المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : && سلسلة حلقات مختصرالدروس في تزكية النفوس && (( تزكية النفس ))


منذر ادريس
12-10-2009, 04:22 AM
مختصر الدروس في تزكية النفوس (1)
الدرس الأول
تزكية النفس
مقدمة:
الحمد لله الذي أنار النفوس بطاعته، وعظمها فأقسم بها لترقى في منازل جنته، ثم الصلاة والسلام على من أرسله الله معلماً ومزكياً للنفوس، ومبشراً ونذيراً.

أما بعد:
فإن إصلاح النفوس والسعي إلى تزكيتها بالإيمان والعمل الصالح وتنقيتها من أدران الشرك والمعاصي والارتقاء بها في مدارج الكمال الإيماني وسلم السمو الأخلاقي والسلوكي من أهم ما ينبغي أن يسعى إلى تحقيقه المربون، وينتبه إلى أهميته المصلحون، إذ القيام بهذه المهمة عنوان الفلاح ومفتاح النصر والسبيل نحو العزة والريادة والسؤدد.

وقد كنت منذ مدة ليست باليسيرة شغفت بقراءة كتب الرقاق والسلوك ويسر الله لي بفضله ومنه تدريس هذه المادة للطلاب والطالبات في حلقات المساجد والفصول الشرعية النسائية فتراكمت لدي عدد من الدروس كتبتها بشكل مختصر فألح علي البعض في طباعتها ونشرها لتعم الفائدة.

ولست أجزم بأن هذه الدروس المختصرة هي وافية بمتطلبات هذه المادة ولكنني أحسبها لبنة في بنيانها وخطوة في الاتجاه نحو التأكيد المتواصل على أهمية طرق المواضيع السلوكية والتربوية إذ النفوس البشرية يعتورها دوماً النقص والتقصير ومفطورة على الضعف والعجلة والتي تجنح بها إلى سبيل معوج إن لم تتمسك بكتاب ربها وهدي نبيها ورسولها صلى الله عليه وسلم، فالحياة في حس المؤمن ميدان ابتلاء وتمحيص واختبار وهو أحوج ما يكون قرباً من ربه ومولاه وثباتاً على طاعته ونيل رضاه.

ولقد جعلت هذه الدروس بطريقة العنوانات التي تندرج تحتها الشروح القصيرة والملبية لغرض التوضيح دون الإطناب والتوسع، لعلها أن تكون مفتاحاً لدارسها للتبحر فيها والإضافة إليها من المواقف والقصص المعبرة التي تزخر بها كتب السير والتراجم، وتمتلئ بها الحياة المعاصرة، إنها دروس مختصرة تلبي حاجة القارئ الذي لا يحفل بكثرة الكلام ولا يصبر على مواصلة قراءة الكتب العظام ويرغب في تناول المفيد من القليل ليحصل على المرام.

والله أسأل أن ينفع بها، وأن يجعل العمل لوجهه خالصًا، وأسأله الاستقامة والثبات على الإسلام، وأن يحقق ما نصبو إليه من أهداف في تربية النشء على أسس إسلامية تعمق في نفسه الخوف من الله والسعي لتزكيتها، ونسأله سبحانه أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، ومن الله أستمد العون والتوفيق والسداد وأستلهمه الرشاد وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.



الدرس الأول
تزكية النفس


أولاً؛ تعريفها:
لغة: طهارة النفس ونماؤها وإظهار محاسنها.
اصطلاحاً: تطهيرها عن الصفات المذمومة وتكميلها وتحليتها بالأعمال الصالحة وتزيينها بجمال التعظم لله - عز وجل.

ثانياً؛ لماذا تزكية النفس؟
1. التأكيد المتكرر في نصوص الكتاب والسنة على ذلك قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى** [الأعلى: 14]، وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا** [الشمس: 9 ]، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى َإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى** [النازعات: 40 - 41]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من فعلهُنَّ فقد طَعِمَ طَعْمُ الإيمان - وذكر منها - وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله - عز وجل - معه حيث كان))[1]، وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها))[2] .

2. من مقاصد مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - تزكية النفوس لتعبد ربها حق عبادته: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ** [آل عمران: 164].

3. اهتمام السلف الصالح بتزكية النفس وتنقيتها وتطهيرها حيث "اعتنوا بالجانب السلوكي والأخلاقي علماً وفقهاً، كما حققوه عملاً وهدياً، فأفردوا كتباً مستقلة في الزهد والرقائق ونحوهما بل إن أئمة السلف يوردون الصفات السلوكية والأخلاقية لأهل السنة في ثنايا كتب العقيدة "كما فعل الإسماعيلي (ت 371 هـ) في "اعتقاد أهل السنة" وأبو إسماعيل الصابوني (ت 449 هـ) في "عقيدة السلف" وإسماعيل بن محمد الأصفهاني (ت 535 هـ) وابن تيمية في "مجموع الفتاوى والواسطية"( 728) - رحمهم الله.

4. الثواب الجزيل الذي أعده الله لمن زكى نفسه بالطاعات وجنبها الفواحش والمنكرات قال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى** [طه: 76].


يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على النفس فاستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان


ثالثاً: من الذي يزكي النفس؛ الله أم الإنسان؟:
وقد تواردت في هذه المسألة عدد من الآيات الكريمة الدالة على معنيين أن الله هو المزكي للنفس من باب التوفيق والدلالة والفاعل المباشر للتزكية هو الإنسان وفي هذا يقول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً** [النساء: 49]، ويقول: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ** [النور: 21]، ويقول سبحانه:** قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا** [الشمس: 9 - 10]؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فإن العبد إذا زكى نفسه ودساها فإنما يزكيها بعد تزكية الله لها بتوفيقه وإعانته، وإنما يدسيها بعد تدسية الله لها بخذلانه والتخلية بينه وبين نفسه؛ فتضمنت الآيتان الرد على القدرية والجبرية".

رابعاً: كيف نزكي نفوسنا؟
للوصول إلى تزكية النفس ينبغي اعتماد الوسائل الآتية:
1. التوحيد الخالص لله تبارك وتعالى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ** [الحج: 31] إذ تهوي به الشياطين وتعصف به وتصده عن طاعة ربه ومولاه.

2. فعل الطاعات وترك المحرمات والصبر على ذلك كله: ففي الطاعات نور القلب وانشراح الصدر وهمة الجوارح وفي المحرم ظلمة القلب وضيق الصدر وكسل الجوارح وعجزها.


رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ وقد يورثُ الذلَّ إدمانها
وتركَ الذنوب حياةُ القلوب وخيرٌ لنفسك عصيانها


3. طلب العلم الشرعي على يد أهله العارفين بعيوب النفس وتزكيتها وفق نهج الأنبياء يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وتزكيةُ النفوس أصعبُ من علاج الأبدان وأشدَّ، فمن زكَّى نفسه بالرياضةِ والمجاهدة والخلوةِ التي لم يجيءَ بها الرسل، فهو كالمريضِ الذي يعالجُ نفسَه برأيِه، فالرسلُ أطباءُ القلوب، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم والتسليم لهم".

4. محاسبتها ومجاهدتها للتغلب على الهوى والشيطان والدنيا؛ قال ميمونُ بنُ مهران - رحمه الله تعالى -: (لا يكونُ الرجلُ من المتقين حتى يحاسبَ نفسَه أشدَّ من محاسبةِ شريكهِ، حتى يعلمَ من أين مطعمُه، ومن أين ملبسُه، ومن أين مشربُه أمِنْ حلالٍ ذلك أم من حرام).


5. الصحبة النافعة التي تعين على تربية النفس وتزكيتها والبعد عن كل ما يضرها ويهلكها قال علي - رضي الله عنه -:


كم من جاهل أردى حليماً حين آخاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه


خامساً: ثمار تزكية النفس:
1. الفلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة؛ "فلا يصلح لِمُلك الآخرة ونعيمها ولا القرب من رب العالمين إلا قلب سليم صار طاهراً بطول التزكية والتطهير قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا** [الشمس: 9 - 10].

