تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : القرآن هو كلام ربّ العالمين عقلا وشرعاً


أبوسند
12-01-2024, 04:03 PM
الأدلة العقلية على أن القرآن كلام الله :


إن الله تحدى الإنس والجن على
أن يأتوا بمثله ، فعجزوا ،
ولم يستطيعوا ذلك .

" لما صرح تعالى بأن هذا القرآن
ما كان أن يُفترى على الله ،
أقام البرهان القاطع على أنه من الله ، فتحدى جميع الخلق بسورة واحدة مثله ، ولا شك أنه لو كان من جنس كلام الخلق لقدر الخلق على الإتيان بمثله ، فلما عجزوا عن ذلك كلهم حصل اليقين والعلم الضروري
أنه من الله جل وعلا " .

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي ( 2 / 156 ) .




قال تعالى وهو يتحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة فقط : ** وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ
مِنْ دُونِ الله إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولن تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النّارَ الّتي وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرينَ **
سورة البقرة 23



قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

وهذا دليل عقليٌّ على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصحة ما جاء به، فقال : ** وإن كنتم **
معشر المعاندين للرسول, الرادين دعوته, الزاعمين كذبه في شك واشتباه,
مما نزلنا على عبدنا,
هل هو حق أو غيره ؟

فهاهنا أمر نَصَفٌ،
فيه الفيصلة بينكم وبينه،
وهو أنه بشرٌ مثلكم,
ليس بأفصحكم ولا بأعلمكم وأنتم تعرفونه منذ نشأ بينكم, لا يكتب ولا يقرأ،
فأتاكم بكتاب زعم أنه من عند الله,

وقلتم أنتم أنه تقوَّله وافتراه،
فإن كان الأمر كما تقولون,
فأتوا بسورة من مثله,
واستعينوا بمن تقدرون عليه من أعوانكم وشهدائكم,
فإن هذا أمر يسير عليكم،
خصوصا وأنتم أهل الفصاحة والخطابة, والعداوة العظيمة للرسول،
فإن جئتم بسورة من مثله,
فهو كما زعمتم,
وإن لم تأتوا بسورة من مثله
وعجزتم غاية العجز,
[ ولن تأتوا بسورة من مثله،
ولكنّ هذا التقييم على وجه الإنصاف والتَنزُل معكم ] ،
فهذا آية كبرى, ودليل واضح جلي
على صدقه وصدق ما جاء به,

فيتعين عليكم اتباعه, واتقاء النّار التي بلغت في الحرارة العظيمة [ والشدة ],
أن كانت وقودها الناس والحجارة,
ليست كنار الدنيا التي إنما تُتَّقَد بالحطب, وهذه النّار الموصوفة مُعَدة ومُهَيأة
للكافرين بالله ورسله .

فاحذروا الكفر برسوله,
بعد ما تبين لكم أنه رسول الله .

وهذه الآية ونحوها يسمونها آيات التحدي,

وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل
هذا القرآن،

قال تعالى :
** قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والجِنُّ علَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثلِ هذا القُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيرًا **

وكيف يقدر المخلوق من تراب,
أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب ؟

أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه, أن يأتي بكلام ككلام الكامل,
الذي له الكمال المطلق,
والغنى الواسع من كل الوجوه ؟
هذا ليس في الإمكان,
ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى
ذوق ومعرفة [ بأنواع ] الكلام,
إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البُلغاء, ظهر له الفرق العظيم .

وفي قوله : ** وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ **
إلى آخره,
دليل على أن الذي يرجى له الهداية من الضلالة هو الشاك الحائر ،
الذي لم يعرف الحق من الضلال،
فهذا إذا بُيِّنَ له الحق فهو حريٌ بالتوفيق إن كان صادقا في طلب الحق .

وأما المعاند الذي يعرف الحق ويتركه,
فهذا لا يمكن رجوعه,
لأنه ترك الحق بعد ما تبين له,
لم يتركه عن جهل فلا حيلة فيه ،

وكذلك الشاكُّ غير الصادق في طلب الحق بل هو معرض غير مجتهد في طلبه,
فهذا في الغالب أنه لا يوفق ... اهـ

أبوسند
12-01-2024, 04:04 PM
ومن الأدلة على هذا التحدي
قوله تعالى : ** وما كان هذا القُرْآنُ أنْ يُفْتَرَى مِنْ دُون الله ولكن تَصْدِيقَ الّذي
بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ الكتابِ لَا رَيْبَ فيه
مِنْ رَبِّ العالَمينَ * أمْ يقولون افْتَرَاهُ
قل فأْتُوا بسورة مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ الله إنْ كنتم صادِقينَ **

سورة يونس 37 - 38


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

يقول تعالى : ** وما كان هذا القُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ الله **
أي : غير ممكن ولا مُتصور،
أن يفترى هذا القرآن على الله تعالى،
لأنه الكتاب العظيم الذي
** لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ **

وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس
والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا،

وهو الكتاب الذي تكلم به ربُّ العالمين ، فكيف يقدر أحدٌ من الخلق أن يتكلم بمثله
أو بما يقاربه والكلام تابعٌ
لعظمة المتكلم ووصفه ؟!

فإن كان أحدٌ يماثل اللهَ في عظمتِه وأوصاف كمالِه،
أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن،
ولو تنزلنا على الفرض والتقدير،
فتقوَّله أحدٌ على ربِّ العالمين،
لعاجله بالعقوبة، وبادره بالنَّكال .

ولكِنَّ الله أنزل هذا الكتاب رحمةً للعالمين، وحجّة على العباد أجمعين ،
أنزله
** تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ **
من كتب الله السماوية،
بأن وافَقَها وصدَّقها بما شهدت به
وبشَّرت بنزوله ،
فوقع كما أخبرت ،
** وتَفْصِيلَ الكِتابِ ** للحلال والحرام، والأحكام الدينيّة والقدريّة،
والإخبارات الصادقة .
** لَا رَيْبَ فيه مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ ْ**
أي : لا شكّ ولا مِريَة فيه بوجه من الوجوه، بل هو الحَقُّ اليقين ،
تنزيلٌ من ربِّ العالمين الذي ربَّى جميع الخلق بنعمه ،

ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم
هذا الكتاب الذي فيه مصالحهم
الدينيّة والدنيويّة،
المشتمل على مكارم الأخلاق
ومحاسن الأعمال .

** أَمْ يَقُولُونَ **
أي : المكذِّبون به عنادًا وبغيًا :
** افْتَرَاهُ ** محمدٌ على الله واختلقه،
** قُلْ ** لهم مُلزما لهم بشيء ،
إن قدروا عليه،
أمكن ما ادّعوه،
وإلاّ كان قولهم باطلاً .

** فأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ **
يعاونكم على الإتيان بسورة مثله،
وهذا محال،
ولو كان ممكنًا ،
لادّعوا قدرتهم على ذلك،
ولأتوا بمثله ، ولكن لما بان عجزُهم ،
تبيّن أن ما قالوه باطلٌ ،
لا حظَّ له من الحجة .

[ والذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على الحَقِّ الذي لا حقَّ فوقه
أنهم لم يحيطوا به علمًا ،
فلو أحاطوا به علمًا وفهموه حق فهمه، لأذعنوا بالتصديق به ] . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 04:05 PM
وقال تعالى يتحداهم بأن يأتوا
بعشر سور فقط :

** فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحَى إليك وضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أنْ يقولوا لَوْلَا أُنْزِلَ عليه كَنْزٌ أو جاء معه مَلَكٌ إنّما أَنْتَ نَذيرٌ والله على كُلِّ شَيْءٍ وكيلٌ * أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قل فأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ الله
إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * فإنْ لم يَسْتَجيبُوا
لكم فاعْلَمُوا أنّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ الله
وأنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هو فهل أنتم مُسْلِمُونَ **
سورة هود 12 - 14


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

... أي : لا ينبغي هذا لمثلك،
أن قولهم يؤثر فيك،
ويصدك عما أنت عليه،
فتترك بعض ما يوحى إليك،
ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم :
** لَوْلَا أُنْزِلَ عليه كَنْزٌ أو جاء معه مَلَكٌ **
فإن هذا القول ناشئ من تعنت،
وظلم، وعناد، وضلال،
وجهل بمواقع الحجج والأدلة،
فامض على أمرك،
ولا تصدك هذه الأقوال الركيكة
التي لا تصدر إلا من سفيه
ولا يضق لذلك صدرك .

فهل أوردوا عليك حجة
لا تستطيع حلها ؟
أم قدحوا ببعض ما جئت به قدحا،
يؤثر فيه وينقص قدره،
فيضيق صدرك لذلك ؟!

أم عليك حسابهم،
ومطالب بهدايتهم جَبراً ؟ ** إنّما أَنْتَ نَذِيرٌ والله على كُلِّ شَيْءٍ وكيلٌ **
فهو الوكيل عليهم، يحفظ أعمالهم، ويجازيهم بها أتم الجزاء .



** أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ **

أي : افترى محمد هذا القرآن ؟
فأجابهم بقوله : ** قُلْ ** لهم

** فأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ الله إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ** أنه قد افتراه ،

فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة، وأنتم الأعداء حقا،
الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته،
فإن كنتم صادقين،
فأتوا بعشر سور مثله مفتريات .

** فإنْ لَمْ يَسْتَجيبُوا لَكُمْ **
على شيء من ذلكم
** فاعْلَمُوا أنّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ الله **
من عند الله لقيام الدليل والمقتضي،
وانتفاء المعارض .

إلى قولِه رحمه الله :

وفي هذه الآيات :

أن هذا القرآن، مُعجز بنفسه،
لا يقدر أَحدٌ من البشر أن يأتي بمثله،
ولا بعشر سورٍ من مثله،
بل ولا بسورة من مثله،

لأنّ الأعداء البُلغاء الفُصحاء،
تحدّاهم الله بذلك، فلم يعارضوه،
لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 04:05 PM
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى : ** قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ على أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذا القُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ولو كان بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيراً **
سورة الاسراء 88


قال العلّامة السّعدي رحمه الله
في تفسيره :

وهذا دليلٌ قاطعٌ، وبرهانٌ ساطعٌ،
على صحّة ما جاء به الرسول وصدقه،
حيث تحدّى اللهُ الإنس والجنّ
أن يأتوا بمثله،
وأخبر أنهم لا يأتون بمثله،
ولو تعاونوا كلهم على ذلك لم يقدروا عليه .

ووقع كما أخبر الله،
فإنّ دواعي أعدائه المكذّبين به،
متوفِّرة على رد ما جاء به
بأيِّ وجهٍ كان،
وهُم أهلُ اللسان والفصاحة،
فلو كان عندهم أدنى تَأَهُّل
وتَمَكُّن من ذلك لفعلوه ،

فعُلم بذلك،
أنهم أذعنوا غاية الإذعان،
طوعًا وكرهًا، وعَجزوا عن معارضته .
وكيف يقدر المخلوقُ من تراب،
الناقصُ من جميع الوجوه،
الذي ليس له علمٌ ولا قدرةٌ ولا إرادةٌ
ولا مشيئةٌ ولا كلامٌ ولا كمالٌ إلاّ من ربِّه،
أن يعارض كلام رب الأرض والسماوات، المطّلع على سائر الخفيّات،
الذي له الكمال المطلق، والحمد المطلق، والمجد العظيم،
الذي لو أنّ البحر يمده من بعده سبعة
أبحر مدادًا، والأشجار كلَّها أقلام،
لنَفِدَ المداد، وفنيت الأقلام،
ولم تَنْفَدْ كلماتُ الله ،
فكما أنّه ليس أحد من المخلوقين
مماثلاً لله في أوصافه ، فكلامُه من أوصافه التي لا يماثِلُه فيها أحد،
فليس كمثله شيءٌ، في ذاته،
وأسمائه، وصفاته،
وأفعاله تبارك وتعالى ،

فَتَبّاً لمن اشتبه عليه كلامُ الخالق
بكلام المخلوق،
وزعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم
افتراه على الله واختلقه من نفسه . اهـ





وقال تعالى :
** أمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَديثٍ مِثلِه إنْ كَانُوا صادِقينَ **

سورة الطور 33 - 34


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

** أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ **
أي : تقوَّل محمدٌ القرآن،
وقاله من تلقاء نفسه ،

** بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ ** فلو آمنوا،
لم يقولوا ما قالوا .

** فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ ** أنه تقوَّله،
فإنّكم العرب الفصحاء،
والفحول البلغاء،
وقد تحدّاكم أن تأتوا بمثله،
فتَصْدُق معارضتكم ، أو تقرُّوا بصدقه،
وإنكم لو اجتمعتم، أنتم والإنس والجنُّ،
لم تقدروا على معارضته والإتيان بمثله،

فحينئذ أنتم بين أمرين :
إمّا مؤمنون به مقتدون بهديه،
وإمّا معاندون متّبعون لما
علمتُم من الباطل . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 04:06 PM





خلو القرآن الكريم من التّناقض
أو السهو ، والنقص ،
والخطأ مهما كان
فلو لم يكن القرآن كلام الله
لحصل فيه أنواع من الاختلاف والنقص
فنحن نرى البشر مهما أوتوا من العلم والفهم ،
لابد أن يقع منهم الخطأ
والزلل والسهو ...

قال تعالى : ** ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ** ،

فمن ظن وتوهم أن في القرآن تعارضا فإنما أُتِيَ من فهمه الخاطئ ، أو عقله المريض
ولو رجع إلى أهل العلم لبينوا له الصواب ، وكشفوا عنه الإشكال ،
وأزاحوا عنه الالتباس
كما قال تعالى : ** إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز *
لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ **
سورة فصلت 41 - 42


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

ثم قال تعالى :
** إنَّ الّذينَ كَفَرُوا بالذِّكْرِ **
أي : يجحدون القرآن الكريم المذكِّر للعباد جميع مصالحهم الدينيّة والدنيويّة والأخرويّة، المُعلي لِقَدْر مَن اتَّبعه،

** لَـمَّا جاءَهُمْ ** نعمة من ربهم على يد أفضل الخلق وأكملهم .
** و ** الحال ** إِنَّهُ لَكِتابٌ **
جامع لأوصاف الكمال
** عَزِيزٌ ** أي : منيعٌ مِن كلِّ مَن أراده بتحريف أو سوء،

ولهذا قال : ** لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِه **
أي : لا يَقْرَبُه شيطانٌ من شياطين الإنس والجنِّ لا بسرقة ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا نقص،
فهو محفوظٌ في تنزيله،
محفوظة ألفاظه ومعانيه،
قد تكفل من أنزله بحفظه
كما قال تعالى : ** إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ** .

** تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ ** في خلقه وأمره،
يضع كلَّ شيء موضعه، وينزلها منازلها .

** حَمِيدٌ **
على ما له من صفات الكمال،
ونعوت الجلال،
وعلى ما له من العدل والإفضال،
فلهذا كان كتابُه مشتملاً على تمام
الحكمة وعلى تحصيل المصالح
والمنافع ودفع المفاسد والمضارِّ
التي يُحْمَدُ عليها . اهـ





توافق العقل والشرع
ودفع التعارض بينهما ..

‏http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=244582

أبوسند
12-01-2024, 04:07 PM
عن أبي هريرة قال قال النبيُّ
صلى الله عليه وسلم :
( ما مِن الأنبياء نبيٌّ إلاّ أُعطيَ
ما مثله آمن عليه البشر وإنّما كان الذي أُوتيتُه وحياً أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا
يوم القيامة ) .
رواه البخاري .


قال الحافظ ابن حجر العسقلاني
رحمه الله :

" قوله : ( وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي )

أي : إن معجزتي التي تَحديتُ بها ،
الوحي الذي أُنزل عليَّ
وهو القرآن لما اشتمل عليه من الإعجاز الواضح ،
وليس المراد حصر معجزاته فيه
ولا أنه لم يؤتَ من المعجزات ما أوتي مَن تقدمه ،
بل المراد أنه المعجزة العُظمى التي اختُصَّ بها دون غيره ،
لأنّ كلَّ نبيٍّ أُعطي معجزة خاصة به لم يُعطَها بعينها غيرُه
تحدى بها قومه ،
وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر فاشيا
عند فرعون فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة
لكنها تلقفت ما صنعوا ،
ولم يقع ذلك بعينه لغيره
وكذلك إحياء عيسى الموتى
وإبراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان
في غاية الظهور ،
فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه ،
ولهذا لما كان العرب الذين بُعِثَ فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
في الغاية من البلاغة
جاءهم بالقرآن الذي تحداهم
أن يأتوا بسورة مثله
فلم يقدروا على ذلك ،
وقيل المراد أن القرآن ليس له مِثلٌ
لا صورة ولا حقيقة ،
بخلاف غيره من المعجزات
فإنها لا تخلو عن مِثلٍ ،

وقيل : المراد أن كل نبي أُعطي من المعجزات ما كان مثله لمن كان قبله صورة أو حقيقة ،
والقرآن لم يؤت أحد قبله مثله ،
فلهذا أردفه بقوله :
( فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا ) .

وقيل المراد أن الذي أُوتيته
لا يتطرق إليه تخييل ،

وإنما هو كلامٌ معجزٌ لا يقدرُ أَحدٌ
أن يأتي بما يتخيل منه
التشبيه به ،

بخلاف غيره فإنه قد يقع في معجزاتهم ما يقدر الساحر أن يُخيل شِبْهَه فيحتاج من يميز بينهما
إلى نظر ،
والنظر عرضة للخطأ ، فقد يُخطئ الناظر فيظن تساويهما ،

وقيل المراد أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم
فلم يشاهدها إلا من حضرها ،

ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة ،

وخَرقُه للعادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات ،

فلا يمر عصر من الأعصار
إلاّ ويظهر فيه شيء ممّا أخبرَ به
أنه سيكون
يدل على صحة دعواه ،
وهذا أقوى المحتملات ،
وتكميله في الذي بعده ،
وقيل المعنى أن المعجزات الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار
كناقة صالح وعصا موسى ،

ومعجزة القرآن تُشاهَدُ بالبصيرة فيكون من يتبعه لأجلها أكثر ،

لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده ، والذي يشاهد بعين العقل باقٍ يشاهده
كل من جاء بعد الأول مستمرا " .


فتح الباري ( 9 / 9 - 10 )
ط : دار الحَديث القاهرة .

أبوسند
12-01-2024, 04:08 PM
لقد تكفل الله عزّوجلّ بحفظ
هذا القرآن العظيم
قال تعالى : ** إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ **
سورة الحجر 9

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

ولهذا قال هنا :
** إنا نحن نزلنا الذكر **
أي : القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة،

وفيه يتذكر من أراد التذكر،
** وإنا له لحافظون **
أي : في حال إنزاله وبعد إنزاله،

ففي حال إنزاله حافظون له من استراق
كل شيطان رجيم،
وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واسْتَودَعَه فيها ثم في قلوب أمته،
وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها
والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل،
فلا يحرف محرف معنى من معانيه
إلاّ وقيض الله له من يبين الحق المبين،

وهذا من أعظم آيات الله
ونعمه على عباده المؤمنين،

ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدواً يجتاحُهم . اهـ





" لا يشكُّ مسلمٌ أنّ القرآن
كتاب الله تعالى
محفوظٌ من الزّيادة والنُّقصان ،
وأنّ الله سبحانه تكفّلَ بحفظه وحمايته ، وكلُّ ما يدَّعيه خُصومُه
من زيادة أو نقصان ،
إنَّما سببه إمّا الجهل بقواعد الشّريعَةِ
الحنيفة ، أو الافتراء الواضح ،
أو الاعتماد على أحاديث ضعيفة ،
أو عدم فهم ماهيّة الأمر ...

ولذلك يقول الإمام الطّبريُّ
رحمه الله تعالى : « أمّا الزّيادة في القرآن ، فمُجْمَعٌ على بطلانها ،
وأمَّا النُّقصان ،
فهو أشدُّ استحالة »

إلى أن قال :

المصحف العثمانيّ انتشر في الآفاق
وكثُرت نُسخُه في عهد عثمان وعليّ
حتى أنَّهُ لو أراد أَحدٌ إحصاءها
لما استطاع ،
فكيف بعددها في عهد الخلافة
الأموية ؟!
فلا شكّ أنَّهُ بَلغَ أكثر من ذلك ...

والتاريخ لم يذكر تناقضا بين المصاحف في العراق ، وبين المصاحف في غيرها .

والمعروف أن الحفظ لهذا الكتاب العظيم كما كان حِفظاً في المصاحف ،
كان حفظاً في الصُّدور .


جَمَعَ القرآن الكريم مَرَّ بثلاث
مراحل أساسيّة :

أ - الجمع النّبويُّ للقرآن الكريم :

لقد ثَبت بالدّليل القاطع أنّ
رسول الله صلَّى الله عليه وسلم
كان يأمرُ بكتابة القرآن الذي ينزل
عليه ، وثبت أنه كان له كُتّابّ
يكتبون الوحي .


ب - جَمْعُ أبي بكر رضي الله عنه :

وقد تَمَيَّزَ الجمع الذي قام به الصّدّيق
رضي الله عنه :

1 - أنّه اقتصر على ما ثَبت قرآنيّته
تواترا ، ولم تُنسخ تلاوته .

2 - أنَّهُ جُمِع بين دفّتي مُصحف واحد .

3 - أنَّهُ جَمعٌ رُتِّبتْ فيه الآيات والسُّور على ما كانت عليه التّلاوة في عهده
صلَّى الله عليه وسلم .

4 - أنَّهُ كان مكتوباً بشكل يحتمل القراءة بالأحرف السّبعة الّتي نزلَ بها القرآن .


جـ - جَمْعُ عثمان رضي الله عنه :

1 - اختار اللّجنة من المتقنين لحفظ
كتاب الله لضمان النّظام والتّرتيب والضّبط والحصر للآيات .


2 - جَعلَ أصل الجمع النُّسخة الموثّقة
الرّسميّةَ التي جمعها أبو بكر ..

3 - كانت اللّجنة لا تكتبُ شيئاً من القرآن إلَّا بحضرة حافِظِه ،
ويؤخرون ما كان صاحبه غير حاضر حتَّى ساعة حضوره .

4 - طَلَبَ عثمانُ رضي الله عنه أن يكتبوا
ما يتفقون عليه ،
فإذا اختلفوا في شيء منه عليهم
أن يكتبوا بلسان قريش
لنزول أغلب القرآن به .

5 - لم يكتبوا شيئاً إلَّا بعد عرضه أكثر من عَرضة ،
وبعد التّأكُّد أنَّهُ ممّا أُقِرَّ في العَرضَة
الأخيرة ،
فجرّدوا القرآن ممَّا ليس متواتراً .

ولا شكّ أنّ الخُطوات السّابقة تُمثِّلُ
أعلى ما وصل إليه مَنهج المحقّقين
المعاصرين من دقّةٍ وتحرير " .

نقلته من كتاب :
جهود الصّحابة في جَمع القرآن .
دراسة تحليليّة
( ص 328 - 360 ) .
لأحمد سالم .
باختصار شديد .




فكل حرف من القرآن نقله عددٌ
يستحيل تواطؤهم على الكَذِب
على مدار التاريخ
و لم يختلفوا في حرف واحد منه ، ولو حاول كائناً من كان أن يزيد
أو ينقص منه شيئاً
فإنه لن يتمكن من ذلك
ويفتضح أمره مباشرة فسرعان
ما ينكشف زيفه وتحريفه ،
حتى عند أطفال المسلمين ،
فضلا عن علمائهم وقرّائهم
لأنّ الله جلا وعلا تكفل بحفظ كلامه العزيز ،
بخلاف غيره من الكتب السماوية ،
التي لم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظها بل وَكَلَ حفظها إلى غيره
فلم يحفظوها وضيعوها
فدخلها التحريف والتبديل .






حكى أبو عمرو الداني في
" طبقات القراء "
له عن أبي الحسن بن المنتاب ،
قال : كنت يوما عند القاضي
أبي إسحق إسماعيل بن إسحق ،
فقيل له : لِمَ جاز التبديل على أهل التوراة ولم يجز على أهل القرآن ؟
فقال القاضي :
قال الله عز و جل في أهل التوراة :
** بما استحفظوا من كتاب الله **
سورة المائدة 44
فوكل الحفظ إليهم ، فجاز التبديل عليهم ،
وقال في القرآن :
** إنا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون **
سورة الحجر 9

فلم يجز التبديل عليهم ،
قال عليٌّ : فمضيتُ إلى أبي عبد الله المحاملي ، فذكرت له الحكاية ،
فقال :
ما سمعت كلاماً أحسن من هذا » .

_ الموافقات للشاطبي
( 2 / 91 - 92 ) .

أبوسند
12-01-2024, 04:08 PM
قال الحافظ السيوطيّ رحمه الله تحت عنوان ، معرفة المتواتر والمشهور ... :

" وأحسن من تكلّم في هذا النوع إمام القرّاء في زمانه شيخ شيوخنا أبو الخير
بن الجزريّ ،
قال في أوّل كتابه " النشر " :
كلُّ قراءة وافقت العربيّة ولَوْ بوجه ،
ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولَوْ احتمالا ، وصحّ سندُها ،
فهي القراءة الصّحيحة التي لا يجوز ردُّها
ولا يحلُّ إنكارها ،
بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ووجب على الناس قَبولها ،
سواء كلنت عن الأئمّة السبعة ،
أم عن العشرة ، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين .
ومتى اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة أُطلق عليها ضعيفة أو شاذّة أو باطلة ،
سواء كانت عن السبعة أو عمّن هو أكبر منهم .
هذا هو الصّحيح عند أئمة التحقيق من السّلف والخلف ،
صرّح بذلك الدانيّ ومكيّ والمهداويّ ،
وأبو شامة ، وهو مذهب السّلف الذي
لا يعرف عن أحد منهم خلافه .

إلى أن قال :

قال الدّانيّ : وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في اللغة ،
بل على الأثبت في الأثر والأصحّ في النّقل ، وإذا ثبتت الرواية لم يردّها قياس عربية ولا فشوّ لغة ؛
لأنّ القراءة سنّة متّبعة ،
يلزم قَبولها والمصير إليها .

قلت : أخرج سعيد بن منصور في سننه ،
عن زيد بن ثابت قال :
القراءة سنّة متّبعة .

قال البيهقيُّ : أراد أنّ اتّباع مَن قَبْلنا في الحروف سنّة متبعة ،
لا يجوز مخالفة المصحف الذي هو إمام ،
ولا مخالفة القراءات التي هي مشهورة ،
وإن كان غير ذلك سائغا في اللغة
أو أظهر منها " .

إلى أن قال :

تنبيهات :

الأول : لا خلاف أنّ كلّ ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه ،
وأمَّا في محله ووضعه وترتيبه فكذلك عند محقّقي أهل السنّة ، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله ،
لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم ،
ممَّا تتوفّر الدواعي على نقل جُمَله وتفاصيله، فما نُقِلَ آحادا ولم يتواتر ،
يُقطع بأنه ليس من القرآن قطعاً .
وذهب كثير من الأُصوليّين : إلى أنّ التواتر شرط في ثبوت ما هو من القرآن بحسب أصله ، وليس بشرط في محلِّ ووضعه وترتيبه .. "

إلى أن قال :

" فربّ متواتر عند قوم دون آخرين ،
وفي وقت دون آخر ، ويكفي في تواترها إثباتُها في مصاحف الصّحابة فمن بعدهم
بخطّ المصحف ،
مع منعهم أن يُكتب في المصحف
ما ليس منه " .

الإتقان في علوم القرآن
( 1 / 236 - 245 )
ط : دار ابن كثير .




أبوسند
12-01-2024, 04:09 PM
قال الحافظ السيوطيّ رحمه الله :

" وقال بعض المتأخرين : لاخْتِلاف القراءات وتنوعها فوائد :

منها : التّهوين والتّسهيل
والتّخفيف على الأُمّة .

ومنها : إظهار فضلها وشرفها على سائر الأمم ، إذ لم ينزل كتابُ غيرهم إلاّ على وجه واحد .

ومنها : إعظام أجرها ،
من حيث إنّهم يُفرغون جهدهم في تحقيق ذلك وضبطه لفظةً لفظة ، حتى مقادير الـمَدّات وتفاوت الإمالات ،
ثم في تتبّع معاني ذلك واستنباط الحِكم والأحكام من دلالة كلّ لفظ ، وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح .

ومنها : إظهار سرّ الله في كتابه ، وصيانته له عن التبديل والاختلاف ، مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة .

ومنها : المبالغة في إعجازه بإيجازه ، إذ تنوّع القراءات بمنزلة الآيات ،
ولو جُعلت دلالة كل لفظ آية على حدة لم يخف ما كان فيه من التطويل ، ولهذا كان قوله : ** وأرْجُلَكم ** [ المائدة : 6 ]
مُنزَّلاً لغسل الرجل ،
والمسح على الخفّ واللفظ واحد ،
لكن باختلاف إعرابِه .

ومنها : أن بعض القراءات يبيّن
ما لعلّه يُجْهَلُ في القراءات الأخرى ،
فقراءة ** يَطَّهّرْنَ **
بالتشديد مُبَيِّنَة لمعنى قراءة
التخفيف ،
وقراءة ( فامضوا إلى ذكر الله )
[ وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه . والمتواتر : ** فاسعوا ** ] .

تُبيّن أن المراد بقراءة : ** فاسعوا **
[ سورة الجمعة : 9 ]
الذهاب ، لا المشي السريع .

وقال أبو عبيد في
" فضائل القرآن " : المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها ،
كقراءة عائشة وحفصة : ( والوسطى صلاة العصر ) .
[ والقراءة المتواترة : ** حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا لله قَانِتِين ** البقرة 238 ، دون الزيادة المذكورة ] .

وقراءة ابن مسعود :
( فاقطعوا أيمانهما ) .
[ القراءة المتواترة : ** فاقطعوا أيديهما ** المائدة 38

وقراءة جابر : ( فإن الله من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم ) .
[ القراءة المتواترة : ** فإنّ الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم ** النور 33
بدون ( لهن ) ] .

قال : فهذه الحروف وما شاكلها
قد صارت مفسرة للقرآن ،
وقد كان يُروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن ،
فكيف إذا رُوي عن كبار الصحابة ،
ثم صار في نفس القراءة !
فهو أكثر من التفسير وأقوى ،
فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحّة التأويل . انتهى .

وقد اعتنيت في كتابي
" أسرار التنزيل "
ببيان كل قراءة أفادت معنى زائدا على القراءة المشهورة " .


الإتقان في علوم القرآن
( 1 / 254 - 255 )
ط : دار ابن كثير .

