أبو البراء
08-09-2004, 10:24 AM
:bism:
:icon_sa1: ،،،،،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
الشبه التي تثار حول هذا الدين وأحكامه الشرعية كثيرة جدا ، ومن هذه الشبه ما كان منبعه تحكيم الأهواء والشهوات وكذلك الحقد والحسد على هذا الدين وأهله من أتباع منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ومنها ما كان بقصد الدفاع عنه لاعتقادات مختلفة أساسها الحمية ونصرة الدين وأهله 0
وأستأنس في هذا المقام بكلام مبدع للشيخ " مقبل بن هادي الوادعي – حفظه الله – حيث يقول :
( فليست السلفية بالادعاءات ، ولكنها استسلام لله ، وقبول ما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم 0 وبعض الصحابة رضوان الله عليهم عند أن أنزل الله سبحانه وتعالى : ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) ( سورة البقرة – الآية 284 ) ، شق عليهم ذلك فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا تقولوا كما قال أهل الكتاب سمعنا وعصينا ولكن قولوا سمعنا وأطعنا " 0 فلما أذعن القوم أنزل الله في أثرها : ( ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) إلى قوله : ** لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ( سورة البقرة – الأية 285 ، 286 ) إلى آخر السورة ) ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر – ص 29 ) 0
وقبل أن أذكر أقوال العلماء في هذه المسألة أسوق بعض الأحاديث الدالة على حادثة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي على النحو التالي :
* ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها – أنها قالت :
( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله 0 حتى إذا كان ذات يوم - أو ذات ليلة - وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ثم قال : ( يا عائشة ، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب – أي مسحور - ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، وجف طلع نخلة ذكر 0 قال : وأين هو ؟ قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه 0 فجاء فقال : يا عائشة ، كأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين – أي كونها وحشة المنظر - ، قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته ؟ قال : قد عافاني الله ، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا 0 فأمر بها فدفنت )
( متفق عليه - وقد روي مثل ذلك الحديث عن أم المؤمنين - رضي الله عنها - بأسانيد مختلفة )
* عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله :salla-icon: سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن – قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا – فقال : يا عائشة : أعلمت إن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب 0 قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً 0 قال : وفيم ؟ قال : في مشط ومشاقة – أي ما يغزل من الكتان - 0 قال وأين ؟ قال : في جف طلعة ذكر تحت رعوفة – أي حجر في أسفل البئر - في بئر ذروان ، قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه ، فقال : هذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين0 قال : فاستخرج 0 قال : فقلت : أفلا أي تنشرت ، فقال : أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد منه شراً )
( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الطب ( 50 ) – برقم 5766 ) 0
النشرة : ( نشر ما طوى الساحر وتفريقه ، وهي عبارة عن الرقية التي بها تحل عقدة الرجل عن مباشرة الأهل ) ( أنظر شرح الكرماني على صحيح البخاري – 41 / 21 ) 0
أضواء على الحديث :
( لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع ، جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم ، وكان حليفاً لبني زريق ، وكان ساحراً ، فقالوا له : يا ابن الأعصم أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمداً فلم نصنع شيئاً ، ونحن نجعل لك جعلاً على أن تسحره لنا سحراً ينكؤه – أي يوجعه - ، فجعلوا له ثلاثة دنانير ، وقد ساعد اليهود على تدبير مكيدتهم أن غلاماً من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه وأعطاها اليهود الذين قاموا بدورهم بإعطاء ذلك لابن الأعصم فتولى سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم دس السحر في بئر لبني زريق يقال له ذروان ، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر – أي تساقط - شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، وجعل يدور ولا يدري ما عراه ، فيبنما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب ؟ قال : من طبه 0 قال : لبيد بن الأعصم ، قال : وبم طبه ؟ قال : بمشط ومشاطة ، قال : وأين هو ؟ ، قال : في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان ، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعوراً ، وقال يا عائشة : أما شعرت إن الله أخبرني بدائي ثم بعث رسول الله علياً والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه ، وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر ، فأنزل الله تعالى المعوذتين ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ، وجعل جبريل يقول : باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين ، الله يشفيك ، فقالوا يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثير على الناس منه شراً وأمر بها فدفنت ) ( أنظر بتصرف : زاد المسير – 271 ، 272 / 9 ، الجامع لأحكام القرآن – 254 / 20 ، فتح الباري – 226 / 10 ، المجموع شرح المهذب للنوي – 242 ، 243 / 19 ، أسباب النزول للشيخ أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري – 346 ، 347 – أنظر صحيح البخاري بشرح الكرماني – 21 / 43 ) 0
قال ابن حجر في الفتح : ( ومن رواية عمرة عن عائشة " فنزل رجل فاستخرجه " وفيه من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع – تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وإذا فيه إبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ألماً ثم يجد بعدها راحة – فتح الباري – 10 / 230 ) 0
تلك هي حادثة سحر الرسول :salla-icon: كما ثبتت في الأحاديث المروية الصحيحة ، وكما بينها علماء الأمة الأجلاء 0
وقد ذهب الفريق الأول وهم المبتدعة إلى إنكار سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أن ذلك يحط من منصب النبوة ويشكك فيه ، وقد ساقوا بعض الأقاويل الواهية كإنكار حديث الآحاد ونحو ذلك من ترهات وأباطيل 0
وأنقل بعض أقوال أهل العلم ممن كذب بهذا الحديث ، وردوه ردا منكرا بدعوى أنه مناقض لكتاب الله الذي برأ الرسول صلى الله عليه وسلم من السحر :
* قال الجصاص : ( زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر ، وأن السحر عمل فيه ، حتى قال فيه : إنه يتخيل لي أني أقول الشيء وأفعله ، ولم أقله ولم أفعله ، وأن امرأة يهودية سحرته في جف طلعة ومشط ومشاقة ، حتى أتاه جبريل – عليه السلام – فأخبره أنها سحرته في جف طلعة ، وهو تحت راعوفة البئر 0 فاستخرج وزال عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العارض ، وقد قال الله تعالى مكذبا للكفار فيما ادعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال جل من قائل : ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا )( سورة الفرقان – الآية 8 ) 0
ثم قال : ( ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام ، واستجرارا لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام ، والقدح فيها ) ( أحكام القرآن – 1 / 49 ) 0
* قال أبو بكر الأصم : ( إن حديث سحره صلى الله عليه وسلم هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور ، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه ، ونقل الرازي عن القاضي أنه قال : هذه الرواية باطلة ، وكيف يمكن القول بصحتها والله يقول : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) ( سورة المائدة – الآية 67 ) 0 وقال : ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ( سورة طه – الآية 69 ) 0
ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة ، ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى ضرر جميع الأنبياء والصالحين ، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم ، وكل ذلك باطل ، وكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور ، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ، ولحصل فيه عليه السلام ذلك العيب ، ومعلوم أنه غير جائز ) ( نقله عن شارح المجموع - 19 / 243 ) 0
قال الأستاذ محمد عبده في تفسيره لقوله تعالى ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) : ( ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئاً وهو لا يفعله ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية بل هو ماس بالعقل آخذ بالروح وهو مما يصدق قول المشركين فيه : ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجلا مَسْحُورًا) 0 وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله وخيل له أن شيئاً يقع وهو لا يقع فيخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه 0
وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة وما يجب لها أن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فيلزم الاعتقاد به وعدم التصديق به من بدع المبتدعين لأنه ضرب من إنكار السحر وقد جاء القرآن بصحة السحر 0
فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحق الصريح في نظر المقلد بدعة نعوذ بالله ، يحتج بالقرآن على ثبوت السحر ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعده من افتراء المشركين عليه ، ويؤول في هذه ؛ ولا يؤول في تلك ، مع أن الذي قصده المشركون ظاهر لأنهم كانوا يقولون إن الشيطان يلابسه عليه السلام وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد فإنه قد خالط عقله وإدراكه في زعمهم 0
والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته ، وعدم الاعتقاد بما ينفيه ، وقد جاء بنفي السحر عنه عليه السلام ، حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه ووبخهم على زعمهم هذا فإذن هو ليس بمسحور قطعاً 0
وأما الحديث على فرض صحته فهو آحاد ، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون 0
على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده ، أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة ، وعلى أي حال فلنا بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ولا نحكمه في عقيدتنا ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل ) ( نقلا عن كتاب " ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر " للشيخ " مقبل بن هادي الوادعي " -– ص 38 -– 39 ) 0