2.راحة البال وسكينة القلب وطمأنينته وانشراح الصدر وسعته: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ** [الفتح: 4]، {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ** [الأنعام: 125].

3. الثبات على الدين والطاعة: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ** [إبراهيم:27]، فكلما قويت النفس وتهيأت بالذكر والاستغفار والتوبة والإنابة كلما كانت أقدر بإذن الله على تجاوز العقبات والتغلب على الصعوبات فتثبت ولا تتزحزح.

مراجع:
1. مدارج السالكين لابن القيم الجوزية.
2. معالم في السلوك وتزكية النفوس د.عبدالعزيز آل عبداللطيف.
3. التبيان في أقسام القرآن.
4. حليه الأولياء.

ــــــــــــــــــــ
[1] رواه الطبراني وصححه الألباني في الصحيحة برقم 1046.
[2] أخرجه مُسْلم 8/81 (7005 و 7006).

على هذا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/5664.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:25 AM
مختصر الدروس في تزكية النفوس (2)
الدرس الثاني
بين القلب والنفس
أولاً:
النفس لغة:
نفس الشيء تأتي بمعنى ذاته، وعينه، وحقيقته، كما يقال: رأيت زيدًا نفسَه وعينَه، وقد يراد بلفظ النفس الدم الذي يكون في الحيوان، كقول الفقهاء: "ما له نفس سائلة، وما ليس له نفس سائلة"، وتأتي أيضًا بمعنى الروح.

اصطلاحًا:
جوهر مشرق للبدن، ينقطع ضوءُه عند الموت من ظاهر البدن وباطنه، وفي النوم ينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه.

الفرق بين النفس والروح:
روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "لكل إنسان نفسان: إحداهما: نفس العقل الذي يكون به التمييز، والأخرى: نفس الروح الذي به الحياة"، وقال بعض اللغويين: هما واحد، وقال آخرون: هما متغايران؛ إذ النفس مناط العقل، والروح مناط الحياة، وسميت النفس نفسًا؛ لتولد النفس منها، واتصاله بها، كما سمَّوُا الروح روحًا؛ لأن الروح موجودة بها.

أنواع النفوس:
وهي ثلاثة:
1- النفس الأمارة بالسوء:
هي التي يغلب عليها اتِّباعُ هواها بفعل الذنوب والمعاصي؛ قال - تعالى -: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ** [يوسف: 53]، وفي الحديث عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أيضًا: ((إن للملك لَمَّةً، وللشيطان لمة، فلمةُ الملك: إيعاد بالخير، وتصديق بالحق، ولمةُ الشيطان: إيعاد بالشر، وتكذيب بالحق))[1].

2- النفس اللوامة:
وهي التي تُذنب وتتوب، فعندها خير وشر، لكن إذا فعلَتِ الشر تابتْ وأنابت، فتُسمَّى لوامة؛ لأنها تلوم صاحبَها على الذنوب، ولأنها تتلوم - أي: تتردد - بين الخير والشر؛ قال - تعالى -: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ** [القيامة: 1، 2].

3- النفس المطمئنة:
وهي التي تحب الخيرَ والحسناتِ وتريد ذلك، وتبغض الشر والسيئات وتكره ذلك، وقد صار ذلك لها خُلقًا، وعادة، ومَلَكة؛ {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً** [الفجر: 27، 28].

ثانيًا:
القلب لغة:
القلب عند أهل اللغة: "تحويل الشيء عن موضعه، يقال: قَلَبه يَقْلِبُه قَلْبًا، وقلَّبه؛ أي: حوَّله ظهرًا لبطن، وتقلب الشيء ظهرًا لبطن، قال الشاعر:


مَا سُمِّيَ القَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ وَالرَّأْيُ يَصْرِفُ بِالإِنْسَانِ أَطْوَارَا



وقال آخر:


مَا سُمِّيَ القَلْبُ إِلاَّ مِنْ تَقَلُّبِهِ فَاحْذَرْ عَلَى القَلْبِ مِنْ قَلْبٍ وَتَحْوِيلِ



واصطلاحًا:
وعندما يطلق اللفظ، فإنه يتناوله صنفان من الناس، فكل صنف يعرِّفُه بطريقته:

الصنف الأول: الأطباء:يقولون: إنه عضو عضلي أجوف، يقع في منتصف التجويف الصدري تقريبًا، أو هو المضخة التي تضخ الدم من بداية تشكل الجنين، وحتى وفاة الإنسان، دون توقف من ليل أو نهار (7200 لتر يوميًّا).


الصنف الثاني: العلماء والفقهاء والزهاد: قالوا: هو لطيفة ربانية ******ة، لها تعلُّق بالقلب الذي عرَّفْناه آنفًا، وعمومًا هو من الأسرار التي لم تفصح عنه النصوص الشرعية.

أنواع القلب:
1- القلب السليم:
وهو الذي أخلص عبوديته لله - تعالى - إرادة ومحبة، وتوكلاً وإنابة، وإخباتًا وخشية ورجاءً، فإنْ أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ولا ينقاد ولا يحتكم إلا لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم.

2- القلب المريض:
وهو الذي فيه محبة الله، والإيمان به، والإخلاص له، والتوكل عليه، كما فيه محبة الشهوات وإيثارها، والحرص على تحصيلها، وفيه الحسد والعجب، وحب العلو والفساد في الأرض، فهو إما إلى السلامة أقرب، أو إلى الهلاك والموت أقرب.

3- القلب الميت:
هو ذلك القلب الذي لا حياة له؛ همُّه الفوز بالشهوات وتحصيلها، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فإن أحبَّ أحبَّ لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أو منع فلهواه؛ فهو متعبد لغير الله حبًّا، ًوخوفًا، ورجاء، وسخطًا، وتعظيمًا، وذلاًّ، مخالطةُ صاحب هذا القلب سقم، ومعاشرته سم، ومجالسته هلاك.

مسيرة القلب من السلامة إلى الموت:
مرحلة السلامة: بتوحيد الله - تبارك وتعالى - وعدم الإشراك به، وطاعته في السر والعلن، والصبر على ذلك، واتِّباع هدي نبيه - صلى الله عليه وسلم - وعدم الابتداع في دين الله، والاستسلام التام لأوامر الله، والاستبشار بأحكامه، وملازمة ذكر الله.

مرحلة القسوة والمرض:
إذ تتلقَّفه الشهوات، وتنهكه الشبهات؛ فيضعف أمامها، ويتساهل في تناول المحرمات؛ تتبعًا للرخص، وتهاونًا بالسنن، فلا خشوع ولا تدبر، وينسى العلم، وينهمك في الذنوب.

مرحلة الموت:
فلا حياة له بعيدًا عن ربه ومولاه، ومجانبًا لسبيل المؤمنين المتقين، فلا أمل في حياته إلا بالتوبة النصوح، وتقوى الله، وكثرة الذِّكر والاستغفار، وملازمة الطاعات والأعمال الصالحة بأنواعها، وعدم الانهماك في ملذات الدنيا وشهواتها؛ بل الاعتدال والتوسط فيها، ومجاهدة مستمرة لا تفتر؛ حتى تعود له الحياة، نسأل الله السلامة والعافية.

المراجع:
1- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 9/292-293.
2- مدارج السالكين، لابن القيم، ج1.
3- إحياء علوم الدين، للغزالي، 3/3.
4- تزكية النفوس، لأحمد فريد، 24-25 و70-74.
5- لسان العرب، 11/269 و6/232.
6- الصحاح في اللغة، للجوهري، 3/984.
7- التوقيف في مهمات التعاريف، للمناوي، 328.



ــــــــــــــــــ

[1] أخرجه الترمذي (2988)، والنَّسائي في "الكبرى"، "تحفة الأشراف"، 9550.

من هنا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/5855.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:26 AM
الفصل الأول: أعمال القلوب
الدرس الثالث
الإخلاص


التعريف: لغة: من مادة (خ ل ص) التي تدل على تنقية الشيء، والخالص: الصافي.

