أبو محمد ر
05-02-2011, 09:39 AM
مصير الظلمة
الشيخ محمد صالح المنجد
عناصر الخطبة:
1. الريح أحد جنود الله يسلطها على الظالمين.
2. تعريف الظلم وآثاره.
3. خوف السلف من الظلم.
4. ظلم العباد أنواع أعظمه حرفهم عما أنزل الله.
5. من ظلم العباد التعدي على النفس المعصومة بالإيذاء الحسي.
6. من ظلم العباد إشاعة الفاحشة بينهم وفتنتهم.
7. من ظلم العباد أخذ أموالهم بغير وجه حق.
8. أشد أنواع الظلم ظلم الأقارب.
9. دعوة المظلوم لا ترد.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الريح أحد جنود الله يسلطها على الظالمين
عباد الله، هذه الريح من أمر الله، وخلق من خلقه سبحانه وتعالى يرسلها كيف يشاء، ومنها ريح الصرصر، وهي الريح الباردة العاتية شديدة الهبوب ذات الصوت، أرسلها الله تعالى على ظالمين، فقال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ** سورة فصلت: (16) الصرصر: من الصَّرِّ، وهو الشدُّ؛ لما في البرودة من الشدة والتعقيب، الصرصر: من الصَّرِّ: جمع الشيء بعضه إلى بعض، وذلك أن البرد يصرُّ أي: يجمع، هذه الريح الباردة الشديدة ذات الصوت المزعج أرسلها الله على من ظلموا أنفسهم فأهلكتهم: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ** سورة القمر: (19) {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ** سورة الحاقة: (6) فعتت عليهم {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ** سورة الحاقة: (7-8) فهي عذاب في شدتها، عذاب في صوتها وعذاب في بردها.
الظلم مرتعه وخيم يا عباد الله، وعاقبته سيئة فهو منبع الرذائل ومصدر الشرور، يأكل الحسنات ويمحق البركة، يجلب الويلات، ويورث العداوات، يسبب القطيعة والعقوق، متى فشا الظلم في أمة أهلكها، ومتى حل في قرية دمرها، ولو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما.
تعريف الظلم وآثاره
الظلم مجاوزة الحد، الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فكل ذنب عصي الله به سواء كان شركاً بالله، أو دون ذلك من المعاصي ومظالم العباد فهو داخل في هذا الحد.
هذا الظلم الذي تفشى في العالم اليوم على مستوى الأمم والأفراد، إنه ذو مرتع وخيم، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ** سورة النحل: (90)، فهو سبحانه عدل ويأمر بالعدل، وينهى عن الظلم، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ** سورة غافر: (31) لا يحب الظالمين بل يحب المقسطين: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا))، إن الخيبة مصير أهل الظلم: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ** سورة الأنعام: (21) محرومون من الفلاح في الدنيا والآخرة، توعدهم الله فقال: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ** سورة الزخرف: (65) هددهم بسوء العاقبة: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ** سورة الشعراء: (227)، طردهم من رحمته فقال: {فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ** سورة المؤمنون: (41)، بل إنه سبحانه لعنهم: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ** سورة هود: (18)، ويكفي في ذم هذا قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا** سورة طه: (111)، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))، ولما بعث حبيبه معاذاً إلى اليمن أوصاه وقال له: ((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ** سورة هود: (102))).
كما أهلك الله القرون المكذبة للرسل يفعل بنظرائهم وأشباههم، وهذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل أهل قرية ظالمة من الكفار وغيرهم، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء** سورة إبراهيم: (42-43) وعيد شديد للظالمين، وتسلية للمظلومين، والله عز وجل إليه المآب، ولو تمتع الظالم في الدنيا قليلاً فإن المصير عند الله بئيس: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ** سورة البقرة: (126).
هذا الظالم لا ينال رتبة النبوة ولا درجة الولاية: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ** سورة البقرة: (124)، ويحطه الله في نظر الخلائق؛ لأن النفوس جبلت على الإحسان لمن أحسن إليها ومحبة ذلك.
