المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمثال في السنة النبوية... متجدد


بلعاوي
15-02-2011, 03:39 AM
الأمثال في السنة النبوية


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...
فإن الحقائق السامية في معانيها وأهدافها تأخذ صورتها الرائعة إذا صيغت في قالب حسي يُقرِّبها إلى الأفهام، والتمثيل هو القالب الذي يبرز المعاني في صورة حيّة تستقر في الأذهان، بتشبيه الغائب بالحاضر، والمعقول بالمحسوس، وقياس النظير على النظير، وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعةً وجمالاً، فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له، واقتناع العقل به، وهو من أساليب السنة النبوية في ضروب بيانها.

تعريف الأمثال:
الأمثال جمع مثل بفتحتين، والمَثَلُ والمِثْل والمَثِيل: كالشَّبَه والشِّبْه والشَّبِيْهِ لفظًا ومعنىً.
قال الزمخشري: "المَثَلُ في الأصل بمعنى المِثْل، أي: النظير. يقال: مَثَلٌ ومِثْلٌ ومَثِيْلٌ كشَبَه وشِبْه وشَبِيْه، ثم قال: ويستعار للحال، أو الصفة، أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة"(1).
وقال ابن القيم: "إنها تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما بالآخر"(2).
وقال البيضاوي: المثل في الأصل بمعنى النظير يقال: مَثَل ومِثْل ومَثِيل كشَبَه وشِبْه وشَبِيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده، ولا يضرب إلا ما فيه غرابة؛ ولذلك حوفظ عليه من التغيير، ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة، مثل قوله تعالى: ((مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ))[سورة محمد: 15]، وقوله تعالى: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى)) [سورة الروم: 27] (3).
والمثل في الأدب: قول محكي سائر يقصد به تشبيه حال الذي حُكِيَ فيه بحال الذي قيل لأجله، أي: يشبه مضربه بمورده، مثل: " رُبَّ رميةٍ من غير رامٍ" أي: رُبَّ رميةٍ مُصيبةٍ حصلت من رامٍ شأنه أن يخطئ، وأول من قال هذا: الحكم بن يغوث النقري، يُضرب للمخطئ يصيب أحيانًا، وعلى هذا فلا بد له من مورد يُشَبَّه مضربه به.
ويطلق المثل على الحال، والصفة، والقصة العجيبة الشأن، وأشار الزمخشري إلى هذه المعاني الثلاثة في كشافه فقال: " والمثل في أصل كلامهم بمعنى المِثل والنظير، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل، ولم يضربوا مثلاً ولا رأوه أهلاً للتيسير ولا جديرًا بالتداول والقبول إلا قولاً فيه غرابة من بعض الوجوه" ثم قال: وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن، وفيها غرابة.
وهناك معنى رابع ذهب إليه علماء البيان في تعريف المثل، فهو عندهم: المجاز المركب الذي تكون علاقته المتشابهة متى فشا استعماله، وأصله الاستعارة التمثيلية، كقولك للمتردد في فعل أمر: " مالي أراك تُقدِّم رِجْلاً وتؤخِّر أخرى".
وقيل في ضابط المثل كذلك: إنه إبراز المعنى في صورةٍ حسّيةٍ تكسبه روعةً وجمالاً. والمثل بهذا المعنى لا يُشترط أن يكون له مورد، كما لا يُشترط أن يكون مجازًا مركبًا.
والأمثال مقادير الأفعال، والمتمثل كالصانع الذي يقدر صناعته؛ كالخياط يقدر الثوب على قامة المخيط ثم يفريه ثم يقطع، وكل شيء به قالب ومقدار، وقالب الكلام ومقداره الأمثال.
وقال الخفاجي سمي مثلا لأنه ماثل بخاطر الإنسان أبدًا، أي شاخص فيتأسى به ويتعظ ويخشى ويرجو والشاخص المنتصب(4).


(1) البرهان في علوم القرآن، 1/ 490.
(2) إعلام الموقعين لابن القيم، 1/ 150، والأمثال في القرآن الكريم، 1/ 9.
(3) تفسير البيضاوي، 1/ 186.
(4) البرهان في علوم القرآن، 1/ 487.

بياض الجوهر
15-02-2011, 03:07 PM
جزآك الله كل خير على الطرح القيم
وأسأل الله أن يجعله في موآزين حسنآتك ,

-

بلعاوي
16-02-2011, 03:48 AM
جزآك الله كل خير على الطرح القيم
وأسأل الله أن يجعله في موآزين حسنآتك ,

-
واياكم بارك الله لكم

بلعاوي
16-02-2011, 03:50 AM
المصنفات في الأمثال



من العلماء من أفرد الأمثال في السنة بالتأليف، منهم أبو الحسن الرامهرمزي حيث سمّى كتابه " أمثال الحديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان, وكتابه المسمى " كتاب الأمثال في الحديث النبوي"، ومنهم من عقد لها بابًا أو كتاب من مصنفه، كأبي عيسى الترمذي الذي عقد أبوابًا في جامعه سماها: " أبواب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
يقول القاضي أبو بكر بن العربي: " لم أر من أهل الحديث من صنّف فأفرد للأمثال بابًا غير أبي عيسى، ولله دره، لقد فتح بابًا، وبنى قصرًا أو دارًا، ولكنه اختط خطًا صغيرًا، فنحن نقنع به، ونشكره عليه".

المنهج في دراسة الأمثال:

لأهمية الأمثال في السنة النبوية اخترنا طرفاً صالحاً منها من كتب السنة، وفق المنهج الأتي:
1- الاقتصار على ما صح سنده منها، ففيها الكفاية والغنية.
2- تخريج الأحاديث من كتب السنة المعتمدة.
3- شرح المفردات الغريبة في متن الحديث، مع شرح إجمالي للحديث عند الحاجة إلى ذلك.
4- ذكر أهم الفوائد المستنبطة من المثل.
5- الرجوع إلى المصادر الرئيسة، من شروح السنة، وغريب الحديث، وكتب اللغة، مع الإشارة إلى ذلك في الحاشية.
هذا ونسأل الله تعالى أن ينفع بها إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين.

الطاهرة المقدامة
16-02-2011, 10:23 AM
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير

أسامي عابرة
16-02-2011, 01:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم و نفع الله بكم ونفعكم وزادكم من فضله وعلمه وكرمه

أحسنتم أحسن الله إليكم

في رعاية الله وحفظه

بلعاوي
17-02-2011, 05:54 AM
اشكر لكم حضوركم الكريم اخواني ودعائكم الطيب المبارك

بارك الله فيكم ورزقكم خيري الدنيا والاخرة

في رعاية الله وحفظه

بلعاوي
17-02-2011, 05:58 AM
أنواع الأمثال في السنة

الأمثال في السنة ثلاثة أنواع:
1. الأمثال المصَرَّحة.
وهي ما صرِّح فيها بلفظ المثل، أو ما يدل على التشبيه. كما جاء فى الحديث الصحيح: (( إن مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها طائفة أمسكت الماء فشرب الناس واستقوا وزرعوا وكانت منها طائفة إنما هى قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ وذلك مثل من فقه فى دين الله فنفعه ما بعثنى الله به من الهدى والعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذى أرسلت به))

(1) والأمثلة عليها كثيرة.

2. والأمثال الكامنة.
وهي التي لم يُصَرَّحْ فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدل على معانٍ رائعةٍ في إيجازٍ، يكون لها وقعها إذا نقلت إلى ما يشبهها، مثاله: ((وخير الأمور أوساطها)) (2)، و((ليس الخبر كالمعاينة)) (3)
و((لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)) (4).

3. والأمثال المرسلة.
وهي جمل أرسلت إرسالاً من غير تصريح بلفظ التشبيه، مثاله: ((سبقك بها عكاشة)) (5).

فوائد الأمثال:

1. الأمثال تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس، فيتقبله العقل؛ لأن المعاني المعقولة لا تستقر في الذهن إلا إذا صيغت في صورة حسية قريبة الفهم.
2. وتكشف الأمثال عن الحقائق، وتعرض الغائب في معرض الحاضر.
3. وتجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة.
4. ويضرب المثل للترغيب في الممثَّل به مما ترغب فيه النفوس.
5. ويضرب المثل للتنكير حيث يكون الممثَّل به مما تكرهه النفوس.
6. ويضرب المثل لمدح الممثَّل به.
7. وفيه أيضا تبكيت الخصم.
8. والأمثال أوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع، وقد أكثر النبي صلى الله عليه وسلم الأمثال في السنة للتذكرة والعبرة.
واستعان بها الداعون إلى الله في كل عصر لنصرة الحق وإقامة الحجة، ويستعين بها المربون ويتخذونها من وسائل الإيضاح والتشويق، ووسائل التربية في الترغيب أو التنفير، وفي المدح أو الذم.
قال الزمخشرى التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني وإدناء المتوهم من المشاهد فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إلا بأمر استدعته حال الممثل له ألا ترى أن الحق لما كان واضحا جليا تمثل له بالضياء والنور، وأن الباطل لما كان بضده تمثل له بالظلمة، وكذلك جعل بيت العنكبوت مثلا في الوهن والضعف (6).

وقال الأصبهاني: لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفي في إبراز خفيات الدقائق ورفع الأستار عن الحقائق، تريك المتخيل في صورة المتحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه مشاهد، وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة، وقمع لسورة الجامح الأبي؛ فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر في وصف الشيء في نفسه؛ ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الأمثال، وفشت في كلام النبي وكلام الأنبياء والحكماء (7).
وقال البيضاوي: يضرب المثل زيادة في التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب، وأقمع للخصم الألد، ولأنه يريك المتخيل محققا والمعقول محسوسا، والأمر ما أكثر الله في كتبه الأمثال، وفشت في كلام الأنبياء والحكماء (8).

والخلاصة: أن ضرب الأمثال يستفاد منه أمور كثيرة، منها: التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار، والتقرير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره بصورة المحسوس، فإن الأمثال تصور المعاني بصورة الأشخاص؛ لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس، ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي والغائب بالشاهد (9).


الهوامش:

(1) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب: فضل من علم وعلّم، برقم79)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب: بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، برقم: (2282).
(2) سنن البيهقي الكبرى، 3/ 273، برقم: (5897)، وضعّفه الألباني، ينظر: ضعيف الجامع، برقم: (3177).
(3) مسند الإمام أحمد، 1/ 215، برقم: (1842). والحديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.
(4) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، برقم: (6133)، وصحيح مسلم، كتاب الأدب، باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، برقم: (2998).
(5) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب: يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب، برقم: (6542)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة، برقم: (216).
(6) البرهان في علوم القرآن، 1/ 488.
(7) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، 2/ 344.
(8) تفسير البيضاوي، 1/ 186.
(9) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، 2/ 344.

