المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ظاهرة التطبيع مع المعصية


شذى الاسلام
03-03-2010, 09:54 AM
ظاهرة التطبيع مع المعصية


التطبيع لفظة مستحدثة مأخوذة من ( الطبع ) ..
جاء في مختار الصحاح (الطبع هو السجية جبل عليها الإنسان)،
وفي المعجم الوسيط (تطبع بكذا أي تخلّق به، وطبّعه على كذا أي عوّده إياه)

ويعرف أيضاً بأنه العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها.والإنسان خلقه الله سبحانه
وجعل وجوده في هذه الحياة من بلوغه سن التكليف إلى موته ابتلاءً واختبارا ..
وهداه النجدين ..
وأرسل رسله وجعلهم المرشدين على الطريق إليه والدالين عليه ..
وجعل الإنسان وعاءً للتكليف وأمده بكل مايحقق ذلك.وجعل وجوده مقترنا بالأمر والنهي ..وعلى قدر الاستجابة لذلك والطاعة له
..يحدد الإنسان مصيره إلى ربه ..فإما إلى جنته إن ( أطاع ) وإلا إلى ناره (إن عصى ) ..
قال تعالى:
( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ،والذي آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) سورة البقرة.
والمسلم في طريقه إلى ربه ليس معصوماً عن الزلل ..
والوقوع في الإثم والخطأ بل أوجد الله فيه من الغريزة والهوى والشهوة مايختبره ويبتليه به ويمحصه حتى يأتيه أجله ..
قال تعالى ( كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) سورة الأنبياء.
والمعصية ..التي هي فعل ما نهى الله عن فعله أو ترك ما أمر الله بفعله
..وإن كانت اختباراً منه سبحانه وكل ابن آدم خطاء كما جاء الحديث النبوي ..
إلا أن خير الخطائين التوابون ..أولئك الذين يتحاشون أو يقلعون عن المعصية ابتغاء مرضات الله .
وكما نهانا الله ورسوله عن الوقوع في المعصية ..أمرانا كذلك بالبعد عن الوسائل التي تفضي إليها والطرق التي تؤدي إليها ..وكانت أي وسيلة تقود إلى ( حرام ) هي حرام أيضاً
قال تعالى: ( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذي لايعلمون ) سورة يونس.
وقال صلى لله عليه وسلم :
( إن الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وأن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) رواه البخاري و مسلم

وبعودة إلى التعريف أعلاه ..وبالواقع الذي نعايشه الآن ..وبمحاولة لنرى الصورة التي تشكلت
فيها بعض المعاصي في الوقت الراهن يدرك تماماً أنها صورة جديد لتطبيع تلك المعاصي وتقريبها في قالب ( مألوف ) مشاهد ..حتى أصبح في النهاية شيئاً ( طبيعياً ) معتاداً ...وهذا ما عنيته.

وبجولة سريعة على بعض تلك المعاصي التي تشكلت في أذهان كثير منا للأسف على أنها شيء طبيعي ..
يدرك مدى خطورة هذا الأمر ووجوب التحذير منه.ولوسائل الإعلام الدور الأبرز في هذا التشكيل وهذا التطبيع ..ولو أخذنا بعض الأمثلة والشواهد لتبين جلياً ما أرمي إليه ..قيام علاقة ( طبيعية ) بين امرأة ورجل أجنبي ..هذا من المعلوم بالضرورة من الدين على حرمته ، لكن المشاهد الآن لمئات بل آلاف من الأفلام والمسلسات ( العربية المسلمة ) يجد أن ( الرجل والمرأة ) هما (العمود الفقري) في صناعة السينما والأفلام المعاصرة ..

وقضايا الحب والزواج والعلاقات تشكل ( المفصل ) الأهم في تلك البنية وتلك الصناعة ..حتى ربما أنك إذا أنكرت وجود مثل هذه المشاهد ...
قوبلت بإنكار جماعي من الجمهور والمشاهد ..وربما طال عقلك من الإتهام ما يطاله ، وسمعت من مفردات ( التخلف والتشدد والتزمت ) ماسوف تسمع ..
وعند تبسيط المسألة لمايدور خلف الكواليس بل وفي ظاهر الأمر..

فلن يكون إلا رجل أجنبي وامرأة أجنبية (ومن المسلمين طبعاً ) قاما بدور الزوجين أو العشيقين في جو من الحميمة والمحبة ..
والخلوة المحرمة والإختلاط بكل ماتحمله هذه الكلمة سواء جسدي أو نفسي أو ما هو أعمق من هذا كله ..وفي النهاية ضاع مصطلح ( حرام ) وتوارى معنى ( معصية ) أيضاً خلف تلك الكواليس ..

الخمر ..هو أيضاً من المعلوم بالضرورة في ديننا حرمته ..لكن هذا الخمر أصبح وجوده في الأفلام المعاصرة من (قوام ) و(روح ) تلك المشاهد والأفلام ..

وأصبح اعلامنا يحرص كل الحرص على تقديمه للمشاهد و (تطبيع ) صورته في ذهنه ..بالطبع بعد أن ينحى الاسم الحقيقي ( خمر ) بإضفاء أسماء أخرى تكون أكثر تداولاً واستهلاكاً ..وقرباً ..
بل الأمر وصل للأسف إلى أبعد من هذا فأصبحت تشاهد (صورة) ونمط عبوات الخمر موجودة في كل مكان .
.فغالب مشروبات الطاقة ـ كمايسمونها ـ أخذت نفس الصورة والشكل الخارجي لتلك العبوات ..وإذا دخلت إلى أحد المقاهي أو ( الكافيهات ) ..فستجد الصورة نفسها ..فزجاجات النكهات أخذت نفس الصورة والشكل الخارجي لعبوات الخمور ...
فقربت بذلك الصورة ..وأصبحت مألوفة جداً ..
.وطبيعية أيضاً ..والمعازف والآلات الموسيقية هي أيضاً أخذت بحظها من عملية ( التطبيع ) هذه الحظ الوافر ..فقبل سنوات كان النشيد الإسلامي نشيداً خالياً من أي عزف أو اصطحاب لأي آلة موسيقية أصوات بشرية طبيعية .
.ثم سرت حمى التطبيع لتدخل المعازف رويداً وريداً ..
إلى أن أصبحنا نشاهد ونسمع فرق غنائية ( وإسلامية طبعاً ) ابتداءً من أغانٍ شعبية إلى الهيب الهوب أوالراب أو الروك أوالبوب ...ولا بأس أن تضع في ذيل هذا العمل كله كلمة ( إسلامي ) !!!

مظاهر تطبيع المعصية كثيرة ومتعددة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي ..
وهناك مظاهر لا يتسع الوقت لذكرها سواء في مظهر المسلم الشخصي أو في تعاملاته مع غيره ..وكلها جرت عليها رياح التطبيع ..وصارت من الأمور المعتادة والمستهجنة ...وماذكرت إلا إشارة ...
لكن في نهاية المطاف ، أرى أن المسؤولية تقع على أهل العلم والدعاة الذين امتطوا صهوة ( الإعلام ) بتوضيح صورة الإسلام جلية كما جاءت لا كما أظهرها الإعلام في غبش الظلام ..


م/ن