المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات تدبر مع جوامع الدعاء


شذى الاسلام
30-05-2012, 08:41 AM
وقفات تدبر مع جوامع الدعاء
الكاتب : محمد بن صالح العثيمين (http://www.wathakker.net/articles/writer.php?id=42)






المقدمة

عن الحسن بن علي – رضي الله عنهم – ( علَّمني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلمات أقولهن .. اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لا منجا منك إلا إليك ).
وعن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما- أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول في آخر وتره: ( اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك ).

(اللهم)

أصله: يا الله، لكن حذفت ياء وعوض عنها الميم وبقيت (الله) وإنما حذفت الياء لكثرة الإستعمال وعوض عنها الميم (للإشارة إلى جمع القلب على هذا الدعاء لأن الميم تدل على الجمع).

(اهدني فيمن هديت)

أي في جملة من هديت، وهذا فيه نوع من التوسل بفعل الله سبحانه وتعالى وهو هدايته من هدى، فكأنك تتوسل إلى الله الذي هدى غيرك أن يهديك في جملتهم.
كأنك تقول: كما هديت غيري فاهدني ... والهداية هنا يراد بها هداية الإرشاد (وذلك بالعلم)، وهداية التوفيق (وذلك بالعمل).
لأنه ليس كل من علم عمل، وليس كل من عمل يكون عمله من علم وتمام، فالتوفيق أن تعلم وتعمل.

(وعافني فيمن عافيت)

أي: في جملت من عافيت، وهذا من التوسل إلى الله تعالى بفعله في غيرك فكأنك تقول: كما عافيت غيري فعافني.
المعافاة: المراد بها المعافاة في الدين والدنيا، فتشمل الأمرين:
أن يعافيك من أسقام الدين وهي أمراض القلوب التي مدارها على الشهوات و الشبهات، ويعافيك من أمراض الأبدان، وهي اعتلال صحة البدن .. والإنسان محتاج إلى هذا وإلى هذا.
وحاجته إلى المعافاة من مرض القلب أعظم من حاجته إلى المعافاة من مرض البدن.
ولهذا يجب علينا أن نلاحظ دائماً قلوبنا، وننظر: هل هي مريضة أو صحيحة؟ وهل صدئت أو هي نظيفة؟
فإذا كنت تنظف قلبك دائما في معاملتك مع الله وفي معاملتك مع الخلق، حصلت خيرا كثيرا.
وإلا، فإنك سوف تغفل وتفقد الصلة بالله وحينئذ يصعب عليك التراجع.
فحافظ على أن تفتش قلبك دائما، فقد يكون فيه مرض شبهة أو مرض شهوة، وكل شيء ولله الحمد له دواء.
فالقرآن دواء للشبهات والشهوات .. ولكننا في غفلة عن هذا الكتاب العزيز الذي كله خير، وكذلك ما في السنة المطهرة الثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم.

(وتولني فيمن توليت)

تولني من 1- القرب (من الولي). 2- بمعنى الولاية والنصرة ( من التولى ).
أي: 1- اجعلني قريباً منك. 2- واعتن بي فكن لي ولياً وناصراً ومعيناً لي في أموري.
والمراد هنا ( الولاية الخاصة ) لأن الولاية عامة شاملة لكل أحد مؤمن وكافر، بر وفاجر قال تعالى: ** ثُمَّ رُدُّوا اِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ** [الأنعام:62].
يشمل كل من مات من مؤمن وكافر بر وفاجر وهذه الولاية العامة لأن الله يتولى شؤون جميع الخلق.

(وبارك في فيما أعطيت)

أي أنزل البركة لي فيما أعطيتني من المال والعلم والجاه، والولد ومن كل ما أعطيتني.
وإذا أنزل الله البركة لشخص فيما أعطاه صار القليل منه كثيراً وإذا نزعت البركة صار الكثير قليلاً، وكم من إنسان يجعل الله على يديه من الخير في أيام قليلة ما لا يجعل على يد غيره في أيام كثيرة وكم من إنسان يكون المال عنده قليلاً لكنه متنعم في بيته، قد بارك الله له في ماله.

