المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الظانينَ بالله ظنَّ السَّوء عـليـهـم دائـرةُ السَّوء


أسامي عابرة
01-05-2012, 06:52 AM
الظانينَ بالله ظنَّ السَّوء عـليـهـم دائـرةُ السَّوء

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

أكثرُ النَّاسِ يظنون بالله غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوءِ فيما يختصُّ بهم وفيما يفعلُه بغيرهم، ولا يسلَمُ عن ذلك إلا مَن عرف الله، وعرف أسماءَه وصفاتِهِ، وعرفَ موجبَ حمدِهِ وحكمته،

فمَن قَنِطَ مِن رحمته، وأيسَ مِن رَوحه، فقد ظن به ظنَّ السَّوء.

ومَن ظنَّ بأنه لا ينصرُ دينه وكتابه، وأنه يُديل الشركَ على التوحيدِ، والباطلَ على الحقِّ إدالة مستقرة يضمحِلّ معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً، فقد ظنَّ بالله ظن السَّوْءِ، ونسبه إلى خلاف ما يليقُ بكماله وجلاله، وصفاته ونعوته، فإنَّ حمدَه وعزًَّته، وحِكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يَذِلَّ حزبُه وجندُه، وأن تكون النصرةُ المستقرة، والظفرُ الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فَمن ظنَّ به ذلك، فما عرفه، ولا عرف أسماءَه، ولا عرف صفاتِه وكماله.

ومَن جوَّز عليه أن يعذِّبَ أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم، ويُسوِّى بينهم وبين أعدائه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السوءِ.

ومَن ظنَّ به أن يترُكَ خلقه سُدى، معطَّلينَ عن الأمر والنهى، ولا يُرسل إليهم رسله، ولا ينزِّل عليهم كتبه، بل يتركهم هَمَلاً كالأنعام، فقد ظَنَّ به ظنَّ السَّوء.

ومن ظنَّ أنه يُضَيِّعُ عليه عملَه الصالحَ الذي عملَه خالصاً لوجهه الكريمِ على امتثال أمره، ويُبطِلَه عليه بلا سبب من العبد، فقد ظَنَّ به ظنَّ السَّوء.

ومَن ظن أن له ولدَاً، أو شريكاً أو أن أحدَاً يشفعُ عنده بدون إذنه، أو أن بينَه وبين خلقه وسائطَ يرفعون حوائجهم إليه، أو أنه نَصَبَ لعباده أولياء مِن دونه يتقرَّبون بهم إليه، ويتوسلون بهم إليه، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه، فيدعونهم، ويحبونهم كحبه، ويخافونهم ويرجونهم، فقد ظنَّ به أقبحَ الظن وأسوأه.

ومَن ظنَّ به أنه إذا ترك لأجله شيئاً لم يُعوِّضه خيراً منه، أو مَن فعل لأجله شيئاً لم يُعطه أفضلَ منه، فقد ظنَّ به ظن السَّوْءِ.

ومن ظنَّ به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرَّع إليه، وسأله، واستعان به، وتوكَّل عليه أنه يُخيِّبُه ولا يُعطيه ما سأله، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوءِ، وظنَّ به خلافَ ما هو أهلُه.

ومن ظنَّ به أنهُ يُثيبه إذا عصاه بما يُثيبه به إذا أطاعه، وسأله ذلك في دعائه، فقد ظنَّ به خلافَ ما تقتضيه حِكمتُه وحمده، وخلافَ ما هو أهلُه وما لا يفعله.

ومن ظن به أنه إذا أغضبه، وأسخطه، وأوضع في معاصيه، ثم اتخذ من دونه ولياً، ودعا مِن دونه مَلَكاً أو بَشَراً حَياً، أو ميتاً يرجُو بذلك أن ينفَعَه عند ربِّه، ويُخَلِّصَه مِن عذابه، فقد ظنَّ به ظَنَّ السَّوْءِ، وذلك زيادة في بُعْدِه من الله، وفى عذابه.

