شذى الاسلام
24-02-2010, 12:04 PM
أين تذهبون عبادى عن بابى ؟ يا معرضا عن ربه إلى من أعرضت
يا رب .. من ذا الذى عاملك بصدقه ثم لم يربح ؟! من ذا الذى جاءك بكربه فلم يفرج؟! أى صدر صَدر ببابك فلم يُشرح؟ أى عبد لاذ بجانبك فاشتهى أن يبرح؟
إلهي
ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله
وما أوضح الحق عند من هديته سبيله
يامن ألوذ به فيما ....أؤملـــــه
ويا من أعوذ به مما ....أحاذره.
لايجبر النــاس عظماً أنت كاسره
ولايهيضون عظماً أنت جابره.
يا معرضا عن ربه إلى من أعرضت؟ يا مشغولا بغيره بمن تعوضت ؟
شهد الفضيل بن عياض الموقف الأشرف فى عرفات فرفع رأسه إلى السماء وقد قبض على لحيته وهو يبكى بكاء الثكلى ويقول :
" واسوتاه منك وإن عفوت"
يا خجلة العبد من إحسان سيده
يا خسارة القلب من ألطاف معناه
فكم أسأت وبالإحسان قابلنى
وا خجلتى وا حيائى حين ألقاه
يا نفس كم بخفى اللطف عاملنى
وكم رآنى على ما ليس يرضاه
يا نفس كم زلة زلت بها قدمى
وما أقال عثارى إلا هو
يا نفس توبى إلى مولاك واجتهدى
وصابرى فيه يقينا بلقياه
ما أصدق كلمات التائبين ..وما أحرّ دموعهم ..وما أعلى ِهمَمَهم
ذاقوا حلاوة الإيمان بعد مرارة الأسى والحرمان، وجدوا برد اليقين بعد مرارة الشك والعصيان
عاشوا حياة الأمن والاستتباب بعد مسيرة القلق والاضطراب
أما واللهِ لو علمَ الأنامُ ***لم خُلقو لما هجعوا و ناموا
لقدخُلقوا لأمرٍ لو رأته ***عيونُ قلوبهم تاهوا و هاموا
مماتٌ ثم قبرٌ ثم حشرٌ*** وتوبيخٌ و أهوالٌ عظامُ
ليومِ الحشرِقد عملت رجال*** صاموا من مخافِته وقاموا
و نحن إذا أُمِرنا أو ُنهينا*** كأهلِ الكهفِ أيقاظٌ نيامُ
لما احتضر الأسود بن يزيد بكى فقيل له :ما هذا الجذع ؟ قال: مالى لا أجزع ؟ ومن أحق منى بذلك ؟!
والله لو أوتيت المغفرة من الله عز وجل لأهمنى الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحيا منه.
يا حسره العاصين عند معادهم *** هذا وإن قدموا على الجنات
و لم يكن إلا الحياء من الذى *** ستر القبيح فيا لها من حسرات
فى مسند الإمام أحمد بسند ضعيف مرفوعا :" ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ابن آدم والملائكه تستأذن أن تعاجله والرب يقول :دعوا عبدى فأنا أعلم به إذ أنشأته من الأرض، إن كان عبدكم فشأنكم به ،وإن كان عبدى فمنّى وإلى
عبدى! وعزتى وجلالى إن أتانى ليلا قبلته وإن أتانى نهارا قبلته وإن تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا وإن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا وإن أتانى يمشى هرولت إليه وإن استغفرنى غفرت له، وإن استقالنى أقلته وإن تاب إلى تُبت عليه.
من أعظم منى جودا وكرما وأنا الجواد الكريم ؟ عبيدى يبيتون يبارزونى بالعظائم وأنا أكلؤهم فى مضاجعهم وأحرسم فى فرشهم.
من أقبل إلىّ تلقيته من بعيد ،ومن ترك لأجلى شيئا أعطيته فوق المزيد ،ومن تصرف بحولى وقوتى ألنت له الحديد، أهل ذكرى أهل مجالستى وأهل شكرى أهل أهل زيادتى ، وأهل طاعتى أهل كرامتى ، وأهل معصيتى لا أقنطهم من رحمتى، وإن تابوا إلىّ فأنا أجيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمعاصى لأطّهرهم من العيوب "
واعجبا منك أراد إبليس خروجك من الجنة فطرده بسببك فتبعت المطرود وتركت الملك ..ومع هذا يناديك أقبل علىّ، لئلا تطول الغيبة فتعظم الوحشة!
لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصى
يا جوهرة بمضيعة.. خلق الله البحار واستقرض منك دمعة
له ملك السموات والأرض.. واستقرض منك حبة
يا ابن آدم ..أنين المذنبين أحبُّ إليه من تسبيح المدلّين(المعجبين)
قيل بلسان الحال فى قصه آدم: يا آدم لا تجزع من كأس زَلَل كان فيه سبب كيسك
فقد استخرج به منك داء العجب وأُلبست رداء النسك وحلة العبودية.
لعل عتبك محمود عواقبه *** وربما صحت الأجسام بالعلل.
يا آدم لا تحزن لقولى لك اهبط منها فلك خلقتها
ولكن اخرج الى دار المجاهدة وابذر بذر التقوى
واسق من دمعك ساقية لشجرة ندمك وأمطر عليها سحائب الجفون
فإذا اشتد الحب واستغلظ واستوى على سوقه فتعال
يا آدم ! كنت تدخل على دخول الملوك على الملوك
واليوم تدخل علىّ دخول العبيد على الملوك
يا من أعرضت عن كلامه بالموسيقى والاغانى
قال على بن الحسين :كان لنا جار من المتعبدين قد برز فى الاجتهاد فصلى حتى تورمت قدماه وبكى حتى مرضت عيناه فاجتمع أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج فاشترى جاريه وكانت تغنى وهو لا يعلم فبينما هو ذات يوم فى محرابه يتعبد رفعت الجاريه صوتها بالغناء فطار لبه فرام ما كان عليه من العباده فلم يطق
فأقبلت الجاريه عليه قائلة: يا مولاى لقد أبليت شبابك ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك فلو تمتعت بى !
فمال إلى قولها واشتغل باللذات على ما كان فيه من العبادة
فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه فى التعبد فكتب اليه مذكرا
"بسم الله الرحمن الرحيم من الناصح الشقيق والطبيب الرفيق إلى من سُلب حلاوه الذكر والتلذذ بالقران والخشوع والأحزان بلغنى أنك اشتريت جارية بعت بها حظك من الآخرة، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل والقرآن بالقيان، فإنى محذرك هادم اللذات ومنغص الشهوات فكأنه جاء على غِرة فأبكم منك اللسان وهدم منك الأركان وقرب منك الأكفان واحتوشك الأهل والجيران ،وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول مالك جبار فاحذر يا أخى ما يحل بك من ملك غضبان "
ثم طوى الكتاب وأنفذه إليه فوفاه الكتاب وهو فى مجلس سرور فغص بريقه وأذهله ذلك فنهض مبادرا من مجلسه وكسر آنيته وهجر جاريته وآلى ألا يتوسد المنام حتى الممات قال الذى وعظه
فلما مات رأيته فى المنام بعد ثلاث فقلت ما فعل الله بك ؟ قدمنا على رب كريم أباحنا الجنة وقال :
الله عوضنى ذو العرش جارية *** حوراء تسقينى طورا وتهنينى
تقول لى :اشرب بما كنت تأملنى *** وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيا وأزعجه *** عن الخطايا وعيد فى الطواسين
يقول خباب بن الأرت :تقرب الى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشئ أحب اليه من كلامه.