أبوسند
12-01-2024, 04:10 PM
قال الله تعالى : ** واتْلُ ما أُوحِيَ إليك مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ولَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا **
سورة الكهف 27



قال العلاّمة السعدي رحمه الله في تفسيره :

التّلاوة : هي الاتِّباع ؛
أي : اتّبع ما أَوحَى اللهُ إليك
بمعرفة معانيه وفهمها وتصديق أخباره وامتثال أوامره ونواهيه ،
فإنّه الكتاب الجليل ،
الذي لا مبدِّل لكلماته ،
أي : لا تُغَيَّر ولا تُبَدَّل لصدقها
وعدلها وبلوغها من الحسن
فوق كلِّ غاية ،
** وتَمَّتْ كلمةُ ربِّك صدقا وعدلا ** ،
فلكمالها استحال عليها التغيير والتبديل ،
فلو كانت ناقصة ؛
لَعَرَضَ لها ذلك أو شيء منه .
وفي هذا تعظيم للقرآن وفي ضمنه الترغيب على الإقبال عليه . اهـ





عن عِياضِ بْنِ حِمارٍ المُجَاشِعِيِّ
أنَّ رَسُولَ الله صلَّى الله عليه وسَلَّمَ
قال ذَاتَ يوم في خُطْبَتِهِ :
( ألَا إنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أنْ أُعَلِّمَكُمْ
ما جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا ،
... إنّما بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وأَبْتَلِيَ بكَ ، وأَنْزَلْتُ عليك كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الماءُ ، تَقْرَؤُهُ نائِمًا ويَقْظانَ ... )

قال الإمام النووي رحمه الله :
" قوله تعالى : ( وأنزلت عليك كِتاباً
لا يغسله الماء تَقْرَؤُهُ نائِمًا ويَقْظانَ )
فمعناه : محفوظ في الصدور
لا يتطرق إليه الذهاب ،
بل يبقى على ممر الأزمان .

وأما قوله تعالى : تقرأه نائما .
ويقظان ، فَقالَ العلماء : معناه :
يكون محفوظا لك في حالتيْ النوم ،
واليقظة وقيل :
تقرأه في يسر ، وسهولة " . اهـ

_ شرح صحيح مسلم للنووي
كتاب : الجنة وصفة نعيمها
باب الصِّفاتِ التي يعرف بها في الدُّنيا أهل الجنة ..
( 17 / 194 - 195 ) .

أبوسند
12-01-2024, 04:11 PM
قال تعالى : ** إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) **
سورة الحجر

قال الإمام القرطبي رحمه الله :

" قوله تعالى : ** إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون **

قوله تعالى :
** إنا نحن نزلنا الذكر **
يعني : القرآن .

** وإنا له لحافظون **
مِن أن يزاد فيه أو ينقص منه .

قال قتادة وثابت البُنانيّ :
حفظه الله مِن أن تَزيد فيه الشياطينُ باطلا أو تنقص منه حقا ;
فتولّى سبحانه حفظه
فلم يزل محفوظا ،

وقال في غيره :
** بما استحفظوا **
سورة المائدة 44 ،
فَوَكَلَ حفظه إليهم فبدّلوا وغيروا .

[ ثم ساقَ بسنده إلى ]
الحسين بن فهم قصة حصلت مع الخليفة المأمون ]

قال : سمعت يحيى بن أكثم يقول :
كان للمأمون - وهو أميرٌ إذْ ذاك - مجلس نظر ،
فدخل في جملة الناس رجلٌ يهودي حسن الثوب حسن الوجه طيب الرائحة ،

قال : فتكلم فأحسن الكلام والعبارة ، قال : فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون فقال له : إسرائيلي ؟
قال نعم .
قال له : أسلِم حتى أفعل بك وأصنع ، ووعده .
فقال : ديني ودين آبائي !
وانصرف .

قال : فلما كان بعد سنة جاءنا مُسلماً ،
قال :
فتكلم على الفقه فأحسن الكلام ;
فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون وقال : ألستَ صاحبنا بالأمس ؟
قال له : بلى .
قال : فما كان سبب إسلامك ؟
قال : انصرفت من حضرتك
فأحببت أن أمتحن هذه الأديان ،
وأنت تراني حسن الخط ،
فعمدت إلى التوراة فكتبت
ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت ، وأدخلتها الكنيسة فاشْتُرِيَتْ مني ، وعَمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت ،
وأدخلتها البِيعَة فاشتُرِيت مني ،

وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث
نسخ وزدت فيها ونقصت ،
وأدخلتها الورّاقين فتصفحوها ،
فلما أن وجدوا فيها الزيادة
والنقصان رموا بها فلم يشتروها ;

فعلمت أن هذا كتاب محفوظ ،
فكان هذا سبب إسلامي .

قال يحيى بن أكثم :
فحججت تلك السنة فلقيت سفيان
بن عيينة فذكرت له الخبر
فقال لي :
مصداق هذا في كتاب الله
- عزّ وجلّ - .
قال قلت : في أي موضع ؟
قال : في قول الله - تبارك وتعالى - في التوراة والإنجيل :
** بما استحفظوا من كتاب الله **
سورة المائدة 44 ،

فجعل حِفْظَه إليهم فضاع ،
وقال - عزّ وجلّ - :
** إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ** فحفِظَه الله
- عزّ وجلّ - علينا فلم يضع .

وقيل : ** وإنا له لحافظون **
أي لمحمد - صلى الله عليه وسلم -
من أن يتقوّل علينا أو نتقول عليه .
أو وإنا له لحافظون من أن يكاد
أو يقتل .
نظيره ** والله يعصمك من الناس ** .
المائدة 67 " .

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
( 10 / 8 - 9 ) .
ط : دار الكتَاب العربي
تحقيق عبد الرزاق المهدي .








قال تعالى : ** إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ** الآية

تفسير القرطبي - تفسير سورة الحجر -


http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/qort...ra15-aya9.html





أبوسند
12-01-2024, 04:11 PM
القرآن هو كلام الله المعجز في نظمه،
يعجز البشر الإحاطة بكل معانيه
وكل من حاول معارضته عجز !!!




عن علي رضي الله عنه قال :

" كتابُ اللهِ فيه نبأُ ما كان قبلكم
وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم
وهو الفصل ليس بالهزل من تركه
من جبار قصمه الله ،
ومن ابتغى الهدى في غيره
أضله الله ،
وهو حبل الله المتين ،
وهو الذكر الحكيم ،
وهو الصراط المستقيم ،
هو الذي لا تزيغ به الأهواء
ولا تلتبس به الألسنة
ولا يشبع منه العلماء
ولا يخلق على كثرة الرد ،
ولا تنقضي عجائبه ،
هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ،
من قال به صدق ومن عمل به أجر
ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه
هُدِيَ إلى صراط مستقيم .. » .

سنن الترمذي " كتاب فضائل القرآن "
باب ما جاء في فضل القرآن .






أبوسند
12-01-2024, 04:12 PM
" إن الوليد بن المغيرة
اجتمع إليه نفر من قريش ،
وكان ذا سن فيهم ،
وقد حضر الموسم فقال لهم :
يا معشر قريش ،
إنه قد حضر هذا الموسم ،
وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ،
ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا ؛
قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ،
فقل وأقم لنا رأيا نقول به ،
قال : بل أنتم فقولوا أسمع ؛
قالوا : نقول كاهن ،
قال : لا والله ما هو بكاهن ،
لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ؛
قالوا : فنقول : مجنون ،
قال : ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ،
ولا تخالجه ، ولا وسوسته ،
قالوا : فنقول : شاعر ؛
قال : ما هو بشاعر ،
لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ،
فما هو بالشعر ؛
قالوا : فنقول : ساحر ؛
قال : ما هو بساحر ،
لقد رأينا السحار وسحرهم ،
فما هو بنفثهم ولا عقدهم ؛
قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ،
وإن أصله لعذق ،
وإن فرعه لجناة ،

[ قال ابن هشام : ويقال لغدق ]

وما أنتم بقائلين من هذا شيئا
إلا عرف أنه باطل ،
وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ،
وبين المرء وعشيرته .
فتفرقوا عنه بذلك ،
فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم ،
لا يمر بهم أَحدٌ إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره " .

السيرة النبوية لابن هشام .




انظر :
- تفسير الطبري - سورة المدثر - 

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/taba...a74-aya21.html








والجامع لأحكام القرآن - سورة المدثر -
قوله تعالى : ** إنه فكر وقدر **

http://library.islamweb.net/newlibra..._no=48&ID=3100





أبوسند
12-01-2024, 04:13 PM
الأدلة العقلية على كتاب الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم .


القرآن هو كلام الله المعجز في نظمه،
وهو دليل صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته في كل زمان ومكان ، لأنه معجزة حسية خالدة تخاطب العقل .


النصوص القرآنية الإلهية لا تمتزج
أو تتجانس مع النصوص البشرية
لوجود تمايز كلي في الأسلوب
والمحتوى وهذا يؤكد أن القرآن ليس
من محمد صلَّى الله عليه وسلم،
ولا يُحتمل أن يكون محمد صلَّى الله عليه وسلم هو من صاغ القرآن والأحاديث بأسلوبين مختلفين،
لأن القرآن ليس نظماً بشرياً
كالأحاديث النبوية .
وقد بقي القرآن سالما من المعارضة
عَصياً على الامتزاج بغيره من النثر
والشعر والأحاديث النبوية
برغم ثراء اللغة العربية وبراعة الأدباء والشعراء العرب
وهو ما يدل على صدق النبوة .

المعجزة هي أمر يظهره الله
بخلاف العادة على يد مدعي النبوة
عند تحدي المنكرين على وجه
يَعجز المنكرون عن الإتيان بمثله .

وقد تحدى الناس بأن يأتوا بسورة
من مثله
** قل فأتوا بسورة من مثله ** ،
وحاولوا معارضته فعجزوا ،
ووصفوه بالسحر المبين لإخراجه اللغة
عن عادتها ومعهودها عند العرب،
وكان وصفهم له بالسحر وعدم قدرتهم
على إبطاله دليلا على أنه خارق للعادة ومُعجز وليس سحراً .

إن من الطبيعي أن يرتبط التحدي
بأمر قد بلغ القوم الذين بُعِث فيهم
النبي صلَّى الله عليه وسلم براعته،
كالسحر لقوم موسى والطب لقوم
عيسى عليه السلام
واللغة عند العرب،
غير أن القرآن حجة على الناس كافة
وليس على العرب وحدهم
لأن عجز أهل اللغة عن الإتيان بمثله
يعني أن غيرهم أعجز،
فكما أن عجز السحرة هو حجة على
غير السحرة
وعجز الأطباء هو حجة على غير الأطباء فإن عجز العرب هو حجة على غير العرب، ولهذا كان القرآن حجة على كل الأمم،
ومَن ينكر مِن غير العرب إعجاز القرآن فعليه أن يتعلم العربية ويعارض القرآن
لكي يعلم بأن الاستدراك عليه أمر محال، وهذا ينطبق أيضا على أهل اللغة أنفسهم، فمن يُتقن اللغة العربية؛
وعجز عن معارضة القرآن هو حجة
على الجاهلين بها .


والاعجاز يقع في أسلوب القرآن ونظمه وليس في العلوم والغيوب كما يظن البعض، لأن العرب الذين بُعث فيهم النبي لم يدّعوا البراعة في العلوم والغيوب
كي يتحداهم بها
وإنما كانوا أهل بلاغة وفصاحة
ولذلك تحداهم بالإتيان بمثل أسلوبه
ونظمه ولو بسورة واحدة،
** قل فأتوا بسورة مثله ** .

فحجة القرآن على الناس هي الإعجاز
في نظمه لأن صاحب المعجزة
هو الذي قرر وقوع الإعجاز في نظمه
وليس بالعلوم والغيوب ،
ولم يَرِدْ أيّ دليل يفيد بأن القرآن تحدى النّاس في العلوم والغيوب برغم وجودها كعلامات وآيات دالة على الخالق
وعظمته وصدق النبوة ولإعمال العقل
في العقيدة .
والعلوم والغيوب لا تقوم بها حجة
على الناس في كل العصور،
فلو تحداهم بعلم الأجنّة ومعرفة مراحل
نمو الجنين لما قامت عليهم حجة
لتعذر معرفة الحقيقة في حينه،
ولو تحداهم بانتصار الروم في بضع
سنين ومات بعضهم قبل أن تتحقق نبوءة القرآن لما كان لله حجة عليهم .


فلا يقال بأن سبب العجز هو قصور العرب دون غيرهم،
أو أن الأعاجم عجزوا لأن القرآن
لم ينزل بلغاتهم،
وأنه لا بد أن يأتي اليوم الذي يستدرك
فيه شخص على القرآن ويبطل حجته،

لا يقال ذلك لأن الاستدراك على القرآن ومعارضته ممتنع على البشر
لأنه معجز بذاته أبد الدهر .

وقد تعددت المحاولات لمعارضته وآلت جميعها إلى الفشل والصَّغار،

وما زال التحدي قائما إلى يوم القيامة

قال تعإلى : ** أم يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسورة مِّثلِه وادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إن كنتم صادِقينَ **
سورة يونس 38

أبوسند
12-01-2024, 04:14 PM
ومن جهة أخرى،
فإن الإعجاز البياني في القرآن
يغنيه عما يسمى بالإعجاز العلمي
ويجعله فعّالا وعابرا للأقوام والأمكنة والأزمان،
ولهذا كان الإعجاز في نظم القرآن
يتناسب مع طبيعة الرسالة الإسلامية الخالدة ؛
لأنه باقٍ وصالح لإقامة الحجة على الناس كافة ؛ وهو ما يَقْصُرُ عنه
" الإعجاز العلمي " ،
لأن العلوم والغيوب لا تُجزئ إلاّ على
مَن تبين له صدقها بالحس،
وبالإضافة إلى ذلك؛
أن صدق المعلومات الغيبية والعلمية
ينحصر في ما ثبت منها ولا يتعداها
إلى باقي ما أخبر به،

فثبوت ما جاء في القرآن حول كروية
الأرض أو انفجار الكون أو خلق الأجنة
لا يبرر الإيمان بحقائق قرآنية
لم تكتشف بعد،
ومن شأن ذلك أن لا يجعل القرآن حجة بجملته وأن يقصر حقائقه على
ما اكتُشف منها
ويعطل الإيمان بباقي أخباره العلمية
غير المكتشفة حتى تثبت؛
وهذا أمر قادح بما يسمى الإعجاز العلمي وقادح بالقرآن ذاته .

ومن الأسباب التي تخرج العلوم والغيوب من مفهوم الإعجاز أيضا أن القرآن
جعل نصاب المعاجزة يقع في السورة الواحدة دون تعيين،
ولو كان الإعجاز يستغرق في مفهومه العلوم والغيوب للزم أن تحوي جميع
سور القرآن على مسائل غيبية وعلمية
وهذا لا ينطبق على أغلب سور القرآن .


لا شك أن كل ما ورد في القرآن من أخبار علمية وغيوب هو صدق وحق
ولكن لا علاقة له بالإعجاز بحسب مفهوم الإعجاز ؛
لأن هناك فرق بين الإعجاز الذي تقام به الحجة على الناس
وبين صدق ما أخبر به القرآن من علوم وغيوب،
فحجة القرآن وإعجازه هي في نظمه
كما أسلفنا وليس في ما يحويه من علوم وغيوب،
وأما العلوم والغيوب فإنها علامات دالة
على انطباق القرآن على الواقع ؛
وهي مسائل إخبارية عقائدية نؤمن بها لثبوت الدليل القطعي على مصدرها
وليس لثبوتها علميا،

ولو تناقض العلم مع ما جاء به القرآن
فإننا نرد النتائج العلمية لأنها ظنية
ونأخذ بما جاء في القرآن
لأنه ثابت بالدليل العقلي القطعي .





الغلو فيما يسمى :
الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .

http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=245769

أبوسند
12-01-2024, 04:15 PM
الحقائق اليقينية القرآنية هي مقياس
صحة النتائج العلمية وليس العكس؛
فإذا وقع تعارض بين المقطوع به عقلا
وبين العلوم ،
فلا بد أن يكون سبب التعارض
هو التباس بحقيقة نتائج البحوث العلمية
إن كانت قطعية أم ظنية،
والواجب أن تُردَّ النتائج الظنية
وأن لا يُكذّب المقطوع بصدقه
وهو القرآن ،
وعليه فإن افتراض التعارض بين قطعي العلم والقرآن ممتنع عقلا .



إن إعجاز القرآن يكمن في نظمه الذي تخطى النثر والشعر إلى أسلوب
لم يعهده العرب من قبل
ولم يسمعوه من محمد صلَّى الله عليه وسلم إلاّ بعد النبوة،
وهنا بيت القصيد،
لأنه لو كان النظم القرآني من أساليب العرب قبل الإسلام لخسر النّبيُّ
صلَّى الله عليه وسلم التحدي
لأن استدراك الفُصحاء العرب على بعضهم ليس ممتنعا ولا يصعب حينها الاستدراك على القرآن ومعارضته،
وهذا يثبت أنّ ما جاء به محمدا صلَّى الله
عليه وسلم ليس منه ولا من العرب ،
وقد اعترف ابو سفيان رضي الله عنه
قبل إسلامه لهرقل
بأنّ ما جاء به محمد صلَّى الله عليه
وسلم لم يقل به أَحدٌ مِن قبل .




أسئلة هرقل الدقيقة !!!؟؟؟
لأبي سفيان رضي الله عنه .

http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=241171




فالقرآن ليس من تأليف محمد صلَّى الله
عليه وسلم ولا من العرب
لأن أسلوب القرآن لم يكن موجودا
في أصل اللّغة العربية
وبالتالي لم يكن موجودا في الواقع والحواس ولم يقع تحت حس محمد
صلَّى الله عليه وسلم أو غيره من العرب حيث كانت العربية نثرا وشعرا،
والقرآن ليس كالنثر أو الشعر،
فمن أين جاء محمد صلَّى الله عليه وسلم بالقرآن إذا كان يستحيل أن يقع في وعيه ويَنْظُمُه دون أن يكون أسلوبه محسوساً
في الواقع ؟!

ولو كان القرآن مِن محمد صلَّى الله عليه وسلم أو مِن العرب لوُجد أسلوبه البياني في أدمغة العرب جميعهم وليس في ذهن محمد صلَّى الله عليه وسلم وحده !!!

قد يدعي البعض من أتباع المنهج التجريبي أن محمدا صلَّى الله عليه وسلم وصل
إلى المعارف القرآنية بالتجربة،
وهذا باطل من زاوية تجريبية لأن من شروط التجربة أن تكون قابلة للتكرار
والقرآن لم يتكرر منذ بعثة النبي محمد
صلَّى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا
ممّا يدل على أنه لم يكتشفه بالتجربة
وأنه ليس من عنده .

الأسلوب القرآني هو أسلوب رباني

فمن أين أتى محمد صلَّى الله عليه وسلم بأسلوب لغوي منعدم في أصل اللغة
وغائب عن الحس
ولم يعرفه العرب من قبل
ولم ينشأ إلاّ في ذهن محمد صلَّى الله
عليه وسلم من دون النّاس كلهم
ولم يتكرر برغم محاولات تقليده أو معارضته ؟!
إنّ العقل السليم الصريح يحكم بأنه
لا يمكن إلا أن يكون القرآن من عند الله
لأنه إما أن يكون من العرب
وإما من محمد صلَّى الله عليه وسلم
وإما من الله عزّوجلّ ،
ولا يوجد أي احتمال آخر،
وقد ثبت عقلا أنه ليس من العرب
ولا من محمد صلَّى الله عليه وسلم
فيكون من الله عزّوجلّ بلا شك وبإقرار جميع طرق المعرفة عند البشر .

أبوسند
12-01-2024, 04:16 PM
الإدعاء بأن القرآن من نتاج عبقرية
محمد صلَّى الله عليه وسلم
إدعاء باطل لأنه لو كان كذلك

فلماذا لم ينسبه إلى نفسه
وبأنه من تأليفه ؟!

وبما أن القرآن معجز وقد جاء به محمد صلى الله عليه وسلم
فإن محمدا صلَّى الله عليه وسلم
هو رسول الله وخاتم النبيّين والمرسلين
وأن الإسلام هو وحيُ اللهِ ورسالتُه لخلقه ،

ونصوص القرآن كلها جاءت بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له
وإلاّ لو كان من تأليفه صلَّى الله عليه وسلم فلماذا لم يدعو إلى تأليه نفسه ؟؟؟!!!

وحاشاه أن يفعل ذلك

فقد كان عبدا شكورا صلَّى الله عليه وسلم .




اعْبُدُوا اللهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا 

http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=246639






أما الزعم بأن محمدا صلَّى الله عليه وسلم نقل مضامين القرآن الكريم عن كتب اليهود والنصارى فهو زعم باطل
لأنه لو نقل عن كتبهم لتطابق ما جاء في
كتبهم مع القرآن،
بينما نجد أن بينهم تَبايناً كبيرا ،

ناهيك عن بيانه بطلان ما كان عليه اليهود والنصارى وضلاله بعد تحريفهم كتبهم
وقصة أصحاب السبت وبيان ما كان عليه اليهود من الباطل يصادم كتبهم

وقصة المسيح عليه السلام وحدها
تبطل الزعم بأن محمدا صلَّى الله عليه وسلم نقل عن كتابهم
لأن القرآن ينفي قتل المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وصلبه ..
فلماذا لا يوجد تطابق في هذه القصة
إذا كان القرآن منقولا عن كتبهم ؟!

وقس على ذلك أخبارهم الأخرى


الصواب هو قول : إخوان القردة والخنازير لا أحفاد القردة والخنازير ..

‏http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=244401

أبوسند
12-01-2024, 04:16 PM
قال الله تعالى :
** ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الّذي يُلْحِدُونَ إليه أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) ** الآية


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

يخبر تعالى عن قيل المشركين المكذبين لرسوله ** أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ **
هذا الكتاب الذي جاء به ** بَشَرٌ **
وذلك البشر الذي يشيرون إليه
أعجمي اللّسان
** وهَذَا ** القرآن
** لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ **
هل هذا القول ممكن ؟

أو له حظ من الاحتمال ؟

ولكن الكاذب يكذب
ولا يفكر فيما يؤول إليه كذبه،

فيكون في قوله من التناقض والفساد
ما يوجب رده بمجرد تصوره . اهـ





تفسير ابن كثير - تفسير سورة النحل -

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/kath...16-aya103.html








أبوسند
12-01-2024, 04:17 PM
قال تعالى : ** وإنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ **

[ سورة الشعراء : 192 - 195 ]


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

** وإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ** فالذي أنزله, فاطر الأرض والسماوات,
المربي جميع العالم, العلوي والسفلي، وكما أنه رباهم بهدايتهم لمصالح دنياهم وأبدانهم, فإنه يربيهم أيضا,
بهدايتهم لمصالح دينهم وأخراهم،
ومن أعظم ما رباهم به,
إنزال هذا الكتاب الكريم,
الذي اشتمل على الخير الكثير,
والبر الغزير، وفيه من الهداية,
لمصالح الدارين, والأخلاق الفاضلة,
ما ليس في غيره،

وفي قوله : ** وإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ **
من تعظيمه وشدة الاهتمام فيه,
من كونه نزل من الله, لا من غيره,
مقصودا فيه نفعكم وهدايتكم .

** نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ **
وهو جبريل عليه السلام,
الذي هو أفضل الملائكة وأقواهم
** الأمِينُ **
الذي قد أمن أن يزيد فيه أو ينقص .

** عَلَى قَلْبِكَ ** يا محمد
** لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ **
تهدي به إلى طريق الرشاد,
وتنذر به عن طريق الغي .


** بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ **
وهو أفضل الألسنة,
بلغة من بعث إليهم, وباشر دعوتهم أصلا اللسان البين الواضح .

وتأمل كيف اجتمعت هذه الفضائل الفاخرة في هذا الكتاب الكريم،

فإنه أفضل الكتب,
نزل به أفضل الملائكة,
على أفضل الخلق,
على أفضل بضعة فيه وهي قلبه،
على أفضل أمة أخرجت للناس,
بأفضل الألسنة وأفصحها, وأوسعها,
وهو : اللسان العربي المبين . اهـ





أبوسند
12-01-2024, 04:18 PM
قال تعالى : ** وقال الَّذينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عليه القُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كذلك لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ورَتَّلْنَاهُ تَرْتيلًا **
[ سورة الفرقان : 32 ]


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

هذا من جملة مقترحات الكفار
الذي تُوحيه إليهم أنفسهم فقالوا:
** لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً **

أي : كما أنزلت الكتب قبله،
وأي محذور من نزوله على هذا الوجه ؟

بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن، ولهذا قال : ** كَذَلِكَ ** أنزلناه متفرقا
** لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ **
لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن
ازداد طمأنينة وثباتا
وخصوصا عند ورود أسباب القلق
فإن نزول القرآن عند حدوث السبب
يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير
أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك
ثم تذكره عند حلول سببه .

** ورَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا **
أي : مهلناه ودرجناك فيه تدريجا .

وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم
حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية . اهـ




أبوسند
12-01-2024, 04:19 PM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" إنَّ النّاس كلهم متفقون على أن لغة العرب من أفصح لغات الآدميين ، وأوضحها ،
ومتفقون على أن القرآن في أعلى درجات البيان ، والبلاغة ، والفصاحة " .
[ الجواب الصّحيح ( 1 / 371 ) ] .

وقال :

" إن القرآن آيات بيِّنات في صدور الَّذينَ أُوتُوا العلم ، فإنه من أعظم الآيات البيِّنة ،
الدالة على صدق مَن جاء به ، وقد اجتمع فيه من الآيات ، ما لم يجتمع في غيره ،
فإنه هو :

1 - الدعوة .

2 - والحجّة .

3 - وهو الدليل .

4 - والمدلول عليه .

5 - والحكم .

6 - وهو الدعوى .

7 - وهو البيِّنة على الدعوى .

8 - وهو الشاهد .

9 - والمشهود به " .

[ مجموع الفتاوى ( 14 / 190 ) ] .

قال :

" والقرآن ممَّا يعلم النّاس عربهم وعجمهم
أنه لم يوجد له نظير ، مع حرص العرب وغير العرب على معارضته

1 - فلفظه : آية .

2 - ونظمه : آية .

3 - وإخباره بالغيوب : آية .

4 - وأمره ونهيه : آية .

5 - ووعده ووعيده : آية .

6 - وجلالته وعظمته ،
وسلطانه على القلوب : آية .

7 - وإذا تُرجمَ بغير العربي كانت معانيه : آية .

كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم " .

[ النبوات ( ص 188 - 189 ) ] .

قال رحمه الله :

" وكون القرآن أنه معجزة ، ليس هو من :
جهة فصاحته ، وبلاغته فقط .
أو نظمه وأسلوبه فقط .
ولا من جهة إخباره بالغيب فقط .
ولا من جهة صرف الدواعي عن معارضته فقط .
ولا من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط .
بل هو آية بيِّنة معجزة من وجوه متعددة :

1 - من جهة اللّفظ .

2 - ومن جهة النظم .

3 - ومن جهة البلاغة في دلالة اللّفظ على المعنى .

4 - ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله تعالى ، وأسمائه ، وصفاته ، وملائكته ،
وغير ذلك .

5 - ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغَيْبِ الماضي ، وعن الغَيْبِ المستقبل .

6 - ومن جهة ما أخبر به عن المعاد .

7 - ومن جهة ما بيّن فيه من الدلائل اليقينيّة ،
والأقيسة العقليّة ،
التي هي الأمثال المضروبة ...

وكل ما ذكره الناس من الوجوه في إعجاز القرآن ، هو حُجّة على إعجازه ،
ولا تناقض في ذلك ،
بل كل قوم تنبّهوا لِـمَا تنبَّهوا له " .
[الجواب الصّحيح( 5 / 428 - 429 )]

وقال رحمه الله :

" العلم بأن القرآن معجز ،
فإن ذلك آية مستقلة لنبوته ،
وهي آية ظاهرة باقية إلى آخر الدهر ،
معلومة لكل أحد ،
وهي من أعظم الآيات .

فإن كونه معجزاً يُعلم بأدلة متعددة ،
والإعجاز فيه وجوه متعددة ،
فتنوّعت دلائل إعجازه ،
وتنوّعت وجوه إعجازه ،
وكل وجه من الوجوه هو دالٌّ على إعجازه ،
وهذه جُمَلٌ لبسطها تفصيل طويل ،
ولهذا قال تعالى : ** وقالوا لولا أُنزل عليه
آيات مّن ربِّه قلْ إنّما الآيات عند الله وإنّما أنا نذير مّبين * أولم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب يُتْلَى عليهم إنَّ في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون **
[ سورة العنكبوت : 50 - 51 ] ؛

فهو كافٍ في الدعوة والبيان ،
وهو كافٍ في الحجّة والبرهان " .
[الجواب الصّحيح( 5 / 410 - 411 )] .


_ كتاب : إمتاع ذوي العرفان ...
جَمْع وتحقيق الشيخ عبيد الجابري
و د. محمد هشام طاهري
تقديم أ. د. محمد الخُميّس حفظهم الله
( ص 571 - 573 ) .

أبوسند
12-01-2024, 04:20 PM
ومن أعظم وجوه إعجازه تحديه :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" والقرآن يظهر كونه آية وبرهاناً له
صلَّى الله عليه وسلم من وجوه :
جملة ، وتفصيلاً .

أما الجملة : فإنه قد علمتْ الخاصّةُ
والعامّة من عامّة الأُمم ، علماً متواترا
أنه هو الذي أتى بهذا القرآن ،
وتواترت بذلك الأخبار ، أعظم من تواترها
بخبر كل أحد من الأنبياء والملوك والفلاسفة
وغيرهم .
والقرآن نفسه فيه تحدِّي الأمم بالمعارضة .

فطلب منهم أن يأتوا بعشر سُوَر مثله مفتريات ،
هُمْ وكلّ مَن استطاعوا من دون الله ،
ثم تحدّاهم بسورة واحدة ،
هُمْ ومَن استطاعوا ...

وهذا التحدِّي كان بِمَكَّة ، فإن هذه السُّور
مكِّيَّةٌ : سورة يونس ، هود ، والطور ،
ثم أعاد التحدّي في المدينة بعد الهجرة .

فَقالَ في البقرة ، وهي سورة مدنيّة :
** وإن كنتم في ريب مّمّا نزّلنا على عبدنا فأْتُوا بسورة مّن مّثله وادْعُوا شهداءكم مّن دون الله إن كنتم صادِقينَ (23) ** ،
ثم قال :
** فإن لّم تفعلوا ولن تفعلوا فاتَّقُوا النّار الّتي وَقودها النّاس والحجارة ** .