قال محمد جواد مغنيَّة : ( وروى الرواة عن عائشة أنَّ يهودياً اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأثر فيه سحره حتى كان يخيل له أن يفعل الشيء وهو لا يفعله ، وإنَّ هذه السورة - يعني سورة الفلق - ، والتي بعدها – يعني سورة الناس - نزلت في ذلك ! وهذه الرواية يجب طرحها شرعاً وعقلاً 0 أما عقلاً ، فلأن النبيّ صلى الله عليه وسلم معصوم لا ينطق إلا بالوحي ، فيستحيل أن يخيل له أنه يوحى إليه ، ولا يوحى إليه ، وأمّا شرعاً فلأن الله سبحانه قد كذَّب السحر وأهله حيث قال عزَّ من قائل : ( 000 يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ( سورة طه – جزء من الآية 66 ) إلى قوله : ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ( سورة طه – الآية 68 ، 70 ) وأيضاً كذَّب المشركين الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمسحور – ونقل كلام محمد عبده آنف الذكر 000 ) ( التفسير الكاشف – 7 / 625 ، 626 ) 0
والفريق الثاني وهم علماء الأمة الأجلاء الذين قرروا هذه المسألة ، وأنقل بعض أقوالهم لدحض الشبهة وإزالة الغمة :
* قال ابن القيم - رحمه الله - : ( إن الذي أصابه هو مرض من الأمراض ، من جنس الأسقام والأمراض الأخرى المعتادة ، التي أصابته صلى الله عليه وسلم وشفاه الله منها ، ولا تقدح في نبوته ، لأنه بشر يجوز عليه ما يجوز على البشر من الأمراض ، مثل إغمائه صلى الله عليه وسلم في مرضه ، وإصابته ، في غزوة أحد 000 الخ ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه ، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ) 0
وقال أيضا : ( ولا عيب ولا نقص بوجه ما في ذلك ، فإن المرض يجوز على الأنبياء ، وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعة في درجاته ، ونيل كرامته ، وأشد الناس بلاء الأنبياء فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به من القتل ، والضرب ، والشتم ، والحبس ، فليس ببدع أن يبتلى صلى الله عليه وسلم من بعض أعدائه بالسحر ، كما ابتلى بالذي رماه فشجه ، وبالذي ألقى على ظهره السلا وهو ساجد وغير ذلك ) ( بدائع الفوائد – ص 224 ) 0
وقال : ( وهذا المرض " السحر " لا ينافي حماية الله لأنبيائه ، فإنه سبحانه وتعالى كما يحميهم ويصونهم ويتولاهم ، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار ليستوجبوا كمال كرامته ، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم ، وخلفائهم إذا أوذوا من الناس ، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء فصبروا ، ورضوا وتأسوا بهم ، ولتمتلئ صاع الكفار ، فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل ، والعقوبة الآجلة ، فيسحقهم بسبب بغيهم ، وعداوتهم ، فيعجل تطهير الأرض منهم ، فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء أقوامهم ) ( بدائع الفوائد – ص 226 ) 0
* وقال – رحمه الله - : ( قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا 0 فإن ذلك ينافي حماية الله لهم ، وعصمتهم من الشياطين 0
وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم ، فإن هشاما من أوثق الناس وأعلمهم ، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه ، فما للمتكلمين وما لهذا الشأن ؟ وقد رواه غير هشام عن عائشة 0 وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة والقصة مشهورة عن أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء 0 وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من المتكلمين ) ( بدائع التفسير – 5 / 407 ) 0
* قال الحافظ بن حجر : ( وهذه - يعني ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سحر وتأثير - من أمور الدنيا التي لم يبعث من أجلها ، فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض ) ( فتح الباري – 10 / 227 ) 0
* قال القاضي عياض : ( وهكذا سائر أنبيائه تعالى بين مبتل ، ومعافى ، وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات أي في أحوالهم المتغيرة ، والمتفاوتة فيها الحالات وليبين أمرهم ، ويتم كلمته فيهم ، وليحقق بامتحانهم بشريتهم وهذه الطوارئ إنما تختص بأجسامهم البشرية ، وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك ، معصومة منه ، متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة ، لأخذها عنهم ، وتلقيها الوحي منهم ) ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى - 2 / 863 ، 864 ) 0
وقال : ( فإن قلت : فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم سحر ، كما في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله ) 0
وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور ، فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ؟ وكيف جاز عليه وهو معصوم ؟ فاعلم - وفقنا الله وإياك - أن هذا الحديث صحيح متفق عليه ، وقد نزه الله الشرع والنبي صلى الله عليه وسلم عما يدخل في أمره لبسا ، وإنما السحر مرض من الأمراض ، وعارض من العلل ، ويجوز عليه كأنواع المرض مما لا ينكر ، ولا يقدح في نبوته ، وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخله في شيء من تبليغه أو شريعته ، أو يقدح في صدقه ، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ، وإنما هذا فيما يجوز طروءه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ، ولا فضل لأجلها ، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر ، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان 0
وقد قيل : أن المراد بالحديث أنه كان يتخيل الشيء أنه فعله وما فعله ، لكنه تخيل لا يعتقد صحته ، فتكون اعتقاداته كلها على السداد ، وأقواله على الصحة 0
وكذلك أقول : إنه في هذه الأحوال كلها من وصب ومرض وسحر وغضب ، لم يجز على باطنه ما يخل به ، ولا فاض على لسانه وجوارحه ما لا يليق به ، كما يعتري غيره من البشر ) ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى – 2 / 865 ) 0
وقال أيضا : ( فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، ثم ينجلي عنه كما كان ، ولم يأت في خبر أنه نقل عنه في ذلك قول بخلاف ما كان أخبر إنه فعله ، ولم يفعله ، وإنما كانت خواطر وتخيلات ) ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى – 2 / 867 ) 0
* قال المازري : ( قد أنكر هذا الحديث المبتدعة من حيث أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع وقالوا : فلعله حينئذ يخيل إليه أن جبريل - عليه السلام - يأتيه وليس ثم جبريل ، وأنه أوحي إليه وما أوحي إليه 0
قال : وهذا الذي قالوه باطل قطعا لأن دليل الرسالة وهو المعجزة دل على صدقه فيما يبلغه عن الله تعالى وعصمته صلى الله عليه وسلم فيه ، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل ) ( زاد المسلم - 4 / 221 ) 0
* وقال أيضا : ( قال أبو الجكني اليوسفي - رحمه الله - : أما وقوع المرض للنبي صلى الله عليه وسلم بسبب السحر فلا يجر خللا لمنصب النبوة لأن المرض الذي لا نقص فيه في الدنيا يقع للأنبياء ويزيد في درجاتهم في الآخرة عليهم الصلاة والسلام 0 وحينئذ فإذا خيل له بسبب مرض السحر أنه يفعل شيئا من أمور الدنيا وهو لم يفعله ثم زال ذلك عنه بالكلية بسبب اطلاع الله تعالى له على مكان السحر ، وإخراجه إياه من محله ودفنه فلا نقص يلحق الرسالة من هذا كله لأنه مرض كسائر الأمراض 0
لا تسلط له على عقله بل هو خاص بظاهر جسده كبصره حيث صار يخيل إليه تارة فعل الشيء من ملامسة بعض أزواجه وهو لم يفعله ، وهذا في زمن المرض لا يضر 0
قال : والعجب ممن يظن هذا الذي وقع من المرض بسبب السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قادحا في رسالته مع ما هو صريح في القرآن في قصة موسى مع سحرة فرعون ، حيث صار يخيل إليه من سحرهم أن عصيهم تسعى فثبته الله كما دل عليه قوله تعالى : ( قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا ءامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) ( سورة طه – الآية 68 ، 70 ) ولم يقل أحد من أهل العلم ولا من أهل الذكاء أن ما خيل لموسى – عليه الصلاة والسلام – أولا من سعي عصي السحرة قادح في رسالته ، بل وقوع مثل هذا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام يزيد قوة الإيمان بهم لكون الله تعالى ينصرهم على أعدائهم ، ويخرق لهم العادة بالمعجزات الباهرة ، ويخذل السحرة والكفرة ويجعل العاقبة للمتقين كما هو مبين في آيات الكتاب المبين ) ( زاد المسلم – 4 / 22 ) 0
* قال ابن قتيبة : ( أن ذلك لا ينكر على لبيد أن يضع السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ليس هذا ما يجترّ الناس به إلى أنفسهم ، نفعاً ، ولا يصرفون عنها ضراً ، ولا يكسبون به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثناء ، ومدحاً ، ولا حملة هذا الحديث كذابين ، ولا متهمين ، ولا معادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر أن اليهود قتلت من قبل الأنبياء وعذَّبتهم بألوان العذاب ، وقتلت زكريا في جوف شجرة ، قطعته قطعاً بالمناشير ، وقتلت بعده ابنه يحيى بقول بغيٍّ ، واحتيالها في ذلك ، وادعت اليهود أنها قتلت المسيح وصلبته ، وقد سمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ذراع شاة مشوية ، سمته يهودية 0 فقال : " ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري " فجعل الله تعالى لليهودية عليه صلى الله عليه وسلم السبيل حتى قتله 0 ومن قبل ذلك ما جعل الله لليهود السبيل على النبيين ) ( تأويل مختلف الحديث – بتصرف واختصار – ص 168 ، 169 ) 0
* قال المهلب : ( صون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده ، فقد مضى في الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه ، فكذلك السحر ، ما ناله من ضرره ما يدخل نقصاً على ما يتعلق بالتبليغ ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام أو عجز عن بعض الفعل أو حدوث تخيل لا يستمر بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين ) ( نقلا عن كتاب ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر - للشيخ مقبل بن هادي الوادعي - ص 93 ) 0
* قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي – حفظه الله - : ( فإني لما كنت بمدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلغني أن بعض الناس ينكرون " حديث السحر " فقلت لمن أخبرني : إنه في البخاري ومسلم ، فقال : وهم ينكرونه ، فقلت : بمن ضعفوه ، وكنت أظن أنهم يسلكون مسالك العلماء في النقد والتجريح لعلهم وجدوا في سنده من هو سيئ الحفظ أو جاء موصولاً والراجح أنه منقطع أو جاء مرفوعاً والراجح فيه الوقف كما هو شأن الحافظ الدارقطني - رحمه الله -–في انتقاداته على الصحيحين فإذا هؤلاء الجاهلون أحقر من أن يسلكوا هذا المسلك الذي لا يقوم به إلا جهابذة الحديث ونقاده والميزان عند هؤلاء أهواؤهم فما وافق الهوى فهو الصحيح ، وإن كان من القصص الإسرائيلية أو مما لا أصل له وما خالف أهواءهم فهو الباطل ، ولو كان في الصحيحين بل ربما تجاوز بعض أولئك المخذولين الحد وطعن في بعض القصص القرآنية 0