كان أحد السلف يكثر تلاوه القران ثم انشغل عنه بغيره فرأى فى المنام قائلا يقول :
إن كنت تزعم حبى *** فلما تركت كتابى؟
أما تأملت فيه *** من لطيف عتابى.
لو عرفت قدر المتكلم لما غفلت عن كلامه
مكتوب فى التوراة :عبدى أما تستحى منى؟ يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت فى طريق تمشى فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شى وهذا كتابى أنزلته إليك وأنت معرض عنه ! أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك ؟
عبدى :يقعد اليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغى إلى حديثه بكل قلبك وها أنا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عنى !!!!
فيا معرضا عن تلاوه القراّن مشغولا باللهو والهزيان
سترى من يندم يوم الحسرات
(وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القراّن مهجورا)
أيا عبدُ كم يـراك اللهُ عاصيــا *** حريصًا على الدنيا ، وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله، واللحد، والثـرى *** ويوماً عبوسًا تشيب منه النواصيا
لو أن المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تجرد عريانـًا ولو كـان كاسيـا.
ولو أن الدنيــا تدوم لأهلهــا*** لكـان رسول الله حيـًا وباقيـا.
ولكنهــا تفنى ويفنى نعيمهــا***وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي.
هذه رحمته بالمعرضين فكيف رفقه بالطائعين؟!!!
قال يوسف بن الحسين : كنت مع ذى النون على شاطئ غدير فنظرت إلى عقرب أعظم أن تكون على شط الغدير واقفه فإذا ضفدع قد خرجت من الغدير ، فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت ، فقال ذو النون : إن لهذا العقرب لشأن ، فامض بنا ، فجعلنا نقفوا أثرها ، فإذا رجل نائم سكران ، وإذا حية قد جاءت فصعدت من ناحية سرته إلى صدره وهى تطلب أذنه ، فاستحكمت العقرب من الحية حتى قتلتها ، ورجعت العقرب إلى الغدير ، فجاءت الضفدع ، فركبتها فعبرت ، فحرك ذو النون الرجل النائم ، ففتح عينيه ، فقال : يافتى ! انظر مما نجاك الله ، هذا العقرب جاءت فقتلت الحية التى أرادتك ، ثم أنشأ يقول :
يا غافلا و الجليل يحرسه *** من كل سوء يدب فى الظلم .
كيف تنام العيون عن ملك *** تأتيه منه فوائد النعم .
فنهض الشاب وقال :
إلهى هذا فعلك بمن عصاك ، فكيف رفقك بمن أطاعك ؟
ثم ولى فقلت إلى أين ؟ قال : و الله لاعدت إلى الله المعصية أبدا !
جئت لأسرقه فسرقنى !
ذكر فى الأخبار : أن لصا تسور على مالك بن دينار داره ، فلم يجد فى الدار شيئا يسرقه ، فرآه وهو قائم يصلى ، فأوجز مالك فى صلاته ، ثم التفت إلى اللص ، وسلم عليه و قال : يا أخى تاب الله عليك ، دخلت منزلى ، فلم تجد ما تأخذه ، ولا أدعك تخرج إلا بفائدة ، فقام و أتاه بإناء فيه ماء ، و قال له توضأ ، وصلى ركعتين ، فإنك تخرج بخير مما جئت فى طلبه ، فقال له اللص : نعم و كرامة ، وقام و توضأ ،و صلى ركعتين وقال : يا مالك أثقل عليك أن أزيد ركعتين أخرتين ؟ قال :زد ما قدر لك ، فلم يزل اللص يصلى إلى الصبح ، فقال له مالك انصرف راشدا ، فقال : يا سيدى أيثقل عليك أن أقيم عندك هذا اليوم فإنى قد نويت صيامه ؟ فقال مالك : أقم ما شئت ، فأقام عنده أياما صائما ، قائما ، فلما أراد الانصراف قال : يا مالك قد نويت التوبة ، فقاب وحسنت توبته ، و خرج ، فلقيه بعض اللصوص وقد رأوا على وجهه الاستنارة و الراحة فقالوا : نظنك قد وقعت على كنز ؟، فقال : ما وقعت بكنز إنما وقعت بمالك بن دينار جئت لأسرقه فسرقنى ، وقد تبت إلى الله عز وجل ، و ها أنا ملازم الباب ، فلا أبرح حتى أنال ما ناله الأحباب !
من أعجب الأشياء
أن تعرف الله ثم لا تحبه ، و أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة ، و أن تعرف قدر الربح فى معاملته ثم تعامل غيره ، و أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له ، و أن تذوق ألم الوحشة فى معصيته ثم لا تطلب الأنس فى طاعته ، و أن تذوق عصرة القلب عن الخوض فى غير حديثه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره و مناجاته ، و أعجب من هذا كله ، علمك أنك لا بد منه ، و أنك أحوج شىء إليه و أنت عنه معرض ، و فيما يبعدك عنه راغب .
اسمع يا من كثر سماعه للمواعظ ولم يزل قلبه قاسيا ، لا تضجر ، فللدوام أثر ، جالس الباكين يتعد إليك حزنهم
أما ترى الحبل يؤثر الحجر مع طول الزمان ؟!
من لا يعكف قلبه على الله وحده عكف على التماثيل المتنوعة (ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون)
أردناكم صرفا فلما مزجتم *** بعدتم بمقدار التفاتكم عنا
وقلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا *** فأسكنتم الأغيار وما أنتم منا
أين تذهبون عبادى عن بابى ؟
روى مرفوعا : ما من ليلة يجن ظلامها ، إلا نادى الجليل : من أعظم منى جودا وكرما ؛ عبادى يعصوننى وأنا أحفظهم فى مضاجعهم كأنهم لم يذنبوا ، أجود على العاصى وأتفضل على المسئ وأنا ذو الفضل ومنى الفضل وأنا الجواد ومنى الجود وأنا الكريم ومنى الكرم فأين تذهبون عبادى عن بابى ؟ إن دعانى العاصى أجبته وإن سألنى أعطيته وإن هرب منى أدنيته وأنا عند ظن عبدى بى ولا أعاجل العبد بالعقوبة وإن عصى وإن عصى .
فأقبل على مولاك يقبل الله عليك فإن الله إذا أقبل على عبد استنارت جهاته وأشرقت ساحاته وتنورت ظلماته وظهرت عليه آثار إقباله وتوجه إليه الملأ الأعلى بالمحبة والمودة .