فذكر أمرين :

أحدُهما : قوله : ** فإن لّم تفعلوا ولن تفعلوا فاتَّقُوا النّار ** ، يقول : إذا لم تفعلوا ،
فقد علمتم أنه حق ،
فخافوا الله أن تكذبوه ،
فيحيق بكم العذاب ،
الذي وعد به المكذبين ،
وهذا دعاء إلى سبيل ربِّه بالموعظة الحسنة ،
بعد أن دعاهم بالحكمة ،
وهو جدالهم بالتي هي أحسن .

والثاني : قوله : ** ولن تفعلوا ** ،
و « لن » لنفي المستقبل ،
فثبت الخبر أنهم فيما يستقبل من الزمان ،
لا يأتون بسورة من مثله ،
كما أخبر قبل ذلك .

وهذا التحدِّي والدُّعاء هو لجميع الخلق ،
وهذا قد سمعه كل من سمع القرآن ،
وعرفه الخاصُّ والعامُّ ،
وعلم مع ذلك أنهم لم يعارضوه ،
ولا أتوا بسورة مثله ،
ومِن حين بُعثَ وإلى اليوم ،
والأمر على ذلك .

مع ما عُلِمَ مِن أن الخلق كلهم كانُوا كفارا قبل أن يُبعث ، ولـمّا بُعث إنما تبعه قليل ،
وكان الكُفّار من أحرص الناس على إبطال قوله ، مجتهدين بكل طريق يمكن ...

فإذا كان قد تحدّاهم بالمعارضة ،
مَرَّة بعد مرّة ، وهي تبطل دعوته ،
فمعلوم أنهم لو كانُوا قادرين عليها لفعلوها ، فإنه مع وجود هذا الداعي التام المؤكد إذا كانت القدرة حاصلة ،
وجب وجود المقدور ، ثم هكذا القول في سائر أهل الأرض .

فهذا القدر يُوجِب علما بيِّناً لكل أحد بعجز جميع أهل الأرض عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، بحيلة وبغير حيلة ، وهذا أبلغ من الآيات التي يكرر جنسها كإحياء الموتى ،
فإن هذا لم يأتِ أَحدٌ بنظيره " .
[الجواب الصّحيح ( 5 / 422 - 428 )]


_ نقلته من كتاب :
إمتاع ذوي العرفان ...
جَمْع وتحقيق الشيخ عبيد الجابري
و د. محمد هشام طاهري
تقديم أ. د. محمد الخُميّس حفظهم الله
( ص 573 - 575 ) .
بإختصار شديد .

أبوسند
12-01-2024, 04:20 PM
قال رحمه الله :

" وأما التفصيل فيقال :

1 - نفس نظم القرآن وأسلوبه عجيب بديع ،
ليس من جنس أساليب الكلام المعروفة .

2 - ولم يأتِ أَحدٌ بنظير هذا الأسلوب ،
فإنه ليس من جنس الشِّعر ، ولا الرِّجز ،
ولا الخطابة ، ولا الرسائل .

3 - ولا نظمه نظم شيء من كلام النّاس :
عربهم وعجمهم .

4 - ونفس فصاحة القرآن وبلاغته هذا عجيب خارق للعادة ،
ليس له نظير في كلام جميع الخلق ،
وبسط هذا وتفصيله طويل ،
يعرفه من له نظر وتدبُّر .

5 - ونفس ما أخبر به القرآن في باب
توحيد الله وأسمائه وصفاته أمر عجيب خارق للعادة ،
لم يوجد مثل ذلك في كلام البشر ،
لا نبي ولا غير نبي .

6 - وكذلك ما أخبر به عن الملائكة .

7 - والعرش .

8 - والكرسي .

9 - والجن .

10 - وخلق آدم ، وغير ذلك .

11 - ونفس ما أمر به القرآن من الدين ،
والشرائع كذلك .

12 - ونفس ما أخبر به من الأمثال ،
وبيَّنه من الدلائل هو أيضاً كذلك .

13 - ومَنْ تدبَّر ما صنَّفه جميع العقلاء في العلوم الإلهية ، والخلقية ، والسياسية ،
وجد بينَه وبين ما جاء في الكتب الإلهية :
التَّوْراة ، والإنجيل ، والزّبور ،
وصحف الأنبياء ،
وجد بين ذلك وبين القرآن من التفاوت أعظم
مِمَّا بين لفظه ونظمه ،
وبين سائر ألفاظ العرب ونظمهم .

فالإعجاز في معناه أعظم وأكثر من الإعجاز في لفظه ، وجميع عقلاء الأُمم عاجزون عن الإتيان بمثل معانيه أعظم من عجز العرب عن الإتيان بمثل لفظه .

وما في التوراة والإنجيل
– ولَوْ قُدِّر أنه مثل القرآن –
لا يقدح في المقصود ؛
فإن تلك كتُب الله – أيضاً –
ولا يمتنع أن يأتي نبي بنظير آية نبيّ ،
كما أتى المسيح بإحياء الموتى ،
وقد وقع إحياء الموتى على يد غيره ؛
فكيف وليس في التوراة والإنجيل مماثلاً
لمعاني القرآن ،
لا في الحقيقة ، ولا في الكفيفيَّة ،
ولا الكمِّيَّة ،
بل يظهر التفاوت لكل مَن تدبَّر القرآن
وتدبّر الكتب .

وهذه الأمور مَن ظهرت له مِن أهل العلم والمعرفة ظهر إعجازه من هذا الوجه ،
ومَنْ لم يظهر له ذلك اكتفى بالأمر الظاهر
الذي يظهر له ولأمثاله ،
كعجز جميع الخلق عن الإتيان بمثله مع تحدِّي النبي صلَّى الله عليه وسلم
وإخباره بعجزهم ؛
فإن هذا أمر ظاهر " .
[الجواب الصّحيح ( 5 / 433 - 435 )]


_ نقلته من كتاب :
إمتاع ذوي العرفان ...
جَمْع وتحقيق الشيخ عبيد الجابري
و د. محمد هشام طاهري
تقديم أ. د. محمد الخُميّس حفظهم الله
( ص 576 - 577 ) .

أبوسند
12-01-2024, 04:22 PM
قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" وكل ما ذكره النّاس من الوجوه في إعجاز القرآن ،
هو حُجّة على إعجازه ،
ولا تناقض في ذلك ،
بل كل قوم تنبَّهوا لما تنبَّهوا له .

ومِن أضعف الأقوال ،
قول مَن يقول مِن أهل الكلام :
[ وهذا القول منقول عن جماعة من المعتزلة .
انظر : " الملل والنحل " للشهرستاني
( 1 / 92 - 93 ) ] .

إنَّهُ معجز :

أ - بصرف الدواعي مع تمام الموجب لها .

ب - أو بسلب القدرة التامَّة .

ج - أو بسلبهم القدرة المعتادة في مثله سلباً عامّاً ...

وهو : أن الله صرف قلوب الأُمم عن معارضته مع قيام المقتضي التام ؛
فإن هذا يقال على سبيل التقدير والتنزيل ،
وهو أنه إذا قُدّر أن هذا الكلام يقدر النّاس على الإتيان بمثله !
فامتناعهم جميعهم عن هذه المعارضة مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة من أبلغ الآيات الخارقة للعادات ،
بمنزلة مَن يقول : إنِّي آخذ أموال جميع
أهل هذا البلد العظيم ،
وأضربهم جميعهم ، وأُجَوِّعهم ،
وهُمْ قادرون على أن يشكوا إلى الله ،
أو إلى ولي الأمر ،
وليس فيهم مع ذلك مَن يشتكي ؛
فهذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة .

ولَوْ قُدِّر أن واحدا صنَّف كِتاباً يقدر أمثالُه
على تصنيف مثله ،
أو قال شعراً يقدر أمثاله أن يقولوا مثله ،
وتحدّاهم كلهم ؛ فَقالَ : عارضوني ،
وإن لم تعارضوني فأنتم كفار ،
مأواكم النار ، ودماؤكم لي حلال ،
امتنع في العادة أن لا يعارضه أَحدٌ ؛
فإذا لم يعارضوه كان هذا من أبلغ العجائب
الخارقة للعادة .

والذي جاء بالقرآن ، قال للخلق كلهم :
أنا رسول الله إليكم جميعا ،
ومَنْ آمن بي دخل الجنة ،
ومَنْ لم يؤمن بي دخل النار ... ،
ومِنْ آياتي هذا القرآن ؛
فإنه لا يقدر أَحدٌ على أن يأتي بمثله ،
وأنا أخبركم أن أحداً لا يأتي بمثله .

فيقال : لا يخلو إمّا أن يكون النّاس قادرين
على المعارضة ، أو عاجزين !!

فإن كانُوا قادرين ولم يعارضوه ،
بل صرف الله دواعيَ قلوبهم ، ومنعها أن
تريد معارضته مع هذا التحدّي العظيم ،
أو سلبهم القدرة التي كانت فيهم قبل تحدّيه ؛
فإن سلب القدرة المعتادة أن
يقول رجل : معجزتي أنكم كلكم لا يقدر
أحد منكم على الكلام ، ولا على الأكل ،
والشرب ، فإن المنع من العتاد
كإحداث غير المعتاد ؛
فهذا من أبلغ الخوارق .

وإن كانُوا عاجزين ثَبت أنه خارق للعادة ؛
فثبت كونه خارقاً على تقدير النقيضين :
النّفيَ والإثبات ؛ فثبت أنه من العجائب الناقضة للعادة في نفس الأمر .

فهذا غاية التنزُّل ، وإلا فالصّواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته :

1 - لا يقدرون على ذلك ، ولا يقدر محمد
صلَّى الله عليه وسلم نفسه من تلقاء نفسه على أن يبدِّل سورة من القرآن ،
بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر كلامِه ، لكل مَن له أدنى تدبُّر ؛
كما قد أخبر الله به في قولِه :
** قل لّئنِ اجتمعت الإنس والجنّ على أن
يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله
ولَوْ كان بعضهم لبعض ظهيرا (88) **
[ سورة الإسراء ] .

2 - وأيضاً فالناس يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة ، لكنهم يحسون من أنفسهم العجز عن المعارضة ؛
ولَوْ كانُوا قادرين لعارضوه .

3 - وقد انتدب غيرُ واحِدٍ لمعارضته ،

[ ومنهم : مسيلمة الكذاب ،
والنضر بن الحارث ، قال الماوردي في
" أعلام النبوّة " ( ص 76 ) :
« وكان من فصحاء قريش عارض القرآن
فَقالَ : والزارعات زرعا ،
والحاصدات حصدا ، والطاحنات طحنا ،
والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ،
فاللاقمات لقما » .
وانظر " الرد على الجهميَّة "
للدارمي ( ص 210 ) ] .

لكن جاء بكلام فضح به نفسَه ،
وظهر به تحقيق ما أخبر به القرآن من عجز
الخلق عن الإتيان بمثله .

مثل قرآن مسيلمة الكذاب ؛ كقوله :

يا ضفدع بنت ضفدعين ،
نِقِّي كم تَنِقِّين ، لا الماء تدركين ،
ولا الشارب تمنعين ، رأسك في الماء ،
وذَنَبك في الطِّين .

4 - وكذلك أيضا يعرفون أنه يختلف حال قدرتهم
قبل سماعه وبعد سماعه .

فلا يجدون أنفسهم عاجزين عمّا كانُوا قادرين عليه ، كما وجد زكريا عليه السلام
عجزه عن الكلام بعد قدرته عليه ...

5 - وليس في العلوم المعتادة أن يعلم الإنسان أن جميع الخلق لا يقدرون
أن يأتوا بمثل كلامه إلَّا إذا علم العالم
أنه خارج عن قدرة البشر .

والعلم بهذا يستلزم كونه معجزاً ،
فإنا نعلم ذلك ،
وإن لم يكن علمنا بذلك خارقاً للعادة ،
ولكن يلزم من العلم ثبوت المعلوم ؛
وإلاّ كان العلم جهلاً ؛
فثبت أنه على كل تقدير يستلزم كونه
خارقاً للعادة " .

[الجواب الصّحيح ( 5 / 429 - 433 )]



_ نقلته من كتاب :
إمتاع ذوي العرفان ...
جَمْع وتحقيق الشيخ عبيد الجابري
و د. محمد هشام طاهري
تقديم أ. د. محمد الخُميّس حفظهم الله
( ص 577 - 579 ) .

أبوسند
12-01-2024, 04:23 PM
أقلُّ ما وقع به التحدِّي بسورة واحدة :

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" قال – في هود – : ** فأْتُوا بعَشْرِ سُوَر مِّثْلِه مُفتريات وادْعُوا مَن استطعتم مِّن
دون الله إن كنتم صادِقينَ (13) ** ،

لـمَّا تحدّاهم أن يأتوا بعشر سُوَر مثله ؛
فعجزوا عن ذا وذاك .

ثم تحدّاهم أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا ؛
فإن الخلائق لا يمكنهم أن يأتوا بمثله ،
ولا بسورة مثله .

وإذا كان الخلق كلهم عاجزين عن الإتيان بسورة مثله ، ومحمد صلَّى الله عليه وسلم
منهم ، عُلِمَ أنه مُنزَّل من الله ،
نزّله بعلمه ، لم ينزِّله بعلم مخلوق ؛
فما فيه من الخبر فهو خبر عن علم الله " .
[مجموع الفتاوى( 14 / 197 - 198 )].




قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" وليست الفصاحة التشدُّق في الكلام ،
والتقعير في الكلام ، ولا سجع الكلام ،
ولا كان في خطبة علي رضي الله عنه
ولا سائر خطباء العرب من الصّحابة
رضي الله عنهم وغيرهم تَكلُّف الأسجاع ،
ولا تَكلّف التحسين الذي يعود إلى مجرّد اللّفظ ، الذي يُسمَّى علم البديع ؛
كما يفعله المتأخرون من أصحاب الخطب
والرسائل والشعر .

وما يوجد في القرآن مِن مثل قولِه :
** وهُمْ يحسبون أنّهم يحسنون صنعا **
[ سورة الكهف : 104 ] ،

و{ إنَّ ربّهم بهم **
[ سورة العاديات : 11 ] ،

ونحو ذلك ، فلم يَتكلّف لأجل التجانس ،
بل هذا تابع غير مقصود بالقصد الأول .

كما يوجد في القرآن من أوزان الشعر
ولم يقصد به الشعر ؛
كقوله تعالى :
** وجفانٍ كالجواب وقدور رّاسيات **
[ سورة سبأ : 13 ] .

وقوله :
** نَبِّئ عبادي أنِّي أنا الغفور الرّحيم **
[ سورة الحجر : 49 ] .

** ووضعنا عنك وزرك (2) الّذي أنقض ظهرك (3) **
[ سورة الشرح ] ، ونحو ذلك .

وإنما البلاغة المأمور بها في مثل
قولِه تعالى :
** وقل لَّهُم في أنفسهِم قـولا بليغا **
[ سورة النّساء : 63 ] ،

هي علم المعاني والبيان :

1 - فيذكر من المعاني ما هو أكمل مناسبة للمطلوب .

2 - ويذكر من الألفاظ ما هو أكمل في بيان تلك المعاني .

فالبلاغة بلوغ غاية المطلوب ، أو غاية الممكن من المعاني بأتمِّ ما يكون من البيان ،
فيجمع صاحبها بين تكميل المعاني المقصودة وبين تبيينها بأحسن وجه " .
[ منهاج السنة ( 8 / 53 - 54 ) ] .


_ نقلته من كتاب :
إمتاع ذوي العرفان ...
جَمْع وتحقيق الشيخ عبيد الجابري
و د. محمد هشام طاهري
تقديم أ. د. محمد الخُميّس حفظهم الله
( ص 580 - 582 ) .
مع شيء من الاختصار .

أبوسند
12-01-2024, 04:23 PM
قصة استماع قريش إلى قراءة
النبي صلى الله عليه وسلم .

[ أبو سفيان وأبو جهل والأخنس ، وحديث استماعهم للرسول
صلى الله عليه وسلم ]

قال ابن إسحاق :
وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث :
أن أبا سفيان بن حرب ،
وأبا جهل بن هشام ،
والأخنس بن شريق بن عمرو بن
وهب الثقفي ، حليف بني زهرة ، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وهو يصلي من الليل في بيته ،
فأخذ كل رجل منهم مجلسا
يستمع فيه ،
وكل لا يعلم بمكان صاحبه ،
فباتوا يستمعون له ،
حتى إذا طلع الفجر تفرقوا .

فجمعهم الطريق ، فتلاوموا ،
وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ،
فلو رآكم بعض سفهائكم
لأوقعتم في نفسه شيئا ،
ثم انصرفوا .

حتى إذا كانت الليلة الثانية ،
عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ،
حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ،
فجمعهم الطريق ،
فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا
أول مرة ، ثم انصرفوا .

حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ
كل رجل منهم مجلسه ،
فباتوا يستمعون له ،
حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ،
فجمعهم الطريق ،

فقال بعضهم لبعض :
لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود : فتعاهدوا على ذلك ،
ثم تفرقوا .

[ ذهاب الأخنس إلى أبي سفيان يسأله عن معنى ما سمع ]

فلما أصبح الأخنس بن شريق
أخذ عصاه ،
ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته ،
فقال : أخبرني يا أبا حنظلة
عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : يا أبا ثعلبة والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ،
ولا ما يراد بها ؛ قال الأخنس :
وأنا الذي حلفت به ( كذلك ) .

[ ذهاب الأخنس إلى أبي جهل يسأله عن معنى ما سمع ]

قال : ثم خرج من عنده حتى أتى
أبا جهل ، فدخل عليه بيته ،
فقال : يا أبا الحكم ،
ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : ماذا سمعت ،
تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ،
أطعموا فأطعمنا ،
وحملوا فحملنا ،
وأعطوا فأعطينا ،
حتى إذا تجاذينا على الركب ،
وكنا كفرسي رهان ،
قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك مثل هذه ،
والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه .
قال : فقام عنه الأخنس وتركه .



السيرة النبوية لابن هشام
- أول من جهر بالقرآن- الجزء رقم 1

http://library.islamweb.net/newlibra...d=58&startno=1



وانظر تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله
عند تفسير قولِه تعالى : ** نّحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإِذْ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتّبعون
إلَّا رَجُلاً مّسحورا * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سَبيلًا **
[ سورة الإسراء : 47 - 48 ] .





أبوسند
12-01-2024, 04:25 PM
قال تعالى : ** حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
بَشِيرًا وَنَذِيرًا فأعرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ
لا يَسْمَعُونَ (4)
وقالوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وفي آذَانِنا وَقْرٌ ومِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عامِلُونَ (5) **
[ سورة فُصِّلت ]




قال الإمام العالم عَبْدُ بنُ حُمَيْد
في مسنده :
حدثني ابن أبي شيبة ،
حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح ،
عن الذيال بن حرملة الأسدي عن
جابر بن عبد الله
- رضي الله عنه -
قال : اجتمعت قريش يوما
فقالوا :

انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر ،
فليأتِ هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا ،
وشتت أمرنا ، وعاب ديننا ،
فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه ؟

فقالوا :
ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة .

فقالوا : أنت يا أبا الوليد .

فأتاه عتبة فقال : يا محمد ،
أنت خير أم عبد الله ؟
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال :
أنت خير أم عبد المطلب ؟
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال :
فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك ، فقد عبدوا الآلهة التي عبت ،
وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك ،

إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك ;
فرقتَ جماعتنا ، وشتت أمرنا ،
وعِبتَ ديننا ،
وفضحتنا في العرب ،
حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا ، وأن في قريش كاهنا .

والله ما ننظر إلاّ مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف ، حتى نتفانى
- أيها الرجل -
إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا ،

وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش [ شئت ] فلنزوجك عشرا .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرغت ؟ "
قال : نعم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

** بسم الله الرحمن الرحيم *
حم تنزيل من الرحمن الرحيم **
حتى بلغ :
** فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود **

فقال عتبة : حسبك ! حسبك !
ما عندك غير هذا ؟

قال : " لا "
فرجع إلى قريش

فقالوا : ما وراءك ؟

قال : ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته .

قالوا : فهل أجابك ؟
[ قال : نعم ، قالوا : فما قال ؟ ]

قال : لا والذي نصبها بنية
ما فهمت شيئا مما قال ،
غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .

قالوا : ويلك !
يكلمك الرجل بالعربية ما تدري
ما قال ؟ !
قال : لا والله ما فهمت شيئا
مما قال غير ذكر الصاعقة .


وقد ساقه البغوي في تفسيره
بسنده ... عن جابر ،
فذكر الحديث إلى قوله :
** فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود **

فأمسك عتبة على فيه ،
وناشده بالرحم ،
ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم .
فقال أبو جهل : يا معشر قريش ،
والله ما نرى عتبة إلاّ قد صبأ إلى محمد ، وأعجبه طعامه ،
وما ذاك إلاّ من حاجة [ قد ] أصابته ، فانطلقوا بنا إليه .

فانطلقوا إليه فقال أبو جهل :
يا عتبة ، ما حبسك عنا إلاّ أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه ،

فإن كانت لك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد .

فغضب عتبة ،
وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا ،

وقال : والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته
وقصصت عليه [ القصة ]
فأجابني بشيء والله ما هو بشعر
ولا كهانة ولا سحر ،

وقرأ السورة إلى قوله :
** فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود **

فأمسكت بفيه ،
وناشدته بالرحم أن يكف ،
وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا
لم يكذب ،
فخشيت أن ينزل بكم العذاب .



وقد أورد هذه القصة الإمام محمد
بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط ،
فقال :
حدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : حُدِّثْتُ أن عتبة
بن ربيعة - وكان سيدا -
قال يوما وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده :

يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا
لعله يقبل بعضها ،
فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟
وذلك حين أسلم حمزة ،
ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون ،

فقالوا :
بلى يا أبا الوليد ،
فقم إليه فكلمه .

فقام إليه عتبة حتى جلس إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : يا ابن أخي ،
إنك منا حيث قد علمت من السطة
في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ،
فرقت به جماعتهم ،
وسفهت به أحلامهم ،
وعبت به آلهتهم ودينهم ،
وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا
تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها .

قال : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" قل يا أبا الوليد أسمع " .

قال : يا ابن أخي ،
إن كنت إنما تريد بما جئت به من
هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموالا .

وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمرا دونك .

وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا . وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه
لا تستطيع رده عن نفسك ،
طلبنا لك الطب ،
وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ،

فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه
- أو كما قال له -
حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يستمع منه

قال :
" أفرغت يا أبا الوليد ؟ "

قال : نعم .

قال : " فاستمع مني "

قال : أفعل .

قال : ** بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون **

ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه .

فلما سمع عتبة أنصت لها
وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه ،

ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها ،

فسجد ثم قال :
" قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك ،
فقام عتبة إلى أصحابه ،

فقال بعضهم لبعض :
أقسم - يحلف بالله -
لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به .

فلما جلس إليهم

قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟

قال : ورائي أني قد سمعت قولا
والله ما سمعت مثله قط ،

والله ما هو بالسحر ولا بالشعر
ولا بالكهانة .

يا معشر قريش ،
أطيعوني واجعلوها لي ،
خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه ،

فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ،

وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ،
وكنتم أسعد الناس به .

قالوا :
سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه !

قال : هذا رأيي فيه ،
فاصنعوا ما بدا لكم .


_ تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ
ابن كثير رحمه الله .

أبوسند
12-01-2024, 04:25 PM
قصة إسلام الطُّفَيْل بن عمرو
الدَّوسي رضي الله عنه

[ تحذير قريش له من الاستماع
للنّبيِّ صلّى الله عليه وسلم ]

قال ابن إسحاق :
وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،
على ما يرى مِن قومه ،
يبذل لهم النصيحة ،
ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه . وجعلت قريش ،
حين منعه الله منهم ،
يحذرونه النّاس ومَن قَدِم عليهم
مِن العرب .

وكان الطُّفَيل بن عمرو الدوسي يحدث : أنه قَدِم مكة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم بها ،

" فمشى إليه رجال من قريش ،
وكان الطفيل رجلا شريفا
شاعرا لبيبا ،

فقالوا له : يا طفيل ،
إنك قدمت بلادنا ،
وهذا الرجل الذي بين أظهرنا
قد أعضل بنا ،
وقد فرَّقَ جماعَتَنا ، وشتت أمرنا ،
وإنما قوله كالسحر
يفرق بين الرجل وبين أبيه ،
وبين الرجل وبين أخيه ،
وبين الرجل وبين زوجته ،
وإنّا نخشى عليك وعلى قومك
ما قد دخل علينا ،
فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا .

[ استماعه لقول قريش ثم عدوله وسماعه من الرسول ]

قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجْمَعْتُ أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ،
حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفاً [ القطن ]
فَرَقاً مِن أن يَبلغني شيءٌ من قولِه ،
وأنا لا أريد أن أسمعه .
قال : فغدوتُ إلى المسجد ،
فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة .

قال : فقمت منه قريبا فأبى الله
إلاّ أن يسمعني بعض قوله .

قال : فسمعت كلاما حسنا
قال : فقلت في نفسي :
واثُكْلَ أُمي ،
والله إني لرجل لبيبٌ شاعر
ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح ،
فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ،
وإن كان قبيحا تركته .

[ التقاؤه بالرسول وقبوله الدعوة ]

قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ،
حتى إذا دخل بيتَه دخلتُ عليه ، فقلت : يا محمد ،
إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ،
للذي قالوا ،
فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف
لئلا أسمع قولك ،
ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، فسمعته قولا حسنا ،
فاعرض علي أمرك .

قال : فعَرَض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ،
وتلا علي القرآن ،
فلا والله ما سمعت قولا قط
أحسن منه ،
ولا أمرا أعدل منه .

قال :
فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت :
يا نبيَّ اللهِ ،
إني امرؤ مُطاعٌ في قومي ،
وأنا راجع إليهم ،
وداعيهم إلى الإسلام ،
فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه

فقال :
اللهم اجعل له آية ... " .


_ السيرة النبوية لابن هشام
" قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
رضي الله عنه "


وانظر سير أعلام النّبلاء للإمام الذّهبي
( 1 / 344 - 347 )
ط : مؤسسة الرسالة .

أبوسند
12-01-2024, 04:26 PM
عن عبد الله بن الصامت قال :
قال أبو ذرّ – رضي الله عنه – :

" خرجنا من قومنا غفار
وكانوا يُحِلُّون الشّهرَ الحرام
فخرجتُ أنا وأخي أُنَيْسٌ وأُمُّنا
فنزلنا على خالٍ لنا فأكرمنا خالُنا وأحسن إلينا ،

فحسدنا قومُه فقالوا :
إنك إذا خرجت عن أهلك خالف
إليهم أنيسٌ ،

فجاء خالُنا فنَثا علينا الذي قيل له فقلنا : أمّا ما مضى من معروفك
فقد كدَّرته ،

ولا جماع لك فيما بعد ،
فقربنا صِرمَتَنا فاحتملنا عليها وتغطّى خالُنا ثوبَه فجعل يبكي ،

فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة ،
فنافَر أنيسٌ عن صِرمتنا
وعن مثلها ،

فأَتَيا الكاهنَ ، فخيَّر أُنيساً ،
فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها

قال : وقد صلّيتُ يا ابن أخي !
قبل أن ألقى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بثلاث سنين ،

قلتُ : لمن ؟

قال : لله ،

قلتُ : فأين تَوَجَّهُ ؟

قال : أتوجّه حيث يوجّهني ربّي ،
أصلِّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل أُلقيتُ كأنّي خفاء ،
حتى تعلوني الشّمس .

فقال أنيسٌ : إنّ لي حاجةً بمكّة فاكفني ،
فانطلق أنيسٌ حتّى أتى مكّةَ ،
فَراثَ عليَّ ،

ثم جاء فقلت : ما صنعت ؟
قال لقيتُ رَجُلاً بمكّة على دينك ،

يزعمُ أنّ اللهَ أرسلَه ،

قلتُ : فما يقول النّاس ؟

قال : يقولون :

شاعرٌ ، كاهنٌ ، ساحرٌ ،

وكان أنيسٌ أحدَ الشُّعراء .

قال أنيسٌ :
لقد سمعتُ قول الكهنة ،
فما هو بقولهم ،

ولقد وضعتُ قولَه على
أقراءِ الشِّعرِ ،

فما يلتئمُ على لسان أحد بعدي ،
أنّه شِعرٌ ،

واللهِ ! إنّه لصادقٌ ،
وإنّهم لكاذبون ... " .


قال الإمام النووي رحمه الله :

قوله : ( فقربنا صِرمتنا )
وهي : القطعة من الإبل . وتطلق أيضا على القطعة من الغنم .

قوله : ( فنافَر أنيسٌ عن صِرمتنا
وعن مثلها )
المنافرة المفاخرة ، والمحاكمة .
وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما
أشعر .

معناه : تراهن هو وآخر أيهما أفضل
وكان الرهن صرمة صرمة ذا ،
وصرمة ذاك فأيهما كان أفضل .
أخذ الصرمتين .

قوله : ( فراث عليّ ) أي : أبطأ

قوله : ( اقراء الشعر )
أي : طرقه وأنواعه .


انظر : صحيح مسلم بشرح النووي
( 16 / 245 - 249 )
ط : دار المعرفة بيروت .

أبوسند
12-01-2024, 04:27 PM
قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :

" اعلم أنّ المعجزة :
أمرٌ خارق للعادة، مَقرونٌ بالتحدِّي،
سالمٌ عن المعارضة .

وهي إما حسِّيَّة وإمّا عقلية :

وأكثر معجزات بني إسرائيل
كانت حسّيّة ،
لبلادَتهم وقلّة بصيرتهم .

وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية
لفرط ذكائهم ، وكمال أفهامهم ،

ولأنّ هذه الشريعة
– لما كانت باقية على صفحات الدهر إلى يوم القيامة –
خُصَّت بالمعجزة العقلية الباقية ؛ليراها ذوو البصائر ،
كما قال صلى الله عليه وسلم :
( ما من الأنبياء نبيّ إلاّ أُعطي
ما مثله آمن عليه البشر ،
وإنّما كان الذي أوتيته وحياً
أوحاه الله إليَّ
فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا ) .
أخرجه البخاريّ
[ كتاب فضائل القرآن ، باب : كيف نزول
الوحي وأول ما نزل ] .

قيل : إن معناه أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم ،
فلم يشاهدها إلاّ من حضرها ، ومعجزة القرآن مستمرّة إلى يوم القيامة ،
وخَرقُه العادة في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيّبات ،
فلا يمرُّ عصر من الأعصار
إلاّ ويظهر فيه شيء مما أخبر به
أنه سيكون ،
يدُلُّ على صحة دعواه .

