المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحكام و آداب الصيام ( صدقة الفطر )


أمة الله مسلمة
14-08-2012, 01:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أحكام و آداب الصيام '' صدقة الفطر ''
عبد الحليم توميات

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فحديثنا عن صدقة الفطر يكون إن شاء الله تعالى في مباحث تسعةٍ:

–بيان معناها
– الحكمة من تشريعها
– حُكمُها
– على من تجب ؟
- شروط وجوبها
– مقدارها
–هل تُخرجُ نقودا ؟
- مستحقُّوها
– وقت إخرجها.


1- المبحث الأوّل: بيان معناها.

فإنّ العُرفَ قد ظلم كلمة (الصّدقة) ظلما بيّناً؛ لأنّ الصّدقة في لغة القرآن والسنّة أعمّ من نفقة التطوّع التي تُصرَف إلى المتسوّلين والمحتاجين، فالزّكاة الواجبة تسمّى صدقةً، قال تعالى:{خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا**، وقال جلّ شأنه:{إِنَّمَا الصَّدّقّاتُ لَلفُقَرَاءِ والمَسَاكِينِ ...** الآية، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ )).

- واشتقاق كلمة (الصّدقة) من الصّدق، وهو تحقيق الشّيء وجعلُه حقّا، فمنه (الصّدق) في القول والعمل، فهو حقيقة الإيمان، ومنه (الصّداق) لأنّه تحقيق حلّ الاستمتاع بالمرأة.

قال ابن العربي المالكيّ رحمه الله في بيان سبب تسمية الزّكاة صدقة:" ذلك مأخوذ من مساواة الفعل للقول والاعتقاد في الصّدق ".

يؤيّد ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أبِي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ ))، لذلك قرنَ الله جلّ جلاله مع التّصديق، كما قرن البخل مع التّكذيب، فقال تعالى:
{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)** [اللّيل].

وقال عزّ وجلّ:{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)**، وقال سبحانه:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)** [فصّلت].


- أمّا مرجع معنى كلمة الزّكاة في اللّغة فهو: النّماء، والبركة، والطّهارة، والصّلاح.
ومن أهل العلم من يحصر معناها في " الزّيادة والنّمو "، وهو صحيح؛ لأنّ الزّرع لا يزكو إلاّ إذا صلح وخلص، والمرء لا يزكو إلاّ إذا ازداد خيرا، والمدح والثّناء تزكية لأنّ فيه بيانَ زيادةِ الخير في الممدوح.
- وسبب تسميتها بصدقة الفطر؛ لأنّها تجب بالفطر من رمضان.


2- المبحث الثّاني: الحكمة من تشريعها.
فإنّ صدقة الفطر من شعائر الله تعالى، ومن أجلّ العبادات الّتي يُختَم بها شهر الصّيام، وقد شرعها الله تعالى لحكم عظيمة، منها:
- تحقيق شكر الله، وهو القائل:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)** [البقرة]، فالله قد جاد عليك بأن وفّقك إلى عبادة الصّيام والقيام وتلاوة القرآن، فهو الجواد الكريم، البرّ الرّحيم، وليس جزاء الإحسان إلاّ الإحسان.
- مواساة الفقراء والمساكين، وإدخال السّرور على قلوب المعوزين والمحتاجين، وإغناؤهم عن السّؤال في عيد المسلمين.

- تطهير الصّيام من اللّغو والرّفث والآثام، فقد روى أبو داود وابن ماجه بسند حسن عن ابنِ عبّاسٍ قال: فَرَضَ رسولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِوَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ )).
فإذا قيل: مفهوم الحديث أنّها لا تجب على من لم يصُم كالصّبيّ ونحوه ؟ فالجواب ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" قال:" ذكر التطهير خرج على الغالب، كما أنّها تجب على من لم يُذْنب كمتحقّق الصّلاح، أو من أسلم قبل غروب الشّمس بلحظة "اهـ.


3- المبحث الثّالث: حكم زكاة الفطر.
شُرِعَت صدقة الفطر قبل زكاة الأموال، وذلك في شهر شعبان من السّنة الثّانية.
ولقد نقَل غير واحدٍ من أهل العلم الإجماعَ على وجوبِها، قال الإمام المنذريّ رحمه الله:" أجمع كلّ من نحفظ عنه العلم على أنّ صدقةالفطر فرض"،
وقال النّوويّ رحمه الله في " المجموع ":" أجمع العلماء على وجوب زكاة الفطر ".
وهو الصّحيح، إلاّ أنّه ليس هناك إجماع في المسألة؛ فقد ذهب إلى استحبابها فريق من أهل العلم، منهم: إبراهيم بنُ عليّة، وأبو بكر بن كيسان الأصمّ، وأشهب من المالكيّة، وابن اللّباذ من الشّافعيّة.
وقالوا: إنّ زكاة الإسلام حين فُرضت نُسِخ وجوب زكاة الفطر.