اجعل نبضات قلبك وقفا على مولاك ودع عنك الكسل والتوانى
فحى هلا إذا كنت ذا همة فقد *** حدا بك حادى الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادى حبهم ورضاهم *** إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا
وخذ قبسا من نورهم ثم سربه *** فنورهم يهديك ليس المشاعلا
فيا معشر العاصين المعرضين.. هلم لقرع الباب بالذل والدموع
أبوكم آدم لم يسامح بلقمه، تفكروا كيف باع دارا قد رُبى فيها ؟ وضاع الثمن، لا تبرحوا باب الذل فما انتفع آدم فى بلية( وعصى)بكمال ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ولا رد عنه (اسجدوا لآدم ) وإنما خلصه ذل ( ربنا ظلمنا أنفسنا )
قال أبو بكر المزنى: مَن مثلك يا ابن آدم خُلى بينك وبين المحراب والماء كلما شئت دخلت على الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان
عمّر حياتك بالهدى *** واسلك طريق التائبين
واعمر فؤادك بالتقى *** فالعمر محدود السنين
وارضِ الإله بطاعة *** تسعدك في دنيا ودين
واحمل بصدرك مصحفاً ***يشرح فؤادك كل حين
ودع الغواية إنها *** لشقاوة للغافلين
الدين مشكاة الحياة *** يضئ درب الحائرين
عد للكريم بتوبة *** واركب جناح العائدين
تلق السعادة كلها *** فلنعم درب الصالحين
أخى الحبيب : وقوع الذنب على القلب كوقوع الدهن على الثوب وإن لم تعجل غسله انبسط (وإن منكم لمن ليبطئن ) ما لم يقع سهم فى مقتل فالعلاج سهل.
ومن البلايا للبلاء علامة *** ألا يرى لك من هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها *** والحر يشبع تارة ويجوع
كانت صحبه أدم للحق أصيلة وتعبد إبليس تكلفا ،والعرق نزَّاع لأنه (كان من الجن ) وإنما يعالج الرمد لا الأعمى
سقيتكم بالذى منعتكم به
روى أنه لحق ببنى اسرائيل قحط على عهد موسى عليه السلام فاجتمع عليه الناس فقالوا يا كليم الله ادع الله لنا أن يسقينا الغيث
فقام معهم وخرجوا الى الصحراء وهم سبعون ألفا أو يزيدون فقال موسى عليه السلام : إلهى اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع !
فما ازدادت السماء إلا تقشعا والشمس إلا حرارة فأوحى الله إليه: إن فيكم عبدا يبارزنى بالمعاصى منذ أربعين سنة فناد فى الناس حتى يخرج من بين أظهركم ، فبه منعتكم
فقال موسى: إلهى أنا عبد ضعيف وصوتى ضعيف فأين يبلغ وهم سبعون ألف أو يزيدون؟ فأوحى اليه منك النداء ومنى البلاغ، فقام مناديا وقال: أيها العبد العاصى الذى يبارز الله منذ أربعين سنة، اخرج من بين أظهرنا فبك مُنعنا المطر.
فقام العبد العاصى لم ير أحدا يخرج فعلم أنه المطلوب فقال فى نفسه : إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بنى إسرائيل وإن قعدت معهم منعوا لأجلى، فأدخل رأسه فى ثيابه نادما على ما فعله وقال: إلهى وسيدى عصيتك أربعين سنة وأمهلتنى وقد أتيتك طائعا فاقبلنى !
فلم يستتم كلامه حتى ارتفعت سحابه بيضاء فأمطرت كأفواه القرب فقال موسى : إلهى بماذا سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا ؟ فقال يا موسى سقيتكم بالذى به منعتكم فقال موسى إلهى أرنى هذا العبد التائب فقال يا موسى إنى لم أفضحه وهو يعصينى أأفضحه وهو يطيعنى ؟
ما دامت نفسك على التوبيخ منكسرة ،وعينك وقت العتاب تدمع ففى قلبك بعض حياة
فإنما المعاصى أوجبت هجرك ،فابك على هجرك وإعراضك، واكتب رسائل الدمع إلى ربك وانتظر الجواب بالمغفرة والرحمة وسترى من إقباله عليك العجب
إذا مـا قال لي ربِّـي: *** أما استحييت تعصيـني
وتُخفـي الذنب من غيري *** وبالعصيان تأتيـني؟
فمـا قـولى له لما *** يعـاتبـنى ويقصيــنى؟
دقائق تفصلنى عن الإصابة بالإيدز(من أروع قصص الهداية )
من بريد الجمعة فى جريدة الأهرام بتاريخ 30 مايو 2008 (بتصرف)
لم أكن متدينا، علي الرغم من بيئتي الدينية.. لا أحرص علي أداء الصلوات غير الجمعة، لم أجد غضاضة يوما في الجلوس في البارات أو الملاهي الليلية. وكنت أتعامل مع شرب الخمور علي أنها وجاهة اجتماعية.
كان لدي نهم شديد للخطيئة، أبحث عنها إن لم تأت إلي، بدون تأنيب للضمير.. لم يكن يؤلمني إلا وجه أمي الذي يصادفني عند عودتي إلي البيت وقت صلاة الفجر، فتقبلني وهي تدعو لي ربنا يهديك يا بني وينور طريقك ويحبب فيك خلقه ويبعد عنك أولاد الحرام ثم تختم دعاءها بسؤالها التقليدي: هل تصلي الفجر يا بني؟.. صل واشكر ربنا علي نعمه عليك، فأرد عليها: سأصلى الآن، ثم أهرب منها وأنا نصف واع، ونصف متألم. وأستسلم للنوم، لأصحو وأواصل زحفي.
أدمنت الزنا، لم أفرق يوما بين زوجة صديق، ابنة جار، قريبة، أو حتي صاحبة مصلحة أو حاجة.
استمرت حياتي هكذا، حتي اهتزت حياتي بوفاة والدي، توقفت مع نفسي بعد أن واريت جثمانه ، ورأيت المقر الذي سأذهب إليها، فعدت إلي الله وتبت علي ما فعلت, واصطحبتنى والدتي إلي حج بيت الله الحرام. كانت سعيدة بهدايتيا، ففاتحتني في أمر الزواجا، فرحبت علي الفورا، ووجدتها فرصةا، للخلاص نهائيا من الوقوع في الخطيئة.
وأكرمنى الله بالزواج من امرأة صالحة و رزقني الله من حيث لا أحتسب, كنت راضيا, سعيدا بحياتي, خاصة بعد أن رزقني الله بطفلة مثل البدر.
خمس سنوات مرت علي زواجي واستقراريا، حتي حدث الانقلاب الكبير. ذات يوم زارتني في مكتبي سيدةا، شديدة الجمالا، كي أتولي بعض قضاياها. فوجدتني أتحول إلي ذاك القناص القديما، فألقيت عليها بكل شباكي.. فتوطدت علاقتنا، بدأت أسهر معها، وأتأخر عن مواعيد عودتي إلي البيتا، متحججا بكثرة العمل.
سقطت في الوحل مرة أخري، أصابني غم ونكد وندم ، دام أياماا، ثم تلاشت كل هذه الأحاسيس بعد أيام.. وفوجئت بأن غطاء الخطيئة انفتح مرة أخري.. فتكررت لقاءاتنا، وبعد فترة مللتها فابتعدت عنها، وإن لم أبتعد عن هذا الطريق.
عدت إلي سيرتي الأولي, كل يوم سهر وخمور ونساء.. وكل يوم، المسافة تبتعد بيني وبين زوجتي التي أنجبت لي طفلة ثانية، فانشغلت بتربية الطفلتين، وإن لم تنشغل عني، بل كانت تعبر عن اندهاشها من تغيري، من انقطاعي عن الصلاة، وسهري للصباح، فكنت أقول لها كلاما غير مقنع عن توتري الشديد بسبب مشكلات في العمل، وأنها فترة قصيرة وسأعود إلي ماكنت عليه. فكانت تقبل كلامي مجبرة، حريصة علي عدم الصدام معي.
