![]() |
(1/242)
وحرم عليهن زيارة القبور سدا لذريعة الفتنة بهن أو منهن. وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء » (1) وقول بعض الفقهاء إنه يستثنى من ذلك قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبر صاحبيه رضي الله عنهما; قول بلا دليل، والصواب أن المنع يعم جميع القبور، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحتى قبر صاحبيه رضي الله عنهما.. هذا هو المعتمد من حيث الدليل. وأما الرجال فيستحب لهم زيارة القبور، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبر صاحبيه، عليه الصلاة والسلام، لكن بدون شد الرحل فالسنة أن تزار القبور في البلد من دون شد الرحل، لا يسافر لأجل الزيارة، ولكن إذا كان في المدينة زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبر صاحبيه، وزار البقيع ، والشهداء. أما أن يشد الرحال من بعيد لأجل الزيارة فقط، فهذا لا يجوز على الصحيح من قولي العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى » (2) . أما إذا شد الرحل إلى المسجد النبوي ، فإن الزيارة تدخل تبعا لذلك. فإذا وصل المسجد صلى فيه ما تيسر، ثم زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وزار قبر صاحبيه، ودعا له عليه الصلاة والسلام، وصلى وسلم عليه، عليه الصلاة والسلام، ثم سلم على الصديق رضي الله عنه ودعا له، ثم على الفاروق ودعا له. وهكذا السنة. وهكذا في القبور الأخرى، فلو زار مثلا دمشق ، أو القاهرة ، أو الرياض ، أو أي بلد.. يستحب له زيارة القبور لما فيها من العظة. __________ (1) صحيح البخاري النكاح (4808),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2741),سنن الترمذي الأدب (2780),سنن ابن ماجه الفتن (3998),مسند أحمد بن حنبل (5/210). (2) صحيح البخاري الجمعة (1132),صحيح مسلم الحج (1397),سنن النسائي المساجد (700),سنن أبو داود المناسك (2033),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1409),مسند أحمد بن حنبل (2/234),سنن الدارمي الصلاة (1421). (1/243) والنبي عليه الصلاة والسلام قال: « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) فيزورها للذكرى، والعبرة، والدعاء للموتى، والترحم عليهم. وهذه هي السنة، من دون شد الرحل. ولكن لا يزورهم لدعائهم من دون الله. فدعاؤهم من دون الله شرك بالله عز وجل. فكونه يدعوهم، أو يستغيث بهم، أو يذبح لهم، أو يتقرب إليهم بشيء من العبادة، أو يطلب منهم المدد، فهذا لا يجوز، وهذا من الشرك بالله عز وجل، فكما أنه لا يجوز مع الأصنام، ومع الأشجار والأحجار، فهكذا لا يجوز مع الموتى. فلا يدعو الصنم ولا يستجير به ولا يستغيث به، ولا الشجر، ولا الحجر، ولا الكوكب، وهكذا أصحاب القبور، لا يدعون مع الله، ولا يستغاث بهم، ولا يطلب منهم المدد. بل هذا شرك بالله عز وجل، كما قال الله سبحانه: ** وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ** (2) [الجن: 18] وقال سبحانه: ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (3) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ** (4) [فاطر : 13 ، 14] سبحانه وتعالى. فبين سبحانه أن دعاء العباد للموتى ونحوهم شرك به سبحانه، لقوله سبحانه: ** ويوم القيامة يكفرون بشرككم ** (5) فجعل دعاءهم إياهم- أي: دعاء الموتى والاستغاثة بأصحاب القبور - شركا بالله عز وجل. __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (2) سورة الجن الآية 18 (3) سورة فاطر الآية 13 (4) سورة فاطر الآية 14 (5) سورة فاطر الآية 14 (1/244) وهكذا قوله سبحانه ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (1) [المؤمنون: 117] فسمى دعاء غير الله كفرا، وحكم على أهله بأنهم كافرون وغير مفلحين فيجب على المسلم أن يحذر هذا، ويجب على العلماء أن يبينوا هذه الأمور، حتى يحذر الناس الشرك بالله. وكثير من العامة إذا مر بقبور من يعظمهم استغاث بهم، وقال المدد المدد يا فلان، أو يا سيدي فلان. المدد. المدد. أغثني. انصرني. اشف مريضي، وهذا هو الشرك الأكبر والعياذ بالله، وهذا إنما يطلب من الله عز وجل، لا من الموتى، ولا من الأصنام، ولا من الكواكب، وإنما يطلب من الله عز وجل. أما الحي فإنه يطلب منه ما يقدر عليه، إذا كان حاضرا يسمع كلامه، أو عن طريق الكتابة، أو الهاتف، أو الإبراق، أو التلكس، أو ما أشبه ذلك من الأمور الحسية فيطلب منه ما يقدر عليه; تبرق له، أو تكتب له، أو تكلمه بالهاتف، وتقول: أقرضني كذا وكذا، أو ساعدني على عمارة بيتي، أو على إصلاح مزرعتي، فإذا كان بينك وبينه شيء من التعاون فلا بأس. أما أن تطلب من الميت أو الحي ما لا يقدر عليه، أو الغائب بدون الآلات الحسية، فهذا شرك به سبحانه وتعالى؛ لأن دعاء الغائب من غير الآلات الحسية معناه اعتقاد أنه يعلم، وأنه يسمع دعاءك وإن بعدت، وهذا اعتقاد باطل، واعتقاد كفري ، من اعتقد أن غير الله يعلم الغيب فهذا كفر أكبر. __________ (1) سورة المؤمنون الآية 117 (1/245) يقول الله جل وعلا: ** قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ** (1) [النمل: 65] أو تعتقد أن الله جعل له سرا في الكون، فيتصرف; يعطي من يشاء، ويحرم من يشاء. كما يظنه بعض الجهلة، فهذا أيضا شرك أكبر. فالزيارة للموتى زيارة إحسان، وزيارة ترحم عليهم، وتذكر للآخرة، والاستعداد لها. تذكر أنك ميت كما ماتوا فتستعد للآخرة، وتدعو لإخوانك المسلمين الميتين، وتترحم عليهم، وتستغفر لهم. وهذه هي الفائدة من الزيارة; ففيها عظة وذكرى ودعاء للموتى. كذلك لا يزور القبور من أجل أن يدعو عندها، فيجلس عندها ويدعو، أو من أجل الصدقة عندها، أو للقراءة عندها، فهذا غير مشروع، بل هذا من البدع. لكن يزورها للسلام عليهم، والدعاء لهم، والترحم عليهم، ولهذا « كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (2) هكذا كان يعلمهم عليه الصلاة والسلام. وكان إذا زار القبور هو عليه الصلاة والسلام، قال: « السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد » (3) هكذا جاء في حديث عائشة ما هذا معناه. والمقصود أن الزيارة للقبور في الحقيقة إحسان للموتى، وطلب للمغفرة لهم، والرحمة لهم، وإحسان لنفسك لأنك تذكر بهذا __________ (1) سورة النمل الآية 65 (2) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (3) صحيح مسلم الجنائز (974),سنن النسائي الجنائز (2039),مسند أحمد بن حنبل (6/221). |
(1/246)
الآخرة، وتذكر الموت حتى تستعد للقاء الله عز وجل. ولكن تكون هذه الزيارة كما تقدم بدون شد الرحل، بل تزور قبور أهل البلد التي أنت فيها، ويكون شد الرحل لغير ذلك، للمدينة يكون شد الرحل للمسجد، والصلاة فيه، والقراءة فيه، ونحو ذلك وإذا زار المسجد زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وسلم عليه وعلى صاحبيه، ويستحب له أن يزور البقيع كذلك، وقبور الشهداء، ويزور مسجد قباء ويصلي فيه أيضا كل هذا مشروع. وهكذا إذا زار بعض البلاد الأخرى لتجارة، أو لصديق، أو لقريب، يستحب له أن يزور القبور حتى يدعو لأهلها، وحتى يترحم عليهم، وحتى يتذكر بهم الآخرة، وحتى يستعد لها، وحتى يتذكر الموت- هكذا بين أهل العلم، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. والخلاصة أن زيارة القبور بالنسبة للنساء ممنوعة مطلقا وهذا هو الصواب لصحة الأحاديث بمنعهن وعدم الدليل على الاستثناء. (1/247) زيارة القبور تختص بالرجال دون النساء س109: إذا خرجت النساء إلى زيارة المقابر مع ذي محرم، فهل في هذا شيء؟ وهل قول الله عز وجل: ** حتى زرتم المقابر ** (1) [التكاثر: 2] ، يخصص الزيارة للرجال فقط دون النساء. أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: الزيارة تختص بالرجال، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى النساء عن زيارة القبور، وعن اتباعهن الجنائز، وقد صح عنه عليه السلام أنه __________ (1) سورة التكاثر الآية 2 (1/247) لعن زائرات القبور، فليست للمرأة أن تزور القبور، ولا أن تتبع الجنائز إلى المقبرة. نعم تصلي على الميت مع الناس في المسجد أو في المصلى، أو في البيت، ولا بأس بذلك، أما الزيارة للمقابر أو الذهاب مع الناس للمقابر فلا يجوز لها ذلك، هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم. وأما قوله سبحانه وتعالى: ** ألهاكم التكاثر ** (1) ** حتى زرتم المقابر ** (2) [التكاثر: 1 ، 2] ، فهذا المراد به الموت، يعني حتى نقلتم إلى المقابر ميتين، وليس المراد الزيارة المعروفة، والمقصود تحذير الناس من أن يشتغلوا بالتكاثر حتى يموتوا، وسماها زيارة لأن الإنسان لا يقيم في القبر دائما، فهي زيارة ثم يخرج يوم القيامة إلى الجنة أو إلى النار. فالمقابر ليست هي المحل الأخير ، بل المحل الأخير الجنة أو النار، فالموتى زاروا القبور وبقوا في القبور حتى البعث والنشور، فإذا كان يوم القيامة أخرجوا من قبورهم وحاسبهم الله وجازاهم على أعمالهم، فالمتقون إلى الجنة والكرامة، والكافرون للنار، والعصاة على خطر; قد يعفى عنهم فيدخلون الجنة، وقد يعاقبون على قدر معاصيهم ثم بعد المعاقبة وبعد التعذيب الذي يستحقونه يخرجهم الله من النار إلى الجنة- عند أهل السنة والجماعة. فالحاصل أن قوله تعالى: ** ألهاكم التكاثر ** (3) ** حتى زرتم المقابر ** (4) [التكاثر: 1 ، 2] ليس المقصود به الزيارة المعروفة، بل المراد به هنا الموت، يعني ألهاكم التكاثر في الدنيا وحرصتم عليها حتى متم ونقلتم إلى القبور، لكن الله سماها زيارة لأنهم لا يبقون __________ (1) سورة التكاثر الآية 1 (2) سورة التكاثر الآية 2 (3) سورة التكاثر الآية 1 (4) سورة التكاثر الآية 2 (1/248) في القبور أبدا، بل هم زائرون سوف يخرجون من القبور يوم القيامة إلى الجنة أو النار، كما دلت عليه الآيات الكريمات، والأحاديث الصحيحة وأجمع عليه المسلمون، كما قال جل وعلا في كتابه العظيم: ** زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير ** (1) [التغابن: 7] فالله يجمع الناس يوم القيامة ويبعثهم من قبورهم ثم يجازيهم بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر. فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة الاستعداد لهذا اليوم، والحرص على الأعمال الصالحات حتى يسعد ويفوز بالنجاة يوم القيامة، وهذا واجب على كل مكلف من أهل الأرض من الجن والإنس، فيجب على جميع المكلفين من العرب والعجم والإنس والجن والكفار والمسلمين يجب عليهم أن يستعدوا لهذا اليوم، وأن يدخل الكفار في الإسلام، وأن يستقيموا عليه حتى يفوزوا بالنجاة يوم القيامة، والله المستعان. __________ (1) سورة التغابن الآية 7 (1/249) زيارة المرأة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم س110: تقول السائلة هل يجوز زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه للمرأة مع العلم أنني مكرهة، فقد دخلت مع والدة زوجي، وبعض النساء من الأقارب حيث ألحوا علي وأكثروا الكلام علي فخشيت الجدال في المسجد، والتشويش على المصلين فذهبت معهم لزيارة القبر، علما بأنها المرة الأولى والأخيرة؟ وهل علي كفارة لأنني أعلم الحديث المحرم لزيارة النساء؟ (1/249) الجواب: زيارة النساء للقبور مسألة خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها ومنهم من منعها. والصواب والأرجح من القولين أنها ممنوعة، وأنه لا يجوز للنساء زيارة القبور، لا قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولا القبور الأخرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، ثبت هذا من حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث حسان بن ثابت رضي الله عن الجميع. فلا يجوز للنساء على الصحيح زيارة القبور مطلقا، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، لكن إذا كانت المرأة في المسجد، أو في بيتها، فإنه يشرع لها أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتسلم عليه، في البيت أو في الطريق أو في المسجد كما يشرع ذلك للرجال لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تجعلوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » (1) . فالصلاة تبلغ النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان الإنسان. فصلاتك يا عبد الله وسلامك، وهكذا صلاتك يا أمة الله وسلامك كل ذلك يبلغه صلى الله عليه وسلم فلا حاجة إلى حضور المرأة عند قبره صلى الله عليه وسلم ، ولا في البقيع ، ولا في غيره من القبور، عملا بالأحاديث التي فيها النهي واللعن لزائرات القبور. ومن وقع منها ذلك فعليها التوبة والاستغفار ويكفي، سواء وقع منها ذلك جهلا، أو أكرهها بعض أصحابها، فالتوبة والاستغفار كافيان في ذلك. __________ (1) سنن أبو داود المناسك (2042),مسند أحمد بن حنبل (2/367). (1/250) حديث: « لعن الله زائرات القبور » (1) س111: سائلة تقول: ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: « لعن الله زائرات القبور » (2) فأرجو التوضيح هل يقصد به النساء جميعا، أم هناك نساء معينات؟ وكيف الحال عند زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وما هي الأدعية التي تقال عند زيارة القبور؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب: اختلف العلماء في زيارة النساء للقبور بعدما أجمعوا على سنيتها للرجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن زيارة القبور في أول الإسلام خشية الفتنة بالقبور; لأن الجاهلية كانت تعظم القبور، وربما عبدت بعض المقبورين من دون الله. فنهاهم عن زيارة القبور حماية للتوحيد وسدا لذرائع الشرك، ثم أذن للرجال بالزيارة، قال عليه الصلاة والسلام: « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة » (3) وفي رواية : « فإنها تذكركم الموت » (4) . واختلف العلماء في النساء: هل دخلن في هذا أم لا ؟ على قولين لأهل العلم. والصواب أنهن لا يدخلن في الرخصة، بل ينهين عن زيارة القبور لأنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم من عدة طرق أنه : « لعن زائرات القبور » (5) وفي لفظ : « زوارات القبور » (6) من حديث أبي هريرة ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث حسان بن ثابت رضي الله عنهم، وفيها لعن زائرات القبور. فالصواب أنهن لا يزرن القبور مطلقا. هذا هو الأرجح من قولي العلماء، حتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا يزرنه ولا __________ (1) سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337). (2) سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337). (3) صحيح مسلم الجنائز (977),سنن الترمذي الجنائز (1054),سنن النسائي الجنائز (2033). (4) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (5) سنن الترمذي الصلاة (320),سنن النسائي الجنائز (2043),سنن أبو داود الجنائز (3236),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575),مسند أحمد بن حنبل (1/337). (6) سنن الترمذي الجنائز (1056),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1576). |
(1/251)
يقفن عليه، ولكن يصلين على النبي صلى الله عليه وسلم في كل مكان; في المسجد النبوي ، وفي الطريق، وفي بيوتهن، وفي البيت، في كل مكان، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: « لا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » (1) . فالرسول صلى الله عليه وسلم حثنا ورغبنا في الصلاة عليه والسلام عليه، كما أمر الله بذلك في كتابه العظيم حيث قال سبحانه: ** إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ** (2) [الأحزاب: 56] صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين. فالمشروع للنساء الصلاة عليه والسلام عليه في كل مكان، كالرجال، ولا يشرع لهن زيارة القبور لا في بلدهن ولا في غير بلدهن. هذا هو المعتمد والأرجح من قولي العلماء في هذه المسألة. وإذا كانت المرأة في المدينة زائرة فإنها تصلي في المسجد مع الناس، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في المسجد فليس هناك حاجة إلى أن تذهب عند القبر وتصلي عليه، بل تصلي عليه في محلها وتسلم عليه، تقول: اللهم صل وسلم على رسول الله، عليك الصلاة والسلام يا رسول الله، ونحو ذلك. ويكفي هذا والحمد لله احتياطا وبعدا عما حرم الله. __________ (1) سنن أبو داود المناسك (2042),مسند أحمد بن حنبل (2/367). (2) سورة الأحزاب الآية 56 (1/252) س112: هل يشمل المنع قبور الأئمة أيضا؟ وما هو الدعاء الذي يقال عند زيارة القبور؟ (1/252) الجواب : نعم، المنع يشمل قبور الأئمة وغيرهم، ويشمل قبور الناس جميعا; فلا يشرع للمرأة أن تزور القبور مطلقا ; لا قبر أبيها، ولا قبر أمها، ولا غير ذلك فجميع القبور تنهى المرأة عن زيارتها في بلدها وغيرها، وإنما الزيارة للرجال خاصة. ولعل الحكمة في ذلك، والله أعلم، أنهن قليلات الصبر وقد يفتن بهن الرجال، فكان من حكمة الله أن منعهن من الزيارة حتى لا تكون القبور محل فتنة ولا محل نياحة وجزع وقلة الصبر، وبذلك رحم الله النساء وكفاهن ما قد يترتب على زيارتهن للقبور من الفتنة، بخلاف الرجال فإنهم أصبر وأقل خطرا إذا زاروا القبور من النساء، وفي زيارة القبور ذكرى للآخرة وذكرى للموت. والمرأة في إمكانها أن تتذكر الموت بالصلاة على الجنائز في المساجد مع الناس، فالمرأة تصلي على الجنازة في المسجد وفي المصلى، وإنما المنهي عنه ذهابها إلى القبور واتباعها للجنائز إلى القبور، أما صلاتها على الجنازة في المسجد أو في المصلى فمشروع وفيه ذكرى ويغني عن ذهابها للقبور، وهكذا تتذكر الموت دائما وتجعله على البال وتتذكر الآخرة، وكل هذا يكفي بحمد الله في تذكر الآخرة والإعداد لها. أما الدعاء فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية وربما زاد فقال: « اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد » (1) إذا __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (974),سنن النسائي الجنائز (2039). (1/253) زارهم، أو يقول: « يغفر الله لنا ولكم » (1) أو « غفر الله لنا ولكم » أو « رحمنا الله وإياكم » فكل هذا كلام طيب. . __________ (1) سنن الترمذي الجنائز (1053). (1/254) فيمن تذهب والدتها إلى قبر أبيها كل خميس س113: هذا سؤال من سائلة تقول: إن والدتي تذهب كل يوم خميس إلى قبر والدي فهل يجوز هذا أم لا؟ الجواب : الصحيح من أقوال العلماء أن الزيارة تختص بالرجال، وأن النساء لا يزرن القبور; لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، وكان أولا صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور مطلقا للرجال والنساء، ثم رخص للجميع عليه الصلاة والسلام، لما في زيارتها من ذكرى للآخرة؟ ولما في ذلك من الإحسان للموتى والدعاء لهم، ثم استقرت الشريعة على منع النساء وعلى شرعيتها للرجال، وقال عليه الصلاة والسلام: « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) وفي لفظ آخر « تذكركم الموت » (2) والزيارة فيها مصالح من تذكير الآخرة، وتذكير الموت، وزهد في الدنيا، والدعاء للأموات، والترحم عليهم، لكن هذا في حق الرجال. وأما النساء فلا يزرن القبور وهذا هو الصحيح، وهو الصواب لا يزرن القبور للنهي الأخير ولعنه صلى الله عليه وسلم زائرات القبور; ولأن في زيارتهن خطرا لأنهن فتنة، فربما سبب ذلك فتنة للزوار من الرجال، وربما أيضا سبب ذلك أيضا فتنة لها هي لشدة جزعها وقلة صبرها إلا من رحم الله. __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (2) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (1/254) فالمقصود أن الزيارة للقبور مختصة بالرجال دون النساء في أصح قولي العلماء. فلا ينبغي لأم السائلة أن تزور قبر أبيها ولا غيرها، بل تدعو له في بيتها وفي كل مكان، تدعو له بالمغفرة والرحمة إذا كان مات على الإسلام والحمد لله، ويكفي أن تدعو له بالرحمة والمغفرة وتتصدق عنه، وهذا كله طيب، أما أن تزور قبره فلا; لأن الرسول نهى النساء عن ذلك عليه الصلاة والسلام. (1/255) هل يشعر الميت بمن يزور قبره س114: يقول السائل في رسالته: هل الميت يشعر بالذين يزورونه في المقبرة وهل الواجب الوقوف أمام القبر أم يكفي دخول المقبرة فقط؟ أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب : الشعور من الميت بزائره : الله أعلم به، وقد قال بعض السلف بذلك، ولكن ليس عليه دليل واضح فيما أعلم، ولكن السنة معلومة في شرعية زيارة القبور وأن نسلم عليهم، فنقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يغفر الله لنا ولكم يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين . كل هذا مشروع، وأما كونه يشعر أو لا يشعر هذا يحتاج إلى دليل واضح -والله أعلم سبحانه وتعالى- ولكن لا يضرنا شعر أم لم يشعر، علينا أن نفعل السنة فيستحب لنا أن نزور القبور، وأن ندعو لهم ولو لم يشعروا بنا؛ لأن هذا أجر لنا وينفعهم، فدعاؤنا لهم ينفعهم، وزيارتنا تنفعنا لأن فيها أجرا، ولأن فيها ذكر الموت وذكر الآخرة فننتفع بها، (1/255) والميت ينتفع بذلك أيضا; بدعائنا له، واستغفارنا له، فينتفع الميت بذلك. أما الوقوف على القبر ، فالأمر فيه واسع إن وقف على القبر فلا بأس، وإن وقف على حافة المقبرة وسلم كفى، فإذا وقف على طرف القبور وقال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين . كفى هذا، وإن اتصل بقبر أبيه، أو قبر أخيه يكون أفضل وأتم، فكونه يصل إلى قبر أخيه أو أبيه أو قريبه، أو صديقه يقف عليه، ويقول السلام عليك يا فلان ورحمة الله وبركاته، غفر الله لك ورحمك الله، وضاعف حسناتك، ونحوها طيب، وهذا أفضل وأكمل. (1/256) ليس من السنة أن يقرأ عند القبور ولا بين القبور س115: يقول السائل في رسالته: روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من مر على المقابر وقرأ ** قل هو الله أحد ** (1) إحدى عشرة مرة، ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات هل هذا الحديث صحيح ؟ الجواب : هذا الحديث لا أصل له عند أهل العلم، وهو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة التي ليس لهذا سند صحيح، وليس من السنة أن يقرأ عند القبور ولا بين القبور، إنما السنة إذا زار القبور أن يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين أو: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين __________ (1) سورة الإخلاص الآية 1 (1/256) والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية ، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، هذا هو السنة، أما أن يقرأ عليهم القرآن، أو بينهم القرآن، فهذا لا أصل له. (1/257) حكم البناء على القبور س116: يقول السائل: ما حكم البناء على القبر؟ وما الحكم لو كان البناء مسجدا؟ الجواب : أما البناء على القبور فهو محرم، سواء كان مسجدا أو قبة أو أي بناء، فإنه لا يجوز ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) فعلل اللعنة باتخاذهم المساجد على القبور، فدل ذلك على تحريم البناء على القبور وأنه لا يجوز اتخاذها مساجد؛ لأن اتخاذها مساجد من أسباب الفتنة بها; لأنها إذا وضعت عليها المساجد افتتن بها الناس، وربما دعوها دون الله واستغاثوا بها فوقع الشرك، وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي عند مسلم في صحيحه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) هكذا يقول صلى الله عليه وسلم يحذرنا من اتخاذ المساجد على القبور، فينبغي لأهل الإسلام أن يحذروا ذلك، بل الواجب عليهم أن يحذورا ذلك، وفي حديث جابر عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه « نهى عن تجصيص القبور __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (1/257) وعن القعود عليها، وعن البناء عليها » (1) ، فالبناء عليها منهي عنه مطلقا، واتخاذ المساجد والقباب عليها كذلك; لأن ذلك من وسائل الشرك، إذا بني على القبر مسجد أو قبة ونحو ذلك عظمه الناس، وفتن به الناس، وصار من أسباب الشرك به والدعاء لأصحاب القبور من دون الله عز وجل شرك بالله، كما هو الواقع في بلدان كثيرة عظمت القبور، وبنيت عليها المساجد، وصار الجهلة يطوفون بها، ويدعونها، ويستغيثون بأهلها، وينذرون لهم، ويتبركون بقبورهم، ويتمسحون بها. كل هذا وقع بسبب البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وهذا من الغلو الذي حرمه الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : « إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين » (2) وقال: « هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون » (3) يعني المتشددون الغالون. والخلاصة أنه لا يجوز البناء على القبور، لا مسجد ولا غير مسجد، ولا قبة، وأن هذا من المحرمات العظيمة، ومن وسائل الشرك، فلا يجوز فعل ذلك، وإذا وقع فالواجب على ولاة الأمور إزالته وهدمه، وألا يبقى على القبور مساجد ولا قباب، بل تبقى ضاحية مكشوفة كما كان هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم والسلف الصالح، ولأن بناء المساجد على القبور من وسائل الشرك، وكذلك القباب والأبنية الأخرى كلها من وسائل الشرك كما تقدم، فلا تجوز فعلها. بل الواجب إزالتها وهدمها لأن ذلك هو مقتضى أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أمر عليه الصلاة والسلام بأن تزار القبور للذكرى والعظة، ونهى عن البناء عليها، واتخاذ المساجد عليها; لأن __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2028),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). (2) سنن ابن ماجه المناسك (3029),مسند أحمد بن حنبل (1/215). (3) صحيح مسلم العلم (2670),سنن أبو داود السنة (4608),مسند أحمد بن حنبل (1/386). (1/258) هذا يجعلها مساجد تعبد من دون الله، أي يجعلها آلهة، ويجعلها أوثانا تعبد من دون الله; فلهذا شرع امتثال أمره بالزيارة فهي مستحبة، فشرع لنا أن نزورها للذكرى والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، لكن لا نبني عليها لا مساجد ولا قبابا ولا أبنية أخرى؛ لأن البناء عليها من وسائل الشرك والفتنة بها. وكذلك وضع القبور في المسجد لا يجوز، فبعض الناس إذا مات يدفن في المسجد، فهذا لا يجوز، وليس لأحد أن يدفن في المسجد بل يجب أن ينبش القبر، وينقل إلى المقبرة، فإذا دفن الميت بالمسجد فإنه ينبش وينقل إلى المقبرة، ولا يجوز بقاؤه في المساجد أبدا والواجب على أهل الإسلام أن لا يدفنوا في المساجد. (1/259) صلاة الجنازة على القبر عند زيارته س117: هل يجوز أن أصلي على قبر أبي صلاة الجنازة عند زيارته طلبا للرحمة له؟ وهل إذا ورث الميت مصحفا ينال أجرا عند تلاوته أبنائه فيه؟ الجواب : إذا كنت قد صليت على أبيك مع الناس فلا حاجة إلى إعادة الصلاة، بل تزوره وتدعو له فقط، تأتي المقبرة وتسلم على أهل القبور وتدعو لهم وتدعو لأبيك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) وكان النبي يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (1/259) لاحقون يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية هذه هي السنة. فتسلم على أهل القبور وعلى أبيك، وتدعو له بالمغفرة والرحمة، ولا حاجة إلى الصلاة، هذا إذا كنت صليت عليه. أما إذا كنت لم تصل عليه مع الناس فإنك تذهب إلى قبره وتصلي عليه في مدة شهر فأقل إذا كان مضى له شهر أو أقل، أما إذا طالت المدة فلا صلاة عند جمع من أهل العلم، والدعاء يكفي لأبيك والاستغفار له، والترحم عليه، والتصدق عنه بالمال، كل هذا ينفع الميت من أب وغيره. وأما المصحف إذا خلفه الميت فهو ينفعه إذا وقفه- أي جعله وقفا- ينفعه أجره، كما لو وقف كتبا للعلم المفيد; علم الشرع، أو علم مباح ينتفع به الناس فإنه يؤجر على ذلك لأنه إعانة على خير، كما لو وقف أرضا أو بيتا أو دكانا يتصدق بغلته على الفقراء، أو تبرع للمساجد، كل هذا يؤجر عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له » (1) فالصدقات الجارية تنفع الميت إذا كان مسلما، وينفعه دعاء أولاده ودعاء غيرهم، وينفعه الوقف الذي يوقفه بعده في سبيل الخير من بيت أو أرض أو دكان أو نخيل، أو أشباه ذلك، فينتفع هو بهذا الوقف إذا انتفع به الناس; أكلوا من ثمرته وانتفعوا بثمرته، أو صرفت ثمرته في مساجد المسلمين لإصلاحها في فرشها أو عمارتها. __________ (1) صحيح مسلم الوصية (1631),سنن الترمذي الأحكام (1376),سنن النسائي الوصايا (3651),سنن أبو داود الوصايا (2880),مسند أحمد بن حنبل (2/372),سنن الدارمي المقدمة (559). |