عبد الغني رضا
17-02-2011, 08:55 PM
بارك الله فيكم

بلعاوي
18-02-2011, 03:11 PM
الأمثال الواردة في حديث الحارث الأشعري





عَنِ الْحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِمَا السَّلاَم- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ, وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ, وَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ, فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ وَإِمَّا أَنْ أُبَلِّغَهُنَّ, فَقَالَ: يَا أَخِي إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ أَوْ يُخْسَفَ بِي, قَالَ: فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى امْتَلأَ الْمَسْجِدُ, فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ, فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ, أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي غَلَّتَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ, فَأَيُّكُمْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟, وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, وَآمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ, فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا, وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ, وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ, وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ, وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ, فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ, وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرًا, وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ, وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِن الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ؛ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: بِالْجَمَاعَةِ, وَالسَّمْعِ, وَالطَّاعَةِ, وَالْهِجْرَةِ, وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِن الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ لاَ أَنْ يَرْجِعَ, وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ, فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(1).

شرح المفردات(2):

(إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ): أوحى إليه.
(أبطأ بهن): مِن لإِبْطَاءِ, وَهُوَ ضِدُّ لإِسْرَاعِ, أي: تأخر في التبليغ.
(يخسف بي): يغيبني في الأرض.
(الشُرَفات): بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ شُرْفَةٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: شُرْفَةُ الْقَصْرِ بِالضَّمِّ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ شُرَفٌ، أي: مكان مرتفع من البيت ونحوه.
(وَرِقٌ): أي: فضة.
(وَارْفَعْ إليّ): قدِّمه وقرِّبه.
(فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ) أي: فَإِنَّ اللَّهَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ إِلَى وَجْهِ عَبْدِهِ.
(صُرّة): بِضَمِّ الصَّادِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أي ما يجمع فيه الشيء ويربط.
(فِي عِصَابَةٍ): بِكَسْرِ الْعَيْنِ, أي: جَمَاعَةٍ.
(مِسْك): بكسر الميم, وهو الطِّيب المعروف.
(عِصابة): جماعة من الناس.
(خَلُوفٌ): تغير رائحة.
(أسره): أي: قيّده، يقال: أسره يأسره أسراً وإسارةً؛ شدّه بالإسار، والإسار: ما شدّ به والقيد، ومنه سمّي الأسير.
(فشدُّوا): ربطوا.
(أَنْ أَفْتَدِيَ) مِن الْفِدَاءِ وَهُوَ فِكَاكُ لإِسِيرِ, أي: أَفُكُّ عُنُقِي.
(فكّ نفسه): أي: خلَّصها؛ فكّ الشيء خلّصه.
(في أثره): خَرَجَ فِي أَثَرِهِ وَإِثْرِهِ أي: بَعْدَهُ.
(سِرَاعًا): بِكَسْرِ السِّينِ حَالٌ مِن الْعَدُوِّ, أَي: مُسْرِعِينَ.
(الْحِصْنُ) بِالْكَسْرِ: كُلُّ مَكَانٍ مَحْمِيٍّ مَنِيعٍ لاَ يُوصَلُ إِلَى جَوْفِهِ, وَالْحَصِينُ مِن لإِمَاكِنِ الْمَنِيعُ, يُقَالُ دِرْعٌ حَصِينٌ: أي: مُحْكَمَةٌ, وَحِصْنٌ حَصِينٌ لِلْمُبَالَغَةِ وحصن (حصين): حِصْن منيع، أي: بيِّن الحصانة.
(فأحرز نفسه): حفظها وصانها.
(قيد): بمقدار.
(خلع): نزع.
(رِبْقَةَ لإِسْلاَمِ): بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ, وَهِيَ فِي لإِصْلِ عُرْوَةٌ فِي حَبْلٍ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَهِيمَةِ أَوْ يَدِهَا تُمْسِكُهَا فَاسْتَعَارَهَا لِلإِسْلاَمِ, يَعْنِي مَا شَدَّ الْمُسْلِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عُرَى لإِسْلاَمِ, أَي: حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ.
(الْهِجْرَةُ): أي: لإِنْتِقَالُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ, وَمِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ لإِسْلاَمِ وَمِنْ دَارِ الْبِدْعَةِ إِلَى دَارِ السُّنَّةِ, وَمِن الْمَعْصِيَةِ إِلَى التَّوْبَةِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"(3).
(جثاء): مفردها: جثوة، وهي: الشيء المجموع، والمراد هنا: جماعات جهنم.







(1) جامع الترمذي، برقم: (2863), ومسند الإمام أحمد، 28/404-406، برقم: (17170)، وبرقم: (17800)، 29/335-336, وصحّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب, 1/ 132، برقم: (552).
(2) تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي, 8/ 130- 132.
(3) صحيح البخاري، برقم [6119 ]، ومسلم برقم [ 40].

بلعاوي
19-02-2011, 10:23 AM
الأمثال الواردة في حديث الحارث الأشعري
2



في الحديث أربعة أمثال؛ وهي:

1.مثل من يشرك بالله تعالى، كمثل مملوك يأكل مال سيده ويسكن في بيته، ولكن يدفع ما يكسب إلى غير سيده، فلا يرضى أيّ إنسان بهذا، فكيف يرضى الله لنفسه مع أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم وأجمل صورة، ورزقه من عنده رزقًا غدقًا، وأسكنه فسيح أرضه، فكيف يليق بالإنسان أن يعبد غيره؟
فلنمَعِّن نص الحديث:
(أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي غَلَّتَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ, فَأَيُّكُمْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟, وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا).
وقد شرح الإمام ابن القيم رحمه الله هذا الحديث في كتابه: "الوابل الصيب من الكلم الطيب" شرحًا وافيًا، فيحسن أن ننقله هنا: قال رحمه الله: " ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل الموحد والمشرك: فالموحد كمن عمل لسيده في داره وأدى لسيده ما استعمله فيه، والمشرك كمن استعمله سيده في داره، فكان يعمل ويؤدي خراجه وعمله إلى غير سيده، فهكذا المشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى، ويتقرب إلى عدو الله تعالى بنعم الله تعالى، ومعلوم أن العبد من بني آدم لو كان مملوكه كذلك لكان أمقت المماليك عنده، وكان أشد شيء غضبًا عليه, وطردًا له وإبعادًا، وهو مخلوق مثله، كلاهما في نعمة غيرهما، فكيف برب العالمين الذي ما بالعبد من نعمة فمنه وحده لا شريك له، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، وهو وحده المنفرد بخلق عبده، ورحمته، وتدبيره، ورزقه، ومعافاته، وقضاء حوائجه، فكيف يليق به مع هذا أن يعدل به غيره في الحب، والخوف، والرجاء، والحلف، والنذر، والمعاملة، فيحب غيره كما يحبه أو أكثر، ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه أو أكثر؟ وشواهد أحوالهم- بل وأقوالهم وأفعالهم- ناطقة بأنهم يحبون أنداده من الأحياء والأموات، ويخافونهم، ويرجونهم، ويعاملونهم، ويطلبون رضاهم، ويهربون من سخطهم أعظم مما يحبون الله تعالى، ويخافونه ويرجونه، ويهربون من سخطه، وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[سورة النساء: 48، 116]"(1).

2.مثل الصوم، كمثل رجل معه طيب من أطيب الأنواع، فإذا مشى بين الناس يشمون رائحته، وهذا نص الحديث:
(وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ).
ويناسب هذا المثل ما جاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)(2).
يقول ابن القيم رحمه الله: " إنما مثّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بصاحب الصُرَّة التي فيها المسك، لأنها مستورة عن العيون، مخبوءة تحت ثيابه، كعادة حامل المسك، وهكذا الصائم صومه مستور عن مشاهدة الخلق، لا تدركه حواسهم، والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعًا صالحًا وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمّها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته له، وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم" (3).


(1) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص: 46-47.
(2) صحيح البخاري، برقم: (1894).
(3) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص: 61.

بلعاوي
21-02-2011, 04:30 AM
الأمثال الواردة في حديث الحارث الأشعري
3


3. مثل الصدقة في سبيل الله؛ فهذا المثل من أروع الأمثلة، وقد ذكر في الحديث بأسلوب رائع، وإليكم النص الوارد في الحديث: (وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ, وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ, فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ). فالصدقة ترد البلايا، والذي يكثر من الصدقة على الفقراء والمساكين وأصحاب الحوائج فإنه يستفيد من صدقته في الدنيا وفي الآخرة، وفي الأوقات الشديدة التي أشد ما يكون محتاجًا إلى العون والنصرة من الآخرين، فينجيه الصدقة من الرزايا والبلايا، وقد ورد بهذا المعنى حديث عند الترمذي، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ)(1).
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: هذا أيضًا من الكلام الذي برهانه وجوده، ودليله وقوعه، فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم قد جرّبوه... وفي تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية، فإن الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه، فتجيء الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه(2).
كما جاء في حديث آخر: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ, وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ)(3).

4.مثل الذكر: ذكر في الحديث: (وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرًا, وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ, وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِن الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
إن للذكر فوائد جمة؛ وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه: (الوابل الصيب من الكلم الطيب) أكثر من سبعين فائدة، وقال: "في الذكر نحو من مائة فائدة"، ومنها الحرز من الشيطان الرجيم، ويقول في شرح الحديث: " فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العبد إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر، وانقمع، حتى يكون كالوضع وكالذباب، ولهذا سمي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس، أي: كفّ وانقبض(1).
ولذلك ورد الأمر بالإكثار من ذكر الله عز وجل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراًوَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [سورة الأحزاب: 41-42], وقد مثّل النبي صلى الله عليه وسلم للذاكر والغافل بالحي والميت؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)(5).


(1) جامع الترمذي، برقم: (664), وضعفه الألباني، ينظر: ضعيف الترمذي, 1/ 75، برقم: (105).
(2) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص: 70- 72.
(3) جامع الترمذي، برقم: (2616)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني: في صحيح الجامع، برقم:(5136).
(4) المرجع السابق، ص: 82-83.
(5) صحيح البخاري، برقم: (6407).