حتى شربت الخمر فى البيت فاعترضت بعنف، وقالت لي إنها لن تقبل أن تعيش وابنتاها في بيت لا تدخله الملائكة، وهددتني بترك البيت، فوعدتها والتزمت بعدم شرب الخمور في البيت، كل ما أخشاه أن تعرف أمي ، فتغضب مني وتتوقف عن دعائها لي.. كنت أستشعر أن ستر ربي لي وعدم عقابه لي ، بسبب دعواتها.
كنت أكثر من فعل الخير، أتصدق علي الفقراء، وأرعي الأيتام، وأتبرع للأعمال الخيرية، مؤمنا بأن الحسنات يذهبن السيئات، مرددا ـ مثل كل العاصين ـ هذه نقرة وتلك نقرة أخري، مكتفيا عقب كل معصية، بترديد التوبة، وكأني أخدع الله سبحانه وتعالي فيما كنت أخدع نفسي، مستسلما لوسواس الشيطان.
كنت مع بعض الأصدقاءيوما، وكان معهم فتاة شديدة الجاذبية، متحدثة، لبقة، وبدأت في إرسال ذبذبات الإعجاب، فتلقفتها، وبادلتني إياها، فالطيور علي أشكالها تقع وقبلت أن تأتي لي في شقتي الخاصة التي استأجرتها في إحدي المدن الجديدة، بعيدا عن العيون، لهذا الهدف الحقير.
حددنا الموعد, وذهبت في هذا اليوم مبكرا إلي الشقة, أعددت كل شيء في انتظار الغنيمة.. كان الوقت يمر بطيئا مملا حتي جاءني تليفونها قبل الموعد بربع ساعة, تخبرني أنها في الطريق, فتهلل وجهي وجلست علي نار مترقبا صوت جرس الباب مرة, وأخري راصدا الطريق من شرفة الشقة. مر الوقت, نصف ساعة, ساعة, لم تأت.. أصابني القلق والتوتر, اتصلت بها فلم ترد.. فاتصلت مرة أخري, ففوجئت بصوت رجل يرد علي, فقلت له يبدو إني أخطأت في الرقم, فاستمهلني الحديث, وسألني هل تعرف السيدة صاحبة هذا التليفون, فأجبته بتردد نعم.. فقال لي: بكل أسف, السيدة أصيبت في حادث إصابات بالغة, ونقلناها أنا وبعض المارة إلي المستشفي..
فأصبت بانهيار, ولم أصدق ما أسمعه, فسألته عن اسم المستشفـي, فأخبرني, وهرولت مرتبكا إلي هناك.
وصلت إلي غرفة العمليات، قال ليالطبيب: قبل أن أشرح لك حالة قريبتك، لابد أن أخبرك بشيء مهم، قريبتك في حالة سيئة، ولديها كسور متعددة، ونزفت كثيرا، لذا فإنها ستحتاج إلي نقل دم، وفي هذه الحالات لابد أن نجري تحليلات لدمها للتأكد من أنها ليست مصابة بأي فيروسات معدية
وكانت الكارثة أننا اكتشفنا أنها حاملة لفيروس الإيدز.
إيدز.. كيف؟ أنت تهرج؟ هكذا كنت أردد وأنا مذهول غير مصدق.. لم أنشغل بإصابتها، ولا بإذا كانت ستعيش أو تموت.. كل ما فكرت فيه أني كنت علي مسافة ربع ساعة فقط من إصابتي بالإيدز.
خرجت أكلم نفسي وأنا في صورة مفزعة, لم تفارق خيالي لحظة.. عدت إلي نفس الشقة, وكر الشيطان, والشاهد علي خطيئتي ونجاتي.
دقائق فقط فصلتني عن الإصابة بالإيدز لو كان الله نجاها ووصلت إلي الشقة.
هل كنت سأعرف أني سأحمل هذا الفيروس القاتل.. ياربي زوجتي ما ذنبها, كنت سأنقل إليها الإيدز.. نموت معا, بفضيحة.. المسكينة تموت بفضيحة, وأنا, بناتي وإخوتي.. سترك يارب, عفوك يارب.
سيدي.. لن أصف لك انهياري, وبكائي، وخجلي من ربي.. ما كل هذا الكرم, عصيتك فسترتني ورزقتني، فلم أبال، تحديت عفوك ورحمتك بمعصيتي.. وها أنا أوشكت علي السقوط في وحل أعمالي بلا خروج, ولكنه برحمته الواسعة، وبلطف قضائه، انتشلني وأنقذ أسرتي من الضياع والفضيحة.
سجدت علي الأرض باكيا مستغفرا، تطهرت وقضيت يومي مصليا، تائبا، قارئا للقرآن.. لملمت نفسي، وعدت إلي بيتي… أغلقت غرفتي علي وعلي زوجتي، قبلت يديها وقدميها وأنا أبكي، طلبت منها أن تسامحني وتعفو عني، وعدتها بأن أكون كما تحب وكما كنت، فاحتضنتني وهي تبكي وترتجف، بدون أن تسألني عما حدث لي.. كانت رائعة كعادتها دوما، بعدها استدعيت ابنتي، احتضنتهما في صدري، وكأني أبحث عن أمان وطمأنينة لا أعرف الطريق اليهما، فطلبت منهن أن يتوضأن لنصلي جماعة ، ثم سارعت بالذهاب إلي أمي، جلست تحت قدميها ، ورجوتها تدعو لي.. ففعلت وابتسامة الرضا وهالة النور تكسوان وجهها الآمن
لم أنم في تلك الليلة, عاهدت الله علي ألا أعصيه أبدا, وأن استرضي كل من أخطأت في حقه أو هتكت عرضه ما حييت, وبدأت رحلة جديدة في الحياة.
ستشرق شمس أمتك بعودتك لها من جديد
من مثلك ؟. يفرح بك الله و يحبك في الحديث ( إن
الله يفرح بتوبة أحدكم ) ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )
وإذا أحبك الله فما عليك ولو أبغضك من في الأرض جميعاً .
أيها المعرض عنا *** إن إعراضك منا .
لو أردنا جعلنا *** كل مافيك يردنا .
عباد أعرضوا عنا *** بلا جرم ولا معنى .
أساؤا ظنهم فينا ***فهلا أحسنوا الظنا .
فإن خانوا فما خنا*** وإن عادوا فقد عدنا .
وإن كانوا قد استغنوا*** فإنا عنهمو أغنا .
كل شىء مغفور *** سوى الإعراض عنا.
قد غفرنا لك ما فات *** بقى ما فات منا
إني لأستبطأ الأيام متى تزف إلي جميل الخبر ؟
متى أرى دموع التوبة من مقلتيك تنهمر؟
متى تقوى على كسر القيود وتنتصر ؟
إني بفارغ ذاك الصبر انتظر؟
م/ن
يا رب .. من ذا الذى عاملك بصدقه ثم لم يربح ؟! من ذا الذى جاءك بكربه فلم يفرج؟! أى صدر صَدر ببابك فلم يُشرح؟ أى عبد لاذ بجانبك فاشتهى أن يبرح؟
إلهي
ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله
وما أوضح الحق عند من هديته سبيله
يامن ألوذ به فيما ....أؤملـــــه
ويا من أعوذ به مما ....أحاذره.
