاب - قام بهذه الدعوة في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، وكان ذلك في العيينة في
__________
(1) سورة الحج الآية 62
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الأنبياء الآية 25
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة غافر الآية 14
(6) سورة البينة الآية 5

(1/20)

بلدة قريبة من الرياض ، دعا إلى الله فيها، ونشر التوحيد وصارت عنده حلقة عظيمة في التعليم، ثم انتقل لأسباب معروفة إلى الدرعية ، وتلقاه أميرها محمد بن سعود وبايعه على الدعوة إلى الله عز وجل، وعلى نشر الإسلام في الدرعية وما حولها فنفع الله بذلك، وتعاون الإمامان: الإمام محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود جد العائلة المالكة الآن، فتعاونا في سبيل الدعوة، وكان ذلك في عام ثمان وخمسين ومائة وألف من الهجرة النبوية.
هكذا بدأ الدعوة في الدرعية بعد أن انتقل من العيينة ، فانتشر الإسلام هناك، وأزيلت القباب التي على القبور، وانتشر التوحيد بين الناس، وعرفوا حقيقة معنى لا إله إلا الله، ثم قامت دولة آل سعود في بقية الجزيرة ، وانتشر أمر التوحيد في أطراف الجزيرة ، فنفع الله بهذه الدعوة نفعا عظيما، وظهر بها الحق، وانتصر بها أهل التوحيد، وصارت علما لأهل التوحيد في كل مكان.
ثم انتشرت هذه الدعوة أيضا في اليمن ، وفي جهات كثيرة من الهند والشام والعراق ومصر ، حيث تلقاها أئمة الهدى وعلماء الحق بالقبول، وساعدوا الشيخ محمدا رحمه الله ودعوا بدعوته.
وخالفه آخرون ممن غلب عليهم الجهل أو التقليد والتعصب لآبائهم وأسلافهم، أو غلب عليهم الهوى والتعصب لما هم عليه لئلا يقول الناس: لماذا لم تعلمونا، فعادوا هذه الدعوة، وكتبوا كتابات باطلة ضدها، ولكن الله سبحانه نصر الدعوة وأهلها واستقام أمر التوحيد في الجزيرة ، وانتشر أمر الله بحمد الله، فصار أتباع هذه الدعوة

(1/21)

ومن يدعون إلى توحيد الله من علماء التوحيد من علماء نجد وغيرهم يلقبون بالوهابية، فهو لقب معروف شريف وليس بمستنكر، فهو لقب أهل التوحيد والإيمان، من أهل الدعوة إلى الله عز وجل.
وهكذا انتشر هذا اللقب في كثير من البلدان الخارجية التي لا تنتسب إلى نجد ، إذا رأوا من يدعو إلى الله ويبين حقيقة التوحيد، وينهى عن الشرك في إفريقيا أو في اليمن أو في الشام أو في جهات أخرى، إذا رآهم بعض الغلاة وبعض المنحرفين قالوا: هذا وهابي؛ حتى ينفروا الناس عن دعوته، وحتى يظن الناس أن هذه الدعوة دعوة- باطلة، أو دعوة مخالفة للشرع، وهو غلط قبيح ومنكر، بل هي حقيقة ما دعا إليه الرسول كلية، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى توحيد الله، وهكذا الرسل جميعا كلهم دعوا إلى توحيد الله، ونشروا دين الله -عليهم الصلاة والسلام-، كما قال تعالى: ** ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ** (1) [النحل: 36] .
هذه دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- جميعا، وهي دعوة نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فإنه دعا إلى توحيد الله وقام في مكة بالدعوة وصار المشركون يسمون من أجاب دعوته صابئا، كما يقال للموحد الآن وهابي، فمن أجاب دعوة محمد صلى الله عليه وسلم في مكة قالوا له: صابئ.
وهكذا بعدما هاجر، لكن الله نصر الدعوة وأيد نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، وانتشرت الدعوة في مكة ، وفيما حولها، ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، وانتصرت الدعوة، وقام سوق الجهاد، وصارت المدينة معقل الإسلام، ومدينة الإسلام، والعاصمة الأولى للإسلام،
__________
(1) سورة النحل الآية 36

(1/22)

والحمد لله.
والمقصود من هذا كله أن هذه الدعوة وهذا اللقب لكل من دعا إلى توحيد الله، وأنكر الشرك يسميه بعض الجهلة وهابيا، لجهلهم للحقيقة وعدم علمهم بها، والحقيقة هي ما ذكرنا أنها دعوة عظيمة إلى توحيد الله وإلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم التقليد الأعمى والتعصب المقيت، وعدم البدع والخرافات، وعدم الشرك والتعلق بالأموات وبالأشجار والأحجار، أو بالأنبياء والصالحين أو بالأصنام، فهذه الدعوة تحارب أهل الشرك وتدعو إلى توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بمعنى لا إله إلا الله وتحقيقها، وتحقيق اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، والتمسك بسنته وطريقته، والاستقامة على ذلك، هذه هي دعوة الشيخ محمد رحمه الله.

(1/23)

الافتراء على الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من قبل المبتدعة
س 7: إن الذي يؤمن بالكتاب والسنة والرسل في قريتنا أو مدينتنا ولا يعتقد في الأسياد الذين يضربون أنفسهم في الحديد وغيره كما ذكرت في السؤال السابق يقولون عنه: أنت وهابي، ويزعمون أن هذا المذهب لا يعترف حتى بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء.
الجواب: هؤلاء مثل ما تقدم جهال أو متعصبون ملبسون على الناس مخادعون، فهم بين جهل وضلال، وبين خداع وتلبيس، فالذي يؤمن

(1/23)

بالله واليوم الآخر ويعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله ينكر عملهم هذا السيئ فينكر طعنهم أنفسهم بالسلاح، أو إدخال أنفسهم في النار، أو تقربهم إلى أسيادهم بالذبائح والنذور، فكل هذا ينكره أهل العلم بالله، وينكره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما أنكره الرسول عليه الصلاة والسلام وحذر منه؛ لأنه قال: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (1) وليس هذا العمل من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من أمر الصحابة، ولا من دين الله الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو باطل.
أما الوهابية فهم أتباع الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي رحمه الله، فهو إمام مشهور دعا إلى الله عز وجل في نجد في القرن الثاني عشر. دعا إلى الله، وإلى التمسك بالإسلام، وإلى تحكيم الشريعة المطهرة، وحذر الناس من الغلو في الأنبياء والصالحين، وعبادة القبور، وعبادة الأشجار والأحجار.
ودعا الولاة في زمانه، والأمراء، والعامة إلى توحيد الله والإخلاص له، واتباع الشريعة وتعظيمها، وإقامة الصلوات في المساجد، والمحافظة على شعائر الله، فيسر الله له الأنصار والأعوان من آل سعود ، وقام دين الله بأسباب دعوته في الجزيرة العربية ، وظهر الحق، وانتصر الحق، وخذل الله الباطل، وحكمت الشريعة الإسلامية في هذه الجزيرة بأسباب دعوته، ولم تزل بحمد الله في آثارها وفي بقاعها.
نسأل الله أن يثبتنا ويميتنا على الحق والهدى، فالشيخ محمد رحمه الله وأتباعه هم من أنصار الحق، ومن دعاة الهدى، وهم الذين نصروا دين الله في وقت الغربة في القرن الثاني عشر، وأعلوا كلمة الله،
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).

(1/24)

وجاهدوا عليها، وحكموا شرع الله في هذه الجزيرة .
وهو يدعو إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى تعظيم شريعته واتباع ما جاء به، والناس يكذبون عليه وعلى أتباعه، ويقولون: إنه لا يصلي على النبي ، ويقولون: إنه يقول: عصاي أحسن من النبي، وكل هذا من الباطل ومن أكاذيب أعداء الله، فهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلى الله، وأنه أفضل الخلق، وأفضل عباد الله، وهو سيد ولد آدم، وهو إنما قام يدعو إلى شريعته وإلى اتباع ما جاء به عليه الصلاة والسلام، وهو ممن يعظم أمر الله ونهيه، وينادي في بلاده : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله.
ويرى رحمه الله أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التحيات في آخر الصلاة ركن من أركان الصلاة، فكيف يقال إنه لا يصلي عليه، إذا كان يرى أن الصلاة عليه ركن من أركان الصلاة في آخر التحيات في آخر الصلاة؟ ! ولكن أعداء الله عندهم الكذب، وعندهم التلبيس، وعندهم البهتان، وعدم المبالاة بأمر الله ورسوله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(1/25)

حكم الطرق في الإسلام
س 8: تقول السائلة: ما حكم الطرق في الإسلام؟ علما أنني سألت بعض الأساتذة فقال: هذا حرام، وقال البعض الآخر: ليست فرضا ولا حراما. أرجو الإجابة الواضحة على ذلك وفقكم الله؟
الجواب: هذا السؤال عن الطرق مجمل، فإن كانت السائلة تريد الطرق الصوفية فهي منكرة، وبعضها كفر وبعضها بدعة وليس بكفر;

(1/25)

أسامي عابرة 05-01-2009 01:53 AM

(1/25)

لأن الطريق الذي يجب سلوكه هو طريق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
قال الله جل وعلا: ** وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ** (1) [الأنعام: 153] . وقال سبحانه وتعالى: ** وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه ** (2) [الأنعام: 155] . وقال جل وعلا: ** وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ** (3) [الحشر: 7] .
فالواجب على أهل الإسلام أن يسيروا على نهج محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يستقيموا على سيرته ودينه، قال تعالى: ** قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ** (4) [آل عمران: 31] .
فصراط الله المستقيم هو ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو طريق المنعم عليهم المذكورين في قوله جل وعلا: ** اهدنا الصراط المستقيم ** (5) ** صراط الذين أنعمت عليهم ** (6) وهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون المذكورون في قوله تعالى: ** ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ** (7) [النساء: 4] .
فهذا هو الطريق السوي، أما طرق الصوفية ففيها الشرك، كعبادة بعض شيوخهم، والاستغاثة ببعض شيوخهم، وكهجر بعضهم لعلوم السنة، وقوله: حدثني قلبي عن ربي، وعدم الاعتراف بالشرع الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، إلى غير هذا من بدعهم الكثيرة.
وكفعل بعضهم مع المريدين، حيث يقول: عليك أن تسلم للشيخ حاله ومراده، وألا تعترض عليه، وأن تكون معه كالميت بين يدي الغاسل، فهذه كلها طرق فاسدة وكلها ضالة.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 153
(2) سورة الأنعام الآية 155
(3) سورة الحشر الآية 7
(4) سورة آل عمران الآية 31
(5) سورة الفاتحة الآية 6
(6) سورة الفاتحة الآية 7
(7) سورة النساء الآية 69

(1/26)

أما إن أرادت بالطرق- الطرق يعني: الخط في الأرض، كتلك الخطوط الأرضية التي يخطها المشعوذون والرمالون، ويدعون بها علم الغيب، فهذا منكر آخر ولا يجوز، وهو من الشرك الأكبر، فمن فعل خطوطا في الأرض، وزعم أنه يعلم الغيب بذلك، وأنه يخبر بالغيب بهذا العمل، فإن فعله هذا من الشرك الأكبر، ومن دعوى علم الغيب والعياذ بالله، وقد قال الله سبحانه: ** قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ** (1) الآية [النمل: 65] .
__________
(1) سورة النمل الآية 65

(1/27)

المذاهب الأربعة
س 9: سائل يسأل ويقول: الطرائق الأربعة : الأحمدية والشافعية والمالكية والحنفية . هل هذه الطرائق صحيحة؟ وفي أي زمن وجدت؟
الجواب: الأصوب أن يقول المذاهب الأربعة. والأحمدية هم أتباع أحمد بن حنبل رحمه الله، والشافعية هم أتباع محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، والمالكية هم أتباع الإمام مالك بن أنس رحمه الله، والحنفية هم أتباع أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وهذه المذاهب معروفة عند أهل العلم وقد انتشرت في القرون المتأخرة، في القرن الثالث وما بعده، أما مذهب أبي حنيفة فعرف وانتشر في القرن الثاني، وهكذا مذهب الإمام مالك في القرن الثاني.
وأما مذهب الشافعي وأحمد فاشتهر بعد ذلك في القرن الثالث وما بعده، وهم على خير وعلى هدى وعلى حق رضي الله عنهم ورحمهم الله، وهم علماء هدى وعلماء خير، ولكن لا يجوز أن يقال إن واحدا

(1/27)

منهم معصوم لا يقع منه خطأ، بل كل واحد له أغلاط حسب ما خفي عليه من السنة، وحسب ما عرفوا من كتاب الله عز وجل، فقد يفوت بعضهم شيء من العلم وشيء من السنة، فهذا أمر معلوم يشملهم وغيرهم، كالأوزاعي ، وإسحاق بن راهويه وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، وغيرهم من الأئمة المعروفين.
فكل واحد منهم قد يفوته بعض العلم؛ لأنه ليس كل واحد يحيط بالسنة ويحيط بالعلم، فقد يفوته بعض الأشياء، لكنهم أئمة الهدى، ولهم أتباع نظموا مذاهبهم، وجمعوا مسائلهم وفتاواهم، وكتبوا في ذلك حتى انتشرت هذه المذاهب وعلمت بسبب أتباعهم الذين ألفوا فيها، وجمعوا فيها مسائل هؤلاء الأئمة وما أفتوا به في ذلك، فقد يقع بعض الأخطاء من بعضهم؛ لأنه لم تبلغه السنة في بعض المسائل فأفتى باجتهاده، قد يقع الخطأ من أجل ذلك، والآخر بلغه الحديث وعرف الحديث فأفتى بالصواب، فهذه تقع لكل واحد منهم في مسائل معدودة رحمهم الله؛ ولهذا قال مالك رحمه الله: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما اختيار مذهب معين فهذا في حق طلبة العلم، فطلبة العلم عليهم ألا يقلدوا أحدا، ولكن إذا انتسب إلى أحد المذاهب من باب الانتساب، لأنه رأى قواعده وأصوله توافقه فلا بأس، لكن ليس له أن يقلد الشافعي ولا أحمد ولا مالكا ولا أبا حنيفة ، ولا غيرهم، بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا، وعليه أن ينظر في الأدلة، فما رجح في الأدلة من مسائل الخلاف أخذ به، وأما ما أجمع عليه العلماء فليس لأحد أن يخالفه؛ لأن

(1/28)

العلماء لا يجمعون على باطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة » الحديث. فإذا أجمعوا فهذه الطائفة منهم.
لكن يجب على العالم في مسائل الخلاف أن ينظر في الأدلة، فإذا كان الدليل مع أبي حنيفة أخذ به، وإذا كان مع مالك أخذ به، وإذا كان مع الشافعي أخذ به، وإذا كان مع أحمد أخذ به، وهكذا لو كان مع الأوزاعي أو مع إسحاق بن راهويه أو غيرهما.
فالواجب الأخذ بالدليل وترك ما خالفه؛ لأن الله سبحانه يقول: ** فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ** (1) [النساء: 59] . ويقول سبحانه: ** وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ** (2) [الشورى: 10] .
فالواجب على أهل العلم أن يعرضوا ما تنازع فيه الناس على الأدلة الشرعية فما رجح بالدليل وجب الأخذ به.
أما العامي فيسأل أهل العلم في زمانه، يتخير العالم الطيب الذي يظهر عليه التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والورع، ويظهر منه العلم، ويشهد له الناس بالخير، فيتحرى ويسأل، ومذهبه مذهب من أفتاه، لكن عليه أن يتحرى أهل العلم، ويسأل في بلاده أو في غير بلاده عن المعروفين بالعلم، والفضل، واتباع الحق، والمحافظة على الصلوات، والذين يعرفون باتباع السنة، من توفير اللحى، وعدم الإسبال، والبعد عن مواقف التهم، إلى غير هذا من الدلائل على استقامة العالم، فإذا أرشد إلى عالم ظاهره الخير ومعروف بالعلم، سأله عما أشكل عليه والحمد لله. ** فاتقوا الله ما استطعتم ** (3) [التغابن: 16] ، وقال سبحانه: ** فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ** (4) [الأنبياء: 7] .
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10
(3) سورة التغابن الآية 16
(4) سورة الأنبياء الآية 7

(1/29)

(3)
الإيمان والإسلام

(1/31)

شروط الإسلام
س 10: ما هي شروط الإسلام؟
الجواب: شروط الإسلام شرطان:
الشرط الأول:
الإخلاص لله، وأن تقصد بإسلامك ودخولك في دين الله وأعمالك وجه الله عز وجل، هذا لا بد منه؛ لأن كل عمل تعمله وليس لوجه الله سواء كان صلاة أو صدقة أو صياما أو غير هذا لا يكون نافعا ولا مقبولا، حتى الشهادتين لو فعلتهما رياء أو نفاقا لا تقبل ولا تنفعك وتكون من المنافقين.
فلا بد أن يكون قولك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صدقا من قلبك، تؤمن بالله وحده وأنه المعبود بالحق، وأن محمدا رسول الله صادق، وأنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين، وأنه خاتم الأنبياء، فإذا كان ذلك منك صدقا وإخلاصا نفعك ذلك، وهكذا في صلاتك تعبد الله بها وحده، وهكذا صدقاتك، وهكذا قراءتك، وتهليلك، وصومك، وحجك يكون لله وحده.
الشرط الثاني:
الموافقة للشريعة، فلا بد أن تكون أعمالك موافقة للشريعة، وليس من عند رأيك ولا من اجتهادك، بل لا بد أن تتحرى موافقة الشريعة فتصلي كما شرع الله، وتصوم كما شرع الله، وتزكي كما شرع الله،

(1/32)

وتجاهد كما شرع الله وتحج كما شرع الله، وهكذا.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (1) والله يقول في كتابه العظيم: ** أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ** (2) [الشورى: 21] . يعيبهم سبحانه بهذا العمل.
ويقول سبحانه: ** ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ** (3) ** إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ** (4) [الجاثية: 18 ، 19] .
فالواجب اتباع الشريعة التي شرعها الله على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعدم الخروج عنها في جميع العبادات التي تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه هي شروط الإسلام، وهي شرطان: الأول: الإخلاص لله في العمل، والثاني: الموافقة للشريعة، هذا هو الذي به تنتفع بعباداتك، ويقبل الله منك عباداتك إذا كنت مسلما.
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) سورة الجاثية الآية 18
(4) سورة الجاثية الآية 19

(1/33)

س 11: تسأل الأخت وتقول: هل الإيمان بالقلب يكفي لأن يكون الإنسان مسلما بعيدا عن الصلاة والصوم والزكاة؟
الجواب: الإيمان بالقلب لا يكفي عن الصلاة وغيرها، بل يجب أن يؤمن بقلبه وأن الله واحد لا شريك له، وأنه ربه وخالقه، ويجب أن يخصه بالعبادة سبحانه وتعالى، ويؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين، كل هذا لا بد منه، فهذا أصل الدين وأساسه كما يجب على المكلف أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله

(1/33)

من أمر الجنة والنار والصراط والميزان وغير ذلك مما دل عليه القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة. ولا بد مع ذلك من النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله كما أنه لا بد من الصلاة وبقية أمور الدين، فإذا صلى فقد أدى ما عليه، وإن لم يصل كفر، لأن ترك الصلاة كفر.
أما الزكاة والصيام والحج وبقية الأمور الواجبة إذا اعتقدها وأنها واجبة، ولكن تساهل فلا يكفر بذلك، بل يكون عاصيا، ويكون إيمانه ضعيفا ناقصا؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، يزيد الإيمان بالطاعات والأعمال الصالحات، وينقص بالمعاصي عند أهل السنة والجماعة.
أما الصلاة وحدها خاصة فإن تركها كفر عند كثير من أهل العلم وإن لم يجحد وجوبها، وهو أصح قولي العلماء، بخلاف بقية أمور العبادات، من الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، فإن تركها ليس بكفر أكبر على الصحيح، ولكن نقص في الإيمان، وضعف في الإيمان، وكبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فترك الزكاة كبيرة عظيمة، وترك الصيام كبيرة عظيمة، وترك الحج مع الاستطاعة كبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كفرا أكبر إذا كان مؤمنا بأن الزكاة حق، وأن الصيام حق، وأن الحج لمن استطاع إليه سبيلا حق، ما كذب بذلك ولا أنكر وجوب ذلك، ولكنه تساهل في الفعل، فلا يكون كافرا بذلك على الصحيح.
أما الصلاة فإنه إذا تركها يكفر في أصح قولي العلماء كفرا أكبر والعياذ بالله وإن لم يجحد وجوبها كما تقدم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » (1) أخرجه مسلم في صحيحه ،
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/389),سنن الدارمي الصلاة (1233).

أسامي عابرة 05-01-2009 01:59 AM

(1/34)

وقوله صلى الله عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (1) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح ، والمرأة مثل الرجل في ذلك. نسأل الله العافية والسلامة.
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621),سنن النسائي الصلاة (463),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079),مسند أحمد بن حنبل (5/346).

(1/35)

هل يكون الإنسان مسلما ولو لم يأت بأركان الدين؟
س 12: وتقول السائلة: إن هناك شيئا يتردد بين أوساط الناس حيث يقولون: إن الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج يشترط له الإسلام، فالإنسان قد يكون مسلما ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام. فنريد تجلية هذا الموضوع. بارك الله فيكم؟
الجواب: نعم. هو مسلم بالشهادتين، فمتى أقر بالشهادتين ووحد الله عز وجل وصدق رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم دخل في الإسلام، ثم ينظر فإن صلى تم إسلامه، وإن لم يصل صار مرتدا، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتدا، أو أنكر صيام شهر رمضان صار مرتدا، أو قال الزكاة غير واجبة صار مرتدا، أو قال الحج مع الاستطاعة غير واجب، صار مرتدا، أو استهزأ بالدين أو سب الله أو سب الرسول صار مرتدا.
فهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحا، فإذا دخل في الإسلام بالشهادتين حكم له بالإسلام، ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور فإن استقام على الحق تم إسلامه، وإذا وجد منه ما ينقض الإسلام؛ من سب الدين، أو من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من جحد لما أوجبه الله سبحانه وتعالى من صلاة وصوم، أو جحد لما حرم الله كما لو قال: الزنا حلال، فإنه يرتد عن الإسلام بهذا، ولو صلى وصام، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله،

(1/35)

وأن محمدا رسول الله.
فلو قال: إن الزنا حلال، وهو يعلم الأدلة وقد أقيمت عليه الحجة، يكون كافرا بالله كفرا أكبر والعياذ بالله، أو قال: الخمر حلال، وقد بينت له الأدلة ووضحت له الأدلة ثم أصر يقول: إن الخمر حلال، يكون ذلك كفرا أكبر، وردة عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال مثلا: إن العقوق حلال، يكون ردة عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال إن شهادة الزور حلال، يكون هذا ردة عن الإسلام بعد أن تبين له الأدلة الشرعية.
كذلك إذا قال: الصلاة غير واجبة، أو الزكاة غير واجبة، أو صيام رمضان غير واجب، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب، كل هذه نواقض من نواقض الإسلام يكون بها كافرا والعياذ بالله.
إنما الخلاف إذا قال: إن الصلاة واجبة، ولكن أنا أتساهل ولا أصلي، فجمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر ويكون عاصيا يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا.
وذهب آخرون من أهل العلم وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يكفر بذلك كفرا أكبر، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لقول الله جل وعلا: ** فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ** (1) [التوبة: 5] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله ، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال سبحانه: ** فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ** (2) [التوبة: 11] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصلي ليس بأخ في الدين.
__________
(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سورة التوبة الآية 11

(1/36)

س 13: ما معنى قوله تعالى: ** وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ** (1) [البقرة: 284] . وكيف نجمع بين معناها وبين الحديث الشريف الذي معناه: أن الله تعالى تجاوز عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به؟
الجواب: هذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة رضي الله عنهم لما نزلت، وهي قوله تعالى: ** لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ** (2) [البقرة: 284] ، شق عليهم هذا الأمر، وجاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم : « أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا » (3) فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله سبحانه: ** آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ** (4) ** لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ** (5) [البقرة: 285، 286] .
فسامحهم الله وعفا سبحانه وتعالى، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية، وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا أو بما أصروا عليه وثبتوا عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب فهذا معفو عنه؛ ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم » (6) .
فزال هذا الإشكال والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما
__________
(1) سورة البقرة الآية 284
(2) سورة البقرة الآية 284
(3) صحيح مسلم الإيمان (125),مسند أحمد بن حنبل (2/412).
(4) سورة البقرة الآية 285
(5) سورة البقرة الآية 286
(6) صحيح البخاري الطلاق (4968),صحيح مسلم الإيمان (127),سنن الترمذي الطلاق (1183),سنن النسائي الطلاق (3433),سنن أبو داود الطلاق (2209),سنن ابن ماجه الطلاق (2040),مسند أحمد بن حنبل (2/491).

(1/37)

عمله أو قاله أو أصر عليه بقلبه عملا بقلبه كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق ونحو ذلك.
أما الخواطر والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين، فهذه لا تضر، بل هي عارضة من الشيطان ولا تضر; ولهذا لما قال الصحابة : « يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه ما أن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق به. أو كما قالوا قال صلى الله عليه وسلم: ذاك صريح الإيمان » (1) .
فتلك الوسوسة من الشيطان؛ إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص وصحة الإيمان والرغبة فيما عند الله وسوس عليه بعض الشيء، وألقى في قلبه خواطر خبيثة؛ فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان سلم من شرها؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: « لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله » (2) ، وفي لفظ: « فليستعذ بالله ولينته » (3) .
هذا يدلنا على أن الإنسان عرضة للوساوس الشيطانية، فإذا عرض له وساوس خبيثة وخطرات منكرة فليبتعد عنها وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولينته، ولا يلتفت إليها؛ فإنها باطلة ولا تضره، وهي من الخطرات التي عفا الله عنها سبحانه وتعالى.
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (132),سنن أبو داود الأدب (5111),مسند أحمد بن حنبل (2/441).
(2) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (6866),صحيح مسلم الإيمان (136),مسند أحمد بن حنبل (3/102).
(3) صحيح البخاري بدء الخلق (3102),صحيح مسلم الإيمان (134),سنن أبو داود السنة (4722),مسند أحمد بن حنبل (2/331).

(1/38)

(4)
الربوبية

(1/39)

حول قوله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة
س 14: يقول السائل: قال الله تعالى: ** وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ** (1) [البقرة: 30] .
يقول: هل معنى هذا أن الله خلق الإنسان قبل آدم عليه السلام؟ وإلا فكيف عرفت الملائكة أن الإنسان يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ وما المقصود من أن الله جاعل في الأرض خليفة؟ وخليفة عمن؟
الجواب: الآية الكريمة تدل على أن الله جل وعلا جعل هذا الإنسان وهو آدم عليه الصلاة والسلام خليفة في الأرض عمن كان فيها من أهل الفساد وعدم الاستقامة، وقول الملائكة يدل على أنه كان هناك قوم يفسدون في الأرض، فبنت ما قالت على ما جرى في الأرض، أو لأسباب أخرى اطلعت عليها فقالت ما قالت، فأخبرهم الله سبحانه وتعالى بأنه يعلم ما لا تعلمه الملائكة، وأن هذا الخليفة يحكم الأرض بشرع الله ودين الله، وينشر الدعوة إلى توحيده، والإخلاص له، والإيمان به.
وهكذا ذريته بعده يكون فيهم الأنبياء، ويكون فيهم الرسل، والأخيار، والعلماء الصالحون، والعباد المخلصون، إلى غير ذلك مما حصل في الأرض؛ من العبادة لله وحده، وتحكيم شريعته، والأمر
__________
(1) سورة البقرة الآية 30

(1/40)

بما أمر به، والنهي عما نهى عنه.
هكذا جرى من الأنبياء والرسل، والعلماء الصالحين، والعباد المخلصين، إلى غير ذلك، وظهر أمر الله في ذلك، وعلمت الملائكة بعد ذلك هذا الخير العظيم، ويقال: إن الذي قبل آدم هم طوائف من الناس ومن الخليقة يقال لهم: الجن والحن.
وبكل حال فهو خليفة لمن مضى قبله وصار قبله في أرض الله ممن يعلمهم الله سبحانه وتعالى، وليس لدينا أدلة قاطعة في بيان من كان هناك قبل آدم، وصفاتهم، وأعمالهم ، فليس هناك ما يبين هذا الأمر، لكن جعله خليفة يدل على أن هناك من كان قبله في الأرض، فهو يخلفهم في إظهار الحق، وبيان شريعة الله التي شرعها له، وبيان ما يرضي الله ويقرب لديه، وينهى عن الفساد فيها.
وهكذا من جاء بعده من ذريته قاموا بهذا الأمر العظيم، من الأنبياء، والصلحاء، والأخيار؛ دعوا إلى الحق ووضحوه، وأرشدوا إلى دين الله، وعمروا الأرض بطاعة الله وتوحيده والحكم بشريعته، وأنكروا على من خالف ذلك.

(1/41)

(5)

أسامي عابرة 05-01-2009 02:02 AM

الشهادتان

(1/43)

قول: لا إله إلا الله ودخول الجنة
س 15: يسأل السائل عن قول: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ويقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من قالها دخل الجنة .
أريد أن أعرف هل من قالها في عمره مرة يكفي، أو عدة مرات، أو عند الممات، أو في أي وقت؟ وهل تنفع صاحبها مع ارتكابه للمعاصي؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: إذا قال العبد: لا إله إلا الله، وشهد أن محمدا رسول الله عن صدق وعن إيمان، فعبد الله وحده، وأفرده بالعبادة، لا يدعو معه أمواتا، ولا أحجارا، ولا أصناما، ولا كواكب ولا غير ذلك، بل يعبده وحده سبحانه وتعالى، ويصدق رسوله، ويشهد أنه رسول الحق إلى الثقلين، ثم مات على ذلك غير مصر على سيئة، بل أسلم وأدى هذه الشهادة ومات، فإنه من أهل الجنة.
أما إن كان عنده معاص، بأن كان أتى شيئا من المعاصي فهو تحت مشيئة الله; كالزنا، أو شرب الخمر، أو عقوق الوالدين، أو قطيعة الرحم، فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء أدخله النار حتى يعذب على قدر معاصيه، ثم يخرج من النار إلى الجنة؛ لقول الله جل وعلا: ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (1) [النساء: 48] .
وعليه أيضا مع هاتين الشهادتين أن يؤدي الفرائض; فعليه أن يؤدي
__________
(1) سورة النساء الآية 48

(1/44)

الصلوات الخمس، وعليه أن يؤدي الزكاة، وعليه أن يصوم رمضان، وعليه أن يحج البيت ، وعليه أن يؤدي كل ما فرضه الله عليه، فلا بد من هذا، ولا بد من تجنبه ما حرم الله عليه، فإن أتى بناقض من نواقض الإسلام كفر، ولو أتى بالشهادتين، فإن المنافقين يقولون الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، لكنهم في الباطن يكذبون، يكذبون الرسول، ويكذبون الله فيما قال، فصاروا كفارا في الدرك الأسفل من النار.
وهكذا لو قال هذه الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، ثم سب الدين، أو سب الله كفر ، وخرج عن الإسلام -والعياذ بالله-.
وكذلك لو ترك الصلاة عمدا وإن لم يجحد وجوبها كفر عند كثير من أهل العلم، وهو الصحيح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (1) وقال عليه الصلاة والسلام: « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » (2) أما من جحد وجوبها فإنه يكفر بالإجماع وإن صلى؛ لأنه مكذب لله سبحانه ولرسوله .
أما لو ترك الصيام أو ترك الزكاة وهو يعلم أنها واجبة، ويعلم أن الصيام واجب ولكن تساهل، فهذا قد أتى ذنبا عظيما ومنكرا كبيرا، وقد توعده الله بالعذاب يوم القيامة إلا أن يعفو الله عنه، فهو تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى.
وهكذا لو أتى بعض المعاصي التي تقدم ذكرها؛ كالخمر، أو
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621),سنن النسائي الصلاة (463),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079),مسند أحمد بن حنبل (5/346).
(2) صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/389),سنن الدارمي الصلاة (1233).

(1/45)

العقوق، أو قطيعة الرحم، أو الربا، فهذه معاصي إذا كان لا يستحل ما حرم الله، وهو يعلم أنها معاص ولكن أتاها طاعة لهواه وشيطانه ولجلساء السوء، فهذا يكون قد أتى ذنبا عظيما، ويكون إيمانه بهذا ناقصا وضعيفا، ويكون تحت مشيئة الله عند أهل السنة ، لا يكفر بذلك خلافا للخوارج ، بل يكون تحت مشيئة الله، ويكون ضعيف الإيمان، فإن شاء الله غفر له سبحانه وتعالى، وإن شاء عذبه في النار على قدر الجرائم التي مات عليها، وبعد التطهير والتمحيص في النار، يخرجه الله منها إلى الجنة، ولا يخلد في النار الخلود الأبدي إلا الكفار.
أما الخلود المؤقت فهذا قد يقع لبعض أهل المعاصي كما توعد الله بهذا القاتل، والزاني، وقاتل نفسه، فهو خلود مؤقت له نهاية، أما خلود الكفار فهو خلود دائم ليس له نهاية، كما في قوله سبحانه وتعالى: ** كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ** (1) [البقرة: 167] . ويقول سبحانه: ** يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ** (2) [المائدة: 37] .
نسأل الله العافية.
__________
(1) سورة البقرة الآية 167
(2) سورة المائدة الآية 37

(1/46)

(6)
العبادة

(1/47)

كتاب الدعاء المستجاب
س 16: هناك بعض الكتب الخاصة بالأذكار والأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مثلا كتاب الدعاء المستجاب ، وقد وجدت فيه أدعية لكل يوم من أيام الأسبوع، فهناك أدعية وأذكار ليوم الجمعة، وأخرى ليوم السبت، وهكذا . فهل الالتزام بهذه الأذكار بدعة أم هو من السنة؟
الجواب: هذا كتاب غير معتمد، وصاحبه حاطب ليل يجمع الغث والسمين، والصحيح والضعيف والموضوع فلا يعتمد عليه، ولا يجوز أن يخصص أي يوم أو أي ليلة بشيء إلا بدليل عن المعصوم عليه الصلاة والسلام.
فهذا الكتاب لا يعتمد عليه، ولكن تراجع الكتب الأخرى فما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أذكار أو أدعية تقال في الصباح أو المساء شرع ذلك، وما لا فلا.
وأما كتاب: الدعاء المستجاب فلا يعتمد عليه؛ لأن صاحبه ليس بأهل لذلك؛ لأنه كما قلنا يجمع بين الغث والسمين، والصحيح والضعيف والموضوع. وقد كتبنا في ذلك رسالة سميناها: تحفة الأخيار ببيان جملة نافعة مما ورد في الكتاب والسنة من الأدعية والأذكار فراجعها إن شئت.

(1/48)

حكم الحجاب من القرآن الكريم وغيره
س 17: سائل يقول: هناك بعض الفقهاء عندنا في السودان نسمي الواحد منهم "فقي" -أي فقيه- يكتبون الآيات القرآنية في شكل أوراق صغيرة، أو حجاب، أو على ألواح من الخشب، وتمحى وتشرب حسب المرض، كما أن الحجاب مثلا ضد السلاح، أو حفظا من الشيطان والعوارض ، كما يزعم فئة أخرى غير مجربة لها بأنها أسحار، كما أن هناك شهود عيان على أن هؤلاء الفقهاء قد عالجوا مئات من المجانين ومختلي العقول، وتلبس لهم آلاف الحجب يزعمون أنها ضد السلاح. فما رأيكم في هؤلاء؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: هذا الكلام فيه تفصيل، فطالب العلم أو ما يسمى فقيها إذا كتب آيات من القرآن في ورقة أو صحن من الزعفران، أو من العسل، أو نحو ذلك، حتى يغسلها المريض ويشربها ، فهذا أجازه كثير من أهل العلم، وذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدى خير العباد عن جماعة من أهل العلم من السلف، وذكره غيره أيضا فالأمر فيه واسع وسهل. فإذا كتب آيات من القرآن أو دعوات طيبة بالزعفران أو بالعسل، ثم غسل وشربه المريض فقد ينفع الله بذلك.
ولكن أحسن من هذا أن يقرأ الراقي على المريض الآيات والدعوات الطيبة،،،، ويسأل الله له الشفاء، فهذا أحسن كما كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يفعلون، وإن قرأ في الماء وشربه المريض أو رش عليه به

(1/49)

نفعه ذلك بإذن الله.
وقد أخرج أبو داود رحمه الله بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه.
وأما الحجب، وهي: ما يعلق من أوراق أو جلود أو غيرها على المريض، يكتب فيها آيات أو دعوات تعلق على المريض ضد السلاح، أو ضد الجن فهذا لا يجوز، وقد أجاز بعض أهل العلم تعليق ما كان من القرآن خاصة ولكنه قول ضعيف، والصواب: منع تعليق جميع الحجب؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك » (1) والمراد بالشرك هنا: الشرك الأصغر؛ ولأن في ذلك سد الذريعة إلى تعليق غيرها، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك أو المعاصي من أعظم مقاصد الشريعة وواجباتها .
أما تعليق الحجب من غير الآيات؛ كالعظام والودع والطلاسم والأسماء المجهولة ، فهذه لا تجوز بغير خلاف بين أهل العلم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: « من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك » (2) كما تقدم؛ ولأنها من أعمال الجاهلية؛ ولأنها تصد القلوب عن الله وتعلقها بغيره، والقلوب يجب أن تتعلق بالله سبحانه وتعالى وتعتمد عليه، فتعليق هذه التمائم يجعل القلوب تميل إليها وتتعلق بها وترتاح لها، وهذا خطأ عظيم، فلا يجوز تعليق التمائم، وهي الحجب ولها أسماء أخرى عند الناس.
ومن هذا ما روى الإمام أحمد رحمه الله من حديث عمران بن الحصين
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/154).
(2) مسند أحمد بن حنبل (4/154).

أسامي عابرة 05-01-2009 02:06 AM

(1/50)

رضي الله عنه، « أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال: ما هذا؟ قال: هذا من الواهنة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا » (1) ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الحلقة التي يعلقها بعض الناس في يده عن مرض يسمى: الواهنة لا تزيده إلا وهنا، وأنها منكر لا تجوز فهي مثل التمائم.
ودخل حذيفة رضي الله عنه الصحابي الجليل على رجل فوجد في يده خيطا فسأله عنه، فقال: هذا من أجل الحمى فقطعه، وتلا قوله سبحانه ** وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ** (2) [يوسف: 106] .
وهذا يدل أن من عمل الصحابة إنكار هذا الشيء، والنهي عنه، فلا يجوز لمسلم ولا لمسلمة تعليق هذه التمائم، ولا هذه الخيوط والحجب على مريض، أو على صبي، أو على غيرهما، لدفع الجن أو السلاح، أو السحر أو غير ذلك؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن هذا، وبين أن تعليق التمائم لا يجوز، ولم يفصل بين تميمة وتميمة، ولم يقل إلا من القرآن، بل عمم، فدل ذلك على أن التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ممنوعة؛ لأن الرسول عمم في النهي عليه الصلاة والسلام، وهو المشرع، وهو أنصح الناس للناس، ولو كان في التمائم شيء مستثنى لاستثناه النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم أيضا تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق التمائم الأخرى فيلتبس الأمر، ويخفى على الناس، وتنتشر التمائم الشركية.
وسد الذرائع من أهم مهمات الشريعة الإسلامية، فوجب منع التمائم كلها؛ عملا بعموم الأحاديث، وسدا لذرائع الشرك، وحماية
__________
(1) سنن ابن ماجه الطب (3531),مسند أحمد بن حنبل (4/445).
(2) سورة يوسف الآية 106

(1/51)

للأمة مما يفسد عقيدتها، ويسبب غضب الله عليها سبحانه وتعالى. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

(1/52)

تعليق الأوراق التي يكتبها السادة والحلف بهم
س 18: سائل يقول: عندنا إذا مرض الشخص فإنه يذهب إلى السادة، فيكتبون له أوراقا يعلقها في رأسه. فهل يجوز هذا أم لا؟ كذلك هناك من يحلف بغير الله أو يحلفون بهؤلاء السادة. فما حكم ذلك؟
الجواب: تعليق التمائم على الأولاد خوف العين أو خوف الجن أمر لا يجوز، وهكذا تعليق التمائم على المرضى وإن كانوا كبارا لا يجوز؛ لأن هذا فيه نوع من التعلق على غير الله، فلا يجوز لا مع السادة المنسوبين إلى الحسن أو الحسين أو غيرهما، ولا مع غيرهم من العلماء، ولا مع غيرهم من العباد، لا يجوز هذا أبدا؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له » (1) .
وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من تعلق تميمة فقد أشرك » (2) والتميمة هي ما يعلق على الأولاد أو على الكبار عن العين أو عن الجن من خرز، أو ودع، أو عظام، أو غيرها، أو أوراق مكتوب فيها كتابات حتى ولو من القرآن على الصحيح، حتى ولو آية الكرسي أو غيرها لا يجوز التعليق مطلقا ولو كان من القرآن؛ لأن الحديث عام، فالرسول صلى الله عليه وسلم عمم وأطلق، ولم يستثن شيئا، فدل ذلك على أن التمائم كلها ممنوعة، وهي ما يعلق على الأولاد عن العين أو عن الجن، أو
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/154).
(2) مسند أحمد بن حنبل (4/156).

(1/52)

يعلق على المرضى أو الكبار كله لا يجوز.
والمشروع في هذا أن الإنسان يسأل ربه العافية، ولا بأس أن يقرأ عليه المؤمن العارف بالقراءة، يقرأ عليه بعض آيات، ويدعو له بدعوات شرعية، وينفث عليه، فهذه رقية شرعية ولا بأس بها، أما أن يعلق شيئا في قرطاس أو في خرقة، في عضده أو في رقبته، فهذا لا يجوز، وهذا من الشرك الأصغر، وقد يكون من الأكبر إذا اعتقد صاحبه أنها تدفع عنه، وأنها تكفيه الشرور دون الله، فهذا يكون من الشرك الأكبر، وأما إذا اعتقد أنها من الأسباب فهذا شرك أصغر، والواجب قطعها وإزالتها.
وكذلك الحلف بغير الله لا يجوز، وهو من الشرك الأصغر أيضا، وقد يكون من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بغير الله أن محلوفه مثل الله، أو أنه يستحق أن يدعى من دون الله، أو أنه يتصرف في الكون، فإنه يكون شركا أكبر والعياذ بالله.
والحاصل أن الحلف بغير الله لا يجوز، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت » (1) متفق على صحته ، وقال: « لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد » (2) وقال عليه الصلاة والسلام: « من حلف بشيء دون الله فقد أشرك » (3) رواه الإمام أحمد رحمه الله عن عمر رضي الله عنه بسند صحيح، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: « من حلف بالأمانة فليس منا » (4) ، وخرج أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك » (5) .
__________
(1) صحيح البخاري الشهادات (2533),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/7),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(2) صحيح البخاري المناقب (3624),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/76),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(3) صحيح البخاري الأيمان والنذور (6271),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1533),سنن النسائي الأيمان والنذور (3764),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (1/47),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(4) سنن أبو داود الأيمان والنذور (3253),مسند أحمد بن حنبل (5/352).
(5) صحيح البخاري الأدب (5757),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1535),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/125),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).