لذا رأيت أن أقدم لإخواني طلبة العلم هذا الحديث الشريف وتوجيه أهل العلم لمعناه على المعنى الذي يليق بشرف النبوة والعصمة النبوية ولا أدعي أنني صححت الحديث فهو صحيح من قبل أن أخلق ومن قبل أن أطلب العلم وما طعن فيه عالم يعتد به وناهيك بحديث اتفق عليه الشيخان ورواه الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم ولا يتنافى معناه مع أصول الشريعة 0
والذي أنصح به طلاب العلم أن لا يصغوا إلى كلام أولئك المفتونين الزائغين وأن يقبلوا على تعلم الكتاب والسنة وأن يبينوا للناس أحوال أولئك الزائغين ويحذروا منهم ومن كتبهم ومجلاتهم وندواتهم والله أسأل أن يحفظ علينا ديننا وأن يتوفانا مسلمين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر - ص 3 - 4 ) 0
* سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن سحر الرسول ومن الذي سحره ؟؟؟
فأجاب -–حفظه الله - : ( ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ، ثم قال : " يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ، فقال : مطبوب 0 قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم 0 قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة وجف طلعة نخلة ذكر 0 قال : وأين هو ؟ قال : في بئر ذروان " فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال : " يا عائشة : كأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين " قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته 0 قال : قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً " فأمر بها فدفنت 0 وفي رواية في الصحيح عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، قال سفيان : وهو ابن عيينة الراوي : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا ، فذكر الحديث ، وفيه : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه 0 وفيه فقلت : أفلا تنشرت ؟ فقال : أما الله فقد شفاني 00 الخ 0 ورواه البخاري في الأدب ، وفيه قالت : مكث النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتي 00 الخ ، ومنه يعلم أن السحر أثر فيه نوع مرض فيما يتعلق بالنساء ، وأن الذي سحره رجل من بني زريق ، يقال له : لبيد بن الأعصم ، وهو من الخزرج ، ولكنه حليف لليهود ، وقد روي أنه أسلم نفاقاً ، وذكر أنه عمل السحر بأمر من اليهود ، وكان ذلك لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، وبعد أن دخلت سنة سبع ، وأن اليهود جعلوا له ثلاثة دنانير ، وفي رواية فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه ، وفي رواية فقال له : ما حملك على هذا ، قال : حب الدنانير ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن كيفية سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكيفية التي عالج بها السحر الذي أصابه ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( وقع في الأحاديث أنه في جف طلعة ذكر ، تحت راعوفة في بئر ذروان ، أي ذلك الساحر أخذ من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في مشط ، وهو الآله التي يسرح بها الشعر وله أسنان متساوية يدخل الشعر بينها عند كد الرأس أو اللحية ؛ وذلك الساحر جعل الشعر والمشط في جوف الطلع ، وهو الغطاء المسمى بالكافور الذي يكون فوق الطلع عند خروجه من النخل ، أي أنه أخذ الشعر والمشط وعمل فيه السحر ثم جعله في جف هذا الغشاء الذي هو جف طلعة النخل الذكر ، ووضعه تحت راعوفة ، وهو الحجر الذي يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي ، وقد يكون في أسفل البئر ، وقال أبو عبيد : هي صخرة تنزل في أسفل البئر إذا احضرت ، يجلس عليها الذي ينظف البئر ، أو هو حجر يوجد صلباً لا يستطاع نزعه فيترك ، ووقع في رواية عن عائشة : فنزل رجل فاستخرجه 0 وفيه أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع ، تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا فيه إبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها ألماً ثم يجد بعدها راحة ، ووقع في حديث عن زيد بن أرقم عن عبد بن حميد وغيره : فأتاه جبريل فنزل بالمعوذتين ؛ وفيه فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ، فجعل يقرأ ويحل حتى قام كأنما نشط من عقال ، ووقع في حديث عن ابن سعد : فاستخرج السحر من الجف من تحت البئر ثم نزعه فحله ، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويظهر من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه ، وكرر الدعاء مراراً ، فأطلعه الله تعالى على هذا العمل الشيطاني ، حيث نزل عليه ملكان ، وأخبراه بموضعه وصفته ، فكان لا بد من إخراجه حيث ذهب وبعض أصحابه إلى تلك البئر فأخرجه وفرقه ، وحل العقد التي فيه ، حتى بطل أثره ، وأمر بالبئر فدفنت ، حيث أن ذلك السحر أثر فيها ، حتى كأن ماءها نقاعة الحناء أي أحمر متغيراً ، وكأن نخلها رؤس الشياطين ، لأنه شرب من ذلك الماء والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن أثر السحر في رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حصانته بالأذكار والأدعية والأوراد التي كان يحافظ عليها ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم معصوم فيما يبلغه من الرسالة وفي عقله لا يصل إليه ما يغيره ، فأما بدنه فقد تصيبه الأمراض ، وقد يسلط عليه بعض الأعداء كما حصل له أحد حيث شج رأسه وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وهذا السحر من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، فإصابته بالسحر كإصابته بالسم ، لا فرق بينهما ، مع أن هذا السحر لم يؤثر إلا في شهوة النساء ، وما يتعلق بالجماع ، فقد وقع في بعض الروايات حتى إنه يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، وفي لفظ : أنه يأتي أهله ولا يأتيهم 0 وهذا كثيراً ما يقع تخييله للإنسان في المنام ، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة ، فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ، ويحتمل أن يراد بالتخييل أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه في سابق عادته من الاقتدار على الوطء ، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك ، كما هو شأن المعقود ، ويؤخذ من مجموع الروايات أن هذا الساحر لم يؤثر في عقله صلى الله عليه وسلم ولا في بدنه ظاهراً ، وأن التخييل الذي كان يخيل إليه لا يجزم به ، وإنما هو من جنس الخواطر التي تخطر في البال ، ولا تثبت ، والظاهر أن التأثير إنما هو في شهوة النساء وشأن الوطء ، ولهذا لم يتفطن له إلا زوجته ، ولم ينقل أحد أنه أثر في ما يبلغه ، ولا في عبادته ومعاملاته ، فلا يستبعد أن يصيبه بقضاء الله وقدره تأثير هذا العمل ابتلاء كما تصيبه الأمراض الكثيرة في بدنه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " ( صحيح الجامع 994 ) ، وإذا قدر الله شيئاً لم ترده الأوراد والأذكار والأدعية ، وليعلم الخلق أنه بشر يصيبه ما يصيبهم ، وكما حصل للأنبياء قبله من الأذى والقتل والطرد وإن كانت العاقبة للمتقين ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن كيفية سحر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا يضاهيه أحد في العبادة ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضره ذلك السحر في بدنه الظاهر ولا في عقله وإدراكه ولا في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها ، ولذلك لا يستنكر أحد من الناس شيئاً من سيرته ولا من معاملته معهم في صلاته وأذكاره وتعليمه ، فعلى هذا إنما كان أثر السحر فيما يتعلق بالجماع مع النساء أو مع بعض نسائه ، ولهذا لم ينقله سوى عائشة ، وقد ذكر أنه كان يخيل إليه أنه يأتي النساء وما يأتيهن ، وهذا القدر لا يؤثر في الرسالة وهو من قضاء الله وقدره لحكمة أن الله قد يبتلي بعض الصالحين كالأنبياء فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
* قال الدكتور عمر الأشقر : ( وقد ذهب كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما النبوة ، ولا ما ينبغي لها إلى أن الخبر بتأثير السحر قد صح ، فيلزم الاعتقاد به ، وعدم التصديق به من المبتدعين ، لأنه ضرب من إنكار السحر ، وقد جاء القرآن بصحة السحر 0
ويمكننا أن نلخص مآخذ أصحاب هذا الاتجاه في النقاط التالية :
1- ادعاؤهم أن هذا الحديث باطل ، وأنه من وضع الملحدين 0
2- زعمهم أن هذا الحديث مقدوح في سنده 0
3- ادعاؤهم بأن هذا الحديث حديث آحاد ، وأحاديث الآحاد تفيد الظن ، ولا تفيد اليقين ، ولا يجوز الاحتجاج بأحاديث الآحاد من أجل ذلك 0
4- ادعاؤهم بأن التصديق بهذا الحديث يقدح في مقام النبوة ، وينافي العصمة ، فإذا كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله يمكن أن يخيل إليه أنه أوحي إليه ولم يوح إليه ، أو أنه بلغ ما أوحي إليه ولم يبلغ 0
5- وقالوا السحر عمل الشياطين ، وهؤلاء لا يسلطون على رسل الله وأنبيائه : ( إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ( سورة الحجر – الآية 42 ) 0
6- وقالوا : هذا الحديث يصدق المشركين الذين اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور : ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) ( سورة الفرقان – الآية 8 ) 0
ويقول الدكتور عمر الأشقر – حفظه الله - في الرد على أصحاب هذا الاتجاه :
الأول : أما دعواهم بأن الحديث مكذوب من وضع الملحدين يرد عليه أن الحديث اتفق على إخراجه البخاري ومسلم 0
الثاني : دعواهم أن الحديث مقدوح في إسناده دعوى ليس عليها دليل ، وقد نظرت في شروح الحديث أمثال فتح الباري ) و ( شرح النووي على مسلم ) فلم ينقلوا عن عالم واحد من علماء الحديث طعن في الحديث أو في رواته 0
الثالث : أما دعواهم بأن الحديث حديث آحاد ، وأحاديث الآحاد لا تقبل في المسائل الاعتقادية 0 فالجواب : أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الأحاديث الآحاد تقبل في مسائل الاعتقاد كما تقبل في المسائل العملية ، والذين فرقوا بينهما لم يأتوا بدليل يدل على صحة هذا التفريق 0
الرابع : أما ادعاؤهم أن هذا الحديث يقدح في مقام النبوة ، وينافي العصمة فهو غير صحيح ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم بالإجماع من كل ما يؤثر خللا في التبليغ والتشريع ، وأما بالنسبة إلى الأعراض البشرية كأنواع الأمراض والآلام ونحو ذلك ، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر 0
الخامس : دعواهم أن السحر من عمل الشيطان ، والشيطان لا سلطان له على عباد الله ، نقول : إن المراد بقوله : ( إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلطَانٌ ) ( سورة الحجر – الآية 42 ) أي في الإغواء والإضلال ، أما إصابة الشيطان العبد الصالح في بدنه فالآيات لا تنفيها وقد جاء في القرآن ما يدل على إمكان وقوعها ، كما حصل لأيوب وموسى - عليهما السلام - 0