وأيضاً فإن الظالم في الحقيقة ظالم لنفسه أولاً: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ** سورة البقرة: (57)، يمحق البركة فعلاً، وقد حكى الطرطوشي رحمه الله: أنه كان بمصر نخلة تحمل تمراً عظيماً، ولم تكن نخلة تحمل نصف حملها، فغصبها أحدهم فلم تحمل تمرة واحدة في ذلك العام، قال: وشهدت السمك في الإسكندرية يغلي به الماء لكثرته -يفور- ويصيده الأطفال بالخرق/ فحجر عليه أحدهم، ومنع الناس من صيده، فذهب السمك منه حتى لا يكاد يوجد فيه إلا الواحدة. وهذه من آيات الله يُريها من يشاء من عباده، لكن فيها درس وعبرة، وقد لا يرى الظلمة شيئاً من هذا، بل يرون الأشياء تنتج كما هي وربما تزيد أحياناً، استدراجاً لهم، والله عز وجل يملي للظالم.
خوف السلف من الظلم
كان السلف يخافون الظلم جداً ويخشون سوء عاقبته، وكان بينهم أنواع من التحلل، فيطلب كل واحد من الآخر السماح وخصوصاً قبل الموت:
قال أبو الدرداء رحمه الله: إياك ودعوات المظلوم؛ فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات.
قال سفيان الثوري: إن لقيت الله بسبعين ذنباً فيما بينك وبينه تعالى أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد. وذلك أن الله عز وجل يسامح ويغفر لمن يشاء لكن حقوق العباد لا مسامحة فيها؛ لأن الله لا بد أن يوفي أصحاب الحقوق حقوقهم يوم الدين ولا تضيع عند الله.
قال أبو بكر الوراق رحمه الله: أكثر ما ينزع الإيمان من القلب ظلم العباد.
ظلم العباد أنواع أعظمه حرفهم عما أنزل الله
وهذا له صور وأشكال: فمن ذلك ظلم العباد في دينهم كحرفهم عما أنزل الله إليهم واغتيالهم واجتيالهم عن دينهم، فهؤلاء الذين يثيرون الشبهات ويبعثون الغرائز والشهوات بما يعرضونه على الشاشات ظالمون للخلق أشد الظلم؛ لأنهم يتورطون في حرفهم، وكذلك هم سبب في ضلالهم، وهم رأس الشر ورافعو ألويته؛ لكي يأتي إليه من يأتي ممن صار في ركابهم، هؤلاء الذين يظلمون الناس بإغوائهم وإضلالهم، الذين يظلمونهم بالأفكار الهدامة والمسلسلات الساقطة والأغاني الماجنة، هؤلاء الذين يثيرون شهواتهم بالأفلام القذرة واللقطات الهابطة والكتابات السيئة، هؤلاء قتلة الغيرة والفضيلة، هؤلاء من أعظم الناس ظلماً في العالم؛ لأنهم يشيعون ذلك على الملأ ويذيعونه ليلاً ونهاراً، والتسبب في إلهاء الناس عن العبادة، وتشكيك الناس في العقيدة والتوحيد، وإذهاب أخلاق الناس وحياء الناس، لا شك أن هذا سيوفَّونه كاملاً يوم القيامة كما قال تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ** سورة النحل: (25).
من ظلم العباد التعدي على النفس المعصومة بالإيذاء الحسي
ومن صور ظلم العباد: التعدي على النفوس المعصومة بالقتل أو الضرب أو السجن أو التعذيب أو التفجير في الأماكن العامة، هذه الأعمال العشوائية ظلم للعباد، وسواء قلَّت أو كثرت، فإن الله عنده ميزان، قال عليه الصلاة والسلام: ((من ضرب بسوط ظلما اقتص منه يوم القيامة))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) رواه مسلم: (4/1997) برقم: (2582)، فإذا كان هذا حال العجماوات فكيف بحال العقلاء؟
من ظلم العباد إشاعة الفاحشة بينهم وفتنتهم.
وكل ما من شأنه إشاعة الفاحشة بين الناس، وقذف المحصنين والمحصنات من المسلمين والمسلمات داخل في ذلك، وكل من يروج الفاحشة بالمتاجرة بالأزياء المتهتكة والملابس المتعرية سواء يجلبها ويستوردها أو يعلن عنها أو يبيعها أو يوزعها بالجملة أو المفرق، ومن يشتريها ويهديها ويرضى بها لنسائه الخارجات، والتي تلبسها كاسيات عاريات من أهل جهنم ظلمن أنفسهن وظلمن غيرهن..
وهكذا الظلم للآخرين ليس فقط ضربهم وأخذ أموالهم وإنما ظلمهم بتعريضهم للحرام وفتنتهم ودعوتهم إلى الفحشاء وإغرائهم وإثارة الغرائز في نفوسهم وتفجير الشهوات في المجتمع.