(1/53)

وأدرك يوما بعض أصحابه في السفر وهم يحلفون بآبائهم، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: « إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت . » (1)
وقال ابن عبد البر النمري الإمام المغربي المعروف، المتوفى سنة 463 هـ: إن العلماء أجمعوا على أنه لا يجوز الحلف بغير الله ، وهذا يفيدنا أن الحلف بالأمانة، أو بالنبي، أو بالكعبة، أو بحياة فلان، أو شرف فلان ، محرم لا يجوز بالإجماع، وإنما يكون الحلف بالله وحده، يقول: بالله، تالله، والله، هذا هو المشروع، أما الحلف بغير الله كائنا من كان فلا يجوز لما تقدم.
__________
(1) صحيح البخاري الأيمان والنذور (6270),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/142),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).

(1/54)

حكم تعليق الحلقه والخيط ونحوهما
س 19: سائل يقول: عن عمران بن حصين رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال ما هذا؟ قال من الواهنة فقال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا » (1) وأيضا أسمع أن من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه. فما معنى الحلقة، والخيط، والوهن؟ وما هو الشرك؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك
__________
(1) سنن ابن ماجه الطب (3531),مسند أحمد بن حنبل (4/445).

(1/54)

سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد... فهذا الحديث الذي ذكره السائل، وهو حديث عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي رضي الله عنه وعن أبيه رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند بإسناد جيد ورواه غيره، « أن رجلا كان في يده حلقة علقها من أجل الواهنة » (1) وهي مرض يأخذ باليد من المنكب فكانت الجاهلية تعلق هذه الحلقة تزعم أنها تنفع من هذا المرض فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رآها على هذا الرجل - وفي رواية أنه رآها على عمران نفسه -: « انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا » (2) انزعها : يعني أزلها، وقوله: إنها لا تزيدك إلا وهنا يدل على أن العلاجات غير المشروعة لا تزيد صاحبها إلا وهنا ، أي إلا مرضا على مرضه وشرا على شره، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا وذلك لأنها نوع من التمائم التي يعلقها الجهلة، وهي نوع من الشرك؛ لأنها تعلق القلوب على غير الله، وتلفتها إلى غير الله، ولهذا أنكرها الشارع ونهى عنها.
ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : « من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له، ومن تعلق تميمة فقد أشرك . » (3)
والتمائم هي ما يعلق على الأولاد وعلى المرضى من ودع أو طلاسم أو عظام أو غير ذلك مما يعلقه الجهلة يزعمون أنها تشفي المريض، أو أنها تمنعه من الجن، أو من العين، فكل هذا باطل لا يجوز فعله، وهو من الشرك الأصغر، وما ذلك إلا لأنها تعلق القلوب على غير الله وتجعلها في إعراض وغفلة عن الله عز وجل.
__________
(1) سنن ابن ماجه الطب (3531),مسند أحمد بن حنبل (4/445).
(2) سنن ابن ماجه الطب (3531),مسند أحمد بن حنبل (4/445).
(3) مسند أحمد بن حنبل (4/154).

(1/55)

والواجب تعليق القلوب بالله وحده، ورجاء الشفاء منه سبحانه وتعالى وسؤاله والضراعة إليه بطلب الشفاء، لأنه المالك لكل شيء فهو النافع الضار، وهو الذي بيده الشفاء سبحانه وتعالى، فلهذا شرع الله عز وجل ترك هذه التعاليق، وشرع النهي عنها، حتى تجتمع القلوب على الله، وعلى الإخلاص له سبحانه، والتوكل عليه، وسؤاله الشفاء سبحانه وتعالى دون كل ما سواه، فلا يجوز للمسلم أن يعلق حلقة من حديد، ولا من صفر، ولا من ذهب، ولا من غير ذلك بقصد الشفاء أو من مرض اليد أو الرجل أو نحو ذلك.
ومن هذه الأسورة الحديدة المعدنية التي يستعملها بعض الناس ، فهي من جنس هذا، ويجب منعها، ويقول البعض أنها تمنع من الروماتيزم، وهذا شيء لا وجه له فيجب منعها كالحلقة التي علقها عمران .
وهكذا ما يعلق من عظام، أو من شعر الذئب، أو من ودع، أو من طلاسم أو أشياء مجهولة، كل هذا يجب منعه، وكله داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : « من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له » (1) ، ولما دخل حذيفة على رجل مريض ووجده قد علق خيطا قال ما هذا؟ قال من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى ** وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ** (2) [يوسف: 106] .
فلا يجوز للمسلم أن يعلق خيوطا، ولا حلقات، ولا تمائم ، ولا غير ذلك، بل يجب أن يبتعد عن هذه الأمور التي كانت تعتادها الجاهلية، وأن يلتزم بأمر الإسلام الذي فيه الهدى والنور، والصلاح والإصلاح،
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/154).
(2) سورة يوسف الآية 106

أسامي عابرة 05-01-2009 02:11 AM

(1/56)

وفيه العاقبة الحميدة، والله ولي التوفيق.
والشرك شركان: أكبر وأصغر، فالشرك الذي يكون بسبب تعليق التميمة والحلقة شرك أصغر; لأنه يصرف القلوب إلى غير الله، ويعلقها بغير الله، فصار من الشرك من هذه الحيثية، وهو من أسباب الغفلة عن الله، وعدم كمال التوكل عليه سبحانه وتعالى، وصار هذا نوعا من الشرك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من تعلق تميمة فقد أشرك » (1) يعني قد صرف شعبة من قلبه لغير الله، والواجب إخلاص العبادة لله وحده، والتعلق عليه سبحانه وتعالى، والواجب التوكل عليه أيضا جل وعلا، وأن يكون قلبك معلقا بالله ترجو رحمته وتخشى عقابه، وتسأله من فضله، وترجو منه الشفاء سبحانه وتعالى.
أما الأدوية العادية المباحة فلا بأس بها، سواء كان الدواء مأكولا أو مشروبا، أو شيئا مباحا من الحبوب أو من الإبر، أو من الضمادات، كل هذا لا بأس به، أما تعليق التمائم، وهي الأشياء المكتوبة في قراطيس أو رقع، أو تعليق قطع من الحديد، أو قطع من الصفر، أو من الذهب، أو من الفضة، أو ما أشبه ذلك، فهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم سماه تميمة.
أما الأدوية المعروفة المباحة من مشروب أو مأكول أو ضماد أو حبوب تؤكل أو إبر تضرب أو ما أشبه ذلك، فهذه كلها إذا عرف أنها تنفع فلا بأس بها، ولا تدخل في هذا الباب كما تقدم .
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/156).

(1/57)

حكم صلاة من بيده تميمة
س 20: سائل يقول: ما حكم من صلى أو أدى أي عبادة من العبادات وبيده تميمة؟
الجواب: التميمة محرمة ولا تجوز، وهي من الشرك الأصغر، وقد تجر إلى الشرك الأكبر، فصلاته صحيحة إذا كانت التميمة لم يعلق بها قلبه ويعتقد فيها أنها تضر وتنفع، يعني لم يقع في الشرك الأكبر، فالشرك الأصغر لا يبطل الأعمال، وإنما ( الرياء ) فقط يبطل الأعمال التي ( يقارنها).
وأما جنس التميمة، إذا علق تميمة في عنقه أو في يده- والتميمة يسميها بعض الناس: الحرز وبعضهم يسميها: الحجاب، ويسميها بعض الناس: الجامعة، وهي تتخذ من خرزات أو من عظام أو من طلاسم حروف مقطعة، أو من آيات قرآنية، أو من دعوات نبوية، أو غير ذلك، يعلقونها على الأولاد من العين، وربما علقوها عن الجن، وربما علقوها على الكبير وعلى المريض وكل هذا غلط لا يجوز. ولكن هذا لا يمنع من صحة الصلاة فهو مسلم وصلاته صحيحة، وهذا غلط منه لأنه من الشرك الأصغر، ومما يمنع، لكن لا يكون من الشرك الأكبر ولا يرتقي إلى الشرك الأكبر، إلا إذا علق قلبه بها واعتقد أنها تتصرف وتنفع مستقلة دون الله فلا يعتقد أنها سبب بل يظن أو يعتقد أنها تشفي بنفسها، فهذا اعتقاد خطير، وشرك أكبر، ولكن في الغالب أن المسلم لا يعتقد ذلك، ولكن يظن أنها من الأسباب.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة

(1/58)

فلا ودع الله له ومن تعلق تميمة فقد أشرك » (1) فالرسول بين حرمة هذه التمائم وحرمة تعليقها، فالواجب على المؤمن التوبة إلى الله من ذلك إذا فعل هذا. وهكذا المؤمن عليه التوبة إلى الله من هذا الشيء، وقطع هذه التمائم، والحذر منها مطلقا، ولو كانت من الآيات القرآنية يجب قطعها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمائم وحذر منها كلها، ولم يستثن شيئا، ولأن تعليق التمائم من القرآن وسيلة إلى تعليق التمائم الأخرى، فالواجب سد باب الشرك وسد ذرائعه. فهذه نصيحتي لكل مسلم أن الواجب عليه أن يحذر التمائم وهي الحروز فلا يعلقها، لا بكتفه ولا برقبته ولا بغير ذلك، ولا على ولده ولا على زوجته ولا على غير ذلك، بل يعتصم بالله، ويتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ويتعاطى الأذكار الشرعية، والأوراد الشرعية والدعوات الطيبة ويكفي، ولا حاجة إلى التمائم والحروز، هذا هو الواجب على كل مسلم.
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/154).

(1/59)

تعليق ما يمنع يكون من التمائم
س 21: سائل يقول : هناك عرق للعقرب إذا لبسه الشخص يخدر العقرب فلا تستطيع لدغ ذلك الشخص اللابس له فهل تعليقه يكون من التمائم المنهي عنها؟
الجواب : نعم ، تعليق ما يمنع لدغ العقرب يكون من التمائم، سواء زعم أنه يمنع العقرب، أو يمنع الحيات، أو يمنع الحمى، أو يمنع غير

(1/59)

ذلك، والرسول نهى عن التعاليق، وقال صلى الله عليه وسلم : « من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له » (1)
وفي رواية أخرى : « من تعلق تميمة فقد أشرك » (2) فالمقصود أن التعاليق لا تجوز ضد الحمى، وضد العقارب، وضد الحيات أو ضد السباع أو ضد العين، أو ما شابه ذلك، يعتقد فيها أنها تدفع، يعتقد أن هذه الحلقة أو العقدة المعينة من قطن أو صوف أو غير ذلك، أو أن هذا الخاتم يمنع أو ما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز، وهذا من عمل الجاهلية، ولكن يتعاطى ما شرع الله، كالتعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا في الصباح والمساء، ومثل قول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات في الصباح والمساء، ومثل قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة بعد الذكر وعند النوم، ومثل قراءة: قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة، كل هذا من أسباب السلامة والعافية من الشر وتستحب قراءة هذه السور الثلاث ثلاث مرات صباحا ومساء وعند النوم لثبوت الترغيب في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
أما تعليق خيط ، أو حلقة ، أو أي شيء يعلق كخاتم أو سبتة أو غير ذلك مما يعلق لرفع البلاء أو دفعه كله لا يجوز إذا كان بهذا القصد، هذا إذا كان لقصد دفع الشرور، كالحمى، أو العقارب، أو الحيات، أو ما أشبه ذلك.
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/154).
(2) مسند أحمد بن حنبل (4/156).

(1/60)

حكم الصلاة خلف من يعمل التمائم والحجب ،
والصلاة في المسجد الذي أنشأه
س 22: هناك مسجد أسسه رجل يعمل بالتمائم والحجب ويؤتى له بالنذر ، وتضرب في دياره الطبول ، ويزعمون أنه يعالج المجانين بالطبول والتمائم وما شابه ذلك . فهل هذا المال المكتسب الذي أسس به المسجد يجعل المسجد مؤسسا على غير التقوى كمسجد ضرار ؟ وهل تجوز الصلاة خلفه ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : هذا الرجل لا يصلى خلفه ; لأن ظاهره فساد العقيدة، أما المسجد فلا بأس أن يصلى فيه، ولا ينظر إلى نفقته، بل يصلي فيه أهل السنة والجماعة حتى يبتعد عنه أهل الشر والفساد. أما هذا الرجل الذي هذا عمله فلا يصلى خلفه؛ لأن ظاهره فساد العقيدة وعدم الاستقامة.
وفق الله الجميع للعافية والسلامة.

(1/61)

الحذر من الذبح عند جبل مقصود
س 23: عندنا في قريتنا يذهب الناس إلى جبل ويأخذون معهم ذبيحة ويذبحونها في الجبل من أجل الله سبحانه وتعالى، لعل الله يرحمهم وينزل عليهم المطر. فهل هذا يحل أم لا أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : هذا العمل فيه تفصيل؟ فإذا كان الذبح لله وحده وليس هناك قبر يذبحون عنده ، وليس هناك اعتقاد آخر في الجبل، وإنما فعلوا هكذا صدفة من غير قصد فلا حرج والذبيحة لله وحده، ولكن لا حاجة إلى
(1/61)

المجيء إلى الجبل ؛ لأن هذا يوهم أن هناك اعتقادا في هذا الجبل، فليذبحوها في بيوتهم أو في أي مكان تذبح فيه الداوب، ويكفي هذا في التقرب إلى الله جل وعلا، ثم يوزع هذا اللحم على الفقراء والمساكين، أو يأكلون إن كانوا أرادوا أكله، وإن كانوا أرادوا به الفقراء قسموه بين الفقراء، أو أعطوا للفقراء منه ما شاءوا.
المقصود أن قصدهم الجبل فيه شيء من الإيهام، فإذا كان المقصود من المجيء إلى الجبل إظهار الذبيحة وأنها تذبح لله على رؤوس الأشهاد فلا حاجة إلى قصد الجبل، يذبحونها في مكان بارز، ويقسمونها بين الفقراء في قريتهم ويكفي. ولا يقصدوا الجبل هذا الذي يوهم أنهم أرادوا شيئا، أما إن كانوا أرادوا في الجبل أن هناك ميتا مدفونا هناك، أو أن هناك محلا لرجال صالحين جلسوا فيه، أو غار جلس فيه أناس صالحون فهم يتبركون به; فهذا لا يجوز فيجب التنبه لهذا.
وإذا كان المقصود فقط إظهار الذبيحة فإظهارها يكون في أي مكان سوى الجبل، ولا حاجة إلى الجبل، بل يذبحونها في بيوتهم، أو يذبحونها في محل الذبح، أو في حوش عندهم في محل الذبح، أو في محل حول الطريق يراه الناس، ولا يؤذي أحدا من الناس ، فلا بأس .
المقصود إظهارها بأي طريق لكن لا يوهم ; فلا يكون إظهارا يوهم بأن هناك قصدا كقصد جبل معين أو شجرة معينة حتى لا يتهموا بالشرك أو بالبدعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أسامي عابرة 05-01-2009 02:16 AM

(1/62)

(7)
الأسماء والصفات

(1/63)

حول تأويل آيات الصفات
س 24: يقول السائل : سمعنا من بعض العلماء أن أهل السنة والجماعة يتأولون بعض الآيات التي في الصفات فهل هذا صحيح أن مذهبهم التأويل أم أنهم يضطرون إلى ذلك أفيدونا أفادكم الله ؟
الجواب: الصواب الذي أقره أهل العلم من أهل السنة والجماعة أنه لا تأويل في آيات الصفات ولا في أحاديثها، وإنما المؤولون هم الجهمية والمعتزلة ، والأشاعرة في بعض الصفات، وأما أهل السنة والجماعة المعروفون بعقيدتهم النقية فإنهم لا يؤولون، وإنما يمرون آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت بغير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، لا الاستواء، ولا القدم، ولا اليد، ولا الأصابع، ولا الضحك، ولا الرضا، ولا الغضب، كلها يمرونها كما جاءت مع الإيمان بأنها حق، وأنها صفات لربنا سبحانه وتعالى، يجب إثباتها له سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وبعض الناس يؤول الضحك بأنه الرضا، ويؤول المحبة بأنها إرادة الثواب، والرحمة كذلك، وهذا كله لا يرضاه أهل السنة والجماعة، بل الواجب إمرارها كما جاءت، وأنها حق، فهو سبحانه يحب محبة حقيقية تليق به لا يشابهها محبة المخلوقين، ويرضى، ويغضب، ويكره، وهي صفات حقيقية قد اتصف بها ربنا على الوجه اللائق به

(1/64)

لا يشابه فيها خلقه ، كما قال عز وجل : ** ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ** (1) [الشورى: 11] . وهكذا، يضحك ربنا كما جاء في النصوص ضحكا يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، وهكذا استواؤه على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته لا يشابه الخلق في شيء من صفاته سبحانه وتعالى .
والمقصود أن التأويل لا يجوز عند أهل السنة بل الواجب إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، لكن مع الإيمان بأنها حق، وأنها صفات لله لائقة به، أما التفويض فلا يجوز.
والمفوضة قال أحمد فيهم: إنهم شر من الجهمية ، والتفويض أن يقول القائل : الله أعلم بمعناها فقط وهذا لا يجوز; لأن معانيها معلومة عند العلماء. قال مالك رحمه الله : الاستواء معلوم والكيف مجهول، وهكذا جاء عن الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن غيره من أهل العلم، فمعاني الصفات معلومة، يعلمها أهل السنة والجماعة; كالرضا والغضب والمحبة والاستواء والضحك وغيرها وأنها معاني غير المعاني الأخرى، فالضحك غير الرضا، والرضا غير الغضب، والغضب غير المحبة، والسمع غير البصر، كلها معلومة لله سبحانه لكنها لا تشابه صفات المخلوقين، يقول ربنا سبحانه وتعالى : ** فلا تضربوا لله الأمثال ** (2) [النحل: 74] . ويقول سبحانه: ** ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ** (3) [الشورى: 11] .
ويقول عز وجل: ** ولم يكن له كفوا أحد ** (4) هذا هو الحق الذي عليه أهل السنة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) سورة النحل الآية 74
(3) سورة الشورى الآية 11
(4) سورة الإخلاص الآية 4

(1/65)

بإحسان ، ومن تأول ذلك فقد خالف أهل السنة في صفة أو في أكثر .

(1/66)

حديث : « إن الله خلق آدم على صورته » (1)
س 25: يقول السائل : ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه ، وأن الله خلق آدم على صورته ، فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث؟
الجواب : الحديث ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال : « إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته » (2) وفي لفظ آخر: « على صورة الرحمن » وهذا لا يلزم منه التشبيه والتمثيل، بل المعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا متكلما إذا شاء، وهذا هو وصف الله عز وجل، فإنه سميع، بصير، متكلم، ذو وجه جل وعلا، وليس المعنى التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع، بصير، ذو وجه، ومتكلم إذا شاء، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا، ذا وجه، وذا يد، وذا قدم، ويتكلم إذا شاء، لكن ليس السميع كالسميع، وليس البصير كالبصير، وليس المتكلم كالمتكلم، وليس الوجه كالوجه؛ بل لله صفاته سبحانه وتعالى لا يشابهه فيها شيء ، بل تليق به سبحانه ، وللعبد صفاته التي تليق به; صفات يعتريها الفناء والنقص والضعف .
أما صفات الله سبحانه وتعالى فهي كاملة لا يعتريها نقص ولا ضعف ولا فناء ولا زوال; ولهذا قال عز وجل : ** ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ** (3) [الشورى: 11]
__________
(1) صحيح البخاري العتق (2421),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2612),مسند أحمد بن حنبل (2/434).
(2) سنن أبو داود الحدود (4493),مسند أحمد بن حنبل (2/434).
(3) سورة الشورى الآية 11

(1/66)

** ولم يكن له كفوا أحد ** (1) [الإخلاص : 4] فلا يجوز ضرب الوجه ، ولا تقبيح الوجه .
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 4

(1/67)

حول حديث : « من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا » (1)
س 26: لقد قرأت في رياض الصالحين بتصحيح السيد علوي المالكي ، ومحمود أمين النواوي حديثا قدسيا يتطرق إلى هروله الله سبحانه وتعالى ، والحديث مروي عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : « إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة » (2) رواه البخاري .
فقال المعلقان في تعليقهما عليه : إن هنا من التمثيل وتصوير المعقول بالمحسوس لزيادة إيضاحه، فمعناه أن من أتى شيئا من الطاعات ولو قليلا أثابه الله بأضعافه، وأحسن إليه بالكثير، وإلا فقد قامت البراهين القطعية على أنه ليس هناك تقريب حسي، ولا مشي، ولا هرولة من الله سبحانه وتعالى عن صفات المحدثين .
فهل ما قالاه في المشي والهرولة موافق لما قاله سلف الأمة على إثبات صفات الله وإمرارها كما جاءت ، وإذا كان هناك براهين دالة على أنه ليس هناك مشي ولا هرولة فنرجو منكم إيضاحها والله الموفق ؟
الجواب : الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد : فلا ريب أن الحديث المذكور صحيح، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام
__________
(1) صحيح البخاري التوحيد (6970),صحيح مسلم التوبة (2675),سنن الترمذي الدعوات (3603),سنن ابن ماجه الأدب (3822),مسند أحمد بن حنبل (2/535).
(2) صحيح البخاري التوحيد (7098),صحيح مسلم التوبة (2675),سنن الترمذي الدعوات (3603),سنن ابن ماجه الأدب (3822),مسند أحمد بن حنبل (2/251).

(1/67)

أنه قال: « يقول الله عز وجل من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة » (1)
وهذا الحديث الصحيح يدل على عظيم فضل الله عز وجل، وأنه بالخير إلى عباده أجود ، فهو أسرع إليهم بالخير والكرم والجود، منهم في أعمالهم، ومسارعتهم إلى الخير والعمل الصالح.
ولا مانع من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعوا هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعترضوه، ولم يسألوا عنه، ولم يتأولوه، وهم صفوة الأمة وخيرها، وهم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس بما يليق بالله وما يليق نفيه عن الله سبحانه وتعالى .
فالواجب في مثل هذا أن يتلقى بالقبول، وأن يحمل على خير المحامل، وأن هذه الصفة تليق بالله لا يشابه فيها خلقه فليس تقربه إلى عبده مثل تقرب العبد إلى غيره، وليس مشيه كمشيه، ولا هرولته كهرولته، وهكذا غضبه، وهكذا رضاه، وهكذا مجيئه يوم القيامة وإتيانه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده وهكذا استواؤه على العرش، وهكذا نزوله في آخر الليل كل ليلة، كلها صفات تليق بالله جل وعلا، لا يشابه فيها خلقه.
فكما أن استواءه على العرش، ونزوله في آخر الليل في الثلث الأخير من الليل، ومجيئه يوم القيامة، لا يشابه استواء خلقه ولا مجيء خلقه
__________
(1) صحيح البخاري التوحيد (6970),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2675),سنن الترمذي الدعوات (3603),سنن ابن ماجه الأدب (3822),مسند أحمد بن حنبل (2/251).

(1/68)

ولا نزول خلقه ؟ فهكذا تقربه إلى عباده العابدين له والمسارعين لطاعته ، وتقربه إليهم لا يشابه تقربهم ، وليس قربه منهم كقربهم منه ، وليس مشيه كمشيهم ، ولا هرولته كهرولتهم ( بل هو شيء) يليق بالله لا يشابه فيه خلقه سبحانه وتعالى كسائر الصفات، فهو أعلم بالصفات وأعلم بكيفيتها عز وجل.
وقد أجمع السلف على أن الواجب في صفات الرب وأسمائه إمرارها كما جاءت واعتقاد معناها وأنه حق يليق بالله سبحانه وتعالى، وأنه لا يعلم كيفية صفاته إلا هو، كما أنه لا يعلم كيفية ذاته إلا هو، فالصفات كالذات، فكما أن الذات يجب إثباتها لله وأنه سبحانه وتعالى هو الكامل في ذلك، فهكذا صفاته يجب إثباتها له سبحانه مع الإيمان والاعتقاد بأنها أكمل الصفات وأعلاها، وأنها لا تشابه صفات الخلق، كما قال عز وجل: ** قل هو الله أحد ** (1) ** الله الصمد ** (2) ** لم يلد ولم يولد ** (3) ** ولم يكن له كفوا أحد ** (4)
وقال عز وجل: ** فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ** (5) [النحل: 74] . وقال سبحانه: ** ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ** (6) [الشورى: 11] . فرد على المشبهة بقوله: ** ليس كمثله شيء ** (7) وقوله: ** فلا تضربوا لله الأمثال ** (8) ورد على ( المعطلة ) بقوله: ** وهو السميع البصير ** (9) وقوله : ** قل هو الله أحد ** (10) ** الله الصمد ** (11) ** إن الله عزيز حكيم ** (12) وقوله: ** إن الله سميع بصير ** (13) وقوله: ** إن الله غفور رحيم ** (14) ** إن الله على كل شيء قدير ** (15)
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 2
(3) سورة الإخلاص الآية 3
(4) سورة الإخلاص الآية 4
(5) سورة النحل الآية 74
(6) سورة الشورى الآية 11
(7) سورة الشورى الآية 11
(8) سورة النحل الآية 74
(9) سورة الشورى الآية 11
(10) سورة الإخلاص الآية 1
(11) سورة الإخلاص الآية 2
(12) سورة البقرة الآية 220
(13) سورة الحج الآية 75
(14) سورة البقرة الآية 173
(15) سورة البقرة الآية 20

أسامي عابرة 05-01-2009 02:22 AM

(1/69)

إلى غير ذلك .
فالواجب على المسلمين علماء وعامة إثبات ما أثبته الله لنفسه، إثباتا بلا تمثيل، ونفي ما نفاه الله عن نفسه، وتنزيه الله عما نزه عنه نفسه تنزيها بلا تعطيل، هكذا يقول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم من سلف الأمة كالفقهاء السبعة وكمالك بن أنس ، والأوزاعي ، والثوري والشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة وغيرهم من أئمة الإسلام، يقولون أمروها كما جاءت، وأثبتوها كما جاءت من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وأما ما قاله المعلقان في هذا ( علوي وصاحبه محمود ) فهو كلام ليس بجيد وليس بصحيح، ولكن مقتضى هذا الحديث أنه سبحانه أسرع بالخير إليهم، وأولى بالجود والكرم، ولكن ليس هذا هو معناه، فالمعنى شيء وهذه الثمرة وهذا المقتضى شيء آخر، فهو يدل على أنه أسرع بالخير إلى عباده منهم، ولكنه ليس هذا هو المعنى، بل المعنى يجب إثباته لله من التقرب، والمشي والهرولة، يجب إثباته لله على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى ، من غير أن يشابه خلقه في شيء من ذلك، فنثبته لله على الوجه الذي أراده الله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
وقولهم: إن هذا من تصوير المعقول بالمحسوس: هذا غلط ، وهكذا يقول أهل البدع في أشياء كثيرة، وهم يؤولون، والأصل عدم التأويل، وعدم التكييف، وعدم التمثيل، والتحريف، فتمر آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، ولا يتعرض لها بتأويل ولا بتحريف ولا بتعطيل،

(1/70)

بل نثبت معانيها لله كما أثبتها لنفسه، وكما خاطبنا بها، إثباتا يليق بالله لا يشابه الخلق سبحانه وتعالى في شيء منها، كما نقول في الغضب، واليد والوجه، والأصابع، والكراهة، والنزول، والاستواء، فالباب واحد، وباب الصفات باب واحد .

(1/71)

هذا الكتاب [درة الناصحين ..] لا يعتمد عليه
س 27: سائلة تسأل تقول : قرأت في كتاب درة الناصحين في الوعظ والإرشاد لعالم من علماء القرن التاسع الهجري، واسمه عثمان بن حسن بن أحمد الشاكر الخوبري ، ما نصه : عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : إن الله تعالى نظر إلى جوهرة فصارت حمراء ، ثم نظر إليها ثانية فذابت وارتعدت من هيبة ربها، ثم نظر إليها ثالثة فصارت ماء، ثم نظر إليها رابعا فجمد نصفها، فخلق من النصف العرش، ومن النصف الماء ثم تركه على حاله، فمن ثمة يرتعد إلى يوم القيامة .
وعن علي رضي الله عنه : ( إن الذين يحملون العرش أربعة ملائكة لكل ملك أربعة وجوه أقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة مسيرة خمس مائة عام) أرجو أن تفيدوني عن صحة ما قرأت؟
الجواب : هذا الكتاب لا يعتمد عليه ، وهو يشمل أحاديث موضوعة ، وأشياء سقيمة لا يعتمد عليها ، ومنها هذان الحديثان، فإنهما لا أصل لهما بل هما حديثان موضوعان مكذوبان على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي أن يعتمد على هذا الكتاب، وما أشبهه من الكتب التي تجمع الغث والسمين، والموضوع والضعيف، فإن أحاديث الرسول عليه الصلاة

(1/71)

والسلام قد خدمها العلماء من أئمة السنة، وبينوا صحيحها من سقيمها، فينبغي للمؤمن أن يقتني الكتب الجيدة المفيدة، مثل الصحيحين، ومثل كتب السنن الأربع ، ومثل منتقى الأخبار لابن تيمية ، ومثل رياض الصالحين للنووي .
هذه كتب مفيدة ونافعة، ومثل بلوغ المرام، وعمدة الحديث، وهذه يستفيد منها المؤمن، وهي بعيدة من الأحاديث الموضوعة المكذوبة، وما في السنن أو في رياض الصالحين أو في بلوغ المرام من الأحاديث الضعيفة فإن أصحابها بينوه ووضحوه، والذي لم يوضح من جهة أصحابها بينه أهل العلم أيضا ونبهوا عليه في الشروح التي لهذه الكتب، وفيما ألف أهل العلم في الموضوعات والضعيفة.
فالحاصل أن هذه الكتب هي المفيدة والنافعة فهي أنفع من غيرها، وما قد يقع في بعضها مثل ما قد يقع في البلوغ أو في المنتقى أو في السنن من بعض الأحاديث التي فيها ضعف يبينها العلماء ويوضحها العلماء الذين شرحوا هذه الكتب أو علقوا عليها فيكونون على بينة وعلى بصيرة، أما الكتب التي شغف مؤلفوها بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة والباطلة فلا ينبغي اقتناؤها .

(1/72)

(8)
الملائكة

(1/73)

مم خلقت الملائكة؟
س 28: سائل يقول: مم خلقت الملائكة ؟
الجواب : خلقت الملائكة من النور، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « خلقت الملائكة من النور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم » (1) أي: من الطين - هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها .
__________
(1) صحيح مسلم الزهد والرقائق (2996),مسند أحمد بن حنبل (6/168).

(1/74)

(9)
الجن

(1/75)

الوساوس من الشيطان
س 29: أنا رجل يغلب علي الوسواس في كثير من الأحيان؟ فعندما أريد أن أذهب من طريق يعارضني هذا الوسواس بأن الطريق من الجهة الأخرى، وعندما أريد أن آكل الطعام يوسوس لي الشيطان بأن هنا الطعام ليس بصالح وأنه يضر. فأرجو توجيهي وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب : الوساوس من الشيطان، كما قال الله جلا وعلا: ** قل أعوذ برب الناس ** (1) ** ملك الناس ** (2) ** إله الناس ** (3) ** من شر الوسواس الخناس ** (4) [الناس: 1-4] . وهو الشيطان.
فعليك يا أخي أن تتعوذ بالله منه، وأن تحذر مكائده، وأن تجزم في الأمور; فإذا سلكت طريقا فاجزم، وامض فيه حتى تعلم يقينا أن فيه شيئا يضرك فاتركه.
وهكذا الطعام إذا لم تعلم أنه محرم فكل ودع عنك الوساوس، وهكذا الوضوء إذا توضأت فاجزم ودع عنك أن توسوس فتقول: ما كملت، ما فعلت؛ امض ما دمت ترى أنك قد أكملت فالحمد لله، وهكذا في صلاتك.
فاحذر الوساوس في كل شيء، واعلم أنها من الشيطان، فإذا وقع في نفسك شيء من ذلك فتعوذ بالله من الشيطان، وامض في سبيلك، واجزم على ذلك حتى ترغم عدوك الشيطان، وحتى لا يتمكن من التسلط عليك بسبب لينك معه؟ نعوذ بالله من شره ومكائده .
__________
(1) سورة الناس الآية 1
(2) سورة الناس الآية 2
(3) سورة الناس الآية 3
(4) سورة الناس الآية 4

(1/76)

التخلص من وسوسة الشيطان
س 30: يقول السائل: ما هي الأدعية التي تقال بغرض التخلص من وسوسة الشيطان ؟
الجواب : يدعو الإنسان بما يسر الله له من الدعوات: ( اللهم أعذني من الشيطان، اللهم أجرني من الشيطان، اللهم احفظني من الشيطان، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم احفظني من مكائد عدوك الشيطان ) ويكثر من ذكر الله، ويكثر من قراءة القرآن، ويتعوذ بالله عند وجود الوسوسة، فإذا عرض له الوسواس يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى ولو في الصلاة، وإذا غلب عليه في الصلاة ينفث عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ من الشيطان ثلاث مرات.
فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنه شكى إليه عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه ما يجده من الوساوس في الصلاة فأمره أن ينفث عن يساره ثلاث مرات ويستعيذ بالله من الشيطان وهو في الصلاة ففعل ذلك فأذهب الله عنه ما يجد » (1) فالحاصل أن المؤمن والمؤمنة إذا ابتليا بهذا الشيء فعليهما أن يجتهدا في سؤال الله العافية من ذلك، وأن يتعوذا بالله من الشيطان كثيرا، وأن يحرصا على مكافحته فلا يطاوعانه لا في الصلاة ولا في غيرها، فإذا توضأ يجزم أنه توضأ ولا يعيد الوضوء، وإذا صلى يجزم أنه صلى ولا يعيد الصلاة، وإذا كبر يجزم أنه كبر ولا يعيد التكبير مخالفة لعدو الله ومحاربة له.
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2203),مسند أحمد بن حنبل (4/216).

(1/77)

هكذا يجب على المؤمن أن يكون عدوا للشيطان محاربا له مكافحا له لا يخضع له، فإذا أملى عليك أنك ما توضأت وما صليت ، وأنت تعرف أنك توضأت وصليت، فترى يدك فيها الماء وتعلم أنك صليت فلا تطاوع عدو الله، واجزم بأنك صليت، واجزم بأنك توضأت، ولا تعد شيئا من ذلك، وتعوذ بالله من عدو الله الشيطان.
هكذا يجب على المؤمن، يكون قويا في حرب عدو الله، وفي مكافحته، حتى لا يغلب عليه وحتى لا يؤذيه، فإنه متى غلب على الإنسان جعله كالمجنون يتلاعب به، فالواجب على المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من عدو الله والاستعاذة بالله من شره ومكايده، وبالقوة في ذلك، والصبر في ذلك، حتى لا تطاوعه في إعادة صلاة، ولا في إعادة وضوء، ولا في إعادة تكبير، ولا في غير ذلك.
وهكذا إذا قال لك ثوبك نجس، أو البقعة نجسة، أو الحمام فيه نجاسة، أو الأرض التي وطأتها فيها نجاسة، أو مصلاك فيه كذا فلا تطعه في ذلك، كذب عدو الله واستعذ بالله من شره، وصل في المكان الذي تصلي فيه، والسجادة التي تصلي عليها كذلك، والأرض التي تطأ عليها وتعرف أنها طاهرة، إلا إذا رأيت بعينك نجاسة وطأتها رطبة فاغسل رجلك والحمد لله .
أما وساوسه فلا تطاوع عدو الله فيها.
واعرف أن الأصل هو الطهارة، هذا هو الأصل، فلا تطاوع عدو الله في شيء إلا في يقين رأيته بعينك وشاهدته بعينك، حتى لا يغلب عليك عدو الله، نسأل الله للجميع العافية .

(1/78)

(10)
القرآن

(1/79)

علامات الوقف في القرآن الكريم
س 31: يقول السائل: يوجد في القرآن الكريم حروف معينة وضعت على بعض الآيات أو بعض المواقف، كالجيم والطاء وغيرهما، تدل على وجوب الوقوف، فمن وضع هذه الأحرف؟ وهل يلزم التقيد بها؟ علما أننا نسمع من بعض أئمة الحرمين في قراءة التراويح أنهم يقفون على غير أماكن الوقف فهل هذا صحيح أم لا؟
الجواب : هذه الحروف لا أعرف من وضعها، يضعها بعض القراء للإشارة إلى أن هذا الوقف جائز أو لازم لبيان المعاني، ولكن هذه لا يلتفت إليها ولا تلزم، وإنما السنة الوقوف على رؤوس الآيات فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف عند رؤوس الآيات، فهذا هو الأفضل، وهذا هو الترتيل .
وأما هذه الحروف فلا يلزم التقيد بها، ولكن إذا أراد أن يقف يتحرى الوقف المناسب الواضح الذي ليس له صلة بما قبله، فعند الحاجة إلى الوقف يقف على الآيات التي يحسن الوقوف عندها، أما الآية المتصلة بما قبلها فينبغي أن يقرأها حتى يتضح المعنى، وأما الوقوف على بعض الآية فلا يناسب بل عليه أن يكمل الآية .

أسامي عابرة 05-01-2009 02:27 AM

(1/80)

قراءة الطالب للقرآن الكريمة في حصصه ، والطهارة لها
س 32: سائل يقول : هل يجب علي أن أتوضأ قبل كل حصة من حصص القرآن الكريم وأنا في المدرسة؟ أفيدونا أفادكم الله .

(1/80)

الجواب : ليس عليك الوضوء إذا كنت على طهارة، وكذلك إذا كانت القراءة عن ظهر قلب، أي من غير المصحف فليس عليك أن تتطهر .
أما إذا كانت القراءة من المصحف ، وقد أحدثت بعد الحصة الأولى، فعليك أن تتطهر للحصة الثانية، وهكذا الثالثة، فكلما أردت أن تقرأ من المصحف وأنت على غير وضوء، فعليك أن تتطهر; لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « لا يمس القرآن إلا طاهر » (1) وهكذا أفتى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن المحدث لا يمس القرآن، وهو الذي عليه جمهور أهل العلم، من الأئمة الأربعة وغيرهم.
فالواجب عليك يا أخي إذا أردت القراءة من المصحف وأنت على غير طهارة أن تتوضأ الوضوء الشرعي، أما إذا كنت على جنابة فليس لك أن تقرأ، لا عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى تغتسل، والله ولي التوفيق .
__________
(1) موطأ مالك النداء للصلاة (468).

(1/81)

حكم لمس الحائض والنفساء والجنب للكتب التي بها آيات قرآنية
س 33: سائلة تقول في رسالتها : هل يجوز لمس الكتاب الذي توجد فيه آيات قرآنية وأحاديث نبوية من قبل المرأة التي عليها عادة أو جنابة؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : نعم، لا بأس بذلك. لا بأس أن تلمس المرأة الكتاب الذي فيه آيات وأحاديث مثل صحيح البخاري ومثل زاد المعاد لابن القيم، وغيرها من الكتب الإسلامية التي بها آيات وأحاديث، مثل كتب

(1/81)

التفسير كذلك، ومثل تفسير ابن كثير وغيره، فلا حرج أن تلمس المرأة الجنب، والرجل الجنب كذلك، وهكذا الحائض والنفساء. لا حرج في ذلك عليها.
وإنما الممنوع القرآن نفسه، فليس للمرأة الجنب أو الحائض أو المحدث أن يمس القرآن- أي: المصحف- إلا على طهارة .

(1/82)

حول قراءة القرآن والطهارة
س 34: يقول السائل: أقرأ القرآن وخاصة بعض الآيات القصيرة غيبا ولكنني أكون في بعض الأحيان غير متوضئ أو غير طاهر. فهل يجوز لي أن أقرأ القرآن في هذه الحالة؟ أفيدوني أفادكم الله.
الجواب : يجوز للمسلم والمسلمة قراءة القرآن ولو كانا على غير طهارة إذا لم يكونا جنبين، فيجوز له أن يقرأ عن ظهر قلب سورا أو آيات، وأن يقرأ ما تيسر له من القرآن، مثل قصار المفصل، الزلزلة والعاديات والقارعة وغيرها، يقرأ ما تيسر له من القرآن عن ظهر قلب، أما من المصحف فلا يقرأ حتى يتوضأ، إذا كان يقرأ من المصحف فلا يمس المصحف حتى يتوضأ.
أما إذا كان عن ظهر قلب من غير مس المصحف فلا بأس أن يقرأ، إلا إذا كان جنبا، فالجنب لا يقرأ حتى يغتسل، قال علي رضي الله عنه: « كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجبه شيء عن القرآن إلا الجنابة » (1) ، وقال صلى الله عليه وسلم : « أما الجنب فلا ولا آية » (2) فالجنب لا يقرأ حتى يغتسل.
وأما الحائض والنفساء فلا تقرأا من المصحف لكن تقرأ عن ظهر
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (146),سنن النسائي الطهارة (265),سنن أبو داود الطهارة (229),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594),مسند أحمد بن حنبل (1/124).
(2) مسند أحمد بن حنبل (1/110).

(1/82)

قلب كالمحدث حدثا أصغر.
وقال بعض أهل العلم: إنهما كالجنب لا يقرآن ولو عن ظهر قلب؛ لأنهما كالجنب; لأن عليهم الغسل، والصحيح أنهما ليستا كالجنب لأن حدثهما يطول لأيام كثيرة، ويشق عليهما ترك القراءة، وربما ضيعتا حفظهما.
فالصحيح أنه يجوز لهما أن يقرآ عن ظهر قلب من الآيات كما يقرأ المحدث حدثا أصغر، وأما الجنب خاصة فهو الذي يمنع من القراءة حتى يغتسل، وأما من المصحف فيمنع الجميع، الجنب والحائض والنفساء والمحدث حدثا أصغر، كلهم يمنعون من المصحف حتى يتطهروا، لقول سبحانه: ** لا يمسه إلا المطهرون ** (1) في أحد قولي العلماء في تفسير الآية.
ولما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لا يمس القرآن إلا طاهر » (2) وكتب بها إلى أهل اليمن ألا يمس القرآن إلا طاهر، وهو حديث له طرق يشد بعضها بعضا وجيد.
والخلاصة أن الجنب والحائض والنفساء ومن ليس على طهارة من ريح أو بول ليس لهم جميعا أن يقرؤوا من المصحف، وأما عن ظهر قلب فيجوز للمحدث حدثا أصغر أن يقرأ عن ظهر قلب، وللحائض والنفساء عن ظهر قلب على الصحيح، وأما الجنب فلا يقرأ القرآن عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى يغتسل، هذا هو خلاصة البحث وهو مهم .
__________
(1) سورة الواقعة الآية 79
(2) موطأ مالك النداء للصلاة (468).