السادس : أما دعواهم أن هذا الحديث مناقض للقرآن مصدق لمزاعم المشركين الذين زعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجل مسحور فأكذبهم القرآن في ذلك 0
فالجواب عن هذا الزعم أن هذا الحديث موافق للقرآن لو تدبروا ، موسى - عليه السلام - من أولي العزم من الرسل ، وقد خيل إليه عندما ألقى السحرة عصيهم : ( أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) ( سورة طه – الآية 66 ، 67 ) 0
فهذا القرآن الكريم يدل صراحة على أن السحر قد يؤثر في الأنبياء ) ( عالم السحر والشعوذة – بتصرف واختصار - 181 ، 187 ) 0
قلت : ما ذكره الدكتور عمر الأشقر - حفظه الله - فيه كفاية عن كل رواية ، فقد أوجز وأبدع ، ورد وأقنع ، ونقل منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في الاتفاق على انتفاء هذه الشبهة ، وحقيقة السحر الذي تعرض له رسول الله :salla-icon: 0
* قال الدكتور أحمد بن ناصر الحمد : ( إن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء ؛ على شفاء من يشاء ، من غير سبب ، والسحر من الأسباب التي يحصل بها الضرر ، وقد نال الرسول المعصوم – صلوات الله وسلامه عليه – ذلك الضرر 0
وهو القدوة والأسوة ، قوله ، وفعله – صلوات الله وسلامه عليه – شرع ومنهج لأمته ، وقد بين الله تعالى له بوساطة الملكين سبب وجعه ، ومادته ومكانه ، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه عن ذلك " أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي " أو " أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه " ، أو نحو ذلك 0 وهذه الألفاظ توحي بإزالة السبب ليزول المسبب ، وهي الفتوى التي فيها الشفاء ، وقد بادر العبد الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – بإتيانها وإخراجها ، وحلها ليبطل تأثيرها ، وهذا مما لا يخفى حيث إن الأثر يزول بزوال مؤثره ، إذا كان مرتبطا به ؛ كأثر المغناطيس في الجذب ، والبرودة في الثلج ، ونحو ذلك مما لا يزول أثره إلا بإزالته ، أو بأن يمنع من أثره مؤثر أقوى منه 0
وأيضا ما قيمة إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بمادة السحر ومكانه ، إذا لم يكن لإخراجه وإتلافه معنى ، وغاية 0
ثم إن حصول الشفاء للرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك الضرر من غير سلوك أسبابه قهرا لأعدائه صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لحماية الله تعالى له وعصمته من كيد أعدائه ، كما يكون ذلك في حالة عدم تأثير السحر عليه 0 لكن الله سبحانه وتعالى كما ابتلى رسوله صلى الله عليه وسلم بتأثير السحر عليه ؛ لم يميزه بإزالة الأثر من غير تعاطي الأسباب ، وهو العليم الحكيم ، والمشرع العليم لتكون القدوة للأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله سبحانه وتعالى المعوذتين بهذا السبب ، لطلب الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء ليحميه من أسباب الشر والضرر ، لأنه القادر على منع ذلك ، فالتعوذ بهاتين السورتين عبادة لله تعالى ، وسبب للوقاية من الأضرار ، والحمد لله رب العالمين ) ( كتاب السحر بين الحقيقة والخيال - 120 ، 121 ) 0
* قال الشيخ عطيه صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر : ( وقد تحدث العلماء عن الحديث الذي ورد في البخاري ومسلم أن رجلاً من بني زريق حليف اليهود اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم فأثبته جماعة وقالوا : ذلك جائز ، فهو مرض من الأمراض التي تصيب الإنسان ، وهو لم يؤثر عليه من ناحية تبليغ الدعوة والرسالة والتزام أحكامها ، وأولوا قوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) ( سورة المائدة – الآية 67 ) بعصمة القلب والإيمان دون الجسد ، فقد شج وجهه وكسرت رباعيته ، وآذاه جماعة من قريش ، والجصاص من أئمة الحنفية قد نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر ، على الرغم من صحة الحديث ، وذلك استناداً إلى الآية ولعدم فتح الباب للطعن فيما بلغه من الرسالة ) ( أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام – ص 315 ) 0
* قال الدكتور عمر يوسف حمزة : ( وقد يستشكل بعضهم أن يكون للسحر تأثير حقيقي وذلك لسببين :
الأول : كون السحر بحد ذاته حقيقة ثابتة ، إذ هو فيما يتوهمه البعض أمر مناف بقضية التوحيد 0
الثاني : أن يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سحر ، فذلك مما يحط ( في وهمهم ) من منصب النبوة ويشكك الناس فيها 0
والحقيقة أنه لا إشكال في الأمر البتة ، أما الجواب عن الوهم الأول ، فهو أن اعتبار السحر حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثراً بذاته بل هو كقولنا السم له مفعول حقيقي ثابت ، والدواء له مفعول حقيقي ثابت ، فهذا كلام صحيح لا ينكر 0 غير أن التأثير في هذه الأمور الثابتة إنما هو لله تعالى 0 وقد قال الله تعالى عن السحر : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) ، وقد نفى الله عز وجل عن السحر التأثير الذاتي ، ولكنه أثبت له في نفس الوقت مفعولاً ونتيجة منوطة بإذن الله تعالى 0
وأما الجواب عن الوهم الثاني ، فهو أن السحر الذي أصيب به صلى الله عليه وسلم إنما كان متسلطاً عن جسده وظواهر جوارحه كما هو معروف 0 لا على عقله وقلبه واعتقاده ، فمعاناته من آثاره كمعاناته من آثار أي مرض من الأمراض التي يتعرض لها الجسم البشري لأي كان ، ومعلوم أن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تستلزم سلامته من الأمراض والأعراض البشرية المختلفة 0
وهو كما حصل للمريض عند شدة الحمى ، فمن الأعراض الطبيعية لذلك أن تطوف بالذهن أخيلة وأوهام غير حقيقية لشدة وطأة الحرارة ، والأمر في ذلك وأشباهه من الأعراض البشرية التي يستوي فيها الأنبياء والرسل مع غيرهم من الناس ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء – ص 24 ، 25 ) 0
* قال الأستاذ زهير حموي : ( ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه التبس عليه أمر من أمور العبادة ، أو التبليغ ، التي فضل من أجلها وبعث بها ، فلم يثبت - مثلا - أن النبي صلى الله عليه وسلم خيل إليه في يوم من الأيام أنه صلى فرضا ، وهو لم يصله ، ولم يلتبس عليه الأمر في حكم مسألة أو قضية مما كان يسأل عنه أو يقضي به ، وبهذا يثبت أنه صلى الله عليه وسلم معصوم ومحفوظ ، ولم يؤثر السحر على عقله وقلبه ، وإنما هو عارض من العوارض الجسدية بدليل قول السيدة عائشة – رضي الله عنها – وجعل يذوب ، وإنه بعد ما استخرج السحر كأنه نشط من عقال ، مما يجزم بأن تأثير السحر إنما كان ثقلا في بدنه وفتورا ، وإن ما كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله إنما هو من أمور الدنيا ليس غير ) ( الإنسان بين السحر والعين والجان – 116 ، 117 ) 0
قال الأستاذ أحمد محمد جمال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز : ( ونبدأ في حوارنا للعلماء الأجلاء بإثبات حقيقة السحر من آيات القرآن الكريم ، ثم الحديث النبوي ، ونتبعها بآراء الفقهاء والعلماء قدامى ، ومحدثين 0 وبعد ذلك نتحدث عن حقيقة الحسد بالأسلوب نفسه والمنهج ذاته 000 والله وحده الموفق والمستعان ) ( الإصابة بالعين وعلاجها – ص 35 ) 0
وأما رد البعض لحديث الآحاد ، وقولهم بأن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ومن هؤلاء ( محمد عبده ) حيث يقول عن سحر الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إن هذا الحديث أحاد ، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ، وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم من التأثير في عقله ، لا يؤخذ في نفيها إلا باليقين ، ولا يجوز أن يؤخذ فيه بالظنون ، وعلى كل قلنا بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ، ولا نحكمه في عقيدتنا ، ونأخذ بنص الكتاب ودليل العقل ) ( تفسير جزء عم – ص 181 ) 0
وهذا القول مرفوض جملة وتفصيلا ، لأن أحاديث الآحاد مما يحتج بها ، إضافة إلى أن هذا الحديث ورد في صحيح البخاري ، وقد تكلم في ذلك علماء المسلمين في كتبهم وبينوا كل ما يتعلق بهذه المسألة بما يرد زعم هؤلاء ، ومن ذلك :
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : ( وخبر الواحد المتلقي بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالاسفرائيني وابن فورك وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن ، لكن لما اقترن به إجماع على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد ، فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور ، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي ، لأن الإجماع معصوم ، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على التصديق بكذب ، ولا التكذيب بصدق ) ( مجموع الفتاوى - 18 / 41 ) 0
وقال أيضا عن أحاديث الصحيحين : ( وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث ، وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر ، ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، تارة لتواتره عندهم ، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول ) ( مجموع الفتاوى – 18 / 41 ) 0
يقول السيوطي في خبر الآحاد : ( الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك ، وهو أنواع منها ما أخرجه الشيخان في صحيحهما مما لم يبلغ التواتر ، فإنه احتف به قرائن منها : جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما ، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول ، وهذا التلقي وحده أقوى من إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة على التواتر ) ( تدريب الراوي – 1 / 133 ) 0
يقول الشيخ مقبل بن هادي الوادعي – حفظه الله - : ( ولسنا نقبل أن يتحمس الشخص للدين من جوانب ويهدمه من جانب ، فأصحاب المدرسة العقلية الحديثة لا يرون حجية حديث الآحاد والدين أغلبه من طريق الآحاد ويقدمون العقل على النقل ، فهل هذه طريقة السلف ) ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر – ص 29 ) 0
خلاصة البحث : أن سحر النبي صلى الله عليه وسلم ثابت عند أثبات علماء أهل السنة والجماعة ، وهذا السحر لم يضره في بدنه الظاهر ولا في عقله وإدراكه ولا في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها ، والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
بارك الله في الجميع ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
:icon_sa1: ،،،،،،
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
