المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلا يرفث ولا يجهل


الطاهرة المقدامة
13-08-2011, 02:58 PM
فلا يرفث (http://mohamashoon.com/vb/showthread.php?t=4251)ولا يجهل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فإن الصيام الذي أوجبه الله تعالى على عباده في هذا الشهر الكريم ، يتجاوز معناه مجرد ترك الطعام والشراب و أرشد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حين قال عليه الصلاة والسلام : (( قال الله تعالى : كل عمل ابن له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جُنّة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث (http://mohamashoon.com/vb/showthread.php?t=4251)، ولا يجهل (http://mohamashoon.com/vb/showthread.php?t=4251)، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم ......))(55) . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى معلقاً على الحديث : فلا يرفث (http://mohamashoon.com/vb/showthread.php?t=4251): المقصود بالرفث الكلام الفاحش ، وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته ، وعلى ماذكره مع النساء أو مطلقاً ، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها . وقوله : فلا يجهل (http://mohamashoon.com/vb/showthread.php?t=4251): أي لا يفعل شيئاً من أفعال الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك . اهـ(56) وفي هذا الحديث بيان للمشروعية التي شرع من أجلها الصيام . إن الكف عن أعراض الناس بعدم الجهل أو التطاول عليها أمر حددته مشروعية الصيام ، وإذا لم نحققه في حياتنا واقعاً ملموساً فإن في صومنا قدح وشرخ لمخالفتنا لهذه الوصية العظيمة من وصايا نبينا صلى الله عليه وسلم . ولك أن تتأمّل هذه الوصية جيداً ثم تعرض حال الصائمين عليها خلال أيام صومهم لتجد فرقاً وبوناً شاسعاً بين هذه الوصية وواقع الناس أثناء صومهم . ولك أن ترى ذلك الصائم الذي جاع وعطش من أثر الصيام وبان ذلك على محياه ثم في الوقت ذاته لا تجده يرعوي عن الخصومة الجائرة لأدنى خلاف ، ثم قد يتجاوز في خصومته الأدب الإسلامي فيسب من خاصمه ، ويقدح في عرضه ، ويفشي سره ، ويهتك عرضه ناسياً أو متناسياً هذا التوجيه الرباني العظيم فأي معنى للصيام ؟ ولك أن ترى في صورة ثانية ذلك الذي يجلس المجالس الطويلة فلا تجد ما يتحدث به غير الغيبة التي يتسلى بها على أعراض المسلمين ، فيذكر من أخبارهم ، وحياتهم ما يقدح في أشخاصهم ، ويثلب مقاماتهم ، ونسي المسكين أنه أبخس صومه حين تجاوز هذه المحرمات ، فصام بطنه عن الطعام والشراب وأفطر لسانه على كبيرة من كبائر الذنوب ، وتناسى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : أتدرون ما المفلس ؟ فقالوا : المفلس منا من لادرهم له ولا متاع فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرح في النار )) .(57) وقد قرر الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره : أن الغيبة كبيرة من كبائر الذنوب . وأن الله تعالى صور المغتاب في صورة بذيئة حين حكى عنه أنه يشبه من جثى على أخيه وهو مستلق ميت فجعل يأكل من لحمه كما قال الله تعالى : ....... (( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ... الآية )) سورة الحجرات ، أو لك أن ترى ذلك الصائم الذي يصوم بطنه عن الطعام والشراب بينما عيناه تتسلّق إلى عورات المسلمين ، فيرنو بطرفه هناك إلى سُتر بيوت مرخاه ليكشف سترها ، ويشيع الفاحشة فيها ، أو يرنو بطرفه إلى قناة فضائية يشهد فيها بعينه صور نساء عاريات يتسلى بهذا الوقت إلى بلوغ الغروب ، ونسي المسكين أن شمسه غربت جداً حين طمس بعينه في ما يسخط الله تعالى . أو لك أن ترى في صورة أخرى صائم يتسلى لقضاء وقته بشريط غنائي يلهو عليه ، ويبعثر به وحشية الشهوة ، ويثير في حياته التطلع إلى الحرمات . أو قل ربما يكون صائم عن كل ذلك ، وتحقق في يومه معاني الصيام التي جاءت بها الأحاديث لكنه في المقابل ينتظر الإفطار بفارق الصبر لا ، ليحمد الله على قضاء يوم في حياته بهذه ال******ة إنما ينتظر أن يشعل سيجارة تافهة في زوايا بيته أو ربما يتمنى عجلة من الوقت ليركب سيارته متجهاً في ساعات مبكرة إلى إحدى المقاهي المجاورة . إلى غير ذلك من الصور التي تخالف هذا التوجيه الرباني الكريم . إن هؤلاء جميعاًَ بين أمرين لا ثالث لهما إما أنهم يجهلون هذه الأحكام ، وحين يتضح لهم الحكم الشرعي في مثل هذه الممارسات فلن تجاوزوا هذه التوجيهات الربانية لأن الجاهل إذا انقشع عنه الجهل تمثّل للحق وعمل به . وإما إنهم يدركون هذه المعاني . فقط الشهوات حجبت عنهم معالم الهداية للحق فهؤلاء على شفا جرف هار ، والأيام حبالى بالمجهول ، فالله الله أن نكون ضحايا هذه الدنيا العريضة وحينئذ لن يفرح بمثل هذه النهايات إلا إبليس . عافانا الله وإياكم من البلاء والخذلان ووفقنا إلى معرفة الحق والأخذ به ، وجعلنا ممن يقومون بواجب هذا الشهر على وجه التمام ، والله المستعان وعليه التكلان .

(55) متفق عليه

(56) فتح الباري

(57) رواه مسلم

مع الاحتفاظ بحقوق صاحبها