لايجبر النــاس عظماً أنت كاسره
ولايهيضون عظماً أنت جابره.
يا معرضا عن ربه إلى من أعرضت؟ يا مشغولا بغيره بمن تعوضت ؟
شهد الفضيل بن عياض الموقف الأشرف فى عرفات فرفع رأسه إلى السماء وقد قبض على لحيته وهو يبكى بكاء الثكلى ويقول :
" واسوتاه منك وإن عفوت"
يا خجلة العبد من إحسان سيده
يا خسارة القلب من ألطاف معناه
فكم أسأت وبالإحسان قابلنى
وا خجلتى وا حيائى حين ألقاه
يا نفس كم بخفى اللطف عاملنى
وكم رآنى على ما ليس يرضاه
يا نفس كم زلة زلت بها قدمى
وما أقال عثارى إلا هو
يا نفس توبى إلى مولاك واجتهدى
وصابرى فيه يقينا بلقياه
ما أصدق كلمات التائبين ..وما أحرّ دموعهم ..وما أعلى ِهمَمَهم
ذاقوا حلاوة الإيمان بعد مرارة الأسى والحرمان، وجدوا برد اليقين بعد مرارة الشك والعصيان
عاشوا حياة الأمن والاستتباب بعد مسيرة القلق والاضطراب
أما واللهِ لو علمَ الأنامُ ***لم خُلقو لما هجعوا و ناموا
لقدخُلقوا لأمرٍ لو رأته ***عيونُ قلوبهم تاهوا و هاموا
مماتٌ ثم قبرٌ ثم حشرٌ*** وتوبيخٌ و أهوالٌ عظامُ
ليومِ الحشرِقد عملت رجال*** صاموا من مخافِته وقاموا
و نحن إذا أُمِرنا أو ُنهينا*** كأهلِ الكهفِ أيقاظٌ نيامُ
لما احتضر الأسود بن يزيد بكى فقيل له :ما هذا الجذع ؟ قال: مالى لا أجزع ؟ ومن أحق منى بذلك ؟!
والله لو أوتيت المغفرة من الله عز وجل لأهمنى الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحيا منه.
يا حسره العاصين عند معادهم *** هذا وإن قدموا على الجنات
و لم يكن إلا الحياء من الذى *** ستر القبيح فيا لها من حسرات
فى مسند الإمام أحمد بسند ضعيف مرفوعا :" ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق ابن آدم والملائكه تستأذن أن تعاجله والرب يقول :دعوا عبدى فأنا أعلم به إذ أنشأته من الأرض، إن كان عبدكم فشأنكم به ،وإن كان عبدى فمنّى وإلى
عبدى! وعزتى وجلالى إن أتانى ليلا قبلته وإن أتانى نهارا قبلته وإن تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا وإن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا وإن أتانى يمشى هرولت إليه وإن استغفرنى غفرت له، وإن استقالنى أقلته وإن تاب إلى تُبت عليه.
من أعظم منى جودا وكرما وأنا الجواد الكريم ؟ عبيدى يبيتون يبارزونى بالعظائم وأنا أكلؤهم فى مضاجعهم وأحرسم فى فرشهم.
من أقبل إلىّ تلقيته من بعيد ،ومن ترك لأجلى شيئا أعطيته فوق المزيد ،ومن تصرف بحولى وقوتى ألنت له الحديد، أهل ذكرى أهل مجالستى وأهل شكرى أهل أهل زيادتى ، وأهل طاعتى أهل كرامتى ، وأهل معصيتى لا أقنطهم من رحمتى، وإن تابوا إلىّ فأنا أجيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمعاصى لأطّهرهم من العيوب "
واعجبا منك أراد إبليس خروجك من الجنة فطرده بسببك فتبعت المطرود وتركت الملك ..ومع هذا يناديك أقبل علىّ، لئلا تطول الغيبة فتعظم الوحشة!
لو عرفت قدر نفسك ما أهنتها بالمعاصى
يا جوهرة بمضيعة.. خلق الله البحار واستقرض منك دمعة
له ملك السموات والأرض.. واستقرض منك حبة
يا ابن آدم ..أنين المذنبين أحبُّ إليه من تسبيح المدلّين(المعجبين)
قيل بلسان الحال فى قصه آدم: يا آدم لا تجزع من كأس زَلَل كان فيه سبب كيسك
فقد استخرج به منك داء العجب وأُلبست رداء النسك وحلة العبودية.
لعل عتبك محمود عواقبه *** وربما صحت الأجسام بالعلل.
يا آدم لا تحزن لقولى لك اهبط منها فلك خلقتها
ولكن اخرج الى دار المجاهدة وابذر بذر التقوى
واسق من دمعك ساقية لشجرة ندمك وأمطر عليها سحائب الجفون
فإذا اشتد الحب واستغلظ واستوى على سوقه فتعال
يا آدم ! كنت تدخل على دخول الملوك على الملوك
واليوم تدخل علىّ دخول العبيد على الملوك
يا من أعرضت عن كلامه بالموسيقى والاغانى
قال على بن الحسين :كان لنا جار من المتعبدين قد برز فى الاجتهاد فصلى حتى تورمت قدماه وبكى حتى مرضت عيناه فاجتمع أهله وجيرانه فسألوه أن يتزوج فاشترى جاريه وكانت تغنى وهو لا يعلم فبينما هو ذات يوم فى محرابه يتعبد رفعت الجاريه صوتها بالغناء فطار لبه فرام ما كان عليه من العباده فلم يطق
فأقبلت الجاريه عليه قائلة: يا مولاى لقد أبليت شبابك ورفضت لذات الدنيا أيام حياتك فلو تمتعت بى !
فمال إلى قولها واشتغل باللذات على ما كان فيه من العبادة
فبلغ ذلك أخا له كان يوافقه فى التعبد فكتب اليه مذكرا
"بسم الله الرحمن الرحيم من الناصح الشقيق والطبيب الرفيق إلى من سُلب حلاوه الذكر والتلذذ بالقران والخشوع والأحزان بلغنى أنك اشتريت جارية بعت بها حظك من الآخرة، فإن كنت بعت الجزيل بالقليل والقرآن بالقيان، فإنى محذرك هادم اللذات ومنغص الشهوات فكأنه جاء على غِرة فأبكم منك اللسان وهدم منك الأركان وقرب منك الأكفان واحتوشك الأهل والجيران ،وأحذرك من الصيحة إذا جثت الأمم لهول مالك جبار فاحذر يا أخى ما يحل بك من ملك غضبان "
ثم طوى الكتاب وأنفذه إليه فوفاه الكتاب وهو فى مجلس سرور فغص بريقه وأذهله ذلك فنهض مبادرا من مجلسه وكسر آنيته وهجر جاريته وآلى ألا يتوسد المنام حتى الممات قال الذى وعظه
فلما مات رأيته فى المنام بعد ثلاث فقلت ما فعل الله بك ؟ قدمنا على رب كريم أباحنا الجنة وقال :
الله عوضنى ذو العرش جارية *** حوراء تسقينى طورا وتهنينى
تقول لى :اشرب بما كنت تأملنى *** وقر عينا مع الولدان والعين
يا من تخلى عن الدنيا وأزعجه *** عن الخطايا وعيد فى الطواسين
يقول خباب بن الأرت :تقرب الى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشئ أحب اليه من كلامه.