واستدلّوا بظاهر ما رواه النّسائيّ وأحمد عن قيسِ بنِ سعْدٍ رضي الله عنه قال:" أَمَرَنَا رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْتَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ ".
ويُجاب عن ذلك من وجهين:
أ) أنّه لا تعارُض بين زكاة المال وزكاة الفطر؛ لأنّ زكاة الأموال تتعلّق بالمال، وصدقة الفطر تتعلّق بالنّفوس.
ب) من حَفِظ حجّة على من لم يحفظ، وقد نقل الصّحابة رضي الله عنهم أحاديث عدّة تدلّ على وجوبها، منها:
ما مرّ معنا من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهماقال:" فَرَضَ رسولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِوَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ".
وروى البخاري ومسلم عن ابنِ عُمر رضي الله عنهما ( أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ).
وروى البخاري ومسلم عن ابن عُمَر رضي الله عنهما أيضاً قال:" فَرَضَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْصَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ...".


4- المبحث الرّابع: على من تجب صدقة الفطر ؟
المُخاطَب بالحكم هو الوليّ الّذي تجب عليه النّفقة على أهله، فيُخرجها عن نفسِه وأهلِه وعِيالِه، وكلّ من يجب عليه الإنفاق عليهم.
ويدلّ على ذلك ما أخرجه الداّرقطني عن ابن عُمر رضي الله عنهما قال:" أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، مِمَّنْ تُمَوِّنُونَ ))، أي: تُعِيلون.
فلا يُخرجها عن غير أهله الّذين يُعِيلُهُم:
ولا يخرجها عمّن نزل عليه ضيفا في رمضان، ولا على المرأة الّتي عقَد عليها ولمّا يدخُل بها؛ لأنّه لا تلزمُه النّفقة عليهما.

تنبيهات:
1- إذا نشزت المرأة في وقت زكاة الفطر، ففِطرتُها على نفسِها من مالها، لا على زوجِها.
2- وإذا كانت الزّوجة كتابيّةً فلا يخرج عنها زكاة الفطر؛ لحديث ابن عُمر رضي الله عنهما السّابق: ( مِنْ الْمُسْلِمِينَ ).
3- هل يجبُ إخراجها على الجنين ؟
فقد نُقِل عن بعض أهل العلم القولُ بوجوبها، واستدلّوا بما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزّاق عن أبِي قِلابةَ قال:" كانوا يُعطُون صدقةَ الفِطر، حتّى يُعطُون على الجنين "، وسنده صحيح.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد في " مسائله ":" سمعتُ أبي يقولُ: يُعطِي زكاة الفطر عن الحمْل إذا تبيّن ".
ولكنّ هذا على الاستحباب كما نقل عنه أهلُ مذهبه، ولا يدلّ على الوجوب؛ فقد نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على عدم وجوبها.



5- المبحث الخامس: شروط وجوبِها:
فإنّه لا بدّ من شرطين لتجب صدقة الفطر:

أ) الشّرط الأوّل: الإسلام.
لأنّ صدقة الفطر قُربة من القُرَب، وطهرةٌ للصّائم من اللّغو والرّفث، وليس الكافر من أهلها، وإنّما يُعاقب على تركها في الآخرة.
وقد مرّ معنا حديث ابن عُمر رضي الله عنهما في الصّحيحين، حيث قال:" فَرَضَ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم زَكَاةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْتَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ، وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ ...".
وبهذا أخذ جمهور أهل العلم، خلافا للشّافعيّة الّذين قالوا: إنّه يجب إخراجها على الكافر، فيُخرجها عن أقاربه من المسلمين.

ب) الشّرط الثّاني: القدرةُ على إخراجها.
وحدُّ القدرة: أن يكون لديه فضلٌ وزيادةٌ عن قوتِه وقوتِ أهله ليلة العيد ويومه.
وهذا قول جمهور أهل العلم من المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة.
وخالف في ذلك الحنفيّة، فقالوا: لا تجِب إلاّ على من ملك نِصاباً من النّقد أو قيمته؛ واستدلّوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى )).
والرّاجح هو قول الجمهور؛ وذلك لأمور:
-الأوّل: ما رواه أبو داود عن سَهْل بن الحنظليّة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ النَّارِ -وفي رواية-: مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ !)) فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا يُغْنِيهِ ؟ - وفي رواية -: وَمَا الْغِنَى الَّذِي لَا تَنْبَغِي مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ ؟ قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ )).
وفي رواية: (( أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبْعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ )).
- الثّاني: ما رواه التّرمذي عن عُبَيْدِ الله بنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيّ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْآمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )).
وسُئل الإمام أحمد عن زكاة الفكر، متى تجب على الرّجل ؟ قال: إذا كان عِنده فضلُ قوتِ يومٍ أطْعَم ["مسائل إسحاق النّيسابوري"].