اصطلاحًا: تعدَّدت أقوال العلماء المحققين في ذلك، وفيما يلي أهمها:
1- أن يكون سكون العبد وحركاته لله - تعالى - خاصة.
2- الإخلاص فقْد رؤية الإخلاص، فإن مَن شاهد في إخلاصه الإخلاصَ، فقد احتاج إخلاصُه إلى إخلاص.
3- تخليص القلب عن شائبة الشوب المكدر لصفائه الفطري؛ كقوله – تعالى -: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا** [النحل: 66].

أقوال في الإخلاص:
قال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ** [الزمر: 11]، وقال - سبحانه -: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي** [الزمر: 14]، وقال - تعالى -: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ** [غافر: 14].

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))[1].

وقال مكحول: "ما أخلص عبدٌ قط أربعين يومًا إلا ظهرتْ ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه".

وقال الفضيل بن عياض في قوله - تعالى -: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً** [الملك: 2]: "العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه"، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا، لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا، لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص: ما كان لله، والصواب: ما كان على السنة".

وقال الجنيد: "الإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله".

وقال ابن القيم: "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء، كالمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه".

حقيقة الإخلاص: التبرؤ من كل ما دون الله - تعالى - فَيُنظر إليه من زاويتين:
الأولى: من جانب العمل، بحيث يكون نقيًّا من الشرك والرياء والسمعة، والغش والاحتيال والكذب، ونحوها، وكان باعثه التقرُّب إلى الله - تعالى - ولم يلتفت إلى حظوظ الدنيا، ولم ينغمس في شهواته؛ ولذلك كان الإخلاص صعبًا وعزيزًا، حتى قيل: "مَن سَلِم له من عمره لحظةٌ خالصة لوجه الله، نجا، والخالص هو الذي لا باعث له إلا طلب القرب من الله تعالى".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إخلاص الدِّين لله هو الدين الذي لا يقبل الله سواه، وهو الذي بعث به الأولين والآخرين من الرسل، وأنزل به جميع الكتب، واتَّفق عليه أئمة أهل الإيمان، وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه".

الثانية: من جانب معناه وشروطه، باعتباره موقفًا يلتزم به الإنسان في حياته، فينقسم الإخلاص هنا إلى:
1- إخلاص الأقوال. 2- إخلاص الأفعال. 3- إخلاص العبادات. 4- إخلاص الخواطر.

مستلزمات موقف الإخلاص:
1- الاستمرار: بحيث لا يتبعثر، أو يتفكك، أو يتوقَّف، فلا زمان يربطه، ولا موقف يثنيه ويثبطه عن مسيره.
2- التكامل: بين النِّية والفعل؛ إذ هو بمجموعه مخلصًا في أهداف وجوده في الحياة، ويتدرج في مدارج الكمال.
3- العلم: جهل الإنسان بحقيقة وجوده لا يمكن أن يبني إخلاصًا في القلب، فلا بد من العلم؛ ليقوى الوعي والإدراك.
4- التدرج: قد يتعثر المخلص، ولكنه ينهض، وهكذا مرارًا وتكرارًا، وكل ذلك في تدرج نحو بلوغ الدرجة الكاملة في الإخلاص.
5- الأمانة: من خلال رعاية حق الله - تعالى - وأداء الفرائض والواجبات، وتأدية الحقوق، والبعد عن الخيانة وحظوظ النفس التي تفسد الإخلاص.

مراتب الوصول إلى الإخلاص:
الأولى: طرح العمل وعدم رؤيته، فضلاً عن طرح طلب العوض عنه.
الثانية: الخجل من العمل، مع بذل الوسع والغاية فيه لإتقانه والإتيان به حسب مراد الشرع.
الثالثة: رؤية التوفيق في العمل المُخْلَص، على أنه جود وتكرُّم ومنَّة من الله - تعالى.
الرابعة: الإخلاص بالخلاص منه، وجعله خالصًا لوجه الله - تعالى.

الآفات المكدرة للإخلاص:
1- الرياء الظاهر: فيأتي الشيطان إلى المصلِّي فيقول له: "حسِّن صلاتك؛ حتى ينظر إليك هذا الحاضر بعين الوقار والصلاح، ولا يزدريك أو يغتابك"، فتخشع جوارحه، وتسكن أطرافه، وتحسن صلاته.

2- دقيق الرياء: وهنا يأتيه الشيطان فيقول له: أنت متبوع، ومقتدى بك، ومنظور إليك، وما تفعله يؤثر عنك، ويتأسَّى بك غيرك، فيكون لك ثواب أعمالهم إن أحسنت، وعليك الوزر إن أسأت، فأحسن عملك بين يديه، فعساه يقتدي بك في الخشوع وتحسين العبادة.

3- أدق الرياء: مع تنبهه لما سبق، وعلمه أن الإخلاص في أن تكون صلاته في الخلوة مثل صلاته في الملأ، ويستحيي من نفسه ومن ربه أن يتخشع لمشاهدة خلقه تخشعًا زائدًا على عادته، فيُقبِل على نفسه في الخلوة، ويحاول تحسين صلاته على الوجه الذي يرتضيه في الملأ، ويصلي في الملأ أيضًا كذلك، فكأن نفس هذا ليست تسمح بإساءة الصلاة بين أظهر الناس، ثم يستحيي من نفسه أن يكون في صورة المرائين، ويظن أن ذلك يزول بأن تستوي صلاته في الخلا والملأ، وهيهات!

والعلاج: أن يعلم أن الإخلاص أن تكون مشاهدة البهائم لصلاته ومشاهدة الخلق على وتيرة واحدة، وذلك بألاَّ ينشغل أو يلتفت إلى الخلق، كما لا يلتفت إلى الجمادات، في الخلا والملأ جميعًا.

منافع الإخلاص:
1- الأساس في قبول الأعمال والأقوال والدعوات.
2- رفعة المنزلة والدرجات في الدنيا والآخرة.
3- يحقق للعبد الطمأنينة والأمن والهداية، وقوة العزيمة في مواجهة الشدائد، والنجاة من الفتن.
4- طرد الهموم والوساوس، وجلب الانشراح للصدر، والسعادة القلبية.
5- يقوي العلاقات الاجتماعية، ويجلب النصر للأمة.
وغيرها من المنافع.

مراجع:
1- التحفة العراقية، لابن تيمية (58).
2- مدارج السالكين، لابن القيم، م 2.
3- إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، م 4.
4- مجلة البيان، العدد181، ص20.
5- سلسلة أعمال القلوب، للمنجد.
6- لسان العرب، لابن منظور، 7/26.
7- التعريفات، للجرجاني، 13.

ــــــــــــــــ


[1] البخاري 1/2 (1)، ومسلم 6/48 (4962).

من هنا :
http://www.alukah.net/articles/1/6040.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:28 AM
مختصر الدروس في تزكية النفوس (4)
الدرس الرابع
التقوى


التعريف:
لغة: مأخوذ من مادة (و ق ى)، تدلُّ على دفْع شيءٍ عن شيءٍ بغيره، والاسم التقى، والمصدر الاتِّقاء، وهو والتقى بمعنى واحد.

اصطلاحًا: وجاءت على عِدَّة معانٍ، كلها صحيحة:
1 - أن يجعل العبدُ بينه وبين ما يخشاه مِن عقابه وقايةً تقيه وتحفظه، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واسم "التقوى" إذا أُفْرد، دخل فيه فِعلُ كلِّ مأمور به، وتَرْك كل محظور.

2 - أن يعمل العبد بطاعة الله، على نور من الله، يرجو ثواب الله، وأن يَتركَ معصيةَ الله، على نور من الله، يخشى عِقابَ الله.

3 - أنَّها حساسية الضمير، وخشية مستمرَّة، وحذرٌ دائم، وتوقٍّ لأشواك الطريق إلى الله مِن الرغائب والشهوات، وأشواك المطامع والمخاوف، وقد ورد أنَّ عمر بن الخطَّاب - رضي الله تعالى عنه - سأل أُبيَّ بن كعب - رضي الله تعالى عنه - عن التقوى، فقال له: أَمَا سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال بلى، قال: فما عملت؟ قال: شَمَّرتُ واجتهدت، قال: فذلك التقوى.