إلى أن قال :

وقال تعالى :
** وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربِّه قل إنما الآيات عند الله وإنّما أنا نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم **
[ سورة العنكبوت : 50 - 51 ] .

فأخبر أن الكتاب آية من آياته ،
كاف في الدلالة ،
قائم مقام معجزات غيره وآيات مَن سواه من الأنبياء ،
ولمّا جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليهم ،
وكانوا أفصحَ الفصحاء ،
ومصاقعَ الخطباء ،
[ خطيب مِصْقَع أي : بليغ ]

وتحدّاهم على أن يأتوا بمثله ، وأمهلهم طول السنين فلم يقدروا .


فلمّا عجزوا عن معارضته
والإتيان بسورة تشبهه على كثرة الخطباء والبلغاء ،
نادى عليهم بإظهار العجز
وإعجاز القرآن فقال :
** قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ
على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا **
[ سورة الإسراء : 88 ]

هذا وهم الفصحاء اللُّدّ ،
[ جَمْعُ ألدّ ولدود
وهو الشديد الخصومة ]

وقد كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره وإخفاء أمره ،
فلو كان في مقدرتهم معارضته
لعدلوا إليها قطعا للحجّة ،
ولم يُنقل عن أحد منهم أنه حدّث
نفسه بشيء من ذلك ولا رامه ،
بل عدلوا إلى العناد تارة ،
وإلى الاستهزاء أخرى ،
فتارة قالوا : ( سحر ) ،
وتارة قالوا : ( شعر ) ،
وتارة قالوا : ( أساطير الأولين ) .

كلّ ذلك من التحيّر والانقطاع ،
ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم ،
وسبي ذراريهم وحُرَمهم واستباحة أموالهم ،
وقد كانوا آنف شيء وأشدّه حميّة ،
فلو علموا أن الإتيان بمثله في قدرتهم لبادروا إليه .
لأنه كان أهون عليهم " .

الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1001 - 1003 )
ط : دار ابن كثير .

أبوسند
12-01-2024, 04:28 PM
قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :

" قال الجاحظ : بعث اللهُ محمداً صلى الله عليه وسلم أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا ،
وأحكمَ ما كانت لغةً ،
وأشدَّ ما كانت عُدّة ،
فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته ،
فدعاهم بالحجّة فلما قطع العذر ، وأزال الشبهة ،
وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية ، دون الجهل والحيرة ، حملهم على حظهم بالسيف ،
فنصب لهم الحرب ، ونصبوا له ، وقَتل من عِليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم ،
وهو في ذلك يحتجُّ عليهم بالقرآن ، ويدعوهم صباحا ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذبا بسورة واحدة ، أو بآيات يسيرة .

فكلّما ازداد تحدِّياً لهم بها ،
وتقريعا لعجزهم عنها تَكشَّف من نقصهم ما كان مستورا ،
وظهر منه ما كان خفيّا ،
فحين لم يجدوا حيلة ولا حجّة
قالوا له :
أنت تعرف من أخبار الأمم
ما لا نعرف ،
فلذلك يمكنك ما لا يمكننا .
قال :
فهاتوها مفتريات ،
فلم يَرُم ذلك خطيب ،
ولا طمع فيه شاعر ،
ولو طمع فيه لتكلَّفه ،
ولو تكلّفه لظهر ذلك
ولو ظهر لوجد مَن يستجيده ويحامي عليه ويكايد فيه ،
ويزعم أنه قد عارض وقابل وناقض .

فدلَّ ذلك العاقل على عجز القوم
مع كثرة كلامهم ،
واستحالة لغتِهم ،
وسهولة ذلك عليهم ،
وكثرة شعرائهم ،
وكثرة مَن هجاه منهم ،
وعارض شعراء أصحابه ،
وخطباء أُمّته ،
لأن سورة واحدة وآيات يسيرة
كانت أنقض لقوله ، وأفسد لأمره ، وأبلغ في تكذيبه وأسرع في تفريق أتباعه من بذل النفوس ،
والخروج من الأوطان ،
وإنفاق الأموال .

وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على مَن هو دون قريش ،
والعرب في الرأي والعقل بطبقات ، ولهم القصيد العجيب ،
والرجز الفاخر ،
والخُطَب الطِّوال البليغة ،
والقِصار الموجزة ،
ولهم الأسجاع والمزدَوج ،
واللّفظ المنثور .

ثُمّ يتحدّى به أقصاهم بعد أن أظهر عجز أدناهم ، فمحال - أكرمك الله -
أن يجتمع هؤلاء كلُّهم على الغلط
في الأمر الظاهر ،
والخطأ المكشوف البيّن ،
مع التقريع بالنقص ،
والتوقيف على العجز ،
وهم أشدُّ الخلق أَنَفةً ،
وأكثرهم مفاخرة ،
والكلام سيِّد عملهم ،
وقد احتاجوا إليه
والحاجة تبعث على الحيلة في
الأمر الغامض ، فكيف بالظاهر !

وكما أنه محال أن يطبقوا ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة ،
فكذلك محال أن يتركوه ،
وهم يعرفونه ، ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه ! " انتهى .


الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1004 - 1005 )
ط : دار ابن كثير .

أبوسند
12-01-2024, 04:29 PM
قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :

" لمّا ثبت كون القرآن معجزة نبيّنا صلّى الله عليه وسلم وجب الاهتمام بمعرفة وجه الإعجاز ،

قال قومٌ : وجهُ إعجازِه ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة ،
ولم يكن ذلك من شأن العرب .

وقال آخرون : ما تضمَّنه من الإخبار عن قصص الأولين وسائر المتقدمين ،
حكاية مَن شاهدها وحضَرها .

وقال القاضي أبو بكر :
وجْهُ إعجازه ما فيه من النّظم والتأليف والترصيف ،
وأنه خارج عن جميع وجوه النّظم المعتاد في كلام العرب ،
ومُباينٌ لأساليب خطاباتهم ،
قال :
ولهذا لم يمكنهم معارضته .

وقال ابن عطية : الصحيح
– والذي عليه الجمهور والحذّاق –
في وجه إعجازه :
أنّه بنظمه وصحّة معانيه وتَوَالي فصاحة ألفاظه ،
وذلك أنّ الله أحاط بكل شيء علما ، وأحاط بالكلام كله علما ،
فإذا ترتبت اللفظة من القرآن ،
علم بإحاطته أيّ لفظة تصلح أن تَلِي الأُولى وتُبيّن المعنى بعد المعنى ،
ثم كذلك مِن أول القرآن إلى آخره .

والبشر يعمُّهم الجهل والنسيان والذهول .

ومعلوم ضرورة أن أحدا من البشر
لا يحيط بذلك ،
فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة .

وبهذا يبطل قول من قال :
إنّ العرب كان في قدرتها الإتيان
بمثلِه ، فصُرِفوا عن ذلك ،

والصحيح أنه لم يكن في قدرة
أحد قط .
ولهذا ترى البليغ يُنقِّح القصيدة
أو الخطبة حولا ،
ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلمّ جرّا ،

وكتاب الله تعالى لو نَزَعْتَ منه
لفظةً ،
ثم أُدير لسان العرب على لفظة
أحسن منها لم يوجد .

ونحن تتبيّن لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع ،
لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ
في سلامة الذّوق ،
وجودة القريحة .

وقامت الحجّة على العالم
بالعرب ؛
إذ كانوا أرباب الفصاحة ،
ومظنّة المعارضة ،
كما قامت الحجة في معجزة
موسى – عليه السلام – بالسّحَرة ، وفي معجزة عيسى
– عليه السلام – بالأطبّاء ،
فإنّ الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في
زمن النّبيّ الذي أراد إظهاره ،
فكان السّحر قد انتهى في مدّة موسى – عليه السلام –
إلى غايته ،
وكذلك الطبّ في زمن عيسى
– عليه السلام – ،
والفصاحة في زمن محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال المراكشيّ في
" شرح المصباح " :
الجهة المعجزة في القرآن تُعرف بالتفكُّر في علم البيان ،
وهو – كما اختاره جماعة في
تعريفه –
ما يُحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى ، وعن تعقيده ، ويعرَف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه لمقتضى الحال ...

... لأن تعجُّبهم كان من فصاحتِه ،
ولأنّ مسيلمة وابن المقفّع
والمعري وغيرهم ، قد تعاطوها ،
فلم يأتوا إلاّ بما تمجّه الأسماع ، وتنفر منه الطباع ،
ويضحك منه في أحوال تركيبه ،
وبها - أي : بتلك الأحوال -
أعجز البلغاء وأخرس الفصحاء .

فعلى إعجازه دليل إجماليٌّ ،
وهو أنّ العرب عجزت عنه
وهو بلسانها ، فغيرُها أحرى .

ودليل تفصيليٌّ ،
مقدمته التفكُّر في خواص تركيبه ،

ونتيجته العلم بأنه تنزيلٌ من المحيط بكل شيء علما " .



نقلته من : الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1005 - 1009 )
ط : دار ابن كثير .
مع شيء من الاختصار .

أبوسند
12-01-2024, 04:29 PM
قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :

" وقال الأصبهانيُّ في تفسيره : اعلم أنّ إعجاز القرآن ذُكر مِن
وجهين :

أحدهما : إعجاز يتعلّق بنفسه ،

والثاني : بصرف النّاس عن
معارضته ...

.. قال : فظهر مِن هذا أنّ الإعجاز المختص بالقرآن يتعلّق بالنظم المخصوص .

وبيان كون النظم معجزا يتوقَّف
على بيان نظم الكلام ،
ثم بيان أن هذا النظم مخالف
لنظمِ ما عَدَاهُ ،

فنقول :
مراتب تأليف الكلام خمسٌ :

الأولى : ضمُّ الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض ،
لتحصل الكلمات الثلاث :
الاسم والفعل والحرف .

والثانية : تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض ،
لتحصل الجُمل المفيدة ،
وهو النّوع الذي يتداوله النّاس جميعا في مخاطباتهم ،
وقضاء حوائجهم ،
ويقال له المنثور من الكلام .

والثالثة : ضمُّ بعضِ ذلك إلى بعض ضمّاً له مَبادٍ ومَقاطع ،
ومداخل ومخارج ،
ويقال له : المنظوم .

والرابعة : أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ،
ويقال له المسجّع .

والخامسة :
أن يُجعلَ له مع ذلك وزنٌ ،
ويقال له : الشِّعر .

والمنظوم : إمّا محاورة
ويقال له : الخطابة ،
وإما مُكاتبة ويقال له : الرسالة .

فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام ،
ولكلّ من ذلك نظم مخصوصٌ ،

والقرآن جامعٌ لمحاسن الجميع
على نظم غير نظم شيء منها ،

يدُلُّ على ذلك أنّه لا يصح أن
يقال له : رسالة ، أو خطابة ،
أو شعر ، أو سجع ،
كما يَصحُّ أن يقال : هو كلام .

والبليغ إذا قَرع سمعَه فَصَلَ بينَه وبين ما عداه من النظم ،

ولهذا قال تعالى :
** وإنّه لكتاب عزيز * لاّ يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه **
[ سورة فصلت : 41 - 42 ] .

تنبيها على أنّ تأليفَه ليس على
هيئة نظم يتعاطاه البشر ،
فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخرى ... " .



نقلته من : الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1009 - 1010 )
ط : دار ابن كثير .
مع شيء من الاختصار .

أبوسند
12-01-2024, 04:30 PM
قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :

" وقال الخطابي :
ذهب الأكثرون من علماء النظر ،
إلى وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها ،
وصغَوْا فيه إلى حكم الذوق .

قال : والتحقيق أنّ أجناس الكلام مختلفة ،
ومراتبها في درجات البيان متفاوتة ، فمنها البليغ الرّصين الجزل ،
ومنها الفصيح القريب السهل ،
ومنها الجائز الطّلق الرَّسْل ،
وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود ؛

فالأول أعلاها ،

والثاني أوسطها

والثالث أدناها وأقربها ،

فحازت بلاغات القرآن من كلّ قسم
من هذه الأقسام حصّة ،
وأخذت من كل نوع شُعبة ،
فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نَمَط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعُذوبة ،
وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادَّيْن ،
لأنّ العذوبة نِتاج السهولة ،
والجزالة والمتانة يعالجان نوعا
من الزُّعورة ،
[ الجزالة في الكلام ضد الركاكة .
والزّعورة : تشتت المعنى وصعوبته .
فلعل المراد أنّ الجزالة والمتانة تجعلان
الكلام سَهلاً مجتمع المعنى ] .

فكان اجتماع الأمرين في نظمه
– مع نبوّ كلّ واحد منهما عن الآخر –فضيلة خُصّ بها القرآن ؛
ليكون آية بيّنة لنبيه
صلى الله عليه وسلم .

وإنما تعذّر على البشر الإتيان
بمثله لأُمورٍ :

منها : أنّ علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها
التي هي ظروف المعاني ؛
ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء
جميع وجوه النظوم التي بها
يكون ائتلافها ،
وارتباط بعضها ببعض ،
فيتواصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأْتُوا بكلام مثله ،

وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة :

لفظٌ حاصل ، ومعنى به قائم ،
ورباط لهما ناظم ،
وإذا تأمَّلتَ القرآن وجدت هذه منه
في غاية الشرف والفضيلة ،
حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه ،
ولا ترى نظما أحسن تأليفا ،
وأشدَّ تلاؤما وتشاكلا من نظمه .

وأما معانيه : فكلّ ذي لبٍّ يشهد له بالتقدّم في أبوابه ،
والترقّي إلى أعلى درجاته .

وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرّق في أنواع الكلام ،

فأمّا أن تُوجد مجموعة في نوع
واحد منه فلم توجد إلاّ في كلام
العليم القدير ،
فخرج من هذا أنّ القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ ،
في أحسن نظوم التأليف ،
مضمَّناً أصحَّ المعاني ،
من توحيد الله تعالى وتنزيهه له
في صفاته ،
ودعائه إلى طاعته ،
وبيانٍ لطريق عبادته ،
من تحليل وتحريم ، وحظر وإباحة ، ومِن وَعْظ وتقويم ،
وأمر بمعروف ونهي عن منكر ، وإرشاد إلى محاسن الأخلاق ،
وزجر عن مساويها ،
واضعا كلّ شيء منها موضعه الذي
لا يرى شيء أولى منه ،
ولا يتوهم في صورة العقل أمرٌ أليق به منه ،
مودَعا أخبار القرون الماضية ،
وما نزل من مَثُلات الله بمن مضى وعاند منهم ،
[ المثلات جَمْعُ مثُلة ، وهي العقوبة الفاضحة التي يتمثل بها ]

منبئا عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان ،جامعاً
في ذلك بين الحجة والمحتَجّ له ، والدليل والمدلول عليه ؛
ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا عليه ، وإنباء عن وجوب ما أمر به
ونهى عنه .

ومعلوم أنّ الإتيان بمثل هذه الأمور ، والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتَتَّسق أمرٌ تعجز عنه قوى البشر ، ولا تبلغه قدرتهم ،
فانقطع الخلق دونه ،
وعجزوا عن معارضته بمثله ،
أو مناقضته في شكله ،

ثم صار المعاندون له يقولون مرة :
إنه شِعر لمّا رأوه منظوما ،
ومرة : إنه سحر لمّا رأوه معجوزا عنه، غير مقدور عليه .

وقد كانوا يجدون له وقعاً
في القلوب ،
وقرعا في النفوس ،
يُرهبهم ويحيّرهم ،
فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعا
من الاعتراف ،
ولذلك قالوا : إنّ له لحلاوةً
وإن عليه لطلاوة .

وكانوا مرة بجهلهم يقولون : ** أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تُملَى عليه بُكرة وأصيلا **
[ سورة الفرقان : 5 ] ،

مع علمهم أنّ صاحبهم أُمِّيٌّ ،
وليس بحضرته مَن يملي أو يكتب ؛في نحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد والجهل والعجز .

ثم قال : وقد قلت في إعجاز القرآن وجها ذهب عنه النّاس ،
وهو : صنيعهُ في القلوب وتأثيره
في النّفوس ،
فإنّك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوما ولا منثورا ، إذا قرع السمع خلَص له إلى القلب ،
من اللّذة والحلاوة في حال ،
ومِن الرّوعة والمهابة في حال آخر ،
ما يخلُص منه إليه ،
قال تعالى : ** لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لّرأيتَه خاشعا مّتصدّعا
مّن خشية الله **
[ سورة الحشر : 21 ] ،

وقال : ** الله نزّل أحسن الحديث كتابا مّتشابها مّثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم **
[ سورة الزمر : 23 ] " . انتهى


نقلته من : الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1011 - 1013 )
ط : دار ابن كثير .

أبوسند
12-01-2024, 04:31 PM
قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :

" وقال ابن سراقة : اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن ،
فذكروا في ذلك وجوها كثيرة كلّها حكمة وصوابٌ ،
وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءا واحدا من عشر معشاره :

فقال قوم : هو الإيجاز مع البلاغة .

وقال آخرون : هو البيان والفصاحة .

وقال آخرون : هو الرّصف والنظم .

وقال آخرون : هو كونه خارجا عن جنس كلام العرب من النظم ،
والنثر ، والخطب والشِّعر ،
مع كون حروفه في كلامهم ومعانيه في خطابهم وألفاظه من جنس كلماتهم ،
وهو بذاته قبيل [ نوع وصنف ]
غير قبيل كلامهم ،
وجنس آخر متميّزٌ عن أجناس خطابهم ،
حتى إنّ من اقتصر على معانيه ، وغيّر حروفه أذهب رونقه ،
ومن اقتصر على حروفه وغيّر معانيه أبطل فائدته ،
فكان في ذلك أبلغ دلالة على إعجازه .

وقال آخرون : هو كون قارئه لا يكلّ ، وسامعه لا يَمَلّ ،
وإن تكررّت عليه تلاوته .

وقال آخرون : هو ما فيه من الإخبار عن الأمور الماضية .

وقال آخرون : هو ما فيه من علم الغيب والحكم على الأمور بالقطع .

وقال آخرون :
هو كونه جامعا لعلومٍ يطول شرحها ويشقُّ حصرها " . انتهى




نقلته من : الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1013 - 1014 )
ط : دار ابن كثير .

أبوسند
12-01-2024, 04:32 PM
قال الحافظ السّيوطيّ رحمه الله :


" وقال الزركشيُّ في
« البرهان » : أهل التحقيق على
أنّ الإعجاز وقع بجميع ما سبق
من الأقوال ؛
لا بكل واحد على انفراده ؛
فإنه جمع ذلك كلّه ،
فلا معنى لنسبته إلى واحد منها بمفرده ،
مع اشتماله على الجميع ،
بل وغير ذلك ممّا لم يسبق :

فمنها : الرّوعة التي له في قلوب السامعين وأسماعهم ،
سواء المقرّ والجاحد .

ومنها : أنه لم يَزَل ولا يزال غضّاً
طريّاً في أسماع السامعين ،
وعلى أَلسنة القارئين .

ومنها : جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة ؛
وهما كالمتضادّين لا يجتمعان
غالبا في كلام البشر .

ومنها : جعله آخر الكتب غنيّاً
عن غيره ،
وجعلُ غيرِه من الكتب المتقدمة
قد يحتاج إلى بيان يرجع فيه إليه ، كما قال تعالى : ** إنّ هذا القرآن يَقُصُّ على بني إسرائيل أكثر الّذي هم فيه يختلفون **
[ سورة النمل : 76 ] .


وقال القاضي عياض في
« الشِّفا » : اعلم أنّ القرآن مُنطوٍ على وجوه من الإعجاز كثيرة ،
وتحصيلها من جهة ضبط أنواعها في أربعة وجوه :

أولها : حسن تأليفه والتئام كلِمِه وفصاحته ، ووجوه إيجازه ،
وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين
هم فرسان الكلام ،
وأرباب هذا الشأن .

والثاني : صورة نظمه العجيب ، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ،
ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاء عليه ، ووقفتْ عليه مقاطع آياته ، وانتهت إليه فواصل كلماتِه ،
ولم يوجد قبله ولا بعده نظيرٌ له .

قال : وكل واحد من هذين النوعين
– الإيجاز والبلاغة بذاتها ، والأسلوب الغريب بذاته –
نوعُ إعجاز على التحقيق ،
لم تقدر العرب على الإتيان بواحد منهما ،
إذ كلّ واحد خارج عن قدرتها ،
مباين لفصاحتها وكلامها ،
خلافا لمن زعم أنّ الإعجاز في
مجموع البلاغة والأسلوب .

الثالث : ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيّبات وما لم يكن ،
فوُجِد كما وَرَدَ .

الرابع : ما أنبأ به مِن أخبار القرون السالفة ، والأمم البائدة ،
والشرائع الدائرة ؛
ممّا كان لا يعلم منه القصة الواحدة إلاّ الفذّ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلمّ ذلك ،
فيورده صلى الله عليه وسلم على وجهه ويأتي به على نصّه ،
وهو أُمِّيٌّ لا يقرأُ ولا يكتب .


قال : فهذه الوجوه الأربعة من إعجازه بيّنة لا نزاع فيها .


نقلته من : الإتقان في علوم القرآن
( 2 / 1014 - 1016 )
ط : دار ابن كثير .




ومن الكتب التي اعتنت ببيان شيء
من ذلك :

كتاب إعجاز القرآن لأبي بكر الباقلاني

الشفا للقاضي عياض

أعلام النبوة للماوردي

إعجاز القرآن للخطابي

البرهان للزركشي

دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني .

والإتقان في علوم القرآن للسيوطي
الذي نقلت شيئا من ذلك منه
رحمهم الله .

أبوسند
12-01-2024, 04:33 PM
قال تعالى : ** وإِذْ تقول لِلّذي أَنْعَمَ الله عليه وأَنْعَمْتَ عليه أَمْسِكْ عليك زَوْجَكَ
واتَّقِ الله وَتُخْفِي في نَفْسِكَ ما الله مُبْدِيهِ وتَخْشَى النّاسَ والله أَحَقُّ
أنْ تَخْشاهُ فلَمّا قَضَى زَيْدٌ منها وَطَرًا زَوَّجْناكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنينَ حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وطَرًا وكان أَمْرُ الله مَفْعُولًا **

[ سورة الأحزاب : 37 ]


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

وكان سبب نزول هذه الآيات،
أن الله تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين،
أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة من جميع الوجوه ،
وأنّ أزواجهم لا جناح على مَن تَبَنّاهم نكاحهنّ ،
وكان هذا من الأمور المعتادة التي
لا تكاد تزول إلا بحادث كبير،
فأراد أن يكون هذا الشرع قولاً من
رسولِه وفعلاً ،
وإذا أراد الله أمرًا ؛ جعل له سببًا،
وكان زيد بن حارثة يُدعى زيد بن محمد
قد تبنّاه النبيُّ صلّى الله عليه وسلم،
فصار يُدعى إليه ، حتى نزل
** ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ **
فقيل له : زيد بن حارثة ،

وكانت تحته زينب بنت جحش ابنة عمة رسول الله صلى اللّه عليه وسلم،
وكان قد وقع في قلب الرسول
لو طلّقها زيدٌ لتزوَّجها،
فقدَّر اللهُ أن يكون بينها وبين زيد
ما اقتضى أنْ جاء زيد بن حارثة
يستأذنُ النبيَّ صلّى الله عليه وسلم
في فراقها ؛ قال الله :
** وإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ **
أي : بالإسلام ،
** وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ **
بالعتق حين جاءك مشاورًا في فراقها ، فقلتَ له ناصحًا له ومُخبرًا بمصلحته
مقدِّما لها على رغبتك مع وقوعها في
قلبك : ** أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ** ؛
أي : لا تُفارقها،
واصبر على ما جاءك منها .

** واتَّقِ الله ** : تعالى في أمورك عامّة
وفي أمر زوجك خاصّة ؛
فإنّ التقوى تحثُّ على الصبر وتأمر به ،
** وتُخْفِي فِي نَفْسِكَ ما الله مُبْدِيهِ **
والذي أخفاه أنّه لو طلّقها زيدٌ ؛
لتزوّجها صلى الله عليه وسلم ،

** وتَخْشَى النَّاسَ ** : في عدم إبداء
ما في نفسك
** والله أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ** :
فإنّ خشيته جالبةٌ لكلّ خير مانعة من
كلّ شرّ ،
** فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا **
أي : طابت نفسه ورغب عنها وفارقها ، ** زَوَّجْنَاكَهَا ** :
وإنّما فعلنا ذلك لفائدة عظيمة ، وهي : ** لِكَيْ لَا يَكُونَ على الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ ** حيث رأوك تزوّجت
زوج زيد بن حارثة الذي كان من قَبْلُ ينتسب إليك ،
ولما كان قوله : ** لِكَيْ لَا يَكُونَ على الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ **
عامّاً في جميع الأحوال ،
وكان من الأحوال ما لا يجوز ذلك ،
وهي قبل انقضاء وطره منها ؛
قيّد ذلك بقوله : ** إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا **
أي : لا بد من فعله ولا عائق له ولا مانع .

وفي هذه الآيات المشتملات على هذه
القصة فوائد منها :

......

ومنها : أن الرسول صلى الله عليه وسلم
قد بَلَّغَ البلاغَ المبين ،
فلم يدعْ شيئًا مما أُوحي إليه
إلاّ وبلَّغه ،
حتى هذا الأمر الذي فيه عتابه ،
وهذا يدُلُّ على أنّه رسولُ الله ،
ولا يقول إلاّ ما أوحي إليه ،
ولا يريد تعظيم نفسه .

...



وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره :

والمراد بقوله تعالى :
** وتخشى النّاس ** : إنما هو إرجاف المنافقين بأنّه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوَّجَ بزوجة ابنه . اهـ





وانظر :
تفسير ابن كثير-سورة الأحزاب الآية 37

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/kath...a33-aya37.html






أبوسند
12-01-2024, 04:34 PM
رَوَى البخاريُّ في صحيحه ...
عن ثابت عن أَنَسٍ قال :
« جاءَ زَيْدُ بْنُ حارثَةَ يَشْكُو ،
فَجَعَلَ النّبِيُّ صلّى الله عليه وسَلَّمَ يقول :
( اتَّقِ الله وأَمْسِكْ عليْك زَوْجَكَ ) ،
قال أنسٌ :
لَوْ كان رَسُولُ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم كاتِمًا شيْئًا لَكَتَمَ هَذهِ ،
قال :
فكانت زيْنَبُ تَفْخَرُ على أَزْوَاجِ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم تقول :
زَوَّجَكُنَّ أَهالِيكُنَّ ،
وزَوَّجَنِي الله تعالى مِنْ فَوْقِ
سَبْعِ سَمَوَاتٍ » .

رواه البخاري / كتاب التوحيد .
باب ** وكان عرشه على الماء **

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

" قوله : ( قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا
لكتم هذه )
... وذكر ابن التين عن الداودي
أنه نسب قوله
( لو كان كاتما لكتم قصة زينب )
إلى عائشة ، قال وعن غيرها
( لكتم عبس وتولى ) ،

قلت : قد ذكرت في تفسير سورة الأحزاب حديث عائشة قالت
( لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي ) الحديث ،
وأنه أخرجه مسلم والترمذي
ثم وجدته في مسند الفردوس
من وجه آخر عن عائشة
من لفظه صلى الله عليه وسلم
( لو كُنتُ كاتماً شيئاً من الوحي ) الحديث ،
واقتصر عياض في الشفاء على نسبتها إلى عائشة والحسن البصري وأغفل حديث أنس هذا
وهو عند البخاري ،
وقد قال الترمذي بعد تخريج
حديث عائشة :
وفي الباب عن ابن عباس ،
وأشار إلى ما أخرجه
وأما الرواية الأخرى في
** عبس وتولّى **

فلم أرها إلاّ عند عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد الضعفاء ،
أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عنه قال " كان يقال لو أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كتم شيئا
من الوحي لكتم هذا عن نفسه "

وذكر قصة ابن أم مكتوم ونزول
** عبس وتولّى ** انتهى .



فتح الباري ( 13 / 496 - 498 )
ط : دار الحَديث القاهرة .

أبوسند
12-01-2024, 04:35 PM
هنا نجد بعض الآيات التي تحمل عتابا لّطيفا من الله لعبده ونبيّه محمد
صلَّى الله عليه وسلَّم
في حوادث معينة ؛
تتضمن أمورا نبّه الله عليها نبيّه صلى الله عليه وسلم ،
وقد يكون فيها بعض الحرج
للنّبيِّ صلى الله عليه وسلم ،
فلو كان هذا القرآن من عند
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ،
لما احتاج إلى كل هذا ،
ولكتم بعض هذه الآيات







فلو كان القرآن من عنده صلَّى الله عليه وسلَّم لما قام بكتابة ذلك وتدوينه !






قال تعالى : ** ولا تطرد الَّذينَ يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ **
سورة الأنعام 52


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

" وكان سبب نزول هذه الآيات أنّ أناساً
من قريش أو من أجلاف العرب قالوا
للنّبيّ صلى الله عليه وسلم :
إن أردتَ أن نؤمن لك ونتَّبِعَك ؛
فاطردْ فلانا وفلانا
– أناسا من فقراء الصحابة – ؛
فإنّا نستحيي أن ترانا العرب جالسين
مع هؤلاء الفقراء .
فحمَلَه حبُّه لإسلامهم واتِّباعهم له
فحدَّثته نفسه بذلك ،
فعاتبه الله بهذه الآيات ونحوها " . اهـ










وقال تعالى : ** ولا تَعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدُّنيا **
سورة الكهف 28









وقال تعالى : ** وَتُخْفِي في نَفْسِكَ
ما الله مُبْدِيهِ وتَخْشَى النّاسَ
والله أَحَقُّ أنْ تَخْشاهُ **
سورة الأحزاب 37









قال تعالى : ** يا أيُّها النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ
ما أَحَلَّ الله لك تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ
والله غَفُورٌ رَحِيمٌ ** .
سورة التحريم 1

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

" هذا عتابٌ من الله لنبيّه محمد
صلى الله عليه وسلم،
حين حَرَّم على نفسه سُرِّيَّتَه مارية
أو شُربَ العسل مراعاةً لخاطر
بعض زوجاته في قِصَّةٍ معروفة ،

فأنزل الله [تعالى] هذه الآيات
** يا أَيُّها النَّبِيُّ **
أي : يا أيّها الذي أنعم الله عليه بالنبوّة والرسالة والوحي ،
** لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ **
من الطيِّبات،
التي أنعم الله بها عليك وعلى أمتك .
** تَبْتَغِيَ **
بذلك التحريم
** مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ والله غَفُورٌ رَحِيمٌ **
هذا تصريحٌ بأنّ الله قد غفر لرسوله
ورفع عنه اللومَ ورحِمَه .