(1/83)

« خذ من القرآن ما شئت لما شئت »
هل هذا الأثر صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
س 35: يقول السائل: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : « خذ من القرآن ما شئت لما شئت » ؟
الجواب : لا أعرف هذا الحديث، ولا أعتقد أنه صحيح، القرآن كلام الله عز وجل، وينبغي للمؤمن أن يكثر من تلاوته، وهكذا المؤمنة ينبغي أن تكثر من تلاوته مع التدبر والتعقل والعمل، لقول الله سبحانه: ** كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ** (1) [ص: 29] .
وقوله سبحانه : ** إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ** (2) [الإسراء : 9] . ولقوله عز وجل: ** قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ** (3) [فصلت: 44] . ولقوله سبحانه وتعالى: ** أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ** (4) [محمد: 24] .
فكتاب الله فيه الهدى والنور، فينبغي للمؤمنين جميعا والمؤمنات العناية بهذا الكتاب العظيم تلاوة وتدبرا وتعقلا وعملا في الليل والنهار وفي كل وقت .
__________
(1) سورة ص الآية 29
(2) سورة الإسراء الآية 9
(3) سورة فصلت الآية 44
(4) سورة محمد الآية 24

(1/84)

حكم من حرق القرآن الكريم سهوا أو عمدا
س 36: ما جزاء من قام بحرق القرآن الكريم سهوا ولم يعرف إلا بعد ما مضى هذا الفعل؟

(1/84)

الجواب : ليس عليه شيء ما دام سهوا مثل أن يحرقه وهو لا يدري أنه قرآن، وكذلك إذا حرقه عمدا لكونه متقطعا لا ينتفع به، حتى لا يمتهن، فلا بأس عليه; لأن القرآن إذا تقطع وتمزق ولم ينتفع به يحرق أو يدفن في محل طيب حتى لا يمتهن.
أما إذا حرقه كارها له، سابا له، مبغضا له، فهذا منكر عظيم وردة عن الإسلام. وهكذا لو قعد عليه، أو وطأ عليه برجله إهانة له، أو لطخه بالنجاسة، أو سبه وسب من تكلم به، فهذا كفر أكبر وردة عن الإسلام والعياذ بالله .

(1/85)

حكم الاستماع إلى تلاوة النساء للقرآن الكريم
س 37: ما حكم الاستماع إلى تلاوة النساء في مسابقات القرآن الكريم التي تقام سنويا في بعض البلاد الإسلامية؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب : لا أعلم بأسا في هذا الشيء إذا كان النساء على حدة والرجال على حدة، من غير اختلاط في محل المسابقة، بل يكن على حدة، مع تسترهن وتحجبهن عن الرجال .
وأما المستمع فإذا استمع للفائدة والتدبر لكلام الله فلا بأس، أما مع التلذذ بأصواتهن فلا يجوز. أما إذا كان القصد الاستماع للفائدة، والتلذذ في استماع القرآن والاستفادة من القرآن فلا حرج إن شاء الله في ذلك .

(1/85)

حكم أخذ الأجر على التلاوة
س38: يقول السائل : إذا جاء الإنسان بشخص إلى بيته ليقرأ عنده القرآن، ويجزيه بعد ذلك بمبلغ من المال. فما حكم ذلك أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب : أخذ الأجرة على التلاوة أمر لا يجوز، وقد حكى بعض أهل العلم إجماع أهل العلم على ذلك، فلا يجوز أن يقرأ الإنسان بالأجرة، فلا يقوم بالتلاوة حتى يأخذ الأجرة في بيت فلان أو فلان، أو على ميت فلان، بل يقرأ احتسابا ولا يعطى أجرة .
أما إن أهدي هدية أو أعطي شيئا من دون مشارطة فنرجو ألا يكون عليه شيء في ذلك، من باب الإحسان إذا كان فقيرا، أما أن يكون مشارطة، يعني أن يكون اليوم بكذا، أو الجزء بكذا، أو السورة بكذا، فهذا منكر لا يجوز .

(1/86)

الاجتماع على قراءة يس عدة مرات ثم الدعاء
س 39: يوجد بالسجن بعض الأشخاص يجتمعون ويقرءون سورة يس، ثم يتقدم أحدهم ويدعو، والباقي يرفعون أيديهم ويؤمنون على دعائه، وتكون القراءة بعدد معين مرة أو أكثر. فهل جاء في القرآن أو السنة ما يؤيد هذا؟ أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه

(1/86)

ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين .
أما بعد: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بأصحابه ويقرأ القرآن في مجالسه عليه الصلاة والسلام، ويذكر أصحابه ويعلمهم ويوجههم إلى الخير عليه الصلاة والسلام، وربما مر بالسجدة في القرآن فيسجد ويسجدون معه، وربما أمر بعض أصحابه أن يقرأ وهو يستمع كما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذات يوم: « يا عبد الله اقرأ علي القرآن، فقال يا رسول الله كيف أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أسمعه من غيري -عليه الصلاة والسلام- قال عبد الله : فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت قوله تعالى: [النساء: 41] قال: حسبك. قال عبد الله : فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان » (2) عليه الصلاة والسلام، يعني يبكي لما تذكر هذا الموقف العظيم يوم القيامة عليه الصلاة والسلام.
فإذا اجتمع السجناء أو الإخوان في مجلس، أو في أي مكان، وقرءوا ما تيسر من القرآن وتدبروا وتعقلوا وتذكروا فهذا خير عظيم، وفيه فضل كبير ويستحب لمن يسمع القرآن أن ينصت، حتى يستفيد ويتدبر، وإذا دعوا بعد القراءة بما شاءوا من الدعاء فلا حرج في ذلك.
لكن كونهم يعتادون تكرار يس أو غيرها عددا معينا فهذا ما لا نعلم له أصلا ولكن يقرءون ما تيسر من يس أو من البقرة أو من غير ذلك، أو يتدارسون من أول القرآن إلى آخره، هذا يقرأ ثم يقرأ الآخر وهكذا، أو يقرأ هذا ثم يعيد القراءة هذا، حتى يستفيدوا جميعا ويتدبروا.
__________
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4306),صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (800),سنن الترمذي تفسير القرآن (3025),سنن أبو داود العلم (3668),سنن ابن ماجه الزهد (4194),مسند أحمد بن حنبل (1/374).
(2) سورة النساء الآية 41 (1) ** فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا **

(1/87)

أما تخصيص عدد معين من السور وتكرار السورة فهذا ما لا أعلم له أصلا، وكذلك رفع الأيدي لا أعلم أنه وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اجتماعاته مع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالأولى أن يكون الدعاء بما تيسر من غير رفع أيد، ومن غير دعاء جماعي، بل كل يدعو لنفسه بما تيسر بينه وبين نفسه، هذا هو الذي نعلمه من السنة، ولكن ينبغي على كل جالس التدبر والتعقل، وأن تكون القراءة مقصودة ليس لمجرد القراءة فقط.
ولكن يعتني المؤمن بما يقرأ وبما يسمع ويتدبر; لقوله عز وجل: ** كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ** (1) [ص: 29] فالمقصود من القراءة التدبر والتعقل والعمل والفائدة، نسأل الله التوفيق والهداية .
__________
(1) سورة ص الآية 29

(1/88)

دخول الخلاء بما فيه ذكر الله
س40: يقول السائل: إننا نتعامل بدنانير كتب عليها سورة الإخلاص، فهل يجوز أن أدخل بها الكنيف أم لا؟
وإن كان غير جائز فماذا أفعل وخاصة عندما أكون خارج المنزل في مكان لا آمن فيه؟
الجواب: هذا فيه تفصيل; إذا كنت في محل آمن فاتركها في خارج المرحاض أو الكنيف، كأن تكون عند أهلك، أو في مكان آخر مأمون حتى تخرج; تعظيما لكلام الله عز وجل، وهكذا إذا كان فيها ذكر الله فالأفضل إخراجها، كالخاتم الذي فيه ذكر الله، أو رسائل فيها ذكر الله،

(1/88)

تجعلها في الخارج إذا تيسر ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم « كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه » (1) خارجه، لأن فيه محمدا رسول الله.
أما إذا كنت في محل غير آمن فلا حرج عليك أن تدخل وهي معك; لأن الله يقول: ** فاتقوا الله ما استطعتم ** (2) [التغابن: 16] .
__________
(1) سنن الترمذي اللباس (1746),سنن النسائي الزينة (5213),سنن أبو داود الطهارة (19),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303).
(2) سورة التغابن الآية 16

(1/89)

إهداء قراءة القرآن الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم أو لغيره
س41: ما حكم إهداء قراءة القرآن الكريم للرسول صلى الله عليه وسلم أو لغيره؟
الجواب: إهداء قراءة القرآن الكريم لروح الرسول صلى الله عليه وسلم والأموات لا أصل له، وليس بمشروع ولا فعله الصحابة رضي الله عنهم، والخير في اتباعهم.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطى مثل أجورنا; عما فعلناه من الخير فله مثل أجورنا; لأنه الدال عليه عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » (1) ، فهو الذي دل أمته على الخير وأرشدهم إلى الخير; فإذا قرأ الإنسان أو صلى أو صام أو تصدق، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعطى مثل أجور هؤلاء من أمته لأنه هو الذي دلهم على الخير وأرشدهم إليه عليه الصلاة والسلام، فلا حاجة به إلى أن يهدى له القراءة أو غيرها، لأن ذلك ليس له أصل كما تقدم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (2) . وهكذا القراءة للأموات أيضا ليس لها أصل والواجب ترك ذلك.
أما الصدقة عن أموات المسلمين والدعاء لهم ، فكل ذلك مشروع،
__________
(1) صحيح مسلم الإمارة (1893),سنن الترمذي العلم (2671),سنن أبو داود الأدب (5129),مسند أحمد بن حنبل (4/120).
(2) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).

(1/89)

كما قال الله عز وجل في صفة عباده الصالحين التابعين للسلف الصالح: ** والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ** (1) الآية [الحشر: 10] .
وقد شرع الله صلاة الجنازة للدعاء والترحم عليهم، وهكذا الصدقة عن الميت تنفعه كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهكذا الحج عنهم، والعمرة، وقضاء الدين، كل ذلك ينفع الميت المسلم.
__________
(1) سورة الحشر الآية 10

أسامي عابرة 05-01-2009 03:02 AM

(1/90)

(11)
الرسل

(1/91)

الرسول يدخل في الأوامر التي جاءت على يديه
س42: يقول السائل: هل كل أمر موجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أهل بيته يكون موجها إلينا جميعا؟
الجواب: نعم، هذا هو الأصل; الرسول يدخل في الأوامر التي جاءت على يديه، وهكذا أهل بيته كجميع الناس.
فالرسل داخلون فيما جاء على أيديهم من الأوامر والنواهي ، فقوله جل وعلا: ** ولا تدع من دون الله ** (1) [يونس: 106] يعم الجميع وقوله تعالى: ** وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ** (2) [الجن: 18] ، يعم الجميع، يعم الرسل وغيرهم، وقوله: ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ** (3) [البينة: 5] يعم الجميع، وقوله: ** وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ** (4) [البقرة: 43] يعم الجميع، وقوله: ** ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ** (5) [النساء: 22] يعم الجميع.
وهكذا، الأصل أن الأنبياء والرسل داخلون في الأوامر والنواهي التي جاءوا بها ، وهكذا أهل بيوتهم داخلون إلا ما قام الدليل على التخصيص، فإذا قام دليل خاص على أن هذا خاص بالرسول أو خاص بفلان، كالتسع له صلى الله عليه وسلم من الزوجات فهذا خاص به صلى الله عليه وسلم، وكعناق أبي بردة جاء الحديث أنها خاصة به لما ضحى بها وهي لم تبلغ الثنية.
والمقصود: أن الأصل هو العموم فيما يأتي من الأوامر والنواهي على أيدي الرسل; تعم الرسل، وتعم أهل بيوتهم إلا ما خصه الدليل.
__________
(1) سورة يونس الآية 106
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة البقرة الآية 43
(5) سورة النساء الآية 22

(1/92)

حول حديث: « إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (1)
س43: سائل يقول: سمعت أحد المذيعين يوم جمعة وكان يتحدث في فضل يوم الجمعة، وقد أورد حديثا يقول: « فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ فقال: إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (2) رواه الخمسة إلا الترمذي .
أليس هذا يتعارض مع الآية الكريمة التي يقول الله فيها: ** قل إنما أنا بشر مثلكم ** (3) [الكهف: 110] ، وقوله: ** وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ** (4) [الكهف: 8] ، وأنه لما دخل عليه العباس عمه حينما مات، ومكث ثلاثة أيام قبل أن يدفن، وكان واضعا يديه على أنفه، وقال: عجلوا بدفن صاحبكم، والله إنه ليأسن كما يأسن سائر البشر . وهذا الحديث الذي سمعته موجود في كتاب نيل الأوطار شرح منتقى الأخيار، والحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه بأنه حديث منكر; لأن في إسناده عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وهو منكر الحديث، وقال ابن العربي إن الحديث لم يثبت. وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه؟
الجواب: الحديث المذكور معروف عند أهل العلم ولا بأس به عند أهل العلم، ولا نكارة في ذلك، فإن الله جل وعلا له أن يخص من شاء من
__________
(1) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1085).
(2) سنن النسائي الجمعة (1374),سنن أبو داود الصلاة (1047),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1636),مسند أحمد بن حنبل (4/8),سنن الدارمي الصلاة (1572).
(3) سورة الكهف الآية 110
(4) سورة الكهف الآية 8

(1/93)

عباده بما يشاء سبحانه وتعالى، فإذا خص الأنبياء بتحريم أجسادهم على الأرض فلا غرابة في ذلك; لما لهم لديه من الكرامة.
والصلاة والسلام عليه مشروعة مطلقا، ولو فرضنا أن الجسد قد أكلته الأرض كما تأكل أجساد الناس الآخرين، فإن هذا لا يمنع من الصلاة والسلام عليه، ولا يمنع أيضا من تخصيص الجمعة بالإكثار من ذلك لما جاء في الحديث، فإن الصلاة والسلام عليه مشروعان دائما -عليه الصلاة والسلام- في حياته وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وقد قال الله عز وجل: ** إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ** (1) [الأحزاب: 56] ، اللهم صل عليه وسلم صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
وقال عليه الصلاة والسلام كما روى مسلم في الصحيح : « من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا » (2) . فالصلاة والسلام عليه أمر مشروع في حياته وبعد وفاته، حال كونه في البرزخ وفي غير ذلك، وهذا أمر مشروع ومعلوم عند الجميع.
أما كون جسده يبقى فهو في هذا الحديث، وسنده لا بأس به عند أهل العلم، أما قول العباس ، فلم أعلم إلى يومي هذا صحته ولم أتتبع أسانيده، ولو فرضنا صحة هذا عن العباس فإنه لا ينافيه; فقد يعتري الجسد ما يعتريه ولكنه يسلم ويبقى، ويحرم على الأرض أن تأكله، ويزول ما يعتريه من تغير ورائحة، فإن الله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، فإذا وضع في القبر ففي الإمكان أن تزول هذه الرائحة وهذا التغير، وأن يبقى الجسد سليما طريا، وليس في الشرع ولا في العقل
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 56
(2) صحيح مسلم الصلاة (384),سنن الترمذي المناقب (3614),سنن النسائي الأذان (678),سنن أبو داود الصلاة (523),مسند أحمد بن حنبل (2/168).

(1/94)

ما يمنع ذلك.
والمقصود أن الصلاة والسلام عليه مشروعان مطلقا سواء بقي الجسد أم لم يبق الجسد، وكونه تعرض صلاتنا عليه لا يمنع ذلك فناء جسده لو لم يصح الحديث; لأن الروح باقية في الرفيق الأعلى، وهكذا الأرواح باقية عند أهل السنة والجماعة، أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، وروحه صلى الله عليه وسلم في أعلى عليين عليه الصلاة والسلام، وأرواح المؤمنين في طيور تعلق في شجر الجنة كما صح بذلك الحديث، وأرواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهي في أجواف طير خضر كما جاء في الحديث الشريف.
فالمقصود أن الأرواح باقية وفي الإمكان عرض الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، ولو ذهب الجسد، ولكن حديث « إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (1) لا بأس به، فالأصل الأخذ به والبقاء عليه، حتى يعلم بالأدلة التي لا شك فيها ما يخالف ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: « إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء » (2) خبر منه صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فمتى سلم الخبر من العلة، وهو عند أهل العلم في ظاهر أسانيده صحيح ولا بأس به، وإذا ثبت أثر العباس ، فإن ما قاله العباس لو ثبت ووقع لا يمنع من بقاء الجسد وزوال هذا الأثر كما تقدم.
__________
(1) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1085).
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1085).

(1/95)

هل النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور؟
س44: سائل يقول: نسمع في بعض خطب الجمعة عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وليس من تراب كسائر الناس. نسأل عن صحة هذا الكلام؟
الجواب: هذا كلام باطل وليس له أصل، فالله خلق نبينا صلى الله عليه وسلم مثل ما خلق بقية البشر; من ماء مهين، من ماء أبيه عبد الله وأمه آمنة ، كما قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: ** ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ** (1) [السجدة: 8] ، فمحمد صلى الله عليه وسلم من نسل آدم، وجميع نسل آدم كلهم من سلالة من ماء مهين وهو منهم.
أما ما يروى أنه خلق من النور فهذا لا أصل له، وهو حديث موضوع مكذوب باطل لا أصل له، وبعضهم يعزوه إلى مسند أحمد عن جابر ، وهذا لا أصل له، وبعضهم يعزوه لمصنف عبد الرزاق وهذا لا أصل له. والمقصود أنه حديث باطل لا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما خلقه الله مما خلق منه بني آدم، وخلق منه الأنبياء جميعا، وهو من ماء الرجل وماء المرأة، هذا هو الأمر المعلوم، وأما ما يدعيه بعض الغلاة، وبعض الجهلة أنه خلق من النور فهذا باطل لا أصل له.
وهو نور صلى الله عليه وسلم، جعله الله نورا للناس بما أوحى الله إليه من الهدى، من الكتاب العزيز والسنة المطهرة، كما قال الله سبحانه وتعالى: ** قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ** (2) [المائدة: 15] ، هذا النور هو محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحى الله إليه من النور، سماه الله نورا; لأن الله جعله نورا بما أوحى إليه من الهدى، كما قال في الآية الأخرى:
__________
(1) سورة السجدة الآية 8
(2) سورة المائدة الآية 15

أسامي عابرة 05-01-2009 03:39 AM

(1/96)

** إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ** (1) ** وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ** (2) [الأحزاب: 45 ، 46] .
فهو السراج المنير، وهو نور لما أعطاه الله من الوحي العظيم من القرآن والسنة، فإن الله أنار بهما الطريق، وأوضح بهما الصراط المستقيم، وهدى بهما الأمة إلى الخير، فهو نور وجاء بالنور عليه الصلاة والسلام، وليس معناه أنه خلق من نور، إنما خلق من ماء مهين، لكنه نور بما أوحى الله إليه من الهدى، وما أعطاه الله من العلم الذي علمه الناس صلى الله عليه وسلم، فالرسل نور، والعلماء نور; علماء الحق، لما أعطاهم الله من الهدى، فهم نور للعالم بما اقتبسوه مما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 45
(2) سورة الأحزاب الآية 46

(1/97)

حكم القول بأن أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم
س45: يقول السائل: سمعت أناسا يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خلق من نور، وأول ما خلق الله هو نور محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يقرءون القرآن الكريم، ويهدون ثوابه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والأموات ... أفيدونا عن صحة هذا جزاكم الله خيرا .
الجواب: ما يقوله الناس من أنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور فهذا كله لا أصل له، فقولهم إنه خلق من نور أو أنه أول ما خلق نور محمد، هذه كلها أخبار موضوعة لا أصل لها، ولا أساس لها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي موضوعة ومكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم.

(1/97)

وإنما الحق أنه صلى الله عليه وسلم خلق من ماء مهين كما خلق الناس الآخرون، خلق من ماء عبد الله بن عبد المطلب ، ومن ماء آمنة أمه، ولم يخلق من نور ولكن الله جعله نورا عليه الصلاة والسلام، جعله سراجا منيرا بما أعطاه الله من الوحي، وبما أنزل الله من القرآن والسنة، جعله الله نورا للناس، جعله الله سراجا منيرا بالدعوة إلى الله، وبيان الحق للناس وإرشادهم وتوجيههم إلى الخير، فهو نور جاءه بعدما أوحى الله إليه عليه الصلاة والسلام، وإلا فهو بشر من بني آدم خلق من ماء مهين، من ماء أبيه وأمه.
وأما ما يقوله بعض الناس، وبعض المخرفين، وبعض الصوفيين : إنه خلق من نور، أو إن أول شيء خلق هو نور محمد، فهذه كلها أخبار لا أصل لها، وكلها باطلة، وهي أخبار موضوعة لا أساس لها كما تقدم. وقد قال الله سبحانه في سورة الأحزاب: ** يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ** (1) ** وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ** (2) [الأحزاب: 45 ، 46] ، وذلك بما أوحى الله إليه من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 45
(2) سورة الأحزاب الآية 46

(1/98)

الزعم بأن الدنيا بما فيها خلقت من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم
س46: يقول سائل: لقد أصبح من المتعارف عليه وشائعا على ألسنة الناس عندنا وكأنما هو شيء بديهيا أن الدنيا بما فيها خلقت لأجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولاه لم تكن ولم تخلق ولم توجد. نرجو من فضيلة الشيخ المجيب على أسئلة المستمعين الإجابة على سؤالي مع الأدلة

(1/98)

الشافية إن كان كما قيل، وجزيتم خيرا؟
الجواب: هذا ينقل من كلام بعض العامة وهم لا يفهمون، يقول بعض الناس: إن الدنيا خلقت من أجل محمد ولولا محمد ما خلقت الدنيا ولا خلق الناس وهذا باطل لا أصل له، وهذا كلام فاسد، فالله خلق الدنيا ليعرف ويعلم سبحانه وتعالى وليعبد جل وعلا، خلق الدنيا وخلق الخلق ليعرف بأسمائه وصفاته، وبقدرته وعلمه، وليعبد وحده لا شريك له ويطاع سبحانه وتعالى، لا من أجل محمد، ولا من أجل نوح، ولا موسى، ولا عيسى، ولا غيرهم من الأنبياء، بل خلق الله الخلق ليعبد وحده لا شريك له.
خلق الله الدنيا وسائر الخلق ليعبد ويعرف ويعظم، وليعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، كما قال سبحانه وتعالى: ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (1) [الذاريات: 56] ، بين أنه خلقهم ليعبدوه، لا من أجل محمد عليه الصلاة والسلام.
ومحمد من جملتهم خلق ليعبد ربه، كما قال له سبحانه: ** واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ** (2) [الحجر: 99] ، وقال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق: ** الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ** (3) [الطلاق: 12] ، وقال سبحانه وتعالى: ** وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ** (4) [ص: 27] . فالله جل وعلا خلق الخلق ليعبد، خلقه بالحق وللحق ليعبد ويطاع ويعظم، وليعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه العالم بكل شيء سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة الحجر الآية 99
(3) سورة الطلاق الآية 12
(4) سورة ص الآية 27

(1/99)

فأيها السائل، هذه الأشياء التي سمعتها باطلة لا أساس لها، لم يخلق الله الخلق، لا الجن، ولا الإنس، ولا السماء، ولا الأرض، ولا غير ذلك; لم يخلق ذلك من أجل محمد عليه الصلاة والسلام، ولا من أجل غيره من الرسل، وإنما خلق الخلق وخلق الدنيا ليعبد وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته.
فهذا هو الحق، وهذا الذي قامت عليه الأدلة، وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم هو أشرف الناس، وهو أفضل الناس عليه الصلاة والسلام وخاتم الأنبياء وسيد ولد آدم، لكن الله خلقه ليعبد ربه، وخلق الناس ليعبدوا ربهم سبحانه وتعالى، ما خلقهم من أجل محمد، وإن كان أفضل الناس، فاعرف هذا وبلغه لغيرك أيها السائل; لأن هذه مسألة مهمة، وقد وقع فيها بعض من ينتسب إلى العلم وهو من الجهلة ومن الغلاة، الذين ليس عندهم العلم الحقيقي الأصيل، وإنما هم في الحقيقة من الجهلة والعامة الذين ليس عندهم علم.
أما أهل العلم والبصائر فهم يعلمون أن هذا باطل، وأن الله خلق الخلق ليعبد وحده لا شريك له، وليعرف بأسمائه وصفاته وأنه الحكيم العليم، وأنه السميع المجيب، وأنه العليم القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأنه الكامل في صفاته وأسمائه وذاته وأفعاله سبحانه وتعالى كما سبق.

أسامي عابرة 05-01-2009 03:44 AM

(1/100)

عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، فهل هو أول رائد فضاء؟
س47: يقول السائل في رسالته: عندما كنت أدرس بالمرحلة المتوسطة طرح لنا أحد الأساتذة سؤالا وقال فيه: من هو أول رائد للفضاء؟ فأجبنا على سؤاله بأنه سوفيتي الجنسية. وقال لنا الأستاذ الإجابة خطأ. وقال: إن أول رائد للفضاء هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، عندما عرج به إلى السماوات، وكانت مركبته البراق. فهل هذا صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: لا نعلم في الموضوع غير ما ذكره المجيب; فإننا لا نعلم أحدا عرج به إلى السماء وفرضت عليه صلوات خمس سوى نبينا عليه الصلاة والسلام، فإنه عرج به إلى السماء السابعة حتى كان فوقها، وحتى سمع كلام الرب عز وجل. فإذا عبر عنه بأنه رائد فضاء فهذا له بعض الوجاهة، لكن ليس بصحيح أنه رائد فضاء، بل إنما عرج به إلى السماء، إلى ربه عز وجل ليفيض عليه بما يشاء سبحانه وتعالى، وليس المقصود من هذه الرحلة أن يجوب الفضاء، وأن ينظر في الفضاء، بل المقصود من هذه الرحلة مع الملك جبرائيل عليه الصلاة والسلام أن يرتفع إلى الله، ويجوب السماوات حتى يصل إلى ما فوق السماء السابعة، وحتى يسمع كلام ربه، وليس المقصود أن يجوب الفضاء.
وهذا الكلام الذي قاله هذا المجيب له بعض الوجاهة من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم شق الفضاء كله حتى جاوز السبع الطباق، فله وجه من هذه الحقيقة، لكن ليس هو المعنى المقصود عند الدول الموجودة اليوم أمريكا والسوفيت وغيرهم; فإن مقصودهم هو اختبار الفضاء، واختبار

(1/101)

ما فيه من العجائب وهو ما دون السماء الدنيا، وليس المقصود هذا المعنى الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم.
فالمجيب الذي قال: السوفيتي له وجه، والسائل الذي سأله لقصده وجه، ولكن ليس منطبقا على مراد الناس اليوم، وعلى مقصود الناس اليوم; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرتحل ليجوب الفضاء، وإنما ارتحل بأمر ربه، ليتصل بالله عز وجل فوق السماء السابعة، وليسمع كلامه سبحانه وتعالى، وليمتثل أمره جل وعلا، فالرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يرتحل هذه الرحلة العظيمة، ويسمع كلام ربه، وليفرض الله عليه هذه الصلوات العظيمة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. والله ولي التوفيق.

(1/102)

حول رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام
س48: يقول السائل: ادعى بعض الناس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأنه عليه الصلاة والسلام قال له: إنه خجلان في قبره ؛ لأن الحرب لم تتوقف بين إيران والعراق . وقال آخر: إنه رآه عليه الصلاة والسلام وقال له: سوف تستمر الحرب ستة وثلاثين شهرا وها قد مضى على الحرب الآن أربع سنوات فما حكم الشرع في مثل هذه الرؤى التي فيها ما يخالف الواقع؟
الجواب: كثير من الناس يدعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو إما كاذب، وإما أنه لم يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن أنه الرسول وليس هو الرسول عليه الصلاة والسلام .

(1/102)

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي » (1) ، فمن رآه في صورته فقد رآه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق.
لكن هذه المرائي تعرض على ما علم من الشرع، فإن وافقت ما علم من الشرع فهي حق، وإلا فهي تلبيس على صاحبها، وأن صاحبها لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما خيل له وظن أنه الرسول وليس هو الرسول، فقد يراه بعض الناس في صورة شاب أمرد، وقد يراه بعض الناس شيبة قد ابيض شعره، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان قصير، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان طويل، وقد يراه بعض الناس في صورة إنسان أسود اللون، وقد يراه بعض الناس في صور أخرى، وهذا ليس هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
الرسول ربعة من الرجال، أبيض اللون، مشرب بحمرة عليه الصلاة والسلام، من أجمل الرجال عليه الصلاة والسلام، شعره أسود ليس فيه إلا بياض قليل، شعرات قليلة من الشيب.
فلا بد في الرائي أن يكون رآه على صورته المعروفة في كتب الحديث والسيرة، وأن يكون ثقة معروفا بالصدق والأمانة والعدالة، وإلا فإنه لا يعتمد على قوله؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: « فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي » (2) ولم يقل لا يتمثل بي، بل قال: « في صورتي » (3) ، فدل ذلك على أنه إذا رآه الإنسان في غير صورته فليس هو النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إذا رآه فلا بد أن يعرض ما رآه على ما جاء به الشرع إن كانت تتعلق بالأحكام والعبادات فتعرض على الشرع، فإن خالفت الشرع فليس هو النبي عليه
__________
(1) صحيح البخاري العلم (110),صحيح مسلم الرؤيا (2266),سنن الترمذي الرؤيا (2280),سنن أبو داود الأدب (4965),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3901),مسند أحمد بن حنبل (2/232).
(2) صحيح البخاري العلم (110),صحيح مسلم الرؤيا (2266),سنن الترمذي الرؤيا (2280),سنن أبو داود الأدب (4965),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3901),مسند أحمد بن حنبل (2/232).
(3) صحيح البخاري العلم (110),صحيح مسلم الرؤيا (2266),سنن الترمذي الرؤيا (2280),سنن أبو داود الأدب (4965),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3901),مسند أحمد بن حنبل (2/232).

(1/103)

الصلاة والسلام.
ثم قوله: خجلان ليس من لغة النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذه من لغة العصر، فهذا دليل على أنه لم ير الرسول عليه الصلاة والسلام وإنما رأى شيطانا، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، والوحي قد انقطع، فهو لا يعلم الغيب في حياته إنما يعلم ما أوحى الله إليه وبينه له سبحانه وتعالى، وما لم يأت به الوحي لا يعلمه -عليه الصلاة والسلام- من أمور الغيب، فهو لا يعلم شأن الحرب التي بين العراق وبين إيران ، والوحي قد انقطع بوفاته عليه الصلاة والسلام، وهذا من أوضح الدلالة على أن هذه الرؤيا مكذوبة وليست من النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي من بعض الشياطين الذين تراءوا للرجل القائل، أو أنه كاذب في رؤياه ولم ير شيئا.

(1/104)

الواجب الصلاة عليه إذا مر ذكره صلى الله عليه وسلم
س49: يقول السائل: هل يجب أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم كلما مر ذكره أم إن ذلك سنة؟
الجواب: الواجب الصلاة عليه إذا مر ذكره عليه الصلاة والسلام; لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي » (1) ، وهذا يدل على أن الصلاة عليه واجبة عند ذكره صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سنن الترمذي الدعوات (3545),مسند أحمد بن حنبل (2/254).

(1/104)

عدد أهل الكهف
س50: سائلة تسأل تقول: ما هو القول الصحيح في عدد أهل الكهف؟ وهل هم أصحاب الصخرة؟ أم غيرهم؟ وإن كان كذلك فمن هم إذن أصحاب الصخرة؟ وما هي قصتهم؟
الجواب: أهل الكهف بينهم الله في كتابه العظيم، والأقرب هو ما قاله جماعة من أهل العلم أنهم سبعة وثامنهم كلبهم، هذا هو الأقرب والأظهر، وهم أناس مؤمنون، آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وفارقوا قومهم لأجل الشرك والكفر، فلما توفاهم الله بعد ذلك بعدما ناموا المدة الطويلة توفاهم الله بعد ذلك على دينهم الحق، هؤلاء هم أهل الكهف كما بينه الله في كتابه العزيز.
إنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وناموا النومة الطويلة بإذن الله، ثم ماتوا بعد ذلك ثم بنى عليهم بعض أهل الغلبة من الأمراء والرؤساء مسجدا، وقد أخطأوا وغلطوا في ذلك; لأن القبور لا يجوز البناء عليها ولا اتخاذ المساجد عليها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد ، وقال: « لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، وحذر من البناء على القبور، وتجصيصها، واتخاذ المساجد عليها، كل هذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور مساجد ولا قبابا ولا غير ذلك، بل تكون القبور ضاحية للشمس والأمطار ليس عليها بناء، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك؛ عملا بالأحاديث الصحيحة وسدا لذريعة الغلو فيها والشرك بأهلها.
وهكذا كانت قبور المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).

أسامي عابرة 05-01-2009 03:53 AM

(1/105)

الراشدين حتى غير الناس بعد ذلك وبنوا على القبور وهذا من الجهل والغلط والمنكر العظيم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا، وقال صلى الله عليه وسلم لما أخبرته أم حبيبة وأم سلمة لما كانتا في أرض الحبشة عن كنيسة فيها تصاوير قال: « أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا فيه تلك الصور » (2) ، ثم قال: « أولئك شرار الخلق عند الله » (3) .
فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب بنائهم على القبور واتخاذهم الصور عليها، نسأل الله السلامة، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه جندب بن عبد الله في صحيح مسلم : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك » (4) ، فنهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد وحذر من هذا وبين أنه من عمل من كان قبلنا من اليهود والنصارى وهو عمل مذموم ملعون فاعله لكونه من وسائل الشرك، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا قبابا ولا مساجد على قبور أمواتهم، بل هذا منكر ومن وسائل الشرك.
أما أصحاب الصخرة فهم أناس خرجوا يتمشون فآواهم المبيت والمطر إلى غار في جبل، فلما دخلوا انحدرت عليهم صخرة وسدت عليهم باب الغار، فقالوا فيما بينهم: لا ينجيكم من هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم -التي فعلتموها لله-.
فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51).
(3) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51).
(4) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).

(1/106)

إلا وقد ناما فوقفت بالقدح أنتظر استيقاظهما فلم يستيقظا حتى برق الصبح، والصبية يتضاغون تحت قدمي. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا قليلا لا يستطيعون معه الخروج.
ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني أردتها على نفسها فأبت، فألمت بها سنة -يعني: حاجة في بعض السنين- فجاءت إلي تطلبني، فقلت لها: لا حتى تمكنيني من نفسك، فوافقت على ذلك -على عشرين ومائة دينار سلمها لها- فلما جلس بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خوفا من الله وتركها، وترك الذهب لها، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة أيضا ولكنهم لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل أجير حقه إلا أجيرا واحدا كان له فرق من أرز فتركه، فثمرته له حتى اشتريت منه رقيقا وإبلا وبقرا وغنما فجاء بعد ذلك وقال: أعطني حقي، فقلت: يا عبد الله كل هذا من حقك، فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت له: إني لا أستهزئ بك بل هذا كله من حقك، فأخذه واستاقه جميعا. اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
وهذا دليل على أن الله على كل شيء قدير وأنه سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء، وهذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم

(1/107)

في الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهو حديث صحيح فيه عبرة وفيه إرشاد إلى الضراعة إلى الله، وسؤاله عند الكروب والشدائد، وأنه سبحانه قريب مجيب يسمع دعاء الداعي ويجيب دعوته إذا شاء سبحانه وتعالى، وأن الأعمال الصالحات من أسباب تفريج الكروب ، ومن أسباب تيسير الأمور، ومن أسباب إزالة الشدة، والمؤمن إذا وقع في الشدة يضرع إلى الله ويسأله ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته وبأعماله الصالحة، بإيمانه بالله ورسوله وبتوحيده وإخلاصه لله.
هذه هي الأسباب، والله سبحانه من فضله وإحسانه يجيب دعوة المضطر، ويرحم عبده المؤمن، ويجيب سؤاله، كما قال سبحانه وتعالى: ** وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ** (1) [البقرة: 186] ، وهو القائل سبحانه: ** ادعوني أستجب لكم ** (2) [غافر: 60] ، وهو القائل سبحانه: ** أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ** (3) [النمل: 62] ، وهؤلاء مضطرون، نزل بهم أمر عظيم وكربة شديدة، فسألوا الله بصالح الأعمال فأجاب الله دعاءهم.
وفي هذا من الفوائد فضل بر الوالدين ، وأن بر الوالدين من أفضل القربات ومن أسباب تفريج الكروب وتيسير الأمور، وهكذا العفة عن الزنا، فإن الحذر من الزنا من الأعمال الصالحات، ومن أسباب تفريج الكروب ومن أسباب النجاة من كل شدة، ومن أفضل الأعمال الصالحات، وهكذا أداء الأمانة، والنصح في أداء الأمانة من أعظم الأسباب في تفريج الكروب، ومن أفضل الأعمال الصالحات والنعم،
__________
(1) سورة البقرة الآية 186
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة النمل الآية 62

(1/108)

فهذه الأعمال الصالحة من أسباب النجاة في الدنيا والآخرة.

(1/109)

قوله تعالى: ** فأردت أن أعيبها ** (1)
س51: يقول السائل: ورد في سورة الكهف على لسان الرجل الصالح في قصته مع موسى عليه السلام، في قوله تعالى: ** أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ** (2) إلى قوله تعالى: ** ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ** (3) [الكهف: 79-82] .
لاحظت أنه عند السفينة قال: ** فأردت أن أعيبها ** (4) وعند ذكر الأبوين المؤمنين: ** فأردنا أن يبدلهما ربهما ** (5) وعند ذكر قصة اليتيمين صاحبي الجدار: ** فأراد ربك ** (6) فما الفرق بين التعابير الثلاثة؟ وهل ذلك يعني أن للرجل الصالح إرادة في الأمر مع إرادة الله؟
الجواب: الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه نبي، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي، ولهذا قال: ** وما فعلته عن أمري ** (7) أي: بل عن أمر الله سبحانه وتعالى.
وجاء في القصة نفسها في الصحيح أنه قال لموسى: « إنك على علم من علم الله علمك الله إياه لا أعلمه أنا، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت » (8) .
فدل ذلك على أنه من الأنبياء، ولهذا قال: ** فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ** (9)
__________
(1) سورة الكهف الآية 79
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 82
(4) سورة الكهف الآية 79
(5) سورة الكهف الآية 81
(6) سورة الكهف الآية 82
(7) سورة الكهف الآية 82
(8) صحيح البخاري تفسير القرآن (4450),صحيح مسلم الفضائل (2380),سنن الترمذي تفسير القرآن (3149),مسند أحمد بن حنبل (5/118).
(9) سورة الكهف الآية 82

(1/109)

وقال: ** وما فعلته عن أمري ** (1) والرسول يعلم إرادة الله حيث جاءه الوحي بذلك.
وفي قصة السفينة نسب الأمر إليه ** فأردت أن أعيبها ** (2) هذا والله أعلم لأن الرب سبحانه ينسب إليه الشيء الطيب، والعيب ظاهره ليس من الشيء الطيب، فنسبه إلى نفسه تأدبا مع ربه عز وجل، فقال: ** فأردت أن أعيبها ** (3) وهذا عيب يراد منه أن تسلم السفينة حتى لا يأخذها الملك; لأنه كان يأخذ كل سفينة صالحة سليمة فأراد الخضر أن يعيبها لتسلم من هذا الملك إذا رآها معيبة خاربة تسلم من شره وظلمه، فلما كان ظاهر الأمر لا يناسب ولا يليق إضافته لله نسبه لنفسه فقال: ** فأردت أن أعيبها ** (4)
وعند ذكر الأبوين المؤمنين قال: ** فأردنا أن يبدلهما ربهما ** (5) كذلك لما كان أمرا طيبا نسبه إلى نفسه؛ لأنه مأمور من جهة الله عز وجل ( أردنا )، وذكر نون الجمع؛ لأنه نبي، والنبي رجل عظيم فناسب أن يقول: ( أردنا ) ، ولأنه عن أمر الله وعن توجيه الله فناسب أن يقال فيه: ( أردنا ) ، ولأنه كان عملا طيبا ومناسبا وفيه مصلحة.
ولما كان أمر اليتيمين فيه خير عظيم وصلاح لهما، ومنفعة لهما قال: ** فأراد ربك ** (6) فنسب الخير إليه سبحانه وتعالى، وهذا من جنس قول الجن في سورة الجن، حيث قال سبحانه عن الجن: ** وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ** (7) [الجن: 10] .
فالشر لم يضيفوه إلى الله سبحانه وتعالى، ولما جاء الرشد قالوا: ** أم أراد بهم ربهم رشدا ** (8) فنسبوا الرشد إلى الله سبحانه وتعالى; لأن
__________
(1) سورة الكهف الآية 82
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 79
(4) سورة الكهف الآية 79
(5) سورة الكهف الآية 81
(6) سورة الكهف الآية 82
(7) سورة الجن الآية 10
(8) سورة الجن الآية 10

أسامي عابرة 05-01-2009 03:56 AM

(1/110)

الرشد خير فنسبوه إلى الله، وأما الشر فلا ينسب إليه، كما جاء في الحديث الصحيح: « والشر ليس إليك » (1) ، وهذا من الأدب الصالح، من أدب الجن المؤمنين، ومن أدب الخضر عليه الصلاة والسلام ، قال في العيب: ** فأردت أن أعيبها ** (2) وفي اليتيمين: ** فأراد ربك ** (3) وهذا من الأدب المناسب مع الله سبحانه .
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (771),سنن الترمذي الدعوات (3422),سنن النسائي الافتتاح (897),سنن أبو داود الصلاة (760),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (864),مسند أحمد بن حنبل (1/103),سنن الدارمي الصلاة (1238).
(2) سورة الكهف الآية 79
(3) سورة الكهف الآية 82

(1/111)

(12)
اليوم الآخر

(1/113)

قوله تعالى: ** وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض ** (1)
س52: يقول السائل: يقول الله تعالي: ** وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ** (2) [النمل: 82] . ما تفسير هذه الآية الكريمة. جزاكم الله خيرا؟
الجواب: جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها دابة تخرج في آخر الزمان عند طلوع الشمس من مغربها; قبلها بقليل أو بعدها بقليل، والله أعلم بمكثها في الأرض، ولكنها تخرج في آخر الزمان، وتكلم الناس، كما قال الله عز وجل، وأما تفاصيل أخبارها فليس في تفاصيل أخبارها أحاديث صحيحة فيما أعلم.
__________
(1) سورة النمل الآية 82
(2) سورة النمل الآية 82

(1/114)

حول السؤال عن الأعمال يوم القيامة
س53: يقول السائل في رسالته: يقول الله تعالى يوم القيامة: ** تالله لتسألن عما كنتم تفترون ** (1) [النحل: 56] ، ويقول جل وعلا: ** ولتسألن عما كنتم تعملون ** (2) [النحل: 93] ، ولكني وجدت آية في سورة الرحمن تنفي حدوث السؤال للإنس والجن يوم القيامة، يقول المولى فيها: ** فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ** (3) [الرحمن: 39] ، فكيف يمكن الجمع بين هذه الآيات التي تثبت الحساب والأخرى التي تنفي السؤال؟
الجواب: أيها الأخ السائل، اعلم أن يوم القيامة له أحوال وله شئون، وهو يوم طويل، مقداره خمسون ألف سنة، كما قال جل وعلا في كتابه
__________
(1) سورة النحل الآية 56
(2) سورة النحل الآية 93
(3) سورة الرحمن الآية 39

(1/114)