الطاهرة المقدامة
21-02-2011, 05:30 AM
أحسن الله إليك وجزاك الله كل خير.

صمتي عنواني
21-02-2011, 07:20 PM
جزاك الله خير

بلعاوي
22-02-2011, 07:26 AM
أحسن الله إليك وجزاك الله كل خير.


جزاك الله خير

بارك الله لكم

واسأل الله العظيم لكم سعادةً لا تزول وقبولاً لا يحول ..
ورزقاً مباركاً كأنه السيول ..
ومغفرة كاملة يوم المثول ..
ورزقكم عند الصراط الفوز بالعبور ..
ولا حرمني صِدق محبتكم وصالح دعائكم ..

بلعاوي
22-02-2011, 07:32 AM
الرؤيا تقع على ما تعبر




عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ, فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَا تَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ(1).

شرح المفردات ( 2):

( الرُّؤْيَا عَلَى رِجْل طَائِر ): مَعْنَاهُ لَا تَسْتَقِرّ قَرَارهَا مَا لَمْ تُعَبَّر, فَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْمُعَلَّق بِرِجْلِ الطَّائِر لَا اسْتِقْرَار لَهَا.
( مَا لَمْ تُعَبَّر ): بِصِيغَةِ الْمَجْهُول وَبِتَخْفِيفِ الْبَاء فِي أَكْثَر الرِّوَايَات أي: مَا لَمْ تُفَسَّر.
( فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ ): أي: تِلْكَ الرُّؤْيَا عَلَى الرَّائِي, يَعْنِي: يَلْحَقهُ حُكْمهَا.
(وَلاَ تَقُصّهَا ): أي: لا تَعْرِض رُؤْيَاك.
( إِلاَّ عَلَى وَادٍّ ): بِتَشْدِيدِ الدَّال, أي: مُحِبّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقْبِلك فِي تَفْسِيرهَا إِلَّا بِمَا تُحِبّ.
( أَوْ ذِي رَأْي ): أَي: عَاقِل أَوْ عَالِم.

وجه الشبه: هَذَا مَثَلٌ فِي عَدَمِ تَقَرُّرِ الشَّيْءِ, أي: لَا تَسْتَقِرُّ الرُّؤْيَا قَرَارًا كَالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ. فَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ بِرِجْلِ الطَّائِرِ لَا اسْتِقْرَارَ لَهَا, أي: لَا يَسْتَقِرُّ تَأْوِيلُهَا حَتَّى تُعْبَرَ, يُرِيدُ أَنَّهَا سَرِيعَةُ السُّقُوطِ إِذَا عُبِّرَتْ. كَمَا أَنَّ الطَّيْرَ لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا عَلَى رِجْلِهِ (3).

أقسام الرؤيا: وهي ثلاثة:
1.الرؤيا الصادقة، وهي بشرى من الله لعبده.
2.الرؤيا الباطلة، وهي من تحزين الشيطان.
3.حديث النفس، وهي ما يحدث الإنسان بها نفسه في اليقظة فيراها في المنام، ولا تأويل لها.صحيح البخاري [ جزء 6 - صفحة 2582 ]


(1) سنن أبي داود، برقم: ( 5017)، وسنن ابن ماجه، برقم: (3914), ومسند الإمام أحمد، برقم: (16182). وصححه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة 1/ 237, برقم: (120).
(2) ينظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي، 13/ 248.
(3) ينظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي، 13/ 248.

بلعاوي
23-02-2011, 05:26 AM
آداب الرؤيا

عن أبي سلمة قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره)(1).
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا ثلاث فرؤيا الحق ورؤيا يحدث بها الرجل نفسه ورؤيا تحزين من الشيطان فمن رأى ما يكره فليقم فليصل(2).

فمن آداب الرؤيا الصالحة:
1.أن يحمد الله عليها.
2.أن يستبشر بها خيرًا.
3.أن يحدث بها من يحب دون من يكره.

ومن آداب الرؤيا المكروهة:
1.الاستعاذة بالله من شرها.
2.التفل (النفخ بريق خفيف) عن يساره لطرد الشيطان.
3.الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
4.التحول عن الجنب الذي كان عليه تفاؤلاً بتحول حاله إلى الأحسن.
5.الصلاة ركعتين أو أكثر ليطمئن قلبه ويدعو الله أن يجنبه شرها.
6.ألا يحدث بها أحدًا, فإن اضطر فليخبر بها عالمًا أو ناصحًا فقط.


(1) صحيح البخاري، برقم [3118 ]، ومسلم برقم [ 2261].
(2) سنن الترمذي، 4/537. وصححه الألباني .

بلعاوي
24-02-2011, 03:05 AM
إغواء الشيطان للإنسان: (الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه)




عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ, فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلَامِ؛ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ, ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ, فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ, فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ, ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ, فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ, فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ, فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ, وَيُقْسَمُ الْمَالُ, فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ(1).

شرح المفردات(2):
(أَطْرُق) بِضَمِّ الرَّاء جَمْعُ طَرِيق.
(تُسْلِم): أَيْ كَيْف تُسْلِم.
(تذر، وتدع): تترك.
(الطِّوَل): بِكَسْرِ الطَّاء وَفَتْح الْوَاو, وَهُوَ الْحَبْل الطويل الَّذِي يُشَدّ أَحَد طَرَفَيْهِ فِي وَتَد, وَالطَّرَف الْآخِر فِي يَد الْفَرَس؛ ليدور ويرعى ولا يذهب لوجهه.
(جَهْد النَّفْس) بِفَتْحِ الْجِيم بِمَعْنَى الْمَشَقَّة وَالتَّعَب, وَالْمُرَاد بِالْمَالِ: الْجَمَال وَالْعَبِيد وَنَحْوهمَا, أَو الْمَال مُطْلَقًا, وَإِطْلَاق الْجَهْد لِلْمُشَاكَلَةِ أَيْ تَنْقِيصه وَإِضَاعَته.
(وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ): أي: ألقته عنها فكسرت عنقه.
(وَإِنْ غَرِقَ) من باب: سَمِعَ.

المثل الذي ضرب به في الحديث:
(مَثَل الْمُهَاجِر كَمَثَلِ الْفَرَس فِي الطِّوَل): وهَذَا مِن كَلَام الشَّيْطَان.
وَمَقْصُوده: أَنَّ الْمُهَاجِر يَصِير كَالْمُقَيَّدِ فِي بِلَاد الْغُرْبَة، لَا يَدُور إِلَّا فِي بَيْته, وَلَا يُخَالِطهُ إِلَّا بَعْض مَعَارِفه؛ فَهُوَ كَالْفَرَسِ فِي طِوَل؛ لَا يَدُور وَلَا يَرْعَى إِلَّا بِقَدْرِهِ, بِخِلَافِ أَهْل الْبِلَاد فِي بِلَادهمْ؛ فَإِنَّهُمْ مَبْسُوطُينَ لَا ضِيق عَلَيْهِمْ, فَأَحَدهمْ كَالْفَرَسِ الْمُرْسَل(3).

فوائد الحديث:
1-أن الشيطان حريص على إغواء بني آدم؛ فهو العدو اللدود لبني آدم، لذا على المسلم أن يكون على حذر منه دائماً وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[سورة البقرة: 208].
2-أن الشيطان لا ييأس من الإنسان، فإذا فاته في أمر حرص على تثبيطه عن غيره، حتى يقطعه عن الخير ويثنيه عنه.
3-فضل الإيمان، والهجرة، والجهاد وأنها من أسباب دخول الجنة.
4-أن الشهادة في سبيل الله من أسباب دخول الجنة، كما وعد الله عز وجل الغريق، ومن يسقط عن دابته فيموت بالجنة، فضلاً منه وإحساناً.


(1) سنن النسائي، برقم: (3136)، ومسند الإمام أحمد، 25/315، برقم: (15958), وصحّحه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة, 7/ 180, (2979).
(2) شرح سنن النسائي للسندي، 6/ 21-22.
(3) شرح سنن النسائي للسندي، 6/ 22

بلعاوي
02-03-2011, 04:32 AM
الأمثال الواردة في حديث الحارث الأشعري

1-3

عَنِ الْحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا -عَلَيْهِمَا السَّلاَم- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ, وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ, وَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ, فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ وَإِمَّا أَنْ أُبَلِّغَهُنَّ, فَقَالَ: يَا أَخِي إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ أَوْ يُخْسَفَ بِي, قَالَ: فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى امْتَلأَ الْمَسْجِدُ, فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ, فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ, أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي غَلَّتَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ, فَأَيُّكُمْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟, وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا, وَآمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ, فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا, وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ, وَإِنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ, وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ, وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ, فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ, وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرًا, وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ, وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِن الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ؛ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: بِالْجَمَاعَةِ, وَالسَّمْعِ, وَالطَّاعَةِ, وَالْهِجْرَةِ, وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِن الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ لاَ أَنْ يَرْجِعَ, وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ, فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(1).
130-132/ 8