وصار ذلك التحريم الصادر منه سببًا لشرع حكم عامٍّ لجميع الأمّة ... " اهـ










وقال تعالى : ** عبس وتولَّى * أن جاءَهُ الأعمى * وما يدريك لَعَلَّه يَزَّكَّى *
أو يذّكرُ فتنفعه الذّكرى **
سورة عبس 1 - 4

قال القرطبيُّ رحمه الله في تفسيره :

" الآية عتاب من الله لنبيه صلَّى الله عليه
وسلَّم في إعراضه وتوليه عن عبد الله
بن أم مكتوم " .

الجامع لأحكام القرآن ( 19 / 185 )
ط : دار الكتاب العربي .


وقال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

" سببُ نزولِ هذه الآيات الكريمات
أنّه جاء رجلٌ من المؤمنين أعمى
يسأل النبيَّ صلى الله عليه ويتعلّم منه ،
وجاءه رجلٌ من الأغنياء،
وكان صلّى الله عليه وسلم حريصا
على هداية الخلق،
فمال صلّى الله عليه وسلم وأصغى
إلى الغنيِّ وصدَّ عن الأعمى الفقير،
رجاءً لهداية ذلك الغنيِّ وطمعاً في تزكيته، فعاتبه الله بهذا العتاب اللطيف ... " اهـ




فهل يُعقل بعد هذا أن يقال :
أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم ألّف
هذا الكتاب العظيم ؟!

أيبقى بعد هذا شك عند ذي لُبٍّ
أن هذا القرآن هو كلام الله ،
وأن الرّسول صلى الله عليه وسلم
قد بلغ ما أوحى الله إليه
أكمل بلاغ وأتمه ؟‍!







أبوسند
12-01-2024, 04:36 PM
القرآن كلّه ، قضيته الأساسية
هي عبادة الله وحده والبراءة من الشّرك



قال عزّوجلّ : ** ولا تَدْعُ مع الله إلَهًا آخَرَ لا إلَهَ إلاَّ هو كُلُّ شَيْءٍ هالكٌ إلاَّ وجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وإليه تُرْجَعُونَ **
سورة القصص 88





‏‎قال الله تعالى : ** وما خَلَقْتُ الجِنّ والإنْسَ إلَّا لِيَعْبُدون * ما أُريدُ منهم مِنْ رزق وما أُريدُ أنْ يُطْعِمُونِ * إنّ الله هو الرّزّاقُ ذُو القُوّةِ المتين **
سورة الذاريات 56 - 58








اعْبُدُوا اللهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا 

‏http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=246639







فهل دعا نبيُّنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
إلى عبادة نفسِه حتى يقال القرآن من تأليفه وأنه ليس كلام الله ؟!

بل إنَّهُ صلوات ربِّي وسلامه عليه
ضرب أروع الأمثلة على التواضع
والعبودية لله عزّوجلّ
حتى أنه كان لا يُميَّز وهو بين أصحابه
وهذه كُتبٌ تخصصت في سيرته
بينت كل تفاصيل حياته
صلَّى الله عليه وسلَّم



كم ورد اسم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
في القرآن ؟

وفي المقابل كم ورد لفظ الجلالة :
" الله "
وسائر أسمائه وصفاته عزّوجلّ
في القرآن الكريم ؟


الكتب السابقة حُرِّفَت وبُدِّلَت لتتماشى
مع رغباتهم وأهواءهم !؟

وهو صلَّى الله عليه وسلَّم قد جاء بما
خالف قومه وأهل الكتاب في عقائدهم ومعاملاتهم وأخلاقهم وأهوائهم ؟!


فكيف يزعمون أن القرآن من تأليفه
صلَّى الله عليه وسلَّم ؟!

أبوسند
12-01-2024, 04:37 PM
قال تعالى : ** تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَتَبَّ *
ما أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ *
سَيَصْلَى نارًا ذَاتَ لَهَب *
وامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ *
في جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ **

سورة المسد 1 - 5






قال القرطبي رحمه الله :

" سورة المسد وهي مكية بإجماع .

إلى أن قال :

والحكم ببقاء أبي لهب وامرأته في النار
مشروط ببقائهما على الكفر إلى الموافاة ؛
فَلَمّا ماتا على الكفر
صَدَقَ الإخبار عنهما .
ففيه معجزة للنّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
فامرأته خنقها الله بحبلها ،
وأبو لهب رماه الله بالعَدَسة
[ بثرة تخرج في البدن تؤدي إلى الموت ]
بعد وقعة بدر بسبع ليالٍ ،
بعد أن شَجَّتْه أم الفضل ... " اهـ

الجامع لأحكام القرآن
( 20 / 216 - 224 )
ط : دار الكتاب العربي .









وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله
في تفسيره :

" قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ،
فإنه منذ نزل قوله تعالى :
** سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمّالة الحطب في جيدها حبل
مِّن مَّسد **
فأخبر عنهما بالشقاء
وعدم الإيمان
لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا ظاهرا ولا باطنا ،
لا مُسِراً ولا مُعلنا ،
فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة
على النبوة الظاهرة " .









وقال العلّامة محمد الأمين الشنقيطي
رحمه الله :

" وقد وقع ما أخبر الله به ، فهو من إعجاز القرآن أن وقع ما أخبر به ،
كما أخبر ولم يتخلف .
** وتمت كلمة ربّك صدقا وعدلا ** .
وقوله : ** كذلك حقت كلمة ربّك على الَّذينَ
فسقوا أنهم لا يؤمنون ** .
نسأل الله العافية ، إنَّهُ سميع مجيب " اهـ

انظر : أضواء البيان
( 9 / 603 - 608 )
ط : عالم الكتب بيروت .











وقال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

أبو لهب هو عمُّ النّبيّ صلى الله عليه
وسلم، وكان شديد العداوة والأذيَّة له ؛
فلا فيه دين له ، ولا حميَّة ٌللقرابة ،
قَبَّحه اللهُ ،
فذمَّه اللهُ بهذا الذَّمِّ العظيم ،
الذي هو خزيٌ عليه إلى يوم القيامة
فقال :
** تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ **
أي : خسرت يداه وشقى ،
** وَتَبَّ ** فلم يربح .

** ما أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ **
الذي كان عنده ؛ فأطغاه ،
ولا ** ما كسبه ** : فلم يَرُدَّ عنه شيئًا
من عذاب الله إذ نزل به .

{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ **
أي : ستحيط به النّار من كلِّ جانب ،
هو ** وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ** .

وكانت أيضًا شديدة الأذيَّة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم،
تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشرَّ ،
وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذيَّة
الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وتجمع على ظهرها من الأوزار ؛
بمنزلة من يجمع حطبًا ،
قد أعدَّ له في عنقه حبلًا
** مِنْ مَسَدٍ ** أي : من ليف .

أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها متقلِّدةً في عنقها حبلًا من مسد .

وعلى كلٍّ ؛
ففي هذه السورة آيةٌ باهرةٌ من آيات الله، فإنّ الله أنزل هذه السورة

وأبو لهب وامرأته لم يهلكا ،

وأخبر أنَّهما سيعذَّبان في النّار ولا بُدّ ،

ومن لازم ذلك أنّهما لا يسلمان،

فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة . اهـ







هذه السورة فيها دليل من الأدلة التي
لا تحصى على أن القرآن كلام الله عزّوجلّ وأنّ محمدا صلَّى الله عليه وسلَّم صادق

فلماذا لم يتظاهر أبو لهب وزوجته
بالإسلام لأجل التشكيك في القرآن كلام الله عزّوجلّ وفي صدق النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم
كما فعلت اليهود في المدينة
رغم شدة عداوته !!!




قال تعالى : ** وقالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ على الَّذينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) **

تفسير ابن كثير - سورة آل عمران

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/kath...2.html#katheer






لو لم يكن القرآن وحيٌّ من الله،
فكيف لمحمد صلَّى الله عليه وسلم
أن يعلم أن أبا لهب لن يسلم ،
ويدخل في مثل هذا التحدي أكثر من عشر سنين والفرصة متاحة لأبي لهب وزوجته للتظاهر بالإسلام ادعاءً ؟!



كما قال تعالى : ** وأُوحِيَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِما كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) **

تفسير الطبري - سورة هود

‏http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/taba...a11-aya36.html

أبوسند
12-01-2024, 04:39 PM
‫" التعريف بالقرآن الكريم .‬

‫تعريف القرآن :‬

‫« القرآن هو كلام الله المنزل على ‬
‫النّبيّ محمد صلى الله عليه وسلّم ‬
‫المكتوب في المصاحف، ‬
‫المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته، ‬
‫المعجز ولو بسورة منه » .‬

‫وقد اشتمل هذا التعريف على الصفات التالية للقرآن، ‬
‫وتعتبر في اصطلاح أهل التعاريف ‬
‫قيودا تشمل المعرّف وتميزه عما عداه‬
‫ وهي :‬
‫كلام الله : قيد يخرج به كلام الخلق ‬
‫من الإنس والجن والملائكة، ‬
‫فكل ذلك لا يسمى قرآنا .‬

‫المنزل : قَيْد يخرج به كلام الله غير المنزل وهو ما استاثر الله بعلمه، ‬
‫أو خاطب به ملائكته دون امر بالإنزال .‬

‫على النّبيّ محمد صلّى الله عليه وسلم : قَيْد يخرج به ما أنزل على ‬
‫الأنبياء السابقين، ‬
‫كالتوراة والإنجيل، والزبور وغيرها، ‬
‫فلا يسمى شيء منها قرآنا .‬

‫المكتوب في المصاحف : ‬
‫وهذه مزية للقرآن أنه دُوِّنَ‬
‫ وحُفِظ بالكتابة منذ عهد النبي ‬
‫صلّى الله عليه وسلم وبإشرافه ‬
‫واعتنائه الزائد .‬

المنقول بالتواتر :
وهذه ميزة أخرى للقرآن،
وهذا القيد في التعريف لبيان الواقع
لا للاحتراز،
ولا يوجد شيء من القرآن غير متواتر، فيخرج بذلك ما نُقل بالآحاد من وجوه القراءات
أو لا يوجد في المصحف الإمام .

المتعبد بتلاوته : أي أن مجرد تلاوة القرآن عبادة يثاب عليها المؤمن،
ولو لم يكن استحضر نية تحصيل الثواب بالتلاوة، كما أن الصّلاة لا تصح
إلاّ بتلاوة شيء منه،
وهذا القيد يخرج به منسوخ التلاوة،
فإنّه بعد النسخ لا يتعبد بتلاوته،
وتخرج به القراءات الشاذة،
لأنّا غير متعبدين بها،
وكذا الأحاديث القدسية .

‫المعجز ولو بأقل شيء منه : ‬
‫والإعجاز أعظم خصائص القرآن، ‬
‫حتى لو عرّف القرآن بهذه الصفة :‬
‫ « الكلام المعجز » لكفى ذلك لتمييزه والتعريف به .‬
‫والقرآن معجز بجملته، ‬
‫كما أنه معجز بأي سورة منه، ‬
‫ولو كانت هي أقصر سورة من سوره " .‬

‫_ مقرر المدخل لعلوم القرآن‬
‫لطلاب كلية الدعوة وغيرهم في جامعة أم القرى‬
‫إعداد الدكتور‬
‫أحمد عطا محمد عمر .‬







" جَمْعُ القرآن في الصُّدور .

جَمْعُ القرآن في السُّطور .

وهاتان الصُّورتان للجمع هما أشهر الصّور
التي يصدق عليها اسم جَمْعِ القرآن ،
وهما أهمُّ ركائز حفظ القرآن ،
وكان من قَدَر الله لحفظ كتابه الكريم
أن يسّر حفظَه ،
وهيّأ له مَن يكتبه ويُدوِّنُه ، فصار باقيا إلى قيام السّاعة مقروءا ومكتوباً .

فالتّعبيرُ عنه بأنّه " قرآنٌ " فيه إشارة إلى
قراءته ، سواء أكان في الصُّدور ،
أم في السّطور .

والتعبير عنه بأنه " كتاب " فيه إشارة إلى كتابته ، وأنّه سيكون محفوظاً في كُتب
يقرأها المسلمون " .

_ جهود الصّحابة في جَمْع القرآن
جمع وتحقيق أحمد سالم
( ص 29 ) .







قال الشيخ الدكتور محمد بن محمد
أبو شهبة :

" ومن خصائص هذه الأُمّة حفظها
لكتاب ربِّها وهو القرآن

إلى أن قال :

فقد أتم حفظه الألوف المؤلفة من الصّحابة
وبحسبك أن تعلم أنّ مَن قُتل من القرّاء
في موقعة اليمامة كانُوا سبعمائة
على ما قيل ، وعن الصّحابة حفظه الألوف
المؤلفة من التّابعين ، وهكذا دواليك ،
تلقته طبقة عن طبقة بالحفظ والعناية والصيانة ،
حتى وصل إلينا القرآن الكريم ،
من غير زيادة ولا نقصان ولا تحريف
ولا تبديل " .

_ المدخل لدراسة القرآن الكريم
( ص 261 - 264 ) .






أبوسند
12-01-2024, 04:40 PM
قال الحافظ السيوطي رحمه الله
تحت النوع التاسع عشر
في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه :

أما سوره : فمائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد به ،
وقيل : وثلاث عشرة ، بجعل الأنفال
و " براءة " سورة واحدة .


قال ابن العربي : وتعديد الآيْ من معضلات القرآن ،
ومن آياته طويل وقصير ،
ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام
ومنه ما يكون في أثنائه .

وقال غيره : سبب اختلاف السلف في عدد الآي أن النّبيّ
صلى الله عليه وسلم
كان يقف على رءوس الآي للتوقيف ، فإذا علم محلها وصل للتمام ، فيحسب السامع حينئذ
أنها ليست فاصلة .


وقد أخرج ابن الضريس ،
من طريق عثمان بن عطاء ،
عن أبيه ، عن ابن عباس ،
قال : جميع آي القرآن ستة آلاف وستمائة آية ،
وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وثلاثة وعشرون ألف حرف وستمائة حرف وواحد
وسبعون حرفا .

قال الداني : أجمعوا على أن عدد آيات القرآن ستة آلاف آية ،
ثم اختلفوا فيما زاد على ذلك
فمنهم من لم يزد ،
ومنهم من قال : ومائتا آية
وأربع آيات .
وقيل : وأربع عشرة .

وقيل : وتسع عشرة .

وقيل : وخمس وعشرون .

وقيل : وست وثلاثون .

[ فصل ] :
وعدَّ قوم كلمات القرآن
سبعة وسبعين ألف كلمة ،
وتسعمائة وأربعاً وثلاثين كلمة ،
وقيل : غير ذلك .

انظر : الإتقان ( 1 / 204 - 219 ) .




ومن وجوه إعجاز القرآن تيسيره على جميع الألسنة قراءة وحفظا .
حتى أن كثير من الأعاجم لا يكاد أحدُهم يحفظ من الكتب غيره رغم أنه لا يحسن الكلام بالعربية أصلا !

وذلك نظرا للروعة التي تلحق قلوب سامعيه والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته ،

قال تعالى :
** ولَقَدْ يسّرنا القرآن للذِّكر فهل من مُّدَّكر **
سورة القمر 17

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

" أي : ولقد يسَّرنا وسهَّلنا هذا القرآن الكريم ألفاظه للحفظ والأداء
ومعانيه للفهم والعلم ؛
لأنّه أحسن الكلام لفظا،
وأصدقُه معنىً، وأبينه تفسيرا ؛
فكلُّ مَن أقبل عليه ؛ يَسَّرَ الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهَّله عليه ،
والذِّكر شاملٌ لكل ما يتذكَّر به العالمون
من الحلال والحرام وأحكام الأمر والنّهي وأحكام الجزاء والمواعظ والعِبَر والعقائد النّافعة والأخبار الصادقة " . اهـ


أما سائر الملل فلم يحفظ كتبهم إلَّا النفر القليل منهم ،
بينما القرآن قد حفظه على مدار ألف وأربعمائة سنة
الأعداد الهائلة التي لا يمكن حصرها
ولا عدّها من كثرتها .


لا يوجد كتاب واحد يماثل ما حفظه النّاس مثل القرآن لا كتاب مقدس ولا غيره .

وهذا مما يدُلُّ على أنه كلام الله عزّوجلّ .

أبوسند
12-01-2024, 04:40 PM
لقد قيل :

" الحق ما شهدت به الأعداء "

وهذا المستشرق : ول ديورانت
يتحدث عن القرآن في كتابه
قصة الحضارة أثناء حديثه عن الحضارة الإسلامية :


" والمسلمون يعظمون القرآن إلى درجة تقرب من العبادة،
وقد كتبوا المصاحف وزينوها
وبذلوا في سبيل ذلك كل ما يستطيعون
من عناية مدفوعين إليها بحبهم له،
والقرآن هو الكتاب الذي يبدأ منه أطفال المسلمين بتعلم القراءة،
وهو المحور الذي يدور عليه تعليمهم
والذروة التي ينتهي بها هذا التعليم ،

وقد ظل أربعة عشر قرناً من الزمان
محفوظاً في ذاكرتهم،
يستثير خيالهم ويشكل أخلاقهم،
ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال ،

والقرآن يبعث في النفوس السليمة
الفطرة ،
ولقد آمن [ بالقرآن ] كثرة من الناس على اختلاف حظوظهم من العقل والفكر ،



وما ذلك إلاّ لأنه جاء بالعقيدة الحقة الواضحة التي يتقبلها الجميع .

فهي أسهل العقائد، وأقلها غموضا،

وأبعدها عن التقيّد بالمراسم والطقوس،

وأكثرها تحرراً من الوثنية والكهنوتية ،

وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي،

وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية،

وحضهم على إتباع القواعد الصحية،
وحرر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام ومن الظلم والقسوة،
وحسّن أحوال الأرقاء،
وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير
في أية بقعة من بقاع العالم ،
ولقد علّم الإسلام النّاس أن يواجهوا
صعاب الحياة،
ويتحملوا قيودها بلا شكوى ولا ملل ،
وبعثهم في الوقت نفسه إلى التوسع
توسعاً كان أعجب ما شهده
التاريخ كله " .






أبوسند
12-01-2024, 04:41 PM
قال الشيخ العلّامة السّعديّ
رحمه الله في رسالته القواعد والأصول الجامعة :

" القاعدة الأولى :
الشارع لا يأمر إلاّ بما مصلحته خالصة أو راجحة،
ولا ينهى إلاّ عمّا مفسدته خالصة
أو راجحة .

هذا الأصل شامل لجميع الشّريعة،
لا يشذ عنه شيء من أحكامها،
لا فرق بين ما تعلق بالأصول
أو بالفروع،
وسواء تعلق بحقوق الله،
أو بحقوق عباده ،
قال الله تعالى : ** إنَّ الله يأمرُ بالعدل
والإحسان وإيتاءِ ذِي القُرْبَى ويَنْهَى عنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ **
سورة النحل : 90

فلم يبقَ عدلٌ ولا إحسان ولا صلة
إلاّ أمر به في هذه الآية الكريمة،
ولا فحشاء ومنكر متعلق
بحقوق الله،
ولا بغيٌّ على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم إلاّ نَهى عنه، ووعظ عباده أن يتذكروا هذه الأوامر وحُسْنَها ونفعها فيمتثلوها، ويتذكروا ما في النواهي من الشَّرِّ والضرر فيجنتبوها ،

وقال تعالى: ** قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقِسْطِ وأقِيمُوا وجُوهَكُمْ عند كُلِّ مسجد وادْعُوهُ مُخْلِصِينَ له الدِّينَ **

فقد جمعت هذه الآية أصول المأمورات،
ونبهت على حسنها كما جمعت
الآية التي بعدها أصول المحرمات، ونبهت على قبحها،
وهي قوله تعالى :
** قل إنَّما حَرَّمَ رَبِّي الفَواحِشَ
ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ بغير الحَقِّ وأنْ تُشْرِكُوا بالله ما لَمْ يُنَزِّلْ به سُلْطَاناً وأَنْ تَقُولُوا على الله ما لاَ تَعْلَمُونَ **
ولما ذكر الله الأمر بالطهارة للصلاة
إذا قام العبد إلى صلاته في قوله :
** ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ ** الآيات،
وذكر الطهارتين،
طهارة الحدث الأصغر،
والحدث الأكبر بالماء ثم بالتراب عند العدم، أو الاضطرار،
قال : ** ما يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ولكن يريدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ **
فأخبر: أن أوامره الجليلة من أكبر نعمه العاجلة المتصلة بالنعم الآجلة،
ثم تأمل قوله تعالى :
** وقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً **
إلى قوله :
** ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ **
وقوله :
** قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم **
إلى قوله :
** وأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ **
وقوله :
** واعْبُدُوا الله ولاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا **
إلى قوله :
** ومَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً ** .


انظر إلى ما في هذه الآيات من الأوامر التي بلغت من حسنها،
وعموم خيرها،
ومصالحها الظاهرة والباطنة
نهايةَ الحسن، والعدل، والرحمة،
وما فيها من المنهيات التي ضررها عظيم، وجرمها كبير،
ومفاسدها لا تعد ولا تحصى،
وهي من أعظم معجزاتِ القرآن،

والرسول صلّى الله عليه وسلّم،
ومثلها ما وصف الله به خواص العباد وفضلائهم في قوله :
** وعبادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً **
إلى قوله :
** أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا ** الآية.
وقوله :
** قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ **
ثم عدّد أوصافهم حتى قال :
** أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ *
الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ **
وقوله :
** إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ **
إلى قوله :
** أَعَدَّ الله لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ** .

فكل ما في هذه الآيات من الأوصاف التي وصف الله بها خيار الخلق قد علم حسنها، وكمالها، ومنافعها العظيمة،
** ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ** .

وجميع ما في الشريعة من العبادات،
والمعاملات والأمر بأداء الحقوق المتنوعة تفاصيل،
وتفاريع لما ذكره الله في هذه الآيات،
وجميع ما فصّله العلماء من مصالح المأمورات،
ومنافعها، ومضار المنهيات، ومفاسدها داخل في هذا الأصل،
ولهذا يعلل الفقهاء الأحكام المأمور بها بالمصالح،
والمُنْهى عنها بالمفاسد،
وأحد الأصول الأربعة المبني عليها جميع الأحكام :
القياس الذي هو العدل،
وما يعرف به العدل،
وهو الميزان الذي قال الله فيه :
** الله الَّذِي أَنْزَلَ الكِتابَ بِالحَقِّ والمِيزَانَ **
وهو الجمع بين المسائل المتماثلة في مصالحها،
أو في مضارها بحكم واحد،
والتفريق بين المتباينات المختلفات بأحكام مختلفة مناسبة لكل واحد منها ... "




انظر : القواعد والأصول الجامعة والفروق
والتقاسيم البديعة النافعة .

https://d1.islamhouse.com/data/ar/ih...and_assets.doc







أبوسند
12-01-2024, 04:42 PM
قال تعالى : ** إنَّ الَّذينَ يُجادِلُونَ في آيَاتِ الله بغير سُلْطانٍ أتاهُمْ إنْ في صُدُورِهِمْ
إلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغيهِ فاسْتَعِذْ بالله
إنّهُ هُوَ السَّميعُ البَصِيرُ **
سورة غافر 56


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

" يخبر تعالى أن من جادل في آياته ليُبْطِلها بالباطل،
بغير بيّنة من أمره ولا حجّة،
أنّ هذا صادرٌ من كبر في صدورهم
على الحَقِّ وعلى مَن جاء به،
يريدون الاستعلاء عليه بما معهم من الباطل، فهذا قصدهم ومرادهم ،

ولكنّ هذا لا يتمُّ لهم ، وليسوا ببالغيه ؛
فهذا نصٌّ صريح وبشارةٌ بأن كل مَن
جادل الحقَّ أنه مغلوبٌ،
وكل من تكبر عليه فهو في نهايته ذليلٌ ،

** فاسْتَعِذْ **
أي : اعتصم والجأ ** بِالله ** :
ولم يذكر ما يستعيذ منه إرادةً للعموم ؛
أي : استعذ بالله من الكبر الذي يوجب التكبُّر على الحقّ،

واستعذ بالله من شياطين الإنس والجنّ، واستعذ بالله من جميع الشرور .

** إنَّهُ هو السَّمِيعُ ** :
لجميع الأصوات على اختلافها .

** البَصِيرُ ** : بجميع المرئيات بأيِّ محلٍّ وموضع وزمان كانت " . اهـ





وقال تعالى : ** ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجادلُونَ في آيَاتِ الله أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذينَ كَذَّبُوا بالكتابِ وبما أَرْسَلْنَا به رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إذِ الْأَغْلَالُ في أعْناقِهِمْ
والسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * في الحَميمِ ثُمَّ
في النّارِ يُسْجَرُونَ **
سورة غافر 69 - 72


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره : ** ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ يُجَادِلُونَ
في آياتِ الله ** الواضحة البيّنة متعجبًا من حالهم الشنيعة ،

** أَنَّى يُصْرَفُونَ ** ؛
أي : كيف ينعدِلون عنها ؟!
وإلى أيِّ شيء يذهبون بعد البيان التامِّ ؟!

هل يجدون آياتٍ بيِّنات تعارض آيات الله ؟! لا والله .
أم يجدون شُبهًا توافق أهواءهم،
ويصولون بها لأجل باطلهم ؟!

فبئس ما استبدلوا واختاروا لأنفسهم بتكذيبهم بالكتاب الذي جاءهم من الله
وبما أرسل الله به رسله الذين هم خيرُ الخلق وأصدقُهم وأعظمُهم عقولاً ؛
فهؤلاء لا جزاء لهم سوى النار الحامية، ولهذا توعّدهم الله بعذابها ،
فقال : {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ ** :
التي لا يستطيعون معها حركةً ،

** والسَّلَاسِلُ **
التي يقرنون بها هم وشياطينهم

** يُسْحَبُونَ في الحميم ** ؛
أي : الماء الذي اشتدَّ غليانُه وحرُّه ،
** ثُمَّ في النَّارِ يُسْجَرُونَ ** :
يوقد عليهم اللهب العظيم، فيُصلَون بها،
ثم يوبَّخون على شركهم وكذبهم " . اهـ









أبوسند
12-01-2024, 04:42 PM
قال تعالى : ** أفَلَمْ يَسيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كيف كان عاقِبَةُ الّذينَ مِنْ قبلهم كانوا أكْثَرَ منهم وأشَدّ قُوَّةً وآثارًا في الأرْضِ فما أغنى عنهم ما كانوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عندهم مِنَ العلْم وحاقَ بِهِمْ
ما كانوا به يَسْتَهْزِئُونَ **

سورة غافر 82 - 83


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

" يحثُّ تعالى المكذِّبين لرسولهم على
السَّير في الأرض بأبدانهم وقلوبهم
وسؤال العالمين ،
** فَيَنْظُرُوا ** نظر فكر واستدلال
لا نظر غفلة وإهمال

** كَيْفَ كان عاقِبَةُ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ **
من الأمم السالفة ؛
كعاد وثمود وغيرهم ممن كانوا أعظم منهم قوّة وأكثر أموالاً وأشدَّ آثارًا في الأرض
من الأبنية الحصينة والغراس الأنيقة والزروع الكثيرة .

** فَما أغْنَى عَنْهُمْ ما كانوا يَكْسِبُونَ ** :
حين جاءهم أمرُ الله ،
فلم تغن عنهم قوّتُهم ،
ولا افْتَدَوا بأموالهم،
ولا تحصَّنوا بحصونهم .

ثم ذَكَرَ جرمَهم الكبير فقال :
** فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبَيِّنَاتِ ** :
من الكتب الإلهيّة والخوارق العظيمة،
والعلم النافع المبيِّن للهدي من الضلال والحق من الباطل ،

** فَرِحُوا بما عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ **
المناقض لدين الرسل ،

ومن المعلوم أنّ فرحهم به يدُلُّ على شدّة رضاهم به وتمسُّكهم ومعاداة الحَقِّ
الذي جاءت به الرسل وجعل باطلهم حقًّا، وهذا عامٌّ لجميع العلوم التي نُوقِضَ بها
ما جاءت به الرسل،
ومن أحقِّها بالدُّخول في هذا،
علوم الفلسفة والمنطق اليوناني
الذي رُدَّت به كثيرٌ من آيات القرآن،
ونَقَّصَتْ قدرَه في القلوب ،
وجَعَلَتْ أدلَّته اليقينيَّة القاطعة
أدلّة لفظيَّةً
لا تفيد شيئًا من اليقين ،
ويقدّم عليها عقولُ أهل السَّفه والباطل، وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله والمعارضة لها والمناقضة ،
فالله المستعان ،

** وحاقَ بِهِمْ **
أي : نَزَلَ ما كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ من العذاب " . اهـ






أبوسند
12-01-2024, 04:43 PM
قال تعالى : ** مَّا يُقَالُ لَكَ إلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفرَةٍ
وذُو عِقَابٍ أليم * ولَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ
قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ والَّذِينَ
لَا يُؤْمِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وهو عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مكانٍ بَعِيدٍ **

سورة فصلت 43 - 44


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :


أي : ** مَا يُقَالُ لَكَ ** أيّها الرسول من الأقوال الصادرة ممَّن كذّبك وعاندك

** إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ **
أي : من جنسها،
بل ربّما إنهم تكلّموا بكلام واحد ؛
كتعجبِّ جميع الأمم المكذبة للرُّسل
من دعوتهم إلى الإخلاص لله
وعبادتِه وحدَه لا شريك له،
وردِّهم هذا بكلِّ طريق يقدرون عليه،
وقولهم :
مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ،
واقتراحُهم على رسلهم الآيات
التي لا يلزمُهُم الإتيان بها ...
ونحو ذلك من أقوال أهل التكذيب ؛
لما تشابهت قلوبهم في الكفر ؛
تشابهت أقوالهم،
وصَبَرَ الرُّسلُ عليهم السلام على أذاهم وتكذيبهم ؛
فاصبر كما صبر مَن قبلك .

ثم دعاهم إلى التوبة والإتيان بأسباب المغفرة،
وحذّرهم من الاستمرار على الغَيِّ ،
فقال :
** إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ **
أي : عظيمة
يمحو بها كل ذنب لمن أقلع وتاب
** وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ **
لمن : أصرَّ واستكبر .

** ولَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ والَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ في آذانِهِمْ وَقْرٌ وهو عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ
مكانٍ بَعِيدٍ **

يخبر تعالى عن فضله وكرمه ؛
حيث أنزل كتابَه عربيًّا على الرسول العربيِّ بلسان قومه ليبيّن لهم ،
وهذا مما يوجب لهم زيادةَ الاعتناء به والتلقِّي له والتسليم،
وأنّه لو جعله قرآنا أعجميًّا
بلغة غير العرب ؛
لاعترض المكذِّبون وقالوا :
** لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ **
أي : هلاَّ بُيِّنت آياته ووُضِّحت وفُسِّرت ،

** أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ **
أي : كيف يكون محمّدٌ عربيًّا
والكتاب أعجميّاً ؟!
هذا لا يكون .
فنفى الله تعالى كلَّ أمر يكون فيه شبهةٌ لأهل الباطل عن كتابه،
ووصَفَه بكلِّ وصفٍ يوجب لهم الانقياد، ولكن المؤمنون الموفّقون انتفعوا به
وارتفعوا،
وغيرهم بالعكس من أحوالهم ،

ولهذا قال :
** قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفَاءٌ **
أي : يهديهم لطريق الرشد والصراط المستقيم،
ويعلِّمهم من العلوم النافعة ما به تحصُل الهداية التامَّةُ ،
وشفاءٌ لهم من الأسقام البدنيَّة
والأسقام القلبيّة ، لأنّه يزجر عن مساوئ الأخلاق وأقبح الأعمال ،
ويحث على التوبة النّصوح
التي تغسل الذّنوب وتشفي القلب .

** والَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ** : بالقرآن
** في آذَانِهِمْ وَقْرٌ **
أي : صممٌ عن استماعه وإعراض،
** وهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ** ؛
أي : لا يبصرون به رشدًا،
ولا يهتدون به ،
ولا يزيدهم إلاّ ضلالاً ؛
فإنّهم إذا ردُّوا الحَقَّ ،
ازدادوا عمىً إلى عماهم
وغيًّا إلى غيَّهم .

** أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ **
أي : يُنادَون إلى الإيمان
ويُدعَوْن إليه فلا يستجيبون ؛
بمنزلة الذي ينادَى وهو في مكان بعيد،
لا يسمع داعيًا ولا يجيب مناديًا .

والمقصود أنّ الذين لا يؤمنون بالقرآن
لا ينتفعون بهُداه ولا يبصرون بنورِه
ولا يستفيدون منه خيرًا ؛
لأنّهم سدُّوا على أنفسهم أبواب الهدى بإعراضهم وكفرهم . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 04:44 PM

قال تعالى : ** قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ كان مِنْ
عند الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ به مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هو في شِقاقٍ بعيدٍ * سَنُرِيهِمْ آياتِنَا في الْآفَاقِ وفي أنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ *
أَلَا إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ ألَا إِنَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ **

سورة فصلت 52 - 54

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

أي : ** قُلْ ** لهؤلاء المكذِّبين بالقرآن المسارعين إلى الكفران
** أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ ** هذا القرآن
** مِنْ عِنْدِ الله **
من غير شكٍّ ولا ارتياب،

** ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ** أي : معاندة لله ولرسوله ؛
لأنّه تبيّن لكم الحقُّ والصواب،
ثم عدلتُم عنه لا إلى حقٍّ ،
بل إلى باطل وجهل ؛
فإذاً تكونون أضلَّ النّاس وأظلَمَهم .

فإن قلتُم أو شككتُم بصحَّته وحقيقتِه، فسيقيم اللّه لكم ويريكم من آياته
في الآفاق ؛
كالآيات التي في السماء وفي الأرض
وما يُحدِثُه الله تعالى من الحوادث
العظيمة الدالَّة للمستبصر على الحَقِّ .

** وفي أَنْفُسِهِمْ ** : مما اشتملتْ عليه أبدانُهم من بديع آيات اللهِ وعجائبِ
صنعتِه وباهر قدرتِه ،
وفي حلول العقوبات والـمَثُلات في
المكذّبين ونصر المؤمنين ،

** حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ **
من تلك الآيات بيانًا لا يقبل الشكَّ
** أَنَّهُ الحَقُّ ** :
وما اشتمل عليه حقٌّ ،
وقد فعل تعالى ،

فإنّه أرى عباده من الآيات ما به تبيّن
لهم أنّه الحَقُّ ،

ولكن الله هو الموفِّق للإيمان مَن شاء ، والخاذل لمن يشاء .

** أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ** أي : أولم يكفهم
– على أنّ القرآن حقٌّ ،
ومن جاء به صادقٌ –
بشهادة الله تعالى ؛
فإنّه قد شهد له بالصدق ،
وهو أصدقُ الشاهدين ،
وأيَّدَه ونصره نصرًا متضمِّنًا لشهادتِه القوليَّة عند من شكَّ فيها .

** أَلَا إِنَّهُمْ في مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ **
أي : في شكٍّ من البعث والقيامة،
وليس عندَهم دارٌ سوى الدار الدُّنيا،
فلذلك لم يعملوا للآخرة،
ولم يلتفتوا لها .

** أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ **
عِلْماً وقدرةً وعزةً . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 04:44 PM
قال تعالى :
** حم * عسق * كذلك يُوحِي إليكَ وإلى الَّذينَ مِنْ قَبْلكَ الله العَزِيزُ الحَكيمُ *
له ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ
وهو العَلِيُّ العَظيمُ * تَكَادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ والملَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ في الأَرْضِ
ألَا إنّ الله هو الغَفُورُ الرَّحيمُ * والَّذينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أولِياءَ الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ
وما أَنْتَ عَلَيْهمْ بوَكيلٍ * وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرَى ومَنْ حَوْلَهَا
وتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لَا رَيْبَ فيه فَريقٌ في الجَنَّةِ وفَريقٌ في السَّعيرِ * ولَوْ شاءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً ولكنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ في رَحْمَتِهِ والظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ ولَا نَصِيرٍ **

سورة الشّورى 1 - 8


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

يخبر تعالى أنه أوحى هذا القرآن العظيم إلى النبيِّ الكريم كما أوحى إلى مَن قبلَه من الأنبياء والمرسلين ؛
ففيه بيانُ فضلِه بإنزال الكتب وإرسال الرُّسل سابقا ولاحقا،
وأنّ محمداً صلّى الله عليه وسلم
ليس ببدعٍ من الرّسل،
وأنّ طريقَته طريقةُ مَن قبلَه،
وأحواله تناسبُ أحوالَ مَن قبلَه مِن
المرسلين ،
وما جاء به يشابِه ما جاءوا به ؛
لأنّ الجميع حقٌّ وصدقٌ ،

وهو تنزيل من اتّصفَ بالألوهيَّة والعزَّة العظيمة والحكمة البالغةِ ،
وأنّ جميع العالم العلويِّ والسفليِّ مُلكُه وتحت تدبيره القدريِّ والشرعيِّ ،
وأنّه ** العَلِيُّ ** بذاته وقدره وقهره . ** العَظِيمِ ** الذي من عظمته

** تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ **
على عظمها وكونها جمادا،
** والمَلَائِكَة ** :
الكرامُ المقرَّبون خاضعون لعظمتِه مستكينون لعزَّته مذعنون بربوبيَّته ،

** يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ** :
ويعظِّمونه عن كل نقص،
ويصفونه بكل كمال ،

** ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ في الأَرْضِ **
عما يصدُر منهم مما لا يليقُ بعظمة ربِّهم وكبريائه،
مع أنه تعالى ** الغَفُورُ الرَّحيمُ ** :
الذي لولا مغفرتُه ورحمتُه ؛
لعاجَلَ الخلقَ بالعقوبةِ المستأصِلَة .

وفي وصفِه تعالى بهذه الأوصاف،
بعد أن ذَكَر أنّه أوحى إلى الرسل كلهم عموما وإلى محمد
صلى الله عليهم وسلم
خصوصا إشارةٌ إلى أن هذا القرآن الكريم فيه من الأدلةُ والبراهينُ والآياتُ الدالَّةُ
على كمال الباري تعالى ووصفِه بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاءِ القلوب
مِن معرفتِه ومحبتِه وتعظيمِه وإجلالِه وإكرامِه وصرف جميع أنواع العبوديّة الظاهرة والباطنة له تعالى ،
وأنّ مِن أكبر الظُّلم وأفحش القول
اتِّخاذ أندادٍ من دونِه ،
ليس بيدهِم نفعٌ ولا ضرٌّ ،
بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله
في جميع أحوالهم .

ولهَذا عقَّبَه بقولِه :
** والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ **
يتولّونَهم بالعبادة والطاعة ؛
كما يعبدون الله ويطيعونَه ؛
فإنّما اتّخذوا الباطلَ ،
وليسوا بأولياءٍ على الحقيقة .

** الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ **
يحفظُ عليهم أعمالَهم فيجازيهم
بخيرها وشرِّها ،
** وما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ** :
فتسألُ عن أعمالهم ،
وإنّما أنت مبلغٌ أديتَ وظيفتَك .

ثم ذكر منَّته على رسوله وعلى الناس
حيث أنزل الله ** قُرْآنًا عَرَبِيًّا **
بيِّن الألفاظ والمعاني ،
** لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى **
وهي مكة المكرمة
** ومَنْ حَوْلَهَا ** : من قُرى العرب،
ثم يسري هذا الإنذار إلى سائر الخلق ،

** وتُنْذِرَ ** النّاس ** يَوْمَ الجَمْعِ **
الذي يجمعُ الله به الأوّلين والآخرين، وتخبرُهم أنّه ** لَا رَيْبَ فِيهِ **
وأن الخلق ينقسمون فيه فريقين :
** فَرِيقٌ في الجَنَّةِ **
وهم الذين آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين، ** وفَرِيقٌ في السَّعيرِ **
وهم أصنافُ الكَفَرة المكذّبين .

** و ** مع هذا
** لَوْ شَاءَ اللهُ ** لَجَعَلَ النّاسَ
أي : جعل النّاس ** أُمَّةً وَاحِدَةً **
على الهدى ؛
لأنّه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء،
ولكنه أراد أن يُدْخِلَ في رحمتِه مَن شاء
مِن خواصِّ خلقِه ،

وأمّا الظّالمون الذين لا يَصْلُحون لصالح ؛ فإنّهم محرومون من الرّحمة ؛
فـمَا لَهُمْ مِن دون الله مِنْ وَلِيٍّ يتولاهم فيحصِّلُ لهم المحبوب ،
وَلَا نَصِيرٍ يدفعُ عنهم المكروهَ . اهـ








أبوسند
12-01-2024, 04:45 PM
قال تعالى :
** فلذلك فادْعُ واسْتَقِمْ كما أُمِرْتَ ولَا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ وقُلْ آمَنتُ بما أَنزَلَ الله مِن كِتابٍ وأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ الله رَبُّنَا ورَبُّكُمْ
لنا أعْمالُنا ولكم أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا وإليه المَصِيرُ **

سورة الشّورى 15

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

** فَلِذَلِكَ فَادْعُ ** ؛
أي : فللدين القويم والصراط المستقيم، الذي أنزل الله به كُتُبه وأرسل رُسُله ؛
فادع إليه أمَّتك ،
وحضَّهم عليه، وجاهد عليه مَن لم يقبَلْه .

** واسْتَقِمْ ** بنفسك ** كما أُمِرْتَ **
أي : استقامةً موافقةً لأمر الله،
لا تفريط ولا إفراط،
بل امتثالا لأوامر الله ،
واجتناباً لنواهيه،
على وجه الاستمرار على ذلك ؛
فأمَرَه بتكميل نفسه بلزوم الاستقامة، وبتكميل غيرِه بالدّعوة إلى ذلك .

ومن المعلوم أنّ أمر الرسول صلى الله
عليه وسلم أمرٌ لأمَّته إذا لم يَرِدْ
تخصيصٌ له .

** ولَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ **
أي : أهواء المنحرفين عن الدّين مِن الكفرة والمنافقين ،
إمّا باتِّباعهم على بعض دينهم،
أو بترك الدّعوة إلى الله،
أو بترك الاستقامة ؛
فإنّك إن اتّبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنّك إذاً لمن الظالمين،

ولم يقل : ولا تتّبع دينَهم ؛
لأنّ حقيقة دينهم الذي شَرعَه الله لهم
هو دين الرسل كلِّهم،
ولكنَّهم لم يتَّبِعوه، بل اتبعوا أهواءهم واتّخذوا دينهم لهوا ولعبا .

** وقُلْ ** : لهم عند جدالهم ومناظرتهم : ** آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ الله مِنْ كِتَابٍ **
أي : لتكن مناظرتُك لهم مبنية على هذا الأصل العظيم،
الدالِّ على شرف الإسلام وجلالته وهيمنتِه على سائر الأديان،
وأنّ الدين الذي يزعُم أهل الكتاب أنّهم عليه جزءٌ من الإسلام،
وفي هذا إرشادٌ إلى أن أهل الكتاب
إن ناظروا مناظرة مَبنيَّةً على الإيمان ببعض الكتب أو ببعض الرسل دون غيرِه، فلا يسلمُ لهم ذلك ؛
لأنّ الكتاب الذي يدعون إليه
والرسول الذي ينتسبون إليه مِن شرطهِ
أن يكون مصدِّقاً بهذا القرآن
وبمن جاء به،
فكتابنا ورسولُنا لم يأمرنا إلاّ بالإيمان بموسى وعيسى والتوراة والإنجيل
التي أخبر بها وصدَّق بها وأخبر أنّها مُصدقة له ومقرَّة بصحته ،

وأما مجرَّدُ التوراة والإنجيل وموسى وعيسى الذين لم يوصفوا لنا ولم يوافِقوا لكتابِنا ؛ فلم يأمرنا بالإيمان بهم .

وقوله : ** وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ **
أي : في الحكم فيما اختلفتم فيه ؛
فلا تَمنَعُني عداوتكم وبغضكم
يا أهل الكتاب من العدل بينكم،
ومن العدل في الحكم بين أهل الأقوال المختلفة من أهل الكتاب وغيرهم أن يُقبلَ
ما معهم من الحَقِّ ويُردَّ ما معهم من الباطل .

** الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ **
أي : هو ربُّ الجميع،
لستم بأحق به منا ،
** لَنَا أَعْمَالُنَا ولَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ** :
من خيرٍ وشرٍّ ،
** لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ **
أي : بعد ما تبيّنت الحقائق واتّضح
الحقُّ من الباطل والهدى من الضلال ؛

لم يبق للجدال والمنازعة محلٌّ ؛
لأنّ المقصود من الجدال إنّما هو بيان الحَقِّ من الباطل ؛
ليهتدي الراشدُ ،
ولتقومَ الحجةُ على الغاوي .

وليس المراد بهذا أنّ أهل الكتاب
لا يُجادَلون ،
كيف والله يقول : ** وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ** ؟!
وإنّما المراد ما ذكرنا .

** الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا وإِلَيْهِ المَصِيرُ ** :
يوم القيامة،
فيجزي كلاًّ بعملِه،
ويتبيّن حينئذ الصادق من الكاذب . اهـ






أبوسند
12-01-2024, 04:46 PM
قال تعالى :
** فاسْتَمْسِكْ بالَّذي أُوحِيَ إليك إِنَّكَ
على صِرَاطٍ مُّسْتَقيم * وإنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ
ولِقَوْمِكَ وسَوْفَ تُسْألُونَ **

سورة الزخرف 43 - 44


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

وأما أنت ؛
** فَاسْتَمْسِكْ بالَّذي أُوحِيَ إلَيْكَ **
فعلا واتِّصافاً بما يأمر بالاتّصاف به ،
ودعوةً إليه، وحرصا على تنفيذِه في نفسك وفي غيرك .

** إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ **
موصل إلى الله وإلى دار كرامته،
وهذا مما يوجب عليك زيادةَ التمسُّك به والاهتداء ،
إذا علمتَ أنّه حقٌّ وعدلٌ وصدقٌ تكون بانياً على أصل أصيل ،
إذا بنى غيرُك على الشكوك والأوهام، والظُّلم والجَوْر .

** وإِنَّهُ ** ؛ أي : هذا القرآن الكريم ،
ذِكْرٌ ** لَكَ وَلِقَوْمِكَ **
أي : فخرٌ لكم ومنقبةٌ جليلةٌ ونعمةٌ لا يقادر قدرها ولا يعرف وصفها،
ويذكِّرُكم أيضاً ما فيه من الخير الدنيويِّ والأخرويِّ، ويحثُّكم عليه،
ويذكِّرُكم الشرَّ ويرهِّبُكم عنه .
** وسَوْفَ تُسْأَلُونَ ** : عنه ؛
هل قُمتم به فارتفعتُم وانتفعتُم ؟
أم لم تقوموا به فيكون حجةً عليكم
وكفرا منكم بهذه النعمة ؟ .

أبوسند
12-01-2024, 04:46 PM

قال تعالى : ** وما كان لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إلَّا وَحْيًا أو مِنْ وَراءِ حِجابٍ أو يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بإذْنِهِ ما يَشاءُ إنّهُ عليٌّ حَكِيمٌ * وكذلك أوْحَيْنا إليك رُوحًا مِنْ أمْرِنَا ما كُنْتَ تَدْري ما الكِتابُ ولَا الإِيمانُ ولكنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراط مُسْتَقِيمٍ * صِراطِ الله الّذي لَهُ ما فِي السّماواتِ وما في الأَرْضِ ألَا إلى الله تَصيرُ الأُمُورُ **

سورة الشّورى 51 - 53

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

لما قال المكذِّبون لرسل الله الكافرون بالله : ** لَوْلَا يُكَلِّمُنَا الله أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ **
من كِبرهم وتجبُّرهم ؛
ردَّ اللهُ عليهم بهذه الآية الكريمة،
وأنّ تكليمه تعالى لا يكون
إلاّ لخواصِّ خلقه ؛
للأنبياء والمرسلين وصفوته من العالمين،
وأنّه يكون على أحد هذه الأوجه :

إما أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ وَحْيًا ،
بأن يُلْقي الوحيَ في قلب الرسول من
غير إرسال مَلَكٍ ولا مخاطبة منه شِفاهاً ،

** أَوْ ** يكلِّمَه منه شِفاهاً، لكنه
** مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ** كما حصل لموسى
بن عمران كليم الرحمن ،

** أَوْ ** يكلِّمه الله بواسطة الرسول الملكيِّ ، فـيُرْسِلَ ** رَسُولًا ** ؛
كجبريل أو غيره من الملائكة ،

** فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ** ؛ أي : بإذن ربِّه
لا بمجرّد هواه ؛
إِنَّهُ تعالى عليُّ الذّات عليُّ الأوصاف ، عظيمُها ، عليُّ الأفعال ،
قد قهر كلَّ شيء، ودانت له المخلوقات ،

** حكيمٌ ** في وضعه كلَّ شيء في موضعه من المخلوقات والشرائع .

** وكذلكَ **
حين أوحينا إلى الرسل قبلك ،
** أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ** :
وهو هذا القرآن الكريم،
سمّاه روحا ؛
لأنّ الروح يحيا به الجسدُ،
والقرآن تحيا به القلوب والأرواح ،
وتحيا به مصالحُ الدُّنيا والدين ؛
لما فيه من الخير الكثير والعلم الغزير ،

وهو محضُ منَّة اللهِ على رسولِه وعباده المؤمنين من غير سبب منهم ،
ولهذا قال : ** ما كُنْتَ تَدْرِي ** ؛
أي : قبل نزوله عليك
** ما الكِتَابُ ولَا الإِيمَانُ ** ؛ أي : ليس عندك علمٌ بأخبار الكتب السابقة ،
ولا إيمانٌ وعملٌ بالشرائع الإلهيّة ،
بل كنتّ أميّاً لا تخطُّ ولا تقرأ ،
فجاءك هذا الكتاب الذي ** جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ** : يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع والأهواء الـمُرْديَة ،
ويَعرِفون به الحقائقَ ،
ويهتدون به إلى الصراط المستقيم .

** وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ** ؛
أي : تبيِّنُه لهم ، وتوضِّحه ، [ وتنيره ]
وترغِّبهم فيه ، وتَنهاهم عن ضدِّه ،
وترهِّبهم منه .

ثم فسر الصراط المستقيم ، فقال : ** صِرَاطِ الله الَّذي لَهُ ما في السَّمَاوَاتِ
وما في الأَرْضِ **
أي : الصراط الذي نَصَبَه الله لعبادِه وأخبرهم أنّه موصلٌ إليه
وإلى دار كرامته .

** أَلَا إلى الله تَصيرُ الأُمُورُ ** ؛
أي : ترجعُ جميع أمور الخير والشرِّ ، فيجازي كُلًّا بعملِه ،
إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌّ . اهـ







أبوسند
12-01-2024, 04:47 PM
" ولَقَدْ ظل القرآن الكريم طوال
أربعة عشر قرناً من الزمان أو يزيد ،
منارة شامخة ،
تسطع على الدُّنيا كلها ،
لا يهزها تتابع أعاصير الأفكار المختلفة ،
ولا يرجّها طغيان فيضانات المعارف المتنوعة ،
التي محت كل رسم من رسوم الفلسفات السابقة ، وأتت على كل أثر من آثار الثقافات القديمة ،
بل كان ذلك كله مما يزيد برهانه وضوحاً ،
وإعجازه سطوعاً .

وأعجب من ذلك كله ، أن يواجِهَ القرآن كل جيل من أجيال هذه القرون المتتابعة ،
بما يحل مشاكله ، ويروي ظمأه ،
ويشفي غليله ،
فكأنّما أنزل على كل جيل إنزالا جديدا ،
بقدر مقاييس عقله ، ومعايير فكره ،
وأطوار حياته ، ومطالب عصره ،
حتى إنَّهُ ليخيل للناشئ في أي زمان
وفي أي مكان ، أنه لم ينزل إلَّا ليشفي أمراض المجتمع الذي يعيش هو فيه ؛
لأنه يراه كالثوب الذي فُصِّل بقدر قامة مجتمعه .

ذلك لأن الله سبحانه جعله نورانياً ،
يروي كل نفس ، ويتدفق بكل دهر ،
ولَعَمْري : " ما ألفاظ القرآن إلَّا كلمات نورانية ، تجلّت من الغَيْبِ فتألقت في أُفُق البيان ، كما تتألق النجوم في أفق الفضاء ، وإنما الفارق بين تلك وهذه ،
أن تلك تهدي الأبصار ،
وهذه تهدي البصائر ،
وأن تلك من شأنها الأفول ،
وهذه لا تغور ولا تزول ،
فالقرآن يصلنا بالغيب ،
ويعكس لنا حقائق الوجود ،
وينير لنا ظلمات الحياة ،
ويمدنا بعطائه الذي لا ينفد ،
بعبارات لا ترقَى إليها مَلَكات البشر ،
إلَّا بقدر ما ترقى الأبصار إلى النجوم ،
وكلما حاولَ محاولٌ سوَّلت له نفسُه أن
يأتي بمثلِه ، انتكس على أم رأسِه ،
وكان مثار السخرية والاستخفاف
إلى يوم الدين " .

ومِنْ ثَمَّ أحجم كفرة قريش الماردون ،
كعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ،
والوليد بن عتبة ، والوليد بن المغيرةُ ،
وأبي جهل بن هشام ،
عن الاقتراب عن معارضته ،
ولم تسوِّل لهم أنفسهم ذلك ،
لأنهم يدركون أنهم لو حاولوا ذلك ،
لما كان منهم إلَّا الإسفاف الذي يريأون بأنفسهم عنه ، ويأنفون من نسبته إليهم ،
وقد كان عند هؤلاء الكفرة الماردين من التفكير ما لم يكن عند أولئك السخفاء المجانين ، الَّذينَ أعماهم الغرور ،
واقتادهم الهوى إلى مهاوي المغامرات
الـمُردية ، كمسيلمة الكذّاب ،
وسجاح بنت الحارث ، وغيرهم ممَّن أعماهم
الحقد وأضلهم الشيطان .

وعندما نشأت الديانة البهائية الضالة ،
حاول البهائيون معارضة القرآن ،
فألفوا مقالات لتكون فيما يزعمون ،
مثل سورِ القرآن في الهداية والإعجاز ،
فما كان من أمرهم إلَّا أن شعروا بالهزيمة والفضيحة ، فعادوا إلى ما ألفوه فمزّقوه ،
وما تبقى بأيديهم من نسخ هذا التأليف ،
حالوا بينَه وبين النّاس خشية السخرية
والاستهزاء بهم " .

_ الدِّينُ الحَقُّ وقواعده الرّاسخة
( 1 / 26 - 27 )
تأليف : فوزي عبد المنصف .

أبوسند
12-01-2024, 04:48 PM
قال المستشرق الفرنسي كليمان هيار :
لم يكن محمدا [ صلَّى الله عليه وسلَّم ]
نبياً عاديا ، بل استحق عن جدارة ،
أن يكون خاتم الأنبياء ، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الَّذينَ سبقوه ، مضاعفة من بني قومه الَّذينَ شغلتهم عبادة الأصنام ،
فجعلت قلوبهم وعقولهم أقسى وأصلب من أحجارها حتى على فلذات أكبادهم من البنات ، حيث كان الوأد .

واستطاع هذا الرّجلُ القرآني أن يحقق
مالم يكن محسوبا له أن يتحقق ،
في تقدم وتطور أبناء الجزيرة التي
ما لانت قلوبُهم إلَّا على صوته يقرأ القرآن ،
وما لانت قلوبهم إلَّا على أحكامه القرآنية ،

التي كان وحي السّماء يمده بها ،

في كل وقت يحتاج إلى ذلك .

رجل استطاع أن يجعل وأد البنات مكروها
لدى هؤلاء ...

رجل ليس عاديا ، ونبي أيضا ليس عاديا ،
فالذي يساوي بالحق بين أقرب الناس إليه
وبين الناس جميعا ، رجل يستحق أن تكون كلمته مسموعة مفهومة ،

فأحكامه القرآنية من عند الله الذي اختاره ليحمل مسؤولية العالمين ،

بكتاب أنزله الله عليه ليكون الشعلة
التي تضيء الطريق إلى سلام يسود العالم .

إذا ما أصبح القرآن هو الطريق الذي اختاره العالم مقتنعا ،
وهذا الاقتناع لن يسود العالم والمسلمون في بُعد بَعِيد عن الدعوة إلى الإسلام ،

مثلما كان يدعو رسول الله
[ صلَّى الله عليه وسلَّم ]
ولَوْ أن المسلمين اتخذوا رسولهم قدوة في نشر الدعوة لأصبح العالم مسلما ،

لكن المسلمين انصرفوا مرة ثانية عن الاسلام ،
وهذه مؤامرة عليهم لم يدركوها في حينها ،
وأتمنى أن يدركوها ذات يوم . اهـ

عن طريق كتاب : مقدمة في إعجاز القرآن الكريم لـ د. مروان وحيد ( ص 129 ) .


وقال واشنجون ايرفنج الأديب الأمريكي
في كتابه " حياة محمد " :

كانت التوراة في يوم ما هي مرشد الإنسان وأساس سلوكه ، حتى إذا ظهر المسيح عليه السلام اتبع المسيحيون تعاليم الإنجيل ،
ثم حلّ القرآن مكانهما فقد كان القرآن أكثر شمولا وتفصيلا من الكتابين السابقين ،
كما صحح القرآن ما قد أُدخل على هذين الكتابين من تغيير وتبديل ،
وحوى القرآن كل شيء ،
وحوى جميع القوانين ،
إذ أنه خاتم الكتب السماوية . اهـ

عن طريق كتاب : مقدمة في إعجاز القرآن الكريم لـ د. مروان وحيد ( ص 132 ) .

أبوسند
12-01-2024, 04:48 PM
" ونحن نعتقد أن القرآن معجز
لا ريب في ذلك ،
وأن إعجازه قد ثَبت لدينا بطريقين :
طريق تاريخي ، وطريق علمي .

أما الطريق التاريخي : ... إن العرب كانُوا
أفصح النّاس ألسنة ، وأقواهم بيانا عند نزول القرآن ،
وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثلِه ،
أو بعشر سور من مثله ،
أو بسورة واحدة فقط ، فعجزوا ،
وما زال التحدي قائما إلى أن يرث الله
الأرضَ ومَن عليها ،
وما زال العجز مستمرا كذلك إلى الأبد ،
وصدق الله إذ يقول : ** فإن لّم تفعلوا
ولن تفعلوا فاتَّقُوا النّار الّتي وقودها النّاس
والحجارة أُعدَّت للكافرين **
سورة البقرة 24

فإذا عرفنا أن أئمّة البلاغة
وأساطين البيان ،
قد عجزوا إبّان نزول القرآن عن معارضته ،
فغيرهم عن ذلك أعجز ،
هذا حكم التاريخ .

أما الطريق الثاني : فهو الطريق العلمي ،
ولنا فيه نظرتان ، نظرة إلى الألفاظ ،
ونظرة إلى المعاني ،
فأمّا النظرة إلى الألفاظ :
فإن اللغوي يضع الآية أمامَه كما يضع صانع الجواهر إحدى الدرر الفريدة تحت المجهر ليرى آيات الإبداع ،
كذلك اللغوي ، يجد في كل آية بل في كل كلمة ، بل في كل حرف من حروف القرآن ،
معنىً فريداً ،
ووضعاً لا يَتَأتى لبشر أن يدانيه ،
وأبرز نواحي الإعجاز ، أن تُصاغ هذه
المعاني الغالية ، ذات المرامي البعيدة ،
في مثل هذه الألفاظ التي بلغت الغاية
في اليُسر والسهولة .

لقد دخل رجلٌ على عالم جليل فوجده مأخوذا بنشوة الفرح والسرور ،
فسأله عن سر فرحه وسروره ؟
فَقالَ العالم : قرأتُ آية من كتاب الله عزّوجلّ
فوجدتُ فيها خبرين ، ونهيين ، وبشارتين ،
فَقالَ الرّجلُ : وماهي هذه الآية ؟
قال : قوله : ** وأوحينا إلى أُمّ موسى أن أرضعيه فإذا خِفتِ عليه فألقيه في اليمّ
ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين **
سورة القصص 7

فالخبران هما : ( أوحينا ، وخفت ) ،

والأمران هما : ( أرضعيه ، وألقيه ) .

والنهيان هما : ( لا تخافي ،ولا تحزني ) ،

والبشارتان هما :
( إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) ،

فعرف السائل سر انباهره وإعجابه ،
وشاركهم فيما أخذ بلبه وسيطر على فؤاده .
هذا عن ألفاظ القرآن " .


_ الدِّينُ الحَقُّ وقواعده الرّاسخة
( 1 / 31 - 32 )
تأليف : فوزي عبد المنصف .






