المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصابة باقتران شيطاني ، وتقوم بالبقرة ، وتتألم من الرقية ، أرجو التوجيه ؟؟؟


أبو البراء
05-09-2004, 10:21 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
توجد لدي حالة أقوم بالرقية عليها منذ شهرين علماً بأنها تقوم الليل بسورة البقرة وبالرغم من أن المس يخبو أحياناً لكنه لم يخرج .... وهو يتألم عند قراءة آيات العذاب
ما رأيك في هذه الحالة أثابك الله؟

ناشر الخير

أبو البراء
05-09-2004, 10:25 AM
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وأصحابه وسلم ،،، ثم أما بعد

بخصوص سؤالك أخي الحبيب ( ناشر الخير ) حول الحالة التي تقرأ عليها منذ شهرين علماً أنها تقوم الليل بسورة البقرة وبالرغم من أن المس يخبو أحياناً لكنه لم يخرج ، وهو يتألم عند قراءة آيات العذاب 0

اعلم يا رعاك الله أننا مطالبون باتخاذ الأسباب الشرعية والمتمثلة بالرقية الشرعية واستخدام الزيت والماء المقروء عليهما والعسل والحبة السوداء ونحوهما ، وكذلك اتخاذ الأسباب الحسية في العلاج والاستشفاء ، وأمر الشفاء متروك للواحد الأحد ، وفي حالة تأخر العلاج فقد تكون هناك أسباب لمثل ذلك فإما أن يكون الخلل عند المعالِج أو عند المعالَج ، أو لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى ، وأنصحك أخي الحبيب بمراجعة الرابط التالي فإنه يهمك :

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
شيخنا الفاضل :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل ذي بدء أدعو الله وإياكم بهذا الدعاء عسى أن يلهمنا سبل الرشاد بعد صلاح النيات
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .

وبعد :
شيخنا الكريم حفظك الله تعالى :
أنا أحد الناس المتابعين لما تخطه يداك وقد استفدت منك كثيرا بارك الله فيك ونفع بك أمة الإسلام والمسلمين وقد استوقفتني عدة نقاط أود التوضيح من جنابك الكريم بارك الله فيك .
فقد كثر اللغط والتقول على الله بغير علم من قبل بعض الرقاة السذج ، كل يقول بخلاف الآخر مما جعلني أتساءل أين الحق بهذه المسألة أو تلك !؟
وبما أني أعلم بأن الضابط للحكم على الأقوال والأفعال هو الكتاب والسنة أحببت السؤال عن حكم عدة أمور من جانبك الكريم على أن يكون مؤصلا من كتاب وسنة بفهم سلف الأمة
فمن جعل القرآن والسنة جُنة له فلن يضل أبدا وبناء على ذلك أقول :
إن مسألة الخوض بالرقية أخذت أبعادا كثيرة مما حدا بالبعض أن تمسك بخبراته وعلومه حول مدة مكوث المريض بمرضه بعد الرقية فمنهم من قال سنين عديدة ومنهم من قال أشهر قليلة ومنهم من قال لا أعلم وما إلى هنالك كل حسب خبرته بالرقية ،.
ومن خلال استقرائي لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، تبين لي بأن المريض لا يلبث كل تلك المدة
إن انتفت الموانع وتحققت شروط الاستجابة فنحن لا ندعو أصم حاشا وكلا .
.ولعل بعض الرقاة لم ينتبه بأن طول المدة التي يلبث فيها المريض بمرضه قد تحدث له معتقدا مخالفا لهدي القرآن والسنة بان الرقية ليس فيها الشفاء المرجو وإلا لتمت الاستجابة وهو الذي التزم بكل التحصينات والأذكار وفعل المباح من خلال القرآن والسنة وكيف لا وهو قد قام بالمطلوب الشرعي مما يجعله يذهب إلى الدجالين والمشعوذين لعله يجد الراحة و الشفاء عندهم .

ومن الملفت في الموضوع قول بعض الرقاة للمريض أنت تحتاج لرقية مكثفة لأن الجني الصارع قوي جدا وربما هو مارد أو طيار أو جني أزرق أو أحمر وما إلى هنالك من الأمور التي لم ينزل الله بها من سلطان وإن ادعى البعض بأنه بخبرة الراقي وحذاقته يمكنه معرفة ذلك دون مستند شرعي أو أثر صحيح فضلا على أن يكون ضعيفا .
ومن خلال استقرائي للأحاديث والآثار تبين لي بأن المريض لا يلبث كثيرا بمرضه طالما اتبع التعليمات الصحيحة وفق الكتاب والسنة وما هو مباح كما بين ذلك الرسول صلى اله عليه وسلم ،
على أن نحدد معالم المباح فقد كثر اللغط بتلك الشماعة التي تسمى (مباح ) وأصبح كل راق يخترع أساليب مستغربة من أعشاب سامة وغير سامة وأوقات وآيات معينة بأوقات معينة بتحديد عدد معين والله المستعان

بعد أن بينت ما قد عُلم لديكم من أمور مستهجنة أقول :
فمن أصدق من الله قيلا ،ومن أصدق من الله حديثا ، قل صدق الله .
فمن الممتنع شرعا وعقلا ونقلا أن من التجأ إلى الله جل في علاه أن يضيعه إن انتفت الموانع وتحققت شروط الاستجابة باستثناءات نادرة جدا لحكمة يعلمها الله العليم الحكيم وبما أننا لا نتكلم عن الاستثناء بل عن جوهر الموضوع ألا وهو هل يخلف الله وعده بعد أن بين لنا في القرآن الكريم
( ادعوني أستجب لكم ) والأمثلة كثيرة من القرآن فلا داعي لتكرارها .
وأما من السنة ما ثبت بالصحاح وغيرها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان له حرز من الشيطان … الحديث
ومثله ــ إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله توكلت على الله لا حول و لا قوة إلا بالله فيقال له : حسبك قد هديت و كفيت و وقيت فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي و كفي و وقي ؟ . ‌
ومثله ــ ما من عبد يقول في صباح كل يوم و مساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء . ‌
فلا داع لذكر الكثير من الأدلة لعدم التكرار ففي الدليل الواحد كفاية إن شاء الله .
فلعلك تلاحظ معي شيخنا أن بعض من يقول أنهم قد أصيبوا بالمس والعين والسحر هم مواظبون على أذكارهم ومنهم من هو على تقى وورع وعفاف وعلم وهو مؤمن وموقن بأذكاره وتحصيناته فهل نقول أن الأذكار لغو لسان لا تفيد التحصين وبناء على ذلك ننسف عشر السنة التي حضت وحثت على الأذكار بأوقاتها ومنافعها الجمة ؟! أليس في هذا تشكيك بالأذكار من قبل المريض المخبت ،القانت ، والمحتسب ، وهو ينتظر الفرج من الله باتباعه ما أمره الله به ورسوله .؟!
هذا إذا قلنا أن سبب المس أو العين الغفلة فنكون قد اتفقنا عند النقطة الأولى .

ولنأتي للمبحث الثاني ألا وهو :
هل يلبث المريض بمرضه أعواما دون شفاء كما يقول البعض ؟
أقول وبالله من خلال قراءتي ومتابعتي لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتبين لدي أن المريض من العين أو المس أو السحر (ما لم يكن مشروبا أو مأكولا ) يلبث بمرضه كل تلك الأعوام والشهور طالما جاء بشروط الاستجابة وانتفت موانعها .

لذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند رقيته لعثمان بن العاص قام الأخير ليس به بأس وكأنه نشط من عقال ولم يلبث أعواما كما يحدث هذه الأيام والله المستعان ، ( وإن قال قائل هذا رسول الله فمن أنت !!!)
أقول : الأثر ليس من خصوصياته فاقتضى التنويه .

ومثله ما علمه إياه الرسول صلى الله عليه وسلم : سم الله ثلاث وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبعا فبرأ بإذن الله على الفور .

ومثله ما حدث لسهل بن حنيف بعد أن رآه بن ربيعة وهو يغتسل جسده ناعماً فأعجبه دون أن يبرك فأغمى عليه وصرع وبعد أن أفيض من فضل وضوء العائن في إزار المعيون قام وكأنه نشط من عقال .


وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن رقاه جبريل عليه السلام بعد أن دعا ودعا ودعا بتلك الليلة حتى نزل جبريل بأمر الله ورقاه بالمعوذتين فقام وكأنه نشط من عقال .

وأبو سعيد الخدري عندما رقى زعيم القبيلة لأيام ثلاث برأ بإذن الله ( مع العلم أن مرضه كان من جراء شيء مادي ألا وهو السم ).

ومثله عندما رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام فبرأ على الفور بإذن الله وخرج من فمه مثل الجرو يعدو _ إن صحت الرواية _ .

ومثله عندما جاءه رجل مكبل بالحديد فعلمهم ما يقرؤون عليه وحين عودته وجده سالما معافى بإذن الله والأمثلة كثيرة لا تحصى …_أيضا إن صحت الرواية _.

ولعلمنا أيضا بأن رجلا صرع بزمن الإمام أحمد رضي الله عنه فأعطى قبقابه لخادمه ليذهب ويهدد الجني الصارع فما كان من الجني إلا أن امتثل للإمام أحمد قائلا الإمام أحمد أطاع الله فنطيعه أو بهذا المعنى ولم يلبث كثيرا بخلاف المرة الثانية بعد وفاة الإمام رحمه الله .

ولعلمنا عدم ثبوت أن الإمام ابن تيمية رحمه الله قد عالج حالة لبس أو مس لسنوات كما يحدث في هذا الزمن والله المستعان فأين الخلل إذن ؟!!
حتى وإن ثبت ذلك عن الإمام مدة معينة فلا يعتد بذلك إن لم يكن بدليله .

هناك خلل ما أين ؟؟!!
الخلل والله أعلم
أن الناس قد عقدوا العزم والنية على أن ما أصابهم من مرض أو هم أو غم فهو من مس أو سحر أو عين ولا يلتفتون إلا ما هو أعمق مما يذهبون إليه ألا وهو المرض العضوي الذي مكانه عند الأطباء وإن خفي على بعضهم ففوق كل ذي علم عليم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا والبشر معرضون للخطأ والأمثلة تكاد لا تحصى حول أخطاء الأطباء مما يحذو بالناس الذهاب إلى الرقية فيجدون إلا من رحم الله قد انبروا وتصدروا تلك المهنة إما عن جهل مركب أو علم مسبق بحوادث مشابه لحالتهم فيوصف لهم العلاج على أنه مس أو سحر مما يزيد من حالة المريض عضويا مرضا نفسيا (إيحائيا )فيتصرف المريض وفق ما أملى عليه الراقي
فمثل هذا الذي يلبث في مرضه لسنوات وإن شفي من الحالة المرضية يبقى في نفسه الخوف والذهول من المجهول من جن أو سحر كما أخبره الراقي من قبل والله المستعان .
وقد ذكر الله جل في علاه الضيق النفسي وعلاجه في القرآن إذ قال لنبيه :
ولقد نعلم أنه ليضيق صدرك بما يقولون ، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين .
فبالتسبيح والسجود بقين على الله يذهب ما في الصدور من هم وغم وحزن…


لكن أين يقيننا بكلام الله وكلام رسوله وهنا مكمن الخلل !

كما أن المريض ينسى أو يتناسى أن ما أصابه فبما كسبت يداه بإذن الله لقلة تحصنه ويقينه وإيمانه بالله جلت قدرته فمثل هذا الصنف لا يلومنّ إلا نفسه لطالما أن الله قد بين لهم ما يتقون .
فمن خلال ذلك يقوى الشيطان على المريض بالإيحاء والوسوسة لقلة بضاعة المريض بالتحصين واليقين لأنه وإن تم لبس الإنسان حين الغفلة فسيجد أن كلام الله جل وعلا طارد مزلزل له وقد كرمه الله على سائر المخلوقات فيكف ينزل لمستواهم ويخشاهم والله أحق بالخشية والتصديق .
وكيف لا وهو قد التجأ إلى صاحب الداء والدواء العليم الخبير فاطر السموات والأرض الذي يحيي ويميت وبيده مقاليد كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وهو علام الغيوب وأمره بين الكاف والنون .
خلاصة ما أود بيانه :

أولا:إن أكثر الناس يشفون من حالات المس أو السحر ( ما لم يكن مشروبا أو مأكولا ) أو العين بسرعة إلا باستثناءات قليلة ولحكمة يعلمها الله وهم قليل.

ثانيا : قسم من الناس قد التبس عليهم المرض العضوي من الروحي فالتجأوا إلى الروحي وتناسوا العضوي وقد قال صلى الله عليه وسلم ( عباد الله تداووا ما انزل الله من داء إلا وأنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله )

ثالثا : المرض النفسي وهذا واقع به قسم كبير من الناس إلا من رحم الله وأسبابه الخوف من المجهول وقد كفانا الله ذاك المجهول بالاستعاذة فقط ، ولو كنا متيقنين بالتعوذ فقط لكفتنا فما بالكم بتلكم الأدعية والتحصينات الكثيرة والتي لا مرد لها من الله إلا إياه !!!
وقد سئل الإمام ابن القيم رحمه الله ( يا إمام إننا نستعذ بالله من الشيطان الرجيم فلا نجد الاستعاذة بأنفسنا ؟؟
فكان رده رحمه الله (لأنكم تقولونها بألسنتكم ولم توقنها قلوبكم ) أو بهذا المعنى
فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا .
ومن التجأ إلى الله بإخلاص ومحبة وتضرع وخفية فإن الله لا يضيعه.




توضيحا لكلمة مأكولا أو مشروبا :!!
إن السحر المأكول أو المشروب غالبا ما يكون بفعل فاعل من دس بعض المواد الضارة في الطعام أو الشراب من أعشاب ومواد لا يعلمها إلا الله ، والسحر كما هو معلوم كل ما خفي عن العين مما يحدث حالات تسمم وإعاقة بالدماغ يجعل الإنسان يهلوس أو يصاب بمرض عضوي لا يعرف الطب له علاجا إلا صاحب السحر أو فاعل فعلته ولذلك يقال أفضل طريقة لفك السحر فمن خلال الساحر نفسه لمعرفته بالمضاد لتلك العشبة التي أكلت أو سقيت أما بقية الأسحار فهي التي كنا نتكلم حولها .

وبعد هذا البيان أود التنبيه إلى مسألة مهمة ألا وهي أن المريض الذي لا يستجيب للعلاج الرباني فبأغلبية ظن أنه حالته ليست من الجن والسحر بل من الوهم وقلة الإيمان أو من أمراض عضوية استشكل فيها الأمر بينها وبين الجن والسحر فمكان ذلك عند الأطباء
ومنها ما هو عصبي من نقص في مواد الأعصاب مما يحدث للمريض نفس العوارض التي تتشابه مع التلبس والجن والسحر .
والفيصل بالأمر أن يعرض المريض على الراقي فإن ثبت وجود مس أو سحر من خلال القراءة عليه يكمل معه بالإرشاد والتحصن لانتفاء الموانع وقبول الإجابة بيقين الراقي والمسترقي وحسن الظن بشفاء الله له
وإلا فلا داعي على أن نحمّل المريض مرضا فوق مرضه بإيهامه أن الجن والسحر والعين هم السبب والعدو المجهول مما يجعله يترك التعاطي بالأسباب المادية ويمكث بدوامته شهورا وسنينا .