العظيم: ** تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ** (1) ** فاصبر صبرا جميلا ** (2) ** إنهم يرونه بعيدا ** (3) ** ونراه قريبا ** (4) [المعارج: 4-7] .
فهو يوم طويل عظيم، وله شئون وله أحوال، والناس فيه على أحوال، ففي وقت يسألون، وفي وقت لا يسألون، في وقت يسألهم الله عن أعمالهم، كما قال عز وجل: ** فوربك لنسألنهم أجمعين ** (5) ** عما كانوا يعملون ** (6) [الحجر: 92 ، 93] ، فيسألهم ويجازيهم، وتعرض عليهم صحائفهم، وفي وقت آخر من هذا اليوم الطويل لا يسألون، وهكذا ما في قوله جل وعلا عن الكفار أنهم قالوا: ** والله ربنا ما كنا مشركين ** (7) [الأنعام: 23] ، وفي الموضع الآخر قال: ** ولا يكتمون الله حديثا ** (8) [النساء: 42] ، ولهذا نظائر، فيوم القيامة طويل عظيم، للناس فيه شئون مع ربهم عز وجل، فتارة يقرون وتارة يجحدون، وتارة يسألون وتارة لا يسألون، فانتبه لهذا، ولا تشك في شيء من ذلك، فكله حق، والله المستعان.
__________
(1) سورة المعارج الآية 4
(2) سورة المعارج الآية 5
(3) سورة المعارج الآية 6
(4) سورة المعارج الآية 7
(5) سورة الحجر الآية 92
(6) سورة الحجر الآية 93
(7) سورة الأنعام الآية 23
(8) سورة النساء الآية 42

(1/115)

مصير من تساوت حسناته وسيئاته
س54: ما مصير من تساوت حسناته وسيئاته يوم الحساب، هل سيدخل الجنة أم لا بد أن يأخذ نصيبه من النار؟
الجواب: الله أعلم، أمره إلى الله سبحانه، لكن لا بد من القطع بأنه لا بد أن يكون مصيره إلى الجنة في المنتهى، أما كونه قد يعذب أو لا يعذب، هذا إلى الله سبحانه وتعالى; لأن الموحد الذي تساوت حسناته وسيئاته

(1/115)

منتهاه الجنة، لكن قد يعفى عنه بفضل الله سبحانه، ويدخل الجنة من أول وهلة، وقد يدخل النار بسيئاته التي لم يتب منها، فهو تحت مشيئة الله عز وجل، والله أعلم هل يدخل الجنة من أول وهلة أو لا يعفى عنه، بل يعذب على قدر المعاصي التي مات عليها ولم يتب، ثم يدخل الجنة.
هذه قاعدة عند أهل السنة والجماعة; وهي أن مصير الموحدين الجنة، سواء دخلوا النار أم لم يدخلوا النار; فمن دخلها بذنوبه فإنه لا يخلد فيها; بل يخرج منها بعدما يطهر ويمحص يخرج من النار إلى الجنة، يلقى في ماء الحياة فينبت كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم بعد ذلك يدخل الجنة، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد يعفو الله سبحانه وتعالى عن العاصي الموحد المؤمن، بشفاعة الشفعاء أو برحمته من دون شفاعة أحد، فيدخله الله الجنة جل وعلا، كما قال الله سبحانه: ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (1) [النساء: 48 و 116] .
وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعض العصاة يدخل النار ويبقى فيها ما شاء الله، ثم يخرجه الله سبحانه من النار بسبب توحيده وإيمانه وإسلامه إلى الجنة، فالذين تتساوى حسناتهم وسيئاتهم هم في حكم العصاة، وأمرهم إلى الله سبحانه وتعالى.
__________
(1) سورة النساء الآية 48

(1/116)

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم
س55: يقول السائل: للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ثلاث شفاعات، فلمن

(1/116)

تجوز الشفاعة الأولى والثانية والثالثة؟
الجواب: له عليه الصلاة والسلام ثلاث شفاعات خاصة به عليه الصلاة والسلام.
إحداها: الشفاعة العظمى في أهل الموقف يوم القيامة ، يشفع لهم حتى يقضى بينهم، وهذا هو المقام المحمود الذي قال فيه سبحانه: ** ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ** (1) [الإسراء: 79] ، هذا هو المقام المحمود الذي يبعثه الله يوم القيامة، وهو أنه يشفع في أهل الموقف عليه الصلاة والسلام إلى الله سبحانه ليقضى بينهم في هذا الموقف العظيم، حتى ينصرف كل إلى ما كتب الله له.
أما الشفاعة الثانية: فهي الشفاعة في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة ; فإنهم لا يدخلون الجنة إلا بشفاعته عليه الصلاة والسلام فيشفع إلى ربه فيؤذن لهم بدخول الجنة.
الشفاعة الثالثة: خاصة بعمه أبي طالب ، يشفع في عمه أبي طالب أن يخفف عنه، قال صلى الله عليه وسلم: إنه وجده في غمرات النار فشفع له حتى صار في ضحضاح من النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم يشفع لعمه أبي طالب فقط في التخفيف لا في الخروج; لأنه مات كافرا، هذا الذي عليه أهل العلم والتحقيق، أنه مات كافرا، أراد النبي صلى الله عليه وسلم عند موته أن يقول لا إله إلا الله فأبى وقال: هو على ملة عبد المطلب فمات على الكفر بالله.
فالرسول صلى الله عليه وسلم شفع له بأن يكون في ضحضاح من النار، بسبب ما حصل من نصره للنبي صلى الله عليه وسلم وتعبه وحمايته له عليه الصلاة والسلام، ولهذا حرص صلى الله عليه وسلم أن يسلم لكن لم يقدر له الإسلام فصار هذا من الآيات
__________
(1) سورة الإسراء الآية 79

(1/117)

الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم لا يملك هداية أحد، فالهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فهو يهدي من يشاء، ولهذا لما مات عمه أبو طالب على الكفر أنزل الله في حقه: ** إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ** (1) [القصص: 56] ، وقال سبحانه: ** ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ** (2) [البقرة: 272] .
ولهذا شفع فيه في أن يكون في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه -نسأل الله العافية- ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أهون الناس عذابا يوم القيامة أبو طالب فإنه في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه » (3) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. وفي لفظ آخر يقول: « إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة من يكون له نعلان من نار يغلي منهما دماغه » (4) وهو يرى أنه أشد الناس عذابا وهو أهونهم عذابا.
وهناك شفاعات له أخرى صلى الله عليه وسلم ليست مختصة به صلى الله عليه وسلم، فهناك شفاعات فيمن دخل النار من أهل التوحيد يخرج منها، ومن لم يدخلها أن لا يدخلها من العصاة; فإن العصاة قسمان:
قسم يعفى عنه قبل دخول النار بالشفاعة أو برحمة الله سبحانه وتعالى، وعفوه جل وعلا.
وقسم يدخل النار بمعاصيهم وسيئاتهم ثم بعد ما يمضي عليهم ما شاء الله في النار يخرجون منها بشفاعة الشفعاء، أو برحمة الله سبحانه المجردة من دون شفاعة أحد; لأنه كتب جل وعلا أنه لا يخلد فيها إلا الكفرة، فالنار لا يخلد فيها إلا الكفار.
__________
(1) سورة القصص الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 272
(3) صحيح البخاري الرقاق (6196),صحيح مسلم الإيمان (210),مسند أحمد بن حنبل (3/55).
(4) صحيح البخاري الرقاق (6194),صحيح مسلم الإيمان (213),سنن الترمذي صفة جهنم (2604),مسند أحمد بن حنبل (4/271).

(1/118)

أما العصاة إذا دخلوها فإنهم يمكثون فيها ما شاء الله ثم يخرجون، هذا هو الذي عليه أهل الحق; من أهل السنة والجماعة أن العصاة لا يخلدون في النار ولكن يمكث فيها من دخلها منهم ما شاء الله ثم يخرجهم الله من النار إلى نهر يقال له نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في ( حميل ) السيل.
وهؤلاء الذين يخرجون من النار أقسام:
منهم من يخرج بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يخرج بشفاعة غيره من الأنبياء، ومنهم من يخرج بشفاعة الملائكة، ومنهم من يخرج بشفاعة المؤمنين والأفراط، ومنهم من يبقى في النار حتى يخرجه الله برحمته، من دون شفاعة أحد، فإذا شفع الشفعاء وانتهى أمرهم يخرج الله من النار من بقي فيها من بقيه أهل التوحيد، الذين ماتوا على بعض السيئات والمعاصي، فيخرجهم سبحانه من النار فضلا منه ورحمة سبحانه وتعالى .
والأصل في هذا قوله تعالى: ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (1) مع ما ثبت من الأحاديث الصحيحة عن ذلك.
__________
(1) سورة النساء الآية 48

(1/119)

مصير أهل الفترة
س56: يقول السائل: نعلم أن من كان من أهل الجاهلية، أي: قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من أهل الفترة، وسؤالي عن حكم أهل الفترة لأنني سمعت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أنه جاءه رجل فقال: أين أبي؟ فقال في النار فذهب الرجل يبكي فناداه فقال له إن: أبي وأباك في النار » (1) فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا أفادكم الله؟
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).

أسامي عابرة 05-01-2009 03:58 AM

(1/119)

الجواب: الصحيح من أقوال العلماء أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة، ويؤمرون فإن أجابوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، وجاء في هذا عدة أحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن الأسود بن سريع التميمي ، وعن جماعة، كلها تدل على أنهم يمتحنون يوم القيامة، ويخرج لهم عنق من النار، ويؤمرون بالدخول فيه، فمن أجاب صار عليه بردا وسلاما، ومن أبى التف عليه وأخذه وصار إلى النار، نعوذ بالله من ذلك.
فالمقصود أنهم يمتحنون فمن أجاب وقبل ما طلب منه وامتثل دخل الجنة، ومن أبى دخل النار، وهذا هو أحسن ما قيل في أهل الفترة.
وأما حديث: « إن أبي وأباك في النار » (1) فهو حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه ، « أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار فلما ولى دعاه وقال له إن أبي وأباك في النار » (2) واحتج العلماء بهذا على أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم كان ممن بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة، فلهذا قال: في النار، ولو أنه كان من أهل الفترة لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام في حقه، وهكذا لما استأذن ربه أن يستغفر لأمه نهي عن ذلك، ولكنه أذن له أن يزورها، ولم يؤذن له في الاستغفار لها، فهذا يدل على أنهما بلغتهما الدعوة، وأنهما ماتا على دين الجاهلية، وعلى دين الكفر، وهذا هو الأصل في الكفار أنهم في النار، إلا من كان لم تبلغه الدعوة أعني دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام فهذا هو صاحب الفترة، فمن كان في علم الله أنه لم تبلغه الدعوة والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين وهو الحكم العدل، فيمتحنه يوم
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(2) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).

(1/120)

القيامة.
أما من بلغته دعوة الرسل في حياته، كدعوة إبراهيم وموسى وعيسى، وعرف الحق، ثم بقي على الشرك بالله فهذا ممن بلغتهم الدعوة، فيكون من أهل النار; لأنه عصى واستكبر عن اتباع الحق، والله جل وعلا أعلم.

(1/121)

حكم والدي النبي صلى الله عليه وسلم
س57: قال الله تعالى في كتابه الكريم: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (1) وقد ورد في بعض الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن والديه في النار. والسؤال: ألم يكونا من أهل الفترة والقرآن صريح بأنهم ناجون؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: أهل الفترة ليس في القرآن ما يدل على أنهم ناجون أو هالكون، إنما قال الله جل وعلا: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (2) [الإسراء: 15] فالله جل وعلا من كمال عدله لا يعذب أحدا إلا بعد بعث الرسول، فمن لم تبلغه الدعوة فليس بمعذب حتى تقام عليه الحجة، أخبر سبحانه أنه لا يعذبهم إلا بعد إقامة الحجة. والحجة قد تقوم عليهم حتى يوم القيامة، كما جاء في السنة أنه تقام الحجة على أهل الفترات ويمتحنون يوم القيامة; فمن أجاب وامتثل نجا، ومن عصى دخل النار، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن أبي وأباك في النار لرجل سأله عن أبيه قال أين أبي فقال في النار فلما رأى ما في وجهه من التغير قال إن أبي وأباك في النار » (3) حتى يتسلى بذلك، وأنه
__________
(1) سورة الإسراء الآية 15
(2) سورة الإسراء الآية 15
(3) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).

(1/121)

ليس خاصا بأبيه، ولعل هذين بلغتهما الحجة، فلعل أبا الرجل وأبا النبي صلى الله عليه وسلم بلغتهما الحجة.
والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: « إن أبي وأباك في النار » (1) قاله عن علم، فهو عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، كما قال الله سبحانه وتعالى: ** والنجم إذا هوى ** (2) ** ما ضل صاحبكم وما غوى ** (3) ** وما ينطق عن الهوى ** (4) ** إن هو إلا وحي يوحى ** (5) [النجم: 1-4] . فلولا أن عبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه وسلم قد قامت عليه الحجة; لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه ما قاله، فلعله بلغه ما يوجب عليه الحجة من جهة دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنهم كانوا على ملة إبراهيم حتى أحدثوا ما أحدثه عمرو بن لحي الخزاعي ، وسار في الناس ما أحدثه عمرو ، من بث الأصنام ودعوتها من دون الله، فلعل عبد الله كان قد بلغه ما يدل على أن ما عليه قريش من عبادة الأصنام باطل فتابعهم; فلهذا قامت عليه الحجة.
وهكذا ما جاء في الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم استأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له، فاستأذن أن يزورها فأذن له، فهو لم يؤذن له أن يستغفر لأمه; فلعله لأنه بلغها ما يقيم عليها الحجة، أو لأن أهل الجاهلية يعاملون معاملة الكفرة في أحكام الدنيا، فلا يدعى لهم، ولا يستغفر لهم; لأنهم في ظاهرهم كفار، وظاهرهم مع الكفرة، فيعاملون معاملة الكفرة وأمرهم إلى الله في الآخرة.
فالذي لم تقم عليه الحجة في الدنيا لا يعذب حتى يمتحن يوم القيامة; لأنه سبحانه وتعالى قال: ** وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ** (6) [الإسراء: 15]
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (203),سنن أبو داود السنة (4718),مسند أحمد بن حنبل (3/119).
(2) سورة النجم الآية 1
(3) سورة النجم الآية 2
(4) سورة النجم الآية 3
(5) سورة النجم الآية 4
(6) سورة الإسراء الآية 15

(1/122)

فإذا علم أن أناسا في فترة لم تبلغهم دعوة نبي فإنهم يمتحنون يوم القيامة فإن أجابوا صاروا إلى الجنة وإن عصوا صاروا إلى النار، وهكذا الشيخ الهرم الذي ما بلغته الدعوة، والمجانين الذين ما بلغتهم الدعوة وأشباههم، وأطفال الكفار على الصحيح يمتحنون; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنهم قال: « الله أعلم بما كانوا عاملين » (1) فأولاد الكفار يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة، فإن أجابوا جوابا صحيحا نجوا، وإلا صاروا مع الهالكين، فليس بحمد الله في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلم إشكال على من عرف السنة وقاعدة الشرع.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1317),صحيح مسلم القدر (2660),سنن النسائي الجنائز (1951),سنن أبو داود السنة (4711),مسند أحمد بن حنبل (1/358).

(1/123)

مصير أطفال المسلمين
وأطفال المشركين الذين ماتوا صغارا
س58: يقول السائل: قرأت في كتاب شفاء العليل رواية « عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما توفي طفل قالت طوبى لك طير من طيور الجنة فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عائشة أنه في الجنة لعل الله اطلع على ما كان يفعل ؟ » (1) والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « رفع القلم عن ثلاثة » (2) ذكر منهم: « الطفل حتى يحتلم » (3) والروايتان صحيحتان فلا أدري كيف الجمع بينهما .
الجواب: هذا الحديث حديث صحيح عند الشيخين، قالت فيه عائشة رضي الله عنها: عصفور من عصافير الجنة. قال النبي: « لا يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم » (4) والمقصود من هذا منعها من أن تشهد لأحد معين بالجنة أو بالنار،
__________
(1) صحيح مسلم القدر (2662),سنن النسائي الجنائز (1947),سنن أبو داود السنة (4713),سنن ابن ماجه المقدمة (82),مسند أحمد بن حنبل (6/208).
(2) سنن الترمذي الحدود (1423),سنن ابن ماجه الطلاق (2042),مسند أحمد بن حنبل (1/140).
(3) مسند أحمد بن حنبل (1/140).
(4) صحيح مسلم القدر (2662),سنن النسائي الجنائز (1947),سنن أبو داود السنة (4713),سنن ابن ماجه المقدمة (82),مسند أحمد بن حنبل (6/208).

(1/123)

ولو كان طفلا لا يشهد له ; فقد يكون تابعا لأبويه وأبواه ليسا على الإسلام وإن أظهراه، فالإنسان قد يظهر الإسلام نفاقا، وقد تظهره أمه نفاقا، فلا يشهد لأحد بالجنة أو بالنار، ولو طفلا، ولا يقال هذا من أهل الجنة قطعا; لأنه لا يدري عن حالة والديه، والأطفال تبع لآبائهم.
ومن كان مات على الصغر ولم يتبع للمسلمين فإنه يمتحن يوم القيامة على الصحيح، فإذا كان ليس ولدا للمسلمين بل لغيرهم من الكفار فإنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار، كأهل الفترة، فالصحيح أنهم يمتحنون، فهكذا الأطفال، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال: « الله أعلم بما كانوا عاملين » (1) وجاء في السنة ما يدل على أنهم يمتحنون، يعني يختبرون يوم القيامة، ويؤمرون بأمر، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار، فالمقصود من هذا أنه لا يشهد لأحد معين بجنة ولا بنار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة. فإنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة لأنها شهدت بالتعيين; لأنها قالت: عصفور من عصافير الجنة، فلهذا أنكر عليها أن تقول هذا; لأن هناك شيئا وراء هذا الأمر قد يكون سببا لعدم دخوله الجنة، وأنه يمتحن يوم القيامة، لأن والديه ليسا على الإسلام.
أما أولاد المسلمين فإنهم تبع لآبائهم عند أهل السنة والجماعة في الجنة ، وأما أولاد الكفار فإنهم يمتحنون يوم القيامة وهذا هو الحق، فمن أطاع يوم القيامة دخل الجنة ومن عصى دخل النار، كأهل الفترة ، هذا هو الصواب وهذا وجه الحديث.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1317),صحيح مسلم القدر (2660),سنن النسائي الجنائز (1951),سنن أبو داود السنة (4711),مسند أحمد بن حنبل (1/358).

*** 05-01-2009 10:25 AM

بارك الله فيكم اخت ام سلمى2

أسامي عابرة 05-01-2009 11:08 AM

(1/124)

(13)
القضاء والقدر

(1/125)

هل الإنسان مخير أم مسير؟
س59: يقول السائل: هناك بعض الناس يقول: إن كل الأعمال التي يعملها الإنسان هي من إرادة الله فنرجو أن توضحوا لنا: هل الإنسان مخير أم مسير؟
الجواب: هذه المسألة قد يلتبس أمرها على بعض الناس، والإنسان مخير ومسير، مخير لأن الله أعطاه إرادة اختيارية، وأعطاه مشيئة يتصرف بها في أمور دينه ودنياه، فليس مجبرا مقهورا، بل له اختيار ومشيئة وله إرادة، كما قال عز وجل: ** لمن شاء منكم أن يستقيم ** (1) ** وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ** (2) [التكوير: 28 ، 29] ، وقال تعالى: ** فمن شاء ذكره ** (3) ** وما يذكرون إلا أن يشاء الله ** (4) [المدثر: 55 ، 56] ، وقال سبحانه: ** من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ** (5) [الإسراء: 18] .
فالعبد له اختيار وله إرادة وله مشيئة، لكن هذه الإرادة وهذه المشيئة لا تقع إلا بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، فهو جل وعلا المصرف لعباده، والمدبر لشئونهم، فلا يستطيعون أن يشاءوا شيئا أو يريدوا شيئا إلا بعد مشيئة الله له وإرادته الكونية القدرية سبحانه وتعالى، فما يقع في العباد، وما يقع منهم كله بمشيئة من الله سابقة وقدر سابق، فالأعمال والأرزاق والآجال والحروب وانتزاع ملك، وقيام ملك، وسقوط دولة، وقيام دولة، كله بمشيئة الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى:
__________
(1) سورة التكوير الآية 28
(2) سورة التكوير الآية 29
(3) سورة المدثر الآية 55
(4) سورة المدثر الآية 56
(5) سورة الإسراء الآية 18

(1/126)

** قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ** (1) [آل عمران: 26] سبحانه وتعالى.
والمقصود أنه جل وعلا له إرادة في عباده ومشيئة لا يتخطاها العباد، ويقال لها الإرادة الكونية والمشيئة، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: ** فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ** (2) [الأنعام: 125] ، وقال تعالى: ** إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ** (3) [يس: 82] . فالعبد له اختيار وله إرادة ولكن اختياره وإرادته تابعتان لمشيئة الله وإرادته سبحانه وتعالى، فالطاعات بقدر الله، والعبد مشكور عليها ومأجور، والمعاصي بقدر الله والعبد ملوم عليها ومأزور آثم، والحجة قائمة، فالحجة لله وحده سبحانه قال تعالى: ** قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ** (4) [الأنعام: 149] ، وقال سبحانه وتعالى: ** ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ** (5) [الأنعام: 35] .
فالله سبحانه لو شاء لهداهم جميعا ولكن له الحكمة البالغة حيث جعلهم قسمين: كافرا ومسلما، وكل شيء بإرادته سبحانه وتعالى ومشيئته فينبغي للمؤمن أن يعلم هذا جيدا، وأن يكون على بينة في دينه فهو مختار، له إرادة، وله مشيئة، يستطيع يأكل، ويشرب، ويضارب، ويتكلم، ويطيع، ويعصي، ويسافر، ويقيم، ويعطي فلانا، ويحرم فلانا، إلى غير هذا، فله مشيئة في هذا وله قدرة; ليس مقهورا ولا
__________
(1) سورة آل عمران الآية 26
(2) سورة الأنعام الآية 125
(3) سورة يس الآية 82
(4) سورة الأنعام الآية 149
(5) سورة الأنعام الآية 35

(1/127)

ممنوعا. ولكن هذه الأشياء التي تقع منه لا تقع إلا بعد سبق القدر من الله بها، بعد أن تسبق إرادة الله تعالى ومشيئته لهذا العمل قال تعالى: ** لمن شاء منكم أن يستقيم ** (1) ** وما تشاءون إلا أن يشاء الله ** (2) [التكوير: 28 ، 29] ، فهو سبحانه مسير لعباده، كما قال عز وجل: ** هو الذي يسيركم في البر والبحر ** (3) [يونس: 22] ، فهو مسير لعباده وبيده نجاتهم وسعادتهم وضلالهم وهلاكهم، وهو المصرف لعباده، يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه وتعالى، يعطي من يشاء ويحرم من يشاء، يسعد من يشاء ويشقي من يشاء، لا أحد يعترض عليه سبحانه وتعالى.
فينبغي لك يا عبد الله أن تكون على بصيرة في هذا الأمر، وأن تتدبر كتاب ربك، وسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، حتى تعلم هذا واضحا في الآيات والأحاديث، فالعبد مختار له مشيئة وله إرادة وفي نفس الأمر ليس له شيء من نفسه، بل هو مملوك لله عز وجل مقدور لله سبحانه وتعالى، يدبره كيف يشاء سبحانه وتعالى فمشيئة الله نافذة، وقدره السابق ماض فيه، ولا حجة له في القدر السابق، فالله يعلم أحوال عباده ولا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، وهو المدبر لعباده والمصرف لشئونهم جل وعلا، وقد أعطاهم إرادة ومشيئة واختيارا يتصرفون به فله الحكمة البالغة والحجة الدامغة وهو الحكيم العليم.
__________
(1) سورة التكوير الآية 28
(2) سورة التكوير الآية 29
(3) سورة يونس الآية 22

(1/128)

ليس هناك تعارض بين الآيتين
س60: يقول السائل: يقول الله تعالى: ** وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ** (1) [الشورى: 30]
__________
(1) سورة الشورى الآية 30

(1/128)

ويقول تعالى: ** قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ** (1) [التوبة: 51] فما معنى الآيتين؟ وكيف نجمع بينهما علما بأن ظاهرهما التعارض؟
الجواب: ليس هناك تعارض يا أخي; فالله جل وعلا بين لنا أن ما أصابنا هو بأسباب كسبنا، وبين أن ما يقع فهو بقضائه وقدره ** قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ** (2) فقد سبق علمه وقدره وكتابته لكل شيء، ولكنه سبحانه علق ما أصابنا مما يضرنا بأنه بأسباب معاصينا وإن كانت مكتوبة مقدرة، لكن لنا كسب ولنا عمل ولنا اختيار .
فكل شيء يقع بقدر سواء من الطاعات والمعاصي، فما وقع منا من معاص فهو من كسبنا ومن عملنا ونحن مؤاخذون به إذا فعلناه، ولنا عقول ومشيئة وقدرة وعمل ولهذا قال سبحانه: ** وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ** (3) [الشورى: 30] ، والآية الأخرى: ** ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ** (4) [النساء: 79] .
فلا تنافي بين القدر وبين العمل; فالقدر سابق ولله الحجة البالغة سبحانه وتعالى، والأعمال أعمالنا كالزنا وشرب الخمر وترك الصلاة والعقوق وقطيعة الرحم، فهي من أعمالنا ونحن نستحق عليها العقوبة بسبب تفريطنا وتقصيرنا لأن لنا اختيارا ولنا عمل ينسب إلينا، وإن كان سبق في علم الله كتابته وتقديره.
فالقدر ليس حجة على فعل المعايب والمنكرات ، فالله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة فيما مضى به قدره وعلمه وكتابته، ونحن
__________
(1) سورة التوبة الآية 51
(2) سورة التوبة الآية 51
(3) سورة الشورى الآية 30
(4) سورة النساء الآية 79

(1/129)

مسئولون عن أعمالنا وعن أخطائنا وعن تقصيرنا، ومؤاخذون بذلك إلا أن يعفو ربنا عنا.
وبهذا تعلم أنه لا منافاة بين الآيتين، فإحداهما تدل على أن أعمالنا من كسبنا، وأننا نستحق عليها العقوبة إذا كانت غير صالحة، وهي أعمال لنا باختيارنا، والآية الأخرى تدل على أنه مضى في علم الله كتابتها وتقديرها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء » (1) أخرجه مسلم في صحيحه.
فهو سبحانه الحكيم العليم، العالم بكل شيء، الذي سبق علمه بكل شيء سبحانه وتعالى، وكتب كل شيء. وفي آية أخرى يقول سبحانه وتعالى: ** ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ** (2) [الحديد: 22] .
فكتاب الله سابق، وعلمه سابق سبحانه وتعالى، وقدره سابق، وأعمالنا محصاة علينا، ومنسوبة إلينا، ومكتوبة علينا، وهي من كسبنا وعملنا واختيارنا، فنجزى على الطيب الجزاء الحسن، من الطاعات وأنواع الخير والذكر، ونستحق العقاب على سيئها; من العقوق، والزنا، والسرقة، وسائر المعاصي والمخالفات. والله المستعان.
__________
(1) صحيح مسلم القدر (2653),سنن الترمذي القدر (2156),مسند أحمد بن حنبل (2/169).
(2) سورة الحديد الآية 22

(1/130)

معنى قول الله تعالى : ** واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ** (1)
س61: يسأل هذا السائل عن معنى قول الله تعالى : ** واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ** (2) [الأنفال : 24] .
الجواب : الآية على ظاهرها ، فهو سبحانه يتصرف في عباده ، فقد يوفق هذا ويشرح قلبه للإيمان ويهديه للإسلام ، وقد يجعل في قلبه من الحرج والتثاقل عن دين الله ما يحول بينه وبين الإسلام ، فهو يحول بين المرء وقلبه ، كما قال عز وجل : ** فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ** (3) [الأنعام : 125] فهو سبحانه الذي يتصرف في عباده كيف يشاء ، فهذا يشرح قلبه للإيمان والهدى ، وهذا لا يوفق لذلك .
__________
(1) سورة الأنفال الآية 24
(2) سورة الأنفال الآية 24
(3) سورة الأنعام الآية 125

(1/131)

التوبة من الحسد
س62: أريد أن أتوب إلى الله من صفة الحسد ، وأحاول التخلص منها قدر الاستطاعة ولكن الشيطان يزين لي ذلك في كثير من الأحيان عن طريق الغيرة ؛ إذ أغار من زميلاتي أو من بقية النساء ثم أحسد ، وسمعت من صديقة لي أنها تقول : اكظمي غيرتك وحسدك في قلبك ولا تتلفظي به على لسانك حتى لا يؤاخذك الله عليه ؟
الجواب : نعم ، إذا أحسست بشيء فجاهدي نفسك ، واكظمي ما عندك ، ولا تفعلي شيئا يخالف الشرع ، لا تؤذي المحسودة

(1/131)

أو المحسود ، لا بقول ولا بفعل ، واسألي الله أن يزيله من قلبك ولا يضرك ، فالإنسان إذا حسد ولم يحقق شيئا لم يضره ذلك إذا كان لم يفعل ، لا أذى للمحسود ولا إزالة لنعمة عنه ، ولا تكلما في عرضه ، وإنما شيء في نفسه كظمه ، فإنه لا يضره ، ولكن عليه الحذر ، حتى لا يقول شيئا يضر المحسود أو يفعل شيئا يضره ، وقد روي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب » (1) فالحسد خبيث ، ولكنه يبدأ بصاحبه ، يؤذي صاحبه قبل غيره ، فينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يحذرا ذلك مع سؤال الله العافية ، المؤمن يضرع إلى الله ، وهكذا المؤمنة تضرع إلى الله أن يزيل ذلك من قلبها ، حتى لا يبقى في قلبها شيء ، ومتى أحست بشيء فلتجاهد في كظمه وإبقائه في القلب من دون أذى للمحسود ، لا أذى فعلي ولا قولي ، والله المستعان .
__________
(1) سنن أبو داود الأدب (4903).

أسامي عابرة 05-01-2009 11:27 AM

(1/132)

(14)
الكفر والتكفير

(1/133)

هذا إذا كان التكفير في غير محله
س63: يقول السائل : حدث حوار بيني وبين صديق لي عن الإسلام ، حيث قال هذا الصديق : إنه لا يصلي على الإطلاق ، فقلت له : أنت كافر ؛ لأن الله تعالى يقول : ** أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ** (1) وقال لي : أنت أيضا كذلك وذكر لي قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من كفر مسلما فقد كفر » (2) وبعد ذلك تركته وذهبت حتي لا يحتدم النقاش إلى أكثر مما وصل إليه . فما حكم كلامنا هذا الذي تم بيننا ؟ وهل نأثم عليه ؟
الجواب : الصواب أن من ترك الصلاة فهو كافر ، وإن كان غير جاحد لها ، هذا هو القول المختار والراجح عند المحققين من أهل العلم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (3) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح . ولقوله أيضا صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم : « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » (4) خرجه الإمام مسلم في صحيحه . ولقوله أيضا عليه الصلاة والسلام : « رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله » (5) خرجه الإمام أحمد والإمام الترمذي رحمة الله عليهما في إسناد صحيح عن معاذ رضي الله عنه . ولأحاديث أخرى جاءت في الباب .
__________
(1) سورة البقرة الآية 85
(2) صحيح البخاري الأدب (5753),صحيح مسلم الإيمان (60),سنن الترمذي الإيمان (2637),سنن أبو داود السنة (4687),مسند أحمد بن حنبل (2/142),موطأ مالك الجامع (1844).
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621),سنن النسائي الصلاة (463),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079),مسند أحمد بن حنبل (5/346).
(4) صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/389),سنن الدارمي الصلاة (1233).
(5) سنن الترمذي الإيمان (2616),سنن ابن ماجه الفتن (3973),مسند أحمد بن حنبل (5/246).

(1/134)

فالواجب على من ترك الصلاة أن يتوب إلى الله وأن يبادر بفعلها ويندم على ما مضى من تقصيره ويعزم على ألا يعود ، وهذا هو الواجب عليه .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون عاصيا معصية كبيرة ، وجعل هذا الكفر كفرا أصغر ، واحتج بما جاء في الأحاديث الصحيحة من فضل التوحيد وأن من مات عليه فهو من أهل الجنة إلى غير هذا ، لكنها لا تدل على المطلوب ، فإن ما جاء في فضل التوحيد وأن من مات عليه دخل الجنة إنما يكون بالتزامه أمور الإسلام ، ومن ذلك أمر الصلاة ، فمن التزم بها حصل له ما وعد به المتقون ، ومن أبى حصل عليه ما توعد به غير المتقين ولو أن إنسانا قال لا إله إلا الله ووحد الله ، ثم جحد وجوب الصلاة كفر ولم ينفعه قوله لا إله إلا الله وتوحيده لله مع جحده وجوب الصلاة عند جميع أهل العلم .
فهكذا من تركها تساهلا وقلة مبالاة ولم يجحد وجوبها ؛ حكمه حكم من جحد وجوبها في الصحيح من قولي أهل العلم ، ولم تنفعه شهادته بأنه لا إله إلا الله؛ لأنه ترك حق هذه الكلمة فإن من حقها أن يؤدي الصلاة ، وهكذا لو وحد الله وأقر بأنه لا إله إلا الله ولكنه استهزأ بشيء من دين الله فإنه يكفر كما قال الله عز وجل : ** قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ** (1) ** لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ** (2) [التوبة : 65 ، 66] .
وهكذا لو قال لا إله إلا الله ووحد الله ، وجحد وجوب الزكاة أو جحد وجوب صوم رمضان أو جحد الحج مع الاستطاعة أو جحد
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66

(1/135)

تحريم الزنا أو جحد تحريم السرقة أو جحد تحريم اللواط أو ما أشبه ذلك؛ فإن من جحد هذه الأمور أو شيئا منها كفر إجماعا ولو أنه يصلي ويصوم ، ولو أنه يقول لا إله إلا الله؛ لأن هذه النواقض تفسد عليه دينه ، وتجعله بريئا من الإسلام بهذه النواقض لكونه بجحدها أو شيء منها يعتبر مكذبا لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
فينبغي للمؤمن أن ينتبه لهذا الأمر العظيم ، وهكذا من ترك الصلاة وتساهل بها يكون كافرا وإن لم يجحد وجوبها في الأصح من قولي العلماء كما تقدم دليل ذلك في الأحاديث السابقة وما جاء في معناها ، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرد كافرهم وعاصيهم إلى التوبة النصوح .
وقوله : « من كفر مسلما فقد كفر » (1) هذا إذا كان التكفير في غير محله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قال لأخيه يا عدو الله أو قال يا كافر وليس كذلك إلا حار عليه » (2)
لكن هذا الذي قال : أنت كافر بترك الصلاة ، قد وقع تكفيره في محله فلا يرجع إلى القائل ، ولا يكون القائل كافرا ، بل قائله قد نفذ أمر الله ، وأدى حق الله ، وبين ما أوجبه الله من تكفير هذا الصنف من الناس ، فهو مأجور وليس بكافر ، وإنما الكافر الذي ترك الصلاة وعاند وكابر ، نسأل الله العافية .
__________
(1) صحيح البخاري الأدب (5753),صحيح مسلم الإيمان (60),سنن الترمذي الإيمان (2637),سنن أبو داود السنة (4687),مسند أحمد بن حنبل (2/142),موطأ مالك الجامع (1844).
(2) صحيح البخاري المناقب (3317),صحيح مسلم الإيمان (61),سنن ابن ماجه الأحكام (2319),مسند أحمد بن حنبل (5/166).

(1/136)

من يسب الله ورسوله ويدعي أنه من أولياء الله
س64: يوجد رجل في بلدتنا لا يصوم ولا يصلي ، ورأيته بنفسي يلعب القمار ، ويدعي أصحابه أنه من الأولياء والمقربين ، وحدثني الثقات بأنه يسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فلما أنكرت هذا العمل الشنيع ادعى مريدوه وأصحابه بأن هذه حاله في الظاهر ، أما في باطنه فهو مؤمن ، فما حكم الشرع في مثل هذا ؟
الجواب : هذا زنديق وليس بمؤمن ، بل مثل هذا من أولياء الشيطان؛ فأولياء الله هم أهل الإيمان والتقوى ، قال الله سبحانه : ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ** (1) ** الذين آمنوا وكانوا يتقون ** (2) [يونس : 62 ، 63] ، هكذا في سورة يونس هذه صفة أولياء الله الإيمان والتقوى في الظاهر والباطن ، وقال عز وجل في سورة الأنفال : ** وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ** (3) وقال صلى الله عليه وسلم : « إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي هم المؤمنون » (4) فأولياء الله وأولياء الرسول صلى الله عليه وسلم هم المؤمنون هم أهل التقوى .
فالذي يتظاهر بعدم الصلاة وبعدم الصوم وبسب الله ورسوله هذا ليس من أولياء الله ، بل هو من أولياء الشيطان ، والواجب على ولاة الأمور إذا عرفوه أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، فتارك الصلاة كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وأما ساب الله ورسوله فهذا يقتل من غير استتابة عند جمع من أهل العلم ؛ لأن جريمته عظيمة ، وقال قوم : يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
__________
(1) سورة يونس الآية 62
(2) سورة يونس الآية 63
(3) سورة الأنفال الآية 34
(4) صحيح البخاري الأدب (5644),صحيح مسلم الإيمان (215),مسند أحمد بن حنبل (4/203).

(1/137)

والخلاصة : أن هذا الرجل وأشباهه ليسوا من أولياء الله ولكنهم من أولياء الشيطان . والذين يناصرونهم ويذبون عنهم ويقولون : إنهم في الظاهر هكذا وفي الباطن مؤمنون ؛ حكمهم حكمهم وهم من جنسهم .
وقال علماء السنة رحمة الله عليهم فيمن يدعى له الولاية قالوا : لو طار في الهواء أو مشى على الماء فلا يعتبر أنه من أولياء الله حتى ينظر في أعماله ، وحتى يوزن بميزان الشريعة ، فإن استقام أمره في ميزان الشريعة ، وعلم أنه مستقيم على طاعة الله ورسوله ، مبتعد عن محارم الله ورسوله ، فهذا هو المؤمن وهو الولي ، وإن رؤي منه ما يدل على فسقه واقترافه المحارم ، أو تضييعه الواجبات فهذا يدل على أنه من أولياء الشيطان وليس من أولياء الله ، كما نص على هذا الشافعي رحمه الله وأحمد وغيرهما من أهل العلم .
فالحاصل : أن مثل هذا من أولياء الشيطان ، والواجب على من عرف ذلك أن يرفع أمره إلى ولاة الأمور ، حتى يعامل بما يجب من استتابته أو قتله إذا لم يتب ، أو قتله مطلقا إذا كان يسب الله ورسوله ؛ فإن جمعا من أهل العلم يرون أنه يقتل من غير استتابة ، نسأل الله العافية ، كما أوضح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول وكما ذكر ذلك أهل العلم في باب حكم المرتد .

(1/138)

حكم سب الدين
س65: يقول السائل : هناك أحد الأشخاص يجهل أمر الدين ويسب الدين فما حكمه ؟ وماذا عليه أن يفعل إذا أدرك خطأه أفيدوني

(1/138)

أفادكم الله ؟
الجواب : سب الدين كفر أكبر وردة عن الإسلام والعياذ بالله ، إذا سب المسلم دينه أو سب الإسلام ، أو تنقص الإسلام وعابه أو استهزأ به فهذه ردة عن الإسلام ، قال الله تعالى : ** قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ** (1) ** لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ** (2) [التوبة : 65 ، 66] .
وقد أجمع العلماء قاطبة على أن المسلم متى سب الدين أو تنقصه أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه أو استهزأ به ؛ فإنه يكون مرتدا كافرا حلال الدم والمال ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وبعض أهل العلم يقول : لا توبة له من جهة الحكم بل يقتل ، ولكن الأرجح إن شاء الله أنه متى أبدى التوبة وأعلن التوبة ورجع إلى ربه عز وجل أن يقبل ، وإن قتله ولي الأمر ردعا لغيره فلا بأس ، أما توبته فيما بينه وبين الله فإنها صحيحة ، إذا تاب صادقا فتوبته فيما بينه وبين الله صحيحة ولو قتله ولي الأمر سدا لباب التساهل بالدين وسب الدين .
والمقصود : أن سب الدين والتنقص للدين أو للرسول صلى الله عليه وسلم أو الاستهزاء بذلك ردة وكفر أكبر بإجماع المسلمين ، وصاحب هذا يستتاب فإن تاب قبل الله توبته ، وعفا عنه ، أما كونه يقبل في الدنيا أم لا يقبل فهذا محل خلاف بين أهل العلم كما ذكرنا .
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66

(1/139)

حكم زوجة من سب الدين ثم تاب
س66: لقد سمعت من بعض العلماء المسلمين أن الرجل إذا سب الدين طلقت عليه امرأته ، ويلزم له التوبة والاستغفار وعقد قران جديد ، وكثيرا

(1/139)

ما يحدث هذا الأمر خاصة وقت الغضب الشديد . فما مدى صحة هذا الكلام ؟
الجواب : سب الدين ردة عن الإسلام ، وكذلك سب القرآن وسب الرسول ردة عن الإسلام ، وكفر بعد الإيمان ، نعوذ بالله ، لكن لا يكون طلاقا للمرأة بل يفرق بينهما من دون طلاق ، فلا يكون طلاقا بل تحرم عليه لأنها مسلمة وهو كافر ، وتحرم عليه حتى يتوب فإن تاب وهي في العدة رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء ، أي إذا تاب وأناب إلى الله رجعت إليه ، وأما إذا انتهت العدة وهو لم يتب فإنها تنكح من شاءت ، ويكون ذلك بمثابة الطلاق ، لا أنه طلاق ، لكن بمثابة الطلاق لأن الله حرم المسلمة على الكافر .
فإن تاب بعد العدة وأراد أن يتزوجها فلا بأس ، ويكون بعقد جديد أحوط خروجا من خلاف العلماء ، وإلا فإن بعض أهل العلم يرى أنها تحل له بدون عقد جديد ، إذا كانت تختاره ، ولم تتزوج بعد العدة بل بقيت على حالها ، ولكن إذا عقد عقدا جديدا فهو أولى خروجا من خلاف جمهور أهل العلم ، فإن الأكثرين يقولون : متى خرجت من العدة بانت منه وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقد جديد ، فالأولى والأحوط أن يعقد عقدا جديدا ، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة قبل أن يتوب ، فأما إذا تاب وهي في العدة فهي زوجته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الذين أسلموا بعد إسلام زوجاتهم على أنكحتهم قبل خروج زوجاتهم من العدة .

*** 05-01-2009 12:15 PM

بارك الله فيك اخت سلمى على هذه المجهودات الطيبة لاعانة اخوانك

أسامي عابرة 05-01-2009 12:31 PM

(1/140)

هل على المرتد قضاء ؟
س67: سائل يقول : هل على المرتد قضاء للصلاة والصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله ؟
الجواب : ليس عليه القضاء ، من تاب تاب الله عليه ، فإذا ترك الإنسان الصلاة أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ثم هداه الله وتاب فإنه لا قضاء عليه ، وهذا هو الصواب من أقوال أهل العلم ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تهدم ما كان قبلها .
قال الله سبحانه : ** قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ** (1) [الأنفال : 38] ، فبين الله سبحانه وتعالى أن الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : « التوبة تجب ما قبلها والإسلام يهدم ما كان قبله » (2) والحمد لله .
__________
(1) سورة الأنفال الآية 38
(2) مسند أحمد بن حنبل (4/205).