يتبع
الشيخ محمد صالح المنجد
عناصر الخطبة:
1. الريح أحد جنود الله يسلطها على الظالمين.
2. تعريف الظلم وآثاره.
3. خوف السلف من الظلم.
4. ظلم العباد أنواع أعظمه حرفهم عما أنزل الله.
5. من ظلم العباد التعدي على النفس المعصومة بالإيذاء الحسي.
6. من ظلم العباد إشاعة الفاحشة بينهم وفتنتهم.
7. من ظلم العباد أخذ أموالهم بغير وجه حق.
8. أشد أنواع الظلم ظلم الأقارب.
9. دعوة المظلوم لا ترد.
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الريح أحد جنود الله يسلطها على الظالمين
عباد الله، هذه الريح من أمر الله، وخلق من خلقه سبحانه وتعالى يرسلها كيف يشاء، ومنها ريح الصرصر، وهي الريح الباردة العاتية شديدة الهبوب ذات الصوت، أرسلها الله تعالى على ظالمين، فقال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ** سورة فصلت: (16) الصرصر: من الصَّرِّ، وهو الشدُّ؛ لما في البرودة من الشدة والتعقيب، الصرصر: من الصَّرِّ: جمع الشيء بعضه إلى بعض، وذلك أن البرد يصرُّ أي: يجمع، هذه الريح الباردة الشديدة ذات الصوت المزعج أرسلها الله على من ظلموا أنفسهم فأهلكتهم: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ** سورة القمر: (19) {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ** سورة الحاقة: (6) فعتت عليهم {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ** سورة الحاقة: (7-8) فهي عذاب في شدتها، عذاب في صوتها وعذاب في بردها.
الظلم مرتعه وخيم يا عباد الله، وعاقبته سيئة فهو منبع الرذائل ومصدر الشرور، يأكل الحسنات ويمحق البركة، يجلب الويلات، ويورث العداوات، يسبب القطيعة والعقوق، متى فشا الظلم في أمة أهلكها، ومتى حل في قرية دمرها، ولو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما.
تعريف الظلم وآثاره
الظلم مجاوزة الحد، الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فكل ذنب عصي الله به سواء كان شركاً بالله، أو دون ذلك من المعاصي ومظالم العباد فهو داخل في هذا الحد.
هذا الظلم الذي تفشى في العالم اليوم على مستوى الأمم والأفراد، إنه ذو مرتع وخيم، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ** سورة النحل: (90)، فهو سبحانه عدل ويأمر بالعدل، وينهى عن الظلم، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ** سورة غافر: (31) لا يحب الظالمين بل يحب المقسطين: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا))، إن الخيبة مصير أهل الظلم: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ** سورة الأنعام: (21) محرومون من الفلاح في الدنيا والآخرة، توعدهم الله فقال: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ** سورة الزخرف: (65) هددهم بسوء العاقبة: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ** سورة الشعراء: (227)، طردهم من رحمته فقال: {فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ** سورة المؤمنون: (41)، بل إنه سبحانه لعنهم: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ** سورة هود: (18)، ويكفي في ذم هذا قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا** سورة طه: (111)، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))، ولما بعث حبيبه معاذاً إلى اليمن أوصاه وقال له: ((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ** سورة هود: (102))).
كما أهلك الله القرون المكذبة للرسل يفعل بنظرائهم وأشباههم، وهذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل أهل قرية ظالمة من الكفار وغيرهم، {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء** سورة إبراهيم: (42-43) وعيد شديد للظالمين، وتسلية للمظلومين، والله عز وجل إليه المآب، ولو تمتع الظالم في الدنيا قليلاً فإن المصير عند الله بئيس: {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ** سورة البقرة: (126).
هذا الظالم لا ينال رتبة النبوة ولا درجة الولاية: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ** سورة البقرة: (124)، ويحطه الله في نظر الخلائق؛ لأن النفوس جبلت على الإحسان لمن أحسن إليها ومحبة ذلك.
وأيضاً فإن الظالم في الحقيقة ظالم لنفسه أولاً: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ** سورة البقرة: (57)، يمحق البركة فعلاً، وقد حكى الطرطوشي رحمه الله: أنه كان بمصر نخلة تحمل تمراً عظيماً، ولم تكن نخلة تحمل نصف حملها، فغصبها أحدهم فلم تحمل تمرة واحدة في ذلك العام، قال: وشهدت السمك في الإسكندرية يغلي به الماء لكثرته -يفور- ويصيده الأطفال بالخرق/ فحجر عليه أحدهم، ومنع الناس من صيده، فذهب السمك منه حتى لا يكاد يوجد فيه إلا الواحدة. وهذه من آيات الله يُريها من يشاء من عباده، لكن فيها درس وعبرة، وقد لا يرى الظلمة شيئاً من هذا، بل يرون الأشياء تنتج كما هي وربما تزيد أحياناً، استدراجاً لهم، والله عز وجل يملي للظالم.