شرح المفردات (2):
(إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ): أوحى إليه.
(أبطأ بهن): مِن لإِبْطَاءِ, وَهُوَ ضِدُّ لإِسْرَاعِ, أي: تأخر في التبليغ.
(يخسف بي): يغيبني في الأرض.
(الشُرَفات): بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ شُرْفَةٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: شُرْفَةُ الْقَصْرِ بِالضَّمِّ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ شُرَفٌ، أي: مكان مرتفع من البيت ونحوه.
(وَرِقٌ): أي: فضة.
(وَارْفَعْ إليّ): قدِّمه وقرِّبه.
(فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ) أي: فَإِنَّ اللَّهَ يُقْبِلُ بِوَجْهِهِ إِلَى وَجْهِ عَبْدِهِ.
(صُرّة): بِضَمِّ الصَّادِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أي ما يجمع فيه الشيء ويربط.
(فِي عِصَابَةٍ): بِكَسْرِ الْعَيْنِ, أي: جَمَاعَةٍ.
(مِسْك): بكسر الميم, وهو الطِّيب المعروف.
(عِصابة): جماعة من الناس.
(خَلُوفٌ): تغير رائحة.
(أسره): أي: قيّده، يقال: أسره يأسره أسراً وإسارةً؛ شدّه بالإسار، والإسار: ما شدّ به والقيد، ومنه سمّي الأسير.
(فشدُّوا): ربطوا.
(أَنْ أَفْتَدِيَ) مِن الْفِدَاءِ وَهُوَ فِكَاكُ لإِسِيرِ, أي: أَفُكُّ عُنُقِي.
(فكّ نفسه): أي: خلَّصها؛ فكّ الشيء خلّصه.
(في أثره): خَرَجَ فِي أَثَرِهِ وَإِثْرِهِ أي: بَعْدَهُ.
(سِرَاعًا): بِكَسْرِ السِّينِ حَالٌ مِن الْعَدُوِّ, أَي: مُسْرِعِينَ.
(الْحِصْنُ) بِالْكَسْرِ: كُلُّ مَكَانٍ مَحْمِيٍّ مَنِيعٍ لاَ يُوصَلُ إِلَى جَوْفِهِ, وَالْحَصِينُ مِن لإِمَاكِنِ الْمَنِيعُ, يُقَالُ دِرْعٌ حَصِينٌ: أي: مُحْكَمَةٌ, وَحِصْنٌ حَصِينٌ لِلْمُبَالَغَةِ وحصن (حصين): حِصْن منيع، أي: بيِّن الحصانة.
(فأحرز نفسه): حفظها وصانها.
(قيد): بمقدار.
(خلع): نزع.
(رِبْقَةَ لإِسْلاَمِ): بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ, وَهِيَ فِي لإِصْلِ عُرْوَةٌ فِي حَبْلٍ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَهِيمَةِ أَوْ يَدِهَا تُمْسِكُهَا فَاسْتَعَارَهَا لِلإِسْلاَمِ, يَعْنِي مَا شَدَّ الْمُسْلِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عُرَى لإِسْلاَمِ, أَي: حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ.
(الْهِجْرَةُ): أي: لإِنْتِقَالُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ, وَمِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ لإِسْلاَمِ وَمِنْ دَارِ الْبِدْعَةِ إِلَى دَارِ السُّنَّةِ, وَمِن الْمَعْصِيَةِ إِلَى التَّوْبَةِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"(3).
(جثاء): مفردها: جثوة، وهي: الشيء المجموع، والمراد هنا: جماعات جهنم.


(1) جامع الترمذي، برقم: (2863), ومسند الإمام أحمد، 28/404-406، برقم: (17170)، وبرقم: (17800)، 29/335-336, وصحّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب, 1/ 132، برقم: (552
(2) ينظر: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي, 8/ 130- 132.
(3) صحيح البخاري، برقم [6119 ]، ومسلم برقم [ 40].

بلعاوي
06-03-2011, 03:35 AM
الأمثال الواردة في حديث الحارث الأشعري

2-3

في الحديث أربعة أمثال؛ وهي:
1.مثل من يشرك بالله تعالى ، كمثل مملوك يأكل مال سيده ويسكن في بيته، ولكن يدفع ما يكسب إلى غير سيده، فلا يرضى أيّ إنسان بهذا، فكيف يرضى الله لنفسه مع أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم وأجمل صورة، ورزقه من عنده رزقًا غدقًا، وأسكنه فسيح أرضه، فكيف يليق بالإنسان أن يعبد غيره؟ فلنمَعِّن نص الحديث: (أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِوَرِقٍ أَوْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي غَلَّتَهُ إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ, فَأَيُّكُمْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟, وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا).(1)
وقد شرح الإمام ابن القيم رحمه الله هذا الحديث في كتابه: "الوابل الصيب من الكلم الطيب" شرحًا وافيًا، فيحسن أن ننقله هنا: قال رحمه الله: " ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل الموحد والمشرك: فالموحد كمن عمل لسيده في داره وأدى لسيده ما استعمله فيه، والمشرك كمن استعمله سيده في داره، فكان يعمل ويؤدي خراجه وعمله إلى غير سيده، فهكذا المشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى، ويتقرب إلى عدو الله تعالى بنعم الله تعالى، ومعلوم أن العبد من بني آدم لو كان مملوكه كذلك لكان أمقت المماليك عنده، وكان أشد شيء غضبًا عليه, وطردًا له وإبعادًا، وهو مخلوق مثله، كلاهما في نعمة غيرهما، فكيف برب العالمين الذي ما بالعبد من نعمة فمنه وحده لا شريك له، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، وهو وحده المنفرد بخلق عبده، ورحمته، وتدبيره، ورزقه، ومعافاته، وقضاء حوائجه، فكيف يليق به مع هذا أن يعدل به غيره في الحب، والخوف، والرجاء، والحلف، والنذر، والمعاملة، فيحب غيره كما يحبه أو أكثر، ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه أو أكثر؟ وشواهد أحوالهم- بل وأقوالهم وأفعالهم- ناطقة بأنهم يحبون أنداده من الأحياء والأموات، ويخافونهم، ويرجونهم، ويعاملونهم، ويطلبون رضاهم، ويهربون من سخطهم أعظم مما يحبون الله تعالى، ويخافونه ويرجونه، ويهربون من سخطه، وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[سورة النساء: 48، 116]"(2).

2.مثل الصوم، كمثل رجل معه طيب من أطيب الأنواع، فإذا مشى بين الناس يشمون رائحته، وهذا نص الحديث: (وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَعَهُ صُرَّةٌ مِنْ مِسْكٍ فِي عِصَابَةٍ كُلُّهُمْ يَجِدُ رِيحَ الْمِسْكِ). ويناسب هذا المثل ما جاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)(3).
يقول ابن القيم رحمه الله: " إنما مثّل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بصاحب الصُرَّة التي فيها المسك، لأنها مستورة عن العيون، مخبوءة تحت ثيابه، كعادة حامل المسك، وهكذا الصائم صومه مستور عن مشاهدة الخلق، لا تدركه حواسهم، والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعًا صالحًا وكذلك أعماله، فهي بمنزلة الرائحة التي يشمّها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته له، وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم" (4).


(1) الراوي: الحارث بن الحارث الأشعري المحدث: ابن كثير (http://www.dorar.net/mhd/774) - المصدر: تفسير القرآن (http://www.dorar.net/book/11865&ajax=1) - الصفحة أو الرقم: 1/87 خلاصة حكم المحدث: حسن
(2) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص: 46-47.
(3) صحيح البخاري، برقم: (1894).
(4) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص: 61.

عبد الغني رضا
08-03-2011, 11:36 PM
أسال الله أن يحشرك مع الحبيب المصطفى في الجنة وأن يرزقك النظر الى وجه الله الكريم آمين

بلعاوي
17-03-2011, 03:09 AM
الأمثال الواردة في حديث الحارث الأشعري

3-3

3. مثل الصدقة في سبيل الله؛ فهذا المثل من أروع الأمثلة، وقد ذكر في الحديث بأسلوب رائع، وإليكم النص الوارد في الحديث: (وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَشَدُّوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ, وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ, فَقَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَفْتَدِيَ نَفْسِي مِنْكُمْ, فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ). فالصدقة ترد البلايا، والذي يكثر من الصدقة على الفقراء والمساكين وأصحاب الحوائج فإنه يستفيد من صدقته في الدنيا وفي الآخرة، وفي الأوقات الشديدة التي أشد ما يكون محتاجًا إلى العون والنصرة من الآخرين، فينجيه الصدقة من الرزايا والبلايا، وقد ورد بهذا المعنى حديث عند الترمذي، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عَنْ مِيتَةِ السُّوءِ)(1).
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: هذا أيضًا من الكلام الذي برهانه وجوده، ودليله وقوعه، فإن للصدقة تأثيرًا عجيبًا في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم قد جرّبوه... وفي تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية، فإن الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى، فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه، فتجيء الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه(2).
كما جاء في حديث آخر:
(الصَّوْمُ جُنَّةٌ, وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ)(3).

4.مثل الذكر: ذكر في الحديث: (وَآمُرُكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَثِيرًا, وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ؛ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ, وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِن الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
إن للذكر فوائد جمة؛ وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه: (الوابل الصيب من الكلم الطيب) أكثر من سبعين فائدة، وقال: "في الذكر نحو من مائة فائدة"، ومنها الحرز من الشيطان الرجيم، ويقول في شرح الحديث: " فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العبد إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر، وانقمع، حتى يكون كالوضع وكالذباب، ولهذا سمي الوسواس الخناس، أي: يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس، أي: كفّ وانقبض(1).
ولذلك ورد الأمر بالإكثار من ذكر الله عز وجل، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراًوَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [سورة الأحزاب: 41-42], وقد مثّل النبي صلى الله عليه وسلم للذاكر والغافل بالحي والميت؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)(5).


(1) جامع الترمذي، برقم: (664), وضعفه الألباني، ينظر: ضعيف الترمذي, 1/ 75، برقم: (105).
(2) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، ص: 70- 72.
(3) جامع الترمذي، برقم: (2616)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني: في صحيح الجامع، برقم:(5136).
(4) المرجع السابق، ص: 82-83.
(5) صحيح البخاري، برقم: (6407).

الطاهرة المقدامة
17-03-2011, 04:10 AM
أحسن الله اليك وجزاك الله كل خير.

بلعاوي
17-03-2011, 05:49 AM
أحسن الله اليك وجزاك الله كل خير.


بارك الله لكم



ولا حرمني الله صِدق محبتكم وصالح دعائكم ..

اسأل الله العظيم لكم سعادةً لا تزول وقبولاً لا يحول ..
ورزقاً مباركاً كأنه السيول ..
ومغفرة كاملة يوم المثول ..
ورزقكم عند الصراط الفوز بالعبور ..

بلعاوي
18-03-2011, 05:43 AM
أسال الله أن يحشرك مع الحبيب المصطفى في الجنة وأن يرزقك النظر الى وجه الله الكريم آمين

اللهم آمين

وإياكم
أشكر لكم مروركم وطيب دعاءكم
لا حرمك الله من خشوع ف الصلاة وحب الرحمن وحفظ القرآن

بلعاوي
18-03-2011, 05:50 AM
إن الله تعالى جعل ما يخرج من بني آدم مثلاً للدنيا




عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلابِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: يَا ضَحَّاكُ مَا طَعَامُكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اللَّحْمُ وَاللَّبَنُ. قَالَ: ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى مَاذَا؟ قَالَ: إِلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ مَا يَخْرُجُ مِن ابْنِ آدَمَ مَثَلاً لِلدُّنْيَا(1).