مكانتها:
1 – التقوى هي وصيةُ الله لعباده الأوَّلين والآخِرين، وسبيل المؤمنين، وخلف الأنبياء والمرسلين، مَن التزمها فاز وربح، ومَن أعرض عنها هَلَك وخَسِر؛ {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ** [النساء: 131].

2 - وهي وصية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - دائمًا لأصحابه: ((أوصيك بتقوى الله، فإنَّه رأسُ كلِّ شيء))، كلَّما أمَّر أميرًا على جيش أو سرِية، أوصاه في خاصَّة نفسه بتقوى الله، وبِمَن معه من المسلمين خيرًا"، وأوصى بها معاذًا - رضي الله عنه - فقال: ((اتَّق الله حيثُما كنت))، ووصَّى النساءَ بها؛ كما في حديث جابر: "ثم مضى إلى النِّساء، ومعه بلال، فأمرهنَّ بتقوى الله، ووعظهنَّ.."، وفي حديث العِرباض: فقال قائل: يا رسولَ الله، كأنَّ هذه موعظةُ مودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسَّمع والطاعة)).

3 - وهي وصية الخُلفاء الراشدين، فعن عمرو بن ميمون، قال: أَوْصى عمر بن الخطَّاب _ رضي الله عنه - فقال: "أُوصي الخليفةَ مِن بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين الأوَّلين"، وكتب - رضي الله تعالى عنه - لابنه، فقال: "فإنِّي أوصيك بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فإنَّه مَن اتَّقاه وقاه، ومَن أقرضه جزاه، ومَن شكر زادَه"، وأوصى عليٌّ - رضي الله تعالى عنه - رجلاً فقال: "أوصيك بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - الذي لا بدَّ لك من لقائه، ولا منتهى لك دونَه، وهو يملك الدنيا والآخرة".

4 - وأيضًا فمقياس الفضل والكرم تقوى الله؛ كما قال - تعالى -: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ** [الحجرات: 13].

5 - ومن عظيم أمرها أنَّها ذُكرت في القرآن أكثر من مائتي مرَّة.

لماذا يتقي المؤمن ربه؟

يتقي المؤمن ربَّه للأسباب الآتية:
1 - خوف العِقاب الدنيوي والأخروي؛ {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ** [الزمر: 16]، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ** [الفجر: 14].

2 - رجاء الثواب الدُنيوي والأخروي؛ {وِمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ** [البقرة: 201].

3 - خوف الحساب؛ {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ** [الرعد: 18].

4 - الحياء مِن نَظَرِ الله - جلَّ جلاله -:

وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْعِصْيَانِ
فَاسْتَحْيِ مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ وَقُلْ لَهَا إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلاَمَ يَرَانِي


5 - الشُّكر على نِعمة الله - تبارك وتعالى.

6 - العلم؛ فبه يخرج الإنسان من ظُلمات الجَهالة إلى نور الإسلام والإيمان.

7 - تعظيم جَلال الله - جلَّ جلاله.

8 - صِدْق المحبَّة لله - سبحانه وتعالى.

علاماتها:
وإذا أردتَ أن تعلمَ هل أنت مِن المتقين، فتأمَّلْ علاماتٍ مهمَّة:
1 - كثرة خوفك من ذُنوبك الماضية التي ذهبت لذَّتُها، وبقيت في القلْب حسرتُها، وفي الآخرة عقوبتها.

2 - أن تحذر أشدَّ الحذرِ من أن تقع في ذنوبٍ أخرى في المستقبل.

3 - استشعارك مراقبةَ الله لك في سِرِّك وعلانيتك، وفي جهرك ونجواك.

4 - قدرتك على مقاومة الهوى، والتغلُّب عليه.

5 - أن تفزعَ وتخاف دائمًا من سوء الخاتمة.

6 - كثرة المحاسبة لنفسك على تَقصيرها.

درجات التقوى:
أوَّلاً: أن يتقي العبد الكفرَ، ومقامُ ذلك الإسلام.

ثانيًا: أن يتقي المعاصي والمحرَّمات، ومقامُ ذلك التوبةُ والاستغفار.

ثالثًا: أن يتقي الشُّبهاتِ، ومقام ذلك الورع.

رابعًا: أن يتقي المباحاتِ، ومقامُ ذلك الزُّهد.

خامسًا: أن يتقيَ حضورَ غير الله على قلْبه، ومقامُ ذلك المشاهدة.

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ كَاسِيَا
وَخَيْرُ لِبَاسِ الْمَرْءِ طَاعَةُ رَبِّهِ وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيَا


ثمارها اليانعة:
فإذا زَرعتَ شجرة التقوى في حياتك، فَحتمًا ستجد ثمارَها اليانعة الطيِّبة - وهي كثيرة جدًّا - أقتطف لكَ بعضًا منها:
أ - محبَّة الله؛ قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ** [التوبة: 7].

ب - ولاية اللهِ للمتقين؛ قال - تعالى -: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ**[الجاثية: 19].

ج - دخول الجنَّة وتقريبها لهم؛ قال - تعالى -: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ** [القلم: 34]، وقال - تعالى -: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ** [الشعراء: 90].

د - التكريم عندَ الحشر وفي الجنَّة؛ قال - تعالى -: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً** [مريم: 85].

هـ - النجاة من النار؛ قال - تعالى -: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا** [مريم: 71 - 72].

و - قَبول الأعمال؛ قال - تعالى -: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ** [المائدة: 27].

ز - التأييد والمعونة؛ قال - تعالى -: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ** [البقرة: 194].

ح - الرِّزق الحسن، وتيسير الأمور، والخلاص من الشَّدائد؛ قال - تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ** [الطلاق: 2 - 3]، وقال - تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا** [الطلاق: 4].

ط - أنَّهم في جوار الله يومَ القيامة؛ قال - تعالى -: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ** [القمر: 54-55].

ي - العلم والمغفرة، والفهم والفلاح؛ قال - تعالى -: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ** [الأنفال: 29]، وقال - تعالى -: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ** [البقرة: 282]، وقال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ** [البقرة: 189].

ابْلُ الرِّجَالَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهَمْ وَتَوَسَّمَنْ أُمُورَهُمْ وَتَفَقَّدِ
فَإِذَا وَجَدْتَ أَخَا الْأَمَانَةِ وَالتُّقَى فَبِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ


وقال آخر:

وَلاَ عَيْشَ إِلاَّ مَعْ رِجَالٍ قُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَى التَّقْوَى وَتَرْتَاحُ لِلذِّكْرِ


المراجع:
- لسان العرب (15/402)، والصحاح للجوهري (6/2527).
- بصائر ذوي التمييز والبصائر، للفيروزأبادي (2/300 - 304).
- نزهة الأعين والنواظر، لابن الجوزي (219).
- مجموع فتاوى ابن تيمية "التحفة العراقية".
- موسوعة نضرة النعيم (4/1079).
- أعمال القلوب للمنجد (285).

على هذا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/6354.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:29 AM
الدرس الخامس
اليقين


التعريف:
لغة: مأخوذ من مادة (ي ق ن)، وتدل على العلمِ وزوال الشك، ورُبَّما عَبَّرُوا بالظن عن اليقين، وباليقين عن الظن.

اصطلاحًا: هو الاعتقادُ الجازمُ المطابق الثابت غيرَ ممكنِ الزَّوال.

منزلته:
1- به تفاضل العارفون، وتنافس المتنافسون، وشمر إليه العاملون.
2- عمل السَّلف كان عليه، وإشاراتهم كلها إليه.
3- إذا تزوج الصَّبر باليقين حصلت الإمامة في الدين؛ قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ** [السجدة: 24]، وقال ابن تيمية: "بالصَّبر واليقين تنال الإمامة في الدين".
4- أهل اليقين هم المنتفعون بالآيات؛ قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ** [الذاريات: 20].
5- وخُصوا بالهدى والفلاح؛ قال تعالى: {وبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ** [البقرة: 4-5].
6- وأهلُ النارِ لم يكونوا من الموقنين؛ قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ** [الجاثية: 32].
7- إنَّه روح أعمال القلوب، التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصديقيَّة.
8- قرين التوكل؛ ولذا فسر التوكل بقوة اليقين.
9- متى وصل اليقين إلى القلب، امتلأ نورًا وإشراقًا، وانتفى عنه كل شكٍّ وهمٍّ وغمٍّ، ومَحَبَّةً لله، وخوفًا منه، وتوكلاً عليه، ورضًا به، وشكرًا له، وعن سفيان: "لو أن اليقين ثبت في القلب، لطار فرحًا، أو حزنًا، أو شوقًا إلى الجنة، أو خوفًا من النار".