فأكثر الخلق، بل كلهم إلا مَن شاء الله يظنون باللهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوْءِ، فإن غالبَ بنى آدم يعتقد أنه مبخوسُ الحق، ناقصُ الحظ وأنه يستحق فوقَ ما أعطاهُ اللهُ، ولِسان حاله يقول: ظلمني ربِّى، ومنعني ما أستحقُه، ونفسُه تشهدُ عليه بذلك، وهو بلسانه يُنكره ولا يتجاسرُ على التصريح به، ومَن فتَّش نفسَه، وتغلغل في معرفة دفائِنها وطواياها، رأى ذلك فيها كامِناً كُمونَ النار في الزِّناد، فاقدح زنادَ مَن شئت يُنبئك شَرَارُه عما في زِناده، ولو فتَّشت مَن فتشته، لرأيت عنده تعتُّباً على القدر وملامة له، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقِلٌ ومستكثِر، وفَتِّشْ نفسَك هل أنت سالم مِن ذلك ؟

فَإنْ تَنجُ مِنْهَا تنج مِنْ ذِي عَظِيمَةٍ . . . وَإلاَّ فَإنِّي لاَ إخَالُكَ نَاجِـيَـاً

فليعتنِ اللبيبُ الناصحُ لنفسه بهذا الموضعِ، وليتُبْ إلى الله تعالى وليستغفِرْه كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السَّوْءِ، وليظنَّ السَّوْءَ بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبعُ كل شر، المركَّبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السَّوْءِ من أحكم الحاكمين، وأعدلِ العادلين، وأرحمِ الراحمين، الغنىِّ الحميد، الذي له الغنى التام، والحمدُ التام، والحكمةُ التامة، المنزّهُ عن كل سوءٍ في ذاته وصفاتِهِ، وأفعالِه وأسمائه، فذاتُه لها الكمالُ المطلقُ مِن كل وجه، وصفاتُه كذلك، وأفعالُه كذلك، كُلُّها حِكمة ومصلحة، ورحمة وعدل، وأسماؤه كُلُّها حُسْنَى.

من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد

( 3 / 228 )

شذى الاسلام
01-05-2012, 10:36 AM
فمَن قَنِطَ مِن رحمته، وأيسَ مِن رَوحه، فقد ظن به ظنَّ السَّوء

بارك الله فيكِ اختي الحبيبة ام سلمى ..وجزاك الله كل خير

الغردينيا
01-05-2012, 11:03 AM
قال تعالى ( وماربك بظلام للعبيد ) صدق جل علاه
جــــــــــــزاك الله خيرا أختي الفاضلة أم سلمى على الطرح الراااااائع

"لطيفة"
01-05-2012, 09:21 PM
جزاك الله خيرا أختي أم سلمى،

هل من يغلب على ظنه أنه لا يستجاب له، وهذا لا يمنعه عن الدعاء، من سوء ظن بنفسه وعمله يعتبر سيء الظن بالله؟

أسامي عابرة
02-05-2012, 02:49 PM
فمَن قَنِطَ مِن رحمته، وأيسَ مِن رَوحه، فقد ظن به ظنَّ السَّوء

بارك الله فيكِ اختي الحبيبة ام سلمى ..وجزاك الله كل خير



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفيكِ بارك الله أختي الحبيبة شذى الإسلام

أسعدني مروركِ الكريم وإطلالتكِ العطرة وحسن قولكِ

أحسن الله إليكِ ووفقكِ لكل خير

في حفظ الله ورعايته

أسامي عابرة
02-05-2012, 02:51 PM
قال تعالى ( وماربك بظلام للعبيد ) صدق جل علاه
جــــــــــــزاك الله خيرا أختي الفاضلة أم سلمى على الطرح الراااااائع

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وإياكِ .. بارك الله أختي الحبيبة الغردينيا

أسعدني مروركِ الكريم وإطلالتكِ العطرة وحسن قولكِ

أحسن الله إليكِ ووفقكِ لكل خير

في حفظ الله ورعايته

أسامي عابرة
02-05-2012, 02:53 PM
جزاك الله خيرا أختي أم سلمى،

هل من يغلب على ظنه أنه لا يستجاب له، وهذا لا يمنعه عن الدعاء، من سوء ظن بنفسه وعمله يعتبر سيء الظن بالله؟


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وإياكِ .. بارك الله أختي الحبيبة لطيفة

أسعدني مروركِ الكريم وإطلالتكِ العطرة وحسن قولكِ

أحسن الله إليكِ ووفقكِ لكل خير

في حفظ الله ورعايته