(1/141)

قوله تعالى : ** إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ** (1)
س68: لقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : ** إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ** (2) [ النساء : 145 ] ، ما المقصود بالمنافقين ، والنفاق في هذه الآية الكريمة ؟
الجواب : المراد بالمنافقين هم الذين يتظاهرون بالإسلام وهم على غير الإسلام؛ يدعون أنهم مسلمون وهم في الباطن يكفرون بالله
__________
(1) سورة النساء الآية 145
(2) سورة النساء الآية 145

(1/141)

ويكذبون رسوله عليه الصلاة والسلام ؛ هؤلاء هم المنافقون ؛ سموا منافقين لأنهم أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر . وهم المذكورون في قوله عز وجل : ** ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ** (1) ** يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ** (2) ** في قلوبهم مرض ** (3) [ البقرة : 8 - 10 ] ، يعني شك وريب : ** فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ** (4) [ البقرة : 10 ] ، فهؤلاء هم المنافقون .
وهم المذكورون في قوله جل وعلا : ** إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ** (5) [النساء : 142] ، يعني ليس عندهم إيمان : ** يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ** (6) ** مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ** (7) [النساء : 142 ، 143] .
المعنى : أنهم مترددون بين الكفار والمسلمين ؛ تارة مع الكفار إذا ظهر الكفار وانتصروا ، وتارة مع المؤمنين إذا ظهروا وانتصروا ؛ فليس عندهم ثبات ، ولا دين مستقيم ، ولا إيمان ثابت ؛ بل هم مذبذبون بين الكفر والإيمان ، وبين الكفار والمسلمين .
وهم المذكورون في قوله جل وعلا : ** وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون ** (8) ** فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ** (9) [التوبة : 54 ، 55] ، فهؤلاء هم المنافقون النفاق الأكبر نسأل الله العافية والسلامة ، وهم المتوعدون بالدرك الأسفل من النار لعظم
__________
(1) سورة البقرة الآية 8
(2) سورة البقرة الآية 9
(3) سورة البقرة الآية 10
(4) سورة البقرة الآية 10
(5) سورة النساء الآية 142
(6) سورة النساء الآية 142
(7) سورة النساء الآية 143
(8) سورة التوبة الآية 54
(9) سورة التوبة الآية 55

(1/142)

كفرهم وعظم شرهم وتلبيسهم على الناس .

(1/143)

اعتقاد النفع والضر من الأولياء
س69: يقول الأخ السائل : بعض المسلمين يعتقدون أن للأولياء تصرفات تضر وتنفع وتجلب المنافع وتدفع البلاء ، بينما هم ينتمون إلى الإسلام ، ويؤدون شعائر الإسلام كالصلاة وغيرها ، فهل تصح الصلاة خلف إمامهم ؟ وهل يجوز الاستغفار لهم بعد موتهم ؟ أفيدونا مشكورين ؟
الجواب : هذا قول من أقبح الأقوال ، وهذا من الكفر والشرك بالله عز وجل ؛ لأن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون ، ولا يجلبون منافع ولا يدفعون مضار إذا كانوا أمواتا ، إذا صح أن يسموا أولياء لأنهم معروفون بالعبادة والصلاح ، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون ، بل النافع الضار هو الله وحده ، فهو الذي يجلب النفع للعباد وهو الذي يدفع عنهم الضر ، كما قال الله جل وعلا للنبي صلى الله عليه وسلم : ** قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ** (1) [الأعراف : 188] ، فهو النافع الضار سبحانه وتعالى .
قال سبحانه وتعالى في المشركين : ** ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ** (2) [يونس : 18] ، فالله جل وعلا هو النافع الضار ، وجميع الخلق لا ينفعون ولا يضرون .
أما الأموات فظاهر ؛ لأنه قد انقطعت حركاتهم وذهبت حياتهم ، فلا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم ، ولا يضرون لأنهم فقدوا الحياة وفقدوا القدرة على التصرف ، وهكذا في الحياة لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله ،
__________
(1) سورة الأعراف الآية 188
(2) سورة يونس الآية 18

(1/143)

ومن زعم أنهم مستقلون بالنفع والضر وهم أحياء كفر أيضا ، بل النافع الضار هو الله وحده سبحانه وتعالى ، ولهذا لا تجوز عبادتهم ، ولا دعاؤهم ، ولا الاستغاثة بهم ، ولا النذر لهم ، ولا طلب المدد منهم .
ومن هذا يعلم كل ذي بصيرة أن ما يفعله الناس عند قبر البدوي ، أو عند قبر الحسين ، أو عند قبر موسى كاظم ، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو ما أشبه ذلك ، من طلب المدد والغوث أنه من الكفر بالله ، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى ، فيجب الحذر من ذلك ، والتوبة من ذلك ، والتواصي بترك ذلك . ولا يصلى خلف هؤلاء لأنهم مشركون ، وعملهم هذا شرك أكبر ، فلا يصلى خلفهم ، ولا يصلى على ميتهم ؛ لأنهم عملوا الشرك الأكبر الذي كانت عليه الجاهلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كأبي جهل وأشباهه من كفار مكة ، وعليه كفار العرب ؛ وهو دعاء الأموات والاستغاثة بهم أو بالأشجار والأحجار وهذا هو عين الشرك بالله عز وجل ، والله سبحانه يقول : ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** (1) [الأنعام : 88] .
والواجب على أهل العلم أن يبينوا لهم ، وأن يوضحوا لهم الحق ، وأن يرشدوهم إلى الصواب ، وأن يحذروهم من هذا الشرك بالله ، فيجب على العلماء في كل مكان في مصر والشام ، والعراق ، ومكة ، والمدينة ، وسائر البلاد ، أن يرشدوا الناس ، ولاسيما عند وجود الحجاج ، فيجب أن يرشدوا ، وأن يبينوا لهم هذا الأمر العظيم ، والخطر الكبير؛ لأن بعض الناس قد وقع فيه في بلاده ، فيجب أن يبين لهم توحيد الله ، ومعنى لا إله إلا الله ، وأن معناها لا معبود حق إلا الله ، فهي تنفي
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88

(1/144)

الشرك وتنفي العبادة لغير الله ، وتوجب العبادة لله وحده ، وهذا معنى قوله سبحانه : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (1) [الإسراء : 23] ، وقوله سبحانه : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (2) [البينة : 5] ، ومعنى قوله جل وعلا : ** فاعبد الله مخلصا له الدين ** (3) ** ألا لله الدين الخالص ** (4) [الزمر : 2 ، 3] ، وقوله سبحانه : ** فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ** (5) [غافر : 14] .
فالواجب توجيه العباد إلى الخير ، وإرشادهم إلى توحيد الله ، وأن الواجب على كل إنسان أن يعبد الله وحده ، ويخصه بالعبادة ؛ من دعاء ، ورجاء ، وتوكل وطلب الغوث ، وصلاة ، وصيام ، إلى غير ذلك ، كله لله وحده ، ولا يجوز أبدا فعل شيء من ذلك لغير الله سبحانه وتعالى ، سواء كان نبيا أو وليا أو غير ذلك .
فالنبي لا يملك لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا إلا بإذن الله ، ولكن يجب أن يتبع ويطاع في الحق ويحب المحبة الصادقة ، ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأشرفهم ومع ذلك لا يدعى من دون الله ، ولا يستغاث به ، ولا يسجد له ، ولا يصلى له ، ولا يطلب منه المدد ، ولكن يتبع ، ويصلى ويسلم عليه ، ويجب أن يكون أحب إلينا من أنفسنا ، وأموالنا وآبائنا وأولادنا ، وغيرهم ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين » (6) .
لكن هذه المحبة لا توجب أن نشرك به ، ولا تسوغ لنا أن ندعوه من دون الله ، أو نستغيث به ، أو نسأله المدد ، أو الشفاء . ولكن نحبه المحبة الصادقة لأنه رسول الله إلينا ، ولأنه أفضل
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الزمر الآية 2
(4) سورة الزمر الآية 3
(5) سورة غافر الآية 14
(6) صحيح البخاري الإيمان (15),صحيح مسلم الإيمان (44),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5013),سنن ابن ماجه المقدمة (67),مسند أحمد بن حنبل (3/278),سنن الدارمي الرقاق (2741).

(1/145)

الخلق ، ولأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ، نحبه في الله محبة صادقة فوق محبة الناس والمال والولد ، ولكن لا نعبده مع الله . وهكذا الأولياء نحبهم في الله ، ونترحم عليهم من العلماء والعباد ، ولكن لا ندعوهم مع الله ، ولا نستغيث بهم ، ولا نطوف بقبورهم ، ولا نطلب منهم المدد ، كل هذا شرك بالله ولا يجوز .
والطواف بالكعبة لله وحده ، فالطواف بالقبر من أجل طلب الفائدة من الميت ، وطلب المدد ، وطلب الشفاء وطلب النصر على الأعداء كل هذا من الشرك بالله عز وجل . فالواجب الحذر منه غاية الحذر .
ومن وسائل الشرك بهم البناء على قبورهم ، واتخاذ المساجد والقباب عليها ، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) متفق على صحته ، وثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه » (2) وفي صحيح مسلم أيضا عن جندب بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (3) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1563),مسند أحمد بن حنبل (3/339).
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).

(1/146)

دعاء الشيخ الميت ، والنذر له
س70: يقول في مدينة الموصل مزار يسمى مزار الشيخ فتحي أبو عبد الله ، وهذا الشيخ له أثر كبير عند أهالي الموصل وخاصة النساء ،

(1/146)

بحيث إذا مرضن أو أصبن بأذى فإنهن يذهبن لزيارة الشيخ فتحي فيحصل لهن الشفاء العاجل كما يدعين ، ولأجل شفائهن من المرض ينذرن النذور للشيخ فتحي ، ويكون ذلك بعبارات يقلنها مثل : النذر لوجه الله ، والثاني لأبي عبد الله ، أو نذر لله والشيخ فتحي ، أو لله وثوابها لأبي عبد الله .
وسؤالي : هل هذا حلال أم حرام أفيدونا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؟
الجواب : هذا القبر الذي ذكره السائل لا نعرف صاحبه ، ولكن بكل حال فلا يجوز إتيان القبور لدعائها والاستغاثة بأهلها والنذر لهم ، سواء كان هذا القبر أو غيره ، لا قبر فتحي ولا غيره ، فلا يجوز للمسلمين ذكورا كانوا أو إناثا أن يأتوا القبور لدعائها ، والاستغاثة بأهلها ، أو النذر لهم أو التمسح بقبورهم ، أو ما أشبه ذلك ؛ فهذا منكر ولا يجوز ومن الشرك الأكبر ؛ لأن دعاء الميت والاستغاثة به من الشرك الأكبر ، فعلى أهل العلم أن يوضحوا للنساء وغير النساء أن هذا لا يجوز ، وأن عليهن أن يسألن الله جل وعلا ، إذا نزل بهن بأس من مرض أو غيره أن يسألن الله ، ويضرعن إليه في سجودهن ، وفي آخر الصلاة وفي آخر الليل ، وبين الأذان والإقامة وفي غير ذلك من الأوقات يسألن الله جل وعلا الشفاء والعافية .
ومن ذلك الاستشفاء بالرقية ، فيرقي بعضهن بعضا بالرقية الشرعية : اللهم رب الناس أذهب الباس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما وبقراءة ** قل هو الله أحد ** (1) والمعوذتين ، والفاتحة وآية الكرسي ، وغير ذلك من الآيات القرآنية .
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1

(1/147)

فالمقصود أن إتيان القبور لسؤال أهلها الشفاء أو النصر أو ما أشبه ذلك ، منكر ومن الشرك الأكبر ، وهذا من عمل الجاهلية ، وإنما تزار القبور للسلام على أهلها والدعاء لهم ، والترحم عليهم ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا : « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (1) ويدعو لهم : اللهم اغفر لهم ، اللهم ارحمهم ، ونحو هذا ، فهذه هي الزيارة الشرعية .
« وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزور قبور البقيع فيقول : السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر . » (2)
هذه هي الزيارة الشرعية ، أما الزيارة لدعاء الميت ، أو الاستغاثة بالميت فهذا من الشرك الأكبر ، وهكذا الطواف بقبره يرجو شفاعته أو يرجو عائدته أو يرجو أن يشفي مرضه ، فكل هذا من الشرك الأكبر ، وهكذا التمسح بتراب القبر والاستشفاء بتراب القبر ، فهذا من عمل الجاهلية ومن الشرك الذي حرمه الله عز وجل .
فالواجب على أهل العلم أن ينبهوا العامة ، وأن يوضحوا لهم أن هذا لا يجوز ، وأن الله هو الذي يسأل سبحانه وتعالى ويرجى لشفاء المرض والنصر على الأعداء ونحو ذلك سبحانه وتعالى . وهو القائل جل وعلا : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (3) [الجن : 18] ، والقائل : ** وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ** (4) [غافر : 60] ، وقال سبحانه وتعالى : ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (5) [يونس : 106] .
__________
(1) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353).
(2) سنن الترمذي الجنائز (1053).
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة غافر الآية 60
(5) سورة يونس الآية 106

أسامي عابرة 05-01-2009 07:32 PM

(1/148)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الدعاء هو العبادة » (1) فلا يجوز أن يدعى غير الله ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ، بل الدعوة لله وحده وهو الذي يرجى ويدعى سبحانه وتعالى .
ولا يجوز أن يقال : يا رسول الله ، اشف مريضي ، انصرني ، أو يا شيخ فتحي أبو عبد الله انصرني ، أو يا شيخ عبد القادر الجيلاني انصرني أو اشف مريضي ، أو يا سيدي البدوي ، أو يا سيدي الحسين ، أو ما أشبه ذلك؛ فكل هذا منكر ، وكله من الشرك الأكبر ، فالواجب التنبه لهذا الأمر من الإخوان في العراق وغيرها .
والواجب على أهل العلم وفقهم الله أن يوضحوا للناس حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك ، وأن ينكروا على العامة ما يقعون فيه من الشرك بالله عند قبور من يسمونهم بالأولياء .
فالحاصل أن هذه أمور عظيمة يجب على أهل العلم أن يهتموا بها وأن يعتنوا بها حتى ينقذوا العامة من الشرك ، وحتى يوجهوهم إلى توحيد الله والإخلاص له ، ودعائه سبحانه ، ورفع الأيدي له جل وعلا ، فهو الذي يشفي ويكفي سبحانه وتعالى ، فهو الشافي لعباده سبحانه وهو المالك لكل شيء ، وهو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى .
وأما ما قد يقع لبعض الناس من كونه يدعو الميت ويشفى فهذا قد يقع استدراجا وابتلاء وامتحانا ، والله هو الشافي سبحانه وتعالى ، وقد يكون المرض من أسباب الشياطين ؛ يسببون المرض للإنسان حتى إذا دعا الميت كفوا عنه ما قد فعلوا به .
فالحاصل أن هذا ليس بحجة ، فكون المريض يأتي إلى الميت
__________
(1) سنن الترمذي تفسير القرآن (2969),سنن ابن ماجه الدعاء (3828).

(1/149)

ويدعوه ، ويستغيث فيشفى سريعا ، هذا قد يكون استدراجا وابتلاء وامتحانا ، حتى يمتحن صبره وإيمانه ، فلا يغتر بهذا . وقد يصادف القدر الذي قدره الله بالشفاء ، فيظن أنه من أسباب الميت ، وقد يكون شيء من أسباب الشيطان ، فقد يفعل الشيطان بالإنسان شيئا ، يعني يعمل له عملا يؤذيه ويضره ويمرض منه ، فإذا ذهب إلى الميت ودعاه وسأله كف عنه هذا الشيطان ، حتى يغريه بالشرك ، وحتى يوقعه بالشرك ، وحتى يظن هذا الجاهل أن هذا من عمل الولي ، وأنه هو الشافي ، وهذا من أقبح الغلط والمنكر . فالله هو الذي يشفي ويعافي سبحانه وتعالى .
والولي وغير الولي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، فهو مملوك لله سبحانه وتعالى ، وهو النافع الضار عز وجل ، فينبغي التنبه لهذا الأمر .

(1/150)

من يعتقد في بعض الرجال أنهم أولياء لله ،
ويدعونهم ، ويحلفون بهم
س71: يقول السائل : إن هناك من الناس من يعتقد في بعض الرجال أنهم أولياء الله الصالحين ، ولذلك يدعونهم ، ويسألونهم ، ويحلفون بهم ، ويدعون أنهم يعلمون الغيب ، ويقصدونهم من دون الله في كل صغيرة وكبيرة ، والشيء الذي يحدث أيضا أنه عندما يقابل الواحد شيخه يخلع عمامته ونعليه ويجلس ويضع ركبتيه على الأرض ، ويقبل يد هذا الرجل ظنا منه أن هذا احترام لأولياء الله الصالحين المقربين الذين

(1/150)

يعلمون ما في نفس المريد المحب لهم ويقضون حوائجه ، ثم يسرد أمورا منكرة مثل هذه ، وفوق ذلك أننا نجد أن بعض العلماء يقرونهم على هذه الأفعال . فما هو حكم هؤلاء وحكم صلاتهم وصيامهم ؟
الجواب : هذه أمور منكرة عظيمة خطيرة ، ولا يجوز مثل هذا العمل ، وأولياء الله هم أهل الإيمان ، وليس أولياء الله أناسا خاصين غير أهل الإيمان ، فأولياء الله هم المؤمنون وهم المسلمون كما قال الله عز وجل : ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ** (1) ** الذين آمنوا وكانوا يتقون ** (2) [ يونس : 62 ، 63 ] ، وقال جل وعلا : ** وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ** (3) [ الأنفال : 34 ] .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : « إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المؤمنون » (4) فأولياء الله وأولياء رسوله صلى الله عليه وسلم وأولياء المؤمنين هم المؤمنون ، وهم المتقون لله عز وجل ، من جميع الناس ؛ من العرب والعجم ، من الذكور والإناث ، من العلماء وغير العلماء ، هؤلاء هم أولياء الله .
فاعتقاد أن المؤمنين أو بعض من يسمون بأولياء الله أنهم يعلمون الغيب ، أو أنهم يدعون مع الله ، أو يستغاث بهم ، وينذر لهم ، ويذبح لهم ، ويتقرب إليهم بالذبائح ، هذا شرك أكبر ، وهذا شرك الجاهلية ، وشرك المشركين الأولين ، سواء كانوا أحياء أو أمواتا .
فإن اعتقد في هذا الشيخ أنه يعلم الغيب ، أو يشفي المرضى ، أو يتصرف في الكون ، فهذا شرك أكبر والعياذ بالله ، وهكذا لو قصد قبره إذا كان ميتا ، يدعوه مع الله ، ويستغيث به ، وينذر له ، ويطلب منه المدد ،
__________
(1) سورة يونس الآية 62
(2) سورة يونس الآية 63
(3) سورة الأنفال الآية 34
(4) صحيح البخاري الأدب (5644),صحيح مسلم الإيمان (215),مسند أحمد بن حنبل (4/203).

(1/151)

كما يفعل مع البدوي ، أو مع الحسين ، أو مع ابن عربي ، أو مع غيرهم من الناس ، فهذا شرك أكبر ، أو مع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه ويستغيث به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، كل هذا شرك أكبر ، فيجب الانتباه لهذا الأمر ، والحذر منه ، وتحذير الناس ، ومن أقر الناس على هذا ممن ينسب للعلم ، فهذا جاهل وليس بعالم . أما العلماء العارفون بالله وبدينه فإنهم لا يقرون هذا ، بل ينهون عن هذا ، ويعلمون أن هذا شرك أكبر
أما التقرب للشيخ بطرح العمامة أو خلع النعلين ، فكل هذا جهل لا أصل له ، وباطل ، وكان الصحابة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فلا يطرحون عمائمهم ، ولا يخلعون نعالهم ، وهم القدوة رضي الله عنهم .
فالواجب على أهل العلم البصيرين بالله وبدينه أن يوجهوا الناس ، وأن يرشدوهم إلى الحق ، وأن يعلموهم دين الله ، فالعبادة حق الله كما قال سبحانه : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (1) [ الإسراء : 23 ] ، وقال عز وجل : ** إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ** (2) ** ألا لله الدين الخالص ** (3) [ الزمر : 2 ، 3 ] ، وقال سجانه : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (4) [ الفاتحة : 5 ] ، وقال عز وجل : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (5) [البينة : 5] .
والصلاة عبادة ، والسجود عبادة ، والذبح عبادة ، والنذر عبادة ، والدعاء عبادة ، والاستغاثة عبادة ، فعلى المؤمن والمؤمنة الانتباه لهذا الأمر ، وأن يخصوا العبادة بالله وحده ، أما المؤمنون والعلماء فعليهم أن يحبوهم في الله ، ويطيعوهم في الخير إذا دعوهم إلى الخير ، وينصحوا
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الزمر الآية 2
(3) سورة الزمر الآية 3
(4) سورة الفاتحة الآية 5
(5) سورة البينة الآية 5

(1/152)

لهم ، ويحسنوا إليهم إذا كانوا فقراء ، أما أن يعبدوهم من دون الله فهذا منكر عظيم ، وكفر شنيع ، فيجب الحذر من ذلك ، ويجب الانتباه إلى هذا الأمر ، ويجب تحذير الناس منه ، ويجب على العلماء أينما كانوا أن يحذروا الناس من هذا الشرك ، ويبينوا لهم أن هذا خلاف شرع الله ، والواجب على العلماء أن يكونوا قدوة في الخير لا قدوة في الشر ، نسأل الله السلامة .

(1/153)

حكم دعاء الأولياء سواء أمواتا أو أحياء والذبح والنذر لهم
س72: يقول السائل : نريد إيضاح الأدلة عما يوجد في بلادنا : بلدة الجاح باليمن ، حيث يوجد أناس كثيرون يذبحون للأولياء سواء كانوا أمواتا أو أحياء ، ويدعونهم ويطلبون منهم جلب المنافع ودفع المضار ، ووصل الأمر بهم عندما نصحناهم أنهم قالوا لنا : أنتم مشركون ، فماذا يجب علينا نحوهم ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : قد أحسنتم بإنكاركم عليهم ، وبيان أن عملهم هذا منكر ، وأما إنكارهم عليكم وزعمهم أنكم مشركون فهذا من أغلاطهم وجهلهم ، كما قيل : رمتني بدائها وانسلت .
هم المشركون بعملهم هذا ، إذا كانوا يسألون الموتى ، ويتقربون إليهم بالذبائح ، وينذرون لهم ، ويدعونهم من دون الله ، ويستغيثون بهم ، وهذا هو الشرك الأكبر إذا فعلوا ذلك مع من يسمونهم بالأولياء ، سواء كانوا أحياء أو أمواتا يعتقدون فيهم أنهم ينفعونهم ويضرونهم ، وأنهم يجيبون دعوتهم ، وأنهم يشفون مريضهم ، وأن لهم فيهم سرا يدعون من أجله ويستغاث

(1/153)

بهم . وهذا شرك أكبر والعياذ بالله ، وهذا عمل المشركين مع اللات والعزى ومناة ، ومع أصنامهم وآلهتهم الأخرى .
فالواجب على ولاة الأمر في اليمن أن ينكروا هذا الأمر وأن يعلموا الناس ما يجب عليهم من شرع الله ، وأن يمنعوا هذا الشرك ، ويحولوا بين العامة وبينه ، وأن يهدموا القباب التي على القبور ويزيلوها لأنها فتنة ، ولأنها من أسباب الشرك ، ولأنها محرمة فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور ، ولعن من اتخذ المساجد عليها ، فلا يجوز أن يبنى عليها لا مسجد ولا غيره ، بل يجب أن تكون بارزة ضاحية ليس عليها بناء ، كما كانت قبور المسلمين في المدينة المنورة ، وفي كل بلد إسلامي لم يتأثر بالبدع والأهواء ودعاء الأموات والاستغاثة بالأموات ، أو بالأشجار والأحجار ، أو بالجن ، أو بالملائكة ، وعبادتهم من دون الله بطلب المدد منهم ، أو الغوث ، أو شفاء المرضى ، أو رد الغياب أو دخول الجنة أو النجاة من النار ؛ كل هذا من الشرك الأكبر .
وهكذا الذبح لغير الله ، قال الله سبحانه : ** قل إن صلاتي ونسكي ** (1) يعني ذبحي ** ومحياي ومماتي لله رب العالمين ** (2) ** لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ** (3) [ الأنعام : 162 ، 163 ] ، وقال تعالى : ** إنا أعطيناك الكوثر ** (4) ** فصل لربك وانحر ** (5) [ الكوثر : 1 ، 2 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لعن الله من ذبح لغير الله » (6) فالذبح لغير الله من الكواكب والجن والملائكة والأولياء وغيرهم شرك أكبر والعياذ بالله ؛ لأن الذبح عبادة يجب أن يكون لله وحده .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2) سورة الأنعام الآية 162
(3) سورة الأنعام الآية 163
(4) سورة الكوثر الآية 1
(5) سورة الكوثر الآية 2
(6) صحيح مسلم الأضاحي (1978),سنن النسائي الضحايا (4422),مسند أحمد بن حنبل (1/118).

أسامي عابرة 05-01-2009 07:35 PM

(1/154)

وهكذا النذر عبادة ، فإذا نذر للأولياء ذبيحة أو طعاما أو نقودا صار شركا أكبر والعياذ بالله ، وهكذا الاستعاذة بهم والاستغاثة بهم ، ودعاؤهم لتفريج الكروب ، وقضاء الحاجات ونحو ذلك ، كل هذا من الشرك الأكبر .
وهكذا طلب المدد ؛ بقولهم : المدد يا فلان ، المدد يا فلان ، فعلى العلماء أن ينكروا هذا ، ويعلموا هؤلاء الجهال ويرشدوهم ، وعلى ولاة الأمور أن ينفذوا حكم الله فيهم ، وأن يزجروهم عن هذا الأمر ، وأن يحولوا بينهم وبينه ، وأن يؤدبوا من لم يرتدع ، ، وأن يستتيبوهم من هذا الشرك الوخيم ، هذا هو الواجب على العلماء ، وعلى الحكام والأمراء ، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق .
ومن عرف هذا منهم ولم يستجب لداعي الحق يجب أن يهجر وينكر عليه هذا العمل السيئ ، حتى يتوبوا إلى الله منه ، وحتى يستقيموا على الطريق السوي . وعلى الدولة الإسلامية في اليمن وغيرها أن تستتيب هؤلاء وأمثالهم ، فإن تابوا وإلا وجب قتلهم لكونهم بهذا العمل يعتبرون مرتدين عن الإسلام . ولو قالوا إنهم لا يعتقدون فيهم النفع والضر وإنما يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله ، لأن هذا هو دين المشركين الأولين من أهل مكة وغيرهم ، كما قال الله سبحانه عنهم وأمثالهم : ** ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ** (1) فرد عليهم سبحانه بقوله : ** قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ** (2) وبقوله سبحانه في سورة الزمر : ** فاعبد الله مخلصا له الدين ** (3) ** ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ** (4) [ الزمر 2 : 3 ] .
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الزمر الآية 2
(4) سورة الزمر الآية 3

(1/155)

فسماهم سبحانه كذبة كفرة بقولهم : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فالواجب على جميع المكلفين الحذر من هذا الشرك والتواصي بتركه ، والواجب على جميع الحكومات الإسلامية وعلى علماء المسلمين إنكاره والتحذير منه ، وعلى ولاة الأمر عقوبة من لم يتب من ذلك بقتله لكونه بذلك يعتبر مرتدا عن الإسلام ، يجب قتله إذا لم يتب ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من بدل دينه فاقتلوه » (1) رواه البخاري في صحيحه ، وفي الصحيحين : « عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال في يهودي أسلم ثم ارتد وأبى أن يسلم : يقتل ، هذا قضاء الله ورسوله » (2) .
__________
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2854),سنن الترمذي الحدود (1458),سنن النسائي تحريم الدم (4060),سنن أبو داود الحدود (4351),سنن ابن ماجه الحدود (2535),مسند أحمد بن حنبل (1/282).
(2) صحيح البخاري استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6525),سنن أبو داود الحدود (4354),مسند أحمد بن حنبل (4/409).

(1/156)

النذر لأحد الأئمة
س73: تسأل سائلة وتقول : منذ مدة صادفتني مشكلة فنذرت نذرا لأحد الأئمة إن انحلت هذه المشكلة ، وقد علمت أنه لا يجوز النذر لغير الله علما بأن المكان الذي فيه الإمام بعيد عني ، فهل يجوز أن أدفع هذا النذر للفقراء أو أكفر عنه ؟ أفيدوني حفظكم الله .
الجواب : هذا النذر باطل ؛ لأنه عبادة لغير الله ، وعليك التوبة إلى الله من ذلك والرجوع إليه والإنابة والاستغفار والندم ، فالنذر عبادة ، قال الله تعالى : ** وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ** (1) [البقرة : 270] ، يعني فيجازيكم عليه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه » (2) .
__________
(1) سورة البقرة الآية 270
(2) صحيح البخاري الأيمان والنذور (6318),سنن الترمذي النذور والأيمان (1526),سنن النسائي الأيمان والنذور (3807),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3289),سنن ابن ماجه الكفارات (2126),مسند أحمد بن حنبل (6/36),موطأ مالك النذور والأيمان (1031),سنن الدارمي النذور والأيمان (2338).

(1/156)

فهذا النذر نذر باطل وشرك بالله عز وجل ، هذا النذر الذي نذرتيه لأحد الأئمة الأموات ، لعلي ، أو للحسين ، أو الشيخ عبد القادر أو غيرهم نذر باطل وشرك بالله ، وهكذا النذور لغير هؤلاء : للسيد البدوي أو للسيدة زينب أو للسيدة نفيسة ، أو غير ذلك كله باطل ، وهكذا النذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم باطل أيضا فالنذر لا يجوز إلا لله وحده لأنه عبادة ، فالصلاة والذبح والنذر والصيام والدعاء كلها لله وحده سبحانه وتعالى : كما قال سبحانه وتعالى : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (1) وقال سبحانه : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (2) [ الإسراء : 23 ] ، يعني أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، وقال سبحانه : ** فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ** (3) [غافر : 14] ، وقال عز وجل : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (4) [الجن : 18] .
فالعبادة حق الله ، والنذر عبادة ، والصوم عبادة ، والصلاة عبادة ، والدعاء عبادة ، والذبح عبادة ، فيجب إخلاصها لله وحده ، فهذا النذر باطل وليس عليك شيء لا للفقراء ولا لغيرهم ، بل عليك التوبة ، وليس عليك الوفاء بهذا النذر؛ لكونه باطلا وشركا ، وعليك بالتوبة الصادقة والعمل الصالح ، وفقك الله وهداك لما فيه رضاه ومن عليك بالتوبة النصوح .
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة غافر الآية 14
(4) سورة الجن الآية 18

(1/157)

النذر لقبر النبي يونس
س74: سائل يقول : قبل ثلاث سنوات نذرت لوجه الله تعالى نذرا ؛ فقلت : علي نذر أن أضع دينارا عراقيا كل شهر في قبر النبي يونس عليه السلام ،

(1/157)

مع العلم أن المبالغ التي توضع في القبر تؤخذ . فهل هذا النذر صحيح وجائز وأستمر على تنفيذه أم أتوقف أم أعطيه للفقراء كل شهر ؟ وما الحكم إذا توقفت عن وضعه وعدم إعطائه للفقراء ؛ وما هي كفارة ذلك ؟ أفيدوني أثابكم الله .
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه . أما بعد . . .
فقد أجمع أهل العلم على أن النذر لا يجوز لغير الله كائنا من كان ؛ لأنه عبادة وقربة إلى الله سبحانه وتعالى ، والناذر يعظم المنذور له بهذا النذر ، والنذر للأموات من الأنبياء وغير الأنبياء شرك أكبر ، فإذا نذر أن يقدم دراهم أو دنانير أو أطعمة أو زيتا أو غير ذلك للقبور أو للأصنام أو غيرها من المعبودات من دون الله ، فإنه يكون نذرا باطلا ، ويكون شركا أكبر .
فالواجب عليك في هذا أن تدع هذا العمل ؛ لأن نذرك باطل ، وعليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ، فإن تقديم النذر إلى قبر النبي يونس عليه الصلاة والسلام مقصوده القربى ، أي التقرب إليه بهذا النذر ، وطلب الزلفى لديه ، أو الشفاعة منه إلى الله في شفاء المرضى ، أو كذا أو كذا ، وهذا كله باطل ، ولا يجوز النذر إلا لله وحده سبحانه وتعالى .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه » (1) خرجه البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها ، والله يقول سبحانه : ** وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار ** (2) [ البقرة : 270 ] .
__________
(1) صحيح البخاري الأيمان والنذور (6318),سنن الترمذي النذور والأيمان (1526),سنن النسائي الأيمان والنذور (3807),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3289),سنن ابن ماجه الكفارات (2126),مسند أحمد بن حنبل (6/36),موطأ مالك النذور والأيمان (1031),سنن الدارمي النذور والأيمان (2338).
(2) سورة البقرة الآية 270

أسامي عابرة 05-01-2009 08:03 PM

(1/165)

ولا على جواز طلب الحاجات من الأموات والغائبين والجن وغيرهم .
وأما التوسل بهم ، أي بجاههم ، وبمحبتهم فهذا فيه تفصيل ؛ أما الجاه فلا يجوز التوسل به ، فلا يقال : أسألك يا الله بجاه فلان أو بحق فلان ، هذا غير مشروع بل بدعة .
أما التوسل بحبهم ، أي بحب أهل الإيمان ، فهذا طاعة لله ، فحبهم حق ، فإذا قال المؤمن أو المؤمنة : اللهم إني أسألك بحبي لأوليائك ولرسلك وإيماني بهم ، فهذا لا بأس به .
وأما دعاؤهم فلا يجوز ، فلو قالت : يا سيدي يا رسول الله أغثني ، أو يا أبا بكر أغثني ، أو يا عمر أغثني ، أو اشفني ، فصادف أنه شفي من مرضه ، فليس هذا من أجل هذا الدعاء ، بل هذا وافق القدر الذي قدره الله أن يشفى ، فقد يظن هذا المريض -أو هذه المريضة- أنه بأسباب دعائه ، وهذا ليس بسبب ذلك ، لكن صادف القدر وكان ابتلاء وامتحانا .
فالواجب الانتباه ، وأن ينتبه المؤمن والمسلم لهذا الأمر ، ولا يظن أن الولي هو الذي شفاه ، بل الله الذي يشفيه سبحانه وتعالى ، كما قال عن الخليل إبراهيم : ** وإذا مرضت فهو يشفين ** (1) [الشعراء : 80] ، فهو الذي يشفي جل وعلا ، وهو الذي يقضي الحاجات للعباد ، بأن يكتب لهم الشفاء ، ويهب لهم العلم ، إلى غير ذلك .
أما المخلوق الحي الحاضر القادر إذا طلبت منه حاجة يقدر عليها فهذا لا بأس به ، وليس من الشرك . كأن تقول لأخيك أو لصديقك : أعني على كذا بكذا وكذا ، أو أقرضني كذا وكذا ، أو ساعدني على تعمير بيتي ، أو إصلاح سيارتي ، فهذا لا بأس به؛ لأن الله سبحانه ذكر عن كليمه
__________
(1) سورة الشعراء الآية 80

(1/166)

موسى عليه الصلاة والسلام في سورة القصص ما يدل على ذلك حيث قال سبحانه : ** فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه ** (1) [ القصص : 15 ] لأن موسى حي حاضر يستطيع إغاثة من استغاث به في مثل هذا الأمر ، ولقول الله سبحانه : ** وتعاونوا على البر والتقوى ** (2) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : « والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » (3) أخرجه مسلم في صحيحه ، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم ، وهو جواز استعانة الإنسان بغيره من الأحياء القادرين الحاضرين ، أو الغائبين بالمكاتبة والمكالمة الهاتفية . أما دعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، والنذر لهم ، أو للأصنام ، أو للكواكب أو ما أشبه هذا ، فهذا هو الشرك الأكبر ، فالأولياء يحبون في الله ، لكن لا يدعون مع الله .
وهذا هو الواجب على أهل الإسلام ، أن يحبوهم في الله ، ويعرفوا لهم قدرهم ، لكن لا يدعونهم مع الله ، ولا يستغيثون بهم ، ولا ينذرون لهم ، ولا يتقربون لهم بالذبائح ، فهذا هو الشرك الأكبر ؛ سواء مع الأولياء من الرسل ، أو من المؤمنين ، أو مع غيرهم من الطواغيت ؛ فلا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم .
فالواجب التنبه لهذا الأمر ، وأن تحذري هذا الشرك ، وأن تعبدي الله وحده بدعائك ، واستغاثتك ، ونذرك ، وغير هذا . والواجب أن تجعلي ذلك كله لله سبحانه وتعالى .
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(2) سورة المائدة الآية 2
(3) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699),سنن الترمذي القراءات (2945),سنن أبو داود الأدب (4946),سنن ابن ماجه المقدمة (225),مسند أحمد بن حنبل (2/252),سنن الدارمي المقدمة (344).

(1/167)

حلم بعض النساء بالذبح للخضر وغيره
س78: كثيرا ما تحلم بعض النساء أنه جاءها رجل وقال لها : اذبحوا لله وللخضر ذبائح ، وإلا يقبل عليكم مرض ، ويقولون أيضا : إن الذي لا يذبح تنقص عائلته بالموت . أفيدونا عن هذا أفادكم الله .
الجواب : هذا الحلم وما أشبهه من الشيطان ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يكره فلينفث عن يساره ثلاث مرات وليتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات ثم ينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا » (1) فهذه الرؤيا من الشيطان .
فإذا رأت المرأة أو الرجل مثل هذا الحلم ، كأن يرى أنه يضرب ، أو يهدد بقتل ، أو في محل مخوف ، فكل هذا من الشيطان ، فعليه أن ينفث عن يساره ؛ بأن يتفل عن يساره ثلاث مرات بريق خفيف ، ويقول : أعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأيت ؛ ثلاث مرات ، ثم ينقلب على جنبه الآخر ، فإنها لا تضره ، ولا يخبر بها أحدا .
والذبح لله عبادة في أي وقت ، فإذا ذبح لله وتصدق بها فلا بأس . أما الذبح للخضر أو لغيره من الأموات والغائبين للتقرب إليهم وطلب شفاعتهم أو نحو ذلك فهذا من الشرك الأكبر وهو من عمل كفار قريش وأشباههم كما قال الله سبحانه : ** ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ** (2) الآية [يونس : 18] ، فالذبح لغير الله لا يجوز ، بل هو من الشرك كما قال الله سبحانه : ** قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ** (3) ** لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ** (4) [الأنعام : 162 ، 163]
__________
(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3118),صحيح مسلم الرؤيا (2261),سنن الترمذي الرؤيا (2277),سنن أبو داود الأدب (5021),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3909),مسند أحمد بن حنبل (5/303),موطأ مالك الجامع (1784),سنن الدارمي الرؤيا (2142).
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163

(1/168)

ونسكي : يعني ذبحي ، ويقول الله سبحانه : ** إنا أعطيناك الكوثر ** (1) ** فصل لربك وانحر ** (2) [الكوثر : 1 ، 2] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لعن الله من ذبح لغير الله » (3) خرجه مسلم في صحيحه من حديث علي رضي الله عنه .
فلا يجوز الذبح للخضر ، ولا للبدوي ، ولا للحسين ، ولا لغيرهم من الناس ، ولا للأصنام ، ولا للجن ، بل الذبح يكون لله وحده ، والتقرب بالذبح يكون لله وحده سبحانه ، كالضحايا والهدايا . أما الخضر ، أو البدوي ، أو الحسين ، أو المرسي ، أو ابن عربي ، أو الشيخ عبد القادر ، أو فلان ، فكل هؤلاء لا يجوز الذبح لهم أصلا . والتقرب إليهم بالذبائح ليشفعوا لك ، أو ليشفوا ولدك . . كل هذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله ، مثل الذبح للأصنام والجن والكواكب فكله شرك أكبر . فيجب الحذر من هذا وأشباهه ، ويجب التواصي بترك ذلك ، والتناصح ؛ فالذبح يكون لله وحده سبحانه وتعالى . وهكذا الدعاء والاستغاثة ؛ لا يستغاث بالخضر ، ولا بالبدوي ، ولا بالحسين ، ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بغيرهم ، بل الاستغاثة بالله وحده .
ولا يستغاث بالأموات ، ولا بالجن ، ولا بالملائكة ، ولا بالأصنام ، ولا بالكواكب ، إنما يدعى الله وحده ، ويستغاث به وحده سبحانه . ولا يطلب المدد من الأموات كالبدوي وغيره ، ولا من الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا من غيرهم ، بل المدد يطلب من الله عز وجل ؛ لأنه هو الذي يملك كل شيء سبحانه ، ولا بأس به من الحي القادر . تقول : يا أخي
__________
(1) سورة الكوثر الآية 1
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) صحيح مسلم الأضاحي (1978),سنن النسائي الضحايا (4422),مسند أحمد بن حنبل (1/118).

(1/169)

ساعدني على كذا وهو يسمعك ، أو بالكتابة ، أو بالبرقية ، أو بالهاتف ، فتقول له : ساعدني على كذا وهو قادر ، أقرضني كذا ، فهذا لا بأس به ، وهذه أمور عادية ، وأسباب حسية لا حرج فيها . لكن كونك تأتي الميت وتقول : يا سيدي البدوي اشف مريضي ، أو رد غائبي ، أو مدد المدد ، أو يا سيدي الحسين ، أو يا سيدي يا رسول الله ، أو يا سيدي ابن عربي ، أو يا شيخ عبد القادر ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا من الشرك الأكبر . ويجب على كل مسلم أن يتنبه لهذا الأمر ، ويجب على العلماء - وفقهم الله - أن ينصحوا الناس ، وأن يعلموهم ، يقول الله سبحانه : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (1) [الجن : 18] ، ويقول عز وجل : ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (2) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ** (3) [فاطر : 13 ، 14] ، سبحانه وتعالى ، فسمى دعاءهم شركا .
وهكذا يقول سبحانه : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (4) [المؤمنون : 117] ، فسمى دعاء غير الله كفرا وشركا ، فيجب التنبه لهذا الأمر الذي وقع فيه كثير من العامة والجهلة ، ويجب على أهل العلم وعلى طلبة العلم أن ينصحوا لله ولعباده ، ويعلموا هؤلاء الجهال حتى لا يستهينوا بدعوة القبور وأهلها ، وحتى يدعوا الله وحده ، ويستغيثوا به في حاجاتهم .
أما الحي الحاضر القادر فلا بأس ، كأن يكون أخاك أو قريبك
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة فاطر الآية 13
(3) سورة فاطر الآية 14
(4) سورة المؤمنون الآية 117

(1/170)

أو صديقك فتقول له : أقرضني كذا ، أو عاوني بكذا فلا بأس ؛ فهو حي يسمع كلامك ، أو بالهاتف ( التليفون) ، أو بالبرقية ، أو بالتلكس ، أو بالمكاتبة ، فتطلب منه شيئا وهو قادر فلا بأس ، فهذا ليس من العبادات ، بل هذه أمور عادية حسية .
وكان الصحابة يطلبون من النبي في حياته صلى الله عليه وسلم ؛ يطلبون منه أن يشفع لهم أو يعينهم على كذا ، فلا بأس بهذا في حياته صلى الله عليه وسلم ، لكن بعد الوفاة لا يسأل هو ولا غيره بعد الوفاة .
وهكذا يوم القيامة حين يبعثه الله يسأله الناس يوم القيامة ليشفع لهم ، فلا بأس لأنه حي حاضر بين أيديهم ، أما بعدما توفاه الله وقبل يوم القيامة فإنه لا يدعى ، ولا يستغاث به ، ولا يذبح له ، ولا ينذر له ، بل هذا من الشرك .
وهكذا غيره كالخضر ، أو نوح ، أو موسى ، أو عيسى ، لا يدعون مع الله ، ولا يستغاث بهم ، ولا ينذر لهم ، ولا يذبح لهم ، وهكذا البدوي ، وهكذا الحسين ، وهكذا زينب ، ونفيسة ، وغيرهم ممن يعبدهم الجهلة ، وهكذا الشيخ عبد القادر ، وهكذا أبو حنيفة ، وهكذا غيرهم كل هؤلاء وغيرهم ليس لأحد أن يدعوهم من دون الله ، وليس له أن يستغيث بهم ، كما أنه لا يجوز أن تدعى الأصنام التي يعبدها الجهلة ، أو الجن ، أو الكواكب ، أو الأشجار ، أو الأحجار ، فكل هذا لا يجوز .
فالعبادة حق الله وحده ، يقول سبحانه : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (1) [الإسراء : 23] ، ويقول سبحانه : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (2) [الفاتحة : 5] ، وقال تعالى : ** وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ** (3) [الجن : 18] ،
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الجن الآية 18

أسامي عابرة 05-01-2009 08:24 PM

(1/171)

ويقول عز وجل : ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (1) [يونس : 106] ، يعني المشركين . والآيات في هذا المعنى كثيرة .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار » (2) رواه البخاري في صحيحه . والند الشبيه والمثيل ، يعني يدعو ميتا أو صنما أو شجرا أو حجرا مع الله ، يقول : أغثني أو المدد المدد ، أو اشف مريضي ، أو رد غائبي ، أو نحو ذلك من الأدعية ، فكل هذا من الشرك الأكبر ، وكله مما نهى الله عنه ورسوله وكله من اتخاذ الأنداد المنهي عنه .
فيجب على أهل العلم وعلى طلبة العلم ، وعلى كل من عنده بصيرة أن يعلم الناس وأن يحذرهم من هذا الشرك ، في كل مصر ، وفي كل مكان ، وفي كل زمان ، وهذا واجب المسلمين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم » (3) أخرجه مسلم في صحيحه .
وهكذا يقول الرب عز وجل : ** ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ** (4) [النحل : 125] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » (5) ولما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى خيبر ليدعو اليهود إلى الدخول في الإسلام ، قال له عليه الصلاة والسلام : « فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » (6) متفق على صحته ، يقسم صلى الله عليه وسلم ويحلف وهو الصادق وإن لم يحلف ، أن هداية واحد على يد الداعية إلى الله خير من حمر
__________
(1) سورة يونس الآية 106
(2) صحيح البخاري تفسير القرآن (4227),صحيح مسلم الإيمان (92),مسند أحمد بن حنبل (1/443).
(3) صحيح مسلم الإيمان (55),سنن النسائي البيعة (4197),سنن أبو داود الأدب (4944),مسند أحمد بن حنبل (4/102).
(4) سورة النحل الآية 125
(5) صحيح مسلم الإمارة (1893),سنن الترمذي العلم (2671),سنن أبو داود الأدب (5129),مسند أحمد بن حنبل (4/120).
(6) صحيح البخاري المناقب (3498),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333).