أرجو من جنابك الكريم شيخنا بيان ما قد استشكل عندي فمنكم نستفيد
والله من وراء القصد
وإلى نقاط أخرى لاحقا إن شاء الله .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

لقد قرأت ما خطته يمينك أخي الحبيب ( متعجب ) ، ولا أخفيك أني قد أعجبت بطرحك ، وما تحمله من فكر ، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على سلامة معتقدك ، وصحة منهجك ، وبحثك عن الحق أينما كان ، وبالمجمل فإني لا أخالفك الرأي في كثير مما ذكر ، إلا أنني أحببت أن أعقب على بعض النقاط التي تحتاج إلى إيضاح وتبصير وهيَّ على النحو التالي :

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( فقد كثر اللغط والتقول على الله بغير علم من قبل بعض الرقاة السذج ، كل يقول بخلاف الآخر مما جعلني أتساءل أين الحق بهذه المسألة أو تلك !؟ وبما أني أعلم بأن الضابط للحكم على الأقوال والأفعال هما الكتاب والسنة ) 0

أقول وبالله التوفيق : لو أن كل المعالجين يحملون هذا الفكر لبقي علم الرقى بخير ، ولكن التأول على الله ، والقول بغير علم ، وتحكيم الأهواء والشهوات دون تحكيم الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة ، ودون وضع ضوبط شرعية تحكم هذا الأمر ، كل ذلك أدى إلى ما أدى إليه من اتساع الخرق على الراقع ، بحيث أصبحت الرقية مثار قذف وتشهير من قبل العلمانيين والمغرظين ومن على شاكلتهم ، ومن هنا جاء كتابي الموسوم : ( القول المعين في بيان أخطاء معالجي الصرع والسحر والعين ) ، ولا يخفى على أمثالك أخي الكريم أن الحق بين أيدينا ، ولكن كل ما ذكرته من عوامل إلى رفض الحق والتمسك بما دونه ، والله تعالى أعلم 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( إن مسألة الخوض بالرقية أخذت أبعادا كثيرة مما حدى بالبعض أن تمسك بخبراته وعلومه حول مدة مكوث المريض بمرضه بعد الرقية فمنهم من قال سنين عديدة ومنهم من قال أشهر قليلة ومنهم من قال لا أعلم وما إلى هنالك كل حسب خبرته بالرقية ) 0

وقولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( فمن أصدق من الله قيلا ، ومن أصدق من الله ، حديثا قل صدق الله 0 فمن الممتنع شرعا وعقلا ونقلا أن من التجأ إلى الله جل في علاه أن يضيعه إن انتفعت الموانع وتحققت شروط الاستجابة باستثناءات نادرة جدا لحكمة يعلمها الله العليم الحكيم وبما أننا لا نتكلم عن الاستثناء بل عن جوهر الموضوع ألا وهو : هل يخلف الله وعده بعد أن بين لنا في القرآن الكريم ( ادعوني أستجب لكم ) والأمثلة كثيرة من القرآن فلا داعي لتكرارها 0 وأما من السنة ما ثبت بالصحاح وغيرها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان له حرز من الشيطان الحديث ومثله إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله توكلت على الله لا حول و لا قوة إلا بالله فيقال له : حسبك قد هديت و كفيت و وقيت فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي و كفي و وقي ؟ ومثله ما من عبد يقول في صباح كل يوم و مساء كل ليلة : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض و لا في السماء و هو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء ، فلا داع لذكر الكثير من الأدلة لعدم التكرار ففي الدليل الواحد كفاية إن شاء الله 0 فلعلك تلاحظ معي شيخنا أن بعض من يقول أنهم قد أصيبوا بالمس والعين والسحر هم مواظبون على أذكارهم ومنهم من هو على تقى وورع وعفاف وعلم وهو مؤمن وموقن بأذكاره وتحصيناته ، فهل نقول أن الأذكار لغو لسان لا تفيد التحصين وبناء على ذلك ننسف عشر السنة التي حضت وحثت على الأذكار بأوقاتها ومنافعها الجمة ؟! أليس في هذا تشكيك بالأذكار من قبل المريض الخابت ،القانت ، والمحتسب ، وهو ينتظر الفرج من الله باتباعه ما أمره الله به ورسوله .؟ هذا إذا قلنا أن سبب المس أو العين الغفلة فنكون قد اتفقنا عند النقطة الأولى ) 0

أقول وبالله التوفيق : أما تمسك بعض المعالجين بخبراته وعلومه حول مدة مكوث المريض بمرضه بعد الرقية فمنهم من قال سنين عديدة ومنهم من قال أشهر قليلة ومنهم من قال لا أعلم وما إلى هنالك كل حسب خبرته بالرقية ، كل ذلك لا يقدح مطلقاً في هذه المسألة إن كنا نقصد من المعالجين من هم على علم شرعي ودراية وخبرة وله كبير صولة وكثير جولة ، وكما هو معلوم لديك أخي الحبيب أن مراتب الجن متنوعة بنصوص الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة كما ذكرت ذلك في كتابي ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) ، فمنهم من يحتاج إلى قراءة واحدة ، ومنهم من يحتاج إلى أكثر من ذلك ، والسحر مختلف في قوته وكذلك العين ، وبالعموم فالأولى في حق المعالج أن لا يعتمد مع الحالات المرضية على مسألة تحديد الوقت ، حيث أنه لا بد أن يزن ويقدر الأمور بموازين شرعية ، وعليه أن يستخدم الشفاء النفسي مع المرضى ، وعليه أن يقف وقفة صادقة مع المرضى لزرع الثقة في نفوسهم ومواساتهم ويكون ذلك بالأمور التالية :

أ)- شحذ همة المريض وتقوية عزيمته وذلك بالدعاء له بالأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول : ( لا بأس طهور إن شاء الله ) 0

هذا وقد وقفت على حديث ضعيف بخصوص هذه المسألة إلا أن معناه صحيح ، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل ، فإن ذلك لا يرد شيئا 00 وهو يطيب نفس المريض ) ( قال الألباني : حديث ضعيف جدا ، أنظر ضعيف الجامع 488 ، ضعيف الترمذي 367 ، ضعيف ابن ماجة 303 – السلسلة الضعيفة 182 – المشكاة 1572 – وقد ذكره ابن الجوزي في " العلل المتناهية في الأحاديث الواهية " - برقم 1459 ) 0

قال الدكتور عبدالرزاق الكيلاني : ( وفي سنده موسى بن إبراهيم التيمي ، وهو منكر الحديث ، ولكن معناه صحيح 0
التنفيس : التفريج ، ويكون بالدعاء بطول العمر أو بنحو : يشفيك الله تعالى ) ( الحقائق الطبية في الإسلام - 277 ) 0

قلت : والحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أشار لذلك علماء الحديث ، إلا أن المعنى العام الذي يشير إليه صحيح ، فقد أكدت النصوص الحديثية على مدى الترابط والتراحم فيما بين المسلمين في أكثر من موضع ، ومثل ذلك التراحم يحتم على المسلم أن يقف مع أخيه المسلم وقفة صادقة في أي محنة أو مصيبة أو ابتلاء ، والمريض أحوج ما يكون في هذا الوقت بالذات لتعليمات وتوجيهات وإرشادات المعالِج ، وهذا بذاته فيه تقوية لعزيمته وشحذ لهمته والوقوف معه والأخذ بيده ، وكل ذلك يشعره بالطمأنينة والراحة والسكينة ، فتكون تلك الوقفة بمثابة تسلية له فيما أصيب به من عناء ومشقة وتعب ، ويكون لها أثر كبير على نفسيته فتساعد على دفع العلة أو تخفيفها ، وهذه غاية ما يسعى له المعالِج 0

قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المريض عن شكواه ويدعو له ويصف له ما ينفعه في علته ، وكان يقول للمريض : " لا بأس عليك طهور إن شاء الله تعالى " " أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب المرضى ( 14 ) – برقم ( 5662 ) – أنظر فتح الباري – 10 / 121 " ) ( فتح الحق المبين – ص 159 ) 0

قال الدكتور عبدالرزاق الكيلاني : ( المعالجة النفسية مهمة للمريض 00 كالمعالجة الدوائية أو أكثر منها ، وغايتها تقوية ثقة المريض بنفسه 00 وبقدرته على التغلب على محنته بمعونة الله سبحانه وتعالى فتنضم قواه النفسية إلى قواه البدنية ، ويتغلب بمشيئة الله تعالى على مرضه ، فيكون شفاؤه أسرع إذا كان الله سبحانه وتعالى مقدرا له ذلك ) ( الحقائق الطبية في الإسلام – ص 277 ) 0

ب)- إدخال السرور على قلب المريض وذلك بالبشاشة والكلمة الطيبة والطرفة الخفيفة التي يكون لها وقع وأثر طيب على نفسه 0

ج)- تذكيره بالأجر العظيم والثواب الجزيل الذي أعده الله سبحانه وتعالى له ، وكل ذلك يقوي من عزيمته ، كما ثبت من حديث أم العلاء - رضي الله عنها – حيث قالت : ( عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة ، فقال : ( أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه 00 كما تذهب النار خبث الذهب والفضه ) ( صحيح الجامع 37 ) 0