(1/260)
بناء القبور فوق سطح الأرض س 118: في مصر يبنون القبور فوق سطح الأرض، والأغنياء يبنون القبور، أما الفقراء فإنهم يدفنون في القبور القديمة، وكثيرا ما نشاهد أجسامهم من خلال القبور القديمة المهدمة، وأصبحت هذه عادة، وقد فكرت في بناء عدة قبور للفقراء في قريتي، ولكن ترددت؛ لأن السنة النبوية تحتم بدفن المسلم تحت التراب ، وأقنعت الناس جميعهم بذلك، ولكنهم لم يستجيبوا. فهل لي أن أبني قبورا للفقراء فوق سطح الأرض تمشيا مع العادة... أم لا تجوز هذه الحسنة؟ ولو بنيتها فهل لي أجر وثواب.. أرجو إفادتي؟ الجواب : السنة الحفر في الأرض للقبور، فيحفر فيها ويعمق فيها، هذا إذا كانت الأرض صالحة، فإذا كانت الأرض صالحة فالسنة أن يحفر فيها ويعمق الحفر إلى نصف الرجل يعني فوق العورة، ويجعل لحد يكون جهة القبلة يكون فيه الميت، هذه هي السنة. لكن لو كانت الأرض رديئة لا تتماسك وضعيفة فلا بأس أن تضبط بالحجارة ونحوها، فيحفروا حفرا وتضبط بالحجر أو بالألواح حتى لا ينهدم، فلا بأس به عند الحاجة. أما البناء فلا يجوز، ولكن يحفر لهم في الأرض ويضبط التراب بألواح أو بحجارة حتى يستقر التراب فوق ذلك، هذه هي السنة الدفن في الأرض لا بالبناء، أما البناء فلا يجوز لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه » (1) فإذا كنت تريد الإحسان إلى الناس فاحفر لهم حفرا مناسبة، وتحيي السنة __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1563),مسند أحمد بن حنبل (3/339). (1/261) بذلك ولا توافقهم على ما أحدثوا من البناء، بل المؤمن يحيي السنة، ويدعو إليها، ويصبر على ما في ذلك من المشقة، هكذا ينبغي للمؤمن. ومن البلايا التي وقعت الآن في الناس، البناء على القبور ، القبر يكون في الأرض ثم يبنى عليه قبة أو مسجد، هذا من البدع ومن المنكرات العظيمة، ومن وسائل الشرك، وهذا واقع في مصر وفي الشام والعراق وغير ذلك، وقد كان واقعا في مكة المكرمة وفي البقيع ، حتى غير الله ذلك على يد الحكومة السعودية، وأحسنت في ذلك جزاها الله خيرا لأنها أزالت البدع، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فنهى عن البناء على القبور وعن تجصيصها، وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) هذا هو الواجب على حكام المسلمين أن يمنعوا البناء على القبور، وأن يمنعوا اتخاذ المساجد عليها، والصلاة عندها، وألا يطاف بها، وألا تدعى من دون الله، وألا يستغاث بأهلها، كل هذا من المنكرات، لكن البناء من وسائل الشرك، أما الدعاء للميت والاستغاثة به وطلب المدد منه هذا هو الشرك الأكبر والعبادة لغير الله سبحانه وتعالى، كما هو واقع في بعض البلاد، فالواجب الحذر وتحذير الناس منه. __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (1/262) لا يجوز وضع البيوت في محل المقابر س119: يقول السائل: أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا، وعندي قطعة أرض (1/262) بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتا لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت، وجدنا قبورا، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب : هذا العمل لا يجوز، فما دامت الأرض فيها قبور، فالواجب تركها، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة، فالواجب أن لا يتعرض لها، ولا ينبش القبور، وإذا حفر ووجد القبور يواسيها ويتركها، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور، ويضعوا بيوتهم في محل القبور، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز. قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين، واعترضه شيء من القبور، ولا حيلة في صرف الشارع فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر، إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز. (1/263) حكم المقام الموضوع في المسجد س120: يقول السائل: عندنا مقام شيخ في المسجد، من قديم الزمان فقال بعض الناس: نهدمه، والبعض الآخر قال: نتركه فبماذا (1/263) تنصحوننا بارك الله فيكم؟ الجواب : إذا كان هذا المقام يتبرك به الجهال، أو يعتقدون فيه أنه يشفي مرضاهم، ويتمسحون بما أخذوا من ترابه، أو ما أشبه ذلك، فإنه يهدم لأنه من قواعد الشرك ومن أساسات الشرك، فيهدم. أما إذا كان هذا المقام حجرة أو غرفة أو محل آخر لتدريس القرآن أو لتعليم العلم؟ فلا بأس بهذا إذا كان ليس فيه ما يسبب الشرك، لا تمسح ولا أخذ من ترابه، ولا غلو في الشيخ بدعائه من دون الله. وإنما هو مقام بناه ليعلم فيه العلم أو ليقرأ فيه القرآن وليس فيه ما يسبب الشرك، وليس فيه ما يدعو إلى الغلو في الشيخ فهذا لا حرج فيه. وهذه المقامات في الغالب كما بلغنا عنها أنها لا تخلو من الغلو، وأن الجهلة يقصدونها للتبرك بها والتمسح بها، أو دعاء الشيخ فيها، أو ما أشبه ذلك، فهذا منكر لا يجوز، ومتى كان المقام يفعل فيه ذلك وجب أن يزال كما أزال النبي صلى الله عليه وسلم العزى، واللات، ومناة، وأشباهها من مقامات المشركين وأوثانهم سدا لباب الشرك، وقضاء على أسباب الفتن. وإذا كان في هذا المقام قبر فهذا أشد وأشد، فإذا كان فيه قبر فيجب أن يزال ويرفع من المسجد، ويجب أن ينبش وينقل إلى مقابر المسلمين ويسوى محله بالمسجد حتى يكون مصلى للمسلمين. والقبر ينبش ويزال إذا كان القبر موضوعا في المسجد، أما إذا كان المسجد قد بني عليه من أجله فالمسجد يهدم ويزال وتبقى البقعة مدفنا للناس يدفنون فيها، والمسجد يزال ويبنى مسجد آخر لأهل الحي في محل ليس فيه قبور حتى لا تقع الفتنة. (1/264) حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور س121: ما حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور علما بأن القرية التي نحن فيها لا يوجد فيها مسجد إلا وفيه قبر؟ وما الحكم إذا تركت صلاة الجماعة أو الجمعة علما بأن هذه المساجد لا نستطيع إزالة هذه القبور منها لأنها تابعة لوزارة الأوقاف؟ الجواب : الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة عند القبور، ولعن اليهود والنصارى باتخاذهم المساجد على القبور، قال عليه الصلاة والسلام: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا » (1) خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ، وقال عليه الصلاة والسلام: « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) خرجه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. وفي الصحيحين « عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهما أنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في أرض الحبشة وما فيها من الصور. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله » (3) . فأخبر أنهم بهذا العمل هم شرار الخلق بكونهم يبنون على قبور الصالحين مساجد، ويصورون صورهم عليها، فهذا من عمل شرار الخلق. فالواجب على حكام المسلمين، وعلى أعيان المسلمين التعاون في __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (3) صحيح البخاري الجنائز (1276),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51). (1/265) هذا الأمر، وألا يبنى مسجد على قبر، وألا يدفن ميت في مسجد، بل المقابر على حدة والمساجد على حدة، هذه سنة المسلمين، وهذا هو المشروع الذي بينه رسول الأمة عليه الصلاة والسلام. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان والمسلمون يدفنون في البقيع في المدينة ، وكان مسجده صلى الله عليه وسلم ليس فيه قبور، ولكن لما وسع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك في آخر القرن الأول أدخل الوليد الحجرة في المسجد النبوي ، فظن بعض الناس لجهلهم أنه يجوز اتخاذ القبور في المساجد أو البناء عليها، وهذا جهل وخلاف لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد وإنما دفن في بيته في بيت عائشة ، وهكذا دفن معه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وعند التوسعة التي فعلها الوليد بن عبد الملك أدخل الحجرة برمتها في المسجد، فالرسول كلية دفن في بيت وهكذا صاحباه ولم يدفنوا في المسجد، فلا ينبغي لعاقل أن يحتج بهذا على ما فعله أولئك الذين غلطوا وخالفوا السنة فبنوا على القبور واتخذوا عليها المساجد، أو دفنوا في المساجد؟ كل هذا غلط ومنكر ووسيلة من وسائل الشرك ولا تجوز الصلاة في المساجد التي فيها القبور. أما إذا كان القبر خارج المسجد عن يمينه أو شماله أو أمامه وراء حائط من الأمام فلا يضر ذلك. أما إذا كان في نفس المسجد فإنه لا يصلى في هذا المسجد، والواجب على الحكام - حكام المسلمين- أن ينظروا في الأمر; فإن كان المسجد هو الأخير أي هو الذي بني على القبر يهدم، وتكون القبور بارزة للمسلمين يدفن في الأرض التي فيها قبور، وتكون بارزة غير |
(1/266)
مصفوفة وغير مبني عليها حتى يدفن فيها المسلمون وحتى يزوروها ويدعوا لأهلها بالمغفرة والرحمة، والمساجد تبنى في محلات ليس فيها قبور. أما إن كان القبر هو الأخير، والمسجد سابق فإن القبر ينبش منها ويخرج من المسجد رفاته ويوضع الرفات في المقبرة العامة. يحفر للرفات حفرة ويوضع الرفات في الحفرة ويسوى ظاهرها بالقبر، وحتى يسلم المسجد من هذه القبور المحدثة فيه، وإذا نبشت القبور التي في المساجد ونقل رفاتها إلى المقابر العامة صلي في هذه المساجد والحمد لله، إذا كانت المساجد هي الأولى أي هي القديمة والقبر حادث، فإنه ينبش القبر ويؤخذ الرفات ويوضع في المقبرة العامة والحمد لله. أما إذا كان القبر هو الأصل والمسجد بني عليه فهذا صرح العلماء بأنه يهدم؛ لأنه بنيان أسس على غير التقوى، فوجب أن يزال وأن تكون القبور خالية من المصليات، لا يصلى عندها ولا فيها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ، نهى عن هذا، ولأن الصلاة عندها وسيلة للشرك، فالصلاة عندها وسيلة إلى أن تدعى من دون الله، وإلى أن يسجد لها وإلى أن يستغاث بها، فلهذا نهى النبي عن هذا عليه الصلاة والسلام، وسد الذرائع التي توصل إلى الشرك عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم. (1/267) الصلاة في مسجد القرية الذي به ضريح س122: يوجد في قريتنا مسجد، ويوجد في هذا المسجد ضريح يزعم أجدادنا أنه لأحد الأولياء، يطلقون عليه اسم الحبيب، والمسجد (1/267) يتكون من ثلاث غرف كبيرة في اتجاه العرض بالنسبة للقبلة، وهذا الضريح يوجد في الغرفة الأمامية ونحن نصلي في الوسطى، ولا يحجز بينها ويين التي فيها الضريح إلا جدار. فما حكم صلاتنا في هذا المسجد أفيدونا أفادكم الله الجواب : بناء المساجد على القبور محرم ومنكر؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) متفق على صحته ، وقال صلى الله عليه وسلم : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) أخرجه مسلم في صحيحه . وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور واتخاذها مساجد، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيصها والقعود عليها والبناء عليها، فلا تجوز الصلاة في هذا المسجد، بل يجب أن يهدم إذا كان بني على القبر. أما إن كان القبر أحدث في المسجد، والمسجد قديم والقبر أحدث فيه، فإنه يزال فينبش وينقل الرفات إلى المقبرة العامة في حفرة خاصة، ويسوى ظاهرها كسائر القبور، ويبقى المسجد على حاله يصلى فيه، لزوال المحذور. س123: يقول السائل: إن هناك أناسا يقومون على مسجد فيه ضريح ويقبلون هذا الضريح، وينذرون له النذور، فإذا نصحناهم قالوا: إننا ملحدون وكفار وسوف يصيبنا سوء وعاهات بالرغم أننا ننصحهم باللجوء إلى الله عز وجل، وترك الاعتقاد بهذا الضريح، وقد لا يكون لنا __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (1/268) قدرة على إزالة الضريح، أو هدم المسجد. فماذا نفعل بارك الله فيكم؟ الجواب : عليكم إنكار المنكر مثل ما فعلتم، فعليكم أن توضحوا لهم أن هذا منكر، وأن دعاء الميت والاستغاثة بالميت والنذر له كل هذا من الشرك بالله وذلك أعظم من بناء المسجد على القبر، فكونهم يدعونه ويستغيثون به وينذرون له فهذا من المنكرات الشركية، وهذه عبادة لغير الله سبحانه وتعالى، وهذا يناقض قول لا إله إلا الله فإنه لا معبود حق إلا الله، وهو الذي يدعى ويرجى سبحانه وتعالى، أما النذر للميت ودعاؤه والاستغاثة به أو بالأشجار، أو بالأحجار، أو بالأصنام، أو بالأنبياء، فكل هذا شرك أكبر، فيجب الحذر من هذا، ويجب أن تعادوهم في الله وتبينوا لهم أن هذا خطأ، وأنه منكر وشرك أكبر حتى يهتدوا إن شاء الله على أيديكم؛ لأن الحق واضح. فعليكم أن تنذروهم بالأسلوب الحسن، والعبارات الحسنة، والرفق، وتوضحوا لهم أن هذا العمل منكر وشرك بالله عز وجل، وأن الواجب الانتقال عنه إلى مسجد آخر سليم من القبور، وما دام هذا المسجد لم يهدم، فإنه ينتقل عنه إلى أرض أخرى يبنى فيها مسجد يصلى فيه، أما هذا فإن هداهم الله وهدموه فهذا الواجب عليهم، يهدمونه ويبقى القبر كسائر القبور، وإن كان القبر هو الأخير فإنه ينبش القبر وتنقل الرفات إلى المقبرة العامة في حفرة خاصة يسوى ظاهرها كسائر القبور. (1/269) حكم بناء القباب على القبور والتبرك بها س124: يقول السائل: عندنا مقبرة كبيرة بها ثلاثة أضرحة، مبني عليها قباب كبيرة يقال إنها بنيت منذ مائتي عام، ومما يؤسف له أن هناك امرأة عجوزا تذهب لهذه الأضرحة بحجة أنهم أولياء وتقوم بتنظيفها ويذهب الناس إلى هذه الأضرحة فيذبحون لها وينذرون لها، وهناك آخرون يقولون يلزم هدم هذه القباب، وآخرون يقولون لا يجوز لنا هدمها لأنها قباب قديمة، وبنيت منذ فترة فلا نعرف وضعها . وسؤالي: ما حكم مثل هذه الأعمال من خدمة المرأة لهذه الأضرحة والذبح عندها ووضع الأموال؟ ثم أين تذهب هذه الأموال؟ وأين تذهب الذبائح؟ الجواب: البناء على القبور أمر منكر لا يجوز اتخاذ قباب عليها، ولا اتخاذ المساجد عليها بل نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البناء عليها، بل لعن من فعل ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) وقال جابر رضي الله عنه « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها » (2) أخرجه مسلم في صحيحه وهكذا رواه النسائي ، والترمذي وغيرهما ، وفيه النهي عن الكتابة على القبور أيضا. والحاصل أن البناء على القبور أمر منكر نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ، واتخاذ المساجد عليها كذلك، لأنه وسيلة إلى الغلو فيها، وعبادتها من دون الله بالدعاء، أو الطواف، أو الاستغاثة بها، أو الذبح لها، كل هذا يقع من بعض الجهلة، وهذا من الشرك الأكبر. ومما تقدم يعلم أن طلب الحوائج من الموتى أو من الأصنام أو من __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2028),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). |
(1/270)
الأشجار والأحجار أو من الكواكب كله شرك بالله عز وجل، وهكذا الطواف على القبور منكر، والطواف يكون بالكعبة ، لا يطاف بالقبور فهذا منكر عظيم، بل شرك أكبر، إذا قصد به التقرب إلى صاحب القبر وهو شرك أكبر، وإذا ظن أنه قربة لله وأنه يتقرب إلى الله بهذا فهذه بدعة; الطواف من خصائص البيت العتيق الكعبة ، القبور لا يطاف بها أبدا هذا منكر وبدعة، وإذا كان فعله تقربا لصاحب القبر صار شركا أكبر وهكذا دعاء الميت، والاستغاثة بالميت، والنذر له والذبح له، كله من الشرك الأكبر. فالواجب على المسلمين الحذر من ذلك وعلى أعيان المسلمين منع هؤلاء من هذا العمل وعلى الحكام والأمراء أن يمنعوا الجهلة من هذا الشرك وهذا هو الواجب على حكام المسلمين؛ لأن الله جل وعلا أقامهم لمنع الأمة مما يضرها ولإلزامها بما أوجب الله عز وجل عليها وللنظر في مصالحها هذا واجب الحكام. الحكام من الأمراء والملوك والسلاطين إنما شرعت ولايتهم ليقيموا أمر الله في أرض الله فعليهم أن ينفذوا أحكام الله، فعلى الأمير في القرية وعلى الحاكم في أي مكان وعلى السلطان ورئيس الجمهورية وعلى كل من له قدرة أن يساهم في هذا الخير، وذلك بإزالة هذه الأبنية والقباب والمساجد التي بنيت على القبور وأن تبقى القبور مكشوفة مثل القبور في البقيع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهدنا الآن في المدينة ، القبور مكشوفة ليس عليها بناء لا مسجد ولا حجرة ولا قبة ولا غير ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها (1/271) وتجصيصها لأن هذا وسيلة إلى أن يغلى فيها وإلى أن تعبد مع الله. وهكذا لا يهدى إليها نقود ولا ذبائح ولا ملابس ولا يوضع لها سدنة، وهذه العجوز التي تأتي القبر تمنع لا تأتي إلى هذه المقابر ولا تقوم بتنظيفها لأنها دعاية للشرك، ولكن تنصح ويبين لها حكم الله في ذلك حتى تعرف التوحيد وتتوب إلى الله من الشرك. ولكن تسور القبور فإذا سورت أطراف المقبرة كلها بسور حتى لا تمتهن وحتى لا تتخذ طرقا للدواب فلا بأس أما البناء على القبر لتعظيمه أو إظهار شرفه وفضله فهذا كله منكر. لا يجوز البناء على القبور أبدا ويمنع وجود السدنة عند القبور لأخذ أموال الناس أو تضليل الناس ودعوتهم إلى الشرك ، كل هذا يجب منعه، وهذا واجب الحكام، وواجب الأعيان، وواجب أمراء البلاد أن يسعوا في هذا الخير وأن ينصحوا للعامة والجهال ويعلموهم، « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زار القبور يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (1) ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أتاكم ما توعدون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد . __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (1/272) حكم زيارة قبر النبي يونس عليه السلام س125: تقول السائلة: ذكرتم في حلقات سابقة في هذا البرنامج عدم زيارة الأضرحة وأنها من الشرك بالله، فهل زيارة النبي يونس والنبي (1/272) جرجيس في نينوى تدخل ضمن ذلك؟ وهل الصلاة فيها غير جائزة؟ الجواب: زيارة القبور قسمان : زيارة شرعية، وزيارة بدعية شركية. أما الزيارة الشرعية فهي مشروعة لقبور الصالحين والمسلمين جميعا وإذا عرف قبر من قبور الأنبياء كقبر نبينا صلى الله عليه وسلم تشرع له الزيارة من دون شد الرحل، فلا تشد الرحال للقبور، لا تشد إلا للمساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، والمسجد الأقصى، هؤلاء الثلاثة تشد لهم الرحال، أما القبور فلا تشد لها الرحال، لكن إذا كان الإنسان في البلد وقصدها زائرا فهذا سنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة وفي لفظ آخر تذكركم الموت » (1) وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعلها أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم. فإذا زار المسلم قبور المسلمين في بلده، ودعا لهم واستغفر لهم كان هذا قربة وطاعة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية » (2) هكذا علمهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان يزور القبور بنفسه صلى الله عليه وسلم، ويدعو للموتى ويستغفر لهم ويقول: « السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أتاكم ما توعدون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد » (3) وفي لفظ يقول: « نسأل الله لنا ولكم العافية » (4) فعلى المؤمن أن يفعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا زار القبور، ومثل ما علم أصحابه، يسلم عليهم، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، ويستغفر __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (2) صحيح مسلم الجنائز (974),سنن النسائي الجنائز (2037),مسند أحمد بن حنبل (6/221). (3) صحيح مسلم الجنائز (974),سنن النسائي الجنائز (2039). (4) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (1/273) لهم، ويقول: « نسأل الله لنا ولكم العافية » (1) هذه هي الزيارة الشرعية. وهكذا إذا زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، إذا زار المسجد ثم زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عليه ويدعو له، ويقول صلى الله وسلم عليك وعلى آلك وأصحابك، جزاك الله عن أمتك خيرا، وهكذا إذا زار قبور الصالحين في أي مكان; يدعو لهم بالمغفرة والرحمة، ويستغفر لهم، ويسأل الله لهم العافية. أما قبر يونس فلا يعلم أنه في نينوى ، وجميع قبور الأنبياء لا تعلم ولا تعرف، فدعوى أنه موجود في نينوى أو في غيرها أمر باطل لا أصل له، وقد ذكر العلماء أنه لا يوجد قبر معروف من قبور الأنبياء البتة إلا قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وإلا قبر الخليل في الخليل في المغارة المعروفة، هذا هو المعروف، أما قبور بقية الأنبياء فغير معروفة، لا يونس ولا غيره من الأنبياء والرسل، قبورهم الآن غير معلومة ، ومن ادعى أن قبر يونس موجود، أو فلان، أو فلان، فكله كذب لا صحة له، ولا نعلم نبيا يقال له جرجيس، ولا يعرف من الأنبياء من يسمى جرجيس فالمقصود أنه ليس هناك قبر نبي معروف غير قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة وغير قبر الخليل في بلد الخليل في المغارة المعروفة . وهذه الزيارة الشرعية للرجال، أما النساء فلا يشرع لهن الزيارة على الصحيح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، فدل ذلك على أن النساء لا يزرن القبور، وإنما الزيارة للرجال خاصة في أصح قولي العلماء، لما جاءت به الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن زائرات القبور، جاء هذا من حديث أبي هريرة ، ومن حديث حسان بن ثابت ، __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (1/274) ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهم، فلا يشرع لهن الزيارة ولا تجوز لهن الزيارة. ولكن يدعون للموتى المسلمين في بيوتهن وفي المساجد وفي كل مكان وإذا زاروا المدينة دعون للنبي صلى الله عليه وسلم في المسجد أو في بيوتهن وصلين عليه وسلمن عليه في أي مكان عليه الصلاة والسلام، لقوله عليه الصلاة والسلام: « لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم » (1) عليه الصلاة والسلام، فإذا صلى عليه المؤمن والمؤمنة في أي مكان بلغ ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم : « إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام » (2) عليه الصلاة والسلام. فمشروع لك أيتها السائلة أن تصلي عليه صلى الله عليه وسلم في أي مكان، وعلى بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأما زيارة هذا القبر الذي يقال له قبر يونس فلا أصل له، ثم النساء لا يزرن القبور على الصحيح، ولكن يدعون لموتى المسلمين، ويستغفرن لموتى المسلمين في أي مكان. أما الزيارة البدعية فهي زيارة القبور، للصلاة عندها، أو القراءة عندها، أو الدعاء عندها، فهذه الزيارة من البدع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (3) أما إن دعا أصحاب القبور، أو استغاث بهم، أو طلب منهم الشفاعة، فهذا هو الشرك الأكبر الذي كان يفعله المشركون حول القبور. فالواجب الحذر من ذلك ونصيحة من يفعله، مع التوبة إلى الله من ذلك. __________ (1) سنن أبو داود المناسك (2042),مسند أحمد بن حنبل (2/367). (2) سنن النسائي السهو (1282),مسند أحمد بن حنبل (1/441),سنن الدارمي الرقاق (2774). (3) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). (1/275) حكم زيارة الأضرحة وتقبيلها س126: هل زيارة الإمام أو السيد تعتبر ذنبا على الزائر إذا قبل الشباك أو باب الغرفة أو الضريح للإمام، وما الحكم في مثل قول الزائر: أنا دخيل عليك أن تنقذني من هذه القصة أو غير ذلك؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب : زيارة القبور سنة مؤكدة للرجال، إذا كان المقصود منها الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له، كما كان النبي يزور القبور صلى الله عليه وسلم ، وكان أصحابه يزورون القبور وقال لهم عليه الصلاة والسلام: « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) فالزيارة فيها خير عظيم ومصالح، تذكر الإنسان بالآخرة وبالموت ويدعو للأموات ويستغفر لهم ويترحم عليهم، هذه هي الزيارة الشرعية. « وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية » (2) وفي حديث عائشة « يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (3) . هذه هي الزيارة الشرعية، أما أن يدعو الميت أو يقول: أنا دخيلك أو اشفني من مرضي، أو خلصني من كذا، فهذا شرك أكبر وهذا لا يجوز، لا مع إمام، ولا مع سيد، لا مع نبي، ولا مع الإمام أبي حنيفة ، ولا غيرهم. لا يجوز أن يقال لأحد من الأموات: انصرني، أو اشف مريضي، أو رد غائبي، أو خلصني من هذه الكربة، لا يقول للميت أنا بجوارك أنا __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (2) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (3) سنن النسائي الجنائز (2037),مسند أحمد بن حنبل (6/221). |
(1/276)