خوف السلف من الظلم
كان السلف يخافون الظلم جداً ويخشون سوء عاقبته، وكان بينهم أنواع من التحلل، فيطلب كل واحد من الآخر السماح وخصوصاً قبل الموت:
قال أبو الدرداء رحمه الله: إياك ودعوات المظلوم؛ فإنهن يصعدن إلى الله كأنهن شرارات.
قال سفيان الثوري: إن لقيت الله بسبعين ذنباً فيما بينك وبينه تعالى أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد. وذلك أن الله عز وجل يسامح ويغفر لمن يشاء لكن حقوق العباد لا مسامحة فيها؛ لأن الله لا بد أن يوفي أصحاب الحقوق حقوقهم يوم الدين ولا تضيع عند الله.
قال أبو بكر الوراق رحمه الله: أكثر ما ينزع الإيمان من القلب ظلم العباد.
ظلم العباد أنواع أعظمه حرفهم عما أنزل الله
وهذا له صور وأشكال: فمن ذلك ظلم العباد في دينهم كحرفهم عما أنزل الله إليهم واغتيالهم واجتيالهم عن دينهم، فهؤلاء الذين يثيرون الشبهات ويبعثون الغرائز والشهوات بما يعرضونه على الشاشات ظالمون للخلق أشد الظلم؛ لأنهم يتورطون في حرفهم، وكذلك هم سبب في ضلالهم، وهم رأس الشر ورافعو ألويته؛ لكي يأتي إليه من يأتي ممن صار في ركابهم، هؤلاء الذين يظلمون الناس بإغوائهم وإضلالهم، الذين يظلمونهم بالأفكار الهدامة والمسلسلات الساقطة والأغاني الماجنة، هؤلاء الذين يثيرون شهواتهم بالأفلام القذرة واللقطات الهابطة والكتابات السيئة، هؤلاء قتلة الغيرة والفضيلة، هؤلاء من أعظم الناس ظلماً في العالم؛ لأنهم يشيعون ذلك على الملأ ويذيعونه ليلاً ونهاراً، والتسبب في إلهاء الناس عن العبادة، وتشكيك الناس في العقيدة والتوحيد، وإذهاب أخلاق الناس وحياء الناس، لا شك أن هذا سيوفَّونه كاملاً يوم القيامة كما قال تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ** سورة النحل: (25).
من ظلم العباد التعدي على النفس المعصومة بالإيذاء الحسي
ومن صور ظلم العباد: التعدي على النفوس المعصومة بالقتل أو الضرب أو السجن أو التعذيب أو التفجير في الأماكن العامة، هذه الأعمال العشوائية ظلم للعباد، وسواء قلَّت أو كثرت، فإن الله عنده ميزان، قال عليه الصلاة والسلام: ((من ضرب بسوط ظلما اقتص منه يوم القيامة))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) رواه مسلم: (4/1997) برقم: (2582)، فإذا كان هذا حال العجماوات فكيف بحال العقلاء؟
من ظلم العباد إشاعة الفاحشة بينهم وفتنتهم.
وكل ما من شأنه إشاعة الفاحشة بين الناس، وقذف المحصنين والمحصنات من المسلمين والمسلمات داخل في ذلك، وكل من يروج الفاحشة بالمتاجرة بالأزياء المتهتكة والملابس المتعرية سواء يجلبها ويستوردها أو يعلن عنها أو يبيعها أو يوزعها بالجملة أو المفرق، ومن يشتريها ويهديها ويرضى بها لنسائه الخارجات، والتي تلبسها كاسيات عاريات من أهل جهنم ظلمن أنفسهن وظلمن غيرهن..
وهكذا الظلم للآخرين ليس فقط ضربهم وأخذ أموالهم وإنما ظلمهم بتعريضهم للحرام وفتنتهم ودعوتهم إلى الفحشاء وإغرائهم وإثارة الغرائز في نفوسهم وتفجير الشهوات في المجتمع.
يتبع