المثل الذي ضرب به في الحديث:
ضُرِب مثل للدنيا بما يخرج من ابن آدم، وفيه إشارة إلى حقارة الدنيا، وإنها لا تساوي شيئًا ولا قيمة لها عند الله _تبارك وتعالى_، قال تعالى:(وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[سورة القصص:64], وقال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [سورة الأنعام: 32]، فلذلك يعطى الكافر مثل ما يعطى المؤمن، وأحياناً أكثر وأزيد من المؤمن، كما أشير إليه في قوله تعالى: (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [سورة آل عمران: 197]. وقال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) [سورة الحديد: 20]، ومن كنوز السنة ما رواه سَهْل بْن سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ)(2).
وفي رواية عَن الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ الرَّكْبِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّخْلَةِ الْمَيِّتَةِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا حِينَ أَلْقَوْهَا؟ قَالُوا: مِنْ هَوَانِهَا أَلْقَوْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَالدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا(3).


(1) مسند الإمام أحمد، 25/ 24-25، برقم: (15747), وقال الألباني: ( صحيح لغيره )، ينظر: صحيح الترغيب والترهيب, 2/ 247, برقم: (2151).
(2) جامع الترمذي، برقم: (2320). وصححه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة, 2/ 299, برقم: (686).
(3) جامع الترمذي، برقم: (2321). وقال: حديث حسن.

ام بندررر
18-03-2011, 05:55 AM
بارك الله فيكم

بلعاوي
21-03-2011, 03:19 AM
بارك الله فيكم



وبكم بارك الرحمن

أسأل الله العظيم لكم سعادةً لا تزول
وقبولاً لا يحول
ورزقاً مباركاً كأنه السيول
ومغفرة كاملةً يوم المثول

بلعاوي
21-03-2011, 03:25 AM
شر الرعاء الحطمة
(1-2)

عن الحَسَن أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ, فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ, فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ, فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَت النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ, وَفِي غَيْرِهِمْ (1).

مفردات الحديث(2):
( الرعاء): مفردها راعي، والمراد هنا: الأمراء.
(الحطمة): الطماع؛ شديد الغلظة، قاسي القلب.
(النخالة): استعارة من نخالة الدَّقيق, وهي قُشوره, وَالنُّخَالَة وَالْحُقَالَة وَالْحُثَالَة بمعنى واحد.

شرح الحديث:
قال النووي –رحمه الله-:
( إِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَتهمْ): يَعْنِي: لَسْت مِنْ فُضَلَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ وَأَهْل الْمَرَاتِب مِنْهُمْ، بَلْ مِنْ سَقْطهمْ.
(وَهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَة ؟ إِنَّمَا كَانَت النُّخَالَة بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرهمْ): هَذَا مِنْ جَزْل الْكَلَام وَفَصِيحه وَصِدْقه الَّذِي يَنْقَاد لَهُ كُلّ مُسْلِم, فَإِنَّ الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ - كُلّهمْ هُمْ صَفْوَة النَّاس وِسَادَات الْأُمَّة, وَأَفْضَل مِمَّنْ بَعْدهمْ, وَكُلّهمْ عُدُول, قُدْوَة لَا نُخَالَة فِيهِمْ, وَإِنَّمَا جَاءَ التَّخْلِيط مِمَّنْ بَعْدهمْ, وَفِيمَنْ بَعْدهمْ كَانَت النُّخَالَة.
( إِنَّ شَرّ الرِّعَاء الْحُطَمَة): قَالُوا: هُوَ الْعَنِيف فِي رَعِيَّته لَا يَرْفُق بِهَا فِي سُوقهَا وَمَرْعَاهَا, بَلْ يَحْطِمهَا فِي ذَلِكَ وَفِي سَقْيهَا وَغَيْره, وَيَزْحَم بَعْضهَا بِبَعْضٍ بِحَيْثُ يُؤْذِيهَا وَيَحْطِمهَا(3).

المثل الذي ضرب به في الحديث:
هذا من أمثال المصطفى صلى الله عليه وسلم، ضربه مثلاً لوالي السوء، حيث استعار للوالي الرعي، وأتبعه بما يلائم المستعار منه من صفة الحطم(4).



(1) والراوي: عائذ بن عمرو المزني أبو هبيرة المحدث: الألباني (http://www.dorar.net/mhd/1420) - المصدر: صحيح الجامع (http://www.dorar.net/book/3741&ajax=1) - الصفحة أو الرقم:2094 خلاصة حكم المحدث: صحيح / صحيح مسلم، برقم: (1830).
(2) ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ( المجلد الرابع)، 12/ 216.
(3) ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ( المجلد الرابع)، 12/ 216.
(4) ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي، ( المجلد الرابع)، 12/ 216. فيض القدير 2/ 454.

بلعاوي
23-03-2011, 03:45 AM
فضل الصحابة


ورد في فضل الصحابة –رضي الله عنهم- آيات وأحاديث كثيرة منها:
قوله تعالى:
(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

وقال تعالى:
(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح:18].

وقال تعالى :
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح: 29].
وفي آيات عديدة ذكرهم الله تعالى وترضى عنهم.

ومما جاء في السنة:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)(1)، (وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة، وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته -صلى الله عليه وسلم-، وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وقد قال تعالى:
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً [الحديد:10]
وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة، والتودد، والخشوع، والتواضع، والإيثار، والجهاد في الله حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل، ولا ينال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)(2).
وقال البيضاوي - رحمه الله تعالى -: (معنى الحديث لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص، وصدق النية)(3) (مع ما كانوا من القلة، وكثرة الحاجة والضرورة)(4)، وقيل: (السبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام، وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين، وقلة أنصارهم فكان جهادهم أفضل، ولأن بذل النفس مع النصرة، ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها)(5).

ومما جاء في فضلهم -رضي الله عنهم- حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال:
(خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)(6)
(وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون؛ لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه، وواسوه بأموالهم وأنفسهم، وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام)(7).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- (ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم، وأكرمها على الله)(8).
فالواجب على كل مسلم محبتهم ومعرفة قدرهم، والحذر من تنقصهم أو الوقيعة في أعراضهم.

فوائد الحديث:
1- التحذير من البطش بالرعية, وبخس حقوقهم، وعدم الاهتمام بهم، كما جاء في الحديث:
(اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا, فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ, وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا, فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)(9).

وفي رواية:
(مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتَِه إلا ِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)(10).
2- مشروعية مناصحة ولاة الأمر، وترغيبهم في العدل وحثهم عليه، وتحذيرهم من الظلم وتنفيرهم منه.

(1) رواه البخاري (3470) ومسلم (2540) واللفظ له.
(2) شرح مسلم للنووي 16/93 شرح سنن ابن ماجه 1/15 تحفة الأحوذي 10/246.
(3) فتح الباري 7/34.
(4) عون المعبود 12/269.
(5) تحفة الأحوذي 8/338.
(6) رواه البخاري (2509) ومسلم (2533).
(7) التمهيد 20/251 فيض القدير 3/ 478.
(8) العقيدة الواسطية ص 43.
(9) صحيح مسلم، برقم: (1828).
(10) صحيح مسلم، برقم: (142).

بلعاوي
25-03-2011, 04:27 AM
مثل من يعمل الحسنات بعد السيئات



عن عُقْبَةَ بْن عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ: كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ عَلَيْهِ دِرْعٌ ضَيِّقَةٌ قَدْ خَنَقَتْهُ, ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ, ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً أُخْرَى فَانْفَكَّتْ حَلْقَةٌ أُخْرَى حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الأَرْضِ)(1).

شرح المفردات(2):
(السيئات): جمع سيئة، وهي ما يسيء صاحبه في الآخرة أو الدنيا.
(الحسنات): جمع حسنة، ويدخل فيها سائر الأعمال الصالحة.
(دِرع ): بالكسر: الحديد، وجمعه:أدرع، وأدراع، ودروع، تصغيرها دريع.
(خنقته) : لزقته ولصقت به، أي عصرت حلقه وترقوته من ضيق تلك الدرع.
(انفكت حلقة) : تخلصت, أي انحلت حلقة، وفكّ الشيء خلّصه، وكل مشتبكَين فصلهما فقد فكّهما.
(إلى الأرض) : أي: فضاء واسع.

شرح الحديث:
في الحديث الحث على المبادرة إلى التوبة إذا ارتكبت خطيئة، وعمل الصالحات بعدها لأن الحسنات يذهبن السيئات؛ كما قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)[سورة هود: 114]. فالذي عمل سيئة ثم أتبعها بحسنة كأنه خرج من ضيق شديد إلى فضاء واسع بالحسنات.
يقول المناوي: يعني عمل السيئات يضيق صدر العامل ورزقه, ويحيره في أمره فلا يتيسر له في أموره, ويبغضه عند الناس, فإذا عمل الحسنات تزيل حسناته سيئاته, فإذا زالت انشرح صدره, وتوسع رزقه, وسهل أمره, وأحبه الخلق(3).

فوائد الحديث:
1- فضل فعل الحسنات، وأنها سبب لرفع الدرجات وتكفير السيئات.
2- رحمة الله تعالى بخلقه فإنه لما ابتلاهم بالذنوب أعانهم عليها بالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وغيرها، فعلى المسلم أن يستكثر من الحسنات لتدفع عنه آثار المعاصي والسيئات وتبعاتها.
3- أن الحسنات وهي الأعمال الصالحة، لا يحصل المقصود بها إلا إذا كانت خالصةً وصواباً؛والخالص من الأعمال أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.


(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، 28/ 543، برقم: (17307), وصححه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة, 7/ 55, برقم: (2854).
(2) ينظر: فيض القدير للمناوي، 2/ 520.
(3) ينظر: فيض القدير للمناوي، 2/ 520.

بلعاوي
26-03-2011, 10:25 AM
مثل العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه




عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعُودُ فِي عَطِيَّتِهِ كَمَثَلِ الْكَلْبِ أَكَلَ حَتَّى إِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ فَأَكَلَهُ)(1).

شرح المفرادات(2):
(العَطِيَّة): الهبة.
(قَاءَ): تقيَّأ.
(اَلَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ): أي: العائد في هبته إلى الموهوب.

معنى الحديث:
ضرب مثل سيء لمن يعود في عطيته كرجوع الكلب في قيئه، والحديث في الصحيحين باختلاف بعض الألفاظ: فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ)(3).
وفي رواية عَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ, الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ)(4).
يقول ابن حجر: (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ اَلسَّوْءِ) أَي: لَا يَنْبَغِي لَنَا مَعْشَرَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَتَّصِفَ بِصِفَةٍ ذَمِيمَةٍ يُشَابِهُنَا فِيهَا أَخَسُّ اَلْحَيَوَانَاتِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهَا, قَالَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى)
وَلَعَلَّ هَذَا أَبْلَغُ فِي اَلزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ, وَأَدَلُّ عَلَى اَلتَّحْرِيمِ مِمَّا لَوْ قَالَ مَثَلًا: لَا تَعُودُوا فِي اَلْهِبَة(5).