الشبه التي تثار حول هذا الدين وأحكامه الشرعية كثيرة جدا ، ومن هذه الشبه ما كان منبعه تحكيم الأهواء والشهوات وكذلك الحقد والحسد على هذا الدين وأهله من أتباع منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ومنها ما كان بقصد الدفاع عنه لاعتقادات مختلفة أساسها الحمية ونصرة الدين وأهله 0
وأستأنس في هذا المقام بكلام مبدع للشيخ " مقبل بن هادي الوادعي – حفظه الله – حيث يقول :
( فليست السلفية بالادعاءات ، ولكنها استسلام لله ، وقبول ما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم 0 وبعض الصحابة رضوان الله عليهم عند أن أنزل الله سبحانه وتعالى : ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) ( سورة البقرة – الآية 284 ) ، شق عليهم ذلك فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " لا تقولوا كما قال أهل الكتاب سمعنا وعصينا ولكن قولوا سمعنا وأطعنا " 0 فلما أذعن القوم أنزل الله في أثرها : ( ءامَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ) إلى قوله : ** لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) ( سورة البقرة – الأية 285 ، 286 ) إلى آخر السورة ) ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر – ص 29 ) 0
وقبل أن أذكر أقوال العلماء في هذه المسألة أسوق بعض الأحاديث الدالة على حادثة سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي على النحو التالي :
* ثبت من حديث عائشة - رضي الله عنها – أنها قالت :
( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله 0 حتى إذا كان ذات يوم - أو ذات ليلة - وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ثم قال : ( يا عائشة ، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب – أي مسحور - ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، وجف طلع نخلة ذكر 0 قال : وأين هو ؟ قال في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه 0 فجاء فقال : يا عائشة ، كأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين – أي كونها وحشة المنظر - ، قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته ؟ قال : قد عافاني الله ، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا 0 فأمر بها فدفنت )
( متفق عليه - وقد روي مثل ذلك الحديث عن أم المؤمنين - رضي الله عنها - بأسانيد مختلفة )
* عن عائشة - رضي الله عنها - قالت :
( كان رسول الله :salla-icon: سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن – قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا – فقال : يا عائشة : أعلمت إن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب 0 قال : ومن طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً 0 قال : وفيم ؟ قال : في مشط ومشاقة – أي ما يغزل من الكتان - 0 قال وأين ؟ قال : في جف طلعة ذكر تحت رعوفة – أي حجر في أسفل البئر - في بئر ذروان ، قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه ، فقال : هذه البئر التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين0 قال : فاستخرج 0 قال : فقلت : أفلا أي تنشرت ، فقال : أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد منه شراً )
( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الطب ( 50 ) – برقم 5766 ) 0
النشرة : ( نشر ما طوى الساحر وتفريقه ، وهي عبارة عن الرقية التي بها تحل عقدة الرجل عن مباشرة الأهل ) ( أنظر شرح الكرماني على صحيح البخاري – 41 / 21 ) 0
أضواء على الحديث :
( لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع ، جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم ، وكان حليفاً لبني زريق ، وكان ساحراً ، فقالوا له : يا ابن الأعصم أنت أسحرنا ، وقد سحرنا محمداً فلم نصنع شيئاً ، ونحن نجعل لك جعلاً على أن تسحره لنا سحراً ينكؤه – أي يوجعه - ، فجعلوا له ثلاثة دنانير ، وقد ساعد اليهود على تدبير مكيدتهم أن غلاماً من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت إليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله عليه وسلم وعدة من أسنان مشطه وأعطاها اليهود الذين قاموا بدورهم بإعطاء ذلك لابن الأعصم فتولى سحر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم دس السحر في بئر لبني زريق يقال له ذروان ، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر – أي تساقط - شعر رأسه ولبث ستة أشهر يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، وجعل يدور ولا يدري ما عراه ، فيبنما هو نائم إذ أتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب ؟ قال : من طبه 0 قال : لبيد بن الأعصم ، قال : وبم طبه ؟ قال : بمشط ومشاطة ، قال : وأين هو ؟ ، قال : في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان ، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مذعوراً ، وقال يا عائشة : أما شعرت إن الله أخبرني بدائي ثم بعث رسول الله علياً والزبير وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء البئر كأنه نقاعة الحناء ، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان من مشطه ، وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر ، فأنزل الله تعالى المعوذتين ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حين انحلت العقدة الأخيرة ، فقام كأنما نشط من عقال ، وجعل جبريل يقول : باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من حاسد وعين ، الله يشفيك ، فقالوا يا رسول الله أفلا نأخذ الخبيث نقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثير على الناس منه شراً وأمر بها فدفنت ) ( أنظر بتصرف : زاد المسير – 271 ، 272 / 9 ، الجامع لأحكام القرآن – 254 / 20 ، فتح الباري – 226 / 10 ، المجموع شرح المهذب للنوي – 242 ، 243 / 19 ، أسباب النزول للشيخ أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري – 346 ، 347 – أنظر صحيح البخاري بشرح الكرماني – 21 / 43 ) 0
قال ابن حجر في الفتح : ( ومن رواية عمرة عن عائشة " فنزل رجل فاستخرجه " وفيه من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع – تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم – وإذا فيه إبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ألماً ثم يجد بعدها راحة – فتح الباري – 10 / 230 ) 0
تلك هي حادثة سحر الرسول :salla-icon: كما ثبتت في الأحاديث المروية الصحيحة ، وكما بينها علماء الأمة الأجلاء 0
وقد ذهب الفريق الأول وهم المبتدعة إلى إنكار سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أن ذلك يحط من منصب النبوة ويشكك فيه ، وقد ساقوا بعض الأقاويل الواهية كإنكار حديث الآحاد ونحو ذلك من ترهات وأباطيل 0
وأنقل بعض أقوال أهل العلم ممن كذب بهذا الحديث ، وردوه ردا منكرا بدعوى أنه مناقض لكتاب الله الذي برأ الرسول صلى الله عليه وسلم من السحر :
* قال الجصاص : ( زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر ، وأن السحر عمل فيه ، حتى قال فيه : إنه يتخيل لي أني أقول الشيء وأفعله ، ولم أقله ولم أفعله ، وأن امرأة يهودية سحرته في جف طلعة ومشط ومشاقة ، حتى أتاه جبريل – عليه السلام – فأخبره أنها سحرته في جف طلعة ، وهو تحت راعوفة البئر 0 فاستخرج وزال عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العارض ، وقد قال الله تعالى مكذبا للكفار فيما ادعوه من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال جل من قائل : ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا )( سورة الفرقان – الآية 8 ) 0
ثم قال : ( ومثل هذه الأخبار من وضع الملحدين تلعبا بالحشو الطغام ، واستجرارا لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء عليهم السلام ، والقدح فيها ) ( أحكام القرآن – 1 / 49 ) 0
* قال أبو بكر الأصم : ( إن حديث سحره صلى الله عليه وسلم هنا متروك لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور ، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه ، ونقل الرازي عن القاضي أنه قال : هذه الرواية باطلة ، وكيف يمكن القول بصحتها والله يقول : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) ( سورة المائدة – الآية 67 ) 0 وقال : ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ( سورة طه – الآية 69 ) 0
ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة ، ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا إلى ضرر جميع الأنبياء والصالحين ، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم ، وكل ذلك باطل ، وكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور ، فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار صادقين في تلك الدعوى ، ولحصل فيه عليه السلام ذلك العيب ، ومعلوم أنه غير جائز ) ( نقله عن شارح المجموع - 19 / 243 ) 0
قال الأستاذ محمد عبده في تفسيره لقوله تعالى ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) : ( ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه السلام حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئاً وهو لا يفعله ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية بل هو ماس بالعقل آخذ بالروح وهو مما يصدق قول المشركين فيه : ( إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجلا مَسْحُورًا) 0 وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله وخيل له أن شيئاً يقع وهو لا يقع فيخيل إليه أنه يوحى إليه ولا يوحى إليه 0
وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة وما يجب لها أن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فيلزم الاعتقاد به وعدم التصديق به من بدع المبتدعين لأنه ضرب من إنكار السحر وقد جاء القرآن بصحة السحر 0
فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحق الصريح في نظر المقلد بدعة نعوذ بالله ، يحتج بالقرآن على ثبوت السحر ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وعده من افتراء المشركين عليه ، ويؤول في هذه ؛ ولا يؤول في تلك ، مع أن الذي قصده المشركون ظاهر لأنهم كانوا يقولون إن الشيطان يلابسه عليه السلام وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد فإنه قد خالط عقله وإدراكه في زعمهم 0
والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته ، وعدم الاعتقاد بما ينفيه ، وقد جاء بنفي السحر عنه عليه السلام ، حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه ووبخهم على زعمهم هذا فإذن هو ليس بمسحور قطعاً 0
وأما الحديث على فرض صحته فهو آحاد ، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون 0
على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده ، أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة ، وعلى أي حال فلنا بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ولا نحكمه في عقيدتنا ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل ) ( نقلا عن كتاب " ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر " للشيخ " مقبل بن هادي الوادعي " -– ص 38 -– 39 ) 0