في حسبك اغفر لي، هذا كله لا يجوز بل هو من الشرك الأكبر لأن هذه الأمور من خصائص الله سبحانه وتعالى، لا يقال للميت ولا للجماد كالصنم والشجر ولا للجن ولا للملائكة، بل هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى، والذي يتعاطى هذا مع أصحاب القبور قد فعل الشرك الأكبر الذي حذر الله منه عباده، وأنزل الكتب في حقه، وأرسل الرسل لأجل ذلك، قال سبحانه وتعالى: ** كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ** (1) ** ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ** (2) هود: [1 ، 2] وقال سبحانه: ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (3) [الجن: 18] وقال عز وجل: ** ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ** (4) [النحل: 36] . فالعبادة حق الله سبحانه وتعالى، فليس للعبد أن يطلب شفاء المرض أو رد الغائب، أو التخليص من الكرب من الأموات، أو من الأصنام، أو من الكواكب أو من الأشجار والأحجار، أو من الجن أو من الملائكة، كل هذا لا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر. وإنما الزيارة الشرعية مثل ما تقدم أن يزور القبور ويسلم عليهم ويقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يغفر الله لنا ولكم يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وما أشبه ذلك، من الدعاء لهم والترحم عليهم. وأما تقبيل القبر أو تقبيل الشباك أو التمسح بالقبر، فكل هذا لا يجوز، والذي يقف عند القبر يسلم فقط. ويدعو للميت ويترحم عليه __________ (1) سورة هود الآية 1 (2) سورة هود الآية 2 (3) سورة الجن الآية 18 (4) سورة النحل الآية 36 (1/277) كما تقدم. ولا يجوز البناء على القبور، ولا اتخاذ المساجد عليها ولا القباب، كل هذا مما أحدثه الناس. والرسول صلى الله عليه وسلم قال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) وقال: « ألا إن من كان قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) وقال جابر رضي الله عنه: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها » (3) وتجصيص القبور، والبناء عليها، أو اتخاذها مساجد ، كله منكر لا يجوز، ومن أسباب الغلو فيها وعبادتها من دون الله، والواجب على الزائر أن يتقيد بالأمر الشرعي، وأن يبتعد عما حرم الله عليه، فيزورها كما زارها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له. وأما دعاء الميت نفسه والاستغاثة به والنذر له أو الالتجاء إليه أو التعوذ به من كذا وكذا فهذا كله لا يجوز، وكله من الشرك. وهكذا الجلوس عند القبر يدعو الله أو يصلي عند القبر هذا لا يجوز أيضا، بل يجب الحذر من ذلك؛ لأنه من وسائل الشرك، ولأن دعاء الميت شرك أكبر والاستغاثة به والاستشفاع به ونحو ذلك من الشرك الأكبر، والجلوس عنده للدعاء، أو الصلاة من البدع ومن وسائل الشرك. وهكذا البناء على القبور، واتخاذ القباب عليها من البدع، وكله من وسائل الشرك والذرائع. __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (3) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2028),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). (1/278) فالواجب على المسلمين أن يحذروا من ذلك، وأن يعيدوا القبور على حالها الأولى، ويزيلوا ما عليها من مساجد ومن قباب، وعليهم أن يتركوها كما كانت في عهد النبي وعهد أصحابه ظاهرة، تحت الشمس، ليس عليها قبة ولا مسجد، ولا غير ذلك، هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية والسلامة. (1/279) زيارة قبور الأولياء س127: تسأل السائلة عن قبور الأولياء وتقول: يوجد عندنا في العراق بدع، وهي أن بعض الناس يقصدون قبور أولياء الله والصالحين من مكان بعيد، وعند زيارة القبر يخلعون أحذيتهم، وهذه القبور مبني عليها ما يشبه المساجد وعند دخولهم يصلون ركعتين، وهي صلاة الزيارة ويقال إنها سنة. فهل هذا جائز أم لا؟ أفيدونا وفقكم الله لما فيه الخير وجزاكم الله عنا خيرا ؟ الجواب: هذا سؤال مهم وله شأن عظيم، وهو تعظيم القبور بالزيارة البدعية، والبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، هذه مسائل ذات أهمية، فينبغي أن يعلم أن الزيارة للقبور سنة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) ولكن ليس المقصود بالزيارة أن يدعى الميت، أو يستغاث به، أو يطلب منه المدد، أو يتمسح بالقبر، أو ما أشبه ذلك، بل المقصود من الزيارة ذكر الآخرة، وذكر الموت، والدعاء للميت والترحم عليه إن كان مسلما، هذا هو المقصود من الزيارة، ولهذا قال عليه الصلاة __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (1/279) والسلام: « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) وفي لفظ آخر: « تذكركم الموت » (2) . فالسنة للزائر إذا زار أن يسلم على المقبورين، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية » (3) وفي لفظ آخر: « يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (4) وكان يقول إذا زار البقيع : « اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد » (5) فالسنة إذا زار القبور هكذا، أن يسلم عليهم ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة والعافية، فهذا هو المشروع، أما أن يزورهم ليدعوهم من دون الله، أو ليطلب منهم المدد، أو ليستغيث بهم، أو لينذر لهم، فهذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله، وهذا من عمل الجاهلية; كأبي جهل وأصحابه عند القبور، فهذا لا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر. وهكذا الصلاة عند القبور لا تجوز، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (6) وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (7) فلا تجوز الصلاة عند القبور، ولا العكوف عندها، ولا سؤال أهلها، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم كما تقدم، ولما رأت أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما كنيسة في الحبشة ، وما فيها من الصور، أخبرتا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (2) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572),مسند أحمد بن حنبل (2/441). (3) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (4) سنن النسائي الجنائز (2037),مسند أحمد بن حنبل (6/221). (5) صحيح مسلم الجنائز (974),سنن النسائي الجنائز (2039). (6) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (7) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). |
(1/280)
مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله » (1) فأخبر أنهم شرار الخلق بسبب تعظيمهم للقبور بالبناء عليها، واتخاذ الصور والمساجد عليها. فالذي يفعله بعض الناس من اتخاذ المساجد على القبور ، أو اتخاذ القباب عليها، كل هذا منكر ومن وسائل الشرك بأهلها، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تجصيص القبور، وعن القعود عليها، وعن البناء عليها، فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور المساجد، ولا القباب، ولا غيرها من الأبنية، بل تبقى ضاحية مكشوفة في الجبانة أي المقبرة، فيأتي إليها الزائر ويسلم عليهم ويدعو لهم ثم ينصرف، ولا تجوز الصلاة عندها، ولا بين القبور، ولا التمسح بالتراب، ولا الجلوس عندها للقراءة، أو الدعاء، كل هذا منكر، وإنما يسلم عليهم ويدعو لهم وينصرف، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعل أصحابه رضي الله عنهم، وكما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه الصلاة والسلام. والصلاة عند القبور من البدع، ومن وسائل الشرك أيضا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: « اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا » (2) فدل ذلك على أن القبور لا يصلى فيها، ولا يصلى عندها، إنما الصلاة في المساجد وفي البيوت، أما القبور فلا; لأن الصلاة عندها من وسائل الشرك، والعبادة لها من دون الله. وهكذا البناء عليها، وهكذا اتخاذ المساجد عليها، وهكذا اتخاذ القباب عليها، وفرشها، وتطييبها، كل هذا من وسائل الشرك، ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بما يفعله الناس الجهلة من هذا الشيء، كما في __________ (1) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51). (2) صحيح البخاري الصلاة (422),صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (777),سنن الترمذي الصلاة (451),سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1598),سنن أبو داود الصلاة (1448),مسند أحمد بن حنبل (2/16). (1/281) بلاد كثيرة حيث يعظمون القبور ويبنون عليها المساجد والقباب، وهذا من المنكرات العظيمة ومن وسائل الشرك، كما هو معلوم عند أهل العلم. فوصيتي ونصيحتي للسائل أن يحذر هذا، فإذا زار القبور يزورها زيارة شرعية، يسلم عليهم ويدعو لهم إن كانوا مسلمين وينصرف، أما الصلاة في مسجد على القبر، أو بين القبور، فهذا منكر، كذلك الجلوس عندها للدعاء أو القراءة كذلك لا يجوز، وأما دعاؤها والاستغاثة بها والنذر لها، وطلب المدد منها كما يفعله الجهلة، فهذا هو الشرك الأكبر، فالواجب الحذر من ذلك غاية الحذر. وكثير من المسلمين عندهم جهل كثير في هذه المسائل، فيفعلون ما يرون العامة يفعلونه عند القبور، ولا يعلمون أحكام الشرع في ذلك، والواجب على العلماء في كل البلاد أن يعلموا الناس، وأن يرشدوا الناس إلى سنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأن يحذروهم من الشرك والبدع، هذا هو الواجب على أهل العلم في كل مكان. ولكن بسبب قلة العلماء، وقلة أهل التحقيق كثر هذا الشر في بلدان كثيرة، وظنوه دينا وظنوه شيئا مشروعا، فصاروا يسارعون إليه يحسبون أنهم على هدى، وعلى حق في ذلك، وهذه مصيبة عظيمة يجب التنبيه عليها. ويجب على كل مسلم أن يسأل عما أشكل عليه، وألا يتساهل بالأمور التي يرى عليها آباءه وأسلافه، بل عليه أن يسأل، فإن الكفار كان من عادتهم اتباع أسلافهم على غير بصيرة، كما حكى الله عنهم أنهم يقولون: ** إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ** (1) [الزخرف: 23] ، فلا ينبغي التأسي بالكفرة في ذلك، بل يجب على المسلم __________ (1) سورة الزخرف الآية 23 (1/282) أن يسأل أهل العلم إن كانوا عنده، أو يكتب إليهم في أي البلاد، ويسألهم عما أشكل عليه من أمور دينه حتى يكون على بصيرة، لأن الله تعالى قال: ** فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ** (1) [النحل: 43] . فالواجب على أهل الإسلام إذا لم يكن عندهم علم أن يسألوا، وعلى كل إنسان ليس عنده علم أن يسأل عما أشكل عليه في أمور القبور، أو في أمور صلاته، أو في زكاته، أو في صيامه، أو في معاملاته، وفي كل شيء __________ (1) سورة النحل الآية 43 (1/283) الطواف بالقبور س128: يقول السائل: كنت جالسا مع إخوة لي من أبناء وطني من صعيد مصر ، فقالوا لي: يوجد عندنا مقام لأبي الحسن الشاذلي من طاف به سبع مرات كانت له عمرة، ومن طاف به عشر مرات كان له حجة، ولا يلزمه الذهاب إلى مكة ، فقلت لهم: إن هذا الفعل كفر بل شرك -والعياذ بالله- فهل أنا مصيب؟ وبماذا تنصحون من ينخدع بذلك؟ الجواب: نعم قد أحسنت، لا يجوز الطواف بالقبور، لا بقبر أبي الحسن الشاذلي ، ولا بقبر البدوي ، ولا بقبر الحسين ، ولا بالسيدة زينب ، ولا بالسيدة نفيسة ولا بقبر من هو أفضل منهم، لأن الطواف عبادة لله وإنما يكون بالكعبة خاصة، ولا يجوز الطواف بغير الكعبة أبدا، وإذا طاف بقبر أبي الحسن الشاذلي أو بمقامه يتقرب إليه بالطواف، صار شركا أكبر، وليس هو يقوم مقام حجة، ولا مقام عمرة، بل هو كفر وضلال، ومنكر عظيم، وفيه إثم عظيم. (1/283) فإن كان طاف يحسب أنه مشروع، ويطوف لله لا لأجل أبي الحسن فهذا يكون بدعة ومنكرا، وإذا كان طوافه من أجل أبي الحسن ومن أجل التقرب إليه فهو شرك أكبر -والعياذ بالله- وهكذا دعاؤه والاستغاثة بأبي الحسن الشاذلي ، أو النذر له، أو الذبح له، كله كفر أكبر -نعوذ بالله- وكذلك الحلف بأبي الحسن ، وكذلك الحلف بالنبي ، أو بالحسن ، أو بالحسين ، أو بفاطمة ، أو بالكعبة ، أو بالأمانة، أو الحلف بحياة فلان أو شرفه كله لا يجوز لأن الحلف بغير الله ممنوع وهو شرك أصغر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت » (1) . ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « من حلف بغير الله فقد كفر » (2) وفي لفظ: « فقد أشرك » وفي لفظ آخر: « فقد كفر أو أشرك » (3) ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « من حلف بالأمانة فليس منا » (4) ولقوله صلى الله عليه وسلم: « لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون » (5) فالحلف يكون بالله وحده; لأنه تعظيم لا يليق إلا بالله وحده، فالحلف بغير الله من الشرك الأصغر وقد يكون أكبر إذا حصل في قلبه من التعظيم للمخلوق ما هو من جنس تعظيم الله يكون كفرا أكبر، فالدعاء والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم، والنذر لهم، والتوكل عليهم، أو اعتقاد أنهم يعلمون الغيب، أو يتصرفون في الكون، أو يعلمون ما في نفوس أصحابهم، والداعين لهم، والطائفين بقبورهم، كل هذا شرك أكبر -نعوذ بالله من ذلك- فالغيب لا يعلمه إلا الله; لا يعلمه الأنبياء ولا غيرهم، وإنما يعلمون من الغيب ما علمهم الله إياه، __________ (1) صحيح البخاري الشهادات (2533),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/7),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341). (2) صحيح البخاري الأدب (5757),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1535),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3251),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/125),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341). (3) سنن الترمذي النذور والأيمان (1535). (4) سنن أبو داود الأيمان والنذور (3253),مسند أحمد بن حنبل (5/352). (5) صحيح البخاري المناقب (3624),صحيح مسلم الأيمان (1646),سنن الترمذي النذور والأيمان (1534),سنن النسائي الأيمان والنذور (3766),سنن أبو داود الأيمان والنذور (3249),سنن ابن ماجه الكفارات (2094),مسند أحمد بن حنبل (2/76),موطأ مالك النذور والأيمان (1037),سنن الدارمي النذور والأيمان (2341). (1/284) ويقول الله سبحانه وتعالى: ** قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ** (1) [النمل: 65] . فمن زعم أن شيخه يعلم الغيب ، أو يعلم ما في نفس زائره، أو ما في قلب زائره فهذا كفر أكبر-والعياذ بالله- فالغيب لله وحده سبحانه وتعالى، وكذلك إذا عكف على القبر يطلب فضل صاحب القبر، ويطلب أن يثيبه أو يدخله الجنة بالجلوس عند قبره، أو بالقراءة عند قبره، أو بالاستغاثة به أو نذره له، أو صلاته عنده، أو نحو ذلك، فهذا كفر أكبر. فالحاصل أن الواجب على المؤمن أن يحذر الشرك كله وأنواعه. والقبور إنما تؤتي للزيارة، يزورها المؤمن للدعاء لهم، والترحم عليهم، فيقول: « السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يغفر الله لنا ولكم يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية » (2) وهكذا. أما أن يدعوهم مع الله، أو يستغيث بهم، أو ينذر لهم، أو يتقرب إليهم بالذبائح بالبقر، أو بالإبل، أو بالغنم، أو بالدجاج فكل هذا كفر أكبر -والعياذ بالله- فالواجب الحذر والواجب التفقه في الدين، المسلم عليه أن يتفقه في دينه حتى لا يقع في الشرك والمعاصي. وعلماء السوء علماء ضلالة يضلون الناس ويغشونهم، فالواجب على علماء الحق أن يتقوا الله وأن يعلموا الناس من طريق الخطب والمواعظ وحلقات العلم، ومن طريق الإذاعة، ومن طريق الكتابة والصحافة، ومن طريق التلفاز، يعلمون الناس دينهم ويرشدونهم إلى __________ (1) سورة النمل الآية 65 (2) سنن النسائي الجنائز (2037),مسند أحمد بن حنبل (6/221). (1/285) الحق حتى لا يعبدوا الأموات، ولا يستغيثوا بهم، وحتى لا يطوفوا بقبورهم، وحتى لا يتمسحوا بها، وحتى لا ينذروا لها وحتى لا يقعوا بالمعاصي. والقبور تزار للذكرى; لذكر الآخرة، وذكر الموت، وللدعاء للميت والترحم عليه كما تقدم، أما أن يطاف بقبره أو يدعى من دون الله أو يستغاث به، أو يجلس عنده للصلاة، فهذا لا يجوز، والجلوس عند قبره للصلاة عنده أو للقراءة عنده بدعة، وإذا كان يصلي له كان كفرا أكبر، فإن صلى لله وقرأ لله يطلب الثواب من الله، ولكن يرى أن القبور محل جلوس لهذه العبادات صار بدعة فالقبور ليست محل جلوس للصلاة أو للقراءة، ولكنها تزار للدعاء للأموات، والترحم عليهم، مثلما زارهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: « السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (1) وكان إذا زار البقيع يقول: « اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد » (2) ويترحم عليهم، وهذه هي الزيارة الشرعية، فيجب الحذر مما حرم الله مما أحدثه عباد القبور، وأحدثه الجهال، مما يضر ولا ينفع بل يوقع أصحابه في الشرك الأكبر -ولا حول ولا قوة إلا بالله-. __________ (1) سنن النسائي الجنائز (2037),مسند أحمد بن حنبل (6/221). (2) صحيح مسلم الجنائز (974),سنن النسائي الجنائز (2039). |
(1/286)
اهتمام مشايخ الصوفية بالقباب والأضرحة س129: يقول السائل: عندنا من مشايخ الصوفية من يهتم بصنع القباب والأضرحة، والناس يعتقدون فيهم الصلاح والبركة، فإن كان (1/286) هذا الأمر غير مشروع فما هي نصيحتكم لهم، وهم قدوة في نظر السواد الأعظم من الناس. أفيدونا بارك الله فيكم؟ الجواب: النصيحة لعلماء الصوفية ولغيرهم من أهل العلم أن يأخذوا بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يعلموا الناس ذلك، وأن يحذروا إتباع من قبلهم فيما يخالف ذلك، فليس الدين بتقليد المشايخ ولا غيرهم، وإنما الدين ما يؤخذ عن كتاب الله وعن سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وعما أجمع عليه أهل العلم، من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، الدين هكذا يؤخذ لا عن تقليد زيد وعمرو. وقد دلت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه لا يجوز البناء على القبور ، ولا اتخاذ المساجد عليها، ولا اتخاذ القباب، ولا أي بناء، كل ذلك محرم بنص الرسول عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا. وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة ، وما فيها من الصور، فقال عليه الصلاة والسلام: « أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله » (1) فأخبر عليه الصلاة والسلام أن الذين يتخذون المساجد على القبور هم شرار الخلق، وهكذا من يتخذ عليها الصور لأنها دعاية للشرك؛ __________ (1) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51). (1/287) لأن العامة إذا رأوا عليها المساجد والقباب عظموا المدفونين، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم، ودعوهم من دون الله، وطلبوا منهم المدد والعون، وهذا هو الشرك الأكبر. وفي حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، الذي خرجه مسلم في الصحيح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: « إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (1) هكذا رواه مسلم في الصحيح . فدل ذلك على فضل الصديق رضي الله عنه ، وأنه أفضل الصحابة وخيرهم، وأنه لو ساغ للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ خليلا لاتخذه خليلا رضي الله عنه، ولكن الله جل وعلا منعه من ذلك حتى تتمحض محبته لربه سبحانه وتعالى، فإن الخلة أعلى المحبة. وفي الحديث دلالة على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وعلى ذم من فعل ذلك من جهات ثلاث: الأولى: ذمه من فعل ذلك. الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: « فلا تتخذوا القبور مساجد » (2) الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: « فإني أنهاكم عن ذلك » (3) فحذر من البناء على القبور من هذه الجهات الثلاث، بقوله صلى الله عليه وسلم: « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد » (4) ثم قال: « ألا فلا تتخذوا القبور مساجد » (5) يعني لا تتأسوا بهم، فإني أنهاكم عن ذلك- وهذا تحذير صريح من البناء على القبور واتخاذها __________ (1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (4) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (5) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (1/288) مساجد، والعلة والحكمة في ذلك ما قاله أهل العلم أنه وسيلة وذريعة إلى الشرك الأكبر، وإلى عبادة أهل القبور، وصرف الدعاء، والنذور، والاستغاثة، والذبائح لهم، وطلب المدد منهم والعون، كما هو الواقع الآن في بلدان كثيرة عند السائل في السودان ، وفي مصر ، وفي الشام ، والعراق . وفي بلدان كثيرة، يأتي الرجل العامي الجاهل يقف على صاحب القبر المعروف عندهم فيطلب المدد والعون والغوث، كما يقع عند قبر البدوي ، والحسين ، والسيدة نفيسة ، وزينب ، وغيرها في مصر ، وكما يقع عندكم في السودان عند قبور كثيرة، وكما يقع في بلدان أخرى، وكما يقع من بعض الحجاج الجهال عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وعند قبور أهل البقيع ، وعند قبر خديجة في مكة ، وقبور أخرى، يقع هذا من الجهال فهم يحتاجون إلى تبصير، وإلى بيان، وإلى عناية من أهل العلم، فالواجب على أهل العلم جميعا سواء كانوا من المنسوبين إلى التصوف أو غيرهم، فالواجب على علماء الشريعة جميعا أن يتقوا الله، وأن ينصحوا عباد الله، وأن يعلموهم دينهم، وأن يحذروهم من البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها أو القباب، أو غير ذلك من أنواع البناء، وأن يحذروهم من دعاء الموتى، والاستغاثة بالموتى ، فالدعاء عبادة لله وحده، لأن الله سبحانه يقول: ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (1) [الجن: 18] ، ويقول سبحانه: ** ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ** (2) [يونس: 106] ، يعني المشركين، ويقول صلى الله عليه وسلم: « الدعاء هو العبادة » (3) . __________ (1) سورة الجن الآية 18 (2) سورة يونس الآية 106 (3) سنن الترمذي تفسير القرآن (2969),سنن ابن ماجه الدعاء (3828). (1/289) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله » (1) فالميت قد انقطع عمله عن الناس، فهو في حاجة أن يدعى له ويستغفر له وإلى أن يترحم عليه، لا أن يدعى من دون الله; لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له » (2) فكيف يدعى من دون الله؟! وهكذا الأصنام، وهكذا الأشجار، والأحجار، وهكذا القمر والشمس والكواكب، كلها لا تدعى من دون الله، ولا يستغاث بها، وهكذا أصحاب القبور وإن كانوا أنبياء، وإن كانوا صالحين، هكذا الملائكة، والجن، لا يدعون مع الله; والله سبحانه يقول: ** ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ** (3) آل عمران: 180 ، فجعل اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا بالدعاء والاستغاثة كفرا، والله لا يأمر به سبحانه وتعالى. وفي حديث جابر عند مسلم ، يقول رضي الله عنه: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور وعن القعود عليها وعن البناء عليها » (4) وذلك لأنها وسيلة إلى الشرك، فالبناء عليها، والتجصيص والكسوة، والقباب كل هذا وسيلة إلى تعظيمها، والغلو فيها، ودعاء أهلها، أما القعود عليها فهو امتهان لا يجوز، فلا يقعد عليها فهي محترمة لا تمتهن، فلا يقعد عليها، ولا يبول عليها ولا يتغوط عليها، ولا يستند إليها، ولا يطؤها، فهذا ممنوع احتراما للمسلم. والمسلم حيا وميتا محترم، لا يجوز أن يداس قبره، ولا تكسر عظامه، ولا يقعد على قبره، ولا يبال عليه، ولا أن توضع عليه القمائم، __________ (1) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2516),مسند أحمد بن حنبل (1/303). (2) صحيح مسلم الوصية (1631),سنن الترمذي الأحكام (1376),سنن النسائي الوصايا (3651),سنن أبو داود الوصايا (2880),مسند أحمد بن حنبل (2/372),سنن الدارمي المقدمة (559). (3) سورة آل عمران الآية 80 (4) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2028),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). |
(1/290)
كل هذا ممنوع، فالميت المسلم لا يمتهن ولا يدعى من دون الله; لا يغالى فيه فيدعى من دون الله، ولا يمتهن ويداس وتوضع عليه القمائم والأبوال والقاذورات، لا هذا ولا ذاك، فالشريعة جاءت بالوسط; جاءت باحترام القبور، والدعاء لأهلها بالمغفرة والرحمة، وزيارتهم للدعاء لهم، والاستغفار لهم، ونهت عن إيذائهم بالقاذورات وبالقمائم وبالبول وبالقعود عليهم، إلى غير ذلك. ومن هذا ما جاء في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها » (1) لا يجوز أن تجعل قبلة ولا أن يقعد عليها فجمعت الشريعة الكاملة العظيمة بين الأمرين; بين تحريم الغلو في أهل القبور ودعائهم من دون الله، والاستغاثة بهم، والنذر لهم ، ونحو ذلك، وهذا من الشرك الأكبر، وبين النهي عن إيذائهم وامتهانهم والجلوس على قبورهم، أو الوطء عليها والاستناد إليها، أو وضع القاذورات عليها، كل هذا ممنوع، وبهذا يعلم المؤمن، ويعلم طالب الحق، أن الشريعة جاءت بالوسط; لا بالشرك ولا بالإيذاء والامتهان، فالنبي والرجل الصالح يدعى له، ويستغفر له، ويسلم عليه عند زيارته، أما أن يدعى من دون الله فلا، فلا يقال: يا سيدى المدد المدد، أو انصرني، أو اشف مريضي، أو أعني على كذا، فهذا يطلب من الله، ولا يمتهن فتوضع القمامة على قبره، أو يوطأ عليه، أو يداس عليه، لا هذا ولا ذاك. أما الحي فلا بأس أن يتعاون معه; لأن له عملا فيما يجوز شرعا من الأسباب الحسية، كما قال تعالى: ** فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ** (2) [القصص: 15] ، __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (972),سنن الترمذي الجنائز (1050),سنن النسائي القبلة (760),سنن أبو داود الجنائز (3229),مسند أحمد بن حنبل (4/135). (2) سورة القصص الآية 15 (1/291) في قصة موسى، فإن موسى حي وهو المستغاث به، فاستغاثه الإسرائيلي على الذي من عدوه وهو القبطي، وهكذا الإنسان مع إخوانه، ومع أقاربه، يتعاونون في مزارعهم، وفي إصلاح بيوتهم، وفي إصلاح سياراتهم، وفي أشياء أخرى من حاجاتهم يتعاونون بالأسباب الحسية المقدورة، فلا بأس، وهكذا من طريق الهاتف ( التليفون)، من طريق المكاتبة، من طريق الإبراق والتليكس، كل هذا تعاون حسي لا بأس به في الأمور المقدورة. لكن ما يتعلق بالعبادة فلا، فلا يقال للحي أو الميت: اشف مريضي، أو رد غائبي، لاعتقاد أن له سرا في ذلك، ولا يقال: انصرنا على عدونا، أي بسره، أما طلب النصر من الحي القادر الحاضر بالأسباب الحسية كالسلاح والقرض فلا بأس. كذلك يأتي الطبيب يطلب منه العلاج لا بأس، أما أن يقول: اشفني; لأنه يعتقد فيه سرا، كما هو مشهور عند الصوفية وغيرهم، فهذا كفر; لأن الإنسان ما يستطيع أن يتصرف في الكون، إنما في الأمور الحسية، والطبيب يتصرف في الأمور الحسية كالأدوية. كذلك الإنسان القادر الحي يتصرف في الأسباب الحسية، يعينك بيده، يقف معك، يعطيك مالا كقرض، أو مساعدة تبني بها، أو يعطيك قطع غيار لسيارتك، أو يساعدك بالشفاعة لدى من يعينك، فهذه أمور حسية ولا بأس بها، ولا تدخل في عبادة الأموات، والاستغاثة بالأموات، ونحو ذلك. وكثير من دعاة الشرك يشبهون بهذه الأمور، وهذه أمور واضحة (1/292) بينة، لا تشتبه إلا على من هو من أجهل الناس، فالتعاون مع الأحياء شيء جائز بشروطه المعروفة، وسؤال الأموات، والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم أمر ممنوع ومعلوم عند أهل العلم وأنه شرك أكبر بإجماع أهل العلم، ليس فيه نزاع بين الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان وأهل البصيرة، والبناء على القبور واتخاذ المساجد عليها والقباب كذلك منكر معلوم عند أهل العلم، جاءت الشريعة بالنهي عنه، فلا يجوز أن يلتبس هذا على أهل العلم. فالواجب على أهل العلم مرة أخرى- أن يتقوا الله أينما كانوا، وأن ينصحوا لعباد لله وأن يعلموهم شريعة الله، وألا يجاملوا في ذلك زيدا ولا عمرا ، بل يعلمون الأمير والصغير والكبير، ويحذرون الجميع مما حرم الله، ويرشدونهم إلى ما شرع الله، هذا هو الواجب على أهل العلم أينما كانوا، من طريق الكلام الشفهي، ومن طريق الكتابة، ومن طريق التأليف، ومن طريق الخطابة في الجمع وغيرها، ومن طريق الهاتف، ومن طريق التليكس من أي الطرق التي وجدت الآن، يستعان بها على تبليغ دعوة الله، وعلى نصح عباد الله. نسأل الله للجميع الهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (1/293) حكم الإقامة لأيام عند المقام المبني على القبر س130: يقول السائل: يوجد في بلدتنا رجل صالح متوفى، وقد بني له مقام على قبره، وله عادة عندنا في كل عام، نذهب مع الناس إليه رجالا ونساء، ويقيمون عنده ثلاثة أيام بالمدح والتهاليل والأذكار، (1/293) وغير ذلك من الأوصاف المعروفة. فنرجو من سماحة الشيخ التوجيه والإرشاد. جزاكم الله خيرا؟ الجواب : هذا العمل لا يجوز، بل هو من البدع التي أحدثها الناس، فلا يجوز أن يقام على قبره بناء; سواء سمي مقاما، أو سمي قبة، أو سمي غير ذلك، وكانت القبور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة مكشوفة ليس عليها بناء، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر وأن يجصص، وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) متفق على صحته . وقال جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه » (2) . فالبناء على القبور منكر، وهكذا تجصيصها; ووضع الزينات عليها، أو الستور، كله منكر وهو وسيلة إلى الشرك، فلا يجوز، وكذلك وضع القباب أو الستور، أو المساجد عليها أو السرج. وهكذا زيارتها على الوجه الذي ذكره السائل; كالجلوس عندها، والتهاليل، وأكل الطعام، والتمسح بالقبر، أو الدعاء عند القبر، أو الصلاة عند القبر ، كل هذا منكر، وكله بدعة. فلا يجوز. إنما المشروع زيارة القبور ، وأن يزورها ويدعو لهم ثم ينصرف، فيمر على القبور ويقول: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (3) وما أشبهه من الدعوات. هذا هو المشروع الذي علمه النبي أصحابه عليه الصلاة والسلام، __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1563),مسند أحمد بن حنبل (3/339). (3) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (1/294) حيث كان يعلمهم إذا زاروا القبور أن يقولوا: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية » (1) وفي حديث عائشة رضي الله عنها: « يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (2) وحديث ابن عباس : « السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم أنتم سلفنا ونحن بالأثر » (3) . هذا هو المشروع، وأما الإقامة عند القبر للأكل والشرب، أو للتهاليل، أو للصلاة، أو لقراءة القرآن ; فكل هذا منكر. بل الصواب أن يسلموا ويذهبوا، ويدعوا للميت، ويترحموا عليه، أما اتخاذه محل دعاء، أو محل قراءة، أو محل طواف، أو محل تهاليل، أو محل أكل يوم أو يومين- فهذا ليس له أصل، وهذا بدعة ومن وسائل الشرك. فيجب الحذر من ذلك، ويجب ترك ذلك. __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353). (2) سنن النسائي الجنائز (2037),مسند أحمد بن حنبل (6/221). (3) سنن الترمذي الجنائز (1053). (1/295) تعظيم قبر جد النبي صلى الله عليه وسلم س131: يقول السائل: يوجد في فلسطين قبر جد النبي صلى الله عليه وسلم هاشم على ما يقال وهذا القبر موجود داخل مسجد، وهو مبنى قديم لعله من عهد دولة المماليك ، ويعتبر الناس هذا المسجد أثريا، ويعزونه ويعظمونه، وبعضهم يعتبره محلا للتبرك، فقام بعض الشباب الصالحين بهدم هذا القبر درءا للمفسدة، ومنعا لاجتماع الرجال والنساء عنده، وتقديم الشموع والنقود، فأنكر عليهم كثير من المنتسبين للدين ذلك، وقالوا: إن هؤلاء منحرفون ويبغضون النبي صلى الله عليه وسلم ويخالفون جماعة المسلمين، ومما زاد الطين بلة ما صدر عن دار إفتاء (1/295) بلد عربي مجاور قالوا: إن الذين هدموا قبر هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم خارجون عن الإسلام. فنرجو من سماحتكم بيان حكم ذلك؟ وهل لجد النبي صلى الله عليه وسلم حق علينا أن نقول له: سيدنا، أو أن نعظم قبره، أو ما شابه ذلك، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب : هؤلاء الذين هدموه وأحسنوا إلى الناس بإزالة هذه الفتنة مأجورون; لأن جد النبي صلى الله عليه وسلم مات في الجاهلية، فجد النبي صلى الله عليه وسلم هاشم مات على الجاهلية ليس بمسلم، وهكذا عبد المطلب ، وهكذا أبو النبي عبد الله ، كلهم ماتوا في الجاهلية، فليس لأحد أن يعظمهم، ولا أن يقول لهم: سيدنا فلان؛ لأنهم ماتوا في الجاهلية على دين الكفرة، على دين الضالين، وأحسن أحوالهم أن يكونوا من أهل الفترة، أمرهم إلى الله عز وجل يوم القيامة إذا كانت ما بلغتهم الدعوة -دعوة الأنبياء الماضين-. فعلى كل حال هم ماتوا في الجاهلية، وماتوا على أعمال الجاهلية، فليس لهم حق في أن يعظموا ولا أن يدعى على قبورهم، أو تعظم قبورهم، أو يقال سيدنا فلان; هاشم أو غيره، كل هذا لا يجوز، ولا يجوز تعظيم قبره لو عرف، مع أنه لا يعرف قبره، لكن لو عرف لم يجز تعظيمه، لا بالشموع، ولا بالبناء عليه، ولا بغير ذلك، حتى لو كان مسلما، فكيف وهو مات على الجاهلية. وإذا قال بعض الناس إن هؤلاء أخطئوا، أو أنهم يبغضون النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا جهل من قائله، بل الذي يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لو كان صاحب القبر مسلما، وهدم البناء على القبور مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ومما يحبه الرسول عليه الصلاة |
(1/296)
والسلام، وهو القائل: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) . وقد قال جابر رضي الله عنه: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه » (2) رواه الإمام مسلم في صحيحه ، فهو نفسه صلى الله عليه وسلم نهى عن تجصيص القبور ، ونهى عن البناء عليها، فالذي يهدم البناء على القبور قد فعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم; وامتثل أمره، واتبع سنته، ولكن الجهل هو المصيبة كما قال الشاعر: ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه فالواجب على علماء الإسلام أن يبينوا مثل هذه الأمور، وألا يتركوا الجهلة يتكلمون، فالبناء على القبور -حتى ولو كان أهلها مسلمين- لا يجوز، ولا يجوز اتخاذ قبورهم مساجد ولا البناء عليها، بل هذا منكر نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منه، وهو من وسائل الشرك، ولا يعرف قبر هاشم ولا غيره من أجداده صلى الله عليه وسلم. ولو قدر أنه عرف في فلسطين أو غيرها فلا يجوز البناء عليه، ولا اتخاذه مسجدا، ولا اتخاذ الشموع عليه، ولا تعظيمه بالسيادة، حتى قبر الخليل عليه السلام، وهو موجود في الخليل في المغارة فلا يجوز البناء عليه، ولا اتخاذ المسجد عليه، ولا دعاء الخليل من دون الله، ولا الاستغاثة به وهو إبراهيم أبو الأنبياء، خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام، فلا يجوز البناء على قبره لو عرف عينه، ولا يجوز دعاؤه من دون الله، ولا الاستغاثة به عليه الصلاة والسلام بل تشرع الصلاة عليه، ومحبته في الله؛ لأنه خليل الرحمن، أما أن يدعى من دون الله أو __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2027),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). (1/297) يستغاث به أو ينذر له فهذا لا يجوز. وهكذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يدعى من دون الله، ولا أن يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يذبح له، ولكن تجب طاعته واتباعه صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى: ** قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ** (1) [آل عمران: 31] ، وقال سبحانه: ** من يطع الرسول فقد أطاع الله ** (2) [النساء: 80] . فالواجب على الأمة الإسلامية المحمدية أن تتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وتنقاد لما جاء به من الشرع، أما أن يعبد من دون الله، أو ينذر له، أو يستغاث به; فهذا لا يجوز، وهذا من الشرك الأكبر، حتى مع نبينا وهو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وسيد ولد آدم فكيف بغيره، ولكن المصيبة الجهل العظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله. والله المستعان. __________ (1) سورة آل عمران الآية 31 (2) سورة النساء الآية 80 (1/298) نقل المقبرة دفعا للشر والفتنة س132: يسأل سائل فيقول: توفي والدي وأنا لم أزل صغيرا فدفن في مقبرة لعمي، وبعد مضي عدة سنوات حصل بيني وبين عمي نزاع فقال لي: أخرج والدك من مقبرتي، وهددني بسوء إن لم أفعل، فلم أجد حلا إلا أن أجبت طلبه ونقلت جثمان والدي إلى مقبرة تخصني فهل علي إثم بذلك، وهل المقابر ملك للأحياء يتصرفون فيها كيف شاءوا أم أنها ملك لساكنيها؟ أفيدونا بارك الله فيكم. الجواب : نقل أبيك من مقبرة إلى مقبرة دفعا للشر والفتنة لا بأس به عليك ولا حرج في ذلك والحمد لله. (1/298) أما المقابر فتختلف إذا كان الذي سبلها أرادها لقوم معينين فليس لغيرهم أن يدفنوا فيها إلا بإذنه، إذا كان عينها لقرابته أو لجيرانه أو لقبيلة معينة فليس لغيرهم الدفن فيها إلا بإذنه، أما إذا كان أرادها للمسلمين عموما، أو له ولجيرانه ولأقاربه وللمسلمين، فلا مانع أن يدفن كل مسلم من قرابته وغيرهم. (1/299) حكم المقابر التي حول المسجد س133: يقول السائل: إنه يوجد في قريتنا مسجد جامع، وهذا المسجد يقع وسط المقابر التي تحيط به من الشمال والجنوب، والمسافة بينه وبين الجهة الشمالية متران، وكذلك الجنوبية متران، وأن تلك المقابر في طريقها للتوسع، كما أن بعض المصلين هداهم الله يجعلون تلك المقابر مواقف لسياراتهم، أخبرونا جزاكم الله عنا كل خير في الحكم في مثل ذلك ولكم جزيل الشكر والتقدير؟ الجواب : لا حرج في بقاء المسجد المذكور؛ لأن العادة جارية أن الناس يدفنون حول المساجد، فلا يضر ذلك شيئا، والمقصود أن الدفن حول المساجد لا بأس به لأنه أسهل على الناس فإذا خرجوا من المسجد دفنوه حول المسجد، فلا يضر ذلك شيئا ولا يؤثر في صلاة المصلين. لكن إذا كان في قبلة المسجد شيء من القبور فالأحوط أن يكون بين المسجد وبين المقبرة جدار آخر غير جدار المسجد أو طريق يفصل بينهما، هذا هو الأحوط والأولى ليكون ذلك أبعد عن استقبالهم (1/299) للقبور. أما إن كانت عن يمين المسجد أو عن شماله، أي عن يمين المصلين، أو عن شمالهم فلا يضرهم شيئا، لأنهم لا يستقبلونها; لأن هذا أبعد عن استقبالها وعن شبهة الاستقبال. أما بالنسبة لإيقاف السيارات فلا يجوز إيقافها على القبور، بل توقف بعيدا عن القبور، في الأراضي السليمة التي ليس فيها قبور، لأنه لا يجوز للناس أن يمتهنوا القبور، أو تكون السيارات على القبور، فهذا منكر ولا يجوز، ومن الواجب أن يبعدوها عن القبور، وأن تكون في محلات سليمة ليس فيها قبور، وإذا تيسر تسويرها بما يمنع استطراقها وامتهانها فهو أحوط وأسلم لأن المسلم محترم حيا وميتا، ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلى إلى القبور وأن يقعد عليها. |
(1/300)
(20) التصوير (1/301) حكم الرسم س134: يقول أحد الشباب: من الشباب من يحب فن الرسم ، وهو يرسم مرارا فنريد معرفة موقف الإسلام من الرسم؟ الجواب : الرسم له معنيان: أحدهما رسم الصور ذوات الأرواح، وهذا جاءت السنة بتحريمه، فلا يجوز الرسم الذي هو رسم ذوات الأرواح ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « كل مصور في النار » (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: « أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله » (2) ولقوله صلى الله عليه وسلم: « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » (3) . ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله، ولعن المصور، فدل ذلك على تحريم التصوير، وفسر العلماء ذلك بأنه تصوير ذوات الأرواح; من الدواب والإنسان والطيور. أما رسم ما لا روح فيه -وهو المعنى الثاني- فهذا لا حرج فيه، كرسم الجبل والشجر والطائرة والسيارة وأشباه ذلك، لا حرج فيه عند أهل العلم، ويستثنى من الرسم المحرم ما تدعو الضرورة إليه، كرسم صور المجرمين حتى يعرفوا وحتى يمسكوا، أو الصورة في حفيظة النفوس التي لا بد منها ولا يستطيع الحصول عليها إلا بذلك، وهكذا ما تدعو الضرورة من سوى ذلك، فإذا رأى ولي الأمر أن هذا الشيء مما تدعو الضرورة إلى تصويره لخطورته ولقصد سلامة المسلمين من شره حتى يعرف أو لأسباب أخرى فلا بأس، قال الله عز وجل: ** وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ** (4) [الأنعام: 119] . __________ (1) صحيح مسلم اللباس والزينة (2110). (2) صحيح البخاري اللباس (5610),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),سنن النسائي الزينة (5356). (3) صحيح البخاري النكاح (4886),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),مسند أحمد بن حنبل (6/246),موطأ مالك الجامع (1803). (4) سورة الأنعام الآية 119 (1/302) حكم تجميع صور ذوات الأرواح للذكرى س135: يقول السائل: ما حكم تجميع الصور الفوتوغرافية لذوات الأرواح للذكرى؟ الجواب : لا يجوز جمع صور ذوات الأرواح للذكرى، بل يجب إتلافها; لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لعلي رضي الله عنه: « لا تدع صورة إلا طمستها » (1) ولما ثبت في حديث جابر عند الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصورة في البيت، وأن يصنع ذلك. فجميع الصور التي للذكرى تتلف بالتمزيق أو الإحراق، وإنما يحتفظ بالصورة التي لها ضرورة، كالصورة التي في التابعية، وما أشبه ذلك مما يكون هناك ضرورة لحفظه، وإلا فالواجب إتلافها. __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (1/303) حكم تعليق الصور الفوتوغرافية على الجدران س136: يقول السائل: ما حكم تعليق الصور الفوتوغرافية على الجدران؟ وهل يجوز تعليق صورة الأخ أو الأب أو ما شاكلهما؟ الجواب : تعليق صور ذوات الأرواح على الجدران أمر لا يجوز، سواء كان ذلك في بيت أو مجلس أو مكتب أو شارع أو غير ذلك، كله منكر، وكله من عمل الجاهلية، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: « أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون » (1) وقال: « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » (2) وبعث عليا رضي الله عنه قائلا له: __________ (1) صحيح البخاري اللباس (5610),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),سنن النسائي الزينة (5356). (2) صحيح البخاري النكاح (4886),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),مسند أحمد بن حنبل (6/246),موطأ مالك الجامع (1803). (1/303) « لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته » (1) . ونهى عن الصورة في البيت وأن يصنع ذلك، فالواجب طمسها ولا يجوز تعليقها، ولما رأى في بيت عائشة صورة معلقة في ستر غضب وتغير وجهه وهتكها عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على أنه لا يجوز تعليق الصور، سواء كانت صورا للملوك، أو الزعماء، أو العباد، أو العلماء، أو الطيور، أو الحيوانات الأخرى، كله لا يجوز، كل ذي روح تصويره محرم، وتعليق صورته على الجدران، أو في المكاتب كله محرم، ولا يجوز التأسي بمن فعل ذلك. والواجب على أمراء المسلمين، وعلى علماء المسلمين، وعلى كل مسلم أن يدع ذلك، وأن يحذر ذلك، وأن يحذر منه، طاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، وعملا بشرع الله في ذلك. والله المستعان. __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (1/304) الصور التي لا يجوز وجودها في البيت س137: سائل يقول في رسالته: ما هي أنواع الصور التي لا يجوز وجودها في البيوت؟ الجواب : الصور المنصوبة التي تنصب على الجدران أو على الأبواب، أو تجعل في الستور التي على الأبواب أو الجدران، أو في براويز تجعل على الجدار، فهذه لا تجوز، أما إذا كانت الصورة في الفراش الذي يوطأ، أو في السرر التي يجلس عليها، أو في الوسائد فلا حرج فيها؛ لأنها ممتهنة، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى سترا عند عائشة فيه تصاوير، فغضب وأمر بهتكه، فجعلت منه عائشة وسادتين كان يرتفق بهما (1/304) عليه الصلاة والسلام. وثبت من حديث أبي هريرة عند النسائي وغيره « أن جبرائيل عليه الصلاة والسلام كان له موعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما حضر وجد في البيت تمثالا وسترا فيه تصاوير، وكلبا لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، فتوقف جبرائيل ولم يدخل حتى أخبره جبرائيل بذلك، فقال له: مر برأس التمثال أن يقطع، وبالستر أن يتخذ منه وسادتان منتبذتان توطآن، وبالكلب أن يخرج، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج الكلب وكان تحت نضد الحسن أو الحسين ، وأمر بالستر أن يتخذ منه وسادتان منتبذتان توطآن، وأمر بالتمثال أن يقطع رأسه فدخل جبرائيل عليه الصلاة والسلام » . |
(1/305)
حكم الصور المتداولة بين الناس اليوم س138: يقول السائل في رسالته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم » (1) أرجو من سماحتكم توضيح معنى هذا الحديث وهل هو صحيح؟ وإذا كان هذا الحديث صحيحا فما حكم الصور المتداولة بين الناس اليوم في الأسواق والمنازل والسيارات، والصور المطلوبة في المدارس والجامعات، وجميع الصور بأنواعها؟ وما هي الصور المحللة في الدين؟ أفيدونا أفادكم الله . الجواب : نعم هذا الحديث صحيح، رواه البخاري رحمه الله في الصحيح وغيره عن عائشة رضي الله عنها، وفي الباب أحاديث أخرى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » (2) وكان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فرأى على بيت عائشة سترا فيه تصاوير، فغضب وهتك الستر، وقال: « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » (3) __________ (1) صحيح البخاري اللباس (5607),صحيح مسلم اللباس والزينة (2108),سنن النسائي الزينة (5361),مسند أحمد بن حنبل (2/55). (2) صحيح البخاري النكاح (4886),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),مسند أحمد بن حنبل (6/246),موطأ مالك الجامع (1803). (3) صحيح البخاري النكاح (4886),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),مسند أحمد بن حنبل (6/246),موطأ مالك الجامع (1803). (1/305) وقال عليه الصلاة والسلام: « أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون » (1) وقال عليه الصلاة والسلام: « كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في نار جهنم » (2) . وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: « من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ » (3) فهذا كله يدل على تحريم تصوير ذوات الأرواح من الدواب والطيور وبني الإنسان، وكل ذلك ممنوع لعموم هذه الأحاديث إلا للضرورة، فقد قال عز وجل: ** وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ** (4) [الأنعام: 119] . فإذا كان للضرورة التي لا بد منها فلا حرج في ذلك، مثل تصوير من يعطى حفيظة نفوس حتى يتميز هل هو من هذه الدولة أو من هذه الدولة، وحتى لا يشتبه بغيره، وحتى لا يستعمل الرعوية لمن ليس من أهلها، فإذا وجدت الصورة لم يستطع غير صاحبها أن ينسبها إلى نفسه، وهكذا عند الضرورات الأخرى، مثل أصحاب الجرائم المعروفين إذا صورهم ولاة الأمور، ونشروا صورهم بين الحراس في أطراف البلاد حتى يعرفوهم ويمسكوهم، أو ما أشبه ذلك مما تدعو إليه الضرورة، فلا حرج في ذلك. وما سوى ذلك فالواجب عدم التصوير وطمس الصور، وقد ثبت في الصحيح عن علي رضي الله عنه أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: __________ (1) صحيح البخاري اللباس (5610),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),سنن النسائي الزينة (5356). (2) صحيح مسلم اللباس والزينة (2110). (3) صحيح البخاري اللباس (5618),صحيح مسلم اللباس والزينة (2110),سنن النسائي الزينة (5358),سنن أبو داود الأدب (5024). (4) سورة الأنعام الآية 119 (1/306) « لا تدع صورة إلا طمستها » (1) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: « لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته » (2) خرجه مسلم في الصحيح ، وذلك يوجب عليك أيها المسلم إذا رأيت في بيتك صورة تزيلها سواء في جدار أو صورا محفوظة عند أهلك يجب أن تتلفها أو تطمسها. وهكذا القبور المشرفة تهدم، فلا يبنى على قبر مسجد ولا قبة ولا غير ذلك، ولهذا ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (3) قالت عائشة رضي الله عنها: يحذر ما صنعوا، وقال عليه الصلاة والسلام: « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (4) خرجه مسلم في الصحيح عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه. وثبت في الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها » (5) فلا يبنى على القبر قبة ولا مسجد ولا حجرة وليكن القبر بارزا أمام السماء، مثل قبور الصحابة في البقيع ، وقبور المسلمين في البلاد السليمة من هذا البلاء فتكون بارزة مكشوفة، ويرفع القبر عن الأرض مقدار شبر ولا يبنى عليه شيء، بل يكون مكشوفا ليس عليه سقف ولا بناء وهكذا قبور المسلمين ترفع عن الأرض مقدار شبر بالتراب الذي خرج من اللحد، يكون فوق القبر حتى يعرف أنه قبر، حتى لا يوطأ ولا يمتهن، ولا يبنى عليه قبة ولا مسجد ولا حجرة ولا غير ذلك. __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (2) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (3) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (4) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (5) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2028),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339). (1/307) هكذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا حذرنا من التشبه بغيرنا، وأما الصور التي في الفراش الذي يوطأ فلا حرج فيها، إذا كانت في الفراش الذي يطؤه الناس فلا حرج في ذلك، لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنه رأى عند عائشة قراما فيه تصاوير فهتكه قالت عائشة رضي الله عنها فجعلته وسادتين يرتفق بهما النبي صلى الله عليه وسلم » (1) . فهذا يدل على أن الصور التي تمتهن في الفراش أو الوسادة لا تمنع من دخول الملائكة، لكن لا يجوز تصويرها فيه، فليس لأحد أن يصورها في الفراش ولا في الوسادة ولا في الخرق. لكن لو وجدت في بيتك خرقة مصورة أو بساط مصور فلا بأس أن تجعله وسادة، ولا بأس أن تجعل فراشا في بيتك تطؤه ولا حرج في ذلك. والله المستعان. __________ (1) صحيح البخاري اللباس (5610),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),سنن ابن ماجه اللباس (3653),مسند أحمد بن حنبل (6/112). (1/308) حكم الصور التي تعلق في المنازل س139: يقول السائل: ما حكم الصور التي يعلقها كثير من الناس في المنازل؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب : لا يجوز تعليق الصور في المنازل ولا غيرها فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: « لا تدع صورة إلا طمستها » (1) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه « دخل ذات يوم على عائشة وعندها ستر معلق على سهوة لها فيه تصاوير فغضب وهتكه وقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » (2) . فالواجب على المسلمين ترك هذه الستور التي فيها الصور، وأن __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (2) صحيح البخاري البيوع (1999),سنن النسائي الزينة (5354),موطأ مالك الجامع (1803). (1/308) لا يعلقوا صورة لا في مسكن، ولا في مكتب، ولا في مجلس، ولا في غير ذلك، فتعليق الصور لا يجوز، أما إذا كانت الصور في محل يمتهن كالبساط والوسائد فهذه لا حرج فيها؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، فثبت عنه أن عائشة رضي الله عنها لما رأت منه الغضب من جهة الستر جعلته وسادتين يرتفق بهما النبي صلى الله عليه وسلم. وثبت عنه في النسائي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه « أن جبرائيل كان له موعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر عن موعده فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم خارج البيت فسأله عن المانع فقال إن في البيت تمثالا وسترا فيه تصاوير وكلبا فقال له جبرائيل مر برأس التمثال أن يقطع حتى يكون كهيئة الشجرة وبالستر أن يتخذ منه وسادتان توطآن منتبذتان ومر بالكلب أن يخرج ففعل النبي صلى الله عليه وسلم فدخل جبرائيل » (1) . وهذا يدل على أن الستر الذي فيه التصاوير إذا جعل وسادة أو فراشا يوطأ، فهذا لا بأس به; لأنه يمتهن حينئذ، ولا يكون فيه تعظيم ولا تكريم للصور، ولا رفع لشأنها، أما جعلها على الأبواب، أو على الجدران، أو في براويز في الجدران، فهذا كله منكر لا يجوز، وتجب إزالة ذلك. __________ (1) سنن الترمذي الأدب (2806),سنن أبو داود اللباس (4158). (1/309) حكم الصلاة في الحجرة التي بها تصاوير س140: يقول السائل: أصلي بغرفة بها صور، كصورة صديق لي معلقة على الحائط أو صورة إنسان آخر، وقد قال لي بعض الأخوة إن صلاتك باطلة بسبب استقبال هذه الصور. فماذا أفعل في المدة (1/309) الماضية؟ وما حكم صلاتي بارك الله فيكم؟ الجواب : الصلاة صحيحة، ومن قال إن الصلاة باطلة فقد غلط، فالصلاة صحيحة، ولكن يكره الصلاة في هذه الحجرة إذا تيسر غيرها، وإلا فالصلاة صحيحة لأنك لا تعبد الصور إنما صليت لله فصلاتك صحيحة. ولا يجوز لصق الصور في الحجر، ولا لصق الصور في المكاتب ولا تعليقها، بل الواجب إزالتها، فعليك أن تنصح أخاك أن يزيل هذه الصور المعلقة وألا يبقيها في البيت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب » (1) ولقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: « لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته » (2) هكذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: « لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته » (3) . ولما رأى سترا عند عائشة رضي الله عنها فيه تصاوير هتكه وغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » (4) فأنت تنصح أخاك حتى يزيل الصور المعلقة، وأما الصلاة فصحيحة، ولكن يكره الصلاة في المحل الذي فيه تصاوير إلا عند الحاجة، أما إذا لم تيسر غيره فلا بأس. __________ (1) سنن النسائي الطهارة (261),سنن أبو داود اللباس (4152),سنن ابن ماجه اللباس (3650),مسند أحمد بن حنبل (1/150),سنن الدارمي الاستئذان (2663). (2) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (3) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (4) صحيح البخاري النكاح (4886),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),مسند أحمد بن حنبل (6/246),موطأ مالك الجامع (1803). (1/310) |
(1/310)