صفات أهل اليقين:
1- قلة مخالطة الناس في العشرة؛ بمعنى البُعد عن فضول المخالطة، مما لا يزيد الإنسان شيئًا من علمٍ ولا معرفةٍ ولا استقامة.
2- ترك المدح لهم في العطية؛ فالمعطي الحقيقي هو الله - تعالى - وهذا المدح يضعف يقين المرء بمولاه وخالقه ورازقه.
3- التنزه عن ذمهم عند المنع؛ كقوله - تعالى -: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ** [التوبة: 58].

أنواع اليقين:
1- يقين خبر: سكون القلب خبر المخبر ووثوقه به.
2- يقين دلالة: فالله - سبحانه - يقيم لعباده الأدلة والبراهين، فيحملهم على التصديق من جهة الخبر، ومن جهة التدليل.
3- يقين مكاشفة، فيكون المُخْبَر به كالمرئي، وهو أعلاها؛ قال عامر بن عبدالقيس: "لو كشف لي الغطاء، ما ازددت يقينًا".

درجات اليقين:
1- علم اليقين: ويكون بما يلي:
أ- ما ظهر من الحق من أوامره ونواهيه، ودينه الذي أظهره على ألسنة رسله.
ب- ما غاب للحق من الإيمان بالغيب، كالجنة والنار والصِّراط والحساب، ونحو ذلك.
ج- الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته وأفعاله.

2- عين اليقين: وهو ما استغنى به صاحبه عن طلب الدليل؛ لأنَّ الدليل يطلب للعلم بالمدلول، فإذا كان المدلول مشاهدًا له، فلا حاجةَ حينئذ للاستدلال.

3- حق اليقين: وهي منزلة الرُّسل - عليهم الصلاة والسلام - وأمَّا المؤمنون، فيتأخر ذلك إلى يوم اللقاء، وتوضيح هذه الدَّرجات أن نقول: علمنا الآن بالجنة والنَّار علم اليقين، فإذا أزلفت الجنة للمتقين، وشاهدها الخلائق، وبرزت الجحيم للغاوين، وعاينها الخلائق، فذلك عين اليقين، فإذا دخل أهل الجنةِ الجنَّةَ، وأهل النارِ النَّارَ، فذلك حينئذ حق اليقين.

ثمرات اليقين:
1- يورث العبد ذلاًّ وخضوعًا واستكانة لربه، ويزداد بذلك منه قربًا وحبًّا ورضًا.
2- الإخلاص لله - عز وجل - والمتابعة للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم.
3- الحذر من الدُّنيا والزُّهد فيها، والصبر على شدائدها، وطمأنينة القلب وسلامته.
4- التزود بالأعمال الصالحة، وأنواع القربات، واجتناب المعاصي، والمبادرة بالتوبة والاستغفار.
5- اجتناب الظلم بشتَّى صوره، فيتذكر العبد الموقف العصيب الرهيب، وأنَّه لا يضيع عند الله شيء؛ كما قال تعالى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ** [الأنبياء: 47]، وقوله - تعالى -: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا** [طه: 111].
6- حصول الأمن والاستقرار، والألفة بين الناس بالحكم بشريعة الله - تعالى.
7- تقصير الأمل وحفظ الوقت بالرجوع إلى الله - عزَّ وجلَّ - والتذكُّر الدائم لقصر الحياة، وأبدية الآخرة وبقائها.
8- سلامة التفكير، وانضباط الموازين، وسمو الأخلاق.
9- الفوز برضا الله - سبحانه - وجنته، والنَّجاة من سخطه والنار.

المراجع:
1- مدارج السالكين، 2/413-420.
2- بصائر ذوي التمييز، 396-405.
3- الكليات، للتهانوي، 213-980.
4- التعريفات، للجرجاني، 259.
5- لسان العرب، 5/4864، الصحاح، 6/2219.
6- مجلة البيان، العدد: 98و99.
7- موسوعة نضرة النعيم، 8/3717.

على هذا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/6704.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:30 AM
الدرس السادس
التوكل




أوَّلاً: تعريفه:

لغة: مصدر توكَّل يتوكَّل، مأخوذ من مادَّة (و ك ل) التي تدلُّ على الاعتِماد على الغير في أمرٍ ما.
اصطلاحًا: صدق اعتِماد القلب على الله في استِجْلاب المصالِح، ودفْع المضارّ من أمورِ الدُّنيا والآخرة، وكِلَة الأمور كلّها إليْه.



والتوكُّل على الله عملٌ قلْبي من أعمال القلوب، وأثرٌ قويٌّ من آثار الإيمان، بل هو نِصْف الدِّين، ونصفه الآخر العبادة.



ثانيًا: منزلة التوكُّل ومكانته:

- يتحقّق إيمان العبد؛ قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ** [المائدة: 23].



- وهو دليل على الثِّقة البالغة بالله - عزَّ وجلَّ - قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ** [آل عمران: 173].



- الإعانة والنصرة والكفاية؛ قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ** [الطلاق: 3]..



- سبب من أسباب الرِّزْق؛ كما جاء من حديث عُمر: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((لَوْ أنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ على اللهِ حقَّ تَوَكُّلِه، لَرزَقَكُمْ كما يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِماصًا، وتَرُوحُ بِطانًا))[1].



- وصاحبُه يدخُل الجنَّة بغير حِساب؛ كما جاء من حديث عِمران بن حصين عن السَّبعين الَّذين يدخُلون الجنَّة بغير حِساب؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هُمُ الَّذينَ لا يَكْتَوُونَ ولا يَسْتَرْقُون ولا يَتَطَيَّرُونَ، وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون))[2]، والأحاديث والآيات في فضلِه متكاثرة.



ثالثًا: أنواع التوكُّل:

أولها: توكّل الموحّدين:

وهُم الذين اعتمدوا على الله ووثِقوا فيه، مع فعل الأسباب، من غير الاعتِماد عليْها والرّكون إليها.



ثانيها: توكُّل شركي، وهو على ضربيْن:

أ- أكبر: وهو اعتِماد كلّي على الأسباب، مع الاعتِقاد أنَّها تؤثِّر في جلْب المطْلوب ودفع المكروه.

ب- أصغر: وهو الاعتِماد على شخص في الرِّزق والمعاش من غير اعتِقاد تأثيره، ولكن يتعلَّق به فوق اعتِقاد أنَّه مجرَّد سبب، كمن يعتقد في راتبه الشَّهري من وظيفتِه فبدونِه حلول الفقْر والمسكنة.



الرِّزْقُ مَقْسُومٌ فَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبْ يَأْتِي بِأَسْبَابٍ وَمِنْ غَيْرِ سَبَبْ
فَاسْتَرْزِقِ اللَّهَ فَفِي اللَّهِ غِنًى اللَّهُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَبٍ حَدَبْ


ثالثُها: توكُّل جائز:

كمن يوكِّل إنسانًا في فعل ما يقْدِر عليه، من بيعٍ وشراءٍ وإجارةٍ ونحو ذلك، وقد وكَّل - صلَّى الله عليه وسلَّم - عروة بن الجعد ليشتري له شاة.



رابعًا: مكوِّنات التوكّل:

ذكر الإمام ابن القيم - رحِمه الله - أنَّ التوكُّل مركَّب من مَجموع أمور:

معرفة الرَّبّ وصفاته:

فيعلم بأنَّ الله الخالق المالك المدبّر لهذا الكوْن والمتصرِّف فيه، لا تغيب عنه غائبةٌ في الأرض ولا في السَّماء، وهو بكلِّ شيءٍ عليم، له الأسماء الحسنى والصِّفات العلى.