قال محمد جواد مغنيَّة : ( وروى الرواة عن عائشة أنَّ يهودياً اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأثر فيه سحره حتى كان يخيل له أن يفعل الشيء وهو لا يفعله ، وإنَّ هذه السورة - يعني سورة الفلق - ، والتي بعدها – يعني سورة الناس - نزلت في ذلك ! وهذه الرواية يجب طرحها شرعاً وعقلاً 0 أما عقلاً ، فلأن النبيّ صلى الله عليه وسلم معصوم لا ينطق إلا بالوحي ، فيستحيل أن يخيل له أنه يوحى إليه ، ولا يوحى إليه ، وأمّا شرعاً فلأن الله سبحانه قد كذَّب السحر وأهله حيث قال عزَّ من قائل : ( 000 يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ) ( سورة طه – جزء من الآية 66 ) إلى قوله : ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ( سورة طه – الآية 68 ، 70 ) وأيضاً كذَّب المشركين الذين وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمسحور – ونقل كلام محمد عبده آنف الذكر 000 ) ( التفسير الكاشف – 7 / 625 ، 626 ) 0
والفريق الثاني وهم علماء الأمة الأجلاء الذين قرروا هذه المسألة ، وأنقل بعض أقوالهم لدحض الشبهة وإزالة الغمة :
* قال ابن القيم - رحمه الله - : ( إن الذي أصابه هو مرض من الأمراض ، من جنس الأسقام والأمراض الأخرى المعتادة ، التي أصابته صلى الله عليه وسلم وشفاه الله منها ، ولا تقدح في نبوته ، لأنه بشر يجوز عليه ما يجوز على البشر من الأمراض ، مثل إغمائه صلى الله عليه وسلم في مرضه ، وإصابته ، في غزوة أحد 000 الخ ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من صدقه ، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ) 0
وقال أيضا : ( ولا عيب ولا نقص بوجه ما في ذلك ، فإن المرض يجوز على الأنبياء ، وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعة في درجاته ، ونيل كرامته ، وأشد الناس بلاء الأنبياء فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به من القتل ، والضرب ، والشتم ، والحبس ، فليس ببدع أن يبتلى صلى الله عليه وسلم من بعض أعدائه بالسحر ، كما ابتلى بالذي رماه فشجه ، وبالذي ألقى على ظهره السلا وهو ساجد وغير ذلك ) ( بدائع الفوائد – ص 224 ) 0
وقال : ( وهذا المرض " السحر " لا ينافي حماية الله لأنبيائه ، فإنه سبحانه وتعالى كما يحميهم ويصونهم ويتولاهم ، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار ليستوجبوا كمال كرامته ، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم ، وخلفائهم إذا أوذوا من الناس ، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء فصبروا ، ورضوا وتأسوا بهم ، ولتمتلئ صاع الكفار ، فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل ، والعقوبة الآجلة ، فيسحقهم بسبب بغيهم ، وعداوتهم ، فيعجل تطهير الأرض منهم ، فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء أقوامهم ) ( بدائع الفوائد – ص 226 ) 0
* وقال – رحمه الله - : ( قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا 0 فإن ذلك ينافي حماية الله لهم ، وعصمتهم من الشياطين 0
وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم ، فإن هشاما من أوثق الناس وأعلمهم ، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه ، فما للمتكلمين وما لهذا الشأن ؟ وقد رواه غير هشام عن عائشة 0 وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة والقصة مشهورة عن أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء 0 وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من المتكلمين ) ( بدائع التفسير – 5 / 407 ) 0
* قال الحافظ بن حجر : ( وهذه - يعني ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سحر وتأثير - من أمور الدنيا التي لم يبعث من أجلها ، فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض ) ( فتح الباري – 10 / 227 ) 0
* قال القاضي عياض : ( وهكذا سائر أنبيائه تعالى بين مبتل ، ومعافى ، وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات أي في أحوالهم المتغيرة ، والمتفاوتة فيها الحالات وليبين أمرهم ، ويتم كلمته فيهم ، وليحقق بامتحانهم بشريتهم وهذه الطوارئ إنما تختص بأجسامهم البشرية ، وأما بواطنهم فمنزهة غالبا عن ذلك ، معصومة منه ، متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة ، لأخذها عنهم ، وتلقيها الوحي منهم ) ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى - 2 / 863 ، 864 ) 0
وقال : ( فإن قلت : فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم سحر ، كما في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله ) 0
وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور ، فكيف حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ؟ وكيف جاز عليه وهو معصوم ؟ فاعلم - وفقنا الله وإياك - أن هذا الحديث صحيح متفق عليه ، وقد نزه الله الشرع والنبي صلى الله عليه وسلم عما يدخل في أمره لبسا ، وإنما السحر مرض من الأمراض ، وعارض من العلل ، ويجوز عليه كأنواع المرض مما لا ينكر ، ولا يقدح في نبوته ، وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخله في شيء من تبليغه أو شريعته ، أو يقدح في صدقه ، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ، وإنما هذا فيما يجوز طروءه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ، ولا فضل لأجلها ، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر ، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له ثم ينجلي عنه كما كان 0
وقد قيل : أن المراد بالحديث أنه كان يتخيل الشيء أنه فعله وما فعله ، لكنه تخيل لا يعتقد صحته ، فتكون اعتقاداته كلها على السداد ، وأقواله على الصحة 0
وكذلك أقول : إنه في هذه الأحوال كلها من وصب ومرض وسحر وغضب ، لم يجز على باطنه ما يخل به ، ولا فاض على لسانه وجوارحه ما لا يليق به ، كما يعتري غيره من البشر ) ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى – 2 / 865 ) 0
وقال أيضا : ( فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له ، ثم ينجلي عنه كما كان ، ولم يأت في خبر أنه نقل عنه في ذلك قول بخلاف ما كان أخبر إنه فعله ، ولم يفعله ، وإنما كانت خواطر وتخيلات ) ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى – 2 / 867 ) 0
* قال المازري : ( قد أنكر هذا الحديث المبتدعة من حيث أنه يحط منصب النبوة ، ويشكك فيها ، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع وقالوا : فلعله حينئذ يخيل إليه أن جبريل - عليه السلام - يأتيه وليس ثم جبريل ، وأنه أوحي إليه وما أوحي إليه 0
قال : وهذا الذي قالوه باطل قطعا لأن دليل الرسالة وهو المعجزة دل على صدقه فيما يبلغه عن الله تعالى وعصمته صلى الله عليه وسلم فيه ، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل ) ( زاد المسلم - 4 / 221 ) 0
* وقال أيضا : ( قال أبو الجكني اليوسفي - رحمه الله - : أما وقوع المرض للنبي صلى الله عليه وسلم بسبب السحر فلا يجر خللا لمنصب النبوة لأن المرض الذي لا نقص فيه في الدنيا يقع للأنبياء ويزيد في درجاتهم في الآخرة عليهم الصلاة والسلام 0 وحينئذ فإذا خيل له بسبب مرض السحر أنه يفعل شيئا من أمور الدنيا وهو لم يفعله ثم زال ذلك عنه بالكلية بسبب اطلاع الله تعالى له على مكان السحر ، وإخراجه إياه من محله ودفنه فلا نقص يلحق الرسالة من هذا كله لأنه مرض كسائر الأمراض 0
لا تسلط له على عقله بل هو خاص بظاهر جسده كبصره حيث صار يخيل إليه تارة فعل الشيء من ملامسة بعض أزواجه وهو لم يفعله ، وهذا في زمن المرض لا يضر 0
قال : والعجب ممن يظن هذا الذي وقع من المرض بسبب السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قادحا في رسالته مع ما هو صريح في القرآن في قصة موسى مع سحرة فرعون ، حيث صار يخيل إليه من سحرهم أن عصيهم تسعى فثبته الله كما دل عليه قوله تعالى : ( قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى * فَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا ءامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) ( سورة طه – الآية 68 ، 70 ) ولم يقل أحد من أهل العلم ولا من أهل الذكاء أن ما خيل لموسى – عليه الصلاة والسلام – أولا من سعي عصي السحرة قادح في رسالته ، بل وقوع مثل هذا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام يزيد قوة الإيمان بهم لكون الله تعالى ينصرهم على أعدائهم ، ويخرق لهم العادة بالمعجزات الباهرة ، ويخذل السحرة والكفرة ويجعل العاقبة للمتقين كما هو مبين في آيات الكتاب المبين ) ( زاد المسلم – 4 / 22 ) 0
* قال ابن قتيبة : ( أن ذلك لا ينكر على لبيد أن يضع السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ليس هذا ما يجترّ الناس به إلى أنفسهم ، نفعاً ، ولا يصرفون عنها ضراً ، ولا يكسبون به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثناء ، ومدحاً ، ولا حملة هذا الحديث كذابين ، ولا متهمين ، ولا معادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر أن اليهود قتلت من قبل الأنبياء وعذَّبتهم بألوان العذاب ، وقتلت زكريا في جوف شجرة ، قطعته قطعاً بالمناشير ، وقتلت بعده ابنه يحيى بقول بغيٍّ ، واحتيالها في ذلك ، وادعت اليهود أنها قتلت المسيح وصلبته ، وقد سمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ذراع شاة مشوية ، سمته يهودية 0 فقال : " ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري " فجعل الله تعالى لليهودية عليه صلى الله عليه وسلم السبيل حتى قتله 0 ومن قبل ذلك ما جعل الله لليهود السبيل على النبيين ) ( تأويل مختلف الحديث – بتصرف واختصار – ص 168 ، 169 ) 0
* قال المهلب : ( صون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الشياطين لا يمنع إرادتهم كيده ، فقد مضى في الصحيح أن شيطاناً أراد أن يفسد عليه صلاته فأمكنه الله منه ، فكذلك السحر ، ما ناله من ضرره ما يدخل نقصاً على ما يتعلق بالتبليغ ، بل هو من جنس ما كان يناله من ضرر سائر الأمراض من ضعف عن الكلام أو عجز عن بعض الفعل أو حدوث تخيل لا يستمر بل يزول ويبطل الله كيد الشياطين ) ( نقلا عن كتاب ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر - للشيخ مقبل بن هادي الوادعي - ص 93 ) 0
* قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي – حفظه الله - : ( فإني لما كنت بمدينة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلغني أن بعض الناس ينكرون " حديث السحر " فقلت لمن أخبرني : إنه في البخاري ومسلم ، فقال : وهم ينكرونه ، فقلت : بمن ضعفوه ، وكنت أظن أنهم يسلكون مسالك العلماء في النقد والتجريح لعلهم وجدوا في سنده من هو سيئ الحفظ أو جاء موصولاً والراجح أنه منقطع أو جاء مرفوعاً والراجح فيه الوقف كما هو شأن الحافظ الدارقطني - رحمه الله -–في انتقاداته على الصحيحين فإذا هؤلاء الجاهلون أحقر من أن يسلكوا هذا المسلك الذي لا يقوم به إلا جهابذة الحديث ونقاده والميزان عند هؤلاء أهواؤهم فما وافق الهوى فهو الصحيح ، وإن كان من القصص الإسرائيلية أو مما لا أصل له وما خالف أهواءهم فهو الباطل ، ولو كان في الصحيحين بل ربما تجاوز بعض أولئك المخذولين الحد وطعن في بعض القصص القرآنية 0
لذا رأيت أن أقدم لإخواني طلبة العلم هذا الحديث الشريف وتوجيه أهل العلم لمعناه على المعنى الذي يليق بشرف النبوة والعصمة النبوية ولا أدعي أنني صححت الحديث فهو صحيح من قبل أن أخلق ومن قبل أن أطلب العلم وما طعن فيه عالم يعتد به وناهيك بحديث اتفق عليه الشيخان ورواه الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم ولا يتنافى معناه مع أصول الشريعة 0
والذي أنصح به طلاب العلم أن لا يصغوا إلى كلام أولئك المفتونين الزائغين وأن يقبلوا على تعلم الكتاب والسنة وأن يبينوا للناس أحوال أولئك الزائغين ويحذروا منهم ومن كتبهم ومجلاتهم وندواتهم والله أسأل أن يحفظ علينا ديننا وأن يتوفانا مسلمين ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر - ص 3 - 4 ) 0
* سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن سحر الرسول ومن الذي سحره ؟؟؟
فأجاب -–حفظه الله - : ( ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي ، لكنه دعا ودعا ، ثم قال : " يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ، فقال : مطبوب 0 قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم 0 قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة وجف طلعة نخلة ذكر 0 قال : وأين هو ؟ قال : في بئر ذروان " فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال : " يا عائشة : كأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين " قلت : يا رسول الله أفلا استخرجته 0 قال : قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً " فأمر بها فدفنت 0 وفي رواية في الصحيح عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، قال سفيان : وهو ابن عيينة الراوي : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا ، فذكر الحديث ، وفيه : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه 0 وفيه فقلت : أفلا تنشرت ؟ فقال : أما الله فقد شفاني 00 الخ 0 ورواه البخاري في الأدب ، وفيه قالت : مكث النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتي 00 الخ ، ومنه يعلم أن السحر أثر فيه نوع مرض فيما يتعلق بالنساء ، وأن الذي سحره رجل من بني زريق ، يقال له : لبيد بن الأعصم ، وهو من الخزرج ، ولكنه حليف لليهود ، وقد روي أنه أسلم نفاقاً ، وذكر أنه عمل السحر بأمر من اليهود ، وكان ذلك لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ، وبعد أن دخلت سنة سبع ، وأن اليهود جعلوا له ثلاثة دنانير ، وفي رواية فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه ، وفي رواية فقال له : ما حملك على هذا ، قال : حب الدنانير ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن كيفية سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكيفية التي عالج بها السحر الذي أصابه ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( وقع في الأحاديث أنه في جف طلعة ذكر ، تحت راعوفة في بئر ذروان ، أي ذلك الساحر أخذ من شعر النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في مشط ، وهو الآله التي يسرح بها الشعر وله أسنان متساوية يدخل الشعر بينها عند كد الرأس أو اللحية ؛ وذلك الساحر جعل الشعر والمشط في جوف الطلع ، وهو الغطاء المسمى بالكافور الذي يكون فوق الطلع عند خروجه من النخل ، أي أنه أخذ الشعر والمشط وعمل فيه السحر ثم جعله في جف هذا الغشاء الذي هو جف طلعة النخل الذكر ، ووضعه تحت راعوفة ، وهو الحجر الذي يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي ، وقد يكون في أسفل البئر ، وقال أبو عبيد : هي صخرة تنزل في أسفل البئر إذا احضرت ، يجلس عليها الذي ينظف البئر ، أو هو حجر يوجد صلباً لا يستطاع نزعه فيترك ، ووقع في رواية عن عائشة : فنزل رجل فاستخرجه 0 وفيه أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع ، تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا فيه إبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد لها ألماً ثم يجد بعدها راحة ، ووقع في حديث عن زيد بن أرقم عن عبد بن حميد وغيره : فأتاه جبريل فنزل بالمعوذتين ؛ وفيه فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ، فجعل يقرأ ويحل حتى قام كأنما نشط من عقال ، ووقع في حديث عن ابن سعد : فاستخرج السحر من الجف من تحت البئر ثم نزعه فحله ، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويظهر من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه ، وكرر الدعاء مراراً ، فأطلعه الله تعالى على هذا العمل الشيطاني ، حيث نزل عليه ملكان ، وأخبراه بموضعه وصفته ، فكان لا بد من إخراجه حيث ذهب وبعض أصحابه إلى تلك البئر فأخرجه وفرقه ، وحل العقد التي فيه ، حتى بطل أثره ، وأمر بالبئر فدفنت ، حيث أن ذلك السحر أثر فيها ، حتى كأن ماءها نقاعة الحناء أي أحمر متغيراً ، وكأن نخلها رؤس الشياطين ، لأنه شرب من ذلك الماء والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن أثر السحر في رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حصانته بالأذكار والأدعية والأوراد التي كان يحافظ عليها ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم معصوم فيما يبلغه من الرسالة وفي عقله لا يصل إليه ما يغيره ، فأما بدنه فقد تصيبه الأمراض ، وقد يسلط عليه بعض الأعداء كما حصل له أحد حيث شج رأسه وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وهذا السحر من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، فإصابته بالسحر كإصابته بالسم ، لا فرق بينهما ، مع أن هذا السحر لم يؤثر إلا في شهوة النساء ، وما يتعلق بالجماع ، فقد وقع في بعض الروايات حتى إنه يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن ، وفي لفظ : أنه يأتي أهله ولا يأتيهم 0 وهذا كثيراً ما يقع تخييله للإنسان في المنام ، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة ، فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ، ويحتمل أن يراد بالتخييل أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه في سابق عادته من الاقتدار على الوطء ، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك ، كما هو شأن المعقود ، ويؤخذ من مجموع الروايات أن هذا الساحر لم يؤثر في عقله صلى الله عليه وسلم ولا في بدنه ظاهراً ، وأن التخييل الذي كان يخيل إليه لا يجزم به ، وإنما هو من جنس الخواطر التي تخطر في البال ، ولا تثبت ، والظاهر أن التأثير إنما هو في شهوة النساء وشأن الوطء ، ولهذا لم يتفطن له إلا زوجته ، ولم ينقل أحد أنه أثر في ما يبلغه ، ولا في عبادته ومعاملاته ، فلا يستبعد أن يصيبه بقضاء الله وقدره تأثير هذا العمل ابتلاء كما تصيبه الأمراض الكثيرة في بدنه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " ( صحيح الجامع 994 ) ، وإذا قدر الله شيئاً لم ترده الأوراد والأذكار والأدعية ، وليعلم الخلق أنه بشر يصيبه ما يصيبهم ، وكما حصل للأنبياء قبله من الأذى والقتل والطرد وإن كانت العاقبة للمتقين ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن كيفية سحر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا يضاهيه أحد في العبادة ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضره ذلك السحر في بدنه الظاهر ولا في عقله وإدراكه ولا في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها ، ولذلك لا يستنكر أحد من الناس شيئاً من سيرته ولا من معاملته معهم في صلاته وأذكاره وتعليمه ، فعلى هذا إنما كان أثر السحر فيما يتعلق بالجماع مع النساء أو مع بعض نسائه ، ولهذا لم ينقله سوى عائشة ، وقد ذكر أنه كان يخيل إليه أنه يأتي النساء وما يأتيهن ، وهذا القدر لا يؤثر في الرسالة وهو من قضاء الله وقدره لحكمة أن الله قد يبتلي بعض الصالحين كالأنبياء فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
* قال الدكتور عمر الأشقر : ( وقد ذهب كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما النبوة ، ولا ما ينبغي لها إلى أن الخبر بتأثير السحر قد صح ، فيلزم الاعتقاد به ، وعدم التصديق به من المبتدعين ، لأنه ضرب من إنكار السحر ، وقد جاء القرآن بصحة السحر 0
ويمكننا أن نلخص مآخذ أصحاب هذا الاتجاه في النقاط التالية :
1- ادعاؤهم أن هذا الحديث باطل ، وأنه من وضع الملحدين 0
2- زعمهم أن هذا الحديث مقدوح في سنده 0
3- ادعاؤهم بأن هذا الحديث حديث آحاد ، وأحاديث الآحاد تفيد الظن ، ولا تفيد اليقين ، ولا يجوز الاحتجاج بأحاديث الآحاد من أجل ذلك 0
4- ادعاؤهم بأن التصديق بهذا الحديث يقدح في مقام النبوة ، وينافي العصمة ، فإذا كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله يمكن أن يخيل إليه أنه أوحي إليه ولم يوح إليه ، أو أنه بلغ ما أوحي إليه ولم يبلغ 0
5- وقالوا السحر عمل الشياطين ، وهؤلاء لا يسلطون على رسل الله وأنبيائه : ( إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) ( سورة الحجر – الآية 42 ) 0
6- وقالوا : هذا الحديث يصدق المشركين الذين اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مسحور : ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا ) ( سورة الفرقان – الآية 8 ) 0
ويقول الدكتور عمر الأشقر – حفظه الله - في الرد على أصحاب هذا الاتجاه :
الأول : أما دعواهم بأن الحديث مكذوب من وضع الملحدين يرد عليه أن الحديث اتفق على إخراجه البخاري ومسلم 0
الثاني : دعواهم أن الحديث مقدوح في إسناده دعوى ليس عليها دليل ، وقد نظرت في شروح الحديث أمثال فتح الباري ) و ( شرح النووي على مسلم ) فلم ينقلوا عن عالم واحد من علماء الحديث طعن في الحديث أو في رواته 0
الثالث : أما دعواهم بأن الحديث حديث آحاد ، وأحاديث الآحاد لا تقبل في المسائل الاعتقادية 0 فالجواب : أن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الأحاديث الآحاد تقبل في مسائل الاعتقاد كما تقبل في المسائل العملية ، والذين فرقوا بينهما لم يأتوا بدليل يدل على صحة هذا التفريق 0
الرابع : أما ادعاؤهم أن هذا الحديث يقدح في مقام النبوة ، وينافي العصمة فهو غير صحيح ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم بالإجماع من كل ما يؤثر خللا في التبليغ والتشريع ، وأما بالنسبة إلى الأعراض البشرية كأنواع الأمراض والآلام ونحو ذلك ، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر 0
