المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه.


الماحى3
16-08-2025, 11:30 AM
وذكر الأوزاعي عن حسان بن عطية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سيظهر شرار أمتي على خيارها حتى يستخفي المؤمن فيهم كما يستخفي المنافق فينا».
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.
فمنها: حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.
ومنها: حرمان الرزق. وفي المسند (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).
ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلاً ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة. وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة، وما لجرح بمبيت إيلام.
ومنها: الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس لا سيما أهل الخير منهم. وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشًا من نفسه. وقال بعض السلف إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
ومنها: تعسير أموره.
ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم.
ومنها: أن المعاصي توهن القلب والبدن.
ومنها: أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته.
ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
ومنها: وهو من أخوفها على العبد - أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية.
ومنها: أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة، فلا تستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه.
ومنها: أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل، فاللوطية ميراث عن قوم لوط. والعلو في الأرض والفساد ميراث عن فرعون وقومه، وهكذا.
ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه. قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، قال الله تعالى في سورة الحج: ** وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ** وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفًا من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه.
ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك.
ومنها: أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم.
ومنها: أن المعصية تورث الذل فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى، قال تعالى في سورة فاطر: ** مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ** . أي: فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعته. وكان من دعاء بعض السلف: اللهم اعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك.
قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين - فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
ومنها: أن المعاصي تفسد العقل ، فإن للعقل نورًا والمعصية تطفئ نور العقل.
ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كم قال بعض السلف في قوله تعالى في سورة المطففين: ** كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ** .
ومنها: حرمان دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوة الملائكة فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات وقال تعالى: ** الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ** .
ومنها: ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه. وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الحياء خير كله» وقال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
ومنها: أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد شاء أم أبى. ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه.
ومنها: أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة قال تعالى: ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ** .
ومنها: أنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة. وقد قال تعالى: ** وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ** .

رشيد التلمساني
17-08-2025, 12:34 AM
بارك الله فيك وأحسن إليك