كان أحد السلف يكثر تلاوه القران ثم انشغل عنه بغيره فرأى فى المنام قائلا يقول :
إن كنت تزعم حبى *** فلما تركت كتابى؟
أما تأملت فيه *** من لطيف عتابى.
لو عرفت قدر المتكلم لما غفلت عن كلامه
مكتوب فى التوراة :عبدى أما تستحى منى؟ يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت فى طريق تمشى فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شى وهذا كتابى أنزلته إليك وأنت معرض عنه ! أفكنت أهون عليك من بعض إخوانك ؟
عبدى :يقعد اليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغى إلى حديثه بكل قلبك وها أنا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عنى !!!!
فيا معرضا عن تلاوه القراّن مشغولا باللهو والهزيان
سترى من يندم يوم الحسرات
(وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القراّن مهجورا)
أيا عبدُ كم يـراك اللهُ عاصيــا *** حريصًا على الدنيا ، وللموت ناسيا
أنسيت لقاء الله، واللحد، والثـرى *** ويوماً عبوسًا تشيب منه النواصيا
لو أن المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تجرد عريانـًا ولو كـان كاسيـا.
ولو أن الدنيــا تدوم لأهلهــا*** لكـان رسول الله حيـًا وباقيـا.
ولكنهــا تفنى ويفنى نعيمهــا***وتبقى الذنوب والمعاصي كما هي.
هذه رحمته بالمعرضين فكيف رفقه بالطائعين؟!!!
قال يوسف بن الحسين : كنت مع ذى النون على شاطئ غدير فنظرت إلى عقرب أعظم أن تكون على شط الغدير واقفه فإذا ضفدع قد خرجت من الغدير ، فركبتها العقرب فجعلت الضفدع تسبح حتى عبرت ، فقال ذو النون : إن لهذا العقرب لشأن ، فامض بنا ، فجعلنا نقفوا أثرها ، فإذا رجل نائم سكران ، وإذا حية قد جاءت فصعدت من ناحية سرته إلى صدره وهى تطلب أذنه ، فاستحكمت العقرب من الحية حتى قتلتها ، ورجعت العقرب إلى الغدير ، فجاءت الضفدع ، فركبتها فعبرت ، فحرك ذو النون الرجل النائم ، ففتح عينيه ، فقال : يافتى ! انظر مما نجاك الله ، هذا العقرب جاءت فقتلت الحية التى أرادتك ، ثم أنشأ يقول :
يا غافلا و الجليل يحرسه *** من كل سوء يدب فى الظلم .
كيف تنام العيون عن ملك *** تأتيه منه فوائد النعم .
فنهض الشاب وقال :
إلهى هذا فعلك بمن عصاك ، فكيف رفقك بمن أطاعك ؟
ثم ولى فقلت إلى أين ؟ قال : و الله لاعدت إلى الله المعصية أبدا !
جئت لأسرقه فسرقنى !
ذكر فى الأخبار : أن لصا تسور على مالك بن دينار داره ، فلم يجد فى الدار شيئا يسرقه ، فرآه وهو قائم يصلى ، فأوجز مالك فى صلاته ، ثم التفت إلى اللص ، وسلم عليه و قال : يا أخى تاب الله عليك ، دخلت منزلى ، فلم تجد ما تأخذه ، ولا أدعك تخرج إلا بفائدة ، فقام و أتاه بإناء فيه ماء ، و قال له توضأ ، وصلى ركعتين ، فإنك تخرج بخير مما جئت فى طلبه ، فقال له اللص : نعم و كرامة ، وقام و توضأ ،و صلى ركعتين وقال : يا مالك أثقل عليك أن أزيد ركعتين أخرتين ؟ قال :زد ما قدر لك ، فلم يزل اللص يصلى إلى الصبح ، فقال له مالك انصرف راشدا ، فقال : يا سيدى أيثقل عليك أن أقيم عندك هذا اليوم فإنى قد نويت صيامه ؟ فقال مالك : أقم ما شئت ، فأقام عنده أياما صائما ، قائما ، فلما أراد الانصراف قال : يا مالك قد نويت التوبة ، فقاب وحسنت توبته ، و خرج ، فلقيه بعض اللصوص وقد رأوا على وجهه الاستنارة و الراحة فقالوا : نظنك قد وقعت على كنز ؟، فقال : ما وقعت بكنز إنما وقعت بمالك بن دينار جئت لأسرقه فسرقنى ، وقد تبت إلى الله عز وجل ، و ها أنا ملازم الباب ، فلا أبرح حتى أنال ما ناله الأحباب !
من أعجب الأشياء
أن تعرف الله ثم لا تحبه ، و أن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة ، و أن تعرف قدر الربح فى معاملته ثم تعامل غيره ، و أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له ، و أن تذوق ألم الوحشة فى معصيته ثم لا تطلب الأنس فى طاعته ، و أن تذوق عصرة القلب عن الخوض فى غير حديثه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره و مناجاته ، و أعجب من هذا كله ، علمك أنك لا بد منه ، و أنك أحوج شىء إليه و أنت عنه معرض ، و فيما يبعدك عنه راغب .
اسمع يا من كثر سماعه للمواعظ ولم يزل قلبه قاسيا ، لا تضجر ، فللدوام أثر ، جالس الباكين يتعد إليك حزنهم
أما ترى الحبل يؤثر الحجر مع طول الزمان ؟!
من لا يعكف قلبه على الله وحده عكف على التماثيل المتنوعة (ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون)
أردناكم صرفا فلما مزجتم *** بعدتم بمقدار التفاتكم عنا
وقلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا *** فأسكنتم الأغيار وما أنتم منا
أين تذهبون عبادى عن بابى ؟
روى مرفوعا : ما من ليلة يجن ظلامها ، إلا نادى الجليل : من أعظم منى جودا وكرما ؛ عبادى يعصوننى وأنا أحفظهم فى مضاجعهم كأنهم لم يذنبوا ، أجود على العاصى وأتفضل على المسئ وأنا ذو الفضل ومنى الفضل وأنا الجواد ومنى الجود وأنا الكريم ومنى الكرم فأين تذهبون عبادى عن بابى ؟ إن دعانى العاصى أجبته وإن سألنى أعطيته وإن هرب منى أدنيته وأنا عند ظن عبدى بى ولا أعاجل العبد بالعقوبة وإن عصى وإن عصى .
فأقبل على مولاك يقبل الله عليك فإن الله إذا أقبل على عبد استنارت جهاته وأشرقت ساحاته وتنورت ظلماته وظهرت عليه آثار إقباله وتوجه إليه الملأ الأعلى بالمحبة والمودة .