(1/172)

النعم ، أي خير من جميع النوق الحمر ، والمعنى : خير من الدنيا وما عليها .
فدل ذلك على وجوب التناصح ، والدعوة إلى الله ، وبيان حق الله على عباده ، وتحذيرهم من الشرك ، حتى يكون الناس على بينة وعلى بصيرة نسأل الله للجميع التوفيق والهداية .

(1/173)

حكم من يصلي ويصوم ويؤدي الفرائض وهو يستعين ويحلف بغير الله
س79: ما رأيكم فيمن يكفر من يصلي ويصوم ويؤدي الفرائض ويحج ولكنه يدعو غير الله أو يستعين بغير الله أو يحلف بغير الله ؟
الجواب : الإسلام أصله توحيد الله ، وتخصيصه بالعبادة ، وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله ، وهذا أصل الدين وأساس الملة ، وهذا هو الركن الأول من أركان الإسلام مع شهادة أن محمدا رسول الله قبل الصلاة والصيام والزكاة ، كما في حديث جبرائيل عليه السلام ، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام قال له صلى الله عليه وسلم : « الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت » (1) أخرجه مسلم في صحيحه .
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت » (2) فالركن الأول شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ،
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (8),سنن الترمذي الإيمان (2610),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4990),سنن أبو داود السنة (4695),سنن ابن ماجه المقدمة (63),مسند أحمد بن حنبل (1/52).
(2) صحيح البخاري الإيمان (8),صحيح مسلم الإيمان (16),سنن الترمذي الإيمان (2609),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001),مسند أحمد بن حنبل (2/93).

(1/173)

عن علم ، وعن عمل ، وعن صدق ، وعن إخلاص ، وعن محبة ، وعن قبول للحق ، فإذا كان يعبد الله وحده وشهد أن محمدا رسول الله ويؤمن به وبما جاء به صحت صلاته وصيامه وحجه وزكاته ، وإذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم بطلت أعماله ، وصار مشركا نعوذ بالله من ذلك ، لقول الله سبحانه يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الزمر : ** ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ** (1) ** بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ** (2) [الزمر : 65 ، 66] وقال سبحانه في حق المشركين : ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** (3) [الأنعام : 88] .
فإذا كان يدعو الأموات ، ويستغيث بهم ، وينذر لهم ، ويقول المدد المدد يا سيدي فلان ، أو يا سيدي فلان ، أو يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أو من المرغني ، أو من الحسين ، أو من البدوي ، أو من الشيخ عبد القادر ، أو من غيرهم ، فإن هذا يكون شركا أكبر ؛ لأن الله سبحانه يقول : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (4) الجن : 18 ، ويقول سبحانه وتعالى : ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (5) [يونس : 106] ، يعني المشركين ، ويقول سبحانه وتعالى : ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (6) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ** (7) [فاطر : 13 ، 14] ، سمى دعاءهم إياهم شركا بالله سبحانه وتعالى ، وقال سبحانه : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (8) [المؤمنون : 117] .
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة الزمر الآية 66
(3) سورة الأنعام الآية 88
(4) سورة الجن الآية 18
(5) سورة يونس الآية 106
(6) سورة فاطر الآية 13
(7) سورة فاطر الآية 14
(8) سورة المؤمنون الآية 117

(1/174)

فسماهم كفرة بالدعاء ، والمدعو من دون الله يسمى إلها ، ويسمى ندا ، فمن يدعو مع الله صنما أو وليا أو نبيا أو قمرا أو كوكبا أو غير ذلك أو جنيا يكون قد اتخذه ندا لله وجعله إلها مع الله ، فهذا العمل شرك أكبر تبطل معه الصلاة والصوم والزكاة والحج وغير ذلك ، لما سبق من قول الله سبحانه في كتابه العظيم : ** ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ** (1) [الزمر : 65] ، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم من هذا ، لكن لتعلم الأمة أن هذا الأمر عظيم وأن من فعله صار مشركا وحبط عمله ، وقال جل وعلا : ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** (2) [الأنعام : 88] ، وقال سبحانه : ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (3) [النساء : 116] . فالشرك لا يغفر لمن مات عليه .
فالواجب الحذر من دعاء الأموات والاستغاثة بهم أو بالأصنام ، أو بالأشجار ، أو بالأحجار أو الجن وطلبه المدد منهم ، فكل ذلك شرك بالله يبطل الأعمال .
والواجب على كل من فعله البدار بالتوبة من هذا الأمر ، والحذر منه ، والعزم الصادق ألا يعود فيه من فعله ، وبهذا يصح إسلامه ، أما ما دام يعبد الأموات والقبور ويستغيث بهم وينذر لهم فقد أبطل أصل الإسلام ، وقد أبطل الشهادة ، مثل الذي يتوضأ ثم يحدث ، إذا توضأ الإنسان ثم خرج منه البول أو الريح بطل وضوءه ، فهكذا الذي يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، ثم يدعو الأموات أو يستغيث بالأموات أو الجن أو ينذر لهم أو يسب الله ورسوله أو يأتي بأي ناقض من نواقض الإسلام ؛ فإنه بذلك يبطل
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة النساء الآية 116

(1/175)

إسلامه مثلما أبطل طهارته بالريح أو بالبول ونحوهما من الأحداث الناقضة للوضوء .
وهكذا لو قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ثم قال بعد ذلك : إن مسيلمة الكذاب نبي ، أو قال : إن الأسود العنسي نبي ، أو قال : إن طليحة الأسدي نبي ، أو قال : إن فلانا وفلانا ممن ادعى النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ؛ فإنه يكون كافرا ولو قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ولو قال : أشهد أن محمدا رسول الله ؛ لأنه كذب الله في قوله في محمد صلى الله عليه وسلم : ** ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ** (1) [الأحزاب : 40] .
وهكذا لو قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ثم قال : الصلاة غير واجبة كفر . ولو قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أو ترك الصلاة عمدا على القول الصحيح كفر أيضا ، أو قال : إن الزكاة ليست بواجبة أو صوم رمضان ليس بواجب ولو صام ، أو قال : الحج ليس بواجب مع الاستطاعة كفر ، ولو حج لأنه كذب الله ورسوله .
وهكذا لو أن إنسانا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويصلي ويصوم ويتصدق ، ولكن يسب الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو يسب الله ، أو يسب الإسلام ، كفر بهذا السب ، ولم تنفعه هذه الشهادة ، وهذا الصوم ، وهذه الصلاة ؛ لأنه أتى بناقض من نواقض الإسلام . فلابد في حق المسلم وبقاء الإسلام عنده أن يبتعد عن نواقض الإسلام وعن أسباب الردة .
وهكذا لو أن إنسانا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويصلي ، ويصوم ، ويزكي ، ويحج ، ولكنه يستهين
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 40

أسامي عابرة 05-01-2009 08:26 PM

(1/176)

بالمصحف ، يطؤه برجله ، أو يجلس عليه إهانة له ، أو يلطخه بالنجاسة ؛ كفر إجماعا بعمله مع المصحف ؛ لأن هذا يدل على استخفافه بكلام الله ، وسبه لله بإهانة كلامه ؛ فيكون كافرا عند جميع العلماء ، ولو قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ولو صلى ، ولو زكى ، ولو صام ، ولو حج .
فينبغي للمسلم التنبه لهذه الأمور ، وأن الإسلام إنما يبقى مع السلامة من نواقض الإسلام ، ومع البعد عما ينقض الإسلام ، نسأل الله للجميع الهداية والعافية .

(1/177)

الإحسان إلى من مات وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم
ليس ببشر ويعلم الغيب وغير ذلك
س80: يقول السائل في رسالته : إذا مات الشخص وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر ، وأنه يعلم الغيب ، وأن التوسل بالأولياء الأموات والأحياء قربة إلى الله عز وجل فهل يدخل النار أو يعتبر مشركا ؟ وإذا كان لا يعلم غير هذا الاعتقاد ، وأنه عاش في منطقة علماؤها وأهلها كلهم يقرون بذلك . فما حكمه ؟ وما حكم التصدق عنه والإحسان إليه بعد موته ؟
الجواب : من مات على هذا الاعتقاد ، وهو أن يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببشر ، وليس من بني آدم ، أو يعتقد أنه يعلم الغيب ، فهذا اعتقاد كفري ، فيعتبر كافرا ، وهكذا إذا كان يتوسل به بمعنى يدعوه ، ويستغيث به ، وينذر له ؛ لأن التوسل فيه تفصيل ، فبعض الناس يطلق التوسل على

(1/177)

دعاء الميت وطلب المدد والاستغاثة به ، وهذا من الكفر بالله ، فإذا مات على ذلك الحال مات على حالة كفرية ، لا يتصدق عنه ، ولا يصلى عليه ، ولا يغسل في هذه الحال ، ولا يدعى له ، ثم بعد ذلك أمره إلى الله في الآخرة ، إن كان عن جهالة وعدم بصيرة وليس عنده من يعلمه فهذا حكمه حكم أهل الفترة يوم القيامة ، يمتحنون ويؤمرون ، فإن أجابوا وأطاعوا نجوا ودخلوا الجنة ، وإن عصوا دخلوا النار .
أما إن كان يعلم ، ولكنه تساهل ، ولم يبال ، فهذا حكمه حكم الكفرة ؛ لأنه مكذب لله عز وجل ، والله عز وجل بين أن محمدا صلى الله عليه وسلم بشر ، وبين أنه لا يعلم الغيب إلا الله ، وأنه مستحق للعبادة ، فالذي يعتقد أن محمدا ليس ببشر ، وأنه يعلم الغيب ، فقد كذب الله عز وجل ، ويكون كافرا ،نسأل الله العافية .
أما إذا كان جاهلا فأمره إلى الله في الآخرة ، أما في الدنيا فحكمه حكم الكفرة ؛ لا يصلى عليه ، ولا يدعى له . . . . إلى آخره .
أما التوسل بمعنى التوسل بجاه فلان ، يعني أن يقول : أسأل الله بجاه فلان ، أسألك يا الله بجاه محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بجاه الأنبياء ، أو بحق الأنبياء ؛ فهذا فيه خلاف بين العلماء ، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه وليس بشرك ، من أجازه رأى أنه وسيلة لا بأس بها ، ومن منعه يرى أنه بدعة وليس بشرك ؛ لأن الوسائل لا بد أن يأتي فيها النص ، ولا بد أن تعرف بالنصوص ، ولم يأت في النص ما يدل على أن التوسل بجاه فلان ، أو حق فلان ، أنه جائز وأنه شرعي ، بل جاءت النصوص على أن هذا ليس بجائز وليس بشرعي بل هو بدعة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى

(1/178)

يقول : ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف : 180] ؛ هذه وسيلة ، تسأل ربك بأسمائه : يا ربي ، يا رحمن ، يا رحيم ، اهدني ، أنجني من النار ، يا سميع الدعاء ، يا حي يا قيوم ، إلى غير ذلك ، تسأله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى .
وهكذا التوسل بالتوحيد والإيمان تقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، بأني أؤمن بك وبأنبيائك ورسلك ، فهذه وسيلة شرعية لا بأس بها ، أو تسأله بأعمالك الصالحة ، تقول : اللهم إني أسألك ببري والدي ، وطاعتي لك ولرسولك أن تغفر لي ، أن تهب لي كذا وكذا ، فلا بأس ، كما ثبت في الحديث الصحيح في قصة أهل الغار وهم ثلاثة ، آواهم المبيت والمطر إلى الغار ، فلما دخلوا فيه انحدرت عليهم صخرة من أعلى الجبل فسدت الغار عليهم ، ولم يستطيعوا الخروج ، ولم يستطيعوا دفعها ، فقالوا فيما بينهم : إنه لن ينجيكم من هذا إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم ، فتوجهوا إلى الله فاسألوه ببعض أعمالهم الطيبة .
فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، يعني لا أسقي الغبوق وهو اللبن في الليل قبلهما أهلا ولا مالا ، وإنه نأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا وقد ناما ، فحلبت لهما غبوقهما وجعلته على يدي ووقفت أنتظرهما حتى طلع الفجر ، واستيقظا فسقيتهما ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة بعض الشيء ولكن لا يستطيعون الخروج .
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180

(1/179)

والثاني : توسل بعفته عن الزنا ، فكان له ابنة عم يحبها كثيرا ، وأرادها عن نفسها فأبت عليه ، ثم إنها ألمت بها حاجة أي شدة فجاءت تطلب منه حاجة فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها ، فوافقت على هذا من أجل الحاجة ، فأعطاها مائة دينار وعشرين دينارا ، فلما جلس بين رجليها ، قالت له : يا عبد الله ، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فخاف من الله حينئذ ، وقام عنها وترك لها الذهب خوفا من الله عز وجل ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة أكثر لكن لا يستطيعون الخروج .
ثم قال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل واحد أجره إلا واحدا ترك أجره فنميته له ، حتى اشتريت منه إبلا وبقرا وغنما ورقيقا ، فجاء يطلب أجره ، فقلت له : كل هذا من أجرك ، يعني الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله ، اتق الله ولا تستهزئ بي ، فقلت : إني لا أستهزئ بك إنه كله مالك ، فاستاقه كله ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون .
وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الطيبة الصالحة أمر مشروع ، وأن الله عز وجل يسبب به الفرج .
أما التوسل بجاه فلان ، أو حق فلان ، أو بذات فلان ، فهذا غير مشروع ، وهذا هو الصواب .

(1/180)

من يعيش في قرية تنتشر فيها البدع والخرافات العقدية
س81: يقول السائل : إذا كنت أعيش في منطقة أهلها لا يعرفون التوحيد ، ويحبون البدع والخرافات ، ومن اعتقاداتهم التوسل بالأولياء والعكوف عند الأضرحة ، والذبح عندها ، والنساء يخرجن متبرجات ، وكثير من أهل هذه البلدة على هذه الحال . فهل يجوز لي أن أصلي خلفهم ؟ علما بأنه لا يوجد مسجد آخر غير هذا المسجد الذي هم قائمون عليه . أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : ما دام أهل هذه القرية بهذه الصفة فالواجب عليك أن تهاجر منها ، وأن تنتقل إلى قرية صالحة ، يعبد أهلها الله سبحانه وتعالى ، فالهجرة واجبة من البلاد الشركية إلى البلاد الإسلامية ، أما إن كنت تستطيع توجيههم وإرشادهم ، أو عندك من أهل العلم والبصيرة من يرشدهم حتى يتعلموا ، فاستعينوا بالله وأرشدوهم ؛ لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات شرك أكبر والعياذ بالله فالعبادة حق الله وحده ، قال سجانه : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (1) وقال تعالى : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (2) [البينة : 5] ، وقال سبحانه : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (3) [الإسراء : 23] ، والآيات كثيرة في ذلك .
فالواجب إخلاص العبادة لله وحده ، فلا يدعى إلا هو سبحانه وتعالى ، ولا يستغاث إلا به ، ولا يصلى إلا له ، ولا يسجد إلا له ، فمن يطلب من الأموات المدد ويستغيث بهم فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى ، وهكذا إذا صلى لهم ، وسجد لهم ، وذبح لهم ، ونذر لهم ، كل هذا عبادة
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الإسراء الآية 23

أسامي عابرة 05-01-2009 08:37 PM

(1/158)

فالنذر الشرعي مدح الله الموفين به ، كالنذر بأن تصلي أو تصوم أو تتصدق لله فهذا نذر شرعي ، قال سبحانه وتعالى : ** يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ** (1) [ الإنسان : 7 ] ، مدح المؤمنين بهذا الوفاء . أما النذور التي للقبور والأشجار والأحجار أو للأصنام أو للكواكب أو للجن أو للأنبياء أو للأولياء ، فكلها نذور باطلة ؛ لأنها عبادة ، والعبادة لله وحده ، قال تعالى : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (2) [الإسراء : 23] وقال سبحانه : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (3) [ البينة : 5 ] وقال عز وجل : ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (4) [الذاريات : 56] وقال سبحانه : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (5) [ الفاتحة : 5 ]
فبادر بالتوبة إلى الله ، واستغفر الله سبحانه وتعالى ، واحفظ مالك ولا تقدمه إلا في شيء يرضي الله كالصدقة على الفقراء والمساكين ، وصلة الرحم ، وتعمير المساجد ودورات المياه حولها ، ونحو ذلك مما ينفع المسلمين .
أما النذور للقبور أو للجن ، أو للأصنام أو للأشجار والأحجار ، أو للكواكب ، كلها نذور باطلة لا يجوز تنفيذها بالكلية ، وهي قربة لغير الله ، وعبادة لغير الله ، وشرك بالله سبحانه وتعالى ، رزقنا الله وإياك الهداية والبصيرة ، ومن علينا وعليك بالتوبة النصوح ، إنه جل وعلا جواد كريم .
__________
(1) سورة الإنسان الآية 7
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الذاريات الآية 56
(5) سورة الفاتحة الآية 5

(1/159)

مدى صحة مكان قبر يونس
س75: فضيلة الشيخ ، بالنسبة لصحة مكان قبر يونس عليه السلام . هل هو فعلا في العراق ؟
الجواب : أما نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام فلا يعرف قبره ، وليس لهذا صحة ، بل جميع قبور الأنبياء لا تعرف ما عدا قبر نبينا عليه الصلاة والسلام فإنه معلوم في بيته في المدينة عليه الصلاة والسلام ، وهكذا قبر الخليل إبراهيم معروف في المغارة هناك في الخليل في فلسطين ، وأما سواهما فقد بين أهل العلم أنها لا تعلم قبورهم ، ومن ادعى أن هذا قبر فلان أو قبر فلان فهو كذب لا أصل له ولا صحة له ، ودعوى أن قبر يونس موجود في نينوى أو أنه في المحل المعين لا أصل له ، فينبغي أن يعلم هذا ، ولو علم لم يجز التبرك به ولا دعاؤه ولا النذر له ولا غير ذلك من أنواع العبادة ؛ لأن العبادة حق الله وحده لا يجوز صرف شيء منها لغيره بإجماع المسلمين .

(1/160)

حول المساجد التي بها قبور ، والنذر للأموات والطرق المحدثة
س76: ما هو حكم المساجد التي بها قبور لبعض الصالحين ؟ هل تصح الصلاة فيها أم لا ؟ وهل يصح النذر لهؤلاء المشايخ ؟ أفيدونا أفادكم الله . وما هو حكم الشرع في أصحاب الطرق الموجودة حاليا في

(1/160)

أكثر الدول الإسلامية أمثال : الصوفية والبومية والبهائية والمعتزلة وغيرها من الطرق ؟ وما حكم ما يذكرونه من الصلوات النارية ، والتسبيح بأعداد كبيرة ، وقراءة القرآن بأعداد أيضا ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : أما المساجد التي تبنى على قبور فحكمها الهدم ، لا يجوز بقاؤها ولا أن يصلى فيها ؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا » (1) متفق على صحته . وقال عليه الصلاة والسلام : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) .
فبين صلى الله عليه وسلم أن الله لعن اليهود والنصارى بسبب اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد ، وبين صلى الله عليه وسلم أن الواجب على المسلمين أن يتجنبوا ذلك ، وألا يتأثروا باليهود والنصارى في هذا الأمر ، فدل ذلك على أنه لا يجوز اتخاذ المساجد على القبور ولا يصلى فيها ؛ لأن هذا يفضي إلى الشرك بها وعبادتها من دون الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ومن هذا ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبر وعن القعود عليه وعن البناء عليه » (3) فالقبور لا تجصص ولا يبنى عليها ، لا مساجد ولا غيرها ، وما ذلك إلا لأن اتخاذها مساجد والبناء عليها من أسباب الغلو فيها ، وعبادة أهلها من دون الله ، والنذر لهم ، والذبح لهم ، ونحو ذلك ، فلهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ المساجد على القبور ، وأخبر أن الله لعن اليهود والنصارى بأسباب ذلك .
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).
(3) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1563),مسند أحمد بن حنبل (3/339).

(1/161)

فالواجب على المسلمين أن يحذروا هذا ، وألا يبنوا على القبور مساجد ، وألا يبنوا عليها شيئا ، لا قبة ، ولا حجرة ، ولا مسجدا ، ولا تجصص ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك . أما إن كان المسجد قائما من قبل ذلك ثم دفن فيه ميت أو أموات ، فهذا الميت أو الأموات ينبشون وتنقل رفاتهم إلى المقبرة العامة ، كل رفات توضع في حفرة تخصه ، ويسوى ظاهرها كسائر القبور ، حتى يبقى المسجد سليما من القبور ، وهذا هو الواجب وبهذا يصلى فيه ، فإذا نبشت القبور ونقلت من المسجد ؛ فإنه يصلى فيه لأن المسجد هو القديم وهو الأصل . أما إذا كانت القبور هي الأصلية ، ثم حدث المسجد فالواجب هدمه وإزالته ، وأن تبقى القبور كسائر القبور ضاحية ، ليس عليها بناء ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأصحابه في البقيع وفي غير البقيع . ولا يخفى ما يترتب على بناء المساجد على القبور واتخاذ القباب عليها ، وفرشها وتنويرها وتطييبها من الغلو فيها ، وتعظيم أهلها ، وعبادتهم من دون الله؛ بالنذر لهم ، ودعائهم ، وطلب المدد منهم ، شرك أكبر ، فدعاء الأموات ، والاستغاثة بالأموات من الشرك الأكبر عند جميع أهل العلم المعتبرين ، وهو كدعاء الأصنام ودعاء الأشجار والأحجار والكواكب والاستغاثة بها ، كله شرك بالله عز وجل ، وتعظيمها ببناء المساجد عليها والقباب وسيلة إلى ذلك .
وأما الطرق التي أحدثها الناس كالصوفية والبهائية والقاديانية وغيرها فهي طرق منكرة محدثة يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة

(1/162)

الرسول صلى الله عليه وسلم ، فما وافق كتاب الله أو وافق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ، وما خالفهما مما أحدثه الناس فإنه يرد ويطرح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليست عليه أمرنا فهو رد » (1) رواه مسلم ، يعني مردود ، وقال عليه الصلاة والسلام : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد » (2) متفق على صحته .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الجمعة : « أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة » (3) خرجه مسلم في صحيحه .
فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ما أحدثه الناس من الطرق التي تخالف شرع الله عز وجل ، سواء كانت صوفية أو غير صوفية ، فالواجب عرض ما أحدثه الناس من الطرق على كتاب الله وعلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فما وافقهما أو أحدهما قبل وما خالفهما رد على من أحدثه .
قال الله عز وجل : ** يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ** (4) [النساء : 59] ، فأمر سبحانه برد ما تنازع فيه الناس لله ورسوله . ومعنى " إلى الله " : إلى كتابه العظيم ، ومعنى " إلى الرسول " : يعني إليه في حياته صلى الله عليه وسلم ، وإلى سنته بعد وفاته ، هكذا قال أهل العلم رحمة الله عليهم ، وهكذا قال سبحانه : ** وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ** (5) [ الشورى : 10 ] .
لكن البهائية طائفة كافرة معروف كفرها ، بما لديها من دعوة النبوة للبهاء وربما ادعوا أنه الله ، فالبهائية طائفة كافرة يجب الحذر منها ،
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256).
(2) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/146).
(3) صحيح مسلم الجمعة (867),سنن النسائي صلاة العيدين (1578),سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954),سنن ابن ماجه المقدمة (45),مسند أحمد بن حنبل (3/371),سنن الدارمي المقدمة (206).
(4) سورة النساء الآية 59
(5) سورة الشورى الآية 10

(1/163)

ويجب على الدول الإسلامية إبعادها والقضاء عليها وعدم إقرارها في البلاد ، وهكذا القاديانية طائفة كافرة ؛ لأنها تثبت النبوة لمرزا غلام أحمد القادياني ، وهذا كفر وضلال ؛ لأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وليس بعده نبي ، قال الله عز وجل : ** ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ** (1) [ الأحزاب : 40 ] .
وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتواتر عنه أنه قال : « أنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي » (2) فدعوى القاديانية أن مرزا غلام أحمد نبي ، وأنه يوحى إليه كفر مستقل وردة كبرى عند أهل العلم ، فيجب الحذر منهم ، وعدم إقرارهم حتى يستجيبوا لله والرسول ، ويتوبوا من هذه العقيدة الباطلة .
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 40
(2) صحيح البخاري المناقب (3342),صحيح مسلم الفضائل (2286),مسند أحمد بن حنبل (2/312).

(1/164)

التقرب إلى الله بالأولياء والذبح لهم
س77: تقول السائلة : سمعت أن للأولياء منزلة عند الله عز وجل ، فإذا طلب الإنسان حاجة وتقرب إلى الله بهم يستجاب له ، وتأكدت من هذا الأمر بنفسي ؛ وذلك عندما أصبت في يوم من الأيام بموقف حرج وتقربت بأحد منهم إلى الله استجاب الله لي . فهل يجوز لي أن أتقرب بهم إلى الله وأهدي لهم النذور ؟ أفيدونا أفادكم الله . وما جوابكم على ما حصل لي ؟
الجواب : هذا فيه التفصيل ؛ فأولياء الله لهم منزلة عند الله ، ولهم فضل ، ولهم مقام عظيم ، قال تعالى : ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ** (1) ** الذين آمنوا وكانوا يتقون ** (2) [ يونس : 62 ، 63 ] . هؤلاء هم أولياء الله ، وهم أهل الإيمان والتقوى ، الذين عبدوا الله
__________
(1) سورة يونس الآية 62
(2) سورة يونس الآية 63

(1/164)

واستقاموا على دينه ، وعظموا أمره ونهيه ، وانقادوا لشريعته ، وهم الرسل وأتباعهم فهؤلاء لهم مقام عند الله عظيم .
أما سؤالهم ، والاستغاثة بهم ، والنذر لهم ؛ فهو منكر ، ومن الشرك الأكبر ، ولا يجوز دعاؤهم ، ولا سؤالهم ، ولا التقرب إليهم بالنذور ، ولا بالذبائح ، بل هذا حق الله ، وهذه عبادة الله ، قال سبحانه : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ** (1) [البينة : 5] ، وقال عز وجل : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (2) [الفاتحة : 5] وقال سبحانه : ** فادعوا الله مخلصين له الدين ** (3) [غافر : 14] ، وقال : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (4) [ الجن : 18 ] .
فالواجب إخلاص العبادة لله وحده ، فلا ينذر إلا له ولا يستغاث إلا به ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يتقرب بالنذور والذبائح إلا له سبحانه وتعالى ، لا للأموات من الرسل ولا من المؤمنين ولا من غيرهم ، ولا للأصنام ، ولا للأشجار ، ولا للأحجار ولا للجن فالعبادة حق الله وحده .
أما كونك دعوت أحد الأولياء ، أو طلبت منه بعض الحاجة ، أو توسلت إلى الله ببعضهم ، فقضيت حاجتك ، فقد يكون هذا من باب الابتلاء والامتحان صادف القدر بذلك ، وهذا امتحان لك وابتلاء ، فقد تنتبهين للأمر وقد لا تنتبهين . ولا يدل على أن ما فعلت مع بعض الأولياء ليس بشرك لأن عباد القبور وعباد الأصنام قد تقضى حاجتهم ابتلاء وامتحانا ، لأن القدر قد سبق بذلك ، وقد تقضى الحاجة بواسطة الشياطين المعينين على الشرك فلا يدل ذلك على جواز عبادة غير الله
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة غافر الآية 14
(4) سورة الجن الآية 18

أسامي عابرة 05-01-2009 08:42 PM

(1/181)

لغير الله ، فيجب عليه التوبة من ذلك ، والرجوع إلى الله ، والندم ، ومن تاب تاب الله عليه ، فالعبادة حق الله يجب إخلاصها لله .
أما النساء فلا يجوز لهن التبرج بين الرجال الأجانب وإظهار الزينة ، فهذا من المنكرات ، ومن أسباب الفتن ، وظهور الفواحش ، فالواجب إنكار ذلك .
فالخلاصة أن عليك يا عبد الله أن تنصح أهل هذه القرية ، وأن تطلب لهم العلماء ولو من بلاد أخرى يأتون إليهم ، حتى يرشدوهم ، وحتى يعلموهم ، وحتى ينصحوهم ، ولا يجوز تركهم على هذه الحالة السيئة ، بل يجب أن يوجهوا إلى الخير ، وينصحوا ، وأن يطلب لهم العلماء من الأقطار الأخرى التي بقربهم من أهل التوحيد حتى ينصحوهم ، وحتى يوجهوهم . وإذا كنتم في السودان ، فإن عندكم أنصار السنة اطلبوا منهم من يأتي إليكم ، وينصحكم ، ويوجه هؤلاء إلى الخير ، وهكذا في أي البلاد اطلب الذين يعرفون التوحيد ، ويدعون إلى التوحيد حتى يحضروا إلى هذه القرية وحتى ينصحوهم ، ويرشدوهم ، ويعلموهم ، فالدين النصيحة ، والله يقول عز وجل : ** ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ** (1) [النحل : 125] . « ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر ، قال : ادعهم إلى الإسلام - يعني اليهود - وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز وجل فيه » (2) ثم قال : « فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » (3) أي خير لك من جميع النوق
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) صحيح البخاري المناقب (3498),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333).
(3) صحيح البخاري المناقب (3498),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333).

(1/182)

الحمر ، والمعنى خير لك من الدنيا وما عليها ، فدل ذلك على عظم شأن الدعوة إلى الله وإرشاد الناس ، وأنها قربة عظيمة ، فلا يجوز إهمال القرى الجاهلة التي يقع فيها الشرك والمعاصي الظاهرة ، بل يجب إرشادهم وتوجيههم إلى الخير ، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم حتى يزول الشرك ، وحتى تختفي المعاصي . رزق الله الجميع التوفيق والهداية .

(1/183)

الائتمام بمن يستعين بالتيجاني ويسأله ويحمده
س82: يقول السائل : إذا كان هناك إمام يفعل البدع أثناء الليل ؛ فإذا سأل يسأل باسم الشيخ أحمد التيجاني ، وإذا استعاذ يستعيذ به ويحمده . فهل يجوز اتباعه والاقتداء به ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : مثل هذا لا يصلى خلفه إذا كان بهذا الوصف ، فمن كان بهذه المثابة يدعو التيجاني ويستعيذ بالتيجاني ، أو بالحسين ، أو بالبدوي ، أو بغيرهم من الأنبياء ، أو الأموات ؛ فهذا شرك أكبر ، فالذي يقول : يا سيدي أحمد التيجاني أنا في حسبك أو في جوارك ، أو أنا مستجير بك ، أو يا سيدي الحسين ، أو يا سيدي البدوي ، أو يا ست زينب ، أو يا فلان ، أو يا فلان ، فهذا من الشرك الأكبر ، والله يقول سبحانه وتعالى : ** ادعوني أستجب لكم ** (1) [غافر : 60] ، ويقول عز وجل : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (2) [الجن : 18] ، ويقول سبحانه : ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (3) [يونس : 106] ، يعني المشركين .
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة يونس الآية 106

(1/183)

فالله أمر عباده أن يدعوه ، كما قال سبحانه : ** ادعوني أستجب لكم ** (1) [غافر : 60] ، وقال سبحانه : ** وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ** (2) [البقرة : 186] ، وقال عز وجل : ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (3) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ** (4) [فاطر : 13 ، 14] فسمى دعاءهم إياهم شركا .
قال جل وعلا : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (5) [المؤمنون : 117] سماهم كفرة لدعوتهم غير الله من الأموات والملائكة والجن ونحو ذلك ، فالعبادة حق الله ، هو الذي يدعى سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه : ** يا أيها الناس اعبدوا ربكم ** (6) [البقرة : 21] وكما قال سبحانه : ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (7) [الذاريات : 56] ويقول سبحانه : ** ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ** (8) [النحل : 36] وقال سبحانه : ** فاعبد الله مخلصا له الدين ** (9) ** ألا لله الدين الخالص ** (10) [الزمر : 2 ، 3] وقال سبحانه : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (11) [البينة : 5] .
ونهى عن عبادة غيره فقال : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (12) [الجن : 18] ، والدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ويشمل دعاء العبادة ؛ فلا يدعى مع الله أحد ، لا بالصلاة ، ولا بالصوم ، ولا بالضراعة إليه وسؤاله ، ولا بالنذر والذبح ، ولا بالسجود ، ولا بغير هذا ، بل هذا حق الله وحده سبحانه وتعالى .
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة البقرة الآية 186
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة المؤمنون الآية 117
(6) سورة البقرة الآية 21
(7) سورة الذاريات الآية 56
(8) سورة النحل الآية 36
(9) سورة الزمر الآية 2
(10) سورة الزمر الآية 3
(11) سورة البينة الآية 5
(12) سورة الجن الآية 18

(1/184)

فالذي يدعو التيجاني أو يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم أو يدعو أحد الصحابة كعلي رضي الله عنه ، أو الحسين ، أو الحسن رضي الله عنهم جميعا ، أو يدعو البدوي ، أو المرسي ، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو فلان ، كل هذا شرك أكبر يجب تركه ، والحذر منه ، ولا يتخذ هذا إماما ، ولا يعتمد عليه في فتوى أو في غيرها ؛ لأن الشرك أعظم الذنوب وأكبرها فالواجب تحذيره ونصيحته ودعوته إلى الله عز وجل ، لعله يتوب فيتوب الله عليه .
يقول سبحانه : ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** (1) [الأنعام : 88] ويقوله سبحانه يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام : ** ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ** (2) [الزمر : 65] ويقول سبحانه : ** إن الشرك لظلم عظيم ** (3) [لقمان : 13] ويقول عز وجل : ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (4) [النساء : 48] فبين سبحانه أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه ، أما ما دونه من المعاصي فتحت مشيئة الله جل وعلا ، من مات على المعاصي كالزنا أو الخمر ، أو نحو ذلك ، فهذا تحت مشيئة الله ولا يكفر إذا لم يستحل ذلك ، لكن هو تحت مشيئة الله إذا مات على ذلك ، إن شاء الله سبحانه غفر له بأعماله الصالحة وتوحيده وإسلامه ، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها ، ثم منتهاه إلى الجنة بعد التطهير والتمحيص إذا كان مات على التوحيد والإيمان والإسلام .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2) سورة الزمر الآية 65
(3) سورة لقمان الآية 13
(4) سورة النساء الآية 48

(1/185)

الصلاة خلف من يجوز دعاء الأموات
س83: هل تجوز الصلاة خلف من جوز دعاء الأموات ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : الذي يبيح دعاء الأموات يكون مشركا ؛ فالذي يبيح أن يدعى الميت ، وأن يطلب منه المدد يعتبر مشركا ، ولا يصلى خلفه ولا خلف من يعمل عمله ، ولا خلف من يرضى عمله أيضا ، بل هذا من الشرك الأكبر ، ومن عمل الجاهلية ، من مثل عمل أبي جهل وغيره من المشركين ؛ لأن الله يقول : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (1) [الجن : 18] ويقول سجانه : ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (2) [يونس : 106] يعني من المشركين . ويقول الله عز وجل : ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (3) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ** (4) [فاطر 13 ، 14] سمى دعاءهم إياهم شركا بالله ، وقال عز وجل : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (5) [المؤمنون : 117] وهكذا من يدعو الأصنام أو الأحجار أو الكواكب أو الأشجار أو الجن ، ويستغيث بها ، أو ينذر لها يسمى مشركا ، فلا يصلى عليه ، ولا يصلى خلفه ، ولا يتخذ صاحبا بل يبغض في الله ، ويعادى في الله سبحانه وتعالى ، ولكن ينصح ويوجه ويعلم لعل الله أن يهديه .
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة المؤمنون الآية 117

أسامي عابرة 05-01-2009 08:49 PM

(1/186)

حكم زيارة القبور ودعاء الأموات والصلاة خلف من يفعل ذلك
س84: يوجد إمام مسجد في إحدى القرى ، ممن يزورون القباب ويسألون أصحابها الأموات النفع ، وجلب المصالح ، وكذلك يلبس الحجب ، ويتبرك بالحجارة التي على الأضرحة فهل تجوز الصلاة خلفه ؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي ، فماذا نفعل مع العلم بأنه ليس هناك مسجد آخر ؟
الجواب : من شرط الإمامة ، أن يكون الإمام مسلما ، واختلف العلماء ، هل يشترط أن يكون عدلا أم تصح خلف الفاسق ؟ على قولين لأهل العلم .
والصواب : أنها تصح خلف الفاسق إذا كان مسلما ولكن لا ينبغي أن يولى مع وجود غيره ؛ بل ينبغي لولاة الأمور أن يتحروا في الإمام أن يكون مسلما عدلا ، طيب السيرة ، حسن العمل ؛ لأنه يقتدى به .
أما من كان يزور القبور ، ليدعو أهلها من دون الله ويستغيث بهم ، ويتمسح بقبورهم ، ويسألهم شفاء المرضى ، والنصر على الأعداء ، فهذا ليس بمسلم ؛ هذا مشرك ؛ لأن دعاء الأموات والاستغاثة بهم ، والنذر لهم ، من أنواع الكفر الأكبر ؟ فلا يجوز أن يتخذ إماما ، ولا يصلى خلفه .
وإذا لم يجد المسلمون مسجدا آخر ، صلوا قبله أو بعده ، صلوا في المسجد الذي يصلي فيه إذا لم يكن فيه قبر ، لكن قبله أو بعده ، فإن تيسر عزله ، وجب عزله ، وإن لم يتيسر ، فإن المسلمين ينتظرون صلاة هؤلاء ،

(1/187)

ثم يصلون بعدهم ، أو يتقدمونهم إذا دخل الوقت ويصلون قبلهم إن أمكن ذلك ، فإن لم يمكنهم ، صلوا في بيوتهم ، لقول الله سبحانه : ** فاتقوا الله ما استطعتم ** (1) [التغابن : 16]
وينبغي أن يعلم هذا الإمام ، ويرشد إلى الحق ، لأنه في حاجة إلى الدعوة إلى الله . والمسلم ينصح للمسلمين ، وينصح لغيرهم ، ويدعو إلى الله ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر لدعوة اليهود إلى الإسلام : « فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » (2) وقال صلى الله عليه وسلم : « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » (3)
والله يقول سبحانه وتعالى : ** ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ** (4) [فصلت : 33] وقال سبحانه : ** قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ** (5) [يوسف : 108] وقال سبحانه : ** ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ** (6) [النحل : 125]
فهذا الإمام يدعى إلى الله ، ويوجه إلى الخير ، ويعلم أن عمله باطل ، وأنه شرك ، بالأساليب الحسنة ، وبالرفق والحكمة ، لعله يهتدي ويقبل الحق ، فإن لم يتيسر ذلك ، فيتصل بالمسئول عن المسجد ، كالأوقاف وغيرها ، ويبين لهم أن هذا الإمام لا يصلح ، والواجب عزله ، وأن يولى المسجد رجل موحد مؤمن مسلم ، حتى لا يتفرق الناس عن المسجد ، وحتى لا يصلي بهم إنسان كافر .
هذا هو الواجب على المسلمين ، أن يتعاونوا على الخير ، وأن ينصحوا
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) صحيح البخاري المناقب (3498),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333).
(3) صحيح مسلم الإمارة (1893),سنن الترمذي العلم (2671),سنن أبو داود الأدب (5129),مسند أحمد بن حنبل (4/120).
(4) سورة فصلت الآية 33
(5) سورة يوسف الآية 108
(6) سورة النحل الآية 125

(1/188)

لولاة الأمور ، وأن ينصحوا لهذا الإمام الجاهل ، لعله يهتدي .