الخامس : دعواهم أن السحر من عمل الشيطان ، والشيطان لا سلطان له على عباد الله ، نقول : إن المراد بقوله : ( إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلطَانٌ ) ( سورة الحجر – الآية 42 ) أي في الإغواء والإضلال ، أما إصابة الشيطان العبد الصالح في بدنه فالآيات لا تنفيها وقد جاء في القرآن ما يدل على إمكان وقوعها ، كما حصل لأيوب وموسى - عليهما السلام - 0
السادس : أما دعواهم أن هذا الحديث مناقض للقرآن مصدق لمزاعم المشركين الذين زعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم رجل مسحور فأكذبهم القرآن في ذلك 0
فالجواب عن هذا الزعم أن هذا الحديث موافق للقرآن لو تدبروا ، موسى - عليه السلام - من أولي العزم من الرسل ، وقد خيل إليه عندما ألقى السحرة عصيهم : ( أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) ( سورة طه – الآية 66 ، 67 ) 0
فهذا القرآن الكريم يدل صراحة على أن السحر قد يؤثر في الأنبياء ) ( عالم السحر والشعوذة – بتصرف واختصار - 181 ، 187 ) 0
قلت : ما ذكره الدكتور عمر الأشقر - حفظه الله - فيه كفاية عن كل رواية ، فقد أوجز وأبدع ، ورد وأقنع ، ونقل منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في الاتفاق على انتفاء هذه الشبهة ، وحقيقة السحر الذي تعرض له رسول الله :salla-icon: 0
* قال الدكتور أحمد بن ناصر الحمد : ( إن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء ؛ على شفاء من يشاء ، من غير سبب ، والسحر من الأسباب التي يحصل بها الضرر ، وقد نال الرسول المعصوم – صلوات الله وسلامه عليه – ذلك الضرر 0
وهو القدوة والأسوة ، قوله ، وفعله – صلوات الله وسلامه عليه – شرع ومنهج لأمته ، وقد بين الله تعالى له بوساطة الملكين سبب وجعه ، ومادته ومكانه ، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه عن ذلك " أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي " أو " أعلمت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه " ، أو نحو ذلك 0 وهذه الألفاظ توحي بإزالة السبب ليزول المسبب ، وهي الفتوى التي فيها الشفاء ، وقد بادر العبد الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – بإتيانها وإخراجها ، وحلها ليبطل تأثيرها ، وهذا مما لا يخفى حيث إن الأثر يزول بزوال مؤثره ، إذا كان مرتبطا به ؛ كأثر المغناطيس في الجذب ، والبرودة في الثلج ، ونحو ذلك مما لا يزول أثره إلا بإزالته ، أو بأن يمنع من أثره مؤثر أقوى منه 0
وأيضا ما قيمة إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بمادة السحر ومكانه ، إذا لم يكن لإخراجه وإتلافه معنى ، وغاية 0
ثم إن حصول الشفاء للرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك الضرر من غير سلوك أسبابه قهرا لأعدائه صلى الله عليه وسلم وإظهاراً لحماية الله تعالى له وعصمته من كيد أعدائه ، كما يكون ذلك في حالة عدم تأثير السحر عليه 0 لكن الله سبحانه وتعالى كما ابتلى رسوله صلى الله عليه وسلم بتأثير السحر عليه ؛ لم يميزه بإزالة الأثر من غير تعاطي الأسباب ، وهو العليم الحكيم ، والمشرع العليم لتكون القدوة للأمة بنبيها صلى الله عليه وسلم وقد أنزل الله سبحانه وتعالى المعوذتين بهذا السبب ، لطلب الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء ليحميه من أسباب الشر والضرر ، لأنه القادر على منع ذلك ، فالتعوذ بهاتين السورتين عبادة لله تعالى ، وسبب للوقاية من الأضرار ، والحمد لله رب العالمين ) ( كتاب السحر بين الحقيقة والخيال - 120 ، 121 ) 0
* قال الشيخ عطيه صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر : ( وقد تحدث العلماء عن الحديث الذي ورد في البخاري ومسلم أن رجلاً من بني زريق حليف اليهود اسمه لبيد بن الأعصم سحر النبي صلى الله عليه وسلم فأثبته جماعة وقالوا : ذلك جائز ، فهو مرض من الأمراض التي تصيب الإنسان ، وهو لم يؤثر عليه من ناحية تبليغ الدعوة والرسالة والتزام أحكامها ، وأولوا قوله تعالى : ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) ( سورة المائدة – الآية 67 ) بعصمة القلب والإيمان دون الجسد ، فقد شج وجهه وكسرت رباعيته ، وآذاه جماعة من قريش ، والجصاص من أئمة الحنفية قد نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر ، على الرغم من صحة الحديث ، وذلك استناداً إلى الآية ولعدم فتح الباب للطعن فيما بلغه من الرسالة ) ( أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام – ص 315 ) 0
* قال الدكتور عمر يوسف حمزة : ( وقد يستشكل بعضهم أن يكون للسحر تأثير حقيقي وذلك لسببين :
الأول : كون السحر بحد ذاته حقيقة ثابتة ، إذ هو فيما يتوهمه البعض أمر مناف بقضية التوحيد 0
الثاني : أن يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سحر ، فذلك مما يحط ( في وهمهم ) من منصب النبوة ويشكك الناس فيها 0
والحقيقة أنه لا إشكال في الأمر البتة ، أما الجواب عن الوهم الأول ، فهو أن اعتبار السحر حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثراً بذاته بل هو كقولنا السم له مفعول حقيقي ثابت ، والدواء له مفعول حقيقي ثابت ، فهذا كلام صحيح لا ينكر 0 غير أن التأثير في هذه الأمور الثابتة إنما هو لله تعالى 0 وقد قال الله تعالى عن السحر : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) ، وقد نفى الله عز وجل عن السحر التأثير الذاتي ، ولكنه أثبت له في نفس الوقت مفعولاً ونتيجة منوطة بإذن الله تعالى 0
وأما الجواب عن الوهم الثاني ، فهو أن السحر الذي أصيب به صلى الله عليه وسلم إنما كان متسلطاً عن جسده وظواهر جوارحه كما هو معروف 0 لا على عقله وقلبه واعتقاده ، فمعاناته من آثاره كمعاناته من آثار أي مرض من الأمراض التي يتعرض لها الجسم البشري لأي كان ، ومعلوم أن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تستلزم سلامته من الأمراض والأعراض البشرية المختلفة 0
وهو كما حصل للمريض عند شدة الحمى ، فمن الأعراض الطبيعية لذلك أن تطوف بالذهن أخيلة وأوهام غير حقيقية لشدة وطأة الحرارة ، والأمر في ذلك وأشباهه من الأعراض البشرية التي يستوي فيها الأنبياء والرسل مع غيرهم من الناس ) ( التداوي بالقرآن والسنة والحبة السوداء – ص 24 ، 25 ) 0
* قال الأستاذ زهير حموي : ( ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه التبس عليه أمر من أمور العبادة ، أو التبليغ ، التي فضل من أجلها وبعث بها ، فلم يثبت - مثلا - أن النبي صلى الله عليه وسلم خيل إليه في يوم من الأيام أنه صلى فرضا ، وهو لم يصله ، ولم يلتبس عليه الأمر في حكم مسألة أو قضية مما كان يسأل عنه أو يقضي به ، وبهذا يثبت أنه صلى الله عليه وسلم معصوم ومحفوظ ، ولم يؤثر السحر على عقله وقلبه ، وإنما هو عارض من العوارض الجسدية بدليل قول السيدة عائشة – رضي الله عنها – وجعل يذوب ، وإنه بعد ما استخرج السحر كأنه نشط من عقال ، مما يجزم بأن تأثير السحر إنما كان ثقلا في بدنه وفتورا ، وإن ما كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله إنما هو من أمور الدنيا ليس غير ) ( الإنسان بين السحر والعين والجان – 116 ، 117 ) 0
قال الأستاذ أحمد محمد جمال أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز : ( ونبدأ في حوارنا للعلماء الأجلاء بإثبات حقيقة السحر من آيات القرآن الكريم ، ثم الحديث النبوي ، ونتبعها بآراء الفقهاء والعلماء قدامى ، ومحدثين 0 وبعد ذلك نتحدث عن حقيقة الحسد بالأسلوب نفسه والمنهج ذاته 000 والله وحده الموفق والمستعان ) ( الإصابة بالعين وعلاجها – ص 35 ) 0
وأما رد البعض لحديث الآحاد ، وقولهم بأن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ومن هؤلاء ( محمد عبده ) حيث يقول عن سحر الرسول صلى الله عليه وسلم :
( إن هذا الحديث أحاد ، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ، وعصمة النبي صلى الله عليه وسلم من التأثير في عقله ، لا يؤخذ في نفيها إلا باليقين ، ولا يجوز أن يؤخذ فيه بالظنون ، وعلى كل قلنا بل علينا أن نفوض الأمر في الحديث ، ولا نحكمه في عقيدتنا ، ونأخذ بنص الكتاب ودليل العقل ) ( تفسير جزء عم – ص 181 ) 0
وهذا القول مرفوض جملة وتفصيلا ، لأن أحاديث الآحاد مما يحتج بها ، إضافة إلى أن هذا الحديث ورد في صحيح البخاري ، وقد تكلم في ذلك علماء المسلمين في كتبهم وبينوا كل ما يتعلق بهذه المسألة بما يرد زعم هؤلاء ، ومن ذلك :
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : ( وخبر الواحد المتلقي بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري كالاسفرائيني وابن فورك وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن ، لكن لما اقترن به إجماع على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد ، فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور ، وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي ، لأن الإجماع معصوم ، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على التصديق بكذب ، ولا التكذيب بصدق ) ( مجموع الفتاوى - 18 / 41 ) 0
وقال أيضا عن أحاديث الصحيحين : ( وعلى هذا فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث ، وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر ، ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، تارة لتواتره عندهم ، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول ) ( مجموع الفتاوى – 18 / 41 ) 0
يقول السيوطي في خبر الآحاد : ( الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك ، وهو أنواع منها ما أخرجه الشيخان في صحيحهما مما لم يبلغ التواتر ، فإنه احتف به قرائن منها : جلالتهما في هذا الشأن وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما ، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول ، وهذا التلقي وحده أقوى من إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة على التواتر ) ( تدريب الراوي – 1 / 133 ) 0
يقول الشيخ مقبل بن هادي الوادعي – حفظه الله - : ( ولسنا نقبل أن يتحمس الشخص للدين من جوانب ويهدمه من جانب ، فأصحاب المدرسة العقلية الحديثة لا يرون حجية حديث الآحاد والدين أغلبه من طريق الآحاد ويقدمون العقل على النقل ، فهل هذه طريقة السلف ) ( ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر – ص 29 ) 0
خلاصة البحث : أن سحر النبي صلى الله عليه وسلم ثابت عند أثبات علماء أهل السنة والجماعة ، وهذا السحر لم يضره في بدنه الظاهر ولا في عقله وإدراكه ولا في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها ، والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
بارك الله في الجميع ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0