إثبات في الأسباب والمسببات:

فلا يعتمد عليها كليًّا ويعتقد أنَّها مؤثِّرة، ولا ينفيها ويعطِّلها عن دوْرِها؛ بل يفعلُها دون الاعتِماد عليها بعد أن يعلم ويتحقَّق من صلاحيتها، فلا يتَّخذ سببًا محرَّمًا، أو عملاً دينيًّا غير مشروع، وإن كان مباحًا فينظر فيه: هل يضعف توكّله؟ فإن كان يضْعفه تركه، وإن لَم، حرَص على فعْلِه واجتهد في ذلك.



اعتماد القلب على الله واستِناده وسكونه إليه:

فلا يضطرِب من تبدُّل الأحوال وتغيُّرها، ولا يبالي بِها ولا يلتفِت إليها، وإنَّما هو كالطِّفل لا يعرف شيئًا يأْوي إليه إلاَّ ثدْي أمِّه، كذلك المتوكِّل لا يأْوي إلاَّ إلى ربِّه سبحانه.



رسوخ القلْب في مقام توحيد المتوكّل:

فلا بدَّ من التَّوحيد ليصحَّ التوكُّل، فتخرج من القلب كلُّ علائق الشِّرْك.



حسن الظَّنّ بالله:

فعلى قدْر حسن ظنِّك بربِّك ورجائك له، يكون توكُّلك عليه.



استِسْلام القلب له وانْجِذاب مؤثِّراته كلّها إليْه:

فالعبد يكون بين يدَي الله كالميت بين يدي مغسِّله يقلِّبه كيف أراد.



التفويض:

وهو روح التوكُّل ولبُّه وحقيقته، فيلقي أموره كلَّها إلى الله طلبًا واختيارًا، لا كرهًا واضطرارًا، كتفْويض الابن العاجز الضَّعيف المغْلوب على أمره كلَّ أموره إلى أبيه المشفق عليه المحبّ له.



الرضا:

وهو ثمره التوكُّل ونتيجته بل أعظم فوائده؛ فإنَّه إذا توكَّل حقَّ التوكُّل رضي بما يفعله وكيله، وانظر إن شئْتَ صورًا من التوكُّل في حياة سلفك الصَّالح والأنبِياء من قبلهم لتزداد توكلاً.



فهذه ثمان درجات مَنِ استكملها فقد استكمل الإيمان.



ربَّنا عليك توكَّلنا وإليك أنبنا وإليْك المصير.



المراجع:

- مدارج السَّالكين، لابن القيم، 2/ 112.

- شرح كتاب التوحيد، لابن عثيمين، 2/ 666.

- الفوائد، لابن القيم، 86 - 87.

- جامع العلوم والحكم، 498.

- موسوعة نضرة النعيم، 4/ 1377.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] أحمد 1/ 30 (205)، وابن ماجه (4164)، والتِّرمِذي (2344)، والنَّسائي في "الكبرى"، تحفة الأشراف 8 (10586)، وصحَّحه الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/ 557.
[2] البُخَارِي 4/ 192 (3410) و 7/ 174 (5752)، ومسلم 1/ 137 (447).

على هذا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/7720.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:32 AM
الدرس السابع
الرضا


التعريف:
لغةً: مأخوذ من مادة (ر ض و)، والتي تدل على خلاف السخط، والمصدر: رضي يرضى.

اصطلاحًا: سرور القلب بمرِّ القضاء وسكونه تَحت مجاري الأحكام.



منزلته:

من أعلى مقامات المقرَّبين ومستراح العارفين، وهو ذروة سنام أعمال القُلوب، يقول ابن القيِّم: "الرِّضا من أعْمال القلوب، نظير الجِهاد من أعمال الجوارح؛ فإنَّ كلَّ واحد منهُما ذروة سنام الإيمان، قال أبو الدرداء: "ذروة سنام الإيمان الصَّبر للحكم، والرِّضا بالقدَر".



وقال الغزالي: الرِّضا ثمرة من ثِمار المحبَّة، وهو من أعْلى مقامات المقرَّبين، وحقيقتُه غامضة على الأكثَرين، وما يدخل عليه من التَّشابُه والإبْهام غير منكشف إلاَّ لمَنْ علَّمه الله - تعالى - التَّأويل وفهَّمه وفقَّهه في الدّين، فقد أنكر منكِرون تصوُّر الرِّضا بِما يخالف الهوى، ثمَّ قالوا: إنْ أمكنَ الرِّضا بكل شيء لأنَّه فعل الله فينبغي أن يرضى بالكفر والمعاصي، وانخدع بذلك قومٌ فرأَوُا الرِّضا بالفجور والفسوق، وترْك الاعتراض والإنكار من باب التَّسليم لقضاء الله تعالى.



يقول المولى - تبارك وتعالى -: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ** [المائدة: 119]، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ** [التوبة: 100]، وقال سبحانه: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً** [الفجر: 28]، وقال تعالى: {إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً** [النساء: 108]، وقال تعالى: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى** [الليل: 21].



وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن قال حين يسمَع المؤذِّن: وأنا أشْهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريك له وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، رضِيتُ بالله ربًّا، وبمحمَّد رسولاً، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبه))[1]، وقال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّ الله ليرضى عن العبد أن يأكُل الأكلة فيحمَده عليها، أو يشرب الشربة فيحمَده عليها))[2].



أنواع الرضا:

- رضا الرَّبّ عن العبد: وهو أن يأْتِي العبد محبوباتِ الله، وينفِّذ أوامره، ويبتعد عن نواهيه وزواجِرِه ومكروهاته.



- رضا العبد عن الله - جلَّ جلالُه - وينقسم إلى ما يلي:

الرِّضا بألوهيَّته: محبَّة وخوفًا ورجاءً، وإنابة وتبتُّلاً وانجذابَ قوى إرادتِه كلِّها إليْه، بفعل ما أمر ربُّه وترك ما نَهى عنه، وتناوُل ما أباحه من غير تعدٍّ لِمحظور، وكذا الرِّضا بالمصائب.



رَضِيتُ فِي حُبِّكَ الأَيَّامَ جَائِرَةً فَعَلْقَمُ الدَّهْرِ إِنْ أَرْضَاكَ كَالعَذْبِ



الرضا بربوبيَّته: رضًا بتدبيره وإفْراده بالتوكُّل عليْه والاستعانة به، والثقة به واعتمادًا عليه، فيكون راضيًا بكل ما يفعل به.



وللرضا عن الله شروطٌ ثلاثة:

- استِواء البليَّة والنِّعْمة عند العبدِ، فهو يشاهد حسْن اختيار الله له.



- سقوط الخصومة عن الخلْق إلاَّ فيما كان حقًّا لله ورسوله.



- الخلاص من المسألة للخلْق والإلحاح؛ قال تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً** [البقرة: 273].



- الرِّضا بنبيه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بكمال الانقِياد له والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسِه، وألا يتلقَّى الهدى إلاَّ من طريقه؛ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ** [الحشر: 7]، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً** [النساء: 65].



- الرضا بدين الإسلام: فإذا قال أو حكَم أو أمر أو نَهى، رضِي كلَّ الرِّضا، ولم يبق في نفسِه حرَجٌ من حكمه وسلَّم تسليمًا؛ قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ** [آل عمران: 85].



أسوأ الرِّضا:

الرِّضا عن النفس، بحيث يعتقِد فيها الكمال والتنزُّه عن النقص والخطأ.



لَمْ أَرْضَ عَنْ نَفْسِي مَخَافَةَ سُخْطِهَا وَرِضَا الفَتَى عَنْ نَفْسِهِ إِغْضَابُهَا

وَلَوَ انَّنِي عَنْهَا رَضِيتُ لَقَصَّرَتْ عَمَّا تَزِيدُ بِمِثْلِهِ آدَابُهَا



أسباب الرِّضا:
- رسوخ قلْب العبد في مقام التوكُّل والتَّسليم.
- أن يلزم ما جعل الله رضاه فيه.
- رضا الله - تبارك وتعالى - عن العبد، فمن رضِي الله عنه فقد تحقَّق له كلُّ الرِّضا.