(1/189)

س85: هناك من الناس الطيبين من تكلم في هذا المسجد حول الشرك ، واستدل بآيات من القرآن وأحاديث من السنة ، فقال الإمام : إن هذه الآيات والأحاديث إنما هي في المشركين الأوائل . فهل آيات الشرك والكفر ، خاصة بالمشركين الأوائل ؟ أم تنطبق على كل من يعمل عملهم ؟
الجواب : ليست خاصة بهم ، بل هي لهم ولمن عمل أعمالهم ، فالقرآن نزل لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة ، فهو حجة الله على عباده إلى يوم القيامة ؛ يقول سبحانه وتعالى : ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (1) [الذاريات : 56] فهذا يعم من كان في زمانه صلى الله عليه وسلم وقبله وبعده إلى يوم القيامة .
وقوله سبحانه : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (2) [الجن : 18] يعم أهل مكة ، وأهل المدينة ، ويعم جميع الناس ، كلهم منهيون أن يدعوا مع الله أحدا ، في زمانه صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك إلى يوم القيامة . وهكذا قوله تعالى : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (3) [المؤمنون : 117] فهذا عام .
وهكذا قوله تعالى : ** قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ** (4) [سبأ : 22] هذا يعم جميع الخلائق ، كما يعم الأصنام ويعم جميع ما يعبد من دون الله .
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة المؤمنون الآية 117
(4) سورة سبأ الآية 22

(1/189)

وهكذا قوله سبحانه : ** قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ** (1) ** أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ** (2) [الإسراء 56 ، 57] وهذا يعم جميع الناس .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى : ** والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (3) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ** (4) [فاطر : 13 ، 14]
فبين سبحانه أن المدعو من دون الله ، من أصنام أو جن أو ملائكة أو أنبياء أو صالحين ، لا يسمعون دعاء من دعاهم : ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ** (5) وأنهم ما يملكون من قطمير ، وهو اللفافة التي على النواة ، فهم لا يملكون ما يطلب منهم ولا يستطيعون أن يسمعوا : ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ** (6)
هذا كلام الحق سبحانه وتعالى ، ثم قال : ** ولو سمعوا ما استجابوا لكم ** (7) فلو فرض أنهم سمعوا لم يستجيبوا لعجزهم ، ثم قال : ** ويوم القيامة يكفرون بشرككم ** (8) فسمى دعاءهم إياهم شركا بهم .
فوجب على أهل الإسلام أن يتركوا ذلك ويحذروا الناس منه ، وعلى كل مكلف أن يدع ذلك ، وألا يدعو إلا الله سبحانه وتعالى .
وهذا يعم جميع العصور ، من عصره صلى الله عليه وسلم إلى آخر الدهر .
نسأل الله للجميع الهداية .
__________
(1) سورة الإسراء الآية 56
(2) سورة الإسراء الآية 57
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة فاطر الآية 14
(6) سورة فاطر الآية 14
(7) سورة فاطر الآية 14
(8) سورة فاطر الآية 14

أسامي عابرة 05-01-2009 08:50 PM

(1/181)

لغير الله ، فيجب عليه التوبة من ذلك ، والرجوع إلى الله ، والندم ، ومن تاب تاب الله عليه ، فالعبادة حق الله يجب إخلاصها لله .
أما النساء فلا يجوز لهن التبرج بين الرجال الأجانب وإظهار الزينة ، فهذا من المنكرات ، ومن أسباب الفتن ، وظهور الفواحش ، فالواجب إنكار ذلك .
فالخلاصة أن عليك يا عبد الله أن تنصح أهل هذه القرية ، وأن تطلب لهم العلماء ولو من بلاد أخرى يأتون إليهم ، حتى يرشدوهم ، وحتى يعلموهم ، وحتى ينصحوهم ، ولا يجوز تركهم على هذه الحالة السيئة ، بل يجب أن يوجهوا إلى الخير ، وينصحوا ، وأن يطلب لهم العلماء من الأقطار الأخرى التي بقربهم من أهل التوحيد حتى ينصحوهم ، وحتى يوجهوهم . وإذا كنتم في السودان ، فإن عندكم أنصار السنة اطلبوا منهم من يأتي إليكم ، وينصحكم ، ويوجه هؤلاء إلى الخير ، وهكذا في أي البلاد اطلب الذين يعرفون التوحيد ، ويدعون إلى التوحيد حتى يحضروا إلى هذه القرية وحتى ينصحوهم ، ويرشدوهم ، ويعلموهم ، فالدين النصيحة ، والله يقول عز وجل : ** ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ** (1) [النحل : 125] . « ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر ، قال : ادعهم إلى الإسلام - يعني اليهود - وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز وجل فيه » (2) ثم قال : « فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » (3) أي خير لك من جميع النوق
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) صحيح البخاري المناقب (3498),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333).
(3) صحيح البخاري المناقب (3498),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333).

(1/182)

الحمر ، والمعنى خير لك من الدنيا وما عليها ، فدل ذلك على عظم شأن الدعوة إلى الله وإرشاد الناس ، وأنها قربة عظيمة ، فلا يجوز إهمال القرى الجاهلة التي يقع فيها الشرك والمعاصي الظاهرة ، بل يجب إرشادهم وتوجيههم إلى الخير ، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم حتى يزول الشرك ، وحتى تختفي المعاصي . رزق الله الجميع التوفيق والهداية .

(1/183)

الائتمام بمن يستعين بالتيجاني ويسأله ويحمده
س82: يقول السائل : إذا كان هناك إمام يفعل البدع أثناء الليل ؛ فإذا سأل يسأل باسم الشيخ أحمد التيجاني ، وإذا استعاذ يستعيذ به ويحمده . فهل يجوز اتباعه والاقتداء به ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : مثل هذا لا يصلى خلفه إذا كان بهذا الوصف ، فمن كان بهذه المثابة يدعو التيجاني ويستعيذ بالتيجاني ، أو بالحسين ، أو بالبدوي ، أو بغيرهم من الأنبياء ، أو الأموات ؛ فهذا شرك أكبر ، فالذي يقول : يا سيدي أحمد التيجاني أنا في حسبك أو في جوارك ، أو أنا مستجير بك ، أو يا سيدي الحسين ، أو يا سيدي البدوي ، أو يا ست زينب ، أو يا فلان ، أو يا فلان ، فهذا من الشرك الأكبر ، والله يقول سبحانه وتعالى : ** ادعوني أستجب لكم ** (1) [غافر : 60] ، ويقول عز وجل : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (2) [الجن : 18] ، ويقول سبحانه : ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (3) [يونس : 106] ، يعني المشركين .
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة الجن الآية 18
(3) سورة يونس الآية 106

(1/183)

فالله أمر عباده أن يدعوه ، كما قال سبحانه : ** ادعوني أستجب لكم ** (1) [غافر : 60] ، وقال سبحانه : ** وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ** (2) [البقرة : 186] ، وقال عز وجل : ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (3) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ** (4) [فاطر : 13 ، 14] فسمى دعاءهم إياهم شركا .
قال جل وعلا : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (5) [المؤمنون : 117] سماهم كفرة لدعوتهم غير الله من الأموات والملائكة والجن ونحو ذلك ، فالعبادة حق الله ، هو الذي يدعى سبحانه وتعالى ، كما قال سبحانه : ** يا أيها الناس اعبدوا ربكم ** (6) [البقرة : 21] وكما قال سبحانه : ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (7) [الذاريات : 56] ويقول سبحانه : ** ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ** (8) [النحل : 36] وقال سبحانه : ** فاعبد الله مخلصا له الدين ** (9) ** ألا لله الدين الخالص ** (10) [الزمر : 2 ، 3] وقال سبحانه : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (11) [البينة : 5] .
ونهى عن عبادة غيره فقال : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (12) [الجن : 18] ، والدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ، ويشمل دعاء العبادة ؛ فلا يدعى مع الله أحد ، لا بالصلاة ، ولا بالصوم ، ولا بالضراعة إليه وسؤاله ، ولا بالنذر والذبح ، ولا بالسجود ، ولا بغير هذا ، بل هذا حق الله وحده سبحانه وتعالى .
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة البقرة الآية 186
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة المؤمنون الآية 117
(6) سورة البقرة الآية 21
(7) سورة الذاريات الآية 56
(8) سورة النحل الآية 36
(9) سورة الزمر الآية 2
(10) سورة الزمر الآية 3
(11) سورة البينة الآية 5
(12) سورة الجن الآية 18

(1/184)

فالذي يدعو التيجاني أو يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم أو يدعو أحد الصحابة كعلي رضي الله عنه ، أو الحسين ، أو الحسن رضي الله عنهم جميعا ، أو يدعو البدوي ، أو المرسي ، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو فلان ، كل هذا شرك أكبر يجب تركه ، والحذر منه ، ولا يتخذ هذا إماما ، ولا يعتمد عليه في فتوى أو في غيرها ؛ لأن الشرك أعظم الذنوب وأكبرها فالواجب تحذيره ونصيحته ودعوته إلى الله عز وجل ، لعله يتوب فيتوب الله عليه .
يقول سبحانه : ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** (1) [الأنعام : 88] ويقوله سبحانه يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام : ** ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ** (2) [الزمر : 65] ويقول سبحانه : ** إن الشرك لظلم عظيم ** (3) [لقمان : 13] ويقول عز وجل : ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (4) [النساء : 48] فبين سبحانه أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه ، أما ما دونه من المعاصي فتحت مشيئة الله جل وعلا ، من مات على المعاصي كالزنا أو الخمر ، أو نحو ذلك ، فهذا تحت مشيئة الله ولا يكفر إذا لم يستحل ذلك ، لكن هو تحت مشيئة الله إذا مات على ذلك ، إن شاء الله سبحانه غفر له بأعماله الصالحة وتوحيده وإسلامه ، وإن شاء عذبه على قدر المعاصي التي مات عليها ، ثم منتهاه إلى الجنة بعد التطهير والتمحيص إذا كان مات على التوحيد والإيمان والإسلام .
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2) سورة الزمر الآية 65
(3) سورة لقمان الآية 13
(4) سورة النساء الآية 48

(1/185)

الصلاة خلف من يجوز دعاء الأموات
س83: هل تجوز الصلاة خلف من جوز دعاء الأموات ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : الذي يبيح دعاء الأموات يكون مشركا ؛ فالذي يبيح أن يدعى الميت ، وأن يطلب منه المدد يعتبر مشركا ، ولا يصلى خلفه ولا خلف من يعمل عمله ، ولا خلف من يرضى عمله أيضا ، بل هذا من الشرك الأكبر ، ومن عمل الجاهلية ، من مثل عمل أبي جهل وغيره من المشركين ؛ لأن الله يقول : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (1) [الجن : 18] ويقول سجانه : ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (2) [يونس : 106] يعني من المشركين . ويقول الله عز وجل : ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (3) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ** (4) [فاطر 13 ، 14] سمى دعاءهم إياهم شركا بالله ، وقال عز وجل : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (5) [المؤمنون : 117] وهكذا من يدعو الأصنام أو الأحجار أو الكواكب أو الأشجار أو الجن ، ويستغيث بها ، أو ينذر لها يسمى مشركا ، فلا يصلى عليه ، ولا يصلى خلفه ، ولا يتخذ صاحبا بل يبغض في الله ، ويعادى في الله سبحانه وتعالى ، ولكن ينصح ويوجه ويعلم لعل الله أن يهديه .
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة يونس الآية 106
(3) سورة فاطر الآية 13
(4) سورة فاطر الآية 14
(5) سورة المؤمنون الآية 117

أسامي عابرة 05-01-2009 09:05 PM

(1/190)

(15)
السحر

(1/191)

التحذير من قراءة كتب السحر والتنجيم
س86: أرجو من فضيلتكم أن تبينوا حرمة استعمال وقراءة كتب السحر والتنجيم ، حيث إنها موجودة بكثرة ، وبعض زملائي يريدون شراءها ويقولون : إنها إذا لم تستعمل فيما لا يضر فليس في ذلك حرمه . نرجو الإفادة وفقكم الله .
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه . . . أما بعد :
هذا الذي قاله السائل حق ، فيجب على المسلمين أن يحذروا كتب السحر والتنجيم ، ويجب على من يجدها أن يتلفها ، لأنها تضر المسلم وتوقعه في الشرك ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال : « من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد » (1) والله يقول في كتابه العظيم عن الملكين : ** وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ** (2) [البقرة : 102] فدل على أن تعلم السحر والعمل به كفر ، فيجب على أهل الإسلام أن يحاربوا الكتب التي تعلم السحر والتنجيم ، وأن يتلفوها أينما كانت .
هذا هو الواجب ، ولا يجوز لطالب العلم ولا غيره أن يقرأها أو يتعلم ما فيها ، وغير طالب العلم كذلك ليس له أن يقرأها ولا أن يتعلم مما فيها ، ولا أن يقرها ؛ لأنها تفضي إلى الكفر بالله ، فالواجب إتلافها أينما كانت ، وهكذا كل الكتب التي تعلم السحر والتنجيم يجب إتلافها .
__________
(1) سنن أبو داود الطب (3905),سنن ابن ماجه الأدب (3726),مسند أحمد بن حنبل (1/227).
(2) سورة البقرة الآية 102

(1/192)

إبطال السحر
س87: ما هو العمل لإبطال السحر بارك الله فيكم ؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وأمينه على وحيه ، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين . . أما بعد .
فعلاج السحر يكون بشيئين : أحدهما : الرقى الشرعية . والثاني : الأدوية المباحة التي جربت في علاجه ، ومن أنجع العلاج وأنفع العلاج الرقى الشرعية ، فقد ثبت أن الرقية يرفع الله بها السحر ، ويبطل بها السحر .
وهناك نوع ثالث وهو : العثور على ما فعله الساحر من عقد أو غيرها ، وإتلافها ، كذلك من أسباب زوال السحر وإبطاله .
فمن الرقى التي تستعمل أن يرقى المسحور بفاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، و ** قل يا أيها الكافرون ** (1) و ** قل هو الله أحد ** (2) و ** قل أعوذ برب الفلق ** (3) و ** قل أعوذ برب الناس ** (4) مع آيات السحر التي جاءت في سورة الأعراف ، وسورة يونس ، وسورة طه ، وهي قوله سبحانه في سورة الأعراف : ** وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ** (5) ** فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ** (6) ** فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ** (7) [الأعراف : 117 ، 119]
وفي سورة يونس يقول سبحانه : ** وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ** (8) ** فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ** (9) ** فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ** (10) ** ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ** (11) [يونس : 79 ، 81]
__________
(1) سورة الكافرون الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1
(5) سورة الأعراف الآية 117
(6) سورة الأعراف الآية 118
(7) سورة الأعراف الآية 119
(8) سورة يونس الآية 79
(9) سورة يونس الآية 80
(10) سورة يونس الآية 81
(11) سورة يونس الآية 82

(1/193)

وفي سورة طه يقول سبحانه : ** قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ** (1) ** قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ** (2) ** فأوجس في نفسه خيفة موسى ** (3) ** قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ** (4) ** وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ** (5) [طه : 65 - 69] .
هذه الآيات الكريمات العظيمات ينفث بها في الماء ، ثم بعد ذلك يصب هذا الماء الذي قرأت فيه على ماء أكثر ، ثم يغتسل به المسحور ، ويشرب منه بعض الشيء ، كثلاث حسوات يشربها منه ، ويزول السحر بإذن الله ويبطل ، ويعافى من أصيب بذلك ، وهذا مجرب مع المسحورين ، جربناه نحن وغيرنا ونفع الله به من أصابه شيء من ذلك .
وقد يوضع في الماء سبع ورقات خضر من السدر تدق وتلقى في الماء الذي يقرأ فيه ، ولا بأس بذلك ، وقد ينفع الله بذلك أيضا ، والسدر معروف وهو شجر النبق .
وهناك أدوية لمن يتعاطى هذا الشيء ، ويعالج بهذا الشيء ، أدوية مباحة قد يستفاد منها في علاج السحر وإزالته كما أشار إلى هذا العلامة ابن القيم رحمه الله في بيان النشرة المشروعة ، وقد ذكر ذلك أيضا الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في كتابه فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد ، في باب ما جاء في النشرة .
أما ما يتعلق بإتيان الكهان أو السحرة والمشعوذين فهذا لا يجوز ،
__________
(1) سورة طه الآية 65
(2) سورة طه الآية 66
(3) سورة طه الآية 67
(4) سورة طه الآية 68
(5) سورة طه الآية 69

(1/194)

وإنما الطريق الشرعي هو ما ذكرناه من القراءة على المسحور ، أو القراءة في ماء ويشربه ويغتسل منه ، وإن وضع فيه سبع ورقات من السدر الأخضر الرطبة ودقت فهذا أيضا قد ينفع بإذن الله مع القراءة ، وهذا شيء مجرب كما تقدم .
والغالب على من استعمل هذا مع إخلاصه لله وتوجهه إلى الله بطلب الشفاء أنه يعافى بإذن الله ، وعلى المسحور أن يضرع إلى الله وأن يسأله كثيرا أن يشفيه ويعافيه ، وأن يصدق في طلبه ، وأن يعلم أن ربه هو الذي يشفيه ، وهو الذي بيده الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، وليس بيد غيره سبحانه وتعالى .

(1/195)

سؤال السحرة والعرافين ، وعلاج السحر
س88: يقول السائل في رسالته : كنت غافلا فوجدت سحرا قد عملوه لي ولزوجتي ليطردوني عن داري ؛ لأنهم يقولون إن هذا البيت مسكون وفيه شياطين ، وذهبت إلى سيد من السادة أهل الدين وكشف لعائلتي ولبيتي ، وقال لي فعلوا لك سحرا قدره مائتان وخمسون دينارا فهل هذا صحيحا ووجدت فيه قطعة طويلة مكتوبة بالأزرق ، فذهبت إلى هذا السيد ، وأخذ مني عشرين دينارا وأما البيت فلم يأته أي شيء ، فهل يصيبني ذنب فيما فعلت أم لا ؟ وقد ذهبت إلى محافظة أخرى في بلادنا وسألت بعض علماء الدين حول هذا الأمر ، فقالوا لي : ضع مصحفا في بيتك وآية للرسول فلا يصيبك إثم ولا ذنب ؟
الجواب : السحرة والكهنة والعرافون لا يجوز سؤالهم ولا

(1/195)

تصديقهم فيما يقولون ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة » (1) رواه مسلم في الصحيح .
والعراف من يدعي معرفة الأمور الغيبية عن طريق التكهن والاستعانة بالجن ، وهكذا الكاهن وهو من له رئي من الجن أي صاحب من الجن يخبره ببعض المغيبات التي يسمعها من الناس في البلدان القريبة أو البعيدة ، أو يسمعها من مسترق السمع من الشياطين من جهة السماء ، فهؤلاء لا يسألون ولا يصدقون .
وهكذا السحرة وهم الذين يتعاطون أمورا يضرون بها الناس بواسطة الاستعانة بالشياطين من الجن ، فالسحر له وجود وله حقيقة وبعضه خيال ، لكن بعضه له حقيقة يقتل ويمرض ويفرق بين المرء وزوجه فلا يجوز سؤال السحرة ولا تصديقهم ولا العلاج عندهم ، ولكنك تعالج المرض عند الأطباء المعروفين ، أو بقراءة القرآن ، فيقرءون عليك القرآن وآيات السحر وينفثون عليك ، أو في الماء تشربه وتغتسل به فلا بأس .
أما المعروفون بتعاطي السحر أو الكهانة أو العرافة التي فيها دعوى علم الغيب فهؤلاء كلهم لا يجوز سؤالهم ولا تصديقهم ، وعليك أن تتوب إلى الله من سؤال هذا الساحر .
وعليك أن تعمل الأدوية المباحة والطب المباح ، ومن ذلك أن تقرأ أنت أو يقرأ لك بعض الإخوان الطيبين أصحاب العقيدة الطيبة في ماء فيقرأ لك الفاتحة وآية الكرسي ، و ** قل هو الله أحد ** (2) والمعوذتين ، وآيات السحر الموجودة في سورة الأعراف ،
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2230),مسند أحمد بن حنبل (4/68).
(2) سورة الإخلاص الآية 1

(1/196)

وسورة يونس ، وسورة طه ، يقرؤها في الماء ثم تشرب من هذا الماء وتغتسل بالباقي .
هذا بإذن الله علاج لما قد يقع من السحر ، وقد يجعل فيه سبع ورقات من السدر الأخضر تدق وتجعل في الماء . ويكون هذا أيضا من باب الطب والعلاج المباح ؛ لأنه مجرب ونافع في حق المسحور وفي حق من حبس عن زوجته .
فإن هذا العلاج الشرعي بقراءة الفاتحة وآية الكرسي ، وآيات السحر المعروفة في سورة الأعراف وسورة يونس وسورة طه ، و ** قل يا أيها الكافرون ** (1) و ** قل هو الله أحد ** (2) والمعوذتين ؟ تقرأ في الماء وفيه السدر أو ليس فيه سدر ، ثم يشرب منه الإنسان ، ويغتسل منه المصاب بالسحر ، أو المحبوس عن زوجته ، فيبرأ بإذن الله عز وجل .
وإن نفث فيه مع ذلك بقوله : « اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما » (3) وكرر هذا ثلاثا فهو مناسب ؛ لأنها هذه الدعوات طيبة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهكذا الدعاء المعروف : « باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك » (4) يقولها ثلاث مرات أيضا ، فلهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا .
فإذا نفث بهذا في الماء أو على المريض فهو أيضا طيب ، ومن أسباب الشفاء وهو علاج نبوي وعلاج شرعي ، وهذا من الدعاء الطيب الذي يرجى فيه النفع ، والله المستعان .
وذلك كله مع سؤال الله عز وجل الشفاء والعافية ، فعلى الإنسان أن
__________
(1) سورة الكافرون الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) صحيح البخاري الطب (5418),صحيح مسلم السلام (2191),سنن ابن ماجه الطب (3520),مسند أحمد بن حنبل (6/126).
(4) صحيح مسلم السلام (2186),سنن الترمذي الجنائز (972),سنن ابن ماجه الطب (3523),مسند أحمد بن حنبل (3/56).

أسامي عابرة 05-01-2009 09:29 PM

(1/197)

يسأل ربه أن يمن عليه بالشفاء ، ويضرع إلى الله في سجوده ، وفي آخر التحيات ، وبين الأذان والإقامة ، وفي آخر الليل ، وفي جميع الأوقات يدعو ربه ويسأله ويضرع إليه أن يشفيه مما أصابه ، ويزيل عنه ما به من أذى ، والله يحب السائلين جل وعلا ، وهو القائل سبحانه : ** ادعوني أستجب لكم ** (1) [غافر : 60]
وأما عن قول من قال لك : ضع مصحفا في بيتك وآية للرسول فلا يصيبك إثم ولا ذنب ، فهذا لا أصل له ، وهذا غلط ؛ فوضع المصحف لا يمنع من الأدواء ، إنما أنزل الله المصحف لقراءته والعمل به لا ليجعل حرزا للبيوت .
فهذا كله لا أصل له ، وهكذا الآية للنبي ، فهذا الكلام لا معنى له .
وما معنى آية للنبي ؟ ! هل يعني آية فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ! فالمصحف كله فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم !
والمقصود أن هذا غلط ، وشيء لا وجه له ولا أصل له ، وليست وضع المصحف في البيت حرزا للبيت ، وإنما الحرز للبيت التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ثلاث مرات صباحا ومساء كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا ينفع الله به كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك يقرأ آية الكرسي عند النوم وبعد كل صلاة ، فهذا من أسباب العافية والحفظ .
كذلك يقرأ : ** قل هو الله أحد ** (2) والمعوذتين بعد كل صلاة ، فهذا من أسباب العافية والحرز ، ويقرؤها بعد صلاة المغرب ثلاثا ، وبعد
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) سورة الإخلاص الآية 1

(1/198)

صلاة الفجر ثلاثا ، وعند النوم يقرأ ** قل هو الله أحد ** (1) والمعوذتين ثلاث مرات ، وكل هذا من أسباب حفظ الله للعبد وتسليمه إياه من شر أعدائه من الشياطين كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما المصحف وكونه يوضع في دولاب ، أو في فرجة ، أو في محل ما في البيت ، فليس هذا حرزا ولا أصل له ، وإنما الحرز والسبب العظيم هو استعماله ما شرعه الله سبحانه وتعالى من أدعية وقراءة وتعوذات كما تقدم .
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1

(1/199)

قول : لا يحل السحر إلا ساحر
س89: ما رأي سماحتكم في مقولة يتناقلها كثير ممن يرتادون أماكن السحر ، يقولون : لا يحل السحر إلا ساحر ، وبعضهم يقول : أذهب إلى الساحر ليدلني على مكان العقد حتى أحلها بعد ذلك ؟
الجواب : السحرة والكهنة لا يؤتون ولا يسألون ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيانهم وعن سؤالهم فقال عليه الصلاة والسلام : « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة » (1) وقال صلى الله عليه وسلم : « من أتى كاهنا فصدقته بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد » (2) صلى الله عليه وسلم ، والسحرة كفرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم .
وأما هذه العبارة : لا يحل السحر إلا ساحر فهذا يروى عن الحسن البصري التابعي الجليل أنه قال : لا يحل السحر إلا ساحر ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد « سئل عن النشرة فقال صلى الله عليه وسلم : هي من عمل الشيطان » (3) فدل ذلك أن حل السحر بالسحر من عمل الشيطان والحديث صحيح رواه الإمام
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2230),مسند أحمد بن حنبل (4/68).
(2) سنن الترمذي الطهارة (135),سنن أبو داود الطب (3904),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639),مسند أحمد بن حنبل (2/429),سنن الدارمي الطهارة (1136).
(3) سنن أبو داود الطب (3868),مسند أحمد بن حنبل (3/294).

(1/199)

أحمد رحمه الله وأبو داود رحمه الله بإسناد جيد ، وهو موجود في باب النشرة من كتاب التوحيد .
والمقصود أن حل السحر بالنشرة الشيطانية التي يتعاطاها السحرة ، لا يجوز وهو من عمل الشيطان ، هكذا قاله المصطفى كله ، فلا يجوز حلها بطريق السحرة ، يعني لا يجوز حل السحر بطريق السحرة ، وذلك ما يسمى النشرة ، ولكن يحل بطريق القراءة والأدوية المباحة .

أسامي عابرة 05-01-2009 09:49 PM

(1/200)

من أتت السحرة والأطباء لما صارت تكره زوجها ! !
س90: سائلة تقول : أنا سيدة متزوجة منذ سبعة عشر عاما ، ولي ستة أولاد ، وقد عشت من هذه السبعة عشر عاما خمس سنين فقط حياة سعيدة ، والباقي أصبحت أكره فيها زوجي ، ولا أحب أن يعاشرني معاشرة الأزواج ، ولا أطيق النوم معه ، فظننت أن هذا شيء من السحر ، فذهبت إلى السحرة وإلى الشيوخ فأعطوني بعض الحجب ولم أستفد منها ، وأنا لا أثق بأي منهم .
وذهبت للأطباء النفسانيين ولم أستفد أيضا ، وأنا أريد زوجي ولا أريد أحدا سواه ، ويوشك بيتي على الانهيار فماذا أفعل بارك الله فيكم ؟
الجواب : هذا مرض عارض قد يكون من آثار السحر ، وقد يكون عينا ، أي ما يسميه الناس النظلة والنفس ، وقد يكون ذلك مرضا آخر سبب هذا الشيء ، ولا يجوز إتيان السحرة ولا الكهنة ولا سؤالهم ، فذهابك إلى السحرة والكهنة أمر لا يجوز ، وقد أخطأت في ذلك فعليك التوبة إلى الله من ذلك ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة » (1) رواه مسلم في صحيحه .
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2230),مسند أحمد بن حنبل (4/68).

(1/200)

والعراف الذي يدعي معرفة الأمور ، من طريق الجن أو من طرق أخرى غيبية أو خفية ، فهذا لا يجوز سؤاله ولا تصديقه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد » (1) صلى الله عليه وسلم فلا يجوز إتيان الكهان ، ولا السحرة ، ولا سؤالهم ، ولكن في الإمكان أن تعالجي عند طبيب معروف قد يعرف مثل هذه الأمور بأدوية معروفة ؛ من إبر أو حبوب أو غير ذلك ، أو عند قارئ أو امرأة صالحة تقرأ تنفث عليك ، فلو وجدت امرأة صالحة قدمت على الرجل فتنفث عليك ، وتقرأ عليك فلعل الله يزيل بها العين أو السحر ، وهكذا الرجل الذي يعرف بذلك يقرأ عليك من غير خلوة ، فيكون عندك أمك ، أو أخوك ، أو أبوك أو نحو ذلك ، من دون خلوة ، لعل الله ينفع بذلك .
وفي الإمكان أيضا أن يقرأ لك في ماء تقرأ فيه الفاتحة ، وآية الكرسي ، وآيات السحر المعروفة في سورة الأعراف ، وسورة يونس ، وطه ، و ** قل يا أيها الكافرون ** (2) و ** قل هو الله أحد ** (3) والمعوذتان ، كل هذا يقرأ في ماء مع ما تيسر من الدعاء ، مثل : « اللهم رب الناس أذهب الباس ، واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما » (4) . « بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك » (5) ، يكرر هذا الدعاء ثلاث مرات ؛ لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فإذا فعل ذلك أو فعلت المرأة ذلك تشربين منه بعض الشيء ، وتغتسلين بالباقي ؟ فهذا مجرب بإذن الله لعلاج السحر ، وحبس الرجل
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (135),سنن أبو داود الطب (3904),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639),مسند أحمد بن حنبل (2/429),سنن الدارمي الطهارة (1136).
(2) سورة الكافرون الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) صحيح البخاري الطب (5418),صحيح مسلم السلام (2191),سنن ابن ماجه الطب (3520),مسند أحمد بن حنبل (6/126).
(5) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3264),صحيح مسلم الإيمان (155),سنن الترمذي الفتن (2233),سنن أبو داود الملاحم (4324),سنن ابن ماجه الفتن (4078),مسند أحمد بن حنبل (2/494).

(1/201)

عن زوجته ، وهو أيضا علاج للعين ، فإن العين ترقى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « لا رقية إلا من عين أو حمة » (1) .
وهذه أسباب قد ينفع الله بها ، وقد يجعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر تدق وتجعل في الماء ، ويقرأ فيها ما تقدم وقد ينفع الله بذلك أيضا ، وقد فعلنا هذا لكثير من الناس فنفعه الله بذلك ، وقد ذكر ذلك العلماء ، ومنهم العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ صاحب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ، فإنه ذكر هذا في باب ما جاء في النشرة ، فإذا كان عندك الكتاب فطالعيه ، أو اعرضي هذا على العلماء وهم إن شاء الله يقومون باللازم .
أما السحرة والكهنة والعرافون فلا تسأليهم ولا تصدقيهم ، ولكن عليك بعلماء الحق والقراء المعروفين بالخير ، حتى يعملوا لك هذه القراءة ، أو النساء الصالحات من المدرسات وغيرهن من المعروفات بالخير حتى يفعلن لك هذه القراءة ، ولعل الله يمن بالشفاء والعافية بأسباب هذا .
ومما ينبغي أن تعمليه هو الدعاء ، فتسألين الله عز وجل أن يزيل عنك ما نزل بك ، فالله سبحانه يجب أن يسأل ، وهو القائل سبحانه : ** ادعوني أستجب لكم ** (2) [غافر : 60] وهو القائل عز وجل : ** وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ** (3) [البقرة : 186] .
فعليك أن تسألي الله العافية والشفاء ، وزوجك كذلك عليه أن يسأل الله لك الشفاء والعافية ، فالمؤمن يدعو لأخيه ، وهكذا أبوك وأمك كلاهما يسأل الله لك العافية ، فالدعاء سلاح المؤمن ، والله عز وجل
__________
(1) سنن الترمذي الطب (2057),سنن أبو داود الطب (3884),مسند أحمد بن حنبل (4/446).
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة البقرة الآية 186

(1/202)

وعد بالإجابة ، فعليك بالدعاء وجدي في الدعاء ، والصدق في الدعاء ، لعل الله يمن بالشفاء سبحانه وتعالى ، وأنصحك أيضا بأن تنفثي في كفيك عند النوم وتقرئي سورة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات وتمسحي بهما رأسك ووجهك وصدرك ثلاث مرات ، فهذا العمل من أسباب الشفاء والعافية .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يفعل ذلك عند النوم ، كما صح ذلك عنه عليه الصلاة والسلام من حديث عائشة رضي الله عنها . والله أعلم .

(1/203)

دواء المسحور
س91: ويقول السائل : سمعت من أحد العلماء قوله : إن من يظن أنه قد عمل له سحر عليه أن يأخذ سبع ورقات من السدر ثم يضعها في دلو به ماء ويقرأ عليها المعوذات وآية الكرسي وسورة ** قل يا أيها الكافرون ** (1) وقوله تعالى : ** وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ** (2) [البقرة : 102] وسورة الفاتحة فما صحة هذا ؟ وماذا يفعل من يظن أنه قد سحر ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه - أما بعد :
فلا شك أن السحر أمر واقع من كثير من الناس وأنه يؤثر بإذن الله عز وجل ، كما قال سبحانه وتعالى في حق السحرة : ** وما يعلمان من أحد ** (3) يعني الملكين ** حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ** (4) [البقرة : 102]
__________
(1) سورة الكافرون الآية 1
(2) سورة البقرة الآية 102
(3) سورة البقرة الآية 102
(4) سورة البقرة الآية 102

(1/203)

فالسحر له تأثير ولكنه بإذن الله في الكوني القدري إذ لا يقع في الوجود شيء إلا بقضائه وقدره سبحانه وتعالى ، ولكن هذا السحر له علاج ، وله دواء وقد وقع على النبي صلى الله عليه وسلم وخلصه الله منه وأنجاه الله من شره ، ووجدوا ما فعله الساحر فأخذ وأتلف فأبرأ الله نبيه من ذلك عليه الصلاة والسلام .
وهكذا إذا وجد ما فعله الساحر من تعقيد خيوط أو ربط بعضها ببعض أو غير ذلك ، فإن ذلك يتلف لأن السحرة من شأنهم أن ينفثوا في العقد ، ويضربون عليها وينفثون فيها لمقاصدهم الخبيثة ، فقد يتم ما أرادوا بإذن الله ، وقد يبطل ، فربنا على كل شيء قدير سبحانه وتعالى . وقد أمر سبحانه بالاستعاذة بالله من شر النفاثات في العقد وهن السواحر اللاتي ينفثن في العقد لإتمام مقاصدهن الخبيثة .
وتارة يعالج السحر بالقرآن سواء قرأ المسحور على نفسه إذا كان عقله معه سليما ، أو قرأ غيره عليه فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه ، يقرأ عليه بالفاتحة وآية الكرسي و ** قل هو الله أحد ** (1) والمعوذتين وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف ، وسورة يونس ، وسورة طه .
فمن سورة الأعراف قوله عز وجل : ** وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ** (2) ** فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ** (3) ** فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ** (4) [الأعراف : 117 ، 119] .
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الأعراف الآية 117
(3) سورة الأعراف الآية 118
(4) سورة الأعراف الآية 119

(1/204)

ومن سورة يونس قوله سبحانه : ** وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ** (1) ** فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ** (2) ** فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ** (3) ** ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ** (4) [يونس : 79 - 81] .
ومن سورة طه قوله سبحانه وتعالى : ** قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ** (5) ** قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ** (6) ** فأوجس في نفسه خيفة موسى ** (7) ** قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ** (8) ** وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ** (9) [طه : 65 - 68]
ويقرأ أيضا سورة الكافرون : ** قل يا أيها الكافرون ** (10) إلى آخرها ، وسورة ** قل هو الله أحد ** (11) و ** قل أعوذ برب الفلق ** (12) و ** قل أعوذ برب الناس ** (13)
والأولى أن يكرر سورة ** قل هو الله أحد ** (14) والمعوذتين ثلاث مرات ، ثم يدعو له بالشفاء : « اللهم رب الناس ، أذهب الباس ، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما » (15) ، ثم يكرر ذلك ثلاث مرات ، وهكذا يرقيه يقول : « بسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، بسم الله أرقيك » (16) . ويكررها ثلاثا ويدعو له بالشفاء والعافية .
وإن قال في رقيته : « أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق » (17) ، وكررها ثلاثا فحسن كل هذا ، ومن العلاج المفيد ، أن يقرأ هذه الآيات والسور والدعاء في ماء ثم يشرب منه المسحور ويغتسل بباقيه
__________
(1) سورة يونس الآية 79
(2) سورة يونس الآية 80
(3) سورة يونس الآية 81
(4) سورة يونس الآية 82
(5) سورة طه الآية 65
(6) سورة طه الآية 66
(7) سورة طه الآية 67
(8) سورة طه الآية 68
(9) سورة طه الآية 69
(10) سورة الكافرون الآية 1
(11) سورة الإخلاص الآية 1
(12) سورة الفلق الآية 1
(13) سورة الناس الآية 1
(14) سورة الإخلاص الآية 1
(15) صحيح البخاري الطب (5418),صحيح مسلم السلام (2191),سنن ابن ماجه الطب (3520),مسند أحمد بن حنبل (6/126).
(16) صحيح مسلم السلام (2186),سنن الترمذي الجنائز (972),سنن ابن ماجه الطب (3523),مسند أحمد بن حنبل (3/58).
(17) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2708),سنن الترمذي الدعوات (3437),سنن ابن ماجه الطب (3547),مسند أحمد بن حنبل (6/409),سنن الدارمي الاستئذان (2680).

(1/205)

وهذا أيضا من أسباب الشفاء والعافية ، وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر ودقها وجعلها في الماء كان هذا أيضا من أسباب الشفاء ، وجرب هذا كثيرا ونفع الله به ، وقد فعلناه مع كثير من الناس فنفعهم الله بذلك ، فهذا دواء مفيد ونافع للمسحورين .
وهكذا ينفع هذا الدواء لمن حبس عن زوجته فإن بعض الناس يحبس عن زوجته لأسباب ، ولا يستطيع جماعها ، فإذا أتى بهذه الآيات وهذا الدعاء ، فقرأه على نفسه أو قرأه عليه غيره ، أو قرأه في ماء ثم شرب منه واغتسل بالباقي أو جعل فيه سبع ورقات سدر وقرأ فيه ما تقدم ، ثم اغتسل به .
كل هذا نافع بإذن الله للمسحور والمحبوس عن زوجته ، والشفاء بيد الله ، إنما هي أسباب والله الموفق سبحانه وتعالى ، وكل شيء بيده جل وعلا ، الدواء والداء كل بقضائه وقدره سبحانه وتعالى ، وما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ، علمه من علمه وجهله من جهله فضلا منه سبحانه وتعالى . والله الموفق .

أسامي عابرة 05-01-2009 10:02 PM

(1/206)

من الاعتقادات الباطلة في التداوي من السحر
س92: تقول السائلة : هناك بعض الاعتقادات عند بعض الناس لإفساد السحر وإبطاله ، وهي عبارة عن أخذ شيء من الرصاص المذاب على النار وسكبه في إناء فيه ماء ثم يوضع على رأس المسحور ، وتعاد العملية ثلاث مرات في اليوم ، فهل هذا له أصل ؟ وما حكم الشرع فيه ؟

(1/206)

الجواب : هذا شيء لا أصل له ، ولا فائدة فيه ، وهو تلبيس وتخييل .
إذابة الرصاص وجعله على الرأس بعد جعله في الماء ، كل هذا يفعله الكاهنات ويفعله الملبسون والمشعوذون تلبيسا ، وإلا فهم يعملون في خدمة الجن وخدمة الشياطين . فلا يجوز الحل بهذا الشيء .
وإنما يحل السحر بما شرع الله من الأدوية المباحة والقراءة الشرعية والدعاء ، هذا هو الطريق الشرعي في حل السحر ، فإذا أصيب الإنسان بالسحر أو حبس عن زوجته عولج بالقراءة ؟ يقرأ عليه رجل طيب معروف بالخير وإن كانت امرأة قرأت عليها امرأة طيبة معروفة بالخير آيات من القرآن ؟ من فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، وآيات السحر المعروفة في سورة الأعراف ، وفي سورة يونس ، وفي سورة طه ، مع قراءة : ** قل يا أيها الكافرون ** (1) ** قل هو الله أحد ** (2) والمعوذتين ويكرر هذه السور الثلاث ثلاث مرات ، ويكرر الدعاء بطلب الشفاء والعافية ، وإن فعل ذلك في ماء ثم شرب منه ما يتيسر واغتسل بالباقي ، فإنه بإذن الله يزول عنه السحر ، وهكذا يزول عنه الحبس الذي طرأ عليه إن حبس عن زوجته .
وإذا كرر هذا العلاج مرتين أو ثلاثا أو أكثر فلا بأس حتى يزول عنه الأذى .
وإذا جعل فيه سبع ورقات من سدر كان هذا أيضا طيبا ، فقد استعمل هذا وذكره المتقدمون وينفع بإذن الله ، والسدر شيء طاهر لا بأس به ، فإذا دقت السبع وجعلت في الماء مع القراءة فيه كان هذا من أسباب الشفاء ، وإذا أضاف إلى ذلك الدعاء المعروف الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم :
__________
(1) سورة الكافرون الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1

(1/207)

« اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما » (1) ثم دعا بهذا الدعاء ثلاث مرات كان حسنا ينفث به في الماء ، وهكذا : « باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك ، باسم الله أرقيك » (2) . ثلاث مرات . باسم الله أرقيك : يعني المريض ، وباسم الله أرقيك : أي يخاطبه إذا كرر هذا الدعاء هذا أيضا من الدعوات المناسبة لهذا العلاج .
وآيات السحر المعروفة في سورة الأعراف وهي قوله سبحانه وتعالى : ** وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ** (3) ** فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ** (4) ** فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ** (5) [الأعراف : 117 - 119] .
وفي يونس يقول عز وجل : ** وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ** (6) ** فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ** (7) ** فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ** (8) ** ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون ** (9) [يونس : 79 - 82] .
وفي سورة طه يقول سبحانه وتعالى : ** قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ** (10) ** قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ** (11) ** فأوجس في نفسه خيفة موسى ** (12) ** قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ** (13) ** وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ** (14) [طه : 65 - 68] .
__________
(1) صحيح البخاري الطب (5418),صحيح مسلم السلام (2191),سنن ابن ماجه الطب (3520),مسند أحمد بن حنبل (6/126).
(2) صحيح مسلم السلام (2186),سنن الترمذي الجنائز (972),سنن ابن ماجه الطب (3523),مسند أحمد بن حنبل (3/56).
(3) سورة الأعراف الآية 117
(4) سورة الأعراف الآية 118
(5) سورة الأعراف الآية 119
(6) سورة يونس الآية 79
(7) سورة يونس الآية 80
(8) سورة يونس الآية 81
(9) سورة يونس الآية 82
(10) سورة طه الآية 65
(11) سورة طه الآية 66
(12) سورة طه الآية 67
(13) سورة طه الآية 68
(14) سورة طه الآية 69

(1/208)

ثم يقرأ ** قل يا أيها الكافرون ** (1) ثم يقرأ ** قل هو الله أحد ** (2) و ** قل أعوذ برب الفلق ** (3) و ** قل أعوذ برب الناس ** (4) ثلاث مرات .
هذا هو العلاج الشرعي الذي وصفه أهل العلم ، وجربه أهل العلم ، وجربناه أيضا فنفع الله به ، فهو دواء طيب بآيات الله ، وإذا فعل فيه ما تقدم من ورقات السدر السبع ودقت ؛ هذا كله طيب أيضا ، وإذا وجد دواء آخر لا محذور فيه ؟ بالأوراق أو بالحبوب أو بالإبر فلا بأس به إذا كان سليما مما حرم الله . من نجاسة أو غيرها .
أما التداوي بما يتعاطاه خدام الجن والمشعوذون من الرصاص وغيره ، أو بالذبح للجن ، أو بالاستجارة بالجن فهذا كله لا يجوز ، بل هو منكر وبعضه شرك . كالاستجارة بالجن ، ودعائهم ، والاستغاثة بهم ، والذبح لهم كل هذا من الشرك الأكبر فيجب الحذر ، ويجب على من بلي بهذا الشيء أن يحذر ما حرم الله ، وألا يتداوى إلا بما أباح الله .
__________
(1) سورة الكافرون الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1

(1/209)

(16)
(الكهانة والتنجيم)

(1/211)

قوله تعالى: ** يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس ** (1)
س93: سائل يقول: قال الله تعالى: ** يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ** (2) [المائدة: 90] .
نعلم أن الخمر هو كل ما خامر العقل وأسكره. لكن ما معنى الأنصاب والأزلام؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب: الخمر معروف وهو كل مسكر، والأنصاب والأزلام أشياء كانت في الجاهلية، والأنصاب كانوا ينصبونها وكانوا يذبحون عندها لأصنامهم، فأنكر الله عليهم ذلك وأمر بإزالتها والقضاء عليها.
وأما الأزلام فكانت أشياء يستقسمون بها لحاجتهم، وهي ثلاثة يكتب على واحد افعل، والثاني لا تفعل، والثالث غفل ليس فيه شيء، فإذا أرادوا سفرا أو حاجة مهمة أجالوا هذه الأزلام، فإن خرج افعل فعلوا، وإن خرج لا تفعل تركوا، وإن خرج غفل أعادوا إجالة هذه الأزلام، فنسخ الله ذلك ونهى عنه سبحانه وتعالى، وأرشد المسلمين بدلا من ذلك إلى الاستخارة الشرعية، وهي الدعاء الشرعي بعد صلاة ركعتين بدلا من هذه الأزلام.
وأما الميسر : فهو القمار المعروف، وهو معاملة (يانصيب) التي يتعاطاها بعض الناس بالمخاطرة في سائر الألعاب، وهي منكر، فالميسر منكر وهو القمار، وحرمه الله عز وجل لما فيه من أكل المال بالباطل.
__________
(1) سورة المائدة الآية 90
(2) سورة المائدة الآية 90

أسامي عابرة 05-01-2009 10:17 PM

(1/212)

الأنصاب والأزلام
س94: يقول السائل: قال الله تعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة: ** يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ** (1) [المائدة: 90] والسؤال: ما معنى الأنصاب والأزلام؟
الجواب: أما الأنصاب فهي شيء ينصب، ويذبح عليه المشركون ويتقربون لأصنامهم بالذبائح، والأزلام أشياء يقسمون بها، أشياء يقال لها السهام من أنواع الخشب، يكتبون عليها افعل ولا تفعل وثالث غفل، لا يكتب عليه شيء، فإذا أرادوا أن يسافروا أو يفعلوا شيئا عندهم فيه اشتباه أجالوها، وأخرجها لهم بعضهم واحدا واحدا، أو هو نفسه يخرجها واحدا واحدا من محلها، فإن خرج افعل نفذ ما أراد، وإن خرج لا تفعل ترك، وإن خرج الغفل أي الذي ليس فيه شيء أعاد إجراءها، فخلطها ثم أعاد إخراجها فإن خرج افعل فعل وإن خرج لا تفعل ترك، وإن خرج الثالث أعادها وهكذا.
هذه سنة لهم وطريقة جاهلية، فشرع الله سبحانه وتعالى لعباده بدل استعمال الأزلام صلاة الاستخارة، فالمشروع للمؤمن إذا هم بعمل يشتبه عليه كالزواج أو السفر أو ما أشبه ذلك صلى ركعتين، ثم يستخير الله جل وعلا، ويدعو بدعاء الاستخارة المعروف الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو: « اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم... إلخ » (2) وهو مخرج في صحيح البخاري رحمه الله ، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة المائدة الآية 90
(2) صحيح البخاري الجمعة (1113),سنن الترمذي الصلاة (480),سنن النسائي النكاح (3253),سنن أبو داود الصلاة (1538),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1383),مسند أحمد بن حنبل (3/344).