د)- أن يغرس المعالِج في نفسية المريض الصبر والاحتساب 0

هـ)- أن يزرع في نفسه التعلق بالله سبحانه وتعالى وحده دون سائر الخلق 0

يقول الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ : ( ومن صفات الراقي أن يكون معلقا للمرقي بالله جل وعلا ، فلا يعلق المريض بالذي يرقيه ويضع الراقي من نفسه وحاله من العظمة ويحدث بأنه شفى فلان وعافى فلان فيعظم نفسه ) ( مجلة الدعوة – صفحة 22 – العدد 1683 من ذي القعدة 1419 هـ ) 0

و)- قرب المعالِج من المريض خاصة في تلك اللحظات ، ومن هنا كان الواجب يحتم عليه أن يُذكّره بالله وبمراجعة النفس بأسلوب طيب محبب إلى النفس 0

ز)- تذكير المريض بالله سبحانه وتعالى وأن الشفاء بيده وحده 0

قال الدكتور عمر يوسف حمزة : ( على الراقي أن يبث في وجدان المريض أن الله يبسط رحمته لمن التجأ إليه واستعان به وطلب العون منه ، وأن المرض قد يكون كفارة ، وقد يرفع الله به المريض درجات عنده ، وأن الاستغاثة بالله دليل على عمق الإيمان برحمته 0 وقد جاء في شرح صحيح البخاري : أن الرقى بالمعوذات – وهي قل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس – وغيرها من أسماء الله تعالى هو الطب ال****** ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن الله تعالى 0 والراقي بمثابة الطبيب 00 إذا دخل على المريض يجب أن يبشره بالشفاء وأن يغرس في نفسه الأمل وأن يزيل عنه شبح اليأس والقنوط 0 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً 00 يمسح عليه ويدعو له قائلا : " أذهب الباس0 رب الناس0 واشف أنت الشافي0لا شفاء إلا شفاؤك0 شفاء لا يغادر سقما " " متفق عليه " ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحية السوداء – ص 36 ، 37 ) 0

قال الشيخ عبدالله السدحان تحت عنوان " تنظيم حياة المريض " : ( ما أجمل أن يعيد الراقي تنظيم حياة المريض وأن يرسل نظرة نافذة إلى حياته حتى يتعرف على عيوبها وآفاتها ، ويرسم البرنامج العلاجي الإصلاحي لها ، ويربطه بخالقه معيدا كل شيء إلى وضعه الصحيح 0 إن حياة هذا المريض تستحق مثل هذا الجهد المثمر ، فتعاهد شؤونه بين الحين والحين ، وتعيده إلى توازنه كلما عصفت به الأزمات حتى لا يصبح نهبا لصنوف الشهوات وضروب المغريات، وهذه الجرعة تحيي الأمل في النفوس اليائسة، وتنهض العزيمة إلى التوبة الصادقة ، وهي توبة يفرح لها المولى – عز وجل- لانتصار الإنسان على نفسه وشيطانه ) ( قواعد الرقية الشرعية – ص 16 ، 17 ) 0

يقول الأستاذ ماهر كوسا : ( أن يكون له أسلوب جيد- يعني المعالج - في الموعظة الحسنة بما يرضي الله تعالى ، وأن يبدأ بمعالجة روح المريض ويقويه على هذا البلاء موضحاً له أنه أقوى من الجن إذا لجأ إلى الله معلماً إياه أذكار الصباح والمساء حاثاً له على الصلاة وبالذات مع جماعة المسلمين ناصحاً بحجاب المرأة حسب أمر الله ) ( فيض القرآن في علاج المسحور – ص 38 ) 0

وبالجملة فلا بد من مراعاة المعالج للجانب النفسي الخاص بالمرضى وتوخي الرفق والأناة في التعامل معهم بشكل عام ، وكذلك مراعاة مشاعرهم والدقة في اختيار الكلمات ووزنها من الناحية الشرعية والخلقية ، والمفترض أن يكون المعالج بشوشاً صادقاً في تعامله وفي حركاته وسكناته 0

يقول الأستاذ سعيد العظيم : ( لا بد من الرفق مع الناس عامة ومع المرضى بصفة خاصة ؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ، وربنا رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره ، والرحمة بذوي العاهات ، والشفقة بالمرضى مطلوبة ومشروعة ؛ فالراحمون يرحمهم الرحمن 0 " ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وإذا كان في كل ذي كبد رطبة أجر ، وقد دخلت امرأة النار في هرة حبستها : لا هي أطعمتها إذ حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، وعلى العكس ، دخلت بغي الجنة في كلب سقته ؛ فشكر الله لها صنيعها ، وإذا كان الكافر يرحم بالرحمة العامة ؛ فيطعم من جوع ويسقى من عطش ويداوي من مرض – طالما أنه ليس محارباً – فكيف بالمسلم إذا مرض 0
لا شك أنه ينبغي عيادته واللطف به والشفقة عليه وقضاء حاجته والسعي في إراحته ، وهذا كله متأكد مع أصحاب الأمراض النفسية العصبية ، وقد لوحظ أن الناس بينما قد يتمثلون هذه الأوامر مع المريض طريح الفراش ، إلا أنهم على العكس والنقيض ، سرعان ما تضيق صدورهم بالمريض النفسي والعصبي، ويستهزءون ويستخفون به ، ويعنفونه وقد يضربونه ، ويهملونه ويحبسونه 000 إلى غير ذلك من التصرفات التي من شأنها أن تُمرض الصحيح ، وأن تزيد حالة المرض حدة ، وقد يكون الدافع لهذه التصرفات هو الجهل بحالة الشخص وطبيعة مرضه وخصوصاً وهو يراه عاملاً متزناً في جوانب أخر كما في حالات الوسوسة وانفصام الشخصية مثلاً 0
وقد يكون الدافع هو الجهل بسوء عاقبة هذا التصرف والسلوك ، وأننا بذلك ندخل المريض في دوامة لا تنتهي ، ونجري عليه أحكاماً ليس هو من أهلها ، ونخاطبه مخاطبة من يعقل وقد لا يكون كذلك 0
إن المريض النفسي العصبي لا يقل في احتياجه الشفقة والرفق والرحمة عن مرضى الانفلونزا والروماتيزم والسرطان 000 فاتقوا الله في عباد الله ، ولا تفرح في بلوى أخيك فيعافيه الله ويبتليك ، والرفق به سواء كنت قريباً أو صديقاً أو طبيباً معالجاً : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) " سورة البقرة - الآية 281 " ( الرقية النافعة للأمراض الشائعة – ص 120 ، 121 ) 0

وأختم هذا الموضوع بكلام جميل للأستاذ " محمد بن محمد عبد الهادي لافي " تحت عنوان ( الرقية وأثرها النفسي والعقائدي على المريض ) حيث يقول :

( إن الإسلام جاء ليحرر العقول من الضلال والخرافات والأوهام فحرَّم السحر والكهانة واللجوء إلى أصحابها ، وحرم الرقى التي لا تتلائم مع روح الشريعة 0 وكما أمر بالتداوي بالأدوية الحسية 0 والأخذ بالأسباب العلمية 0 فإنه رغَّب بمشاركتها بالأدوية المعنوية والروحية من أدعية ورقى بكلام الله العزيز وبأسمائه الحسنى 0
وفيها يتذكر المريض خالقه ، وتبقى عقيدة التوحيد خالصة لله تعالى 0 وتظل نفس المريض هادئة مطمئنة لتوكله والتجائه إلى الله 0 فيقوى صبره ورضاه بقدر الله ، وتختفي الأعراض النفسية 0 وقد تستخدم الرقية في معالجة ألم أو مرض جسدي ولو تعذر هذا الشفاء فهي تطمئن المريض لأن المخاوف الناتجة عن الألم تسبب زيادة في التشنجات المسببة للألم ، وقد تؤدي إلى اضطراب نفسي ، فالإسلام أباح الرقية المتلائمة مع الشرع الحنيف ولم يهمل الأدوية المادية 0 ولا شك بأن الأدوية الروحية ( الإلهية ) لها أهميتها لدعم الأدوية المادية ) ( عالج نفسك بنفسك – ص 17 ) 0