وقال ابنُ قُدامة رحمه الله في " الكافي " وهو يُبيّن هذا الشّرط:" أن يفضُل عن نفقتِه ونفقةِ عِيالِه يوم العيد وليلتَه صاعٌ؛ لأنّ النّفقة أهمّ، فتجب البداءةُ بها؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( اِبْدَأْ بِنَفْسِكَ، وَبِمَنْ تَعُولُ ))"اهـ.

- الثّالث: إنّ فرضَ الزّكاة ورد مطلقاً على الصّغير والكبير، والذّكر والأنثى، والحُرّ والعبد، ولم يُقيّدها بغِنًى كما قيّد الزّكاة عند قولهصلّى الله عليه وسلّم: (( تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ))،

أمة الله مسلمة
14-08-2012, 01:40 AM
6- المبحث السّادس: مقدار زكاة الفطر.
جاء بيانُ مقدار زكاة الفطر في الحديث الصّحيح الّذي أخرجه البخاري ومسلم عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال:
( كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ: صَاعاً مِنْطَعَامٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ زَبِيبٍ )
[الأَقِط: هو اللّبن المجفّف].

والصّاع المُعتبر هو صاع أهل المدينة النّبويّة؛ لما رواه أبو داود عن ابنِ عمَرَ رضي الله عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّمَ: (( الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ )).



والصّاع يساوي: أربعةَ أمداد إلى خمسة أمداد.
والمدّ - كما قال ابن الأثير رحمه الله-:" قيل: إنّ أصل المُدّ مقدّر بأن يَمُدّ الرّجل يديه، فيملأ كفّيه طعاما، ومن لم يكن عنده مِكيال ولا ميزان، فلْيُخرج أربعة أمداد، ومن تطوّع خيرا فهو خير له "اهـ.


ولمّا كان الصّاع تختلف كثافته بحسب جنس الطّعام، كانت مقادير زكاة الطّعام تختلف في الميزان، فالصّاع من الزّبيب مثلا يعادل 1640 غراما، والصّاع من الدّقيق يعادل 2000 غ، والصّاع من الأرز يعادل: 2300 غ، وهكذا.




7- المبحث السّابع: هل تُخرَج نقودا ؟

هذه المسألة من فروع الفقه الّتي اختلف فيها أهل العلم قديما، فلا يليق أن تتحوّل إلى مسألة من مسائل الولاء والبراء ! وأن تكون سببا لطعن الدّهماء في العلماء.
وما زال أهل العلم فيها على قولين اثنين:


أ) الأوّل: أنّها لا تُخرَج إلاّ من قوت البلد.
وهو قول جمهور العلماء: الإمام مالك، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، وقوت البلد هو: القمح والشّعير والرزّ، والعدس، ونحو ذلك.
قالوا: ولا تخرج نقودا، ومن أخرجها نقودا لم تُجزِئْه، لأمور أربعة:
1- لأنّه ظاهر قول رسول الله، فقد قال صلّى الله علي وسلّم:
(( طُعمَةً لِلْمَسَاكِينِ )).


2- ولأنّه لم يجْرِ عليه عمل النبيّ صلّى الله علي وسلّم ولا أصحابه.


3- ولأنّ القيمة لا تنضبط، فهل تُخرج بقيمة التّمر، أو الشّعير، أو الزّبيب ؟


4- ولأنّ في إخراجها طعاما إظهارا لشعائر الله تعالى.



ب) الثّاني: يجوز إخراجها نقودا.
وهو مذهب الحسن البصريّ، وعمر بن عبد العزيز، والحنفيّة، وعليه متأخّرو الشّافعيّة والمالكيّة.
وعلّلوا قولهم بما يلي:
1- أنّ الطّعام هو الّذي كان شائعا ذلك الزّمان، وكان أنفع للفقير.
2- أنّ الطّعام كان من الأثمان في معاملاتهم، فكانوا يشترون ويبيعون بالصّاع من القمح، والصّاع من الشّعير، ونحو ذلك، كما في السّلم والعرايا والضّمان.


وفي حديث المصرّاة قال رسول الله صلّى الله علي وسلّم:
(( مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً، فَاحْتَلَبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ ))
[متّفق عليه].



3- وممّا يزيد ذلك توكيدا أنّه إذا عزّ القمح وغلا، فإنّه يُخرج منه مقدرا مُدّين لا صاعا، فقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قال:
" كُنَّا نُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلّىالله عليه وسلّم صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ،
فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه جَاءَتْ السَّمْرَاءُ، فَرَأَى أَنَّ مُدًّا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ ".


4- أنّ الأمر ليس تعبُّديّا محضاً، بل هو معقول المعنَى، وهو سدّ خلّة الفقير.