(1) سنن ابن ماجه، برقم: (2384)، ومسند أحمد، 12/ 493، برقم: (7524), وصحّحه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة, 4/ 275، برقم: (1699). وقال: وله شواهد خرجت بعضها في الإرواء, برقم: (1621
(2) ينظر: فتح الباري لابن حجر، 5/535- 236.
(3) صحيح البخاري، برقم: (2621).
(4) صحيح البخاري، برقم: (2622).
(5) فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني، 5/ 235-236.

بلعاوي
29-03-2011, 06:31 AM
مثل الإيثار

عن إِيَاس بْن سَلَمَةَ - في حديث طويل - قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً َلاَ تُرْوِيهَا, قَالَ: فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ, فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا, قَالَ: فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا, قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَانَا لِلْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ, قَالَ: فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ, ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطٍ مِن النَّاسِ قَالَ: بَايِعْ يَا سَلَمَةُ, قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ, قَالَ: وَأَيْضًا. قَالَ: وَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزِلاً يَعْنِي لَيْسَ مَعَهُ سِلاَحٌ, قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً, ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ: أَلاَ تُبَايِعُنِي يَا سَلَمَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَفِي أَوْسَطِ النَّاسِ, قَالَ: وَأَيْضًا. قَالَ: فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقِيَنِي عَمِّي عَامِرٌ عَزِلاً فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا, قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الأَوَّلُ: اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. الحديث(1).

شرح المفردات(2):
(الْجَبَا): بِفَتْحِ الْجِيم وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحَّدَة مَقْصُور, وَهِيَ مَا حَوْل الْبِئْر.
(والرَّكِيّ): هُوَ الْبِئْر, وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة: رَكِيّ بِغَيْرِ هَاء, وَوَقَعَ هُنَا الرَّكِيَّة بِالْهَاءِ, وَهِيَ لُغَة حَكَاهَا الأَصْمَعِيّ وَغَيْره.
(بَصَقَ): ويأتي: ( بَسَقَ ) بِالسِّينِ, وَهِيَ صَحِيحَة يُقَال: ( بَزَقَ وَبَصَقَ وَبَسَقَ ) ثَلاَث لُغَات بِمَعْنًى, وَالسِّين قَلِيلَة الاسْتِعْمَال.
( جَاشَتْ ): أي: ارْتَفَعَتْ وَفَاضَتْ, يُقَال: جَاشَ الشَّيْء يَجِيش جَيَشَانًا إِذَا ارْتَفَعَ.
( عَزِلاً ) الذِي لاَ سِلاح مَعَهُ.
( حَجَفَة أَوْ دَرَقَة ): هُمَا شَبِيهَتَانِ بِالتُّرْسِ.
( اللَّهُمَّ اِبْغِنِي حَبِيبًا ) أي: أَعْطِنِي.

شرح الحديث:
في الحديث بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من ضيق ذات اليد، وأن ذلك لم يمنعهم من أن يؤثروا على أنفسهم، كما جرى من سلمة بن الأكوع_ رضي الله عنه_ مع عمه لما وجده بلا سلح، حيث بذل له سلاحه، وبقي بلا سلاح. وقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

فوائد الحديث:
1- فيه علم من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لما جرى من البركة في الماء بدعائه وبصقه في الماء.
2- تفقد النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ونصحه لهم، وثنائه على من أحسن منهم.
3- في الحديث بيان ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من أوصاف حميدة، وأخلاق عظيمة، من النصرة والشجاعة والتراحم فيما بينهم، وغيرها من الخصال الكريمة.
4- فضل سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-، حيث آثر عمه على نفسه، وقد أثنى الله تبارك وتعالى الأنصار في محكم تنزيله، فقال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [سورة الحشر: 9].


(1) صحيح مسلم، برقم: (1807).
(2) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 175.

بلعاوي
01-04-2011, 10:54 AM
مثل الجليس الصالح والسوء




عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)(1).

شرح المفردات(2):
(يُحْذِيكَ): بِضَمِّ أَوَّله وَمُهْمَلَة سَاكِنَة وَذَال مُعْجَمَة مَكْسُورَة أَيْ: (يُعْطِيك) وَزْنًا وَمَعْنًى,الإِحْذَاء: هُوَ الإِعْطَاء.
(وَكِير الْحَدَّاد): بِكَسْرِ الْكَاف بَعْدهَا تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة مَعْرُوفٌ.
(الكِيرِ): حَقِيقَتُهُ الْبِنَاءُ الَّذِي يُرَكَّبُ عَلَيْهِ الزِّقُّ, وَالزِّقُّ هُوَ الَّذِي يُنْفَخُ فِيهِ, فَأَطْلَقَ عَلَى الزِّقِّ اِسْمَ الْكِيرِ مَجَازًا لِمُجَاوَرَتِهِ لَهُ, وَقِيلَ: الْكِيرُ هُوَ الزِّقّ نَفْسُهُ, وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَاسْمُهُ الْكُورُ.
(لاَ يَعْدَمُك): بِفَتْحِ أَوَّله وَكَذَلِكَ الدَّال مِن الْعَدَم, أَي: لاَ يَعْدَمك إِحْدَى الْخُصْلَتَيْنِ, أَي: لاَ يَعْدُوك, تَقُول: لَيْسَ يَعْدَمنِي هَذَا الأَمْر, أي: لَيْسَ يَعْدُونِي.

شرح الحديث:
اقتضت حكمة الله تعالى فى خلقه أن جعل الإنسان ميالاً بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم والاجتماع بهم.
وهذه المجالسة لها أثرها الواضح فى فكر الإنسان ومنهجه، وسلوكه، وربما كانت سبباً فعالاً فى مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية. وقد دل على ذلك الشرع والعقل والواقع.
فالظالم يندم يوم القيامة ويأسف لمصاحبة من ضل وانحرف فكان سبباً فى ضلاله وانحرافه (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً،لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً) [الفرقان 27].
قال ابن حجر: وَفِي الْحَدِيث النَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ يُتَأَذَّى بِمُجَالَسَتِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا, وَالتَّرْغِيب فِي مُجَالَسَة منْ يُنْتَفَع بِمُجَالَسَتِهِ فِيهِمَا(3).
وقال النووي: فِيهِ تَمْثِيله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَلِيس الصَّالِح بِحَامِلِ الْمِسْك, وَالْجَلِيس السُّوء بِنَافِخِ الْكِير, وَفِيهِ فَضِيلَة مُجَالَسَة الصَّالِحِينَ وَأَهْل الْخَيْر وَالْمُرُوءَة وَمَكَارِم الأَخْلاَق وَالْوَرَع وَالْعِلْم وَالأَدَب, وَالنَّهْي عَنْ مُجَالَسَة أَهْل الشَّرّ وَأَهْل الْبِدَع, وَمَنْ يَغْتَاب النَّاس, أَوْ يَكْثُر فُجْرُهُ وَبَطَالَته, وَنَحْو ذَلِكَ مِن الأَنْوَاع الْمَذْمُومَة(4).

فوائد الحديث:
أ‌-فضل مجالسة الصالحين والأخيار والترغيب فيها، والتي من ثمراتها:
1- أن من يجالسهم تشمله بركة مَجالِسِهم، ويعمُّه الخيُر الحاصلُ لهم وإن لم يكن عمله بالغاً مبلغَهم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسُهم.
2- التأثر بهم، فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
ولقد أحسن من قال:
عن المرء لا تسلْ وسلْ عـن ** قرينـه فـكـل قريـنٍ بالمقـارِن يقتـدي
إذا كنت فـي قوم فصاحبْ خيارَهم ** ولا تصحبِ الأردى فتردَى معَ الرَّدِيِ

3- تبصرته بعيوبه لإصلاحها، فالمؤمن مرآة أخيه، إن رأى فيه ما لا يعجبه سدّده وقوّمه، وحاطه وحفظه في السر والعلانية.
4- أهل الخير يدلون من يجالسهم على أمثالهم فتنتفع بمعرفتهم.
5- انكفاف جليسهم عن المعصية، وحفظ وقته، وعمارته بما ينفعه.
6- رؤية الصالحين تذكّر بالله سبحانه، فإذا حصل لمن رآهم هذا الخير، فكيف بمن يجالسهم؟
7 - الصالحون زيْن وأُنس في الرخاء، وعُدّة في البلاء، وذخر بعد الموت بدعائهم لصاحبهم وجليسهم.
8 - مجالسة سبب لمحبة الله تعالى للعبد، ففي الحديث: (وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في)(5).

ب‌-التحذير من مجالسة الأشرار وجلساء السوء، والتي من أضرارها:
1- أنه قد يشكك جليسه فى معتقداته الصحيحة ويصرفُه عنها، كما هو حال أهل النار (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) [الصافات 53:51].
وانظر إلى وفاة أبى طالب على الكفر بسبب جلسائه حين قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فمات عليها.
2- جليس السوء يدعو جليسه إلى مماثلته في الوقوع في المحرمات والمنكرات، لمحبة صاحب المنكر موافقة غيره له في أفعاله السيئة، ولأن مخالطته تذكّر بالمعصية وتحمل عليها.
3- التأثر بالعادات السيئة والأخلاق الرديئة لجليس السوء.

4- الجليس السيئ يعرفك بأصدقاء السوء الذين لا تخلو مجالسهم من غيبة ونميمة، وتُحرَمُ بسببه من مجالسة الصالحين، الذين يعمرون أوقاتهم بطاعة الله تعالى وذكره.


(1) صحيح البخاري، برقم: (5534)، وصحيح مسلم، برقم: (2628).
(2) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني، 4/ 324.
(3) ينظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري للعسقلاني، 4/ 324.
(4) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 178.
(5) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، 5/ 233، برقم: (1711), وصححه الألباني، ينظر: صحيح الجامع, برقم: (4331).

بلعاوي
05-04-2011, 12:06 PM
مثل من يصلي ورأسه معقوص


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ, فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ, فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ, فَقَالَ: مَا لَكَ وَرَأْسِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ)(1).