حكم التصاوير التي على البطانية وعلب الصلصة وغيرها س141: سائل يقول: بعض البطانيات، وعلب الحليب، وكل الأغراض اللازمة والأشياء التي ندخلها في بيوتنا فيها صور. فهل نرفض هذه الأشياء من أجل صورها أم لا؟ (1/310) الجواب : هذه يعفى عنها لأنها ممتهنة، فالفراش ممتهن، والوسادة ممتهنة، وعلب الصلصة تلقى في القمامة، فلا يضر ما فيها من الصور إن شاء الله; لأنها كلها ممتهنة. (1/311) حكم الذهب الذي به صورة حيوانات أو إنسان س142: تقول السائلة: أفيدونا -جزاكم الله خيرا- عن حكم لبس الذهب الذي يوجد به صورة حيوانات أو إنسان. هل يجوز لبسه أم لا؟ الجواب : الذهب الذي فيه صورة الحيوان لا يجوز لبسه، بل يجب حك ذلك وإزالته، فإذا كان في قلادة أو في أسورة أو نحو ذلك، فإنه يزال بالطريقة التي تزيله، أو يطمس بشيء، ولا يجوز لبسه. وهكذا الثياب، وهكذا الخمر التي على الرأس، وهكذا القمص، كلها لا يجوز لبسها إذا كان فيها صور، بل يجب أن تزال رءوس الصور، فإذا حك الرأس زال المحظور، فالمهم زوال الرأس، فإذا حك الرأس أو طمس بشيء لا يظهر معه بل يختفي زال المحظور، سواء في ذهب، أو فضة، أو في قميص، أو غير ذلك مما يلبسه المؤمن والمؤمنة; والحجة في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تدع صورة إلا طمستها » (1) هكذا جاء الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهكذا الحديث الثاني « أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الصورة في البيت، وأن يصنع ذلك » (2) . __________ (1) صحيح مسلم الجنائز (969),سنن الترمذي الجنائز (1049),سنن النسائي الجنائز (2031),سنن أبو داود الجنائز (3218),مسند أحمد بن حنبل (1/87). (2) سنن الترمذي اللباس (1749),مسند أحمد بن حنبل (3/335). (1/311) حكم تصوير الجالسين في حفلات الزواج س143: هذا سؤال يقول فيه السائل: هناك مجموعة من الناس اجتمعوا في زواج، فقام البعض يريد أن يصور العريس وبعض الجالسين، فاعترضه البعض الآخر، وقال: إنه لا يجوز التصوير، وطال الكلام بينهم حول حرمة تصوير الجالسين. نرجو توضيح ذلك وفقكم الله؟ الجواب : هذا لا يجوز، فلا يجوز أن يصور الناس لا برضاهم ولا بغير رضاهم، وإذا كان برضاهم صار أكبر في الإثم، فالتصوير محرم لذوات الأرواح، لبني آدم وغيرهم من ذوات الأرواح; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وقال: « كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في نار جهنم » (1) وقال عليه الصلاة والسلام: « من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ » (2) فالحاصل أن التصوير محرم لذوات الأرواح، فلا يجوز لإنسان أن يصور الجالسين في العرس، لا رجل ولا امرأة، ليس له أن يصورهم ولو رضوا، لأن التصوير منكر، ولأن هذا يفضي إلى عرض نساء عاريات أو شبه عاريات، يعني غير متحجبات أو شبه عاريات بسبب تساهلهن في الملابس، وظهور الرءوس والوجه والأذرع وغير ذلك. فالحاصل أنه لا يجوز. فالتصوير منكر ومحرم، وفيه فساد فيهما يتعلق بتصوير الحاضرات في الزواج لأنهن يتجملن ويتزين، فإذا صورهن فقد يسعى في الفتنة بعرض هذه الصور على الناس، ويجب أن يرفع أمره إلى المحكمة أو الهيئة، أو إلى إمارة البلد حتى يؤدب على __________ (1) صحيح مسلم اللباس والزينة (2110). (2) صحيح البخاري اللباس (5618),صحيح مسلم اللباس والزينة (2110),سنن النسائي الزينة (5358),سنن أبو داود الأدب (5024). (1/312) اقترافه لهذا المنكر. (1/313) حكم تصوير العروس والعريس في المنصة المعدة لهما س144: عند اجتماع العروس بالعريس في المنصة المعدة لهما بين النساء الحاضرات، تقوم إحدى النساء أو أحد الرجال يصور العروس والعريس معا، وتكون قريبة منهم ويكون بعض الأزواج قليل الحياء فيمسك بالزوجة ويسلم عليها بين أهل الحفل، والمصور يصور بهذه الحالة فنرجو التعليق؟ الجواب : هذا لا يجوز، لأن هذا يسبب فتنة، وربما أفضى إلى شر كثير بالزوجة المصورة، والزوج المصور. والحاصل أنه لا يجوز، فالتصوير منكر، ولا يجوز تصوير ذوات الأرواح لما تقدم من الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومنها قوله: « إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم » (1) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في نار جهنم » (2) . فالحاصل أن التصوير منكر، وفي هذه الحالة أشد نكارة، كونه يصور العروس والزوج، وربما صور من حولهما من النساء، وربما صورها وهو يسلم عليها أو يقبلها; لأن بعض الأزواج لا يبالي ولا يستحي، فهذا كله منكر، والواجب أن يؤدب هذا المصور، أو هذه المصورة، تأديبا يردعهما وأمثالهما عن هذا العمل السيئ، وينبغي __________ (1) صحيح البخاري النكاح (4886),صحيح مسلم اللباس والزينة (2107),مسند أحمد بن حنبل (6/246),موطأ مالك الجامع (1803). (2) صحيح مسلم اللباس والزينة (2110). (1/313) لأصحاب البيت، أو لغير أصحاب البيت ممن له غيرة أن يرفع هذا إلى إمارة البلد أو الهيئة، أو إلى المحكمة حتى يعاقب على هذا الشيء، وحتى يكون عبرة لغيره. (1/314) (21) البدعة (1/315) حول تقسيم البدعة إلى واجبة ومحرمة وغيرهما س145: يقول السائل: فصل الشيخ النووي رحمه الله في شرحه موضوع البدعة إلى خمسة أقسام: الأول: بدعة واجبة، ومثالها نظم أدلة المتكلمين على الملاحدة، الثاني: المندوبة، ومثالها تصنيف كتب العلم، الثالث: المباحة، ومثالها البسط في ألوان الطعام، الرابع والخامس: الحرام والمكروه وهما واضحان. والسؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « كل بدعة ضلالة » (1) أرجو توضيح ذلك مع ما يقصده الشيخ النووي رحمه الله وبارك الله فيكم؟ الجواب : هذا الذي نقلته عن النووي رحمه الله في تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام قد ذكره جماعة من أهل العلم، وقالوا: إن البدعة تنقسم إلى أقسام خمسة: واجبة ومستحبة ومباحة ومحرمة ومكروهة. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن البدعة كلها ضلالة وليس فيها تقسيم، بل هي كلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ضلالة ، قال عليه الصلاة والسلام: « كل بدعة ضلالة » (2) هكذا جاءت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، منها ما رواه مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فيقول في خطبته: « أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة » (3) وجاء في هذا المعنى عدة أحاديث مثل حديث عائشة ، وحديث __________ (1) سنن أبو داود السنة (4607),سنن ابن ماجه المقدمة (42). (2) سنن أبو داود السنة (4607),سنن ابن ماجه المقدمة (42). (3) صحيح مسلم الجمعة (867),سنن النسائي صلاة العيدين (1578),سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954),سنن ابن ماجه المقدمة (45),مسند أحمد بن حنبل (3/371),سنن الدارمي المقدمة (206). |
(1/316)
العرباض بن سارية ، وأحاديث أخرى، وهذا هو الصواب; أنها لا تنقسم إلى هذه الأقسام التي ذكرها النووي وغيره، بل كلها ضلالة، والبدعة تكون في الدين لا في الأمور المباحة، فتنوع الطعام على وجه جديد لا يعرف في الزمن الأول لا يسمى بدعة من حيث الشرع، وإن كان بدعة من حيث اللغة لأن البدعة في اللغة هي الشيء المحدث على غير مثال سابق، كما قال عز وجل: ** بديع السماوات والأرض ** (1) [البقرة: 117] ; يعني أنه مبتدعها وموجدها على غير مثال سابق، لكن لا يقال بدعة إلا لما كان في التعبد في الأعمال الشرعية، فهذا كله يقال فيه ضلالة، ولا يقال فيه إنها أقسام واجب وسنة إلى آخره، هذا هو الحق وهذا هو الصواب الذي ارتضاه جماعة من أهل العلم وقرروه وردوا على من خالف ذلك. وكذلك تأليف الكتب وتنظيم الأدلة للرد على الملحدين والخصوم، لا يسمى بدعة، بل هذا مما أمر الله به ورسوله، فهو طاعة لله وليست بدعة، فالكتاب العزيز جاء بالرد على خصوم الإسلام وأعدائه في آيات عظيمات، وجاءت السنة بذلك في الرد على خصوم الإسلام، وهكذا المسلمون من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، اعتنوا بالرد على خصوم الإسلام بما ظهر لهم من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأوضحوا الأدلة ونوعوها، وكل هذا لا يسمى بدعة في الشرع، بل هو قيام بالواجب وجهاد في سبيل الله، وليس ببدعة في حكم الشرع، وهكذا بناء المدارس والربط والقناطر وغير هذا مما ينفع المسلمين لا يسمى بدعة من حيث الشرع، فهو أمر مأمور به; لأن الشرع أمر __________ (1) سورة البقرة الآية 117 (1/317) بالتعليم، والمدارس تعين على التعليم. وكذلك ما يتعلق بالربط للفقراء; فالشرع أمر بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، فإذا بني لهم مساكن وسميت بالربط فهذا مما أمر الله به، وكذلك القناطر على الأنهار، كل هذا مما ينفع المسلمين وليس ببدعة بل هو مشروع، وتسميته بدعة يكون من جنس ما تقدم من حيث اللغة العربية، كما قال عمر رضي الله عنه في التراويح لما جمع الناس على إمام واحد ليصلي بهم التراويح كل ليلة، قال: « نعمت البدعة هذه » (1) يعني من حيث اللغة، وإلا فالتراويح سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وحث عليها ورغب فيها، فليست بدعة بل هي سنة، ولكن سماها عمر بدعة من حيث اللغة لأنها فعلت على غير مثال سابق لأنهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون أوزاعا في المسجد ليسوا على إمام واحد، هذا يصلي معه اثنان، وهذا يصلي ومعه ثلاثة، وهذا يصلي ومعه أكثر، وصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال ثم ترك، وقال: « إني أخشى أن تفرض عليكم صلاة الليل » (2) فتركها خوفا على أمته أن تفرض عليهم. فالحاصل أن قيام رمضان سنة مؤكدة، وليست بدعة من حيث الشرع، وإن سماها عمر رضي الله عنه بدعة من ناحية اللغة. والخلاصة أن الصواب أن كل ما أحدثه الناس في الدين مما لم يشرعه الله فإنه يسمى بدعة، وهي بدعة ضلالة ولا يجوز فعلها. ولا يجوز تقسيم البدع إلى واجب، وإلى سنة، وإلى مباح، إلى آخره، فهذا خلاف القاعدة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا خطر عظيم، كأن القائل يرد على النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « كل بدعة ضلالة » (3) __________ (1) صحيح البخاري صلاة التراويح (1906),موطأ مالك النداء للصلاة (252). (2) صحيح البخاري الأذان (696),صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (761),سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1604),سنن أبو داود الصلاة (1373),موطأ مالك النداء للصلاة (250). (3) سنن أبو داود السنة (4607),سنن ابن ماجه المقدمة (42). (1/318) وهذا يقول: لا، بل هي أقسام، فهذا خطر عظيم وسوء أدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فالواجب على أهل العلم أن يتأدبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يحذروا الشيء الذي قد يخدش في حق من فعل ما يخالف السنة، وإن كان العلماء رحمة الله عليهم الذين قالوا ذلك لم يقصدوا الرد على الرسول صلى الله عليه وسلم -حماهم الله من ذلك- ولكن قد يحتج بذلك عليهم من يظن بهم السوء من أعداء الله، وقد يظن ذلك بعض الجهلة، فالحاصل أن التقسيم إلى بدعة مستحبة وواجبة إلى آخره ليس هو الصواب، بل الصواب خلافه. (1/319) حكم الصلاة خلف إمام مبتدع س146: سائل يقول: في حينا مسجد بناه جماعة من الصوفية بعد أن أردنا نحن أهل السنة بناءه، ولكنهم أصروا على بنائه وفعلوا، وهو الآن تحت إدارتهم وتصرفهم، ويقومون فيه بأشعار ومدائح. فهل يجوز لنا نحن السنيين أن نصلي فيه معهم خلف إمامهم المبتدع؟ أم ماذا نفعل؟ الجواب : إذا كان إمامهم ليس بكافر وإنما عنده بعض البدع التي لا تخرجه من الإسلام فلا مانع من الصلاة معهم، ونصيحتهم، وتوجيههم، وإرشادهم، بالدعوة إلى الله بعد الصلوات، وفي حلقات العلم بالمسجد، حتى يستفيدوا ويدعوا ما عندهم من البدع إن شاء الله; لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى ومن باب التناصح. أما إن كان إمامهم يتعاطى ما يوجب كفره كالذي يستغيث بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو يدعوه من دون الله، أو يستغيث بالأموات وينذر لهم ويذبح (1/319) لهم، فهذا كفر وضلال، وهذه أمور كفرية، فلا يصلى خلفه، لأن هذه الأمور من أمور الكفر بالله والشرك بالله عز وجل. وهكذا إذا كان إمامهم يعتقد اعتقادات كفرية، كأن يعتقد أن غير الله يتصرف في الكون كمن يعتقد ذلك في الأولياء، وأنهم يديرون هذا العالم، كما يعتقده بعض الصوفية ، أو يعتقد ما يعتقده أصحاب وحدة الوجود ، من أن الخالق والمخلوق واحد، وأن الخالق هو المخلوق والعبد هو المعبود، ونحو ذلك من المقالات الخبيثة الملحدة، فهذا كافر ولا يصلى خلفه. أما إن كانت بدعته دون الكفر فإن هذا يصلى خلفه، مثل بدعة المولد إذا لم يكن فيها كفر، ومثل بعض البدع الأخرى التي يفعلها الصوفية وليست بكفر، بل دون الكفر فلا تمنع من الصلاة خلفه، ولكن ينبغي التماس من هو خير منه من أهل السنة حسب الطاقة. وأما الأشعار التي يأتي بها فينظر فيها، فإذا كان فيها أشعار كفرية مثل أشعار صاحب البردة في قوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم فهذه أشعار كفرية، وهذا اعتقاد ضال، فإذا كان أصحاب المسجد يعتقدون مثل هذه الأمور فلا يصلى خلف إمامهم، لأن الاعتقاد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، أو أنه يملك الدنيا والآخرة من أعظم الكفر والضلال والعياذ بالله; لأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، (1/320) وهكذا اعتقاد بعض الصوفية وبعض الوثنية أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينقذ الناس يوم القيامة، وينقذ من دعاه يوم القيامة، ويخرجهم من النار هذا كله كفر وضلال، إنما الأمور بيد الله سبحانه وتعالى، هو الذي ينجي من النار، وهو الذي يعلم الغيب، وهو المالك لكل شيء، وهو المدبر للأمور سبحانه وتعالى. والرسول صلى الله عليه وسلم ليس بيده إخراج الناس من النار، بل يشفع، ويحد الله له حدا في الشفاعة عليه الصلاة والسلام، ولا يشفع إلا لأهل التوحيد والإيمان، كما سأله أبو هريرة رضي الله عنه، قال: « يا رسول الله من أحق الناس بشفاعتك؟ قال من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو قال خالصا من نفسه » (1) وقال عليه الصلاة والسلام: « إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا » (2) فشفاعته لأهل التوحيد والإيمان، لا لأهل الكفر بالله عز وجل. فالحاصل أن الإمام إذا كان عنده شيء من الكفر فهذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت بدعته دون الكفر فلا مانع من الصلاة خلفه، ولكن إذا وجد مسجد آخر فيه أهل السنة فالصلاة خلفهم أولى وأحسن وأبعد عن الشر، ولكن مع ذلك ينبغي لأهل السنة أن يتصلوا بأهل البدع للنصيحة والتوجيه والتعليم والتفقيه، والتعاون على البر والتقوى; لأن بعض أهل البدع قد يكون جاهلا وليس عنده تعصب فلو علم الحق لأخذ به، وترك بدعته. فينبغي لأهل السنة ألا يدعوا أهل البدع، بل عليهم أن يتصلوا بهم، __________ (1) صحيح البخاري العلم (99),مسند أحمد بن حنبل (2/373). (2) صحيح البخاري الدعوات (5945),صحيح مسلم الإيمان (199),سنن الترمذي الدعوات (3602),سنن ابن ماجه الزهد (4307),مسند أحمد بن حنبل (2/426),موطأ مالك النداء للصلاة (492),سنن الدارمي الرقاق (2805). |
(1/321)
وينصحوهم، ويوجهوهم، ويعلموهم السنة، ويحذروهم من البدعة؛ لأن هذا هو الواجب على أهل العلم والإيمان، كما قال الله سبحانه: ** ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ** (1) [النحل: 125] ، وقال سبحانه وتعالى: ** ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ** (2) [فصلت: 33] . نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. __________ (1) سورة النحل الآية 125 (2) سورة فصلت الآية 33 (1/322) الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، والبدعة الحسنة س147: يقول السائل: بالنسبة للاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من كل عام، أنا أعرف أنه بدعة، ولكنني سمعت من يقول بأن هناك بدعة حسنة أو بدعة مستحبة، وهناك من يعملونه في كل عام هجري في شهر ربيع الأول. فأرجو إيضاح ذلك، بارك الله فيكم؟ الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فإن الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم أمر قد كثر فيه الكلام، وكتبنا فيه كتابات متعددة، ونشرت في الصحف مرات كثيرة، ووزعت مرات كثيرة، وكتب فيه غيري من أهل العلم كـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، وبين أولئك العلماء أنه بدعة، وأن وجوده من بعض الناس (1/322) لا يبرر كونه سنة، ولا يدل على جوازه ومشروعيته. وقد نص على ذلك أيضا الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام، وكتب في هذا أيضا شيخنا العلامة الكبير محمد بن إبراهيم رحمه الله كتابة وافية، وليس في هذا والحمد لله شك عند من عرف الأصول وعرف القاعدة الشرعية في كمال الشريعة والتحذير من البدع، وإنما يشكل هذا على بعض الناس الذين لم يحققوا الأصول، ولم يدرسوا طريقة السلف الصالح دراسة وافية كافية، بل اغتروا بمن فعل المولد من بعض الناس فقلدوه، أو اغتروا بمن قال: إن في الإسلام بدعة حسنة. والصواب في هذا المقام أن الاحتفال بالموالد كله بدعة، بمولده عليه الصلاة والسلام وبمولد غيره، كمولد البدوي أو الشيخ عبد القادر الجيلاني أو غيرهما، لم يفعله السلف الصالح، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم احتفالا بمولده، وهو المعلم المرشد عليه الصلاة والسلام، وقد بلغ البلاغ المبين، ونصح الأمة وما ترك سبيلا يقرب من الله ويدني من رحمته إلا بينه للأمة وأرشدهم إليه، وما ترك سبيلا يباعد من رحمة الله ويدني من النار إلا بينه للأمة وحذرهم منه، فقد قال الله سبحانه: ** اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ** (1) [المائدة: 3] . وقد أقام عليه الصلاة والسلام في مكة ثلاث عشرة سنة، وفي المدينة عشر سنين ولم يحتفل بهذا المولد، ولم يقل للأمة افعلوا ذلك، ثم صحابته رضي الله عن هم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك، لا الخلفاء الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة، ثم التابعون لهم بإحسان من __________ (1) سورة المائدة الآية 3 (1/323) التابعين وأتباع التابعين من القرون المفضلة كلهم على هذا السبيل، لم يفعلوا شيئا من هذا; لا قولا ولا عملا. ثم أتى بعض الناس في القرن الرابع ممن ينسب إلى البدعة من الشيعة الفاطميين المعروفين، حكام مصر والمغرب فأحدثوا هذه البدعة، ثم تابعهم غيرهم من بعض أهل السنة جهلا بالحق، وتقليدا لمن سار في هذا الطريق، أو أخذا بشبهات لا توصل إلى الحق. فالواجب على المؤمن أن يأخذ الحق بدليله، وأن يتحرى ما جاءت به السنة والكتاب حتى يكون حكمه على بينة وعلى بصيرة، وحتى يكون سيره على منهج قويم. والله يقول: ** وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ** (1) [الشورى: 10] ، ويقول عز وجل: ** يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ** (2) [النساء: 59] . وإذا نظرنا فيما يفعله الناس من الاحتفالات ورددناها إلى القرآن العظيم لم نجد فيه ما يدل عليها، وإذا رددناه إلى السنة لم نجد فيها ما يدل على ذلك لا فعلا ولا قولا ولا تقريرا، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة بلا شك يجب تركها ولا يجوز فعلها، ومن فعل ذلك من الناس فهو بين أمرين إما جاهل لم يعرف الحق فيعلم ويرشد، وإما متعصب لهوى وغرض، فيدعى للصواب ويدعى له بالهداية والتوفيق، وليس واحد منهما حجة; لا الجاهل ولا المتعصب، وإنما الحجة فيما قاله الله ورسوله لا في قول غيرهما. __________ (1) سورة الشورى الآية 10 (2) سورة النساء الآية 59 (1/324) ثم القول بأن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة وإلى محرمة وواجبة ; قول بلا دليل، وقد رد ذلك أهل العلم واليقين وبينوا خطأ هذا التقسيم، واحتجوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) يعني: فهو مردود ( متفق على صحته )، وروى مسلم رحمه الله في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (2) يعني: فهو مردود. وفي الصحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: « أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة » (3) ، ولم يقل البدعة فيها كذا وكذا; بل قال: « كل بدعة ضلالة، » (4) وقد وعظ أصحابه فقال: « وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » والبدعة شرعا إنما تكون في أمور الدين والتقرب إلى الله سبحانه، لا في أمور الدنيا، أما أمور الدنيا مثل المآكل والمشارب فللناس أن يحدثوا بمآكلهم وطعامهم وشرابهم صناعات خاصة، يصنعون الخبز على طريقة والأرز على طريقة، وأنواعا أخرى على طريقة، لهم أن يتنوعوا في طعامهم، وليس في هذا حرج. وإنما الكلام في القربات والعبادات التي يتقرب بها إلى الله، هذا هو محل التبديع، وكذلك الصناعات، وآلات الحرب للناس أن يحدثوا أشياء يستعينون بها في الحرب، من القنابل والمدافع وغير ذلك، وللناس أن يحدثوا المراكب والطائرات والسفن الفضائية والقطارات، __________ (1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270). (2) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). (3) صحيح مسلم الجمعة (867),سنن النسائي صلاة العيدين (1578),سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954),سنن ابن ماجه المقدمة (45),مسند أحمد بن حنبل (3/371),سنن الدارمي المقدمة (206). (4) سنن أبو داود السنة (4607),سنن ابن ماجه المقدمة (42). (1/325) ليس في هذا شيء، إنما الكلام فيما يتقرب به إلى الله، ويعده الناس قربة وطاعة يرجون ثوابها عند الله. هذا هو محل النظر، فما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه، ولم يدل عليه صلى الله عليه وسلم، ولم يرشد إليه، بل أحدثه الناس وأدخلوه في دين الله فهو بدعة; شاء فلان أم غضب فلان، فالحق أحق بالاتباع. ومن هذا الباب ما أحدثه الناس من بناء المساجد على القبور واتخاذ القباب عليها ، فهذه من البدع التي وقع بها شر كثير، حتى وقع الشرك الأكبر وعبدت القبور من دون الله; بأسباب هذه البدع، فيجب على المؤمن أن ينتبه لما شرعه الله فيأخذ به، وعليه أن ينتبه لما ابتدعه الناس فيحذره; وإن عظمه المشار إليهم من أهل الجهل، أو التقليد الأعمى، والتعصب. فلا عبرة عند الله بأهل التقليد الأعمى، ولا بأهل التعصب، ولا بأهل الجهل، وإنما الميزان عند الله لمن أخذ بالدليل واحتج بالدليل، وأراد الحق بدليله، هذا هو الذي يعتبر في الميزان، ويرجع إلى قوله، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق. (1/326) حكم الاحتفال بالمولد النبوي س148: يقول السائل: ما حكم المولد النبوي؟ وما حكم الذي يحضره؟ وهل يعذب فاعله إذا مات وهو على هذه الصورة؟ الجواب : المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به; لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر وقرره المحققون من |
(1/326)
أهل العلم أن الاحتفالات بالموالد بدعة لا شك في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، والمبلغ عن الله لم يحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، لا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم، فلو كان حقا وخيرا وسنة لبادروا إليه ولما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولعلمه أمته أو فعله بنفسه ولفعله أصحابه، وخلفاؤه رضي الله عنهم، فلما تركوا ذلك علمنا يقينا أنه ليس من الشرع، وهكذا القرون المفضلة لم تفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) وقال عليه الصلاة والسلام: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (2) في أحاديث أخرى تدل على ذلك. وبهذا يعلم أن الاحتفالات بالمولد النبوي في ربيع الأول أو في غيره، وكذا الاحتفالات بالموالد الأخرى كالبدوي والحسين وغير ذلك; كلها من البدع المنكرة، التي يجب على أهل الإسلام تركها، وقد عوضهم الله بعيدين عظيمين: عيد الفطر وعيد الأضحى ففيهما الكفاية عن إحداث أعياد واحتفالات منكرة مبتدعة. وليس حب النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالموالد وإقامتها، وإنما حبه صلى الله عليه وسلم يقتضي اتباعه والتمسك بشريعته، والذب عنها، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب الصادق كما قال الله عز وجل: ** قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ** (3) [آل عمران: 31] ، فحب الله ورسوله ليس بالموالد ولا بالبدع. ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله وبالاستقامة على شريعة الله، وبالجهاد في سبيل الله، وبالدعوة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم __________ (1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270). (2) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). (3) سورة آل عمران الآية 31 (1/327) وتعظيمها والذب عنها، والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الله سبحانه وحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون بالتأسي به; بأقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك، هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه. وأما كونه يعذب أو لا يعذب هذا شيء آخر، هذا إلى الله جل وعلا، فالبدع والمعاصي من أسباب العذاب، لكن قد يعذب الإنسان بسبب معصيته وقد يعفو الله عنه; إما لجهله، وإما لأنه قلد من فعل ذلك ظنا منه أنه مصيب، أو لأعمال صالحة قدمها صارت سببا لعفو الله أو لشفاعة الشفعاء من الأنبياء والمؤمنين أو الأفراط. فالحاصل أن المعاصي والبدع من أسباب العذاب ، وصاحبها تحت مشيئة الله جل وعلا إذا لم تكن بدعته مكفرة، أما إذا كانت بدعته مكفرة من الشرك الأكبر فصاحبها مخلد في النار -والعياذ بالله-، لكن هذه البدعة إذا لم يكن فيها شرك أكبر وإنما هي صلوات مبتدعة، واحتفالات مبتدعة، ليس فيها شرك، فهذه تحت مشيئة الله كالمعاصي، لقول الله سبحانه في سورة النساء: ** إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ** (1) [النساء : 48] وأما الأشخاص الذين يجعلون لأنفسهم عيدا لميلادهم فعملهم منكر وبدعة كما تقدم، وهكذا إحداث أعياد لأمهاتهم أو لآبائهم أو مشايخهم كله بدعة يجب تركه والحذر منه. وأما ما أحدثه الفاطميون المعروفون، فإن ذلك كان في مصر __________ (1) سورة النساء الآية 48 (1/328) والمغرب في القرن الرابع والخامس. وقد أحدثوا موالد للرسول صلى الله عليه وسلم، وللحسن والحسين ، وللسيدة فاطمة ، ولحاكمهم، ثم وقع بعد ذلك الاحتفال بالموالد بعدهم من الشيعة وغيرهم، وهي بدعة بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد، وأصحابه أفضل الناس بعد الأنبياء، وقد بلغ البلاغ المبين، ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام، ولا أرشد إلى ذلك، ولا احتفل به أصحابه أفضل الناس، وأحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة الثلاثة. فعلم أنه بدعة، ووسيلة إلى الشرك والغلو في الأنبياء وفي الصالحين، فإنهم قد يعظمونهم بالغلو والمدائح التي فيها الشرك بالله، الشرك الأكبر، كوصفهم لهم بأنهم يعلمون الغيب، أو أنهم يدعون من دون الله، أو يستغاث بهم، وما أشبه ذلك، فيقعون في هذا الاحتفال في أنواع من الشرك وهم لا يشعرون، أو قد يشعرون. فالواجب ترك ذلك، وليس الاحتفالات بالمولد دليلا على حب المحتفلين بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى اتباعهم له، وإنما الدليل والبرهان على ذلك هو اتباعهم لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو الدليل على حب الله ورسوله الحب الصادق ، كما قال عز وجل: ** قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ** (1) [آل عمران: 31] . فمن كان يحب الله ورسوله فعليه باتباع الحق، بأداء أوامر الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، والمسارعة إلى مراضي الله، والحذر من كل ما يغضب الله عز وجل، هذا هو الدليل، وهذا __________ (1) سورة آل عمران الآية 31 (1/329) هو البرهان، وهذا هو ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان. أما الاحتفال بالموالد للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو للبدوي ، أو لفلان وفلان، فكله بدعة وكله منكر يجب تركه؛ لأن الخير في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع أصحابه والسلف الصالح، والشر في الابتداع والاختراع ومخالفة ما عليه السلف الصالح، هذا هو الذي يجب وهذا هو الذي نفتي به، وهذا هو الحق الذي عليه سلف الأمة ولا عبرة لمن خالف ذلك وتأول ذلك، فإنما هدم الدين في كثير من البلدان، والتبس أمره على الناس بسبب التأويل والتساهل، وإظهار البدع، وإماتة السنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والله المستعان. (1/330) حكم عمل مولد عند ضريح أحد المشايخ س149: يقول السائل: فضيلة الشيخ: عندنا في القرية شيخ له ضريح، ويعمل له الناس مولدا كل عام، ويجمعون بعض المال من المواطنين، وأنا ممن يؤخذ منهم المال وأنا غير مقتنع، ولما عارضت قالوا لي : إن هذا ليس بحرام، ونحن نشتري بهذا المال ذبائح للناس الذين يحضرون المولد من البلدة وغيرها، فما الحكم في ذلك؟ الجواب : هذا بدعة ومنكر، لا يجوز اتخاذ موالد لا للعالم، ولا لشيخ القبيلة، ولا لكبير الحارة، ولا لغيرهم، الموالد بدعة، وهكذا الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه الصلاة والسلام بدعة ليس لها أصل، وهكذا الاحتفال بموالد الأنبياء أو الصالحين أو العلماء ، كله (1/330) لا أصل له. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه في المدينة عشر سنين ولم يحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بذلك، ولم يفعله أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، وهكذا خلفاؤه الراشدون; الصديق وعمر وعثمان وعلي لم يحتفلوا به، وهكذا بقية الصحابة لم يحتفلوا به، وهكذا من بعدهم في القرون المفضلة في القرن الأول والثاني والثالث لم يحتفلوا بذلك، فالواجب على المسلمين أن يدعوا هذا، وإنما المهم أن يحافظوا على طاعته صلى الله عليه وسلم واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والمسارعة إلى ما أمر به، وترك ما نهى عنه عليه الصلاة والسلام، وأما الشيوخ والعلماء فمن باب أولى ألا يجوز اتخاذ موالد لهم. وهذا الضريح الذي عندكم لا يحتفل بصاحبه لا بمولد ولا بغيره، ولكن إذا كان طيبا يدعى له بالمغفرة إذا كان مسلما، ويدعى له بالرحمة ويزار الزيارة الشرعية، يمر على قبره ويدعى له: السلام عليك يا فلان غفر الله لك، ورحمنا الله وإياك، وهذا يكفي، أما أن يدعى من دون الله ويستغاث به أو يتمسح بقبره أو يطاف به، فهذا منكر عظيم، لا يطاف بقبره، ولا يدعى من دون الله، ولا يقال: يا سيدي فلان انصرني، أو أنا في حسبك، أو بجوارك، أو اشفع لي، أو اشف مريضي، كل هذا منكر لا يجوز، بل هو من المحرمات الشركية. وهكذا لا يطاف بالقبر ولا يتمسح بالتراب ولا بالنصائب كل هذا من المنكرات العظيمة ومن التبرك المنكر، بل طلب البركة من القبور شرك أكبر نسأل الله العافية. (1/331) فالواجب على أهل القرية أن يحذروا ما حرمه الله عليهم، وأن يدعوا هذا الاحتفال وألا يأخذوا أموال الناس بالباطل، وأن يدعوا لهذا الميت إذا كان مسلما بالمغفرة والرحمة، وهذا يكفي، والحمد لله. |