فوائد الرضا:

- دليلٌ على كمال إيمان العبد وحُسْن إسلامِه ومَحبَّته لله، وتوكُّله عليه وحسْن ظنِّه به، وصلاحه وتقواه.

- إنَّه طريق الفوْز بالجنَّة والنَّجاة من النَّار.

- يُضْفِي على النَّفس الرَّاحة والطُّمَأنينة والسَّكينة، فلا قلق زائد أو توتُّر أو أزمات نفسيَّة.

- إنَّه مَعْلم من معالم السَّلام الاجتماعي.

المراجع:
- التَّعريفات للجُرْجاني، ص 111.
- لسان العرب لابن منظور، 14/ 324.
- مدارج السَّالكين لابن القيم، 2/ 185.
- مجموع الفتاوى لابن تيمية، 10/ 681 - 683.
- بصائر ذوي التَّمييز للفيروزآبادي، 3/ 77.
- إحياء علوم الدين للغزالي.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] أخرجه أحمد (1565) ومسلم (780) وأبو داود (525) والترمذي (210) والنسائي (2/ 26) وفي الكبرى (1655).

[2] أخرجه أحمد (11996) ومسلم (7032) والترمذي (1816) والنسائي في "الكبرى" (6872).

على هذا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/7775.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:33 AM
الدرس الثامن
الشكر



التعريف:
لغة: مأخوذ من مادة (ش ك ر)، وتدل على الثناء على الإحسان والمعروف، وهو الرضا بالقليل، ويقال: شكرتُ الله ولله.
اصطلاحًا: ظهور أثر النعم الإلهية على العبد في قلبه إيمانًا ومحبةً، وفي لسانه ثناءً واعترافًا، وفي جوارحه انقيادًا وطاعة.

منزلة الشكر:
1- صفة من صفات الله - عز وجل - ومن أسمائه الشكور؛ قال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا** [النساء: 147]، وقال تعالى: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ** [التغابن: 17].
2- خلق من أخلاق الأنبياء؛ يقول سبحانه عن نوح: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا** [الإسراء: 3]، وقال عن إبراهيم - عليه السلام -: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ** [النحل: 120]، وقال عن سليمان - عليه السلام - لما رأى عرش بلقيس مستقرًّا عنده: {فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ** [النمل:40]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعائشة: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!))[1]
3- خلق من أخلاق المؤمنين؛ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ** [البقرة: 172].
4- وهو في الناس قليل؛ {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ** [الأعراف:10]، وقال تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ** [سبأ: 13].
5- علّق الله - سبحانه - المزيد بالشكر، والمزيد منه لانهاية له، كما لا نهاية للشكر؛ فقال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ** [إبراهيم: 7].

إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللهِ نِعْمَةً عَلَيَّ وَفِي أَمْثَالِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلاَّ بِفَضْلِهِ وَإِنْ طَالَتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَ الْعُمْرُ

وقريب منه قول بعضهم:
شُكْرُ الْإِلَهِ نِعْمَةٌ مُوجِبَةٌ لِشُكْرِهِ
فَكَيْفَ شُكْرِي بِرَّهُ وَشُكْرُهُ مِنْ بِرِّهِ

مراتب الشكر:

الأولى: شكر القلب:

بحيث يعلم أن الله - تبارك وتعالى - هو المنعم بكلِّ النعم التي يتقلب فيها، ولقد وبَّخ سبحانه الجاحدين لها؛ فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ** [فاطر: 3]، وللوصول لهذه المرتبة يسلك القلب الطرق التالية:

أ‌- رصد النعم ومحاولة عدِّها وإحصائها؛ قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ** [النحل: 18].

ب- الحذر من فتنة الشيطان، فهو يسعى جاهدًا أن يصرف الإنسان عن شكر المنعم: {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ** [الأعراف: 17].



الثانية: شكر اللسان:

وذلك بأن يلهج اللسان ذكرًا وحمدًا ودعاءً لله - تبارك وتعالى - حيث علَّمنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أدعية شتى واستغفارات عدة:
أ‌- ابتداءً عندما يأوي المرء إلى الفراش فيقول: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا؛ فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي))[2].

ب- وإذا أفاق قال: ((الحمد لله الذي عافاني في جسدي، وردَّ عليَّ روحي، وأذن لي بذكره))[3].

ج- وذكر الله بالصباح والمساء، ومنها قوله: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، من قاله حين يصبح فقد أدَّى شكر يومه، ومن قاله حين يمسي فقد أدى شكر ليلته))[4].
د- وعلَّمَنا سيد الاستغفار؛ ((اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرِّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قاله حين يمسي، فمات من ليلته، دخل الجنة، ومن قاله حين يصبح، فمات من يومه، دخل الجنة))[5].
هـ- وعلَّمَا التحميد لله - تعالى - في افتتاح الدعاء، والخطبة، واستفتاح الصلاة، وفي الذكر بعد الصلاة المفروضة، وفي أدعية التهجد، وبعد الفراغ من الأكل والشرب وغير ذلك.



ولو مكث العبد يومه كلَّه يلهج بالحمد لله - تعالى - ما وفَّى شكر نعمة واحدة من النعم الإلهية عليه، فكيف وهي نعم كثيرة لا تحصى؟! ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))[6].



الثالثة: شكر الجوارح:
وذلك باستعمال النعم فيما يرضي الله - تعالى - وهذا يحتاج إلى فقه في دين الله – تعالى - لأن العمل الصالح الذي يرضاه الله - تعالى - يعرف من طريق الوحي؛ قال تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ** [الأحقاف: 15]، وفي السنة أن كل آدمي يصبح معافى في بدنه، فهو مطالب بثلاثمائة وستين صدقة يتصدق بها في ذلك اليوم بعدد مفاصل جسمه، وتكون هذه الصدقات هي الشكر اليومي الذي يفكُّ به رقبته من النار؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خُلق ابن آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن ذكر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، وعزل حجرًا عن طريق المسلمين، أو عزل شوكة، أو عزل عظمًا، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، عددَ تلك الستين والثلاثمائة السلامى - أمسى يومه وقد زحزح نفسه عن النار))[7].



قواعد الشكر:
ذكر الفيروزآبادي للشكر قواعد لا يمكن وصول العبد إليه إلا بتحصيلها:
1- خضوع الشاكر للمشكور.

2- حبه له.
3- اعترافه بنعمته.
4- الثناء عليه بها.
5- ألا يستعملها فيما يكره.



بين الشكر والابتلاء:
قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ** [الأنبياء: 35]، يقول ابن القيم: "كل ما يلقى العبد في الدنيا لا يخلو من نوعين؛ موافق لهواه ومخالف له، أما الموافق لهواه فينبغي له أن يصبر فيه من وجوه:
1- عدم الركون إليها.
2- عدم الانهماك فيها.
3- أداء حق الله فيها.
4- عدم صرفها في الحرام".



ولذلك يقول عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: "ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر".



بين شكر الله وشكر الناس:
ليس هناك في قلب المسلم أعظم من خالقه ومولاه، كما أن الواجب أن يعرف المرء لذي الفضل فضله؛ كقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ** [لقمان: 14]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -:((من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء))[8]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من لا يشكر الناس لا يشكر الله))[9].

يُزَهِّدُنِي فِي كُلِّ خَيْرٍ صَنَعْتُهُ إِلَى النَّاسِ مَا جَرَّبْتُ مِنْ قِلَّةِ الشُّكْرِ

من فوائد الشكر:

1- كسب رضا الله ومحبته.
2- الشكور قريب من الناس حبيب إليهم.
3- دليل على سمو النفس ووفور العقل.
4- حصول زيادة النعم وحفظها من الله للشاكر عند أداء شكرها.
5- محفز على اعتراف العبد بالنعم الإلهية.



المراجع:
مدارج السالكين، لابن القيم، (2/2449).
عدة الصابرين، لابن القيم، (64-144).
جامع العلوم والحكم، (26).
فتح الباري (م11).
لسان العرب، (4/2305-2308).
إحياء علوم الدين، (4/124).
الأذكار للنووي، حصن المسلم للقحطاني.