قلت : وقد فصلت في هذه المسألة لأهميتها ، ولأبين لإخوتي من المعالجين قاعدة فقهية عظيمة وهيَّ : ( قاعدة المصالح والمفاسد ) ، فلنركز على هذه المسألة دون الخوض في مسألة تقديرها ونتيجتها بيد الله سبحانه وتعالى وتحت تقديره ومشيئته 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( ومن خلال استقرائي لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، تبين لي بأن المريض لا يلبث كل تلك المدة إن انتفت الموانع وتحققت شروط الاستجابة فنحن لا ندعو أصم حاشا وكلا ) 0

قلت وبالله التوفيق :

أولاً : مما لا شك فيه أن استقراءك لبعض نصوص القرآن والسنة وبيان أن المريض لا يلبث كل تلك المدة إن انتفت الموانع وتحققت شروط الاستجابة ، فاعلم يا رعاك الله أن هناك نصوص أخرى أكدت عكس ما تقول ، وإليك بعض الأمثلة على ذلك :

* عن عطاء بن رباح قال : قال لي ابن عباس - رضي الله عنه – : ( ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى ، قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي ، قال : إن شئت صبرت ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ؟ فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف ، فدعا لها ) ( متفق عليه ) 0

* أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه ههنا حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف 0 فقالت : يا رسول الله ادع الله أن يشفيني 0 فقال : " إن شئت دعوت الله فشفاك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك – فقالت : بل أصبر ولا حساب علي " ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده - 2 / 441 ، وابن حبان في صحيحه - برقم ( 708 ) ، والبزار - ج 1 / رقم 772 ، والحاكم في المستدرك - 4 / 218 ، والأصبهاني في" الترغيب " - برقم ( 529 ) ، والبغوي في " شرح السنة "- 5 / 236 ، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم – 2 / 267 ) 0

قلت : الأحاديث المذكورة آنفاً تؤكد على أن الابتلاء قد يقع بالمسلم وقد تقصر مدة هذا البلاء وتطول ، وكشفه يبقى بيد الله وتحت تقديره ومشيئته ، فتلك الصحابية وقد كانت إمرأة سوداء وخادمة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد صلى عليها الرسول بعد دفنها وعِلمه بموتها ، ابتليت فصبرت واحتسبت وبقيت طيلة حياتها مع هذه المعاناة وتلك الألم ، لأنها علمت الأجر الذي قد أعده الله سبحانه وتعالى لها ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم 0

* عن يعلى بن مرة - رضي الله عنه - قال : ( رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ، ولا يراها أحد بعدي ، لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها ، فقالت يا رسول الله : هذا الصبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء ، يؤخذ في اليوم لا أدري كم مرة ، قال : ( ناولينيه ) ، فرفعته إليه ، فجعله بينه وبين واسطة الرحل ، ثم فغر ( فاه ) ، فنفث فيه ثلاثا ، وقال : ( بسم الله، أنا عبدالله ، اخسأ عدو الله ) ، ثم ناولها إياه ، فقال : ( ألقينا في الرجعة في هذا المكان ، فأخبرينا ما فعل ) ، قال : فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها ثلاث شياة ، فقال ( ما فعل صبيك؟ ) فقالت : والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة ، فاجترر هذه الغنم ، قال : انزل خذ منها واحدة ورد البقية ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده – 4 / 170 ، 172 ، والمنذري في "الترغيب"– 3 / 158– والحاكم في المستدرك – 2 / 617 – 618 ، ووافقه الذهبي - وقد أورد العلامة محمد ناصر الدين الألباني كلاما مطولا قال في نهايته " وبالجملة ، فالحديث بهذه المتابعات جيد ، والله أعلم - أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1 / 874 – 877 – قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " عقب ذكره بعض طرق هذا الحديث : " فهذه طرق جيدة متعددة ، تفيد غلبة الظن أو القطع عند ( المتبحرين ) أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة " – 6 / 140 ) 0

* عن ابن عباس – رضي الله عنه– : ( أن امرأة جاءت بابن لها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا به جنون ، وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيفسد علينا ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له ، فتع تعة ، فخرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي ) ( أخرجه الإمام أحمد في مسنده – 1 / 239 ، 254 ، 268 ، والدرامي في سننه – المقدمة ( 4 ) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " – 6 / 182 ، والطبراني في " الكبير " ، وقد ورد في " مجمع الزوائد " – 9 / 2 ، بنص آخر ، قال الهيثمي : وفيه فرقد السبخي وثقه ابن معين والعجلي وضعفه غيرهما - وقال الشيخ أحمد شاكر : ضعيف ، وقال عنه الحافظ : صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ ، تقريب التهذيب – 2 / 108 – قال الحافظ ابن كثير : " وفرقد السبخي رجل صالح ، لكنه سيئ الحفظ ، وقد روى عنه شعبة وغير واحد ، واحتمل حديثه ، ولما رواه ها هنا شاهد مما تقدم – البداية والنهاية – 6 / 159 ) 0

قلت : من خلال استعراض الأحاديث النقلية السابقة نجد أن الغلامين كما ورد في الأحاديث السابقة كانا يعانيان ما يعانيان ، حيث اتضح ذلك من خلال طرح الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسؤال المطروح : ما هيَّ الفترة التي لازمت الغلامين ؟؟؟
الإجابة تبقى ضمن نطاق الغيب ، إنما الواضح أن تلك المعاناة أخذت فترة من الزمن ليست بالقصيرة مما حدى بالأم للبحث عن علاج المشكلة 0

* عن عثمان بن العاص -رضي الله عنه- قال : ( لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، جعل يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0 فلما رأيت ذلك ، رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ابن أبي العاص ؟ ) قلت : نعم ! يا رسول الله ! قال : ( ما جاء بك ؟ ) قلت : يا رسول الله ! عرض لي شيء في صلواتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0 قال : ( ذاك الشيطان 0 ادنه ) فدنوت منه 0 فجلست على صدور قدمي0 قال ، فضرب صدري بيده ، وتفل في فمي، وقال : ( أخرج عدو الله ! ) ففعل ذلك ثلاث مرات 0 ثم قال : ( الحق بعملك ) ( أخرجه ابن ماجة في سننه - كتاب الطب ( 46 ) – برقم ( 3548 ) ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح ابن ماجة 2858 – وصححه البصيري في " مصباح الزجاجة " – 4 / 36 – السنن ) 0

قلت : ما يقال في قصة عثمان بن العاص – رضي الله عنه – يقال في غيرها ، ما هيّ الفترة التي لازمت هذا الصحابي الجليل قبل قدومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 0

وانظر يا رعاك الله إلى ما خطه علماء الأمة الأجلاء :

* قال القاضي أبو الحسن بن القاضي أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي في كتاب " طبقات أصحاب الإمام أحمد " : سمعت أحمد بن عبيد الله قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن علي العكبري قدم علينا من عكبرا في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال : حدثني أبي عن جدي قال : ( كنت في مسجد أبي عبدالله أحمد بن حنبل فأنفذ إليه المتوكل صاحبا له يعلمه أن له جارية بها صرع وسأله أن يدعو الله لها العافية ، فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له وقال له : امض إلى دار أمير المؤمنين وتجلس عند رأس هذه الجارية وتقول له : يعني الجن 0 قال : لك أحمد أيما أحب إليك تخرج من هذه الجارية أو تصفع بهذه النعل سبعين 0 فمضى إليه وقال له مثل ما قال الإمام أحمد 0 فقال له المارد على لسان الجارية 0 السمع والطاعة لو أمرنا أحمد أن لا نقيم بالعراق ما أقمنا به ، إنه أطاع الله ، ومن أطاع الله أطاعه كل شيء وخرج من الجارية وهدأت ورزقت أولادا ، فلما مات أحمد عاودها المارد فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروزي وعرفه الحال ، فأخذ المروزي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها : لا أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك : أحمد بن حنبل أطاع الله فأمرنا بطاعته ) ( آكام المرجان في أحكام الجان – ص 114 – 115 – نقلا عن طبقات أصحاب الإمام أحمد ) 0

قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز- رحمه الله- : ( لأن الشياطين أجناس لا يعلم تفاصيل خلقتهم ، وكيفية تسلطهم على بني آدم إلا الله سبحانه ، فالمشروع لكل مسلم الاستعاذة به سبحانه من شرهم ، والاستقامة على الحق ، واستعمال ما شرعه الله من الطاعات والأذكار والتعوذات الشرعية ، وهو سبحانه الواقي والمعيذ لمن استعاذ به ولجأ إليه ، لا رب سواه ولا إله غيره ، ولا حول ولا قوة إلا به ) ( المعالجون بالقرآن – ص 72 ) 0

ذكر الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله – قصة أخته سعدية في كتابه " عقيدة المؤمن " ، حيث يقول : ( وأذكر حادثة تمت في بيتنا وعشنا آلامها وعانينا آثارها : أنه كانت لي أخت أكبر مني تدعى ( سعدية ) وكنا يوما ونحن صغار نطلع عراجين التمر من أسفل البيت إلى سطحه بواسطة حبل يربط به اقنو " العرجون " ( العرجون : وهو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق وهو مأخوذ من الانعراج ، وهو الانعطاف وجمعه عراجين - النهاية في غريب الحديث - 3 / 203 ) ونسحبه إلى السطح ونحن فوقه فجرت أختي سعدية الحبل فضعفت عنه فغلبها فوقعت على الأرض على أحد الجنون ( جني ) فكأنما بوقوعها عليه آذته أذى شديدا فانتقم منها 00 فكان يأتيها عند نومها في كل أسبوع مرتين أو ثلاثا أو أكثر ، فيخنقها فترفس المسكينة برجليها وتضطرب كالشاة المذبوحة ، ولا يتركها إلا بعد أن تصبح أشبه بميتة 0 ونطق مرة على لسانها مصرحا بأنه يفعل ذلك لأنها آذته يوم كذا في مكان كذا 0 وما زال يأتيها ويعذبها بصرعه يأتيها عند النوم فقط حتى قتلها ) ( عقيدة المؤمن - 185 ، 186 ) 0

وقصة أخرى أوردها الشيخ محمد رشيد رضا ، في كتابه " تفسير المنار " ، حيث يقول – رحمه الله - : ( وما لنا لا نذكر أنه قد وقع لنا من ذلك ما يعده كثير من الناس أمرا عظيما ، يستبعدون أن يكون من فلتات الاتفاق ، ونوادر المصادفات ، من ذلك : أنه كان في بلدنا ( القلمون ) في سورية رجل صياد اسمه ( عمر كسن ) رمى شبكته ليلة في البحر ، فسمع صوتا غير مألوف ، فما لبث بعد ذلك أن صار يصرع ، ويخيل إليه هجوم فئة من الجن عليه ويضربونه ، متهمين إياه بإصابة فتاة لهم 0
ورآني وهو غائب عن الحس بالهيئة التي كنت أخلو فيها للعبادة وذكر الله في حجرة خاصة ، وبيدي مخصرة ( المخصرة : شيء يأخذه الرجل بيده ليتوكأ عليه ، كالعصا ) قصيرة من الأبنوس ( الأبنوس : نوع من الخشب الجيد ) ، كنت اعتمد عليها- ولم يكن رأى ذلك قط- رآني أطرد الجن عنه بهذه المخصرة ، وكان أهله قد ذكروا لي أمره ، ثم دعوني إلى رؤيته ورقيته والدعاء له ، فذهبت فألفيته مغمى عليه ، لا يرى ولا يسمع ممن حوله شيئا ، ولكنه كان يقول : جاء سيدنا الشيخ رشيد 000 ، ولما رأيته على هذه الحالة توجهت إلى الله بإخلاص وخشوع ، ووضعت يدي على رأسه ، وقلت : بسم الله الرحمن الرحيم : ( 000 فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 137 ) ، فيفتح عينيه ، وقام كأنما نشط من عقال ، ثم عاد إليه هذا بعد زمن طويل لا أذكره ، وشفاه الله تعالى وأذهب عنه الروع ثانية بنحو ما أذهبه عنه في المرة الأولى ، ولكنني لم أر أولئك الجن الذين كان يراني أجادلهم وأذودهم عنه 0
والواقعة تحتمل التأويل عندي ، ولا أعدها دليلا قطعيا على كون صرعه كان من الجن ، كما أنه لا مانع عندي أن يكون منهم ، وقد ذكرت هذه الواقعة لشهرتها عندنا في البلد ، وكثرة من شهدها ) ( تفسير المنار – 8 / 372 ) 0

ثانياً : أعود فأقول بأن تلك الأمراض ( الصرع ، السحر ، العين ) هيَّ أمراض متفاوته في القوة والتأثير ، وهذا ثابت بنصوص السنة المطهرة ، وليس له ضابط معين يحكمه ويبين مدته وفترته 0

ثالثاً : المعلوم شرعاً أن الرقية تعتمد على عوامل كثيرة ، ومن ذلك : المعالِج وعقيدته ومنهجه ، والمعالَج وسلوكه ، وهاذان العنصران مهمان للغاية لأعطاء التأثير المطلوب من الرقية ، يقول ابن القيم – رحمه الله - : ( والسلاح بضاربه ) 0

رابعاً : عند الحديث في موضوع الرقية الشرعية ، فلا بد أن يكون الحديث عن المعالجين من أصحاب العلم الشرعي الحاذقين المتمرسين ، أما الجهلة والمهرطقين فإننا لا نعنيهم مطلقاً ، ومن هنا أقول أن يترك الأمر إلى أهله ، فخبرة المعالج هيَّ التي تحدد كل الظروف المتعلقة بالحالة المرضية ، وهو الأقدر على الوقوف على الأعراض وتشخيص الداء ووصف الدواء النافع بإذن الله عز وجل بعد الدراسة العلمية الشرعية الموضوعية المتأنية والتقصي والتحقيق ، ومن خلال خبرتي وممارستي لتطبيق القواعد والأسس والأحكام أؤكد لك أخي الحبيب ( متعجب ) أنه لا ضابط مطلقاً يتعلق بتحديد مدة المعاناة ، وكما بينت لكَ سابقاً فلا أرى أن من المصلحة الشرعية الخوض في تلك المسألة مع الحالات المرضية ، بل الواجب على المعالج التركيز على ما يهمهم من تصحيح للعقائد ، وتوجيه للسلوكيات ، والله تعالى اعلم 0

خامساً : مما لا شك فيه أن الذكر والدعاء وقراءة القرآن فيه وقاية وحصانة للعبد المسلم ، وأنه يقلل بلا شك من الإصابة بتلك الأمراض – أعني الأمراض الروحية - ، إلا أن يقع قدر الله الكوني لا الشرعي لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى ، وقد حصل مثل ذلك كما بينت آنفاً مع بعض الصحابة الأجلاء أمثال ( أم زفر ) و ( عثمان بن العاص ) – رضي الله عنهم - ، فقد كانوا من الذاكرين 0

يقول ابن القيم – رحمه الله - : ( وأكثر تسلط هذه الأرواح على أهله تكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية ، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه وربما كان عريانا فيؤثر فيه ) ( زاد المعاد - 4 / 69 ) 0

سادساً : قد يكون سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على ما أقول ، حيث مكث في سحره مدة ستة أشهر كما ذكر ذلك أهل العلم 0

* قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وروي أنه لبث فيه ستة أشهر ) ( فتح الباري – 10 / 237 ) 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( ولعل بعض الرقاة لم ينتبه بأن طول المدة التي يلبث فيها المريض بمرضه قد تحدث له معتقدا مخالفا لهدي القرآن والسنة بان الرقية ليس فيها الشفاء المرجو وإلا لتمت الاستجابة وهو الذي التزم بكل التحصينات والأذكار وفعل المباح من خلال القرآن والسنة وكيف لا وهو قد قام بالمطلوب الشرعي مما يجعله يذهب إلى الدجالين والمشعوذين لعل يجد الراحة والشفاء عندهم ) 0