(1/332)
حكم الذكر بقول: هو. هو، أو: الله. الله س150: سائلة تقول: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية، يجتمعون كل يوم جمعة ويوم اثنين، ويذكرون الله بهذا الذكر: لا إله إلا الله، ويقولون في النهاية: الله. الله. بصوت عال، فما حكم الشرع في عملهم هذا؟ الجواب : الطريقة التيجانية طريقة مبتدعة ، وطريقة باطلة، وفيها أنواع من الكفر لا يجوز اتباعها، بل يجب تركها، وننصح المعتنقين لها بأن يدعوها ويلتزموا بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي الطريقة التي درج عليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتلقوها عن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، وتلقاها عنهم أئمة الإسلام كذلك، كالإمام مالك ، والشافعي ، والإمام أبي حنيفة ، وأحمد ، والأوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، والثوري وغيرهم من أهل العلم تلقوها ودرجوا عليها ودرج عليها أهل السنة والجماعة، وهي توحيد الله وعبادته، وإقامة الصلاة، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وطاعة الأوامر التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وسلم، وترك النواهي، وهذه هي الطريقة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم. أما الطرق الصوفية فالواجب تركها إلا ما كان فيها من الأشياء التي توافق الشرع فإنه يؤخذ بها لأنها جاء بها الشرع، وأما الشيء الذي (1/332) أحدثه الصوفية فيترك، ومن ذلك اجتماعهم على: الله الله، أو: هو. هو، فهذا كله بدعة لا أصل له في الشرع المطهر، فإن المشروع أن يقال: لا إله إلا الله، أو: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أما تقطيعها: هو. هو، أو : الله. الله . فهذا بدعة لا أصل لها. أنصحك أيتها السائلة بألا تحضريهم، وألا تكوني منهم، وأن تلتزمي الطريقة المحمدية التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الذكر المعروف كسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، في البيت، وفي المسجد، وفي الطريق، وفي المطبخ، وفي أي مكان، يذكر الإنسان الله سبحانه وتعالى على عمله، يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. وهكذا وليس لها حد محدود، بل هكذا كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يقل: الله. الله، أو: هو. هو أو يجتمعون على رقص وضرب للطبول، فإن كل هذا منكر. (1/333) الذكر بقول: هو. هو... وغيره س151: يقول السائل: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم الجمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر: لا إله إلا الله، ويقولون في النهاية: الله. الله بصوت عال فما حكم عملهم هذا؟ (1/333) الجواب : هذه العقيدة التيجانية من العقائد المبتدعة والطرق المنكرة، وفيها منكرات كثيرة، وبدع كثيرة، ومحرمات شركية يجب تركها، ولا يؤخذ منها إلا ما وافق الشرع المطهر الذي جاء به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. والاجتماع على الذكر بصوت جماعي لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: الله. الله، أو: هو. هو ، إنما الذكر الشرعي أن يقول: لا إله إلا الله فهذا هو الذكر الشرعي، أو سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أستغفر الله، اللهم اغفر لي، أما الاجتماع بصوت واحد: لا إله إلا الله أو: الله. الله، أو: هو. هو; فهذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة. فالواجب على المسلمين ترك البدع، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) يعني فهو مردود ويقول: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (2) . ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: « وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » ، وكان يخطب في الجمعة صلى الله عليه وسلم فيقول: « أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة » (3) . فالواجب على المسلمين أن يحذروا البدع كلها سواء كانت تيجانية أو غيرها، وأن يلتزموا بما شرعه الله على لسان نبيه ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب على المسلمين، كما قال الله عز وجل: ** وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ** (4) [الحشر: 7] ، __________ (1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270). (2) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). (3) صحيح مسلم الجمعة (867),سنن النسائي صلاة العيدين (1578),سنن ابن ماجه المقدمة (45),مسند أحمد بن حنبل (3/311),سنن الدارمي المقدمة (206). (4) سورة الحشر الآية 7 (1/334) وقال سبحانه وتعالى: ** يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ** (1) [النساء: 59] ، وقال عز وجل: ** وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ** (2) [الشورى: 10] وقال تعالى: ** وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ** (3) [النور: 56 ] . فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء طاعة الله ورسوله والحذر من البدع في الدين، بل الله كفانا سبحانه وتعالى، وأتم لنا النعمة وأكمل لنا الدين، كما قال عز وجل: ** اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ** (4) [المائدة: 3] ، فالإسلام الذي رضيه الله وأكمله لنا علينا أن نلتزم به وأن نستقيم عليه وأن نحافظ عليه، وألا نحدث في الدين ما لم يأذن به الله ونسأل الله للجميع الهداية. __________ (1) سورة النساء الآية 59 (2) سورة الشورى الآية 10 (3) سورة النور الآية 56 (4) سورة المائدة الآية 3 (1/335) استخلاف أبناء الأولياء من بعدهم للتبرك بهم س152: يقول سائل: عندنا في بلدتنا إذا كان الرجل ممن يعتقد فيهم الصلاح فيجعلون الخلافة لابنه من بعده، وإذا مات هذا الابن يجعلون خليفة بدله من أبنائه، وهكنا يتوارثونها خليفة بعد خليفة، وكل منهم يعتقدون فيه الصلاح والبركة، ويقبل الناس أيديهم، وتأتيهم الأموال والنذور لطلب البركة، فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب : هذا من عمل بعض الصوفية المخربين ، وهذا لا أصل له في الشرع، بل هذا من الخرافات التي أحدثها بعض أهل التصوف، جعلهم (1/335) خليفة وجعلهم ابنه يقوم مقامه، واتخاذهم للبركة، فكل هذا لا أصل له، ولا يجوز اتخاذ أحد للتبرك به، بل هذا من المنكرات، ومن وسائل الشرك الأكبر، فإن البركة من الله عز وجل، هو الذي يأتي بها سبحانه وتعالى، ولا تطلب البركة من غيره، فطلبها من زيد أو من عمرو أن يعطيك بركة هذا لا أصل له، بل هذا من الشرك إذا طلبها منه أو اعتقد أنه يبارك في الناس، وأنه يعطي البركة هو فهذا شرك أكبر ونعوذ بالله من ذلك. وأما إن ظن أن خدمته أو طاعته فيها بركة لأنه من الصالحين ومن الأخيار، فيرجو بهذا الثواب إذا أطاعه أو ساعده في شيء، فهذا يختلف: إن كان يطاع كعالم من علماء المسلمين، أو من العباد والأخيار الذين هم معروفون بالاستقامة وطاعة الله ورسوله، فساعده لله بأن قضى حاجته، بأن زاره في الله ليسلم عليه لأنه من أهل الصلاح، فيزوره لله فقط لا لطلب البركة، بل لله، يزوره أو يعوده إذا مرض، فهذا شأن المسلمين، وهذا مستحب من باب التزاور، ومن باب عيادة المرضى، ومن باب زيارة الإخوة في الله، وهذا حق، أما لطلب البركة فلا يجوز، لأنه لا أصل لهذا. وإنما هذا من حق النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي جعله الله مباركا، فلا بأس أن يقصد لطلب البركة من مائه أو من عرقه أو من شعره فالله جعل فيه بركة عليه الصلاة والسلام، ولما حلق رأسه في حجة الوداع وزعه بين الصحابة، وكانوا يتبركون بوضوئه لما جعل الله فيه من البركة، فهذا خاص به صلى الله عليه وسلم وليس لغيره، ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم (1/336) بوضوء الصديق رضي الله عنه ولا بشعره ولا عرقه ولا بوضوء عمر رضي الله عنه ولا شعره ولا غيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، فعلم بذلك أن هذا الأمر خاص به صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره. فينبغي لأهل الإسلام أن يعرفوا هذا، وأن يحذروا هذه الخرافات التي فعلها أصحاب التصوف، وهذه الخلافات التي جعلوها. هذا خليفة لهذا! وهذا خليفة هذا! فكل هذا لا أصل له، ولا ينبغي أن يتخذ هذا الشيء، ولا أن يعطى هدايا ونذورا بهذا المعنى، أما إذا أعطى أخاه الفقير مساعدة هدية أو من الزكاة، لأنه يحبه في الله أو لأنه فقير، فهذا لا بأس به، أما لاعتقاد البركة أو أنه خليفة الشيخ الفلاني، أو خليفة التيجاني ، أو خليفة الشاذلي ، أو خليفة كذا فهذا لا أصل له، وهذه أمور منكرة. (1/337) حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الفاتح س153: يقول السائل في رسالته: ما حكم صلاة الفاتح على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة: اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، الهادي إلى الصراط المستقيم... إلى آخره؟، لأنها كثيرا ما تقال عندنا بعد الفرائض بصوت عال، يرددها الإمام، ويرددها المصلون خلفه، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب : هذه الصلاة مما أحدثها أصحاب الطريقة التيجانية، وهي فيها أشياء ما نرى فيها مانعا، فإنه الفاتح لما أغلق من جهة النبوة؛ لأن (1/337) النبوة كانت أولا قد انتهت بعيسى عليه السلام، ثم فتح الله ذلك على يده صلى الله عليه وسلم، ثم أنزل عليه الرسالة وأمره أن يبلغ الناس عليه الصلاة والسلام، لكن في هذا إجمال. وأما الخاتم لما سبق فهو خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو ناصر الحق بالحق، والهادي إلى الصراط المستقيم، كل هذا حق، لكن استعمال هذه الصيغة التي أحدثها التيجانيون أمر لا ينبغي بل الواجب تركها وعدم استعمالها؛ لأنها إحياء لشيء لا أصل له، وفيما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من الصيغ ما يشفي ويكفي، فإنه صلى الله عليه وسلم عندما « سئل كيف نصلي عليك؟ قال عليه الصلاة والسلام: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد » (1) . وهذه صيغة عظيمة شافية كافية، وهناك صيغ أخرى أرشد إليها عليه الصلاة والسلام منها: « اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد » (2) ، ومنها الصيغة الأخرى: « اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد » ، وهناك صيغ أخرى، فما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل، وهو الأفضل والأولى من هذه الصيغة التي أحدثها التيجانيون . __________ (1) صحيح البخاري الدعوات (5996),صحيح مسلم الصلاة (406),سنن الترمذي الصلاة (483),سنن النسائي السهو (1289),سنن أبو داود الصلاة (976),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (904),مسند أحمد بن حنبل (4/244),سنن الدارمي الصلاة (1342). (2) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3189),صحيح مسلم الصلاة (407),سنن النسائي السهو (1294),سنن أبو داود الصلاة (979),سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (905),مسند أحمد بن حنبل (5/424),موطأ مالك النداء للصلاة (397). |
(1/338)
والمؤمن يستعمل الصيغة الشرعية التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وأرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه، اتباعا له صلى الله عليه وسلم، وطاعة لأمره، وتأسيا به وبأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا هو الذي ينبغي للمؤمن، وألا يعتنق صيغة أحدثها من ابتدع في الدين. ثم أيضا كونهم يتعاطون ذلك، ويجهرون بذلك بعد الصلاة فهذا بدعة أخرى ولو بالصيغة الثانية، فكونهم يتعاطون هذا بعد الصلاة، ويرفعون أصواتهم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ليس له أصل سواء بهذه الصيغة أو بغيرها وإنما يصلي الإنسان بينه وبين نفسه على النبي صلى الله عليه وسلم بعد حمد الله والثناء عليه، أمام الدعاء، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه حيث قال عليه الصلاة والسلام: « إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه ثم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء » (1) وهذا هو الأمر مشروع عند الدعاء في جميع الأوقات، فكونه يحمد ربه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو ربه في ليله، وفي نهاره، وفي الطريق، هذا هو الأمر المشروع للحديث المذكور، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مشروع محبوب إلى الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه يقول: ** إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ** (2) [الأحزاب: 56] . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا » (3) فالصلاة والسلام عليه أمر مشروع، ولكن على الوجه الذي فعله صلى الله عليه وسلم، وعلى الوجه الذي فعله أصحابه رضي الله عنهم. أما أن يقوم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم جهرة بعد السلام، فهذا لا أصل له، __________ (1) سنن الترمذي الدعوات (3477). (2) سورة الأحزاب الآية 56 (3) صحيح مسلم الصلاة (384),سنن الترمذي المناقب (3614),سنن النسائي الأذان (678),سنن أبو داود الصلاة (523),مسند أحمد بن حنبل (2/168). (1/339) وهو من البدع، قال صلى الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (1) وهكذا ما يفعله بعض الناس إذا فرغ من الأذان قال: لا إله إلا الله ورفع صوته مع الأذان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه أيضا بدعة، وإنما يكمل الأذان بلا إله إلا الله، ثم يغلق المكبر، ثم يصلي على النبي بينه وبين نفسه الصلاة العادية التي ليس فيها جهر، بل الكلام العادي، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: « اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة إلى آخره » (2) أما أن يجعلها مع الأذان جزءا من الأذان فهذه بدعة. __________ (1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). (2) صحيح البخاري الأذان (589),سنن الترمذي الصلاة (211),سنن النسائي الأذان (680),سنن أبو داود الصلاة (529),سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722),مسند أحمد بن حنبل (3/354). (1/340) حكم الحجر المنقوش عليه أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم في أحد المساجد س154: يقول السائل: يوجد عندنا في مدينتنا مقبرة داخل مسجد تسمى هذه المقبرة ضريح السيد البدوي ، ويوجد بنفس المقبرة حجر منقوش عليه خمسة أصابع، والكل يدعي أن هذه أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوجد في مدينة أخرى حجر منقوش عليه أصابع لقدم، فهل هذه حقيقة أم خرافات؟ علما بأنني كنت أقبل وأتمسح هذا الحجر كما كان يفعل الناس عندنا، والحمد لله فقد تبت إلى الله من هذا، وأرجو الله أن يقبل توبتي، ولكن أريد أن أعرف هل هذه حقيقة أصابع رسول الله أو قدمه، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب : كل هذا لا أصل له، ليست أصابع الرسول صلى الله عليه وسلم وليست أصابع قدمه، وكل هذا باطل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت إلى مصر ولم يزرها، ولم توجد أصابعه في أي حجر حتى نقلت إلى هناك، وكل هذا (1/340) من الباطل والكذب، فلا يجوز التمسح بها، ولا التبرك بها، بل تجب إزالتها وتحطيمها. والمساجد لا تبنى على القبور، فلا يجوز أن يبنى مسجد على القبر، ولا يجوز الطواف بالقبور ، ولا دعاء أهلها من دون الله، ولا التمسح بقبورهم ، ولا النذر لأهلها، كما يفعل عند البدوي أو غيره، كل هذا منكر عظيم، فبناء المساجد على القبور أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، وقال عليه الصلاة والسلام: « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) . ولما « ذكرت له بعض الصحابيات المهاجرات إلى الحبشة كنيسة رأينها في أرض الحبشة ، وفيها ما فيها من الصور، قال صلى الله عليه وسلم: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ثم قال : أولئك شرار الخلق عند الله » (3) ، فأخبر أن هؤلاء الذين يبنون المساجد على القبور، ويتخذون عليها الصور هم شرار الخلق ، لأنهم دعاة للنار-ونعوذ بالله- ودعاة للشرك. فيجب الحذر من هذه البلايا، وهذه البدع، وهذه الشرور التي أحدثها الجهلة، ويجب أن تكون المساجد بعيدة عن القبور، وتكون مستقلة عن القبور، والقبور مستقلة عن المساجد، أما أن يتخذ المسجد على المقبرة، أو يدفن في المسجد فكل هذا منكر، ولا يجوز الدفن في المساجد ، بل تكون المقابر مستقلة وتكون المساجد مستقلة، ولا يبنى __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403). (2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532). (3) صحيح البخاري الصلاة (424),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528),سنن النسائي المساجد (704),مسند أحمد بن حنبل (6/51). |
(1/401)
المسجد على القبر، ولو كان من قبور الأنبياء فلا يبنى عليه مسجد؛ لأن ذلك من وسائل الشرك، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم زجر عن ذلك ولعن من فعله. أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي في المدينة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته ولم يدفن في المسجد، هو وصاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فكان مدفونا في بيت عائشة رضي الله عنها، ثم دفن معه أبو بكر ، ثم دفن معه عمر . لكن لما وسع الوليد بن عبد الملك المسجد في عهده أدخل الحجرة في المسجد اجتهادا منه، وقد غلط، ولو تركها على حالها لكان أسلم وأبعد عن الشبهة، فإن بعض الناس اغتروا بهذا، وظنوا أن اتخاذ المساجد على القبور أمر مطلوب، وهذا غلط، فالنبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة رضي الله عنها وليس في المسجد، وهكذا صاحباه دفنا معه في البيت، ثم أدخلت الحجرة برمتها في المسجد، فلا يجوز لأحد أن يغتر بهذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر من هذا عليه الصلاة والسلام، وأبدأ وأعاد في ذلك، فيجب الحذر مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وألا يدفن إنسان في مسجد، وألا يقام مسجد على قبر لأن الرسول لعن من فعل ذلك، فيجب الحذر، ولأنه وسيلة للشرك. (1/342) حكم وضع فراش والجلوس عليه والرقص والتصفيق إذا مات الميت س155: يقول السائل: يوجد عندنا طريقة وهي أنه إذا مات الإنسان يعملون شيئا، يسمى بالفراش، فيجلس كثير من الناس في هذا الفراش (1/342) سبعة أيام أو أربعين يوما، ويأتون بالنوبات والطارات، ويرقصون، ويصفقون. فما حكم الشرع في ذلك؟ الجواب : هذا العمل منكر ومن البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، الفراش والجلوس عليه أيام معدودة، أو الرقص، أو الغناء، أو النياحة، كل هذا منكر. ولكن المشروع بعد الموت الدعاء له والصلاة عليه، أي صلاة الجنازة، والدعاء له بالمغفرة وبالرحمة، وصنع الطعام لأهله، من قبل جيرانه أو أقاربه فيصنعون لهم الطعام لأنهم مشغولون بالمصيبة، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم « لما جاءه نعي جعفر ابن عمه، لما قتل يوم مؤتة وجاء خبره رضي الله عنه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أهله أن يصنعوا لأهل جعفر طعاما، وقال: لأنه قد أتاهم ما يشغلهم » (1) . فإذا صنع الجيران أو الأقارب طعاما لأهل الميت حتى يكفوهم مؤنة الطعام من أجل المصيبة فلا بأس، وذلك مستحب للحديث المذكور، أما أن ينوحوا عليه أو يتخذوا الفراش المذكور يتناوبون عليه بالجلوس، أو بقراءة، أو بغير ذلك، أو بضرب الطبول، أو ما أشبه ذلك، فكل ذلك من البدع المنكرة. __________ (1) سنن الترمذي الجنائز (998),سنن أبو داود الجنائز (3132),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1610). (1/343) الذبح للميت حين وفاته س156: يقول السائل: ما حكم الذبح عن الميت حين وفاته بقصد عمل وليمة للصدقة على هذا الميت، كما هي العادة عندنا؟ الجواب : لا يشرع للمسلم صنع وليمة لميته، لا بالذبح ولا بغيره، (1/343) ولكن إذا مات الميت شرع لأقارب الميت وجيرانه أن يصنعوا لأهل الميت طعاما . أما أهل الميت فلا يصنعون طعاما، ولا يذبحون ذبيحة من أجل الميت ، ولا يجمعون الناس عليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم « لما أتاه نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في الشام في غزوة مؤتة أمر أهل بيته أن يصنعوا لأهل جعفر طعاما، وقال: اصنعوا لأهل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم » (1) . فالسنة أن يصنع لأهل الميت طعام من جيرانهم أو أقاربهم للحديث المذكور. وأما كون أهل الميت يصنعون الطعام ويجمعون الجيران فهذا لا يصلح، بل هو من البدع، ومن المآتم المنكرة، قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: « كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة » (2) . فأخبر جرير رضي الله عنه أنهم كانوا يعدون اجتماع الناس لأهل الميت، وصنعة الطعام من أهل الميت للناس، كانوا يعدون هذا من النياحة، يعني يعده الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فدل ذلك على أن أهل الميت لا يصنعون طعاما للناس، ولا يجمعونهم، ولكن يستحب لجيرانهم أو أقاربهم أن يبعثوا لهم طعاما لكونهم مشغولين بالمصيبة. وأما من ذبح ذبيحة لأجل الصدقة بها عن الميت على الفقراء والمساكين فلا حرج في ذلك، لكن لا تكون في وقت مخصوص، ولا __________ (1) سنن الترمذي الجنائز (998),سنن أبو داود الجنائز (3132),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1610). (2) سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1612). (1/344) يجمع لها أحد، بل تذبح ويوزع لحمها على الفقراء والمساكين صدقة في أي وقت كان، ليس لها وقت مخصوص، وليس لها خصوصية بيوم الموت، بل متى فعلها في أي وقت لقصد مواساة الفقراء، أو إعطائهم نقودا أو ملابس أو طعاما، فكل هذا نافع للميت، ويؤجر عليه فاعله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذا، قال له رجل: « يا رسول الله إن أمي ماتت ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم » (1) . فالصدقة عن الميت نافعة له بإجماع المسلمين، لكن ينبغي أن تكون في غير وقت الموت حتى لا يتخذ ذلك سنة وعادة، بل يوزعها في أوقات أخرى بين الفقراء من غير تخصيص وقت معين، لا يوم الموت، ولا يوم سابع الموت، ولا يوم أربعين الموت، فلا يكون له خصوصية، أما ما يفعله بعض الناس من إيجاد مأتم، في اليوم الأول، أو في السابع، أو في الأربعين، ويجمعون فيها الناس، ويذبحون فيها الغنم أو غيرها، فهذا شيء لا أصل له بل هو من البدع فلا يجوز. __________ (1) صحيح البخاري الجنائز (1322),صحيح مسلم الزكاة (1004),سنن النسائي الوصايا (3649),سنن أبو داود الوصايا (2881),سنن ابن ماجه الوصايا (2717),مسند أحمد بن حنبل (6/51),موطأ مالك الأقضية (1490). (1/445) حكم الجلوس عند قبر الميت المتوفى يوم الخميس لتسليمه لليلة الجمعة س157: عندنا إذا توفي إنسان يوم الخميس بقي عند قبره أصدقاء أقاربه بحجة تسليمه لليلة الجمعة؛ لأنهم يقولون: إنه إذا توفي عندنا الإنسان قبل الجمعة فإنه لا يترك إلا أن يسلم ليوم الجمعة فنرجو توضيح حكم ذلك؟ |
(1/445)