اجعل نبضات قلبك وقفا على مولاك ودع عنك الكسل والتوانى
فحى هلا إذا كنت ذا همة فقد *** حدا بك حادى الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادى حبهم ورضاهم *** إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا
وخذ قبسا من نورهم ثم سربه *** فنورهم يهديك ليس المشاعلا
فيا معشر العاصين المعرضين.. هلم لقرع الباب بالذل والدموع
أبوكم آدم لم يسامح بلقمه، تفكروا كيف باع دارا قد رُبى فيها ؟ وضاع الثمن، لا تبرحوا باب الذل فما انتفع آدم فى بلية( وعصى)بكمال ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ولا رد عنه (اسجدوا لآدم ) وإنما خلصه ذل ( ربنا ظلمنا أنفسنا )
قال أبو بكر المزنى: مَن مثلك يا ابن آدم خُلى بينك وبين المحراب والماء كلما شئت دخلت على الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان
عمّر حياتك بالهدى *** واسلك طريق التائبين
واعمر فؤادك بالتقى *** فالعمر محدود السنين
وارضِ الإله بطاعة *** تسعدك في دنيا ودين
واحمل بصدرك مصحفاً ***يشرح فؤادك كل حين
ودع الغواية إنها *** لشقاوة للغافلين
الدين مشكاة الحياة *** يضئ درب الحائرين
عد للكريم بتوبة *** واركب جناح العائدين
تلق السعادة كلها *** فلنعم درب الصالحين
أخى الحبيب : وقوع الذنب على القلب كوقوع الدهن على الثوب وإن لم تعجل غسله انبسط (وإن منكم لمن ليبطئن ) ما لم يقع سهم فى مقتل فالعلاج سهل.
ومن البلايا للبلاء علامة *** ألا يرى لك من هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها *** والحر يشبع تارة ويجوع
كانت صحبه أدم للحق أصيلة وتعبد إبليس تكلفا ،والعرق نزَّاع لأنه (كان من الجن ) وإنما يعالج الرمد لا الأعمى
سقيتكم بالذى منعتكم به
روى أنه لحق ببنى اسرائيل قحط على عهد موسى عليه السلام فاجتمع عليه الناس فقالوا يا كليم الله ادع الله لنا أن يسقينا الغيث
فقام معهم وخرجوا الى الصحراء وهم سبعون ألفا أو يزيدون فقال موسى عليه السلام : إلهى اسقنا غيثك وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع !
فما ازدادت السماء إلا تقشعا والشمس إلا حرارة فأوحى الله إليه: إن فيكم عبدا يبارزنى بالمعاصى منذ أربعين سنة فناد فى الناس حتى يخرج من بين أظهركم ، فبه منعتكم
فقال موسى: إلهى أنا عبد ضعيف وصوتى ضعيف فأين يبلغ وهم سبعون ألف أو يزيدون؟ فأوحى اليه منك النداء ومنى البلاغ، فقام مناديا وقال: أيها العبد العاصى الذى يبارز الله منذ أربعين سنة، اخرج من بين أظهرنا فبك مُنعنا المطر.
فقام العبد العاصى لم ير أحدا يخرج فعلم أنه المطلوب فقال فى نفسه : إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بنى إسرائيل وإن قعدت معهم منعوا لأجلى، فأدخل رأسه فى ثيابه نادما على ما فعله وقال: إلهى وسيدى عصيتك أربعين سنة وأمهلتنى وقد أتيتك طائعا فاقبلنى !
فلم يستتم كلامه حتى ارتفعت سحابه بيضاء فأمطرت كأفواه القرب فقال موسى : إلهى بماذا سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا ؟ فقال يا موسى سقيتكم بالذى به منعتكم فقال موسى إلهى أرنى هذا العبد التائب فقال يا موسى إنى لم أفضحه وهو يعصينى أأفضحه وهو يطيعنى ؟
ما دامت نفسك على التوبيخ منكسرة ،وعينك وقت العتاب تدمع ففى قلبك بعض حياة
فإنما المعاصى أوجبت هجرك ،فابك على هجرك وإعراضك، واكتب رسائل الدمع إلى ربك وانتظر الجواب بالمغفرة والرحمة وسترى من إقباله عليك العجب
إذا مـا قال لي ربِّـي: *** أما استحييت تعصيـني
وتُخفـي الذنب من غيري *** وبالعصيان تأتيـني؟
فمـا قـولى له لما *** يعـاتبـنى ويقصيــنى؟
دقائق تفصلنى عن الإصابة بالإيدز(من أروع قصص الهداية )
من بريد الجمعة فى جريدة الأهرام بتاريخ 30 مايو 2008 (بتصرف)
لم أكن متدينا، علي الرغم من بيئتي الدينية.. لا أحرص علي أداء الصلوات غير الجمعة، لم أجد غضاضة يوما في الجلوس في البارات أو الملاهي الليلية. وكنت أتعامل مع شرب الخمور علي أنها وجاهة اجتماعية.
كان لدي نهم شديد للخطيئة، أبحث عنها إن لم تأت إلي، بدون تأنيب للضمير.. لم يكن يؤلمني إلا وجه أمي الذي يصادفني عند عودتي إلي البيت وقت صلاة الفجر، فتقبلني وهي تدعو لي ربنا يهديك يا بني وينور طريقك ويحبب فيك خلقه ويبعد عنك أولاد الحرام ثم تختم دعاءها بسؤالها التقليدي: هل تصلي الفجر يا بني؟.. صل واشكر ربنا علي نعمه عليك، فأرد عليها: سأصلى الآن، ثم أهرب منها وأنا نصف واع، ونصف متألم. وأستسلم للنوم، لأصحو وأواصل زحفي.
أدمنت الزنا، لم أفرق يوما بين زوجة صديق، ابنة جار، قريبة، أو حتي صاحبة مصلحة أو حاجة.
استمرت حياتي هكذا، حتي اهتزت حياتي بوفاة والدي، توقفت مع نفسي بعد أن واريت جثمانه ، ورأيت المقر الذي سأذهب إليها، فعدت إلي الله وتبت علي ما فعلت, واصطحبتنى والدتي إلي حج بيت الله الحرام. كانت سعيدة بهدايتيا، ففاتحتني في أمر الزواجا، فرحبت علي الفورا، ووجدتها فرصةا، للخلاص نهائيا من الوقوع في الخطيئة.
وأكرمنى الله بالزواج من امرأة صالحة و رزقني الله من حيث لا أحتسب, كنت راضيا, سعيدا بحياتي, خاصة بعد أن رزقني الله بطفلة مثل البدر.
خمس سنوات مرت علي زواجي واستقراريا، حتي حدث الانقلاب الكبير. ذات يوم زارتني في مكتبي سيدةا، شديدة الجمالا، كي أتولي بعض قضاياها. فوجدتني أتحول إلي ذاك القناص القديما، فألقيت عليها بكل شباكي.. فتوطدت علاقتنا، بدأت أسهر معها، وأتأخر عن مواعيد عودتي إلي البيتا، متحججا بكثرة العمل.
سقطت في الوحل مرة أخري، أصابني غم ونكد وندم ، دام أياماا، ثم تلاشت كل هذه الأحاسيس بعد أيام.. وفوجئت بأن غطاء الخطيئة انفتح مرة أخري.. فتكررت لقاءاتنا، وبعد فترة مللتها فابتعدت عنها، وإن لم أبتعد عن هذا الطريق.
