الماحى3
22-03-2025, 10:07 AM
كانت الوصية في صدر الإِسلام للأقارب فرضًا، وذلك قبل نزول آية الميراث، فلما نزلت بطلت الوصية لهم إلاَّ برضا الورثة الراشدين، وذلك لما جاء في بعض روايات الحديث: "لا وصيَّة لوارث، إلاَّ أن يشاء الورثة" ولأنَّ الحق لهم، فإذا رضوا، فلا مانع.
2 - يدل الحديث على صحة الوصية ومشروعيتها، ما دام أنَّه جاءها التعديل والتوجيه من الشارع الحكيم، فيدل على أنَّ أصلها صحيح.
3 - فالمسلم في حياته قد جعل الله له أن ينفق من ماله بعد مماته بقدر ثلث تركته في سُبُل الخير، وأن يدع الباقي لورثته، ومن هم أولى النَّاس ببرِّه من أقاربه الوارثين فروعًا وأصولاً، أو حواشي، فلا يزيد في وصيته عن الثلث؛ لئلا يجحف بنصيب الورثة.
4 - وإذا وصَّى فلتكن وصيته لمن لا يرثه من أقاربه، أو من الفقراء، أو أهل العلم، أو المجاهدين، أو سائر طرق الخير والبر، أما من جعل وصيته
(5/197)
لورثته أو لبعضهم فقد تعدى حدود الله فيها، وظلم نفسه وظلم غيره، فإنَّ الوصية لا تجوز، إذ لا وصية لوارث.
5 - كما أنَّ محاباة بعض الورثة، وإعطاءَهُ ما لم يعط الباقين، أو حرمان بعضهم من إرثه بحيلة من الحيل: من تعدي حدود الله تعالى، سواء كان ذلك هبةً، أو بيعًا صوريًّا، أو إقرارًا كاذبًا.
6 - والوصية بالثلث للأجنبي، والأجنبي هنا من ليس بوارث، أو للجهات الخيرية النافعة من مساجد، وربط، ومدارس، ونشر دعوة الله تعالى، فيجوز بالثلث، وما زاد على الثلث لا يجوز إلاَّ بموافقة الورثة البالغين الراشدين، فإن أذنوا جاز، وإن لم يأذنوا فالحق لهم، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلاَّ أن يشاء الورثة"، إن صحَّت هذه الزيادة.
***
(5/198)
834 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الله تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، زِيَادَةً في حَسَنَاتِكُمْ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (1)، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبي الدَّرْدَاءِ (2)، وَابْنُ مَاجَه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (3)، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، لكِنْ قَدْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* درجة الحديث:
حديث الباب حسن لغيره، وله شواهد منها:
ما أخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وكلها ضعيفة، ولكن يقوي بعضها بعضًا، فقد جاء الحديث من عدَّة طرق حيث روي من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وأبي بكر الصديق، وخالد بن عبيد السلمي.
قال الشيخ الألباني عن هذه الطرق: إنَّ جميع طرق الحديث ضعيفة شديدة الضعف، إلاَّ أنَّ ضعف طريق أبي الدرداء، وطريق معاذ بن جبل، وطريق خالد بن عبيد يسير، لذلك فالحديث بمجموع هذه الطرق الثلاث يرتقي إلى درجة الحسن، وسائر الطرق إن لم تزده قوَّة لم تضره، والله أعلم.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - الله تعالى لطيف بعباده، لاسيَّما بعباده المؤمنين، فقد سهل لهم من سبل
__________
(1) الدارقطني (4/ 150).
(2) أحمد (6/ 440)، البزار (1382).
(3) ابن ماجه (2709).
(5/199)
الخير، وطرق البر ما تزداد به حسناتهم، وتنمو به أعمالهم الصالحة، من الأيام المباركات، والليالي الفاضلات، والساعات ذات النفحات، والأمكنة المقدسة، والأذكار الجامعة.
ومن ذلك أنْ تفضل عليهم بثلث أموالهم، لتكون صدقة لهم بعد مماتهم تزيد بها حسناتهم.
2 - فالصدقة الكاملة والإحسان الحقيقي هو ما يخرجه الإنسان في حياته، وحال صحته وقوته، ورغبته في المال، كما قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)** [الإنسان]، وكما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة، أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت شحيحٌ صحيح، تخشى الفقر، وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان".
3 - لكن الله جلَّ وعلا من فضله على عباده، وبره بهم، وعلمه بحبهم المال، وشدتهم عليه، جعل لهم الصدقة بثلث أموالهم عند وفاتهم، زيادة في حسناتهم.
4 - جواز الوصية بالمال بقدر الثلث للأجنبي، والأجنبي هنا: معناه غير الوارث.
5 - تحريم الزيادة عن الثلث إلاَّ بإذن الورثة البالغين الراشدين، وموافقتهم.
6 - أنَّ زمن قبول الوصية وتنفيذها يكون بعد الموت؛ لأنَّ ذلك الوقت هو وقت ثبوت حق الموصى له.
7 - أنَّ الوصية بثلث التركة يعتبر بعد مؤن التجهيز، وبعد وفاء جميع الديون، سواءٌ كانت لله، أو للنَّاس.