شرح المفردات(2):
(مَعْقُوص): عَقَصَ الشَّعْر ضَفَّرَهُ وَفَتَلَهُ, وَالْعِقَاص خَيْط يُشَدّ بِهِ أَطْرَاف الذَّوَائِب.
(وَهُوَ مَكْتُوف): كَتَفْته كَتْفًا كَضَرَبْته ضَرْبًا إِذَا شَدَدْت يَده إِلَى خَلْف كَتِفَيْهِ مُوثَقًا بِحَبْلٍ.

مفهوم الحديث:
قَالَ النَّوَوِيّ: (اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى النَّهْي عَن الصَّلَاة وَثَوْبه مُشَمَّر, وَكُمّه أَوْ نَحْوه أَوْ رَأْسه مَعْقُوص أَوْ مَرْدُود شَعْره تَحْت عِمَامَته أَوْ نَحْو ذَلِكَ, فَكُلّ هَذَا مَنْهِيّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء وَهُوَ كَرَاهَة تَنْزِيه, فَلَوْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلاَته)(3).

فوائد الحديث:
1-حرص الصحابة – رضي الله عنهم- على تبليغ العلم، مما حفظوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2-مشروعية التغيير باليد، وهذا خاص فيما يقدر عليه الإنسان، ولم يترتب عليه مفسدة أعظم، وإلا فباللسان، ثم بالقلب.


(1) صحيح مسلم، برقم: (492).
(2) ينظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود، 2/ 247.
(3) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 4/ 209.

بلعاوي
08-04-2011, 05:16 AM
مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إِلَى الصَّلاةِ



عن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إِلَى الصَّلاةِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ, ثُمَّ الَّذِي عَلَى إِثْرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَقَرَةَ, ثُمَّ الَّذِي عَلَى إِثْرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ, ثُمَّ الَّذِي عَلَى إِثْرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ, ثُمَّ الَّذِي عَلَى إِثْرِهِ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ)(1).

شرح المفردات(2):
(الْمُهَجِّر): أَي الْمُبَادِر إِلَى الصَّلَاة قَبْل النَّاس.
(يُهْدِي): مِن الْإِهْدَاء, أَو الْمُرَاد بِهِ التَّصَدُّق بِهَا تَقَرُّبًا إِلَى اللَّه تَعَالَى.
(الْبَدَنَة): بِفَتْحَتَيْنِ. وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ الْبَعِيرُ: ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى, وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ.
(وَالدَّجَاجَة): بِفَتْحِ الدَّال وَكَسْرهَا وَضَمّهَا, وَقِيلَ بِالْفَتْحِ لِلْحَيَوَانِ, وَبِالْكَسْرِ لِلنَّاسِ, أي: يُجْعَل اسْمًا لِلنَّاسِ.
فوائد الحديث:
1-فيه الحث على المبادرة إلى الصلاة، والتبكير إليها، وأنه مما يقرب العبد إلى ربه عز وجل.
2-أن التبكير إلى الصلاة يحصل به خير كثير للمسلم، ومن ذلك؛ إدراك السنن القبلية، والاشتغال بتلاوة القران والذكر إلى أن تقام الصلاة، وإدراك تكبيرة الإحرام، والدخول إلى الصلاة بطمأنينة وخشوع وحضور قلب، وإدراك فضيلة وقت ما بين الأذان والإقامة والذي هو من مواطن إجابة الدعاء، إلى غير ذلك من المصالح.



(1) سنن النسائي، برقم(865), وصحّحه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة, 10/ 125, برقم (3576).
(2) ينظر: حاشية السندي على سنن النسائي، 2/ 116.

بلعاوي
09-04-2011, 04:21 AM
مثل صاحب القرآن كالإبل المعقَّلة


عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ؛ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا, وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ)(1).

شرح المفردات(2):
(الْمُعَقَّلَة): بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الْقَاف, أَي: الْمَشْدُودَة بِالْعِقَالِ, وَهُوَ الْحَبْل الَّذِي يُشَدّ فِي رُكْبَة الْبَعِير.
( إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا): تفقّدها وراعاها.
(أَمْسَكَهَا ): أي: اسْتَمَرَّ إِمْسَاكه لَهَا.
( وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ ): أي: انْفَلَتَتْ.

مفهوم الحديث:
شَبَّهَ دَرْسَ الْقُرْآن وَاسْتِمْرَار تِلَاوَته بِرَبْطِ الْبَعِير الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ الشِّرَاد, فَمَا زَالَ التَّعَاهُد مَوْجُودًا فَالْحِفْظ مَوْجُود, كَمَا أَنَّ الْبَعِير مَا دَامَ مَشْدُودًا بِالْعِقَالِ فَهُوَ مَحْفُوظ. وَخَصَّ الْإِبِل بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَشَدّ الْحَيَوَان الْإِنْسِيّ نُفُورًا, وَفِي تَحْصِيلهَا بَعْد اِسْتِمْكَان نُفُورهَا صُعُوبَة(3).

فوائد الحديث:
1- شدة تفلت القرآن من الصدور، فعلى من وفق لحفظه، أو أجزاء منه أن يتعاهد حفظه بمداومة المراجعة حتى يثبت ولا ينسى.

2- أن المطالب العالية لا تنال إلا بالتعب والنصب، ومن ذلك حفظ القرآن – وهو من أجل النعم وأعلى المطالب- فإنه لا يثبت إلا بتعاهده بالمراجعة.


(1) صحيح البخاري، برقم: (4643), وصحيح مسلم، برقم: (1313).
(2) ينظر: فتح الباري لابن حجر، 9/ 79.
(3) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، 9/79.

بلعاوي
15-04-2011, 06:01 AM
مثل الإسلام وأحكامه






عَن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمً، وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الابْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلا تَتَفَرَّجُو، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الابْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الاسْلامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالابْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)(1).


شرح المفردات(2):
(ضَرَبَ اللَّهَ مَثَلا ): أي: بَيَّنَ مَثَلا.
( سُورَانِ ): بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ تَثْنِيَةُ سُورٍ.
( سُتُورٌ ): جَمْعُ السِّتْرِ بِالْكَسْرِ.
(ويحك): كلمة معناها: ويلك.
(تَلِجْهُ): تدخله.
(وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ): هُوَ لَمَّةُ الْمَلَكِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ، وَاللَّمَّةُ الأخْرَى هِيَ لَمَّةُ الشَّيْطَانِ.



مفهوم الحديث:
في الحديث الحث على لزوم صراط الله المستقيم، والتحذير من الاعوجاج، وارتكاب المعاصي، واتباع طرق الشيطان، قال الطيبي : ونظير هذا حديث ألا إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في الأرض محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فالسور بمنزلة الحمى وحولها بمنزلة الباب، والستور حدود الله الحد الفاصل بين العبد ومحارم الله، وواعظ الله هو لمة الملك في قلب المؤمن، والأخرى لمة الشيطان وإنما جعل لمة الملك التي هي واعظ الله فوق داعي القرآن لأنه إنما ينتفع به إذا كان المحل قابلا ولهذا قال تعالى:(هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)(3).


فوائد الحديث:
1-أن الاعتصام بكتاب الله تعالى سبب للعصمة والنجاة من سبل الغواية، ومضلات الفتن.
2-رحمة الله تعالى بعباده حيث جعل في قلب كل مسلم واعظاً يحثه على الخير ويرغبه فيه، ويحببه إليه.
3- على المسلم أن يلزم الصراط المستقيم، وأن يحذر من دعاة الضلالة الذين ُيردون من استجاب لهم، ويوقعونه فيما يوجب سخط الله تعالى عليه.


(1) جامع الترمذي، برقم: (2859)، ومسند الإمام أحمد، 29/ 181-182، برقم: (17634). وصحّحه الألباني، ينظر: صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 294، برقم: ( 2348).
(2) تحفة الأحوذي للمباركفوري، 8/ 124.
(3) فيض القدير 4 / 253

بلعاوي
16-04-2011, 05:22 AM
مثل المكوث في الدنيا




عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً؟ فَقَالَ: (مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا! مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)(1).


شرح المفردات(2):
(فَأَثَّرَ) مِن التَّأْثِير، أَي: أَثَّرَ الْحَصِيرُ.
(وِطَاءً) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا كَكِتَابٍ وَسَحَابٍ أي: فِرَاشًا.
(مَا أَنَا وَالدُّنْيَا) أي: مُجْتَمِعَانِ مُفْتَرِقَانِ.


مفهوم الحديث:
قَالَ الْقَارِي: مَا نَافِيَةٌ، أَي: لَيْسَ لِي أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعَ الدُّنْيَ، وَلَا لِلدُّنْيَا أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعِي حَتَّى أَرْغَبَ إِلَيْهَ، وَأَنْبَسِطُ عَلَيْهَا وَأَجْمَعُ مَا فِيهَا وَلَذَّتِهَ، أَو اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ: أَيُّ أُلْفَةٍ وَمَحَبَّةٍ لِي مَعَ الدُّنْيَ، أَوْ أَيُّ شَيْءٍ لِي مَعَ الْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا أَوْ مَيْلِهَا إِلَيَّ؛ فَإِنِّي طَالِبُ الْآخِرَةِ وَهِيَ ضَرَّتُهَا الْمُضَادَّةُ لَهَا(3).
وجه الشبه: سُرْعَةُ الرَّحِيلِ وَقِلَّةُ الْمُكْثِ وَمِنْ ثَمَّ خَصَّ الرَّاكِبَ.



فوائد الحديث:
1-تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، وزهده في الدنيا ومتاعها الفاني.
2-حقارة الدنيا، وسرعة رحيل الإنسان عنها وإن عمر فيها ما عمر.
3-على المسلم أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، بأن يتقلل من الدنيا، ويحرص على ما يبقى في الآخرة فإنها دار القرار، وإليها المآل.



(1) جامع الترمذي، برقم: (2377). وابن ماجه، برقم: (4109). وصححه الألباني، ينظر: الجامع الصغير وزيادته، 1/ 1061، برقم: (10605). وصحيح الجامع، برقم: (5668).
(2) تحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/ 40-41.
(3) المرجع السابق، 7 / 41.

بلعاوي
18-04-2011, 04:17 AM
مثل ابن آدم وإلى جنبيه تسعة وتسعون منيةً



عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مُثِّلَ ابْنُ آدَمَ وَإِلَى جَنْبِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً؛ إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا وَقَعَ فِي الْهَرَمِ)(1).