(1/213)

حكم ذهاب من يموت أولاده إلى المنجمين
س95: يقول السائل: أنا شاب أؤدي الصلاة المفروضة وأحافظ عليها والحمد لله، ولكني تزوجت امرأة وخلفت منها ثلاثة أولاد وما خلفت من ولد إلا عاش سنتين ومات، وسمعت عن أناس يدعون أنهم صوفة أي منجمين، فألح علي أهل القرية أن أذهب إليهم وأشتري منهم الذرية هذا حسب ادعائهم وقد رفضت ذلك وقلت لهم: إن الله هو الذي يحيي ويميت، ويهب لمن يشاء الذرية. فأفتوني بارك الله فيكم؟
الجواب: إن الذهاب إلى المنجمين والعرافين والكهنة أمر منكر في شريعتنا الإسلامية، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة » (1) خرجه مسلم في الصحيح ، وقال عليه الصلاة والسلام: « من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم » (2) .
فالإتيان إلى الكهنة والعرافين والمنجمين أمر منكر لا يجوز في الشريعة، وهكذا سؤالهم وتصديقهم وقد أصبت في امتناعك من الذهاب إلى هؤلاء المنجمين، فهم ليس عندهم علم بهذا، فإن أمر الذرية إلى الله سبحانه وتعالى ، هو الذي يهب لمن يشاء ما يشاء سبحانه وتعالى، وقد تكون هناك أمراض داخلية في رحم المرأة يمكن عرضها على الأطباء المختصين والطبيبات المختصات، فربما ظهر لهم أسباب ما يصيب الأولاد بعد الولادة فقد يكون هناك أسباب في الرحم، وأمراض داخلية تخرج معهم وتبقى معهم حتى يموتوا، وقد يكون ذلك
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2230),مسند أحمد بن حنبل (4/68).
(2) سنن الترمذي الطهارة (135),سنن أبو داود الطب (3904),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639),مسند أحمد بن حنبل (2/429),سنن الدارمي الطهارة (1136).

(1/214)

لأمر آخر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
ولا مانع من أن تجرب امرأة أخرى أو أكثر، فتتزوج امرأة ثانية وثالثة تلتمس الذرية ولعل الله سبحانه وتعالى يهبك ذرية طيبة تعيش، ولا حاجة إلى الاقتصار على واحدة، فالله سبحانه قد وسع والحمد لله ويسر، وأباح للرجل الزواج للحاجة، وأباح له أن يجمع ثنتين وثلاثا وأربعا، فأنت يا أخي يمكنك أن تتسبب وتتزوج امرأة أخرى لعل الله يهبك منها ذرية تعيش، والحمد لله، وعليك أن تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل، وقد قال الله سبحانه: ** وبشر الصابرين ** (1) ** الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ** (2) ** أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ** (3) [البقرة: 155 : 157] .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها؟ إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها » (4) ثم يا أخي، الذرية في الحقيقة هم الذين يموتون أفراطا هؤلاء هم الذرية، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « ما تعدون الرقوب فيكم؟ قالوا من لا يولد له قال لكن الرقوب هو الذي لم يقدم ولده شيئا » (5) وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: « من مات له ثلاثة أفراط لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار قالوا يا رسول الله أو اثنين؟ قال أو اثنين » (6) .
فأنت على خير إن شاء الله مع الصبر والاحتساب، ولكن هذا لا يمنع الأسباب، عليك أن تأخذ بالأسباب، وأن تعرض المرأة على الطبيبات
__________
(1) سورة البقرة الآية 155
(2) سورة البقرة الآية 156
(3) سورة البقرة الآية 157
(4) صحيح مسلم الجنائز (918),سنن أبو داود الجنائز (3119),مسند أحمد بن حنبل (6/314),موطأ مالك الجنائز (558).
(5) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2608),مسند أحمد بن حنبل (1/382).
(6) سنن الترمذي الجنائز (1061),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1606),مسند أحمد بن حنبل (1/429).

(1/215)

المختصات فإن لم يوجدن فعلى الأطباء المتخصصين إذا لم توجد امرأة جيدة متخصصة في هذا الشيء، لعل الله جل وعلا أن ييسر دواء نافعا يحصل به الشفاء من هذا المرض، وفي إمكانك أيضا أن تتزوج امرأة ثانية وثالثة، حتى يتيسر لك الذرية المطلوبة التي تعيش إن شاء الله.

(1/216)

هذا العمل من الكهانة المحرمة
س96: يوجد في مدينتنا بعض الناس يستفتحون بالسلة وهذه الطريقة هي أنهم يأتون بسلة طاهرة، ويضعون بداخلها قرآنا ويغلقون فتحتها بسجادة الصلاة ويضعون فوق السجادة مفتاحا، ويضعون على جانب السلة قلما وتحته ورقه، ويأتي شخصان يحملان السلة ويحركانها، وآخر يقرأ سورة الجن، وعندما يقرءونها تأتي روح ميت ويسألونها بعض الأسئلة، وتجيب بواسطة القلم والورقة والأسئلة التي في علم الغيب تقول الله أعلم، والأسئلة التي لا تستطيع أن تجيب عليها كتابة بواسطة الورقة والقلم تقول فيها أيضا الله أعلم.
والمهم، هل هذه فعلا روح ميت أم أنها جني؟ وما الحكم في مثل هذا العمل؟
الجواب: هذا عمل منكر ولا يجوز، وهو من الكهانة المحرمة ، فلا يجوز فعل هذا بالكلية، وهذا عمل من أعمال الشياطين، وليس من أرواح الموتى، بل من أعمال الشياطين التي يلبسون بها على الناس ، ويأخذون أموالهم بالباطل، وهذا عمل لا يجوز، وهو من أعمال

(1/216)

الكهانة، والواجب على ولاة الأمور منع هذا، وتأديب من فعله حتى لا يعود لمثله، ولا يجوز للمسلم أن يشارك في هذا، ولا أن يسألهم عن شيء، لقوله صلى الله عليه وسلم : « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة » (1) ولقوله وهو: « من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم » (2) .
وهذا من جنس العرافين والكهنة، وهذه الأرواح التي تحضر من الجن والشياطين وليست من أرواح الموتى.
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2230),مسند أحمد بن حنبل (4/68).
(2) سنن الترمذي الطهارة (135),سنن أبو داود الطب (3904),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639),مسند أحمد بن حنبل (2/429),سنن الدارمي الطهارة (1136).

أسامي عابرة 05-01-2009 10:28 PM

(1/217)

طاسة السم
س97: السؤال: فضيلة الشيخ، يوجد عند بعض الناس إناء مصنوع من النحاس ويسمونه طاسة السم ، وعندما يمرض إنسان فإنه يذهب إلى من توجد عنده هذه الطاسة، ويملؤها بالماء ويشرب ذلك الماء معتقدا أنه يوجد شفاء في هذا الماء، ولا سيما إذا كان المرض في المعدة، وقد لاحظت وجود صور محفورة على الإناء، وهي للعقرب والحصان والقط والغزال والحمير والحيه والثعلب والفيل والأسد، وللرجال، وبعض صور أخرى لا أعرفها، وهي جميعها منقوشة نقشا على هذا الإناء كما توجد أسماء وكتابات مثل: الشهيد، وغير ذلك. فأرجو من سماحة الشيخ توجيه الناس حول هذا الأمر جزاكم الله خيرا.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد..

(1/217)

فهذه الطاسة التي أشار إليها السائل طاسة منكرة، وفيها من دلائل المنكرات هذه الصور التي ذكرها السائل، ولا نعلم أن أي طاسة من حديد أو نحاس أو ذهب أو فضة يحصل بها شفاء أمراض المعدة، وإنما هي دعوى يدعيها صاحب الطاسة، وإنما الظاهر والله أعلم أنه يستخدم الجن، أو يعمل شعوذة يزعم بها أنه يعالج حتى يأخذ أموال الناس بالباطل، وحتى يغرهم بأنه يعالجهم بهذه الطاسة.
فالواجب أن تصادر هذه الطاسة، وأن يعالج الأمر بتأديب صاحبها، ومعرفة الحقيقة التي يتعاطاها حتى يقام عليه ما يستحق من التعزير وهذا واجب على المسئولين؟ الأمير والقاضي والهيئة، فيجب أن يرفع الأمر إلى المحكمة والهيئة والإمارة حتى يقوموا بما يجب في هذا الموضوع، ولا يجوز السكوت عن صاحب هذه الطاسة؛ لأن عمله منكر لا وجه له من الشرع.
وعليك أيها السائل أن تقوم بهذا الأمر أنت وإخوانك العارفون بهذا الأمر حتى تخلصوا بلدكم من هذا المنكر، وحتى يقضى على هذه المفسدة وهذا الشر العظيم بأسبابكم إن شاء الله.

(1/218)

العلاج بطريقة خاصة
س98: تقول السائلة: هناك بنت مشلولة في يديها ورجليها وعجز الأطباء عن علاجها وسمع أهلها برجل يعالج بطريقة خاصة، حيث إنهم يضعون الكمون تحت رأسها وفي الصباح يأخذونها إلى الرجل ومعهم هذا الكمون فيقول لهم بأن بها مسا من الجنون، فطلب منهم أن يأتوه

(1/218)

بجدي فأخذوا له الجدي، فبدأ الرجل بسن السكين فصار الجدي مشلولا مثل الطفلة، وبعد ذلك قطع شيئا من أذن الجدي، ومسح بها عند أنف الطفلة ووراء أذنها، وأمر الجدي بالذهاب فقام مسرعا وقال لهم ابنتكم بخير إن شاء الله، فقامت الطفلة كأن لم يكن بها شلل.
وبعد ذلك كتب لها بعض الأدوية من الحشائش لتتابع العلاج في البيت لكي تشفى تماما وقبل أن يبدأ في مخاطبتهم يبدأ باسم الله ويقرأ آية الكرسي، ثم يأخذ هذا الكمون وينظر فيه ويبدأ يقول ويصف حالة المريض ما به ومتى وكيف، أرجو أن تدرسوا هنا القضية وتفيدونا برأيكم في هذا.
وإن كانت الإجابة بمنع هذا العمل فما الدليل علما بأن أهل هذه الطفلة سألوني عن الجواب فلم أستطع أن أجيبهم وكتبت إليكم؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: هذا العمل يدل على أن الرجل كاهن يستخدم الجن ويتقرب إليهم بما يريدون وأما جعلهم الكمون تحت الرأس وقطع أذن الجدي وما أشبه ذلك فهذا تلبيس حتى لا يكشف أمره وإنما هو رجل مستخدم للجن وقد يكون بعض الجن مس المرأة في شيء حتى حصل لها ما حصل ثم اتفق معهم على أن يتركها فتركها فحصل الشفاء وليس في الحقيقة من جهة قراءته، وإنما يلبس على الناس بقراءة آية الكرسي أو باسم الله عند إعطائهم الكمون كل هذا تلبيس والواجب عدم الذهاب إلى هذا الرجل وأشباهه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة » (1) رواه مسلم في الصحيح ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « من أتى عرافا أو كاهنا وصدقه بما يقول؟ فقد كفر بما أنزل على
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2230),مسند أحمد بن حنبل (4/68).

(1/219)

محمد » (1) ، رواه أهل السنن ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الكهان: لا تأتوهم وهذا منهم، فإن عمله هذا يدل على أنه يستخدم الجن ويسألهم، ويتفق معهم على ما يريدون، ويعطونه ما أراد حتى يعبدهم من دون الله ويعطيهم ما يريدون حتى يخدموه، فلا يجوز سؤال هذا، ولا يجوز أخذ علاجه، ولا الذهاب إليه بالكلية.
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (135),سنن أبو داود الطب (3904),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639),مسند أحمد بن حنبل (2/429),سنن الدارمي الطهارة (1136).

(1/220)

من يدعون ولايته ويسألونه عما غاب ويحلفون به
س:99: يوجد في بلدتنا رجل لا يخرج من حجرته، يقال له الشيخ موسى ، والناس يذهبون إليه للبركة، وإذا غاب شيء ذهبوا إليه ليسألوه حتى يدلهم على مكانه، وبعض الجهلة يحلفون به، وينذرون له النذور، وأهله يتلقون الهدايا من الناس ويعيشون عليها، من نقود أو أجهزة أو بهيمة الأنعام، ويقسمونها بينهم، وإذا سألنا عن صلاته يقال إنه يصلي، ولكن أين يصلي الجمعة وهو لا يخرج من حجرته أبدا يقولون إنه يصلي في أي مسجد، وأحيانا في الحرم بمكة ، وهو مع ذلك يشرب الدخان. فماذا عن هذا الرجل؟ وماذا عن حكم ما يأكله أهله من هدايا؟ وهل هذا من الأولياء؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد...
فهذا الرجل وأشباهه من جملة الدجالين المضللين، الذين يتأكلون بما يدعونه من ولاية أو من علم الغيب أو نحو ذلك، ولا يجوز أن يسأل،

(1/220)

ولا يجوز أن يهدى إليه، بل يجب أن يستتاب من أعماله السيئة من جهة ولاة الأمور، فإن تاب وإلا وجب قتله; لأن هذا مضلل ملبس على الناس يستخدم الجن، ويسألهم عن بعض الأشياء أو يكذب على الناس.
فاعتقاد الناس فيه بأنه يعلم الغيب، وأنه يخبرهم عن حاجاتهم الغيبية، فهذا يدل على أنه إما أنه كذاب ودجال، وإما أنه يستخدم الجن ويسألهم عن بعض الأشياء التي قد يعرفونها من جهة استراق السمع، أو من جهة تجولهم في البلدان، ويكذب معها مائة كذبة وأكثر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة » (1) وقال صلى الله عليه وسلم : « من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم » (2) .
والتبرك به لا يجوز لأنه ضال مضل، لا يجوز التبرك به، ولا يتبرك بغيره من الأشخاص; لأن البركة تطلب من الله عز وجل ، لا من زيد ولا من عمرو، فالواجب في مثل هذا أن يكشف أمره لولاة الأمور، لعلهم يزيلون هذا الشخص، ويمنعونه من تعاطيه هذه الأعمال الخبيثة المنكرة، أو لعلهم يسجنونه.
المقصود أن عمله هذا منكر، ولا يجوز إقراره عليه من حكومة إسلامية، ومن علماء المسلمين، ومن أهل الحل والعقد، بل يجب القضاء عليه ومنعه من هذا العمل السيئ .
ثم من أدلة فساد حاله كونه لا يحضر الجمعة ولا الجماعة، وهذا منكر عظيم، سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن رجل يصوم
__________
(1) صحيح مسلم السلام (2230),مسند أحمد بن حنبل (4/68).
(2) سنن الترمذي الطهارة (135),سنن أبو داود الطب (3904),سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (639),مسند أحمد بن حنبل (2/429),سنن الدارمي الطهارة (1136).

(1/221)

النهار ويقوم الليل، ولكنه لا يشهد الجمعة ولا الجماعة، فقال: هو في النار، فشهود الجماعة أمر لازم وشهود الجمعة كذلك، ودعواه أنه يصلي في كذا وكذا وهو لا يرى، أو أنه يصلي في المسجد الحرام ، فكل هذا دجل وكذب ليظن الناس أنه ولي، وأنه يخرج ويذهب ولا يرى أو أنه يذهب به إلى مكة كرامة له، وهذا ليس من كرامات الأولياء بل هذا من الباطل، وهذا من شعوذة الشياطين، وكذبهم على الناس، فقد تحمل الشياطين بعض الناس إلى أماكن بعيدة.
فالمقصود أن هذا من عبيد الشيطان وليس من عبيد الله، بل يجب الإنكار عليه، ولا يهدى إليه ولا إلى أهله، ولا يصدق، ولا يسأل، بل يجب أن يعاقب حتى يدع هذا العمل، وحتى يصلي مع الناس، وحتى يتوب إلى الله عز وجل، وحتى يدع ما يدعيه من دعوى علم الغيب، فإن تاب وإلا وجب قتله نسأل الله السلامة والعافية.

(1/222)

من يدعي اطلاعه على اللوح المحفوظ
س100: يقول السائل: هناك رجل ألف دعاء ختم القرآن الكريم، وقال ولد المؤلف في مقدمة الدعاء: قال لي والدي كنت أجمع هذا الدعاء وأنا أشاهد اللوح المحفوظ. فما مدى صحة هذا الكلام؟ .
الجواب: هذا من كلام المخرفين. اللوح المحفوظ لا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى ، وهذا من كلام مخرفي الصوفية، الذين يلبسون على الناس ويغشونهم. نسأل الله العافية.
فاللوح المحفوظ لا يطلع عليه إلا الله عز وجل هو الذي جعله وهو الذي يطلع عليه، ومن زعم

(1/222)

أنه يعلم ما فيه فهو كافر يستتاب من ولاة الأمر فإن تاب وإلا وجب قتله حماية للمسلمين من شره وفتنته .

(1/223)

حكم الذهاب بمن أصابه جنون إلى المتصوفة
س101: يقول السائل: هناك بعض الناس يصيبهم الجنون، ويذهب بهم إلى شيوخ المتصوفة ويعالجونهم بالبخور والمحو والحجاب. وبعد ذلك يصيرون بحالة متحسنة. فما حكم الشرع في ذلك؟
الجواب: من أصابه الجنون لا يذهب به إلى المخرفين بل يذهب به إلى أهل الخير من القراء الطيبين والعارفين بعلاج هذه الأشياء، يقرءوا عليه وينفثوا عليه ويستعمل ما يسبب خروج الجن منه، والله جعل لكل شيء سببا ولكل داء دواء.
والغالب أن المؤمن التقي والعالم المعروف بالاستقامة وحسن العقيدة إذا قرأ عليه ونفث عليه وتعهده بالقراءة، والوعيد للجني، وتحذيره فإنه يخرج بإذن الله.
وبكل حال فليس للمسلم أن يذهب إلى الصوفيين المخرفين المعروفين ببدعهم وضلالهم وخرافاتهم، ليس له أن يذهب إليهم، ولا يتعالج عندهم لئلا يضروه، ولئلا يجروه إلى ما هم فيه من الشرك والبدع والخرافات، فإن الصوفية في الغالب طريقتهم هي البدع والخرافات، وكثير منهم يعبد شيخه من دون الله، ويستغيث به، وينذر له، ويطلب منه المدد حيا أو ميتا فأحوالهم خطيرة، والناجي منهم

(1/223)

قليل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله لنا ولهم الهداية والبصيرة.
والطريقة السليمة النافعة هي طريقة الكتاب والسنة، وهي طريقة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأتباعهم بإحسان، وهي الصراط المستقيم وهو دين الله والتمسك بشرع الله والحذر مما نهى الله عنه، والحذر من البدع.

(1/224)

أسامي عابرة 05-01-2009 10:37 PM

(1/224)

(17)
الطاغوت والشرك

(1/225)

ما هو الشرك؟
س102: يقول السائل: فضيلة الشيخ، ما هو الشرك؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: إن الشرك هو أعظم الذنوب ، وهو أعظم الجرائم، وهو الذي جرى بين الرسل وبين الأمم فيه النزاع، فالأمم كانت على الشرك إلا من هداه الله وحفظه من أفراد الناس، والرسل تدعوهم إلى توحيد الله والإخلاص له.
وكان هذا الشرك قد حدث في قوم نوح بأسباب غلوهم في ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، لما غلوا فيهم وعظموهم التعظيم الذي نهى الله عنه وقعوا في الشرك بعد ذلك، وصاروا يستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويذبحون لهم، فلما ظهر فيهم هذا الشرك بعث الله إليهم نوحا عليه الصلاة والسلام يدعوهم إلى توحيد الله، وينذرهم من هذا الشرك ويحذرهم منه.
ولم يزل فيهم يدعوهم إلى الله ويأمرهم بالإخلاص لله سبحانه وتعالى والتوبة إلى الله من شركهم، ولكنهم استمروا على طغيانهم وضلالهم إلا القليل، فبعد ذلك أمره الله أن يصنع السفينة وأن يحمل فيها من آمن معه، ومن كل زوجين اثنين، وأهلك الله أهل الأرض وأغرقهم بسبب كفرهم وشركهم بالله سبحانه وتعالى، كما قال الله سبحانه في سورة العنكبوت: ** ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ** (1) ** فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ** (2) [العنكبوت : 14 ، 15] .
__________
(1) سورة العنكبوت الآية 14
(2) سورة العنكبوت الآية 15

(1/226)

وهكذا بعد ذلك الأمم من قوم هود وقوم صالح ومن بعدهم ; أرسل الله إليهم الرسل تدعوهم لتوحيد الله وتنذرهم الشرك بالله عز وجل، ولم يؤمن إلا القليل، وأكثر الخلق غلب عليهم طاعة الهوى والشيطان، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء وهو أفضلهم وإمامهم، بعثه الله إلى هذه الأمة لينذرهم الشرك بالله، ويدعوهم إلى توحيد الله سبحانه وتعالى وطاعته، وكان الشرك في وقته قد انتشر في الأرض وعم، ولم يبق على التوحيد إلا بقايا قليلة من أهل الكتاب، فأنذرهم عليه الصلاة والسلام هذا الشرك، وكانوا يتعلقون بالأشجار والأحجار والأصنام، ويدعون الأنبياء والصالحين، ويستغيثون بهم، وينذرون لهم وكانوا يقولون إنهم شفعاؤنا عند الله، وإنهم يقربونا إلى الله زلفى، كما ذكر الله ذلك عنهم في قوله سبحانه وتعالى: ** ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ** (1) قال الله سبحانه ردا عليهم: ** قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون ** (2) [يونس: 17 - 18] .
هذا شأن المشركين يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار والأولياء والأنبياء، وبهم يستغيثون، ولهم ينذرون، وإليهم يتقربون بالذبائح، هذا هو الشرك الأكبر، وهذا هو الذي أنكرته الرسل، وأنكره أتباعهم من دعاة الحق، وقال الله سبحانه في ذلك: ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** (3) [الأنعام: 88] .
__________
(1) سورة يونس الآية 18
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الأنعام الآية 88

(1/227)

وقال فيه سبحانه وتعالى: ** ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ** (1) [الزمر: 65] .
وقال فيه سبحانه: ** إن الشرك لظلم عظيم ** (2) [لقمان: 13] وقال فيه عز وجل: ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما ** (3) [النساء: 48] وفي موضع آخر: ** فقد ضل ضلالا بعيدا ** (4) [النساء: 116] .
وبهذا نعلم حقيقة الشرك ، وأنه تشريك غير الله مع الله في العبادة سبحانه وتعالى، من أولياء، أو أنبياء، أو جن، أو ملائكة، أو أحجار، أو أصنام، أو شجر، أو غير ذلك، هذا هو الشرك الأكبر، والذنب الأعظم الذي نهت عنه الرسل وأنزل الله فيه الكتب سبحانه وتعالى، وتوعد الله عز وجل عليه بعدم المغفرة، وبعدم دخول الجنة.
وهكذا يلحق بذلك جميع أنواع الكفر، كلها حكمها حكم الشرك كمن سب الله، أو سب رسوله، أو استهزأ بالدين، أو تنقص الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو طعن في رسالته عليه الصلاة والسلام، أو جحد بعض ما أوجب الله من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة كأن جحد وجوب الصلوات الخمس، أو جحد وجوب زكاة المال، أو جحد وجوب صوم رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو جحد تحريم الزنا، أو جحد تحريم الخمر، أو جحد تحريم السرقة أو ما أشبه ذلك، كل هذا يسمى كفرا ويسمى شركا بالله عز وجل، وصاحبه إذا مات عليه مخلد في النار والعياذ بالله، والجنة عليه حرام وأعماله حابطة، كما قال سبحان : ** ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ** (5) [الأنعام: 88] ، وقال
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة لقمان الآية 13
(3) سورة النساء الآية 48
(4) سورة النساء الآية 116
(5) سورة الأنعام الآية 88

(1/228)

الله عز وجل: ** وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ** (1) [الفرقان: 23] وقال سبحانه: ** ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ** (2) [المائدة: 5] .
والواجب على جميع المكلفين الحذر من الشرك ، وأن يخصوا الله بالعبادة دون كل ما سواه، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله، وتثبت العبادة لله وحده سبحانه، كما قال عز وجل في سورة الحج: ** ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ** (3) [الحج : 62] ، وقال سبحانه: ** ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ** (4) [النحل: 36] ، وقال عز وجل: ** وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ** (5) [الأنبياء: 25] .
وهذا التوحيد هو الذي خلق الله لأجله الثقلين، كما في قوله سبحانه: ** وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ** (6) [الذاريات: 56] ، والمعنى أن يخصوني بالعبادة، ويفردوني بعبادتي من صوم وصلاة ودعاء وخوف ورجاء وغير ذلك، هذا هو الواجب على المكلفين جميعا أن يعبدوا الله وحده ويخصوه بعباداتهم دون كل ما سواه.
أما الرسل والأنبياء فحقهم الاتباع والمحبة والطاعة، أما العبادة فهي حق الله سبحانه وتعالى كما قال سبحانه: ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (7) [الإسراء: 23] ، وقال سبحانه: ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (8) [الفاتحة : 5] ، وقال عز وجل: ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (9) [البينة: 5] .
__________
(1) سورة الفرقان الآية 23
(2) سورة المائدة الآية 5
(3) سورة الحج الآية 62
(4) سورة النحل الآية 36
(5) سورة الأنبياء الآية 25
(6) سورة الذاريات الآية 56
(7) سورة الإسراء الآية 23
(8) سورة الفاتحة الآية 5
(9) سورة البينة الآية 5

(1/229)

وهكذا الأولياء حقهم أن يحبوا في الله، وأن يسلك سبيلهم الطيب في طاعة الله ورسله، أما أن يعبدوا مع الله فلا، فالعبادة حق الله لا يعبد مع الله أحد، لا ملك ولا نبي ولا ولي، ولا غير ذلك.
والواجب على جميع المكلفين أن يكون اهتمامهم بهذا الأمر أعظم اهتمام; لأن التوحيد هو أصل الدين وأساس الملة، وهو أعظم واجب وأهم واجب، ولأن الشرك هو أعظم الذنوب وأكبر الجرائم ، فوجب أن يكون اهتمام المسلمين واهتمام طلاب العلم والعلماء بهذا الأمر أعظم من كل اهتمام، وأولى من كل أمر. نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.

أسامي عابرة 06-01-2009 08:44 AM

(1/230)

الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار
س103: يقول السائل: هل الشرك الأصغر وهو الرياء يخلد صاحبه في النار أم لا؟
الجواب: الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار ، مثل الكبائر لا يخلد صاحبها في النار. وذلك مثل قول: لولا الله وأنت ما شاء الله وشئت، وكذلك الرياء، والحلف بغير الله. فكل هذا يعد من الشرك الأصغر، ولا يوجب الخلود في النار، ولا يبطل الأعمال، ولكنه محرم، مثل كبائر الذنوب بل أشد من كبائر الذنوب، ولكنه لا يوجب الخلود فى النار، وهذا بالنسبة للرياء في العبادات، والحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، فهذا كله يعد من الشرك الأصغر ،

(1/230)

والواجب الحذر منه والبدار بالتوبة منه .

(1/231)

قوله تعالى: ** وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ** (1)
س104: يسأل السائل عن معنى هذه الآية: ** وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ** (2) ** من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ** (3) [الروم: 31 ، 32] ؟
الجواب: يبين تعالى في الآية أن من صفات المشركين تفريق الدين وأن يكونوا فيه شيعا ; كل شيعة لها رأي ولها كلام ولها أنصار، هكذا يكون المشركون وهكذا الكفار، يتفرقون وكل طائفة لها رئيس ولها متبوع، تغضب لغضبه، وترضى لرضاه، ليس همهم الدين وليس تعلقهم بالدين.
أما المسلمون فهم يجتمعون على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهدفهم هو اتباع الكتاب والسنة، فهم مجتمعون على ذلك ومعتصمون بحبل الله.
أما غيرهم من الكفار فهم أحزاب وشيع، والله عز وجل يحذرنا أن نكون مثلهم، ويأمرنا أن نقيم الصلاة، وأن نستقيم على دين الله، وأن نجتمع على الحق، ولا نتشبه بأعداء الله المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وهكذا أصحاب البدع شابهوا المشركين حرفوا دينهم وكانوا شيعا؟ هذا معتزلي، وهذا جهمي، وهذا مرجئ، وهذا شيعي
__________
(1) سورة الروم الآية 31
(2) سورة الروم الآية 31
(3) سورة الروم الآية 32

(1/231)

إلى غير ذلك.
فالتفرق في الدين هو مخالفة لما أمر الله به من الاعتصام بحبل الله، والاستقامة على دين الله، وعدم التنازع والفشل.

(1/232)

حول ترك الصلاة والشرك
س105: سائل يقول: ما معنى هذه الآية التي وردت في سورة الروم: ** وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ** (1) ** من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ** (2) ، وهل يقال لتارك الصلاة إنه مشرك ؟
الجواب: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (3) ، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أيضا أنه قال: « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » (4) خرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر .
وهذا يدل على أن تارك الصلاة يسمى كافرا ويسمى مشركا، وهذا هو الحق وهو المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم، فإن عبد الله بن شقيق العقيلي -رضي الله عنه ورحمه- التابعي الجليل قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدون شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
وهذا يدل على أن ترك الصلاة عند الصحابة رضي الله عنهم يعتبر كفرا أكبر، ويسمى تاركها كافرا مشركا، وهذا هو أصح قولي العلماء إذا لم يجحد وجوبها. أما من جحد وجوبها فإنه كافر عند الجميع، نعوذ بالله من ذلك.
فالذي ترك الصلاة قد فرق دينه وقد خرج عن جماعة المسلمين
__________
(1) سورة الروم الآية 31
(2) سورة الروم الآية 32
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621),سنن النسائي الصلاة (463),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079),مسند أحمد بن حنبل (5/346).
(4) صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/389),سنن الدارمي الصلاة (1233).

(1/232)

واستحق أن يقتل إن لم يتب; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة » (1) فالذي يترك الصلاة يعتبر تاركا لدينه مفارقا للجماعة. نسأل الله العافية والسلامة.
لكن هل يقال لمن ترك الصلاة إنه مشرك ؟
نعم يقال له مشرك ويقال له كافر في أصح قولي العلماء، لكن الجمهور قالوا: كفر دون كفر وشرك دون شرك إذا لم يجحد وجوبها، والصواب الذي عليه جمع من أهل العلم أنه كفر أكبر وشرك أكبر، كما حقق ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة، وذكره الذهبي عن جماعة من أهل العلم في كتابه الكبائر ، وذكره آخرون، ودل عليه الحديث السابق الذي رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » (2) فسماه كفرا وشركا، والكفر المعرف والشرك المعرف بأداة التعريف هو الكفر الأكبر والشرك الأكبر، والآية تبين أن من صفات المشركين تفريق الدين والتشيع، كل شيعة لها رأي ولها كلام ولها أنصار.
هكذا يكون المشركون وهكذا يكون الكفار، متفرقين، كل طائفة لها رئيس ولها متبوع تغضب لغضبه وترضى لرضاه، ليس همهم الدين وليس لهم تعلق بالدين، أما المسلمون فهم يجتمعون على كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهدفهم هو اتباع الكتاب والسنة، فهم مجتمعون على ذلك معتصمون بحبل الله، أما غيرهم من الكفار فهم أحزاب وشيع.
__________
(1) صحيح البخاري الديات (6484),صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1676),سنن الترمذي الديات (1402),سنن النسائي تحريم الدم (4016),سنن أبو داود الحدود (4352),سنن ابن ماجه الحدود (2534),مسند أحمد بن حنبل (1/444),سنن الدارمي الحدود (2298).
(2) صحيح مسلم الإيمان (82),سنن الترمذي الإيمان (2620),سنن أبو داود السنة (4678),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078),مسند أحمد بن حنبل (3/389),سنن الدارمي الصلاة (1233).

(1/233)

والله عز وجل يحذرنا أن نكون مثلهم، ويأمرنا أن نقيم الصلاة، وأن نستقيم على دين الله، وأن نجتمع على الحق ولا نتشبه بأعداء الله المشركين، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، وهكذا أصحاب البدع شابهوا المشركين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، هذا معتزلي، وهذا جهمي، وهذا مرجئ، وهذا شيعي إلى غير ذلك، فالتفرق في الدين هو مخالفة لما أمر الله به من الاعتصام بحبل الله ، والاستقامة على دين الله، وعدم التنازع والفشل.

(1/234)

(18)
الحلف

(1/235)

حكم الحلف بغير الله
س106: عندنا الكثير من الناس يحلفون بغير الله، مثلا يقولون: وحياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، أو : وحياة عيسى، أو موسى عليه الصلاة والسلام، أو: وحياة القرآن أو وحياة قبر أبي، أو أقسم بشرفي أفيدونا بهذا جزاكم الله خير الجزاء ؟
الجواب: الحلف بغير الله لا يجوز، بل يجب أن يكون الحلف بالله وحده سبحانه وتعالى; لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت » (1) .
وقال : « من حلف بغير الله فقد أشرك » (2) وفي لفظ آخر فقد كفر وفي لفظ آخر فقد كفر أو أشرك .
فالحلف بغير الله من المحرمات الكفرية، ولكنه من الشرك الأصغر، إلا إذا قصد أن محلوفه عظيم كعظمة الله، أو أنه يتصرف في الكون، أو أنه يستحق أن يدعى من دون الله، صار كفرا أكبر والعياذ بالله.
فإذا قال: وحياة فلان، أو وحياة الرسول، أو وحياة موسى، أو وحياة عيسى، أو وقبر أبي، أو حلف بالأمانة وبالكعبة أو ما أشبه ذلك، فكل ذلك حلف بغير الله، وكل ذلك لا يجوز، وكل ذلك منكر.
والواجب أن لا يحلف إلا بالله سبحانه وتعالى، أو بصفة من صفاته، أو باسم من أسمائه عز وجل، والقرآن من كلام الله، فالقرآن من صفات الله، فإذا قال: والقرآن، أو وحياة القرآن، فهذا لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، فإذا حلف بالقرآن، أو قال: بعزة الله،
__________
(1) صحيح البخاري الأيمان والنذور (6270),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),مسند أحمد بن حنبل (2/7),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(2) سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251),مسند أحمد بن حنبل (2/69).

أسامي عابرة 06-01-2009 08:49 AM

(1/236)

أو بعلم الله، أو بحياة الله، فلا بأس، فصفات الله يقسم بها، لكن المخلوقون لا يقسم بهم، فلا يقسم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أشرف الخلق، ولا بحياة فلان، ولا بالكعبة ولا بالأمانة، ولا بشرف فلان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وحذر من هذا صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عبد البر الإمام المشهور رحمه الله: أجمع العلماء على أنه لا يجوز الحلف بغير الله . فيجب على المؤمن أن يحذر هذه الأيمان الباطلة، وأن يحذر إخوانه من ذلك، وأن يدعوهم إلى الحلف بالله وحده سبحانه وتعالى. .

(1/237)

هل الحلف بالطلاق حلف بغير الله
س107: سائل يقول: سمعنا في برنامجكم نور على الدرب أن الحلف بغير الله حرام، كما سمعنا فيه أن الشخص إذا حلف بالطلاق فلا تطلق زوجته. أليس في ذلك تناقض يا سماحة الشيخ؟
الجواب: الحلف بغير الله منكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت » (1) وقال عليه الصلاة والسلام: « من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك » (2) وهو حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: « من حلف بالأمانة فليس منا » (3) وقال: « لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون » (4) .
هذا حكمه عليه الصلاة والسلام وهو منع الحلف بغير الله كائنا من كان، فلا يجوز الحلف بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولا بالكعبة ولا بالأمانة، ولا بحياة فلان، ولا بشرف فلان، وكل هذا لا يجوز؛ لأن
__________
(1) صحيح البخاري الشهادات (2533),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/7),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(2) صحيح البخاري الأدب (5757),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1535),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/125),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).
(3) سنن أبو داود الأيمان والنذور (3253),مسند أحمد بن حنبل (5/352).
(4) صحيح البخاري المناقب (3624),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/76),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341).

(1/237)

الأحاديث الصحيحة دلت على منع ذلك . . . وقد نقل أبو عمر ابن عبد البر الإمام المشهور رحمه الله إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله، فالواجب على المسلمين أن يحذروا ذلك، وليس لأحد أن يحلف بحياة فلان، أو شرف فلان، أو بالكعبة ، أو بالنبي، أو بالأمانة، كل هذا لا يجوز.
أما الطلاق فليس من الحلف في الحقيقة، وإن سماه الفقهاء حلفا، لكن ليس من جنس هذا، الحلف بالطلاق معناه تعليقه على وجه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، مثل لو قال: والله ما أقوم، أو والله ما أكلم فلانا فهذا يسمى يمينا، فإذا قال: علي الطلاق ما أقوم، أو علي الطلاق ما أكلم فلانا. فهذا يسمى يمينا من هذه الحيثية، يعني من جهة ما يتضمنه من الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، سمي يمينا لهذا المعنى، وليس فيه الحلف بغير الله، فهو ما قال: بالطلاق ما أفعل كذا، أو بالطلاق لا أكلم فلانا، فهذا لا يجوز.
ولكن إذا قال: علي الطلاق ألا أكلم فلانا، أو علي الطلاق ما تذهبي إلى كذا وكذا، أي زوجته، أو علي الطلاق ما تسافري إلى كذا وكذا، فهذا طلاق معلق، يسمى يمينا لأنه في حكم اليمن من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، فالصواب فيه أنه إذا كان قصد منعها، أو منع نفسه، أو منع غيره من هذا الشيء الذي حلف عليه فيكون حكمه حكم اليمين، وفيه كفارة يمين.
وليس في هذا مناقضة لقولنا إن الحلف بغير الله ما يجوز، وليس في هذا مخالفة؛ لأن هذا شيء وهذا شيء، فالحلف بغير الله مثل أن يقول:

(1/238)

باللات والعزى، بفلان، بحياة فلان، وحياة فلان، هذا حلف بغير الله، أما هذا فطلاق معلق ليس حلفا في المعنى الحقيقي بغير الله، ولكنه حلف في المعنى من جهة منعه وتصديقه وتكذيبه. فإذا قال عليه الطلاق ما يكلم فلانا، فكأنه قال: والله ما أكلم فلانا، أو لو قال: علي الطلاق ما تكلمين فلانا- يخاطب زوجته- فكأنه قال: والله ما تكلمين فلانا- فإذا حصل الخلل وحنث في هذا الطلاق، فالصواب أنه يكفر عن يمينه بكفارة يمين، أي أن له حكم اليمين إذا كان قصد منع الزوجة أو منع نفسه، وما قصد إيقاع الطلاق، إنما نوى منع هذا الشيء، منع نفسه، أو منع الزوجة من هذا الفعل، أو من هذا الكلام فهذا يكون له حكم اليمين عند بعض أهل العلم، وهو الأصح، وعند الأكثرين يقع الطلاق.
لكن عند جماعة من أهل العلم لا يقع الطلاق وهو الأصح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وجماعة من السلف رحمة الله عليهم; لأنه له معنى اليمين من جهة الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وليس له معنى اليمين في تحريم الحلف بغير الله; لأنه ليس حلفا بغير الله، وإنما هو تعليق فينبغي فهم الفرق بين هذا وهذا. والله أعلم.

(1/239)

(19)
القبور

(1/241)

حكم زيارة القبور للرجال والنساء
س108: يقول السائل: هناك من يقول تكره زيارة القبور للنساء لحديث أم عطية ، وإن علم وقوع محرم منهن حرمت، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : « لعن الله زوارات القبور » (1) إلا لغير النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه رضي الله عنهما فتسن زيارتها للرجال والنساء، لعموم الأدلة في طلب زيارته صلى الله عليه وسلم فما هذه الأدلة؟ وما رأي سماحتكم في المسألة عامة . . . وفقكم الله؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد :
فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لعن زائرات القبور، وثبت ذلك من حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث حسان بن ثابت الأنصاري .
وأخذ العلماء من ذلك أن الزيارة للنساء محرمة؛ لأن اللعن لا يكون إلا على محرم، بل يدل على أنه من الكبائر; لأن العلماء ذكروا أن المعصية التي يكون فيها لعن أو فيها وعيد بالنار هذه تكون من الكبائر.
فالصواب أن زيارة النساء للقبور محرمة، لا مكروهة، والسبب في ذلك والله أعلم أنهن في الغالب قليلات الصبر، وهن فتنة، فزيارتهن للقبور، واتباعهن للجنائز قد يفتن الناس وقد يسبب مشاكل على الرجال، فكان من رحمة الله سبحانه وتعالى أن منعهن من الزيارة،
__________
(1) سنن الترمذي الجنائز (1056),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1576).


الساعة الآن 11:13 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com