الجواب : جلوس بعض أقارب الميت أو غيرهم عند الميت إذا مات يوم الخميس حتى يسلموه ليوم الجمعة هذا لا أصل له، بل هذا من البدع، وإنما السنة أن يوقف عليه بعد الدفن، ويدعى له بالمغفرة والثبات فيقفون وقفة للدعاء له بالمغفرة والثبات، ثم ينصرف الناس سواء كان ذلك في يوم الخميس أو في غيره. أما أن يقف عنده أقارب الميت أو جيرانه إلى ليلة الجمعة، أو في بعض الليالي الأخرى وقفات خاصة، فهذا لا أصل له، وإنما الوقفة بعد الدفن للدعاء له، وسؤال الله له المغفرة والثبات؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام « كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسأل » (1) . فيستحب للمشيعين إذا فرغوا من الدفن أن يقفوا على الميت، وأن يدعوا له بالمغفرة والثبات ما شاء الله من الوقفة، ولا يلزمهم ولا يشرع لهم أن يقفوا طويلا كثيرا حتى يسلموه لليلة الجمعة، أو في ليال أخرى بطريقة خاصة، إنما هي وقفة للدعاء بالمغفرة والثبات فقط بعد الدفن، وقفة ليست لها حد محدود، بل وقفة لا تضرهم ولا تشق عليهم ثم ينصرفون. __________ (1) سنن أبو داود الجنائز (3221). (1/346) تحلق جماعة واجتماعهم على التسبيح بالحجارة س158: يقول السائل: أنا أعمل بمدرسة في الزلفي ، ومعنا جماعة من إخواننا من بنجلاديش والباكستان ، وبعد صلاة العشاء يبدءون بالتسبيح بالحجارة، وعدد الحجارة ألف حجر، وهم يجلسون دائرة في (1/346) المسجد، ويتبادلون الحجارة، وعندما يتبادلونها يقول الواحد منهم: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، أرجو منكم الإفادة في ذلك وفقكم الله؟ الجواب : هذا العمل مبتدع، كون الإنسان مع إخوان له يسبحون ويحمدون ويكبرون بالحصى أو بغيره ويتساعدون في هذا الأمر هذا لا يجوز، أما إذا كان الواحد يسبح بينه وبين نفسه، كل واحد بنفسه، ويذكر الله بينه وبين نفسه بأصابعه أو بالحجارة، أو بالنوى فلا بأس، لكن بالأصابع أفضل. أما كونهم يتحلقون ويجتمعون على هذا الأمر، هذا يسبح كذا، وهذا يقول كذا، أو كل واحد عليه قول معروف، إذا فرغ شرع الآخر، فهذا هو الذي أنكره عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين خرج على قوم في مسجد الكوفة وهم متحلقون يقول لهم أحدهم : سبحوا مائة افعلوا كذا ، فيعدون الحصى ، فأنكر عليهم وقال إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة؟ فأنكر عليهم ذلك ، فقالوا يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا خيرا ، فقال رضي الله عنه : كم من مريد للخير لم يصبه . والمقصود أن هذا الفعل من البدع التي أحدثها الناس، لكن إذا أحب أن يذكر الله بينه وبين نفسه في الصف، أي في الصف الأول، أو في الصف الثاني، حسب مجيئه إلى الصلاة أو في ركن من أركان المسجد، أو في أي محل في بيته فلا بأس أن يذكر الله بينه وبين ربه، يسبح، ويهلل، ويستغفر، ويدعو ربه، يعد بأصابعه أو لا يعد ، كل ذلك لا بأس به، وإن عد بالنوى أو غيره فلا حرج، لكن (1/347) بالأصابع أفضل. (1/348) الصلوات النارية والتسبيح بأعداد كبيرة س159: ما حكم ما يذكرونه من الصلوات النارية والتسبيح بأعداد كبيرة وتلاوة القرآن؟ الجواب : الصلوات النارية لا أعرفها لكن تعرض على الكتاب والسنة، فإذا كانت صلاة توافق الصلاة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم فتقبل، يصلي الإنسان كما صلى النبي عليه الصلاة والسلام سواء الفريضة أو النافلة ، أما صلاة لها صفات زائدة أو أحوال زائدة على ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ودعا إليه، وشرعه للأمة ، فلا تقبل. والتسبيح كله طيب إذا كان موافقا للشرع ; مثل قوله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولو كثر ولو قال ذلك آلافا، أو سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أو لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، فهذا كله ينبغي الإكثار منه، والله سبحانه وتعالى يقول: ** يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ** (1) ** وسبحوه بكرة وأصيلا ** (2) [الأحزاب: 41، 42] . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « سبق المفردون قيل يا رسول الله ومن هم المفردون؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات » (3) أخرجه مسلم في الصحيح . فالإكثار من ذكر الله هو المطلوب لكن على الوجه الشرعي، أما ذكر مقيد بقيود، أو بطريقة خاصة غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهذا لا يقبل __________ (1) سورة الأحزاب الآية 41 (2) سورة الأحزاب الآية 42 (3) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2676),مسند أحمد بن حنبل (2/411). (1/348) ويكون من البدع، فلا بد أن يكون الذكر على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الطريقة المحمدية، التي بينها الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، وهكذا الأذكار بعد الصلوات تؤدى كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الطريقة التي كان يفعلها ويعلمها أمته عليه الصلاة والسلام، وكل شيء يخالف ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وما شرعه للأمة، يطرح. (1/349) من يقيمون حلقات للذكر، ويضربون أنفسهم بالسيوف، ويدخلون النار زاعمين أن هذا بسر مشايخهم س160: يوجد عندنا في كل يوم جمعة أو اثنين حلقة ذكر يمدحون فيها الله والأنبياء والرسل، ثم يضربون أنفسهم بالسيوف أو بالأسياخ الحديد، أو يدخلون أنفسهم في النار، ويقولون إن في هذا الذي يفعلونه سرا بينهم وبين السيد، أي الشيخ الذي يأخذون عنه هذه الطريقة، وأنه لا يصيبهم أذى. أيضا يدفعون إلى السيد الخرفان والهدايا والفلوس ويذبحون له الذبائح، ويقولون: هذا إلى الشيخ عبد القادر ، أو الدسوقي ، أو الشيخ فلان.. أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فهذا السؤال له شأن خطير، وهو واقع فيما بلغنا من أناس كثير، وهذا من عمل طائفة من طوائف الصوفية، وهو عمل منكر. (1/349) أما ذكر الله والصلاة على الأنبياء فهذا أمر مطلوب، وهذا أمر مشروع. الله جل وعلا أمر عباده بالذكر، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: ** يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ** (1) ** وسبحوه بكرة وأصيلا ** (2) [الأحزاب: 41، 42] . وقال عز وجل: ** إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ** (3) ** الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ** (4) [آل عمران: 190، 191] ، ويقول جل وعلا: ** إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ** (5) [الأحزاب: 56] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا » (6) . فالإكثار من ذكر الله ، تسبيحه، وتهليله، وتحميده، وتكبيره، واستغفاره أمر مطلوب شرعا، وهكذا الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والرسل، كل هذا طيب. لكن عملهم هذا بتسوية حلقات وقيامهم بضرب أنفسهم بالسيوف وغيرها من الآلات التي يضربون بها أنفسهم، ودخولهم النار، كل هذا منكر، وكل هذا شعوذة وتلبيس وخداع، وهذا عمل منكر ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه، ولا فعله السلف الصالح، من الأئمة الأربعة: مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة ، وغيرهم من أئمة الإسلام كالليث بن سعد ، والثوري ، وسفيان بن عيينة ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم من أئمة الإسلام، فهذا مما أحدثه الناس، وهو عمل منكر يجب الحذر منه، ويجب أن ينصحوا ويوجهوا إلى الخير; وإذا كان شيخهم أخذ عليهم هذا فقد أخطأ شيخهم، وعليهم أن يرجعوا عن __________ (1) سورة الأحزاب الآية 41 (2) سورة الأحزاب الآية 42 (3) سورة آل عمران الآية 190 (4) سورة آل عمران الآية 191 (5) سورة الأحزاب الآية 56 (6) صحيح مسلم الصلاة (384),سنن الترمذي المناقب (3614),سنن النسائي الأذان (678),سنن أبو داود الصلاة (523),مسند أحمد بن حنبل (2/168). |
(1/350)
هذا الخطأ، وألا يقلدوا شيخهم في الباطل. والإمام المتبع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو إمام المسلمين وقائدهم، وهو الواجب الاتباع، كما قال سبحانه وتعالى: ** وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ** (1) [الحشر: 7] ، وقال عز وجل: ** قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ** (2) [آل عمران: 31] ، وقال سبحانه وتعالى: ** من يطع الرسول فقد أطاع الله ** (3) [النساء: 80] . فعلينا أن نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم ونتبع ما جاء به في الكتاب العظيم والسنة المطهرة، أما عمل هؤلاء الذين يلبسون على الناس ويخدعون الناس بأعمالهم القبيحة من ضربهم لأنفسهم بالسياط، أو بالسلاح، أو بالعصي، أو بغير ذلك; كل هذا منكر. وهكذا دخولهم النار منكر أيضا، فالنار لا يجوز دخولها، ولا يجوز التلبيس على الناس بهذا الأمر، وقد يتعاطون أشياء يجعلونها في أجسادهم من المواد المضادة للنار، فيلبسون على الناس، ويزعمون أنهم بهذا أولياء، نعم هم من أولياء الشيطان، وإنما أولياء الله أهل التقوى، والإيمان، وأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم; قال جل وعلا: ** ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ** (4) ** الذين آمنوا وكانوا يتقون ** (5) [يونس: 62، 63] ، ويقول جل وعلا: ** والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ** (6) [التوبة: 100] . وهؤلاء ما اتبعوهم بإحسان; بل زادوا عليهم بدعا كثيرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « من أحدث في أمرنا يعني ديننا هذا ما ليس منه فهو رد » (7) أي مردود، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (8) . __________ (1) سورة الحشر الآية 7 (2) سورة آل عمران الآية 31 (3) سورة النساء الآية 80 (4) سورة يونس الآية 62 (5) سورة يونس الآية 63 (6) سورة التوبة الآية 100 (7) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/270). (8) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). (1/351) أما إهداؤهم الخرفان والنقود والأموال لشيخهم الذي يتقربون إليه ويذبحون له ويستغيثون به ، فهذا من الشرك الأكبر; لأن الطلب من الأموات، والاستغاثة بهم، وطلب المدد، والتقرب إليهم بالذبائح والنذور، كل ذلك من الشرك الأكبر بإجماع المسلمين، أي بإجماع أهل العلم والإيمان من سلف الأمة، ولا عبرة بخلاف من تأخر عنهم في آخر الزمان ممن جهل دين الله، ورأى أن الشرك دين وقربة، فهؤلاء لا يعول عليهم. والمقصود أن دعوة الأموات، والاستغاثة بالأموات، أو الجن أو بالملائكة، وطلب المدد من الميت ; من النبي صلى الله عليه وسلم، أو الرفاعي ، أو العيدروس ، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو الشيخ أحمد البدوي ، أو الحسين ، أو غير ذلك، كل هذا شرك بالله; فمن طلبهم أو استغاث بهم، أو نذر لهم أو طلب منهم المدد عند قبورهم أو بعيدا من قبورهم، فهذا من الشرك الأكبر، ومن عبادة غير الله. فيجب الحذر من ذلك، ويجب تحذير الناس من هؤلاء الضالين حتى يتوبوا فيتوب الله عليهم. نسأل الله لنا ولهم الهداية. (1/352) الدوران بالأبقار حول الجبال والذبح منها عند الاستسقاء س161: يحكي لنا الآباء عن شيء مثل هذا في منطقتنا قبل أن تنتشر الدعوة من جديد بعد حكم آل سعود ، فيقولون: إنهم كانوا يأخذون الأبقار ويدورون بها حول الجبال وحول الأودية وبعد ذلك يذبحون (1/352) واحدة منها، وهم بذلك يريدون الاستسقاء فلعل هذا شبيه بذلك سماحة الشيخ؟ الجواب : ليس ببعيد أن يكون هذا المقصود، ولكن هذا غلط ولا أصل له، بل هذا من البدع، والمقصود هو التقرب إلى الله بصلاة الاستسقاء والدعاء، فيستغيثون بالله ويصلون الصلاة الشرعية، وإذا ذبحوا ذبائح وتصدقوا بها أو صاموا أو تصدقوا بنقود أو بأطعمة من الحبوب أو من التمور فكل هذا طيب، لكن لا يقصدوا مكانا يوهم أنهم يتعبدون فيه؛ لأنه قد سكنه رجل صالح، أو أقام به رجل صالح، أو دفن فيه رجل صالح، فلا يفعلوا هذه الأشياء ونحوها لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين. أما كونهم يدورون بها في الوادي أو حول الجبال فهذا لا أصل له، بل هو بدعة ولا حاجة إلى هذا، والمقصود هو التقرب إلى الله، في أي مكان ذبحوها كفى، على الوجه الذي شرعه وذلك بذبحها في أي مكان يتيسر من غير قصد بقعة معينة أو واد معين أو جبل معين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد » (1) خرجه مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق. __________ (1) صحيح البخاري الصلح (2550),صحيح مسلم الأقضية (1718),سنن أبو داود السنة (4606),سنن ابن ماجه المقدمة (14),مسند أحمد بن حنبل (6/256). (1/353) (22) التوسل (1/355) حكم التوسل بالجاه وبالبركة وبالحرمة س162: هل التوسل يجوز بالجاه وبالبركة وبالحرمة; كأن يقول الإنسان: اللهم افعل لي كذا بجاه الشيخ فلان أو ببركة الشيخ فلان أو بحرمة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب : التوسل بالجاه والبركة والحرمة والحق ليس بجائز عند جمهور أهل العلم، لأن التوسلات توقيفية لا يجوز منها إلا ما أجازه الشرع، ولم يرد في الشرع ما يدل على هذه التوسلات. فلا يقول الإنسان: اللهم اغفر لي بحق فلان، أو بحق محمد، أو بحق الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بجاه الأنبياء، أو بحرمة الأنبياء، أو ببركة الأنبياء أو ببركة الصالحين، أو ببركة علي ، أو ببركة الصديق ، أو ببركة عمر ، أو بحق الصحابة، أو حق فلان - كل هذا لا يجوز، هذا خلاف المشروع وبدعة، وهو ليس بشرك لكنه بدعة، لم يرد في الأسئلة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم. وإنما يتوسل بما شرعه الله من أسماء الله وصفاته، ومن توحيده والإخلاص له ، ومن الأعمال الصالحات ، هذه هي الوسائل. قال الله تعالى: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف: 180] ، فتقول: اللهم اغفر لي برحمتك إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم ارحمني يا أرحم الراحمين، اللهم أحسن إلي، اللهم أدخلنا الجنة برحمتك وفضلك وإحسانك، اللهم أنجني من النار واعف عني يا رحمن يا رحيم يا عفو يا كريم، وما أشبه ذلك. __________ (1) سورة الأعراف الآية 180 |
(1/356)
أو بالتوحيد والإخلاص لله، وتقول: اللهم اغفر لي، لأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت؛ لأنك الواحد الأحد مستحق العبادة، أو تقول: « اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، » (1) كما جاء الحديث الشريف بهذا السؤال، فلا بأس بهذا، فهذا وسيلة شرعية. أو تتوسل بأعمالك الطيبة فتقول: اللهم اغفر لي بإيماني بك ومحبتي لك، أو بإيماني بنبيك ومحبتي له صلى الله عليه وسلم، اللهم ارحمني بطاعتي لك واتباعي لشريعتك، اللهم ارحمني ببري بوالدي، اللهم ارحمني بعفتي عن الفواحش، اللهم ارحمني بأداء الأمانة ونصحي لله والعباد، وما أشبه ذلك. ومن هذا الباب ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: « أن ثلاثة آواهم المبيت إلى غار » (2) وفي رواية أخرى : « آواهم المطر إلى غار في الجبل فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرة من أعلى الجبل فسدت الغار عليهم، وكانت صخرة عظيمة لا يستطيعون دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فدعوا الله سبحانه وتعالى، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهم أهلا ولا مالا ( والغبوق اللبن الذي يشربه الناس بعد العشاء، وكان هذا من عادة العرب سقي الضيوف والأهل اللبن في الليل)، يقول: كنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا وإنه نأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا في آخر الليل، يعني إلا متأخرا فوجدهما نائمين، فوقف والقدح على يديه ينتظر استيقاظهما، فلم يستيقظا حتى برق الفجر. __________ (1) سنن الترمذي الدعوات (3475),سنن ابن ماجه الدعاء (3857). (2) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743). (1/357) قال: اللهم إن كنت تعلم أنني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة بعض الشيء، ولكن لا يستطيعون أن يخرجوا. وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني أردتها على نفسها فأبت علي، ثم إنها ألمت بها سنة -أي: حاجة-، فجاءت إلي تطلب الرفد فقلت لها إلا أن تمكنيني من نفسك، فاتفق معها على مائة وعشرين دينارا فمكنته من نفسها، فلما جلس بين رجليها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خائفا من الله وترك الذهب وترك الفاحشة، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة زيادة لكن لا يستطيعون الخروج. ثم قال الثالث: اللهم إنه كان لي أجراء فأعطيت لكل أجير حقه إلا واحدا ترك أجره، فثمرته له -أي: نميته له- حتى صار له إبل وبقر وغنم ورقيق، ثم جاء يطلب أجره فقلت له: كل ما تراه من أجرك. فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقلت له: إني لا أستهزئ بك، كله من أجرك فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا » (1) بأسباب هذه الدعوات وهذه الأعمال الصالحة . فالدعاء بهذا وأشباهه دعاء طيب ولا بأس به، ووسيلة صالحة، أما الدعاء بحق فلان أو بجاه فلان أو بركة فلان، أو حرمة فلان ، فهذا لا أصل له، ولم تأت به السنة، فالواجب تركه، وهو ليس من الشرك ولكنه من البدع، فالواجب ترك هذا، وهو الصواب الذي عليه جمهور أهل __________ (1) صحيح البخاري الإجارة (2152),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743),مسند أحمد بن حنبل (2/116). (1/358) العلم. والله المستعان. (1/359) حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء س163: إذا دعونا الله سبحانه وتعالى، وتضرعنا له بالدعاء، وذكرنا في الدعاء أن يستجيب لنا سبحانه وتعالى بجاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك كما فعل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أصاب الجزيرة العربية قحط، فإنه دعا الله بجاه عم محمد صلى الله عليه وسلم العباس أن يفرج عن الأمة، فهل هذا جائز أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله. الجواب : التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمشروع، وإنما المشروع التوسل بأسماء الله وصفاته ، كما قال الله سبحانه وتعالى: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف: 180] يعني يسأل الله بأسمائه كأن يقول الإنسان: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم، بأنك الجواد الكريم، اغفر لي، ارحمني، اهدني سواء السبيل وغير ذلك. لأن الدعاء عبادة وقربة عظيمة، كما قال الله تعالى: ** وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ** (2) [غافر: 60] ، وقال عز وجل: ** وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ** (3) [البقرة: 186] . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « الدعاء هو العبادة » (4) ، ويقول صلى الله عليه وسلم: « ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته في الدنيا وإما أن تدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك قالوا يا رسول الله إذا نكثر قال: الله أكثر » (5) . __________ (1) سورة الأعراف الآية 180 (2) سورة غافر الآية 60 (3) سورة البقرة الآية 186 (4) سنن الترمذي تفسير القرآن (2969),سنن ابن ماجه الدعاء (3828). (5) مسند أحمد بن حنبل (3/18). (1/359) فالمسلم إذا دعا وتضرع إلى الله سبحانه وتعالى فهو على خير عظيم; مأجور ومثاب، وقد تعجل دعوته وقد تؤجل لحكمة بالغة، وقد يصرف عنه من الشر ما هو أعظم من المسألة التي سأل. لكن لا يتوسل إلى الله إلا بما شرع; من أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته، أو بتوحيده سبحانه، كما في الحديث: « اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد » (1) أو بأعمالك الصالحة، فتقول: يا ربي أسألك بإيماني بك وإيماني بنبيك محمد عليه الصلاة والسلام، اللهم إني أسألك بحبي لك، أو بحبي لنبيك محمد عليه الصلاة والسلام، أو اللهم إني أسألك ببري بوالدي، أو عفتي عما حرمت علي يا رب أو ما أشبه ذلك. فتسأله بأعمالك الصالحة التي يحبها وشرعها سبحانه وتعالى. ولهذا لما دخل ثلاثة فيمن قبلنا غارا للمبيت فيه، وفي رواية أخرى بسبب المطر; يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: « إنها انحدرت عليهم صخرة من أعلى جبل سدت عليهم الغار لا يستطيعون دفعها فقالوا فيما بينهم: إنه لن ينجيكم من هذه المصيبة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فدعوا الله سبحانه وتعالى . فتوسل أحدهم بأنه كان بارا بوالديه، ودعا ربه أن يفرج عنهم الصخرة بسبب بره بوالديه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء. ثم قال الثاني: إنه كان له ابنة عم يحبها كثيرا، وإنه أرادها عن نفسها فلم تجب، ولما ألمت بها حاجة شديدة، وجاءت إليه تطلب العون، فقال لها: إلا أن تمكنه من نفسها، فوافقت على ذلك بسبب حاجتها على __________ (1) سنن الترمذي الدعوات (3475),سنن ابن ماجه الدعاء (3857). |
(1/360)
أن يعطيها مائة وعشرين دينارا، فلما جلس بين رجليها، قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف من الله وقام وترك الفاحشة، وترك الذهب لها، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكن لا يستطيعون الخروج. ثم توسل الآخر بأداء الأمانة، وأنه كان عنده أمانه لبعض الأجراء فنماها، وثمرها حتى اشترى منها إبلا وبقرا وغنما ورقيقا، وكانت آصعا من أرز أو من ذرة، ثم جاء الأجير يسأله حقه، فقال له: كل هذا من حقك، كل الذي ترى من حقك من إبل وغنم وبقر ورقيق، فقال له الأجير: اتق الله ولا تستهزئ بي، فقال: إني لا أسخر بك. هو مالك، فأخذه كله، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فانفرجت عنهم الصخرة وخرجوا » (1) ، هذا بأسباب إيمانهم بالله وتوسلهم إليه بأعمالهم الصالحة. فالوسيلة الشرعية هي التوسل بأسماء الله وصفاته، أو بتوحيده والإخلاص له، أو بالأعمال الصالحات. هذه الوسيلة الشرعية التي جاءت بها النصوص. أما التوسل بجاه فلان ، أو بحق فلان ، فهذا لم يأت به الشرع، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أنه غير مشروع فالواجب تركه، وأن يتوسل الإنسان بالوسائل الشرعية التي هي أسماء الله وصفاته، أو بتوحيده، أو بالأعمال الصالحات، هذه هي الوسائل الشرعية التي جاءت بها النصوص. __________ (1) صحيح البخاري الإجارة (2152),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743),مسند أحمد بن حنبل (2/116). (1/361) وأما ما فعله عمر رضي الله عنه، فهو لم يتوسل بجاه العباس ، وإنما توسل بدعائه، قال رضي الله عنه لما خطب الناس يوم الاستسقاء، لما أصابتهم المجاعة والجدب الشديد والقحط صلى بالناس صلاة الاستسقاء، وخطب الناس، وقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون . وهكذا كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته يقولون: ادع لنا، فيقوم ويدعو لهم، ويخطب الناس يوم الجمعة ويدعو ويقول: « اللهم أغثنا اللهم أغثنا » (1) وهكذا في صلاة الاستسقاء يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى، وسؤاله الغوث. وهكذا قال للعباس : يا عباس قم فادع ربنا، فقام العباس ودعا ورفع يديه ودعا الناس وأمنوا، فسقاهم الله عز وجل على دعائهم، فهو توسل بعم النبي صلى الله عليه وسلم; بدعائه، واستغاثته ربه عز وجل، وسؤاله سبحانه وتعالى بفضل العباس وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من أفضل الصحابة، ومن خير الصحابة رضي الله عن الجميع. فإذا توسل المسلمون بالصالحين من الحاضرين عندهم، بدعائهم -كأن يقول الإمام أو ولي الأمر: يا فلان قم ادع الله-، من العلماء الطيبين، أو الأخيار الصالحين، أو من أهل بيت النبي الطيبين، وقالوا في الاستسقاء يا فلان قم فادع الله لنا، كما قال عمر للعباس ، هذا كله طيب. أما التوسل بجاه فلان فهذا لا أصل له، ويجب تركه، وهو من البدع المنكرة. والله جل وعلا أعلم. __________ (1) صحيح البخاري الجمعة (968),صحيح مسلم صلاة الاستسقاء (897),سنن النسائي الاستسقاء (1518). (1/362) حكم من يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم س :164: يقول السائل: فضيلة الشيخ، ما هو حكم المسلم الذي يقيم الفرائض ويتوسل بجاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؟ وهل يجوز رميه بالشرك أفيدوني أفادكم الله؟ الجواب : المسلم الذي يوحد الله، ويدعوه وحده سبحانه وتعالى ويؤمن بأنه الإله الحق، ويعتقد معنى لا إله إلا الله، وأن معناها لا معبود حق إلا الله، ويؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقا أرسله الله إلى العالمين من الجن والإنس، هذا يقال له مسلم لأنه أتى بالشهادتين، ووحد الله وحده، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون مسلما. فإذا أتى شيئا من المعاصي فإن هذا يكون قدحا في الإيمان ونقصا في الإيمان، كالزنا والسرقة والربا، إذا لم يعتقد حل ذلك ولكن أطاع الهوى في فعل هذه المعاصي أو بعضها فهذا يكون نقصا في إيمانه وضعفا في إيمانه. أما إذا توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أسألك يا رب بجاه محمد أو بحق محمد; فهذا بدعة عند جمهور أهل العلم، ونقص في الإيمان وضعف، ولا يكون مشركا ولا يكون كافرا بل هو مسلم، لكن يكون هذا نقصا في الإيمان وضعفا في الإيمان مثل بقية المعاصي والبدع التي لا تخرج من الدين؛ لأن الدعاء ووسائل الدعاء توقيفية، ولم يرد في الشرع ما يدل على أن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم من الوسائل الشرعية، بل هذا مما أحدثه الناس. (1/363) فالقول بالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بحق النبي، أو بحق الأنبياء، أو بجاه فلان أو بجاه علي، أو بجاه أهل البيت، كل هذا من البدع، والواجب ترك ذلك لكن ليس بشرك، وإنما هو من وسائل الشرك وليس بشرك، ولا يكون صاحبه مشركا، بل هو مسلم ولكن أتى ببدعة تنقص الإيمان وتضعف الإيمان عند جمهور أهل العلم، لأن الوسائل في الدعاء توقيفية، فالمسلم يتوسل بأسماء الله وصفاته، كما قال الله عز وجل: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف: 180] . ويتوسل بالتوحيد والإيمان كما جاء في الحديث: « اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد » (2) ، وهذا توسل بتوحيد الله. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات، كما في حديث أصحاب الغار، الذين انطبقت عليهم صخرة لما دخلوا الغار من أجل المطر أو المبيت « فانطبقت عليهم صخرة فلم يستطيعوا دفعها فقال بعضهم لبعض إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم فدعوا الله بصالح أعمالهم فتوسل أحدهم ببره بوالديه فانفرجت الصخرة بعض الشيء ثم توسل الآخر بعفته عن الزنا وأنه كانت له ابنة عم يحبها كثيرا، فأرادها لنفسه فأبت عليه، ثم إنه ألمت بها سنة، فجاءت إليه تطلب منه العون، فقال: إلا أن تمكنيني من نفسك، فوافقت على أن يعطيها مائة وعشرين دينارا من الذهب، فلما جلس بين رجليها، قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فخاف من الله سبحانه وتعالى وقام عنها، __________ (1) سورة الأعراف الآية 180 (2) سنن الترمذي الدعوات (3475),سنن ابن ماجه الدعاء (3857). (1/364) ولم يأت الفاحشة، وقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، ولكن لا يستطيعون الخروج. ثم توسل الثالث بأداء الأمانة، وأنه كان عنده آصع لبعض العمال تركها عنده فنماها، وعمل فيها حتى صارت مالا كثيرا من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فلما جاء صاحبها أداها إليه كاملة، فقال: يا رب إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت عنهم الصخرة وخرجوا » (1) . وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الإجابة. أما التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه فلان، أو بجاه علي، أو بجاه عمر، أو بجاه أبي بكر الصديق، أو بجاه آل البيت، أو ما أشبه ذلك فهذا ليس له أصل، ولكن يتوسل بإيمانه، فيقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك، وبمحبتي لك، وبمحبتي لنبيك عليه الصلاة والسلام فهذا طيب وهذه وسيلة طيبة، أو يتوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، بأنك الواحد الأحد، كل هذا طيب، أو يتوسل إلى الله ببره بالوالدين، أو بالمحافظة على الصلوات أو بعفته عن الفواحش، كل هذه أعمال صالحة، هذا هو الذي قرره أهل العلم وأهل التحقيق وأهل البصيرة، أما التوسل بجاه فلان أو بحق فلان فهذا بدعة، والذي عليه جمهور أهل العلم أنه غير مشروع. __________ (1) صحيح البخاري الإجارة (2152),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743),مسند أحمد بن حنبل (2/116). (1/365) حكم التوسل بجاه الله وجاه الأنبياء والصحابة س165: يقول السائل: سمعني أحد المؤمنين وأنا في دعاء أطلب من الله عز وجل بعد الصلاة، فقلت: اللهم بجاهك، وبجاه محمد، وبجاه الصحابة الكرام أطلب أن تغفر لي وترحمني، فأخبرني أن هذا الدعاء لا يجوز. أفيدوني عن صحة ذلك بارك الله فيكم. الجواب : التوسل بجاه الأنبياء، أو بجاه الصحابة، بدعة لا يجوز، أما بجاه الله معناه بعظمة الله فلا يضر، لكن بجاه النبي أو بجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو بجاه الأنبياء، أو بجاه الصالحين، أو بحق الأنبياء، أو بحق الصالحين، هذا بدعة على الأصح عند جمهور أهل العلم وأجازه بعض أهل العلم، ولكنه قول ضعيف مرجوح، والصواب أنه لا يجوز. إنما التوسل يكون بأمور أخرى، فيكون بأسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف: 180] فتقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تغفر لي، وأن ترحمني، وأن تعتقني من النار، وأن ترزقني الذرية الصالحة، إلى غير ذلك، أو تقول: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم، بأنك الرءوف الرحيم، بأنك السميع العليم، بأنك الجواد الكريم أن ترحمني وأن تغفر لي وأن تهب لي كذا وكذا، فهذا لا بأس به. وهكذا التوسل بتوحيد الله، والإيمان به ، تقول اللهم إنني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، اللهم إني أسألك بأني أؤمن بك وأحبك وأخافك __________ (1) سورة الأعراف الآية 180 |