أقول وبالله التوفيق : الأمر ليس بيد المعالج ولا بيد غيره من البشر إنما الأمر مرتبط بقدر الله وإرادته ، وهذا لا يقدح مطلقاً في طول المدة أو قصرها ، ومن الأساسيات التي لا بد أن يبينها المعالج لمرضاه ، أسس العقيدة كما أشرت آنفاً ، فيبين لهم أن الشفاء من الله سبحانه وتعالى وحده ، وأننا مطالبون باتخاذ الأسباب الشرعية والحسية في الاستشفاء والعلاج ، وخطورة الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والعرافين والأدلة التي تؤكد على خطورة ذلك 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( ومن الملفت في الموضوع قول بعض الرقاة للمريض أنت تحتاج لرقية مكثفة لأن الجني الصارع قوي جدا وربما هو مارد أو طيار أو جني أزرق أو أحمر وما إلى هنالك من الأمور التي لم ينزل الله بها من سلطان وإن ادعى البعض بأنه بخبرة الراقي وحذاقته يمكنه معرفة ذلك دون مستند شرعي أو أثر صحيح على أن يكون ضعيف 0
وما هو مباح كما بين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم ، على أن نحدد معالم المباح فقد كثر اللغط بتلك الشماعة التي تسمى (مباح ) وأصبح كل راق يخترع أساليب مستغربة من أعشاب سامة وغير سامة وأوقات وآيات معينة بأوقات معينة بتحديد عدد معين والله المستعان بعد أن بينت ما قد عُلم لديكم من أمور مستهجنة ) 0

قلت وبالله التوفيق : لا زلنا في الحديث عن المعالجين أصحاب العلم الشرعي الحاذقين المتمرسين ، فهؤلاء هم الأقدر على تحديد كل المعطيات الخاصة بالحالة المرضية ، ولا يخفى عليك أخي الحبيب ( متعجب ) أن بعض الحالات تحتاج إلى رقية مكثفة وأخرى تحتاج إلى أقل من ذلك وهكذا دواليك ، أما الخوض في مسائل الغيب فهذا من الجهل المركب الذي وقع فيه كثير من المعالجين ، نسأل الله لهم الهداية والتوفيق 0
أما الحديث عن الخبرات والممارسات فقد بينت في كثير من المواضع أن الرقية الشرعية لها جانبان : الأول التعبدي ، وهذا مبناه على التوقيف ، والآخر الحسي ، وهذا لا بد من توفر سبعة ضوابط كي تعتمد في العلاج والاستشفاء ، والله تعالى أعلم 0 ويمكنك الفائدة من الرابط التالي :

http://www.gesah.net/vb/vb/showthread.php?threadid=8418

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( ولنأتي للمبحث الثاني ألا وهو : هل يلبث المريض بمرضه أعواما دون شفاء كما يقول البعض ؟ أقول وبالله التوفيق : من خلال قراءتي ومتابعتي لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتبين لدي أن المريض من العين أو المس أو السحر ( ما لم يكن مشروبا أو مأكولا ) يلبث بمرضه كل تلك الأعوام والشهور طالما جاء بشروط الاستجابة وانتفت موانعها ، لذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند رقيته لعثمان بن العاص قام الأخير ليس به بأسا وكأنه نشط من عقال ولم يلبث أعواما كما يحدث هذه الأيام والله المستعان ، ( وإن قال قائل هذا رسول الله فمن أنت !!! أقول : الأثر لم يأت له مخصص فحكمه عام يفيد العموم 0 ومثله ما علمه إياه الرسول صلى الله عليه وسلم : سم الله ثلاث وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبعا فبرأ بإذن الله على الفور0 ومثله ما حدث لسهل بن حنيف بعد أن رآه بن ربيعة وهو يغتسل جسده ناعماً فأعجبه دون أن يبرك فأغمى عليه وصرع وبعد أن أفيض من فضل وضوء العائن في إزار المعيون قام وكأنه نشط من عقال 0 وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن رقاه جبريل عليه السلام بعد أن دعا ودعا ودعا بتلك الليلة حتى نزل جبريل بأمر الله ورقاه بالمعوذتين فقام وكأنه نشط من عقال 0 وأبو سعيد الخدري عندما رقى زعيم القبيلة لأيام ثلاث برأ بإذن الله ( مع العلم أن مرضه كان من جراء شيء مادي ألا وهو السم 0 ومثله عندما رقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام فبرأ على الفور بإذن الله وخرج من فمه مثل الجرو يعدو - إن صحت الرواية 0
ومثله عندما جاءه رجل مكبل بالحديد فعلمهم ما يقرؤون عليه وحين عودته وجده سالما معافى بإذن الله والأمثلة كثيرة لا تحصى أيضا إن صحت الرواية 0 ولعلمنا أيضا بأن رجلا صرع بزمن الإمام أحمد رضي الله عنه فأعطى قبقابه لخادمه ليذهب ويهدد الجني الصارع فما كان من الجني إلا أن امتثل للإمام أحمد قائلا الإمام أحمد أطاع الله فنطيعه أو بهذا المعنى ولم يلبث كثيرا بخلاف المرة الثانية بعد وفاة الإمام رحمه الله ولعلمنا عدم ثبوت أن الإمام ابن تيمية رحمه الله قد عالج حالة لبس أو مس لسنوات كما يحدث في هذا الزمن والله المستعان فأين الخلل إذن 0 حتى وإن ثبت ذلك عن الإمام مدة معينة فلا يعتد بذلك إن لم يكن بدليله 0 هناك خللا ما أين ؟!! الخلل والله أعلم ) 0

قلت وبالله التوفيق : ما يقا في كافة تلك النقاط ما قيل في سواها سابقاً ، فالرقية الشرعية تعتمد على عوامل كثير كما بينت آنفاً ، ومن ذلك لو وقعت على المكان الصحيح ، كما بينت من حديث أُمامة بن سهل بن حُنيف ، حيث عرف العائن وأخذ من غسله واستحم به سهل ففك من عقال ، وهكذا لو وقعت الحجامة على المكان الصحيح الذي يعاني منه المسحور كأن تكون مادة السحر مجتمعة في الرأس فيصل المعالج إلى ذلك بخبرته وتعاطيه مع الحالات فيقف على مكان الداء وتتم الحجامة فيبرأ المريض بإن الله 0 هذا جانب أما الجوانب الأخرى فهي المعالِج والمعالَج وأمر الله وقدره 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( أن الناس قد عقدوا العزم والنية على أن ما أصابهم من مرض أو هم أو غم فهو من مس أو سحر أو عين ولا يلتفتون إلا ما هو أعمق مما يذهبون إليه ألا وهو المرض العضوي الذي مكانه عند الأطباء وإن خفي على بعضهم ففوق كل ذي علم عليم وما أوتيتم من العلم إلا قليلا والبشر معرضون للخطأ والأمثلة تكاد لا تحصى حول أخطاء الأطباء مما يحذوا بالناس الذهاب إلى الرقية فيجدون إلا من رحم الله قد انبروا وتصدروا تلك المهنة إما عن جهل مركب أو علم مسبق بحوادث مشابه لحالتهم فيوصف لهم العلاج على أنه مس أو سحرا مما يزيد من حالة المريض عضويا مرضا نفسيا ( إيحائيا ) فيتصرف المريض وفق ما أملى عليه الراقي 0 فمثل هذا الذي يلبث في مرضه لسنوات وإن شفي من الحالة المرضية يبقى في نفسه الخوف والذهول من المجهول من جن أو سحر كما أخبره الراقي من قبل والله المستعان ) 0

أقول وبالله التوفيق : المشكلة التي تتحدث عنها لا تتعلق بعلم الرقى ، فهذا العلم بخير ومأمن وعافية ، إنما هي أخطاء من قبل العامة والخاصة وجهلة المعالجين ، ومعلوم لديك أخي الحبيب أن الإنسان مطالب باتخاذ الأسباب الشرعية والمتمثلة في الرقية والعلاج والاستشفاء بها ، وكذلك فإنه مطالب باتخاذ الأسباب الحسية والمتمثلة بمراجعة المصحات والمستشفيات ، وهكذا والله تعالى أعلم 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( أولا : إن أكثر الناس يشفون من حالات المس أو السحر ( ما لم يكن مشروبا أو مأكولا ) ، أو العين بسرعة إلا باستثناءات قليلة ولحكمة يعلمها الله وهم قليل 0