أبوسند
12-01-2024, 04:49 PM
" وأمَّا النظرة إلى المعاني :
فسنقتصر منها على نواح ثلاث :

الناحية الأولى :
الشمول القرآني لكل شيء ،
وتعرُّضه للعلوم والفنون ، وعلاج النفوس ،
وصدق الله إذ يقول :
** مّا فرّطنا في الكتاب من شيء **
[ سورة الأنعام : 38 ]
وإِذْ يقول :
** ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكلّ شيء وهدى
ورحمة وبشرى للمسلمين **
[ سورة النحل : 89 ]

وقد جاء هذا كله على لسان نبيٍّ أُميٍّ لم يذهب إلى معلم ، ولم يدرس في كلية ،
ولم يتخصص في جامعة ،
لقد جاء بتفصيل ما يحتاج إليه البشر ،
وحل مشكلاتهم من ناحية الحكم ،
والتشريع ، ونظام الطبقات ، والأسرة .

أما نظام الحكم :
فقد حلّه في ثمان كلمات ،
هي قوله تعالى : ** وشاورهم في الأمر
فإذا عزمتَ فتوكّل على الله إنَّ الله يُحبُّ
المتوكّلين **
[ سورة التوبة : 159 ] .

وأمَّا مشكلة الطبقات : فقد حلَّها في
أربع عشرة كلمة ،
سبع خاطب بها الحاكم ،
وهي قوله تعالى : ** خذ من أموالهم صدقة
تطهّرهم وتزكّيهم بها **
[ سورة التوبة : 103 ] .

وسبع خاطب بها المحكومين ،
وهي قوله تعالى : ** والّذين في أموالهم
حقٌّ مّعلوم * للسّائل والمحروم **
[ سورة المعارج : 24 - 25 ] .

وأمَّا مشكلة الأسرة : فقد حلّها في ثمان كلمات هي قوله تعالى : ** ولهنّ مثل الّذي
عليهنّ بالمعروف وللرّجال عليهنّ درجة والله
عزيز حكيم **
[ سورة البقرة : 228 ] .

وبذلك جاء القرآن الكريم ، بحلِّ مشكلات الإنسان في الحكم ، ونظام الطبقات والأسرة في ثلاثين كلمة فقط ،
وهذه هي أهم مشكلات العالم التي يعاني منها ، والتي أنفق العُلَماء والباحثون والمختصون والفلاسفة أعمارهم في حلها ،
ولم يصلوا إلى ما وصل إليه القرآن الكريم
الذي فتح أمام الناس باب العلم الزاخر الذي لا ينتهي ، وباب الترقي البشري والتطور العلمي ،
وهذا هو معنى الإعجاز ،
فلو طبقت هذه الحلول القرآنية تطبيقا صحيحا ، ما بقي على ظهر الأرض فقير ،
ولا أسرة منحلّة ، ولا بيوت فاسدة ،
ولأصبح الحاكم سعيدا بتوفيقه ،
والمحكوم سعيدا بحريته .

والنظرة الثانية : هي أن القرآن خالد متجدد
ومَرِن يدور مع الزمن ، ولا يتعارض مع التطور العقلي والعلمي ،
فالله جلَّت قدرته يعلم أن الإنسان في تطور مستمر ، وتقدم متواصل ،
وأنه دائماً يسير إلى الأمام ،
فلو أنه بيَّن القوانين الكونية ، والنظريات العلمية ، كما هي مضبوطة ومحددة ،
لتولى بني الإنسان الارتباك والدهشة ،
ولأصروا على العِناد والتكذيب ،
ومَنْ جهل شيئاً عاداه ،

ولذلك جاء القرآن يَسيرُ مع التقدم العلمي
والبشري خطوة خطوة ،
وصدق الله إذ يقول : ** سنُريهم آيَاتِنَا
في الأفاق وفي أنفسهم حتَّى يتبيّن لهم
أنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يكفِ بِرَبِّك أنَّهُ على كل شيء شهيد ** [ سورة فصلت : 53 ] .

وهكذا فكلما اكتشفت حقيقة علمية ،
وجدنا لها إشارة في القرآن الكريم .

والله عزّوجلّ يقول : ** أفَلَا يتدبّرون القرآن
ولَوْ كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا
كثيرا ** [ سورة النّساء : 82 ] .

والنظرة الثالثة : هي ما وُجِدَ في القرآن الكريم من أسرار غيبية مثل قولِه تعالى :
** الم * غُلبت الرّوم * في أدنى الأرض وهُمْ مّن بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قَبْلُ ومِن بَعْدُ ويومئذ يفرحُ المؤمنون * بنصر الله ينصرُ مَن يشاء
وهو العزيز الرّحيم * وَعْدَ الله لا يُخلف الله
وعده ولكِنَّ أكثر النّاس لا يعلمون **
[ سورة الروم : 1 - 6 ] .

وقد تحقق نبوءة القرآن في بضع سنين كما ذكر الله عزّوجلّ ، وانتصر الروم على الفرس ، وفرح المؤمنون بذلك ؛ لأن الروم أهل كتاب سماوي ،
والفرس كانُوا يعبدون النّار ،
ولا يؤمنون بالله ، وحَزَن المشركون لأنهم
يعبدون الأصنام ويشركون مع الله غيره ،
على مثل حالهم .

ومثل هذا : ما جاء في قولِه تعالى :
** والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة
ويخلق الله ما لا تعلمون **
[ سورة النحل : 8 ] .

فقد ظهرت السيارات ، والقطارات ،
والطائرات ، وعابرات القارات ، وغير ذلك
من أنواع المواصلات والاتصالات ،
التي أشار الله إليها في قولِه تعالى :
** ويخلق ما لا تعلمون **

إلى غير ذلك من الآيات والمستجدات ،
والله يقول الحَقَّ وهو يَهدي السبيل ،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلّم " .



_ الدِّينُ الحَقُّ وقواعده الرّاسخة
( 1 / 32 - 34 )
تأليف : فوزي عبد المنصف .

أبوسند
12-01-2024, 04:50 PM
" أسماء القرآن الكريم :
سمى الله عزّوجلّ القرآن الكريم بأسماء كثيرة تزيد على خمسين اسماً ،
ومِنْ أشهرها ما يلي :

الكتاب ؛ لأنه يجمع أنواعاً من القصص ،
والآيات ، والأحكام ،
والأخبار على أوجه مخصوصة .

والذِّكر ؛ وذلك لما فيه من المواعظ ،
والتحذير ، وأخبار الأمم الماضية .
ولما فيه من الشرف ، والعز لمن آمن به ،
وصدَّ ق بآياته ، وذلك لأن القرآن يُفرِّق بين الحَقِّ والباطل .

القرآن آخر الكتب السماوية وهو خاتمها ،
وهو أطولها ، وأشملها ،
وهو الحاكم عليها .

قال الله تعالى : ** وأنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ مُصَدِّقا لّما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه **
[ سورة المائدة : 48 ] .

قال أهل التفسير في قولِه تعالى :
** ومهيمنا عليه ** : مهيمنا وشاهدا على
ما قبلَه من الكتب ، ومصدقا لها ؛
يعني يصدق ما فيها من الصّحيح ،
وينفي ما وقع فيها من تحريف ،
وتبديل ، وتغيير ،
ويحكم عليها بالنسخ والتقرير .

ولهَذا يخضع له كل متمسك بالكتب المتقدمة ممَّن لم ينقلب على عقبيه كما قال
تبارك وتعالى : ** الَّذينَ آتيناهم الكتاب من قَبْلِه هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالُوا آمنّا به إنَّهُ الحَقُّ من ربّنا إنّا كُنّا من قَبلِه
مسلمين **
[ سورة القصص : 52 - 53 ]

ولا يقبل الله من أحد دينا إلَّا ما جاء في
هذا القرآن العظيم .

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي
رحمه الله في قولِه تعالى :
** ومهيمنا عليه ** :

" أي : مشتملا على ما اشتملت عليه
الكتب السابقة ،
وزيادة في المطالب الإلهية ،
والأخلاق النفسية ؛ فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب ، فأمر به،
وحثّ عليه،
وأكثر من الطرق الموصلة إليه .
وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين،
وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول،
وما شهد له بالرّد فهو مردود
قد دخله التحريف والتبديل،
وإلاّ فلو كان من عند الله لم يخالفه " .

والقرآن الكريم هو رسالة الله الأخيرة للبشرية ، بل هو عامٌّ للجن والإنس ؛
بخلاف الكتب السماوية الأخرى التي كانت خاصة بأقوام معينين ،
وفترات معينة .

والقرآن له أثر عظيم في القلوب ؛
فما يسمعه أحد وهو مُلْقٍ سمعَه إلَّا يجد
أن له تأثيرا عَظيمًا في نفسه ، ولَوْ لم يَفهمُ
معانيه أو دلالاته ، حتى ولَوْ لم يكن يعرف اللغة العربية .
وهذا سرٌّ من أسرار القرآن التي تبيّن عظمته .

ثم إن القرآن له أبلغ الأثر في رُقي الأمم وفلاحها ؛ فهو الذي أخرج الله به من أُمّة العرب أعلام الحكمة والهُدَى ، وجعلهم خير أُمّة أُخرجت للنّاس ، بعد أن كانُوا يتخبطون
في دياجير الجهالة .

ومن خصائص القرآن : أن عجائبه لا تنقضي ، وأنه لا يَخْلَق من كثرة الرد ؛
فكلما أكثر الإنسان من قراءته زادت حلاوته
مرة بعد مرة .

ومن خصائصه : أن الله يسّر تعلمه وحفظه ، ولهَذا فإن كثيرا من أطفال المسلمين يحفظونه كاملا عن ظهر قلب .
[ سواء كانُوا عربا أو عجما ]

ومن خصائصه : أنه مشتمل على أعدل الأحكام ، وأشرفها ، وأشملها ،
فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا وأحاط بها
إجمالا وتفصيلا ،
ويشهد بذلك كل منصف عاقل ،
حتى ولو لم يكن مسلماً " .

_ الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ،
نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 1 / 48 - 50 )
مع اختصار شديد .

أبوسند
12-01-2024, 04:51 PM
" المقصود من المعجزة ليس هو إعجاز النّاس لذات الإعجاز
– أي : لمجرد إيقاعهم في العجز عن الإتيان بمثل المعجزة –
بل المقصود هو الإذعان والإيمان بصاحبها
أنه رسول من قِبَل خالقِ هذه السنن
وهو الله تعالى .

لذا فإن الله تعالى قد بَعثَ كل رسول
إلى قومه ، وأظهر على يديه المعجزات
التي من شأنها أن تجعل قومه يدركون
إدراكاً يرفع عنهم كل لبس وغموض
أن هذا رسولٌ من عند اللهِ ،
وليس بمُدَّعٍ عليه ؛
لذا كانت معجزات كل نبيّ ورسول
نابعة من بيئتِه ، ملائمة لقومه ؛
فتأتيهم على وَفْقِ ما برعوا فيه حتى يكون
ذلك أدعى لإيمانهم ،
ولإقامة الحجة على صدق رسولهم ،
وإلاّ وُصِفَت بأنها سحر وخيال وضرب من المحال ؛ لأن المعجزة لا تُحقِّق الغاية منها
إلَّا إذا حصل التحدِّي بها ،
ولا يتحقق التحدِّي لأمة من الأمم لا تعرف
شيئا عن الـمُتَحَدَّى عنه .

قال الباقلانيُّ رحمه الله في فصلٍ عَقَده
في كتابه " إعجاز القرآن " قال فيه :
« الفصل الأول : في أنّ نبوة النبي
صلَّى الله عليه وسلَّم معجزتها القرآن .

وَمِمَّا قال تحت هذا الباب : الذي يُوجِب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن
أن نبوة نبينا محمد عليه السلام
بُنِيَتْ على هذه المعجزة ،
وإن كان قد أُيِّد بمعجزات كثيرة إلَّا أنّ
تلك المعجزات قامت في أوقات خاصة ،
وأحوال خاصة ، وعلى أشخاص خاصة .

إلى أن قال رحمه الله : فأمّا دلالة القرآن فهي معجزة عامة عَمَّتْ الثقلين ،
وبقيت بقاء العصرين ،
ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها
إلى يوم القِيامَةِ على حدٍّ واحد » . اهـ

القرآن الكريم مُعْجزٌ بلا ريب ، وبعض الباحثين يَرى أن إعجاز القرآن عام ،
فيَرى مِن وُجوه الإعجاز :
الإعجازُ البياني ، والإعجاز العلمي التجريبي ، والإعجاز التشريعي ،
والإعجاز الغيبي ؛
فهذه هي أشهر وجوه الإعجاز التي يذكرها
الباحثون في شأن الإعجاز القرآني .

غير أن أعظم وجوه الإعجاز القرآني وأجلَّها هو الوجه الذي تحدى به القرآن سائر العرب ، ألَا وهو بلاغة القرآن ،
وحسن بيانه ؛ فالتحدى الأكبر إنَّما هو بلفظ
القرآن ، ونظمه .

قال الله تعالى في شأن القرآن الكريم وإعجازه : ** قل لّئنِ اجتمعت الإنسُ والجنُّ
على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلِه ولَوْ كان بعضهم لبعض ظهيرا **
[ سورة الإسراء : 88 ] " .


_ الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ،
نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 2 / 617 - 620 )
مع اختصار شديد .

أبوسند
12-01-2024, 04:52 PM
" قال الشيخ محمد رشيد رضا
رحمه الله :

„ القرآن كلام الله المعجز للخلق في
أسلوبه ونظمه ، وفي علومه وحُكمه ،
وفي تأثير هدايته ،
وفي كشف الحُجُب عن الغيوب
الماضية والمستقبلية ،
وفي كل باب من هذه الأبواب للإعجاز فصول ، وفي كل فصل منها فروع ترجع إلى أصول ...

فيه لذات عقلية وروحية ، وطمأنينة ذوقية
وجدانية تتضاءل دونها شُبهات الملحدين ،
وتنهزم من طريقها تشكيكات الزنادقة والمرتابين „ . اهـ


لقد تفرد الأسلوب القرآني بميزات عظيمة
معجزة ،
وذلك من ناحية بلاغة وحسن بيانه .

وبلاغة القول : أن تكون ألفاظه فصيحة ،
ونَظْمه محكما ،
ودلالته على المعنى منتظمة وافية .

أما فصاحة ألفاظه : فبأن يسهل جريانه
على اللسان ويخفّ وقعها على السمع ،
ويألفها الذوق ..

وأمَّا إحكام نظمه فبأن تقع كل كلمة منه موقعها اللائق بها ، بحيث تكون كلماته
متناسية يأخذ بعضها برقاب بعض ،
فلا يمكنك أن تضع يدك على كلمة وتقول :
ليت هذه الكلمة تقدمت عن تلك الكلمة ،
أو تأخرت عنها .

وأمَّا انتظام دلالته : فبأن يَطْرُقَ اللّفظُ
سمعَك ، فيخطر معناه في قلبك .
وحصول المعنى في القلب بسرعة أو بعد مهلة يرجع إلى حال السامع من الذكاء
أو بطء الفهم ...

ويتحقق انتظام دلالة الكلام بإخراج المعاني
في أقوم صورة ، وأعلقها بالنفس ،
كالتشبيه ، وضرب الأمثال ...

وأما كون الدلالة على المعنى وافية :
فبأن يؤديَ اللّفظُ صورَ المعاني ..
بحيث تكون العبارة بمفرداتها وأسلوبها
كالمرآة الصافية تعرض عليك ما أودعت من المعاني لا يفوت ذهنك منها شيءٌ .

ولا تزال تُصَعِّدُ نظرك في هذه الدرجات المتفاوتة إلى أن تصل إلى كلام يُبهرك
بفصاحة مفرداته ، ومتانة تأليفه ،
وانتظام دلالته ، وبهجة معانيه ... " .


_ الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ،
نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 2 / 620 - 624 )
مع اختصار شديد .

أبوسند
12-01-2024, 04:53 PM
" مميزات بلاغة القرآن وحسن بيانه

1 - فصاحة مفردات القرآن :
فلا تكاد تمر بك كلمة إلَّا وجدتَها محكمة الوضع ، خفيفة الوقع على السمع .

2 - متانة نظمه : التي بلغت الغاية التي ليس وراءها مطلع ..

3 - انتظام دلالته على ما يقصد إفادته وإحضاره في الأذهان ...

4 - استيفاؤه للمعاني :التي تستدعي الحال الإفصاحَ عنها أو الإيماء إليها ؛
فإنّك تنظر في الآية ،
وتتدبر المعنى الذي سيقت من أجله ،
فتعود منها ويدك مملوءة من الفوائد التي تقع إليها ؛ من حيث تُقَرِّر شريعة ،
أو تُقيم حُجة ، أو تلقي موعظة ،
أو تُرسل حكمة ، إلى نحو هذا مما تستبين به سبيل الرشد ..

5 - تناسبه في حسن بيانه دون تفاوت
أو تباين : فأنت ترى البليغ من البشر يحسن البيان ، ويأخذ لبَّك ، حتى إذا طال به مجال القول ...
أمكنك أن تُبصر فيها ضعفاً ،
وتستخرج بنقدك الصحيح من أواخر كلامِه
مآخذ أكثر مما تستخرج من أوائلها .

ولكن القرآن الكريم على طول أمده ،
وكثرة سوره نزل متناسبا في حسن بيانه ،
كما قال تعالى :
** الله نزّل أحسن الحَديث كِتاباً متشابها **
[ سورة الزمر : 23 ]

ثم قال : ** ولَوْ كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا **
[ سورة النّساء : 82 ] .

6 - صوغ الأقوال على قدر الحقائق : فمن المعروف أن القرآن أتى بحقائق أسَّسَ
بها شريعة واسعة النطاق ،
والقرآن الكريم يعبر عن تلك المعاني التي
تستدعي صدقَ اللهجة ، وصوغَ الأقوال على أقدار تلك الحقائق ، فترى الفصاحة ضاربة أطنابها ،
والبلاغة مرسلة أشِعَّتها .
وليس من شأن هذه المعاني أن تظهر فيها براعة البُلغاء كما تظهر فيما أَلَّفوه
مما يطلقون لأفكارهم فيه العنان ،
فتذهب مع الخيال كل مذهب ، وترتكب من المبالغات ما استطاعت أن ترتكب .

7 - خُلوه من التصنع : القرآن الكريم بالغ الغاية في حسن البيان ، فلا يجد فيه الراسخ في نقد المنشآت البليغة ما ينزل
عن الدرجة العليا ، بل يحس روح البلاغة
التي لا يحوم عليها شيء من التصنع
سارية في آياته وسوره ، سواء في ذلك تصويره للمعاني ،
أو نظم الألفاظ الناطقة بها .

8 - تكرار القصص في أكمل ما يكون من حسن البيان :
فمن أعظم مظاهره بلاغة القرآن ،
أنه يورد القصة في أوفى درجة من حسن البيان ، ثم يعيدها في سورة أخرى على حسب ما يقتضيه مقام الوعظ ،
حتى إذا عقدت موازنة بين حكايتها هنا وحكايتها هناك ،
وجدتهما في مرتبة واحدة من البلاغة
لا تنزل إحداهما عن الأخرى بحال .

أما البليغ من البشر ، فقد يسوق إليك القصة في عبارات أنيقة ، ثم يريد أن يعيدها مرة أخرى ، فإذا هي في درجة من البراعة منحطة عن درجتها الأولى " .


_ الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ،
نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 2 / 624 - 626 )
مع اختصار شديد وشيء من التصرف .






أبوسند
12-01-2024, 04:53 PM
" لما كان المخاطبون هم جملة النّاس بمختلف طبقاتهم وفئاتهم وعلى اختلاف
مستوياتهم الفكرية والثقافية ،
جاء في القرآن الكريم من البراهين والأدلة
والأمثال ما يعم الشرائح الاجتماعية على مختلف العصور والبيئات ؛
لأن المنطلقات الإنسانية محكومة بالفطرة
والعقل والتجارب ،
وكل ذلك في دائرة المحدود الممكن ؛
لذا كانت قواعد المخاطبات وأسسها العامة
تعم كل من كان في عصر نزول الوحي
ومَنْ يأتي بعدهم إلى يوم القِيامَةِ :
** ولَقَدْ صرّفنا في هذا القرآن للنّاس من
كلّ مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا **
[ سورة الكهف : 54 ] .

وإذا أدركنا هدف القرآن ومنهجه في الخطاب أدركنا أن ورود الآيات الكونية
سواء ما يتعلق منها بالآفاق وما يتعلق
منها بالأنفس البشرية شيء بدهي أيضا ؛
لأنّ من فئات الناس المكلفين المخاطبين
بالقرآن الكريم مَن يَنْصَبُّ جلّ اهتمامه
على هذا الجانب من مخلوقات الله .

ولا بد من إقامة الحجة على هؤلاء ،
وإظهار أن القرآن كلام الله .

أولئك يدركون أن هذه المعارف الإنسانية ،
وهذه الحقائق الكونية لا يُتصور أن يدركها
بشر بذاته ؛ لأن كثيرا منها لم تكتشف
إلَّا في عصور متأخرة جدا ..
ولا ريب أن ورود هذه الحقائق الضخمة
والدقيقة على لسان رجل لم يكن له إلمام
بمثل هذه العلوم ؛
دليل على أنه تلقّاها ممَّن يعلم السّر في
السَّماواتِ والأرض
** قل أنزله الّذي يعلم السِّرَّ في السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ إِنَّهُ كان غَفُورًا رَحِيمًا **
[ سورة الفرقان : 6 ] .

إن سَوْقَ القرآن الكريم هذه الحقائق بهذه السعة والشمول ، وبهذه الدقة المتناهية يحمل كلَّ صاحبِ عقل منصف إلى القول
بأن هذا تنزيل العزيز الحَكيم الذي أحاط بكل شيء علما .
إن البشرية كلها عاجزة عن الإحاطة بهذه الحقائق والوصول إلى ماهيتها وأسرارها ،

فهل يعقل أن هذا القرآن من عند رجل أُمِّي عاش في بيئة أُمّية ... ؟؟؟ " .


_ الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ،
نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 2 / 629 - 631 )
مع اختصار شديد وشيء من التصرف .

أبوسند
12-01-2024, 04:54 PM
" اشتمل القرآن الكريم على الأنظمة التي يحتاجها البشر في حياتهم المعيشية ،
ولم يَدَعْ جانباً من جوانب الحياة إلَّا كانت له نظرته الخاصة ، وتشريعه المستقل بحيث ينتج من مجموع أنظمته تشريعٌ متكامل
لمناحي الحياة كلها قال الله تعالى :
** اليوم أكملت لكم دينَكُمْ وأتممت عليكم نعمتي ورَضِيتُ لكم الإسلام دينا **
[ سورة المائدة : 3 ] .

إن ما اشتمل عليه القرآن من أحكام تتعلق بتنظيم المجتمع وإقامة العلاقات بين آحاده
على دعائم من المودة والرحمة والعدالة لم يسبق به في شريعة من الشرائع الأرضية .

فالأسس الأخلاقية والقواعد التشريعية
السامية التي تضمنها القرآن الكريم
تخرج عن طوق البشر
إحاطة ودقة وشمولا .

إنّ تاريخ الإنسانية يدُلُّ على أنها لم تُنجب
مفكرا أو فليسوفاً أو مُصلحاً اجتماعيا
استطاع أن يضع نظاماً كاملا للعلاقات
الداخلية والخارجية لدولة ما .

وكم من حكيم حاول ذلك ، ولكن نظرياته
يعتريها النقص أحيانا ،
والتناقض طورا ، ومجانبة الصّواب كثيراً .

[ بل حتى المجالس والهيئات التي تضم العديد من الأذكياء والحكماء والمفكرين والعباقرة وغيرهم وفي العديد من الدول وعلى اختلاف أزمنتهم ودولهم ]

لم يستطيعوا وضع نظام حياة لشعب ما
بمختلف فئاته وتنوعها .
ومحاولاتهم لم تسلم من كثرة الانتقاد عليها في حياتهم ومحاولة تغييرها وتطويرها واستبدالها بغيرها بعد مماتهم أو أثناء حياتهم ...

علما أن هذه النظريات لا تتناول إلَّا جوانب
محدودة من جوانب الحياة الإجتماعية .

أما أن توضع نظرية متكاملة الجوانب للكون والمخلوقات والأفراد والجماعات والدول
في شتى صورها وحالاتها ،
فهذا مما يَخرجُ عن طاقة البشر مهما أُوتوا من علم وحكمة وذكاء .

ومما يؤكد وجه دلالة الإعجاز التشريعي
في القرآن أن المتعمق في دراسة التشريعات الإسلامية في مختلف جوانبها
يدرك إدراكا واضحا أنها تهدف إلى هداية الإنسان في حياته الدُّنيا إلى أقوم السبل
وتوفر له التوازن الدقيق في متطلباته الروحية والجسدية والعقلية والطمأنينة والسعادة في الحياة الدُّنيا وأزالت القلق
عن النفوس من المستقبل الدنيوي والأخروي
وفي هذا بُرهان ساطع على أنها شريعة
مُنَزَّلة من خالق الخلق أجمعين .

وتكون الدلالة أوضح ، والبرهان أظهر عندما تعلم أن الذي نزلت عليه كان أُمّياً
لا يقرأ ولا يكتب ، وأتى بهذا النظام للعلاقات الاجتماعية والتنظيم الإنساني
ما لم يسبقه سابق ولم يلحقه به لاحق " .



_ انظر : الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ، نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 2 / 632 - 636 )
مع اختصار وتصرف شديد .

أبوسند
12-01-2024, 04:55 PM
" القرآن الكريم تضمن خلاصة التعاليم الإلهية التي تضمَّنتها التوراة والإنجيل
وسائر ما أنزل الله من وصايا ،
وأنه مؤيد للحق الذي جاء به من عبادة الله
وحده والإيمان برسله والتصديق بالجزاء
ووجوب إقامة الحَقِّ ،
والتخلق بمكارم الأخلاق ،
قال تعالى : ** وأنزلنا إليك الكتاب بالحقِّ
مُصَدِّقا لّما بين يديه من الكتاب ومهيمنا
عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبع
أهواءهم عمّا جاءك من الحَقِّ لكلٍّ جعلنا
منكم شِرعةً ومنهاجا **
[ سورة المائدة : 48 ] .

أي : أن الله عزّوجلّ قد أنزل القرآن الكريم
على النبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
مقترناً بالحق ومصدقا لكل التعاليم الإلهية
التي أنزلها الله على الأنبياء السابقين ،
وأن القرآن هو الحَكَم الفصل في كل
ما طرأ عليها من تغيير أو تحريف ،
وقد أمر الله نبيه ألا يحيد عن تطبيق
ما جاء في القرآن الكريم من أحكام
وتشريعات ،
سواء على المسلمين أم الكتابيين .
وأنه سبحانه جعل لكل أُمّة شريعة وطريقة
في الأحكام العملية تناسب استعدادها .

أما أصول العقائد والعبادات والآداب العامة والحلال والحرام ،
وما لا يختلف باختلاف الزمان والمكان
فإنها واحدة في الأديان كلها ،
قال تعالى : ** شرع لكم مّن الّدين ما وصّى
به نوحا والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به
إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الّدين
ولا تتفرّقوا فيه **
[ سورة الشّورى : 13 ]

ثمرنسخت الأحكام العملية السابقة بالشريعة الإسلامية ، والأحكام النهائية الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان ،
وأصبحت العقيدة واحدة والشريعة واحدة للنّاس جميعا ،
فيما جاء به محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
من عند ربِّه .

لقد صان الله القرآن الكريم من أن تمتد
إليه يد التحريف أو التصحيف أو التعديل
أو التغيير أو التبديل ، بعكس الكتب السابقة التي حدث فيها ذلك ،
قال تعالى : ** وإنّه لكتاب عزيز *
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد **
[ سورة فصلت : 41 - 42 ] .
وقال :
** إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون **
[ سورة الحجر : 9 ] .

ولا يتصور أن يأتي يوم يصل العلم فيه
إلى حقيقة ما ، تتعارض مع أي حقيقة
من حقائق القرآن .
فالقرآن كلام الله ، والكون خلق الله ،
وهما لا يتناقضان أبدا ،
بل يصدق أحدُهما الآخر ،
قال تعالى : ** سنريهم آيَاتِنَا في الأفاق وفي أنفسهم حتَّى يتبيّن لهم أنَّهُ الحقّ
أولم يكف بِرَبِّك أنَّهُ على كلّ شيء قدير **
[ سورة فصلت : 53 ] .

والله عزّوجلّ يريد لكلامه أن يذاع ويصل
إلى العقول والأسماع ،
ولا يتم ذلك إلا إذا كان ميسراً للذكر والحفظ والفهم .

ومن تيسيره أن حفظه الرِّجال والنساء والصغار والكبار والأغنياء والفقراء وجميع الناس على السواء ،
ولا نعلم أن كِتاباً من الكتب غير القرآن
نال هذه الميزة .
قال تعالى : ** ولَقَدْ يسّرنا القرآن للذّكر فهل
من مّدّكر **
[ سورة القمر : 17 ] .

القرآن لا يساميه أو يقاربه كتاب آخر في تأثيره وهدايته ،
ولا في موضوعه وسمو أغراضه ،
ومن ثَمَّ كان خير الكتب وأفضلها على الإطلاق " .


_ الدِّينُ الحَقُّ وقواعده الرّاسخة
( 2 / 104 - 106 )
تأليف : فوزي عبد المنصف .
مع شيء من الاختصار والتصرف .

أبوسند
12-01-2024, 04:56 PM
" الدين الإسلامي العظيم ،
هو الدين الخالد الذي جاء متمِّماً ومكملا
للرسالات السماوية التي جاءت من قبله ،

وجاء نبيّ الهدى على النحوِ الذي يعرفونه
في كتبهم فازداد حقدهم وحسدهم له ؛
لأنه جاء من العرب ولم يكن من بني إسرائيل ،
فعاندوه وكذّبوه وأعرضوا عنه ،
بل أخذوا يؤلبون الناس والعرب عليه ،
حتى قال الله في شأنهم :
** بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا
بما أنزل الله بغياً أن يُنزّل الله من فضلِه
على من يشاءُ من عباده فباءو بغضب على غضب وللكافرين عَذاب مهين **
[ سورة البقرة : 90 ] .

ورغم ذلك طلب الله من النبي صلَّى الله عليه
وسلَّم أن يناشدهم قائلا لهم :
** قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء
بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلَّا الله ولا نشرك شيئا
ولا يَتَّخِذ بَعضُنَا بعضاً أرباباً مّن دون الله
فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بِأَنَّا مسلمون **
[ سورة آل عمران : 64 ] .

فاستمروا في العِناد والمكابرة رغم ظهور المعجزات والآيات البيّنات الدالة على صدق
نبوته ، والتي لا لبس فيها ولا غموض .