(1/366)
وأرجوك أن تغفر لي وترحمني، اللهم إني أسألك بتوحيدك وإيماني بك. وهكذا بأعمالك الصالحة الأخرى بأن تقول: اللهم إنني أسألك بحبي لك ولنبيك، اللهم إني أسألك بابتعادي عما حرمت علي، بعفتي عن الزنا، بأدائي الأمانة، ببري بوالدي. فتسأل الله بأعمالك، كما جاء في قصة أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، وهم ثلاثة وسدت الباب عليهم ولم يستطيعوا دفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فألهمهم الله هذا الخير، فدعوا الله بصالح أعمالهم; فتوسل أحدهم بأنه بار بوالديه، وأنه كان لا يغبق قبلهما أهلا ولا مالا، عندما يأتي بالحليب في الليل، فانفرجت الصخرة شيئا لا يستطعيون الخروج معه. ثم توسل الثاني بأنه كان يحب ابنة عمه حبا كثيرا، وأنها ألمت بها سنة، يعني حاجة، فجاءت تطلبه المساعدة، فأبى إلا أن تمكنه من نفسها، فمكنته من نفسها على مائة وعشرين دينارا من الذهب، فلما جلست بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام خائفا من الله، وترك الفاحشة، وترك لها الذهب خوفا من الله عز وجل، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئا لكن لا يستطيعون الخروج. ثم توسل الثالث بأدائه الأمانة، فكان عنده أجراء فأعطاهم حقوقهم إلا واحدا، بقي حقه عنده فنماه له وثمره له، حتى صار منه إبل وغنم (1/367) وبقر ورقيق. فلما جاء الرجل صاحب الأجر يطلب حقه ، قال له: كل هذا من حقك ، كل ما ترى من الإبل والغنم والبقر والرقيق كله من حقك ، فقال الرجل: اتق الله ولا تستهزئ بي ، قال: إني لا أستهزئ بك. إن هذا كله من مالك ثمرته لك ، فاستاقها كلها; استاق البقر والإبل والغنم والرقيق ، ثم قال الرجل: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة وخرجوا. وهذا توسل بأعمالهم الطيبة الصالحة ، فهذه هي الوسائل الشرعية. أما التوسل بجاه فلان ، وبحق فلان ، وبذات فلان ، فهذا بدعة ، ومن وسائل الشرك ، والواجب ترك ذلك ، هذا هو الصواب من قولي العلماء في ذلك. والله المستعان. (1/368) (23) الولاء والبراء حكم مصاحبة الكافر س166: فضيلة الشيخ ، سائل يقول: يسكن معي شخص مسيحي ، وهو يقول لي: يا أخي ، ونحن إخوة ، ويأكل معنا ويشرب فهل يجوز هذا العمل أم لا ؟ الجواب: الكافر ليس أخا للمسلم ، والله يقول: ** إنما المؤمنون إخوة ** (1) [الحجرات: 10] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : « المسلم أخو المسلم » (2) فليس الكافر -يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو مجوسيا أو شيوعيا أو غيرهم- ليس أخا للمسلم ، ولا يجوز اتخاذه صاحبا وصديقا ، لكن إذا أكل معكم بعض الأحيان من غير أن تتخذوه صاحبا وصديقا ، وإنما يصادف أن يأكل معكم ، أو في وليمة عامة فلا بأس. أما اتخاذه صاحبا وصديقا وجليسا وأكيلا فلا يجوز ; لأن الله قطع بيننا وبينهم المحبة والموالاة ، فقال الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: ** قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ** (3) [الممتحنة: 4] ، وقال سبحانه: ** لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ** (4) يعني يحبون ** ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ** (5) [المجادلة: 22] . فالواجب على المسلم البراءة من أهل الشرك وبغضهم في الله ، ولكن لا يؤذيهم ولا يضرهم ولا يتعدى عليهم بغير حق ، لكن __________ (1) سورة الحجرات الآية 10 (2) صحيح البخاري المظالم والغصب (2310),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2580),سنن الترمذي الحدود (1426),سنن أبو داود الأدب (4893),مسند أحمد بن حنبل (2/68). (3) سورة الممتحنة الآية 4 (4) سورة المجادلة الآية 22 (5) سورة المجادلة الآية 22 (1/370) لا يتخذهم أصحابا ولا أخدانا ، ومتى صادف أن أكل معهم في وليمة عامة أو طعام عارض من غير صحبة ولا ولاية ولا مودة فلا بأس. (1/371) علاقة المسلم بغير المسلمين والمشاركة في حفلات توديعهم س167: كيف يحدد المسلم علاقته بالآخرين من غير المسلمين من حيث المعاملة ، ومن حيث الاشتراك في حفلات التوديع لبعض الزملاء غير المسلمين ؟ الجواب: هذا أمر فيه تفصيل; فإن الكافر له حالات مع المسلم ، غير حالته مع الكفار ، وغير حالة المسلم مع إخوانه المسلمين ، والمقصود أن المسلم لا يبدأ الكافر بالسلام ، ولا مانع بل يجب أن يرد عليه إذا سلم ، يقول: وعليكم. ولا مانع أن يسأله عن أولاده وعن حاله ، فلا بأس في ذلك ، ولا بأس أن يأكل معه إذا دعت الحاجة إلى ذلك ، ولا بأس أن يجيب دعوته كما أجاب النبي عليه الصلاة والسلام دعوة اليهود وأكل من طعامهم إذا رأى المصلحة الشرعية في ذلك. (1/371) الواجب على المسلم تجاه غير المسلم س168: يسأل السائل فيقول: ما هو الواجب على المسلم تجاه غير المسلم سواء كان ذميا في بلاد المسلمين أو كان في بلاده والمسلم يسكن في بلاد ذلك الشخص غير المسلم. والواجب الذي أريد توضيحه هو المعاملات بكل أنواعها ابتداء (1/371) من إلقاء السلام وانتهاء بالاحتفال مع غير المسلم في أعياده؟ وهل يجوز اتخاذه صديق عمل فقط ، أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: إن واجب المسلم بالنسبة إلى غير المسلم أمور متعددة: أولا: الدعوة إلى الله عز وجل أن يدعوه إلى الله ويبين له حقيقة الإسلام حيث أمكنه ذلك ، وحيث كانت لديه البصيرة؛ لأن هذا أعظم إحسان وأكبر إحسان يهديه إلى مواطنه وإلى من اجتمع به من اليهود أو النصارى أو غيرهم من المشركين ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من دل على خير فله مثل أجر فاعله » (1) وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو اليهود إلى الإسلام قال: « والله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم » (2) وقال صلى الله عليه وسلم: « من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا » (3) . فدعوته إلى الله وتبليغه الإسلام ونصيحته في ذلك ، هذا من أهم المهمات ومن أفضل القربات. ثانيا: لا يظلمه ، لا في نفس ، ولا في مال ، ولا في عرض ، إذا كان ذميا أو مستأمنا أو معاهدا فإنه يؤدي إليه حقه ، فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ، ولا يظلمه في بدنه بالضرب ولا بالقتل ، لأن كونه معاهدا أو ذميا في البلد أو مستأمنا هذا كله يعصمه. ثالثا: لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك ، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من الكفار عباد الأوثان واشترى من اليهود وهذه معاملة وتوفي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله عليه الصلاة والسلام. __________ (1) صحيح مسلم الإمارة (1893),سنن الترمذي العلم (2671),سنن أبو داود الأدب (5129),مسند أحمد بن حنبل (4/120). (2) صحيح البخاري الجهاد والسير (2783),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2406),سنن أبو داود العلم (3661),مسند أحمد بن حنبل (5/333). (3) صحيح مسلم العلم (2674),سنن الترمذي العلم (2674),سنن أبو داود السنة (4609),مسند أحمد بن حنبل (2/397),سنن الدارمي المقدمة (513). (1/372) رابعا: في السلام لا يبدؤه بالسلام ، ولكن يرد ، لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام » (1) وقال صلى الله عليه وسلم: « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم » (2) فالمسلم لا يبدأ الكافر ولكن متى بدأ فسلم عليك اليهودي أو النصراني أو غيرهما تقول: وعليكم ، كما قاله النبي عليه الصلاة والسلام. هذا من الحقوق المتعلقة بين المسلم والكافر ، ومن ذلك أيضا حسن الجوار إذا كان جارا تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره وتتصدق عليه إذا كان فقيرا ، وتهدي إليه ، وتنصح له فيما ينفعه لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ، ودخوله في الإسلام. ولأن الجار له حق; قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه » (3) متفق على صحته ، وإذا كان الجار كافرا كان له حق الجوار ، وإذا كان قريبا وهو كافر صار له حقان: حق الجوار ، وحق القرابة. ومن حق الجار أن يتصدق عليه إن كان فقيرا من غير الزكاة لقوله تعالى: ** لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ** (4) [الممتحنة: 8] ، وفي الحديث الصحيح « عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أن أمها دخلت عليها وهي مشركة في الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة تريد المساعدة فاستأذنت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هل تصلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم صليها » أما بالنسبة لاحتفالاتهم بأعيادهم فالمسلم لا يشاركهم في __________ (1) صحيح مسلم السلام (2167),سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2700). (2) صحيح البخاري الاستئذان (5903),صحيح مسلم السلام (2163),سنن الترمذي تفسير القرآن (3301),سنن أبو داود الأدب (5207),سنن ابن ماجه الأدب (3697),مسند أحمد بن حنبل (3/218). (3) صحيح البخاري الأدب (5669),صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2625),مسند أحمد بن حنبل (2/85). (4) سورة الممتحنة الآية 8 |
(1/373)
احتفالاتهم بأعيادهم ، لكن لا بأس أن يعزيهم في ميتهم ويقول لهم: جبر الله مصيبتكم ، أو أحسن لك الخلف في خير ، أو ما أشبه ذلك من الكلام الطيب ، ولا يقول: غفر الله له ، ولا رحمه الله إذا كان الميت كافرا ، فلا يدعو للميت إذا كان كافرا ، ولكن يدعو للحي بالهداية والعوض الصالح ونحو ذلك. (1/374) حكم إلقاء السلام على المسيحي والرد عليه س169: هذه رسالة من سائل يقول فيها: هل يجوز إلقاء السلام على المسيحي أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: المسيحي لا يبدأ بالسلام ، وهكذا بقية الكفرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام » (1) ولقوله صلى الله عليه وسلم: « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم » (2) . فإذا كان اليهود والنصارى لا يبدءون بالسلام ; فالكفار الآخرون كذلك من باب أولى ، فالوثني أكفر من اليهود والنصارى ، فلا يبدأ اليهودي ولا النصراني ولا البوذي ولا الوثني ولا غيرهم ، لكن إذا بدءوا يقال: وعليكم. __________ (1) صحيح مسلم السلام (2167),سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2700). (2) صحيح البخاري الاستئذان (5903),صحيح مسلم السلام (2163),سنن الترمذي تفسير القرآن (3301),سنن أبو داود الأدب (5207),سنن ابن ماجه الأدب (3697),مسند أحمد بن حنبل (3/218). (1/374) فيما يقال للكافر إذا مات س170: يقول السائل: إذا مات رجل أو امرأة وهو كافر فهل يمكن أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، وكذلك هل نقول أيضا ** يا أيتها النفس المطمئنة ** (1) ** ارجعي إلى ربك راضية مرضية ** (2) [الفجر: 27 ، 28] ، إلى آخره؟ __________ (1) سورة الفجر الآية 27 (2) سورة الفجر الآية 28 (1/374) الجواب: الكافر إذا مات فلا بأس أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله ، ولو كان من غير أقربائك لأن كل الناس إليه راجعون ، وكل الناس ملك لله سبحانه وتعالى فلا بأس بهذا ، ولكن لا يدعى له ما دام كافرا ، ولا يقال له: ** يا أيتها النفس المطمئنة ** (1) ** ارجعي إلى ربك راضية مرضية ** (2) لأن نفسه ليست مطمئنة بل نفسه فاجرة ، فلا يقال له هذا ، وإنما يقال هذا في المؤمن. فالحاصل أن الكافر إذا مات ، لا بأس أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا بأس أن يقول لك غيرك: أعظم الله أجرك فيه ، وأحسن عزاءك فيه; لأنه قد يكون لا مصلحة في حياته ، وقد يكون في حياته يحسن إليك وينفعك ، فلا بأس لكن لا يدعى له ، ولا يستغفر له ، ولا يتصدق عنه إذا مات كافرا. __________ (1) سورة الفجر الآية 27 (2) سورة الفجر الآية 28 (1/375) التبرع بالدم لغير المسلم س171: هل يجوز لي التبرع بنقل دم لمريض أوشك على الهلاك وهو على غير دين الإسلام؟ الجواب: لا أعلم مانعا من ذلك؛ لأن الله تعالى يقول جل وعلا في كتابه العظيم: ** لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ** (1) [الممتحنة: 8] . فأخبر سبحانه أنه لا ينهانا عن الكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا أن نبرهم ونحسن إليهم ، والمضطر في حاجة شديدة إلى الإسعاف ، وقد جاءت أم أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى __________ (1) سورة الممتحنة الآية 8 (1/375) عنها إلى بنتها; وهي كافرة ، في المدينة في وقت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة تسألها الصلة ، فاستفتت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأفتاها أن تصلها ، وقال: « صلي أمك » (1) وهي كافرة. فإذا اضطر المعاهد أو الكافر المستأمن الذي ليس بيننا وبينه حرب ، إذا اضطر إلى ذلك فلا بأس بالصدقة عليه من الدم ، كما لو اضطر إلى الميتة ، وأنت مأجور في ذلك; لأنه لا حرج عليك أن تسعف من اضطر إلى الصدقة. __________ (1) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (2477),صحيح مسلم الزكاة (1003),سنن أبو داود الزكاة (1668),مسند أحمد بن حنبل (6/347). (1/376) التعامل مع غير المسلمين بالبيع والشراء س172: سائل يقول: هناك أصحاب مهن كالحلاقة والخياطة وعمال في المطاعم أو غير ذلك وهم غير مسلمين; إما مسيحيون أو لا دينيون فما حكم تعامل المسلم معهم؟ الجواب: ما داموا في البلاد يتعاطون هذه الأمور فلا مانع من الشراء منهم ، وقضاء الحاجة ، والبيع عليهم ، فقد اشترى الرسول صلى الله عليه وسلم من اليهود ، واشترى من بعض المشركين ، فلا بأس ، ولكن لا يحبهم ، ولا يواليهم ، بل يبغضهم في الله ، ولا يتخذهم أصدقاء ولا أحبابا ، والأفضل أن يستخدم المسلمون والمسلمات دون الكفار في كل الأعمال. لكن إذا كان العمل في الجزيرة العربية حرم استقدام الكفار إليها واستخدامهم فيها; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بإخراجهم من هذه الجزيرة العربية وقال: « لا يجتمع فيها دينان » لكن إذا قدموا لتجارة ثم (1/376) يعودون أو بيع حاجات على المسلمين أو قدموا إلى ولي الأمر برسالة من رؤسائهم فلا حرج في ذلك; لأن رسل الكفار كانوا يقدمون على النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة ، وكان بعض الكفار من أهل الشام يقدمون على المدينة لبيع بعض ما لديهم من طعام وغيره. (1/377) مشاركة النصراني أو غيره في التجاوة أو غيرها س173: هل يجوز للمسلم أن يكون شريكا للنصراني في تربية الأغنام أو تجارتها أو أي تجارة أخرى. أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد. فإن اشتراك مسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة في المواشي أو في الزراعة أو في أي شيء آخر ، الأصل في ذلك جوازه إذا لم يكن هناك موالاة ، وإنما تعاون في شيء من المال كالزراعة أو الماشية أو نحو ذلك ، وقال جماعة من أهل العلم بشرط أن يتولى ذلك المسلم ، أي أن يتولى العمل في الزراعة ، أو في الماشية المسلم ولا يتولى ذلك الكافر لأنه لا يؤمن. وهذا فيه تفصيل فإن كانت هذه الشركة تجر إلى موالاة ، أو لفعل ما حرم الله ، أو ترك ما أوجب الله حرمت هذه الشركة لما تفضي إليه من الفساد ، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك ، والمسلم هو الذي يباشرها وهو الذي يعتني بها حتى لا يخدع فلا حرج في ذلك. ولكن بكل حال فالأولى به السلامة من هذه الشركة ، وأن يشترك مع (1/377) إخوانه المسلمين دون غيرهم ، حتى يأمن على دينه ويأمن على ماله ، فالاشتراك مع عدو له في الدين فيه خطر على خلقه ودينه وماله ، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر ، حفظا لدينه ، وحفظا لعرضه ، وحفظا لماله ، وحذرا من خيانة عدوه في الدين ، إلا عند الضرورة والحاجة التي قد تدعو إلى ذلك ، فإنه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم. أي بشرط أن لا يكون في ذلك مضرة على دينه أو عرضه أو ماله ، وبشرط أن يتولى ذلك بنفسه فإنه أحوط له ، فلا يتولاه الكافر بل يتولى الشركة والأعمال فيها المسلم ، أو مسلم ينوب عنهما جميعا . (1/378) تفضيل العمال الكفار على العمال المسلمين س174فضيلة الشيخ: يعقد السائل مقارنة أو موازنة بين العمال من المسلمين وغير المسلمين فيقول: إن غير المسلمين هم من أهل الأمانة ، وأستطيع أن أثق فيهم ، وطلباتهم قليلة ، وأعمالهم ناجحة ، أما أولئك فهم على العكس تماما ، فما رأيكم سماحة الشيخ؟ الجواب: هؤلاء ليسوا بمسلمين على الحقيقة ، هؤلاء يدعون الإسلام ، أما المسلمون في الحقيقة فهم أولى وأحق وهم أكثر أمانة وأكثر صدقا من الكفار ، وهذا الذي قلته غلط لا ينبغي أن تقوله ، والكفار إذا صدقوا عندكم وأدوا الأمانة حتى يدركوا مصلحتهم معكم ، وحتى يأخذوا الأموال عن إخواننا المسلمين ، فهذه لمصلحتهم; فهم ما أظهروا هذا لمصلحتكم ولكن لمصلحتهم هم ، حتى يأخذوا الأموال (1/378) |
وحتى ترغبوا فيهم.
فالواجب عليكم ألا تستقدموا إلا الطيبين من المسلمين; وإذا رأيتم مسلمين غير مستقيمين فانصحوهم ووجهوهم فإن استقاموا وإلا فردوهم إلى بلادهم واستقدموا غيرهم ، وطالبوا الوكيل الذي يختار لكم أن يختار الناس الطيبين المعروفين بالأمانة ، المعروفين بالصلاة ، المعروفين بالاستقامة; لا يستقدم من هب ودب ، وكثير من الناس يدعي الإسلام وهو كافر ليس بمسلم كالمنافقين. ولكن أنتم أرباب الأعمال عليكم أن تستقدموا الناس الطيبين ، وألا تغتروا بهؤلاء الكفرة الذين يتصنعون عندكم ويظهرون عندكم ما يرغبكم فيهم ، من أمانة وصدق ونحو ذلك ، فهذا لا ينبغي منكم بل إخوانكم المسلمون أولى بأموالكم وأولى بخدمتكم ، وإذا حصل منهم نقص فوجهوهم وعلموهم ولاحظوهم حتى يستقيموا. وهذا لا شك أنه من خداع الشيطان ، أن يقول لكم: إن هؤلاء الكفار أحسن من المسلمين ، أو أكثر أمانة ، أو كذا أو كذا; كله لما يعلمه عدو الله وجنوده من الشر العظيم في استقدام الكفرة واستخدامهم بدل المسلمين; فلهذا يرغب فيهم ويزين لكم استقدامهم حتى تدعوا المسلمين ، وحتى تستقدموا أعداء الله ، إيثارا للدنيا على الآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد بلغني عن بعضهم أنه يقول: إن المسلمين يصلون ويعطلون الأعمال بالصلاة ، والكفار لا يصلون حتى يأتوا بأعمال أكثر. وهذا أيضا من جنس ما قبله ، ومن البلاء العظيم; أن يعيب المسلمين بالصلاة (1/379) ويستقدم الكفار لأنهم لا يصلون ، فأين الإيمان؟ وأين التقوى؟ وأين خوف الله؟ أن تعيب إخوانك المسلمين بالصلاة! نسأل الله السلامة والعافية. (1/380) دخول غير المسلمين المساجد س175: يقول السائل: بالنسبة لدخول غير المسلمين من المشركين والشيوعيين المساجد هناك من يقول: يجوز لهم دخول المساجد لعل الله أن يهديهم. وهناك من يقول: لا يجوز لهم. فنرجو إفادتنا بالصواب أفادكم الله؟ الجواب: أما المسجد الحرام فلا يجوز دخوله لجميع الكفرة; اليهود ، والنصارى وعباد الأوثان والشيوعيين ، فجميع الكفرة لا يجوز لهم دخول المسجد الحرام لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ** يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ** (1) [التوبة: 28] فمنع سبحانه من دخولهم المسجد الحرام . والمشركون يدخل فيهم اليهود والنصارى عند الإطلاق ، فلا يجوز دخول أي مشرك المسجد الحرام ، لا يهودي ، ولا نصراني ، ولا غيرهما ، بل هذا خاص بالمسلمين. وأما بقية المساجد فلا بأس من دخولهم للحاجة والمصلحة ، ومن ذلك المدينة وإن كانت المدينة لها خصوصية ، لكنها في هذه المسألة كغيرها من المساجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط فيها الكافر في مسجد النبي __________ (1) سورة التوبة الآية 28 (1/380) صلى الله عليه وسلم وأقر وفد ثقيف حين دخلوا المسجد قبل أن يسلموا وهكذا وفد النصارى دخلوا مسجده عليه الصلاة والسلام ، فدل ذلك على أنه يجوز دخول المسجد النبوي للمشرك. وهكذا بقية المساجد من باب أولى إذا كان لحاجة ، إما لسؤال ، أو لحاجة أخرى ، أو لسماع درس ليستفيد ، أو ليسلم ويعلن إسلامه ، أو ما أشبه ذلك. والحاصل أنه يجوز دخوله إذا كان هناك مصلحة ، أما إذا لم يكن هناك مصلحة فلا حاجة إلى دخوله المسجد ، أو أن يخشى من دخوله العبث في أثاث المسجد ، أو النجاسة فيمنع. (1/381) (24) المناهي اللفظية (1/383) السؤال ببركة فلان -أحد الصالحين- س176: يقول السائل: فضيلة الشيخ: لنا إمام مسجد يقول: إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان ، كأن يقول: اغفر لي يا رب ببركة فلان -أي أحد الصالحين مثلا- فهل هذا نوع من الشرك؟ علما بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهيا إلا إذا سألناه ، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا ؟ أفيدونا أفادكم الله؟ الجواب: هذا ليس من الشرك ، ولكنه من وسائل الشرك وهو التوسل ببركة فلان ، أو بحق فلان ، أو جاه فلان ، أو ذات فلان ، هذا من وسائل الشرك ، وليس من الشرك بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم؛ لأن التوسل عبادة لا بد لها من توقيف ، ولا بد لها من بيان من الله عز وجل أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه بين لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا وسائل العبادة ، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه ، كما قال سبحانه: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف: 180] ، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى ، وهكذا التوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت ، كما جاء في الحديث. وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات ، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله ، وبمحبته لله ورسله ، وببره لوالديه ، وبأدائه الأمانة ، وبعفته عن الفواحش ، وبمحافظته على الصلوات ، إلى غير ذلك. وفي هذا الباب قصة أهل الغار ، الثابتة في الحديث الذي رواه __________ (1) سورة الأعراف الآية 180 (1/384) الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، « أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا ، آواهم المبيت ، وفي رواية المطر ، إلى غار فدخلوا فيه ، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فقالوا: لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه فانفرجت الصخرة بعض الشيء ، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا فانفرجت الصخرة بعض الشيء ، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا » (1) وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية. وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له ، أما التوسل بجاه فلان ، أو ببركة فلان ، أو بحق فلان ، فهذا لا أصل له ، ولا يجوز، بل هو من البدع ولكن ليس من الشرك. والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا : صحيحة. لكن ينبغي أن يعلم ويوجه إلى الخير ، فإن عرف الحق وامتثل وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره ، والواجب على المسئولين أن يلتمسوا إماما أصلح منه للمسجد حتى لا يغر الناس ، وهكذا إذا كان يتعاطى كتابة الحجب وهي التمائم فهذا أيضا منكر ، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال: « من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له » (2) وأخبر أنها شرك فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام ، ولا من الخرز ، ولا من الطلاسم ، ولا من غير ذلك. واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين: __________ (1) صحيح البخاري الإجارة (2152),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743),مسند أحمد بن حنبل (2/116). (2) مسند أحمد بن حنبل (4/154). |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك أختي الحبيبة أم سلمى2 موضوع أكثر من رائع ومجهود يستحق كل شكر وتقدير جعله الله بميزان حسناتك أسأل الله أن يجزيك من الخير أقصاه ومن الثواب أعـــلاه ولتسمحي لي بأن أهديك باقة من الورود شذى عبيرها لا يفوق عطائكم المحمل بأريح المسك والياسمين |
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياك الله أختي الحبيبة الرائع والنفيس هو مرورك الكريم وكلماتك الغالية .. وإني لأقف عاجزة أمام ما أكرمتني به درر تدل على أصل كريم ومعدن شريف .. أسأل الله أن يبلغك رضاه ..وأن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنة .. بوركتي أخية وبورك أصلك .. تمنياتي لكم بوافر الصحة والسلامة والرضا والقبول من الله عز وجل في حفظ الله ورعايته |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاك الله خير وبارك الله فيك وفي جهدك وعلمك وعملك والله ينفع بموضوعك الجميع والله يجعلكم من أهل الفردوس الأعلى موضوع مميز |
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وإياكم ..اللهم آمين .. بارك الله فيكم تشرفت بمروركم الكريم وتعليقكم الطيب المبارك رفع الله قدركم وأعلى نزلكم في جنات النعيم في رعاية الله وحفظه |
الساعة الآن 02:16 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com