شرح المفردات(2):
( مُثِّلَ ): بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ مُثَلَّثَةٍ أَيْ صُوِّرَ وَخُلِقَ. وَقِيلَ: (مَثَلُ ابنُ آدَمَ): بِفَتْحَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ، وَيُرِيدُ بِهِ: صِفَتَهُ وَحَالَهُ الْعَجِيبَةَ الشَّأْن.
( اِبْنُ آدَمَ ): بِالرَّفْعِ نَائِبُ الْفَاعِلِ.
( وَإِلَى جَنْبِهِ ): الْوَاوُ لِلْحَالِ، أي: بِقُرْبِهِ.
( تِسْعٌ وَتِسْعُونَ ): أَرَادَ بِهِ الْكَثْرَةَ دُونَ الْحَصْرِ.
( مَنِيَّةً ) بِفَتْحِ الْمِيمِ، أي: بَلِيَّةً مُهْلِكَةً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَي: سَبَبُ مَوْتٍ.
( وَقَعَ فِي الْهَرَمِ ): الْهَرَمُ مُحَرَّكَةٌ أَقْصَى الْكِبَرِ.


مفهوم الحديث:
في الحديث بيان حَال اِبْنِ آدَمَ أَنَّ تِسْعًا وَتِسْعِينَ مَنِيَّةً مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى نَحْوِهِ مُنْتَهِيَة إِلَى جَانِبِهِ، وَقِيلَ: مَثَلُ ابْنِ آدَمَ مَثَلُ الَّذِي يَكُونُ إِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ أَنَّ أَصْلَ خِلْقَةِ الإِنْسَانِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لاَ تُفَارِقَهُ الْمَصَائِبُ وَالْبَلايَا وَالأَمْرَاضُ وَالأَدْوَاءُ كَمَا قِيلَ: "الْبَرَايَا أَهْدَافُ الْبَلايَا".
وَكَمَا قَالَ صَاحِبُ الْحِكَمِ ابْنُ عَطَاءٍ: مَا دُمْت فِي هَذِهِ الدَّارِ لا تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ، فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ تِلْكَ النَّوَائِبُ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ أَدْرَكَهُ مِن الأَدْوَاءِ الدَّاءُ الَّذِي لا دَوَاءَ لَهُ وَهُوَ الْهَرَمُ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ صَابِرًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، رَاضِيًا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَضَاهُ(3).

فوائد الحديث:

1-على المسلم حسن الاستعداد للآخرة، فإن الموت مدركه مهما طال عمره.
2-أن الموفق هو من اغتنم أوقات صحته وقوته وفراغه، حتى لا يدركه الموت وهو مفرط في طاعة ربه، ومقيم على معصيته.
3- أن الهرم من المصائب، لما يصاحبه من الضعف وانحلال القوى، ولذا شرع للمسلم أن يستعيذ بالله تعالى منه(4).


(1) جامع الترمذي، برقم: (2456). وصحّحه الألباني، ينظر: الجامع الصغير وزيادته، 1/ 1077، برقم: (10764)، وصحيح الجامع، برقم: (5825).
(2) ينظر: تحفة الأحوذي، 6/ 304.
(3) ينظر: المرجع السابق.
(4) كما في البخاري رقم 2667،( 4 / 200 - 202 ) ومسلم رقم2723 ( 8 / 75 ).

بلعاوي
19-04-2011, 03:56 AM
مثل من يفشي الأسرار الزوجية


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هَلْ مِنْكُم الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ، فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَ، قَالَ: فَسَكَتُوا. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟ فَسَكَتْنَ فَجَثَتْ فَتَاةٌ - قَالَ مُؤَمَّلٌ فِي حَدِيثِهِ- فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَ، وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرَاهَا وَيَسْمَعَ كَلامَهَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، أَلا وَإِنَّ طِيبَ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُهُ، أَلا إِنَّ طِيبَ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ رِيحُهُ.قَالَ أَبُو دَاوُد: وَمِنْ هَا هُنَا حَفِظْتُهُ عَنْ مُؤَمَّلٍ وَمُوسَى: أَلا لا يُفْضِيَنَّ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ وَلا امْرَأَةٌ إِلَى امْرَأَةٍ، إِلاَّ إِلَى وَلَدٍ، أَوْ وَالِدٍ، وَذَكَرَ ثَالِثَةً فَأُنْسِيتُهَا(1).

شرح المفردات(2):
(فَيَقُول: فَعَلْت كَذَا فَعَلْت كَذَا): أَيْ يُبَيِّن كَيْفِيَّة جِمَاعه وَيُفْشِي مَا جَرَى بَيْنه وَبَيْن اِمْرَأَته مِنْ أُمُور الاسْتِمْتَاع.
(فَجَثَتْ): قَالَ فِي الْقَامُوس: جَثَا كَدَعَا وَرَمَى جُثُوًّا وَجِثِيًّا جَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
(فَتَاة): أي: شَابَّة.
(كَعَاب): بِالْفَتْحِ الْمَرْأَة حِين يَبْدُو ثَدْيهَا لِلنُّهُودِ؛ وَهِيَ الْكَاعِب أَيْضً، وَجَمْعهَا كَوَاعِب.
(وَتَطَاوَلَتْ): أي: امْتَدَّتْ وَرَفَعَتْ عُنُقهَا.
(أَلا لا يُفْضِيَنَّ): بِضَمِّ أَوَّله أي: لَا يَصِلَنَّ.
(رَجُل إِلَى رَجُل وَلا اِمْرَأَة إِلَى اِمْرَأَة): أي: فِي ثَوْب وَاحِد، وَالْمَعْنَى لَا يَضْطَجِعَانِ مُتَجَرِّدَيْنِ تَحْت ثَوْب وَاحِد.
(وَذَكَرَ ثَالِثَة): أَي: كَلِمَة ثَالِثَة.

من فوائد الحديث:
1-الحَدِيث يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم إِفْشَاء أَحَد الزَّوْجَيْنِ لِمَا يَقَع بَيْنهمَا مِنْ أُمُور الْجِمَاع، وَذَلِكَ لأَنَّ كَوْن الْفَاعِل لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَيْطَان لَقِيَ شَيْطَانَة فَقَضَى حَاجَته مِنْهَا وَالنَّاس يَنْظُرُونَ مِنْ أَعْظَم الأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى تَحْرِيم نَشْر أَحَد الزَّوْجَيْنِ لِلأَسْرَارِ الْوَاقِعَة بَيْنهمَا الرَّاجِعَة إِلَى الْوَطْء وَمُقَدِّمَاته(3).
2-حرص الإسلام على تحصيل أسباب العفة والطهارة، والحث على صيانة اللسان من الكلام الفاحش والبذيء.
3-أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عما يثير الغرائز من الأقوال نبه إلى ما يثيرها من الروائح الطيبة فبين ما يخص الرجال من ذلك وما يخص النساء، درأً لأسباب الشر والفتنة.


(1) سنن أبي داود، برقم: (2174). والجامع الصغير وزيادته، 1/ 1300، برقم: (12993)، وصحّحه الألباني، ينظر: صحيح الجامع، برقم: (7037).
(2) عون المعبود شرح سنن أبي داود، 6/ 157.
(3) عون المعبود شرح سنن أبي داود، 6 / 158.

بلعاوي
21-04-2011, 04:12 AM
مثل الذاكر والغافل مثل الحي والميت


عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ)(1).

من فوائد الحديث:
1-النَّدْب إِلَى ذِكْر اللَّه تَعَالَى فِي الْبَيْت, والإكثار من ذلك قدر المستطاع.
2-من الذكر الذي تعمر به البيوت؛ الصلاة، وتلاوة القرآن واستماعه، وكذا الدروس والمحاضرات، والقراءة في كتب العلم، والتسبيح والتحميد والتهليل وسائر الذكر.



(1) صحيح مسلم، برقم: ( 779).

بلعاوي
09-06-2011, 06:12 PM
مثل الصلوات الخمس




عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)(1).


شرح المفردات(2):
(أَرَأَيْتُمْ ): هُوَ اسْتِفْهَام تَقْرِير مُتَعَلِّق بِالِاسْتِخْبَارِ, أي: أَخْبِرُونِي هَلْ يَبْقَى؟
(نَهْرًا): وَالنَّهْرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا مَا بَيْنَ جَنْبَي الْوَادِي , سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسِعَتِهِ.
(مِنْ دَرَنِهِ): الدَّرَن الْوَسَخ, وَقَدْ يُطْلَقُ الدَّرَن عَلَى الْحَبِّ الصِّغَار الَّتِي تَحْصُلُ فِي بَعْضِ الْأَجْسَادِ.

شرح الحديث:

قَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: وَجْه التَّمْثِيل أَنَّ الْمَرْءَ كَمَا يَتَدَنَّسُ بِالْأَقْذَارِ الْمَحْسُوسَةِ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَيُطَهِّرُهُ الْمَاءُ الْكَثِير, فَكَذَلِكَ الصَّلَوَات تُطَهِّرُ الْعَبْد عَنْ أَقْذَار الذُّنُوب حَتَّى لَا تُبْقِي لَهُ ذَنْبًا إِلَّا أَسْقَطَتْهُ(3).

من فوائد الحديث:
1-فضل الصلاة وأنها سبب لتكفير الخطايا والسيئات.

2-على المسلم العناية بهذه الفريضة العظيمة، والحرص على أدائها مستوفية الشروط والأركان والواجباب وما استطاع من المستحبات، حتى يتعاظم أثرها في تطهير المسلم من الذنوب والخطايا.

3-أن يحرص المسلم على الأعمال الصالحة حتى تكفر ذنوبه.


(1) صحيح البخاري، برقم: (528)، وصحيح مسلم، برقم: (667).
(2) فتح الباري لابن حجر، 2/ 11.
(3) فتح الباري لابن حجر، 2/ 11-12.

بلعاوي
28-06-2011, 04:20 PM
مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه



عن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه؛ كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه)(1).

فوائد الحديث:
1- فضل العلم وأنه نور لصاحبه وللناس؛ إذا عمل العالم بعلمه وعلمه الناس.

2- الوعيد الشديد لمن لا يعمل بعلمه.

3- الحث على موافقة القول العمل، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف: 2-3].

4- أنه لا يمنع من الانتفاع بما لدى العالم من العلم، مع ما يكون لديه من النقص أو التقصير، وأنه بتقصيره في العمل لا يضر إلا نفسه.



(1) رواه الطبراني في المعجم الكبير، 2/178، برقم: (1681), وحسّنه الألباني، ينظر: صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 31، برقم: (131).