8 - أنَّ الوصيَّة بالمال فيها فضل، وفيها أجر، فإنَّ الله لم يشرعها لخلقه، وتفضل بها على عباده، إلاَّ لما فيها من الثواب الكبير؛ لأنَّها إحسانٌ، وصدقةٌ جاريةٌ، قال تعالي: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ
2 - يدل الحديث على صحة الوصية ومشروعيتها، ما دام أنَّه جاءها التعديل والتوجيه من الشارع الحكيم، فيدل على أنَّ أصلها صحيح.
3 - فالمسلم في حياته قد جعل الله له أن ينفق من ماله بعد مماته بقدر ثلث تركته في سُبُل الخير، وأن يدع الباقي لورثته، ومن هم أولى النَّاس ببرِّه من أقاربه الوارثين فروعًا وأصولاً، أو حواشي، فلا يزيد في وصيته عن الثلث؛ لئلا يجحف بنصيب الورثة.
4 - وإذا وصَّى فلتكن وصيته لمن لا يرثه من أقاربه، أو من الفقراء، أو أهل العلم، أو المجاهدين، أو سائر طرق الخير والبر، أما من جعل وصيته
(5/197)
لورثته أو لبعضهم فقد تعدى حدود الله فيها، وظلم نفسه وظلم غيره، فإنَّ الوصية لا تجوز، إذ لا وصية لوارث.
5 - كما أنَّ محاباة بعض الورثة، وإعطاءَهُ ما لم يعط الباقين، أو حرمان بعضهم من إرثه بحيلة من الحيل: من تعدي حدود الله تعالى، سواء كان ذلك هبةً، أو بيعًا صوريًّا، أو إقرارًا كاذبًا.
6 - والوصية بالثلث للأجنبي، والأجنبي هنا من ليس بوارث، أو للجهات الخيرية النافعة من مساجد، وربط، ومدارس، ونشر دعوة الله تعالى، فيجوز بالثلث، وما زاد على الثلث لا يجوز إلاَّ بموافقة الورثة البالغين الراشدين، فإن أذنوا جاز، وإن لم يأذنوا فالحق لهم، وهذا معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلاَّ أن يشاء الورثة"، إن صحَّت هذه الزيادة.
***
(5/198)
834 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الله تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، زِيَادَةً في حَسَنَاتِكُمْ" رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (1)، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبي الدَّرْدَاءِ (2)، وَابْنُ مَاجَه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (3)، وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، لكِنْ قَدْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* درجة الحديث:
حديث الباب حسن لغيره، وله شواهد منها:
ما أخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وكلها ضعيفة، ولكن يقوي بعضها بعضًا، فقد جاء الحديث من عدَّة طرق حيث روي من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وأبي بكر الصديق، وخالد بن عبيد السلمي.
قال الشيخ الألباني عن هذه الطرق: إنَّ جميع طرق الحديث ضعيفة شديدة الضعف، إلاَّ أنَّ ضعف طريق أبي الدرداء، وطريق معاذ بن جبل، وطريق خالد بن عبيد يسير، لذلك فالحديث بمجموع هذه الطرق الثلاث يرتقي إلى درجة الحسن، وسائر الطرق إن لم تزده قوَّة لم تضره، والله أعلم.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 - الله تعالى لطيف بعباده، لاسيَّما بعباده المؤمنين، فقد سهل لهم من سبل
__________
(1) الدارقطني (4/ 150).
(2) أحمد (6/ 440)، البزار (1382).
(3) ابن ماجه (2709).
(5/199)
الخير، وطرق البر ما تزداد به حسناتهم، وتنمو به أعمالهم الصالحة، من الأيام المباركات، والليالي الفاضلات، والساعات ذات النفحات، والأمكنة المقدسة، والأذكار الجامعة.
ومن ذلك أنْ تفضل عليهم بثلث أموالهم، لتكون صدقة لهم بعد مماتهم تزيد بها حسناتهم.
2 - فالصدقة الكاملة والإحسان الحقيقي هو ما يخرجه الإنسان في حياته، وحال صحته وقوته، ورغبته في المال، كما قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)** [الإنسان]، وكما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة، أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت شحيحٌ صحيح، تخشى الفقر، وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان".
3 - لكن الله جلَّ وعلا من فضله على عباده، وبره بهم، وعلمه بحبهم المال، وشدتهم عليه، جعل لهم الصدقة بثلث أموالهم عند وفاتهم، زيادة في حسناتهم.
4 - جواز الوصية بالمال بقدر الثلث للأجنبي، والأجنبي هنا: معناه غير الوارث.
5 - تحريم الزيادة عن الثلث إلاَّ بإذن الورثة البالغين الراشدين، وموافقتهم.
6 - أنَّ زمن قبول الوصية وتنفيذها يكون بعد الموت؛ لأنَّ ذلك الوقت هو وقت ثبوت حق الموصى له.
7 - أنَّ الوصية بثلث التركة يعتبر بعد مؤن التجهيز، وبعد وفاء جميع الديون، سواءٌ كانت لله، أو للنَّاس.
8 - أنَّ الوصيَّة بالمال فيها فضل، وفيها أجر، فإنَّ الله لم يشرعها لخلقه، وتفضل بها على عباده، إلاَّ لما فيها من الثواب الكبير؛ لأنَّها إحسانٌ، وصدقةٌ جاريةٌ، قال تعالي: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