عدت إلي سيرتي الأولي, كل يوم سهر وخمور ونساء.. وكل يوم، المسافة تبتعد بيني وبين زوجتي التي أنجبت لي طفلة ثانية، فانشغلت بتربية الطفلتين، وإن لم تنشغل عني، بل كانت تعبر عن اندهاشها من تغيري، من انقطاعي عن الصلاة، وسهري للصباح، فكنت أقول لها كلاما غير مقنع عن توتري الشديد بسبب مشكلات في العمل، وأنها فترة قصيرة وسأعود إلي ماكنت عليه. فكانت تقبل كلامي مجبرة، حريصة علي عدم الصدام معي.
حتى شربت الخمر فى البيت فاعترضت بعنف، وقالت لي إنها لن تقبل أن تعيش وابنتاها في بيت لا تدخله الملائكة، وهددتني بترك البيت، فوعدتها والتزمت بعدم شرب الخمور في البيت، كل ما أخشاه أن تعرف أمي ، فتغضب مني وتتوقف عن دعائها لي.. كنت أستشعر أن ستر ربي لي وعدم عقابه لي ، بسبب دعواتها.
كنت أكثر من فعل الخير، أتصدق علي الفقراء، وأرعي الأيتام، وأتبرع للأعمال الخيرية، مؤمنا بأن الحسنات يذهبن السيئات، مرددا ـ مثل كل العاصين ـ هذه نقرة وتلك نقرة أخري، مكتفيا عقب كل معصية، بترديد التوبة، وكأني أخدع الله سبحانه وتعالي فيما كنت أخدع نفسي، مستسلما لوسواس الشيطان.
كنت مع بعض الأصدقاءيوما، وكان معهم فتاة شديدة الجاذبية، متحدثة، لبقة، وبدأت في إرسال ذبذبات الإعجاب، فتلقفتها، وبادلتني إياها، فالطيور علي أشكالها تقع وقبلت أن تأتي لي في شقتي الخاصة التي استأجرتها في إحدي المدن الجديدة، بعيدا عن العيون، لهذا الهدف الحقير.
حددنا الموعد, وذهبت في هذا اليوم مبكرا إلي الشقة, أعددت كل شيء في انتظار الغنيمة.. كان الوقت يمر بطيئا مملا حتي جاءني تليفونها قبل الموعد بربع ساعة, تخبرني أنها في الطريق, فتهلل وجهي وجلست علي نار مترقبا صوت جرس الباب مرة, وأخري راصدا الطريق من شرفة الشقة. مر الوقت, نصف ساعة, ساعة, لم تأت.. أصابني القلق والتوتر, اتصلت بها فلم ترد.. فاتصلت مرة أخري, ففوجئت بصوت رجل يرد علي, فقلت له يبدو إني أخطأت في الرقم, فاستمهلني الحديث, وسألني هل تعرف السيدة صاحبة هذا التليفون, فأجبته بتردد نعم.. فقال لي: بكل أسف, السيدة أصيبت في حادث إصابات بالغة, ونقلناها أنا وبعض المارة إلي المستشفي..
فأصبت بانهيار, ولم أصدق ما أسمعه, فسألته عن اسم المستشفـي, فأخبرني, وهرولت مرتبكا إلي هناك.
وصلت إلي غرفة العمليات، قال ليالطبيب: قبل أن أشرح لك حالة قريبتك، لابد أن أخبرك بشيء مهم، قريبتك في حالة سيئة، ولديها كسور متعددة، ونزفت كثيرا، لذا فإنها ستحتاج إلي نقل دم، وفي هذه الحالات لابد أن نجري تحليلات لدمها للتأكد من أنها ليست مصابة بأي فيروسات معدية
وكانت الكارثة أننا اكتشفنا أنها حاملة لفيروس الإيدز.
إيدز.. كيف؟ أنت تهرج؟ هكذا كنت أردد وأنا مذهول غير مصدق.. لم أنشغل بإصابتها، ولا بإذا كانت ستعيش أو تموت.. كل ما فكرت فيه أني كنت علي مسافة ربع ساعة فقط من إصابتي بالإيدز.
خرجت أكلم نفسي وأنا في صورة مفزعة, لم تفارق خيالي لحظة.. عدت إلي نفس الشقة, وكر الشيطان, والشاهد علي خطيئتي ونجاتي.
دقائق فقط فصلتني عن الإصابة بالإيدز لو كان الله نجاها ووصلت إلي الشقة.
هل كنت سأعرف أني سأحمل هذا الفيروس القاتل.. ياربي زوجتي ما ذنبها, كنت سأنقل إليها الإيدز.. نموت معا, بفضيحة.. المسكينة تموت بفضيحة, وأنا, بناتي وإخوتي.. سترك يارب, عفوك يارب.
سيدي.. لن أصف لك انهياري, وبكائي، وخجلي من ربي.. ما كل هذا الكرم, عصيتك فسترتني ورزقتني، فلم أبال، تحديت عفوك ورحمتك بمعصيتي.. وها أنا أوشكت علي السقوط في وحل أعمالي بلا خروج, ولكنه برحمته الواسعة، وبلطف قضائه، انتشلني وأنقذ أسرتي من الضياع والفضيحة.
سجدت علي الأرض باكيا مستغفرا، تطهرت وقضيت يومي مصليا، تائبا، قارئا للقرآن.. لملمت نفسي، وعدت إلي بيتي… أغلقت غرفتي علي وعلي زوجتي، قبلت يديها وقدميها وأنا أبكي، طلبت منها أن تسامحني وتعفو عني، وعدتها بأن أكون كما تحب وكما كنت، فاحتضنتني وهي تبكي وترتجف، بدون أن تسألني عما حدث لي.. كانت رائعة كعادتها دوما، بعدها استدعيت ابنتي، احتضنتهما في صدري، وكأني أبحث عن أمان وطمأنينة لا أعرف الطريق اليهما، فطلبت منهن أن يتوضأن لنصلي جماعة ، ثم سارعت بالذهاب إلي أمي، جلست تحت قدميها ، ورجوتها تدعو لي.. ففعلت وابتسامة الرضا وهالة النور تكسوان وجهها الآمن
لم أنم في تلك الليلة, عاهدت الله علي ألا أعصيه أبدا, وأن استرضي كل من أخطأت في حقه أو هتكت عرضه ما حييت, وبدأت رحلة جديدة في الحياة.
ستشرق شمس أمتك بعودتك لها من جديد
من مثلك ؟. يفرح بك الله و يحبك في الحديث ( إن
الله يفرح بتوبة أحدكم ) ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين )
وإذا أحبك الله فما عليك ولو أبغضك من في الأرض جميعاً .
أيها المعرض عنا *** إن إعراضك منا .
لو أردنا جعلنا *** كل مافيك يردنا .
عباد أعرضوا عنا *** بلا جرم ولا معنى .
أساؤا ظنهم فينا ***فهلا أحسنوا الظنا .
فإن خانوا فما خنا*** وإن عادوا فقد عدنا .
وإن كانوا قد استغنوا*** فإنا عنهمو أغنا .
كل شىء مغفور *** سوى الإعراض عنا.
قد غفرنا لك ما فات *** بقى ما فات منا
إني لأستبطأ الأيام متى تزف إلي جميل الخبر ؟
متى أرى دموع التوبة من مقلتيك تنهمر؟
متى تقوى على كسر القيود وتنتصر ؟
إني بفارغ ذاك الصبر انتظر؟
م/ن