وقد خاطب الله الجنس البشري بأسره ،
على لسان رسول الهدى ونبي الرحمة
مبيّناً أن محمداً إنَّما هو رسول الله
المبعوث إلى الناس كافة ،
قال تعالى :
** قل يأيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم
جميعا الّذي له ملك السّموات والأَرْضِ
لا إلَهَ إلَّا هو يُحي ويميت فآمنوا بالله
ورسوله النّبيّ الأمِّيّ الَّذي يؤمن بالله
وكلماته واتّبعوه لعلّكم تهتدون **
[ سورة الأعراف : 158 ] .

والنَّاس أمام هذا الحدث الكبير ،
قد انقسموا إلى فريقين ،
فريق في الجنّة .
وفريق في السَّعير .

وسيظل القرآن محفوظا في الصُّدور
وفي السطور ،
بدون أدنى تغيير أو تبديل ،
إلى أن يشاءُ الله وذاك حين رفعه
فلا يبقى منه شيء كما ثَبت من حديث حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
( ... ولَيُسْرَى على كِتابِ الله عَزَّوَجَلَّ في لَيْلَةٍ ،
فَلَا يَبْقَى في الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ ،،، )

صحيح سنن ابن ماجه للألباني .



_ الدِّينُ الحَقُّ وقواعده الرّاسخة
( 4 / ص 24 وما بعدها )
تأليف : فوزي عبد المنصف .
مع اختصار وتصرف شديد .






أبوسند
12-01-2024, 04:57 PM

عندما تحدث جاري ميلر وأثبت للنصاري أن محمد صلي الله عليه و سلم هو النبي الحق من عند الله


https://youtu.be/_vqqWPtQErg?si=h3UERGJK5-bDcbg-

أبوسند
12-01-2024, 05:39 PM
قال تعالى : ** وإذا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قالَ الَّذينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إنِ افْتَرَيْتُهُ
فَلَا تَمْلِكُونَ لي مِنَ الله شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفيضُونَ فيه كَفَى به شَهيدًا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وهو الغَفُورُ الرَّحِيمُ * قُلْ ما كُنتُ بِدْعًا
مِّنَ الرُّسُل وما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولَا بِكُمْ
إنْ أَتَّبِعُ إلَّا مَا يُوحَى إليَّ
وما أنا إلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ **
[ سورة الأحقاف : 7 - 9 ]

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

أي : وإذا تتلى على المكذِّبين
** آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ **
بحيث تكون على وجهٍ لا يُمترى بها ،
ولا يشكُّ في وقوعها وحقِّها ؛
لم تفِدْهم خيرا ،
بل قامت عليهم بذلك الحجة،
ويقولون من إفكهم وافترائهم
** لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ **
أي : ظاهرٌ لا شكَّ فيه .

وهذا من باب قلب الحقائق ،
الذي لا يروجُ إلاّ على ضعفاء العقول،
وإلاّ ؛ فبين الحَقِّ الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السحر من المنافاة والمخالفة أعظم ممّا بين السماء والأرض،
وكيف يقاس الحقُّ
- الذي علا وارتفع ارتفاعا على الأفلاك ، وفاق بضوئه ونوره نور الشمس ، وقامت الأدلَّة الأفقيَّة والنفسيّة عليه، وأقرّت به ، وأذعنت أولو البصائر والعقول الرزينة -
بالباطل الذي هو السحرُ
الذي لا يصدُر إلاّ من ضالٍّ ظالم خبيث النفس خبيث العمل ،
فهو مناسب له وموافق لحاله ؟!
وهل هذا إلاّ من البهرجة ؟!

** أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ** أي : افترى محمدٌ
هذا القرآن من عند نفسه ،
فليس هو من عند الله ،

** قُلْ ** لهم : ** إِنِ افْتَرَيْتُهُ ** ؛
فالله عليَّ قادرٌ وبما تفيضون فيه عالمٌ ، فكيف لم يعاقبني على افترائي
الذي زعمتم ؛

فهل ** تَمْلِكُونَ لي مِنَ الله شَيْئًا **
إن أرادني الله بضرٍّ أو أرادني برحمة ؟

** كَفَى به شَهيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ** :
فلو كنت مُتَقَوِّلاً عليه ؛
لأخذ مني باليمين ،
ولعاقبني عقابا يراه كلُّ أحَدٍ ؛

لأنّ هذا أعظم أنواع الافتراء
لو كنت مُتقوِّلاً .
ثم دعاهم إلى التوبة مع ما صدر منهم
من معاندة الحَقِّ ومخاصمته ، فقال :
** وهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ **
أي : فتوبوا إليه ، وأقلعوا عما أنتم فيه يغفر لكم ذنوبكم ، ويرحمكم فيوفقكم للخير ،
ويثيبكم جزيل الأجر .

** قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ **
أي : لست بأول رسول جاءكم حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي ؛
فقد تقدَّم من الرسل والأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم ؛
فلأيِّ شيء تنكرون رسالتي ؟!

** ومَا أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ **
أي : لست إلاّ بشرا ،
ليس بيدي من الأمر شيء ،
والله تعالى هو المتصرِّفُ بي وبكم ،
الحاكم عليَّ وعليكم،
ولست آتي بالشيء من عندي .

** وما أنا إلَّا نَذيرٌ مُبِينٌ ** :
فإنْ قَبلتُم رسالتي وأجبتُم دعوتي ؛
فهو حظُّكم ونصيبُكم في الدُّنيا والآخرة، وإن رددتم ذلك عليَّ ؛
فحسابُكم على الله ،
وقد أنذرْتكم ، ومَن أنذر فقد أعذر . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 05:39 PM
قال تعالى : ** ولَقَدْ صرَّفنا في هذا القرآن للنّاس مِن كلّ مثل وكان الإنسانُ أكثرَ شيء جدلا **
[ سورة الكهف : 54 ] .

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن
وجلالته وعُمومه ،
وأنّه صرَّف فيه ** من كلِّ مَثَل ** ،
أي : من كلِّ طريق موصل إلى العلوم النافعة والسعادة الأبديّة وكل طريق
يعصِمُ من الشرِّ والهلاك ؛
ففيه أمثال الحلال والحرام ،
وجزاء الأعمال ، والترغيب والترهيب ، والأخبار الصادقة النافعة للقلوب ،
اعتقادا وطمأنينة ، ونورا،
وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن
وتلقِّيه بالانقياد والطّاعة
وعدم المنازعة له في أمر من الأمور،
ومع ذلك ؛
كان كثير من النّاس يجادلون في الحَقِّ
بعد ما تبيَّن ،
ويجادلون بالباطل لِيُدْحِضُوا به الحَقَّ ، ولهذا قال :
** وكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا **
أي : مجادلةً ومنازعةً فيه ،
مع أنّ ذلك غير لائقٍ بهم ،
ولا عدل منهم ،
والذي أوجب له ذلك ،
وعدم الإيمان بالله ،

إنّما هو الظلم والعناد ،
لا لقصور في بيانه وحجَّته وبرهانه ،
وإلاّ ؛
فلو جاءهم العذاب وجاءهم ما جاء قبلهم ؛ لم تكن هذه حالهم . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 05:41 PM
رحلتي إلى الإسلام لـ د. جيفري لانج
يسرد فيها قصة إسلامه الشيّقة
التي يظهر فيها شدة تأثره بالقرآن الكريم

‏https://youtu.be/FaOlc7ykli0

أبوسند
12-01-2024, 05:42 PM
قال تعالى :
** أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ ولو كان مِنْ عِنْدِ
غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فيه اخْتِلَافًا كَثيرًا **
[ سورة النساء : 82 ] .

قال القرطبي رحمه الله :
" أي : تفاوتاً وتناقضاً ؛
ولا يدخل في هذا اختلاف ألفاظ القراءات
وألفاظ الأمثال والدلالات ومقادير السُّور
والآيات .
وإنما أراد اختلاف التّناقض والتفاوت .
وقيل : المعنى لو كان ما تُخبرون به من عند
غير الله لاختلفَ .

وقيل : إنه ليس مِن متكلم يتكلم كلامًا كثيرًا إلاّ وُجِد في كلامه اختلاف كثير ؛
إما في الوصف واللفظ ،
وإما في جَودة المعنى ،
وإما في التناقض،
وإما في الكذب .
فأنزل الله عز وجل القرآن
وأمرهم بتدبُّره ؛
لأنهم لا يجدون فيه اختلافًا في رَصْفٍ
[ الرصف : الكلام الثابت المحكم ]
ولا ردًّا له في معنىً ،
ولا تناقضًا ولا كذبًا فيما يخبرون به
من الغيوب وما يُسرُّون " اهـ

_الجامع لأحكام القرآن ( 5 / 277 )
ط : دار الكتاب العربي .







قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله :

" قال تعالى : ** ولا يأتونك بمثل
إلاّ جئناك بالحق وأحسن تفسيرا **

أخبر سبحانه أنّ الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم
إلاّ جاءه الله بالحق ،
وجاءه من البيان والدليل ،
وضرب المثل بما هو أحسن تفسيراً وكَشفاً وإيضاحا للحق من قياسهم .

وهذه الآية ذكرها الله تعالى بعد قوله : ** وقال الرسول يا ربِّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا * وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوّا مِّن المجرمين وكفى بربّك هاديا ونصيرا **

فبيّن أنّ مَن هَجرَ القرآنَ فهو مِن أعداء الرّسول ،
وأنّ هذه العداوة أمرٌ لا بد منه ،
ولا مفر عنه ، ألا ترى إلى
قوله تعالى : ** ويوم يعضُّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا * لّقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولا ** .

والله تعالى قد أرسل نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع العالمين ،
وضرب الأمثال فيما أرسله به لجميعهم ،
كما قال تعالى : ** ولقد ضربنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثل لّعلّهم يتذكّرون **
فأخبر أنه ضرب لجميع النّاس
في هذا القرآن من كل مثل .

إلى أن قال رحمه الله :

فكما أنّ الله بين في كتابه مخاطبة أهل الكتاب ،
وإقامة الحجة عليهم بما بيّنه من أعلام رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما في كتبهم من ذلك ،
وما حرّفوه وبدّلوه مِن دينهم ،
وصدَّق بما جاءت به الرسل قبله ؛ حتى إذا سمع ذلك الكتابيُّ العالمُ المنصفُ وجد ذلك كله من أَبْيَنِ الحجة وأقوم البرهان " . اهـ

_ مجموع الفتاوى
( 4 / 106 - 108 ) .

أبوسند
12-01-2024, 05:42 PM
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فقد عرف أعداء الإسلام أن مصدر عزة
هذا الدين وأهله ،
وسر تجدده في نفوس المسلمين
هو هذا القرآن العظيم ،
الذي لا يخلق من كثرة الترداد ،
ولا تنقضي عجائبه ،
ولا يمله القارئ والسامع ولا يزداد به المؤمن إلاّ يقينا بدينه وتعلقا به ،
هذه المعجزة الخالدة ،
والآية الباقية ما بقي الليل والنهار ،
هذا الكتاب الذي وعد الله تعالى بحفظه بقوله : ** إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ** [ الحجر : 9 ] .

ولما كانت هذه منزلة القرآن ،
اجتهد أعداء الدين
بالطعن في هذا القرآن ؛
حتى يسلخوا المسلمين من التعلق به ، فيصبحوا صيدا سهلا وغنيمة باردة .
وحرب أعداء الدين هذه ليست فقط على القرآن ،
بل على كل أساساته وقواعده ؛
فهناك الحرب على الرسول
( صلى الله عليه وسلم ) وسنته ،
والطعن في عدالة الصحابة ،
والحرب على المرأة المسلمة وحجابها وعفافها ،
والحرب على بعض الشعائر كالجهاد ، وغيرها من الجبهات ،
ولكن الحرب على القرآن هي أخطرها وأشدها وأشرسها ؛
لأن القرآن هو الذي يدل على الأصول السابقة ويحث عليها ،
فهو أصلها وهي فروعه ،
وبذهاب الأصل تذهب الفروع ؛
ومن هنا عزمت في هذه الرسالة على جمع هذه المطاعن والإشكالات التي تثار الآن ، والتي هي عبارة - في غالبها -
عن ترديد لما سبق ،
فلو عرفها الناس وتحصنوا منها لما حصل هذا الاضطراب من هذه الشبه ...


أرجوا اتمام قراءة هذه الرسالة لأهميتها .




_ الطعن في القرآن الكريم
والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري .

رسالة لنيل درجة الدكتوراة

مقدمة من الطالب :
عبدالمحسن بن زبن بن متعب المطيري

https://www.ust.edu/usty/images/open...d/1169/001.doc

أبوسند
12-01-2024, 05:44 PM
قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة


قال الله تعالى : « قل هذه سبيليٓ أدعوٓا إلى الله علىٰ بصيرة أنا و من
اتّبعني و سبحـٰن الله و مآ أنا من
المشركين » سورة يوسف 108

قال العلاّمة عبد الرّحمٰن السّعدي رحمه الله في تفسير كلام المنّان :


يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله
عليه وسلم : « قل » للناس « هذه
سبيلي » أي :

طريقي التي أدعوا إليها ، و هي السبيل الموصلة إلى الله و إلى دار كرامته ،

المتضمنة للعلم بالحق و العمل به و
إيثاره ، و إخلاص الدين لله وحده لا
شريك له ،

« أدعوا إلى الله » أي :

احُثُّ الخَلْقَ و العِبادَ إلى الوصول إلى ربهم ،

و أرغِّبُهُمْ في ذلك و أرهِّبُهم مما يُبْعدهم عنه .

و مع هذا فأنا « على بصيرة » من
ديني ،

أي : على عِلْمٍ و يَقين من غير شك و
لا امْتراء و لا مِرْيَة ،

« و » كذلك « من اتبعني » يدعو
إلى الله كما أدعو ، على بصيرة من
أمره .

« و سبحان الله » عما نُسِبَ إليه مِمّا لا يَليقُ بجلاله ، أو يُنافي كماله

« و ما أنا من المشركين » في جميع أموري ، بل أعبدُ اللهَ مُخْلصاً له الدين .

أبوسند
12-01-2024, 05:46 PM
قال ألفونس إتيين دينيه الفرنسي
الذي كان من الطبقة البورجوازية
في كتابه " محمد رسول الله "
[ صلَّى الله عليه وسلَّم ] :

" والحق أنّا نرى من بين جميع الأنبياء الَّذينَ أسسوا ديانات ،
أنّ محمداً هو الوحيد الذي استطاع أن يستغني عن مدد الخوارق والمعجزات المادية ،
معتمداً فقط على بداهة رسالته ووضوحها ،
وعلى بلاغة القرآن الإلهية ،
وإن في استغناء محمد [ عليه السلام ]
عن مدد الخوارق والمعجزات
لأكبر معجزة على الإطلاق " .

انظر كتاب مقدمة في إعجاز القرآن الكريم
تأليف : د. مروان وحيد ( ص 137 ) .









إبطال شُبهات المشككين في تواتر القرآن الكريم

http://bayanelislam.net/Suspicion.as...3&value=&type=

أبوسند
12-01-2024, 05:46 PM
قال تعالى : ** فاسْتَمْسِكْ بالَّذي أُوحِيَ إليك إنّكَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقيمٍ * وإنّهُ لَذِكْرٌ لك ولِقَوْمِكَ وسَوْفَ تُسْأَلُونَ **
سورة الزخرف 43 - 44

قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

" ** فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ **
فعلا واتِّصافا،
بما يأمر بالاتِّصاف به ودعوةً إليه،
وحرصا على تنفيذه في نفسك وفي غيرك .

** إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ **
موصل إلى الله وإلى دار كرامتِه،
وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسُّك به والاهتداء ،
إذا علمتَ أنّه حقٌّ وعدلٌ وصدقٌ
تكون بانيا على أصل أصيل،
إذا بَنَى غيرُك على الشكوك والأوهام
والظّلم والجَوْر .

** وإِنَّهُ ** أي : هذا القرآن الكريم
ذِكْرٌ ** لَكَ ولِقَوْمِكَ **
أي : فخرٌ لكم ومنقبةٌ جليلةٌ ونعمةٌ لا يقادر قدرها ولا يُعرف وصفها،
ويذكِّركم أيضا ما فيه الخير الدنيويِّ والأخرويِّ ، ويحثُّكم عليه،
ويذكّركم الشرَّ ويرهِّبُكم عنه .
** وسَوْفَ تُسْأَلُونَ ** : عنه ؛
هل قمتم به فارتفعتُم وانتفعتُم ؟
أم لم تقوموا به
فيكون حجةً عليكم
وكفرا منكم بهذه النعمة ؟ " .

أبوسند
12-01-2024, 05:47 PM
‎قال تعالى : ** وكذلك أنزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا
‎ وصَرَّفْنَا فيه مِنَ الوَعيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
أو يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) **

تفسير الطبري - سورة طه - الآية 113

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/taba...20-aya113.html

أبوسند
12-01-2024, 05:48 PM
قال تعالى : ** وَلَوِ اتَّبَعَ الحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ **
سورة المؤمنون 71


قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

ووجه ذلك أن أهواءهم متعلّقة بالظّلم
والكفر والفساد من الأخلاق والأعمال ؛
فلو اتّبع الحقّ أهواءهم ؛
لفسدت السماوات والأرض ؛
لفساد التصرّف والتدبير المبنيّ على الظّلم وعدم العدل ؛
فالسماوات والأرض ما استقامتا
إلاّ بالحق والعدل .

** بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بذكرهم ** ؛
أي : بهذا القرآن المذكِّر لهم بكل خير،
الذي به فخرهم وشرفهم حين يقومون به
ويكونون به سادةَ النّاس .




أبوسند
12-01-2024, 05:49 PM
محاضرة بعنوان :
العناية بكتاب الله تعالى
لفضيلة الشيخ أ.د. علي بن غازي التويجري حفظه الله

من دروس ومحاضرات الدورة الماضية دورة الخليفة الراشد على بن أبي طالب 16

‏https://youtu.be/MEplXg7gWD0

أبوسند
12-01-2024, 05:50 PM
مقدمة أصول التفسير لابن قاسم
شرح د. محمد هشام طاهري
" في 3 مجالس "

‏https://goo.gl/qi53ta






أبوسند
12-01-2024, 05:51 PM
فضل تعليم القرآن
للشيخ عبد الله الشثري حفظه الله

‏https://youtu.be/uJx-jr2JKkE






أبوسند
12-01-2024, 05:51 PM
قال تعالى : ** ومِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْرًا وإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إذا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ *
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا على النَّارِ فَقَالُوا يا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ
وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ **
[ سورة الأنعام : 25 - 28 ]


قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :



أي : ومن هؤلاء المشركين قومٌ يحملهم بعضَ الأوقات بعضُ الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماعٌ خال من قصد الحقّ واتباعه،
ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع
لعدم إرادتهم للخير .
** وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً **
أي : أغطية وأغشية لئلا يفقهوا كلام الله،
فصان كلامَه عن أمثال هؤلاء .
** وَفِي آذَانِهِمْ ** جعلنا ** وَقْرًا ** أي: صمما،
فلا يستمعون ما ينفعهم ،
** وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا **
وهذا غاية الظلم والعناد :
أنّ الآيات البينات الدالّة على الحقّ لا ينقادون لها ولا يصدِّقون بها ،
بل يجادلون بالباطل الحقَّ ليدحضوه ،
ولهذا قال : ** حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ** ؛
أي : مأخوذ من صحف الأولين المسطورة
التي ليست عن الله ولا عن رسله ،
وهذا من كفرهم ،
وإلاّ ؛ فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء السابقين واللاحقين والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون والحق والقسط والعدل التام من كل وجه أساطيرَ الأولين ؟!



** وهم ** : أي المشركون بالله المكذِّبون لرسوله يَجمعون بين الضّلال والإضلال ؛
ينهون النّاس عن اتباع الحقّ ، ويحذرونهم منه، ويبعدون بأنفسهم عنه، ولن يضرُّوا الله ولا عباده المؤمنين بفعلهم هذا شيئا .
** وإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ** : بذلك .



يقول تعالى مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة وإحضارهم النّار :
** وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ **
ليوبَّخوا ويُقَرَّعوا ؛
لرأيت أمرا هائلا وحالا مفظعة ،
ولرأيتهم كيف أَقرُّوا على أنفسهم بالكفر والفسوق، وتمنَّوا أن لو يُردُّوا إلى الدّنيا ،
** فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ** .


** بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ** :
فإنّهم كانوا يُخفون في أنفسهم أنّهم كانوا كاذبين، ويَبدو في قلوبهم في كثير من الأوقات ،
ولكن الأغراض الفاسدة صدَّتهم عن ذلك
وصَرَفَتْ قلوبهم عن الخير،
وهم كَذَبَةٌ في هذه الأمنية، وإنّما قصدهم أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب .
** ولَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ** .

أبوسند
12-01-2024, 05:52 PM
قال الله تعالى :
** ولَقَدْ جئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى ورَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ **
[ سورة الأعراف : 52 ]

قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

بل قد ** جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ ** أي : بينا فيه جميع المطالب التي يحتاج إليها الخلق

** عَلَى عِلْمٍ **
من اللّه بأحوال العباد في كل زمان ومكان ،
وما يصلح لهم وما لا يصلح،
ليس تفصيله تفصيل غير عالم بالأمور،
فتجهله بعض الأحوال فيحكم حكما غير مناسب، بل تفصيل من أحاط علمه بكل شيء
ووسعت رحمته كلَّ شيء .

** هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ **
أي : تحصل للمؤمنين بهذا الكتاب الهداية من الضلال وبيان الحق والباطل والغيّ والرشد ، ويحصل أيضا لهم به الرحمة ،
وهي : الخير والسعادة في الدنيا والآخرة،
فينتفى عنهم بذلك الضلال والشقاء .

أبوسند
12-01-2024, 05:53 PM
قال الله تعالى : ** إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وإنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ
وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ **
[ سورة فصلت : 41 - 42 ]

قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

قال تعالى : ** إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ ** ؛
أي : يجحدون القرآن الكريم ، المذكِّر للعباد جميع مصالحهم الدينيَّة والدنيويَّة والأخرويّة ،
المُعْلي لقدر مَن اتَّبعه ،

** لَمَّا جَاءَهُمْ **
نعمة من ربّهم على يد أفضل الخلق وأكملهم .

** و ** الحال ** إِنَّهُ ** :
كِتَابٌ جامع لأوصاف الكمال

** عَزِيزٌ ** ؛
أي : منيع من كلِّ من أراده بتحريف أو سوء ،

** لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ **
أي : لا يَقرَبُه شيطانٌ من شياطين الإنس والجن
لا بسرقة ولا بإدخال ما ليس منه به ولا بزيادة
ولا نقص ،
فهو محفوظ في تنزيله،
محفوظة ألفاظه ومعانيه ،
قد تكفّل مَن أنزله بحفظه ؛ كما قال تعالى :
** إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ** .
** تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ ** في خلقِه وأمرِهِ ،
يضع كلَّ شيء موضعه وينزله منازله

** حَمِيدٌ ** : على ما له من صفات الكمال
ونعوت الجلال ،
وعلى ما له من العدل والإفضال،
فلهذا كان كتابُه مشتملاً على تمام الحكمة
وعلى تحصيل المصالح والمنافع
ودفع المفاسد والمضارّ التي يُحمدُ عليها . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 05:53 PM
قال تعالى :
** وإذا قيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالوا أساطِيرُ الأوَّلينَ (24) لِيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يوم القيامَة ومِنْ أَوْزَارِ الّذينَ يُضِلُّونَهُم بغير عِلْمٍ
ألَا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) **
سورة النحل


قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

يقول تعالى مخبرا عن شدة تكذيب المشركين بآيات الله :
** وإذا قيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ **
أي : إذا سألوا عن القرآن والوحي
الذي هو أكبر نعمة أنعم الله بها
على العباد،

فماذا قولكم به ؟

وهل تشكرون هذه النعمة
وتعترفون بها أم تكفرون وتعاندون ؟

فيكون جوابهم أقبح جواب وأسمجه،
فيقولون عنه :
إنه ** أسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ **
أي : كَذِب اختلقه محمّدٌ على اللهِ،

وما هو إلاّ قصص الأولين التي يتناقلها النّاس جيلا بعد جيل،

منها الصدق ومنها الكذب،

فقالوا هذه المقالة، ودعوا أتباعهم إليها، وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم
إلى يوم القيامة .

وقوله : ** ومِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ
بِغَيْرِ عِلْمٍ **
أي : من أوزار المقلدين
الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه، فيحملون إثم ما دعوهم إليه،

وأما الذين يعلمون فكلٌّ مستقلٌّ بجرمه،
لأنه عرف ما عرفوا
** أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ **

أي : بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم،
من وزرهم ووزر من أضلوه . اهـ








تفسير ابن كثير - سورة النحل - الآية 25

http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/kath...a16-aya25.html

أبوسند
12-01-2024, 05:54 PM






لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أُمّيا
لا يقرأ ولا يكتب .

‏http://www.alawazm.com/vb/showthread.php?t=245843

أبوسند
12-01-2024, 05:55 PM
قال تعالى : ** أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ المَلَائِكَةَ بالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ
لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ **
[ سورة النحل : 1 - 2 ]

قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

يقول تعالى مقرِّبا لما وعد به محققا لوقوعه :
** أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ** : فإنه آتٍ ،
وما هو آتٍ فإنّه قريبٌ .
** سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ** :
مِن نسبة الشريك والولد والصاحبة والكفؤ
وغير ذلك مما نسبه إليه المشركون
مما لا يليق بجلاله أو ينافي كماله .


ولما نزَّه نفسَه عما وَصفَه به أعداؤه ؛
ذَكرَ الوحي الذي ينزِّله على أنبيائه مما يجب اتباعه في ذكر ما يُنسب لله من صفات الكمال ،
فقال : ** يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ** ؛
أي : بالوحي الذي به حياة الأرواح ،

** عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ** :
ممَّن يعلمه صالحا لتحمُّل رسالته .
وزبدة دعوة الرسل كلِّهم ومدارها على قوله :
** أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فاتقون **
أي : على معرفة الله تعالى ،
وتوحُّده في صفات العظمة ،
التي هي صفات الألوهيَّة ،
وعبادته وحده لا شريك له ؛
فهي التي أنزل الله بها كتبه ، وأرسل رسله ،
وجعل الشرائع كلها تدعو إليها ، وتحثُّ ،
وتجاهد مَن حاربها وقام بضدِّها . اهـ

أبوسند
12-01-2024, 05:55 PM
قال تعالى : ** وإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إلَّا هُزُوًا أهذا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا **
[ سورة الفرقان : 41 ]

قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

أي : ** وإذا رأوك ** يا محمد ؛
هؤلاء المكذِّبون لك ، المعاندون لآيات الله ، المستكبرون في الأرض ؛ استهزءوا بك ،
واحتقروك ،
وقالوا على وجه الاحتقار والاستصغار :
** أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ** أي : غير مناسب
ولا لائق أن يَبْعَث الله هذا الرجل !

وهذا من شدّة ظلمهم وعنادهم وقلبهم الحقائق ؛فإنّ كلامهم هذا يُفهِم أنّ الرسول - حاشاه -
في غاية الخِسَّة والحقارة ،
وأنّه لو كانت الرسالة لغيره ؛ لكان أنسب .

** وقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ** ؛ فهذا الكلام لا يصدر إلاّ مِن أجهل النّاس وأضلِّهم ، أو من أعظمهم عنادا ، وهو متجاهلٌ ، قصدُه ترويج ما معه من الباطل بالقدح بالحقّ وبمن جاء به ،
وإلاّ ؛ فمن تدبّر أحوال محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم ؛ وجَدَه رجل العالم وهمامهم ومقدَّمهم في العقل والعلم واللُّبِّ والرّزانة ومكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والعفة والشجاعة والكرم وكلِّ خلق فاضل .

وأنّ المحتقرَ له والشانئ له قد جمع من السّفَه والجهل والضلال والتّناقض والظّلم والعدوان
ما لا يجمعُه غيره .
وحسبه جهلا وضلالا أن يقدح بهذا الرسول العظيم والهمام الكريم .
والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به ؛
تصلُّبهم على باطلهم
وغرورا لضعفاء العقول .

أبوسند
12-01-2024, 05:56 PM
قال تعالى :
** وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ **
[ سورة النمل : 6 ]

قال العلاّمة السّعدي رحمه الله في تفسيره :

** وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ** ؛
أي : وإنّ هذا القرآن الذي ينزل عليك ،
وتتلقَّنُه ينزل من عند ( حَكِيمٍ ) ؛
يضع الأشياء مواضعها ، وينزلُها منازلها ،

( عَلِيمٍ ) بأسرار الأمور وبواطنها ، كظواهرها .

وإذا كان من عند ( حَكِيمٍ خبير ) ؛
علم أنه كلَّه حكمةٌ ومصالح للعباد
من الذي أعلم بمصالحهم منهم . اهـ





وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :

وقوله :
" ( وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم )
أي : ( وإنك ) يا محمد
قال قتادة : ( لتلقى ) أي : لتأخذ .
( القرآن من لدن حكيم عليم )
أي : من عند حكيم عليم ،
أي : حكيم في أوامره ونواهيه ،
عليم بالأمور جليلها وحقيرها ،
فخبره هو الصدق المحض ،
وحكمه هو العدل التام ،
كما قال تعالى :
( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا )
[ لا مبدل لكلماته ] ) " .

تفسير ابن كثير - سورة النمل - الآية 6

‏http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/kath...ra27-aya6.html

أبوسند
12-01-2024, 05:58 PM
شهر القرآن 1
** ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين **
للشيخ عبد الله اللحيدان

‏https://youtu.be/wwLZQkrKnVM





شهر القرآن 2
التمسك بالقرآن
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/ZNKSrm4LGBo






شهر القرآن 3
القرآن هو أشرف العلوم
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/GI86LxwGfxw





يتبع -----------

أبوسند
12-01-2024, 05:58 PM
شهر القرآن 4
الإقبال على كتاب الله
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/5fgv42peokA






شهر القرآن 5
القرآن عصمة لمن تمسك به
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/KLN4-RZBndM







شهر القرآن 6
الإخلاص والاتباع في التمسك بالقرآن
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/MglpjlqyUXg






يتبع ____________________

أبوسند
12-01-2024, 05:59 PM
شهر القرآن 7
فقه الإسلام يتوقف على فقه القرآن والسنة كليهما
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/zw945on4kKQ






شهر القرآن 8
أداب وأحكام تلاوة القرآن
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/oEvNrtYoz8g






شهر القرآن 9
مظاهر التمسك بالقرآن
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/igBDqjnWakY




يتبع ____________________

أبوسند
12-01-2024, 06:00 PM






شهر القرآن 10
أحوال السلف مع القرآن
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/ch9MhOMesgI







شهر القرآن 11
فهم القرآن وتدبره
للشيخ عبد الله اللحيدان حفظه الله

‏https://youtu.be/e3PlDJqHhN0





___________________