(وقني شر ما قضيت)

ما قضاه الله عز وجل قد يكون خيراً وقد يكون شراً، فما كان يلائم الإنسان وفطرته فإن ذلك خير، وما كان لا يلائمه فذلك شر فالصحة والقوة والعلم والمال والولد الصالح وما أشبه ذلك خير، والمرض والجهل والضعف والولد الطالح شر لأنه لا يلائم الإنسان.
والمراد: قضاؤه الذي هو مقضيه.
لأن قضاء الله الذي هو فعله كله خير وإن كان المقضي شرا لأنه لا يراد إلا لحكمة عظيمة.
(فالمرض مثلاً قد لا يعرف الإنسان قدر نعمة الله عليه بالصحة إلا إذا مرض وقد يحدث له المرض توبة ورجوعاً إلى الله عز وجل، بخلاف ما لو بقي الإنسان صحيحاً معافى، فإنه قد ينسى قدر هذه النعمة).

(إنك تقضي ولا يقضى عليك)

والله سبحانه وتعالى يقضي بما أراد ولا أحد يقضي على الله ويحكم عليه، قال تعالى ** وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ‏ ** [غافر].

(أنه لا يذل من واليت)

أي: لا يغلب من عاديته بل هو ذليل، لأن من والاه الله فهو منصور.

(ولا يعز من عاديت)

وهذا ليس على عمومه، ويخصص بالأحوال العارضة ولنا أن نقول: إنه عام أريد به الخصوص.
يعني: أن المراد: لا يذل ذلاً دائماً ولا يعز عزاً دائماً.

(تباركت ربنا)

البركة: كثرة الخير وسعته، ومعنى التبارك في الله عز وجل: أنه سبحانه وتعالى عظيم البركة واسعها، ومنزل البركة، وأنه بذكره تحصل البركة وباسمه تحصل البركة.

(تعاليت)

من التعالي، وهو العلو، وزيدت التاء للمبالغة في علوه.
وعلو الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين:
1- علو الذات: أن الله نفسه فوق كل شيء.
2- علو الصفة: أن الله تعالى موصوف بكل الصفات العليا.

(أعوذ برضاك من سخطك)

هذا من باب التوصل برضاء الله أن يعيذك من سخطه، فأنت الآن استجرت من السيء بضده، فجعلت الرضاء وسيلة تتخلص به من السخط.

(وبمعافاتك من عقوبتك)

والمعافاة: أن يعافيك الله من كل بلية في الدين أو في الدنيا، وضد المعافاة: العقوبة.
والعقوبة لا تكون إلا بذنب، وإذا استعذت بمعافاة الله من عقوبته، فأنك تستعيذ من ذنوبك حتى يعفو الله عنك، إما بمجرد فضله، وإما بالهداية إلى أسباب التوبة.

(وبك منك)

لا يمكن أن يستعيذ من الله إلا الله، إذا لا أحد يعيذك من الله إلا الله، فهو الذي يعيذني مما أراد بي من سوء.
ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد يريد بك سوءا، ولكن إذا استعذت به منك أعاذك، وفي هذا غاية اللجوء إلى الله، وأن الإنسان يقر بقلبه ولسانه أنه لا مرجع له إلا ربه سبحانه وتعالى.

(لا نحصي ثناء عليك)

أي لا ندركه ولا نبلغه ولا نصل إليه، والثناء هو: تكرار الوصف بالكمال.
فلا يمكن أن تحصي ثناء على الله أبداً ولو بقيت أبد الآبدين وذلك لأن أفعال الله غير محصورة وكل فعل من أفعال الله فهو كمال.
وغاية الإنسان أن يعترف بالنقص والتقصير (لا أحصي ثناء عليك).

(أنت كما أثنيت على نفسك)

أي: أنت يا ربنا كما أثنيت على نفسك، أما نحن فلا نستطيع أن نحصي الثناء عليك.

من كتاب \ الشرح الممتع على زاد المستنفع
لسماحة الشيخ \ محمد صالح العثيمين – رحمه الله. (بتصرف).