ـــــــــــــــــــــ

[1] أحمد (18384)، والبخاري (1130)، ومسلم (8/141).
[2] مسلم، (8/79)، رقم (6993)، والبخاري في الأدب المفرد، (1206)، وأبو داود (5053)، والترمذي، (3396).
[3] الترمذي، (5/473).
[4] أبو داود، (5/314)، رقم (5073) بإسناد حسن، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، (1079).
[5] البخاري، (6323)، الفتح، (11/134).
[6] أحمد (751)، وأبو داود، (1427)، وابن ماجه، (1179)، والنسائي، (3/248).
[7] مسلم، (3/82، 83)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (837).
[8] الترمذي، (2035).
[9] أحمد، (2/258)، رقم (7495)، والبخاري في الأدب المفرد، (218)، وأبو داود، (4811)، والترمذي، (1954)، وابن حبان، (3407)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (417).

على هذا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/8063.aspx

منذر ادريس
12-10-2009, 04:35 AM
الدرس التاسع
الصبــــر


التعريف:
لغةً: الحبس والمنع.
اصطلاحًا: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكِّي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما.

مكانة الصبر:
الصبر من أصعب القيم الأخلاقية على النفس البشرية، إلا أنها محمودة النتائج والعواقب، فما صبر عبد على البلايا والرزايا إلا كان الظفر والفوز حليفَه وقرينه، ولولا صبرُ الشجاع المقاتل عند لحظة المبارزة والقتال لما استطاع أن يتغلَّب على خصمه وعدوِّه.

صعوبة الصبر على النفس:
يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: وإنما صعب الصبر؛ لأن القدر يجري في الغالب بمكروه النفس، وليس مكروه النفس يقف على المرض والأذى في البدن، بل هو يتنوَّع حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر، وقال ابن القيم: لقد جعل الله الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يهزم، وحصنًا لا يهدم، فهو والنصر أخوان شقيقان، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد.

فضائل الصبر:
1- علّق الله - تبارك وتعالى - الفوز والفلاح والظفر به؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ** [آل عمران:200]، وأحسن مَن قال:

إِنِّي رَأَيْتُ وَفِي الْأَيَّامِ تَجْرِبَةٌ لِلصَّبْرِ عَاقِبَةً مَحْمُودَةَ الْأَثَرِ
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ يُحَاوِلُهُ اسْتَصْحَبَ الصَّبْرَ إَلاَّ فَازَ بِالظَّفَرِ

2- وأخبر سبحانه عن مضاعفة أجر الصابرين، وهذه ميزة تمتازها هذه القيمة عن غيرها من القيم والآداب؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا** [القصص: 54]، وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ** [الزمر:10].
3- ولقد ظفر الصابرون بمعية الله؛ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ** [البقرة: 153].
4- وإن كنت تريد أن تكون إمامًا في الدين، وعلَمًا يشار إليه بالبنان، فلن تناله إلا بمزاوجة الصبر مع اليقين؛ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ** [السجدة: 24].
5- ووعد سبحانه على الصبر بثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها؛ كما في قوله - تعالى -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ** [البقرة: 155].
6- وبالصبر والتقوى يتنزل النصر؛ {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ** [آل عمران: 125]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا، وإن مع العسر يسرًا))[1].
7- وكما ظفروا بمعيته - سبحانه - فكذلك فازوا بمحبته، ونعم الفوز والظفر؛ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ** [آل عمران: 146].
8- ولا يستفيد من الآيات والمواعظ إلا الصابرون؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ** [إبراهيم: 5].
9- ونعم العطاءُ عطاء الصبر، وفي هذا يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر))[2].
10- ولأهميته ومكانته أمر به سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ** [العصر: 3].



درجات الصبر:
أولها: أن يصبر بالله: فيرى أن الله هو المصبر، فهو يصبر بربه لا بنفسه؛ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ** [النحل: 127]، فيهون عليه كل شيء، وتنقلب مشاق التكليف نعيمًا وقرة عين، قال البناني - رحمه الله -: عالجت قيام الليل عشرين سنة، فتنعمت به عشرين سنة.
ثانيها: أن يصبر بالله: فالذي دفعه إلى الصبر إنما هو محبة الله، وإرادة وجهه والتقرب إليه، لا لمحمدة أو مسمعة أو شهرة، وهذه أعلى من الأولى.

ثالثها: فهو قد جعل نفسه وقفًا على أوامر الله، وما يحبه ويرضاه، فيدور معها حيث دارت، بلا تردد أو تأخر، وهذه أشدُّ الدرجات وأصعبها.



أنواع الصبر:

الأول: أن يصبر على طاعة الله حتى يؤديها، فهو يصابر نفسه ويروضها لكي تؤدي العبادة وتفعل الأوامر؛ ولهذا قال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ** [البقرة: 45]، وقدوته ومثاله الأعلى في ذلك أولو العزم من الرسل - عليهم الصلاة والسلام -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ** [الأحقاف: 35].

الثاني: أن يصبر عن معصية الله فلا يفعلها، وهذا عسير على من لم يتأمل هذه الأمور:
1 ـ إجلال الله - تبارك وتعالى - وتعظيمه.
2 ـ محبة الله وتمكنها من القلب.
3 ـ حلاوة قهر الشهوة وغلبة الشيطان.
4 ـ تعوُّد القلب والضمير على مصارعة الهوى قليلاً قليلاً.
5 ـ إن فيك جاذبين: أحدهما يجذبك إلى الرفيق الأعلى حيث المنازلُ العالية، والرتب الغالية، وآخر يجذبك إلى المقامات السفلية، والدرجات السحيقة، فأيهما تختار؟!



الثالث: صبر على أقدار الله فلا يسخطها؛ ذلك لأنه يعلم أن الله - جلَّ جلاله - قدَّر المقادير وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، فلِمَ الجزعُ والقلق؟! وقد قال لقمان لابنه: أوصيك بخصال تقرِّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت، وقال ميمون بن مهران: من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء.



ولمّا كان الصبر دائمًا بالبلاء يقترن فإنه إذا نزل بالإنسان استعدَّ له بجيوش الصبر، ثم يستعن بملاحظة حسن الجزاء على صبره، وعلى قدر التعب تكون الراحة:

عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
وَيَكْبُرُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صَغَارُهَا وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ

فعلى المرء أن يعامل الله - سبحانه - بالصبر على ما قضى، ويسأله الفرج، فإذا جمع بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب، والصبر على القضاء وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها.



وروي عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل العبادة انتظار الفرج))[3]، وللبلايا نهايات معلومة الوقت عند الله - عزَّ وجلَّ - فلا بدَّ للمبتلَى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء.



فهذا هو صبر الأكابر، وهذا هو طريق المجد والسمو، فالمعالي لا تنال بالأحلام ولا بالرؤى في المنام، وإنما بالحزم والعزم والإقدام.

دَبَبْتُ لِلْمَجْدِ وَالسَّاعُونَ قَدْ بَلَغُوا جَهْدَ النُّفُوسِ وَأَلْقَوْا دُونَهُ الْأُزُرَا
وَكَابَدُوا الْمَجْدَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَرُهُمْ وَعَانَقَ الْمَجْدَ مَنْ أَوْفَى وَمَنْ صَبَرَا
لاَ تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبَرَا

المراجع:
• لسان العرب 438.
• صيد الخاطر، لابن الجوزي، (ص: 37).
• مدارج السالكين، لابن القيم، (1/162 – 163).
• عدة الصابرين، لابن القيم.
• بصائر ذوي التمييز 3 / 376.



ــــــــــــــ

[1] قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 496 :أخرجه الخطيب في " التاريخ " ( 10/287)، و الديلمي (4/111 - 112).
[2] البُخارى 2/151(1469) و"مسلم" 3/102(2388).
[3] رواه الترمذي ( 4 / 279 )وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/705).

من هنا :
http://www.alukah.net/articles/1/8145.aspx

وكل ما هو جديد أوافيكم به ان شاء الله
أخوكم / المشفق

عبد الغني رضا
26-01-2011, 09:00 AM
للرفع.........