5- أجاز كثير من أهل العلم إخراج زكاة الإسلام عن الزّروع والمواشي نقوداً، إذا كان الفقير بحاجةٍ إلى النّقود.



التّرجيح:
فالأقرب هو جواز إخراجها نقودا، إلاّ أنّه ينبغي تقييد ذلك بشرطين:
الأوّل: حاجة الفقير إلى النّقد.
الثّاني: ألاّ تندرِس سنّة إخراج الزّكاة طعاما.


والأحوط هو الخروج من خلاف العلماء، فيخرجها طعاما، ومن أراد أن يُغنِي الفقير نقودا، فباب الصّدقة أوسع وأرحب من يوم العيد.




8- المبحث الثّامن: مستحقّوها.

تُعطَى صدقة الفطر لفقراءِ ومساكينِ البلد الّذي يقيم فيها المسلم.
فلا يجوز إخراجها في غير الفقراء والمساكين، كمن يجعلها في إطعام الصّائمين، أو عابر السّبل.
كما لا يجوز إخراجها إلى بلد آخر، إلاّ عندما تُسدّ حاجةُ البلد الّذي هو مقيم فيه.




9- المبحث التّاسع: وقت إخراجها.

صدقة الفطر لها وقت معلوم حدّده الشّرع، وهو: من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد.
أي: أن تُخرج يومين أو يوما قبل العيد إلى غاية الصّلاة، ولا يصحّ ولا يجوز إخراجها بعد صلاة العيد.


وفي حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه السّابق قَالَ:
( فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ ).


وروى أبو داود عنْ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنه قال: فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ.


ومن تأخّر عن إخراجها إلى ما بعد صلاة العيد، فإنّها تبقى في ذمّته دَيْناً عليه، يُخرجها من العام القابل مرّتين.



هل يجوز إخراجها قبل ليلة العيد بأيّام ؟ ثلاثة أقوال لأهل العلم:
أ)القول الأوّل: لا يجوز إخراجُها إلاّ يوما أو يومين قبل العيد، وهو قول الحنابلة والمالكيّة.
ويدلّ على ذلك ما رواه البخاري عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال:
( كَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ).


ب)القول الثّاني: يجوز إخراجها من النّصف الثّاني من رمضان، وهو قول الحنفيّة.


ج)القول الثّالث: يجوز إخراجها من أوّل يومٍ من رمضان، وهو قول الشّافعيّة.


ويمكن أن يُستدلّ لهذين القولين بدليلين:
- ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هُريرَة رضي الله عنه قال:" وكلني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحفظ زكاة رمضان ..."، ثمّ ساق الحديث المشهور في سرقة الشّيطان من مال الصّدقة.
والشّاهد: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكّله بحفظ صدقة الفطر قبل العيد بأيّام.


- ما أخرجه ابن خزيمة عن أيّوبَ، عن نافعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكَاةَ رمضانَ عنالحرِّ والممْلًوكِ، والذَّكَر والأُنْثى، صَاعاً منْ تَمْر أو صاعاً منْ شعِيرٍ ... قال أيّوب: قلت: متى كان ابنُ عمَرَ يُعْطِي الصّاع ؟ قال نافع: إِذَاقَعَدَ العَامِلُ. قلت: متى كان العامل يقعُدُ ؟ قال: قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أو يَوْمَيْن.


الشّاهد: أنّ العامل هو من يجمع الزّكاة، ولا يقعُد إلاّ يومين قبل العيد، فدلّ ذلك على أنّه كان يجمعها قبل ذلك.
والأقرب أن يُقال:
إنّ المُزكِّي لا يخلو من حالين:
أ) إمّا أن يُخرجها إلى العاملين والقائمين على صدقة الفطر، فهذا يُخرجها متى شاء، وعلى هذا يوجّه مذهب الشّافعيّة والحنفيّة.


ب) وإمّا أن يُخرجها إلى الفقراء والمساكين، فهذا لا يُخرجها إلاّ يوما أو يومين قبل العيد، وعلى هذا يوجّه مذهب المالكيّة والحنابلة.


وإنّما اخترنا ذلك؛ لأنّ من حِكَمِ إخراج زكاة الفطر: إدخال السّرور إلى قلوب المحتاجين، والشّبع إلى بطونهم في يوم العيد.



وأخيرا:
احرِص - أخي المسلم - على أن تكون صدقتك من الجيّد الطّيّب؛ لأنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً، فلا يجوز إخراجها من غصبٍ أو نهب، ولا من أردأ الأصناف وأحقرِها، قال الله تعالى:
{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ**.
والله أعلم، وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.

بنت المدينه
16-08-2012, 09:10 AM
جزاك الله خير للتوضيح
والحمدلله اللذي بنعمه تتم الصالحات

أمة الله مسلمة
16-08-2012, 03:43 PM
جزاك الله خيرا