قلت وبالله التوفيق : هذا الكلام لا يؤخذ على إطلاقه ، فقد يقول قائل : ما قد يثبت في مسألة السحر المأكول والمشروب ، قد يثبت فيما سواه ، وكذلك العين ، وتأكد أخي أنني أطرح لكَ الأمور من خلال تجاربي العملية التي دامت لأكثر من عشرين عاماً ، وكذلك بحثيَّ العلمي في تلك الأمراض وأثرها وتأثيراتها ، والله تعالى أعلم 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( قسم من الناس قد التبس عليهم المرض العضوي من الروحي فالتجئوا إلى الروحي وتناسوا العضوي وقد قال صلى الله عليه وسلم " عباد الله تداووا ما انزل الله من داء إلا وأنزل له دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله " ) 0

قلت وبالله التوفيق : بارك الله فيك على هذا الطرح ، وأقول ما قلته سابقاً فالمريض مطالب باتخاذ الأسباب الشرعية والمتمثلة في الرقية والعلاج والاستشفاء بها ، وكذلك فإنه مطالب باتخاذ الأسباب الحسية والمتمثلة بمراجعة المصحات والمستشفيات ، وهكذا والله تعالى أعلم 0

أما قولك – وفقك الله للخير فيما ذهبت إليه - : ( المرض النفسي وهذا واقع به قسم كبير من الناس إلا من رحم الله وأسبابه الخوف من المجهول وقد كفانا الله ذاك المجهول بالاستعاذة فقط ، ولو كنا متيقنين بالتعوذ فقط لكفتنا فما بالكم بتلكم الأدعية والتحصينات الكثيرة والتي لا مرد لها من الله إلا إياه !!! ، وقد سئل الإمام ابن القيم رحمه الله ( يا إمام إننا نستعذ بالله من الشيطان الرجيم فلا نجد الاستعاذة بأنفسنا ؟؟ فكان رده رحمه الله ( لأنكم تقولونها بألسنتكم ولم توقنها قلوبكم ) أو بهذا المعنى 0 فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا 0 ومن التجأ إلى الله بإخلاص ومحبة وتضرع وخفية فإن الله لا يضيعه ) 0

قلت وبالله التوفيق : مما لا شك فيه أن الأمراض النفسية هيَّ حق وصدق ، ولها رجالاتها من أهل الاختصاص في الصب النفسي 0
وتلك الأمراض تعالج بالرقية الشرعية ، وكذلك بمراجعة المصحات والمستشفيات النفسية 0

سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن العلاج بالرقى للأمراض النفسية فأجاب - رحمه الله - : ( لا شك أن الإنسان يصاب بالأمراض النفسية بالهم للمستقبل والحزن على الماضي ، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر مما تفعله الأمراض الحسية البدنية ، ودواء
هذه الأمراض بالأمور الشرعية - أي الرقية - أنجح من علاجها بالأدوية الحسية كما هو معروف ) ( فتاوى العلاج بالقرآن والسنة – جزء من فتوى – ص 22 ) 0

أما أن نقول بأن كثير من الناس قد وقعوا في الوهم وفي تلك الأمراض ، فهذا لا يؤخذ على إطلاقه ، ولا يجوز نشر ذلك بين الناس ، حيث أن نشر مثل هذا الكلام قد يعزف بالكثير عن طلب الرقية الشرعية ، ويلجأون إلى العلاج لدى المصحات النفسية ، ومعلوم أن كثير من هؤلاء لا يؤمنون بالأمراض الروحية ، وهنا قد تحصل مفسدة شرعية عظيمة ، إنما نحيل من يشكو من اضطرابات نفسية إلى المعالجين أصحاب العلم الشرعي الحاذقين المتمرسين الذين يستطيعون بعون الله وتوفيقه من الوقوف على الداء ووصف الدواء النافع بإذن الله عز وجل ، هذا فيما لو كانت المعاناة بسبب مرض روحي ، وإلا فتحال الحالة إلى الطبيب النفسي المسلم الحاذق في مهنته ، والله تعالى أعلم 0

هذا ما تيسر لي أخي الحبيب ( متعجب ) ، وأقول ما أصبت فمن الله وحده ، وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله بريئان 0

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم 0

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0


وكذلك أنصحك باتباع البرنامج التالي مع الحالة المرضية وأنا على يقين بأن الفرج قريب بإذن الله عز وجل :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

بخصوص سؤالك أختي المكرمة ( طويوف ) فقد قرأت رسالتك بتمعن والذي يغلب على ظني أن المعاناة بسبب مرض روحي وعلم ذلك عند الله سبحانه وتعالى ، وهذا لا يستبعد الاحتمال الذي ذكره أخي الحبيب ( عمر السلفيون ) من أعراض عضوية أو نفسية مع أني أميل إلى الرأي الآخر لاعتبارات كثيرة أهمها هو إجراء الفحوصات الطبيبة اللازمة والتأكد من سلامة الناحية العضوية ، والثانية مجمل الأعراض والتي تشير إلى مثل ذلك ، والثالث هو التأثر بالرقية الشرعية ، والرابع الشعور بأعراض ضيقة الصدر أثناء قراءة القرآن والذكر ، والضابط في ذلك كله هو الدراسة الشرعية العلمية المتأنية التي تقوم على جمع كل ما يتعلق بالحالة المرضية ودراستها دراسة تاريخية منذ بدء الأعراض مروراً بالرقية الشرعية ثم استخدام العلاج ، وهذا في حقيقة الأمر منهجي الذي أسير عليه في الحكم على الحالات المرضية ، وعلى كل حال فأشير إليكِ بما أشار به الأخ الحبيب ( عمر ) من الرقية اليومية ، وكذلك اتباع برنامج يومي للرقية والعلاج والاستشفاء ، وهو على النحو التالي :

1)- تخصيص وقت مناسب للرقية اليومية والعودة في ذلك إلى الموقع الذي أشار إليه الأخ الكريم ( عمر ) ، مع ملاحظة كافة الاستدراكات الموجودة قبل البدء بالرقية 0

2)- بعد الرقية ينفث في ماء وزيت وعسل وحبة سوداء مطحونة وملح خشن ومسك أبيض سائل وزعفران ، ويمكن فعل ذلك بعد كل قراءة 0

3)- استخدام مغاطس ماء فاتر ( بانيو ) يضاف إليه حفنة من الملح الخشن وقليل من الزعفران وقليل من المسك الأبيض السائل ، وفنجان صغير من ماء السدر ، ويستمر المغطس من ثلث إلى نصف ساعة 0

4)- قبل النوم يدهن كافة أنحاء الجسم بزيت الزيتون ثم وضع قليل من الملح الخشن المطحون ( يطحن قبل الاستخدام ) على جميع أنحاء الجسم مع ملاحظة أي تغيرات جلدية ناتجة عن حساسية بسبب وضع الملح ، وإن حصل مثل ذلك فيتوقف عن وضع الملح 0

5)- في الصباح الباكر ( على الريق ) كوب حليب بقر فاتر ( موجود في المحلات التجارية ) يضاف له ملعقة كبيرة من العسل النحل الطبيعي ويضاف أيضاً ملعقة صغيرة من الحبة السوداء المطحونة 0

6)- كل ذلك لا يمنع مطلقاً من استشارة الطبيب ومتابعة العلاج والاستشفاء لدى المستشفيات والمصحات العامة والخاصة 0

7)- ولن أنسى مع ذلك بوصيتك أحتي الفاضلة بالمحافظة على قراءة القرآن والذكر والدعاء ، والإقبال على الطاعات والبعد عن المعاصي 0

أما من ذكر لكِ بأنك تعانين من ( مس خارجي ) بناء على كافة الأعراض والمعطيات فقد جانب الصواب ، حيث أن المس الخراجي أو الاقتران الخارجي يؤذي الجسد من الخارج فقد وهذا خلاف ما أنتِ عليه من خلال الأعراض المذكورة ...
[
وأخيراً ويمكنك أختي الكريمة التواصل مع كافة المشرفين والمشرفات في المنتدى لمتابعة الحالة عسى الله سبحانه وتعالى أن يمن عليكِ بالعفو والعافية في الدنيا والآخرة ، وتقبلي تحيات :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0


وتقبل تحيات :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0