المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لذة السعادة


أسامي عابرة
07-06-2009, 02:09 PM
لذة السعادة



ولما قلنا أن السعادة ألذ الأشياء وأفضلها وأجودها وأوضحها وجب أن يبين وجه اللذة فيها بأتم بيان كما قلناه فيما مضى. أن اللذة تنقسم إلى قسمين أحدهما لذة انفعالية والأخرى لذة فعلية أي فاعلة. فأما اللذة الإنفعالية فهي شبيهة بلذة الإناث واللذة الفاعلة تشبه لذة الذكور. ولذلك صارت اللذة الأنفعالية هي التي تشاركنا في الحيوانات التي ليست بناطقة وذلك أنها مقترنة بالشهوات ومحبة الإنتقام وهي انفعالات النفسين البهيميتين. وأما اللذة الأخرى فهي الفاعلة وهي التي يختص بها الحيوان الناطق ولأنها غير هيولانية ولا منفعلة انفعالا لأنها صارت لذة تامة وتلك ناقصة وهذه ذاتية وتلك عرضية. وأعني بالذاتية والعرضية أن اللذات الحسية المقترنة بالشهوات تزول سريعا وتنقضي وشيكا بل تنقلب لذاتها فتصير غير لذات بل تصير آلاما كثيرة أو مكروهة بشعة مستقبحة وهذه أضداد اللذة ومقابلاتها. وأما اللذة الذاتية فإنها لا تصير في وقت آخر غير لذة ولا تنتقل عن حالتها بل هي ثابتة أبدا. وإذا كانت كذلك فقد صح حكمنا ووضح أن السعيد تكون لذته ذاتية لا عرضية وعقلية لا حسبة وفعلية لا انفعالية والهية لا بهيمية. ولذلك قالت الحكماء أن اللذة إذا كانت صحيحة ساقت البدن من النقص إلى التمام ومن السقم إلى الصحة.
وكذلك تسوق النفس من الجهل إلى العلم ومن الرذيلة إلى الفضيلة. إلا أن ههنا سرا ينبغي أن يقف عليه المتعلم وهو أن ميله إلى اللذة الحسية ميل قوي جدا وشوقه إليها شوق مزعج ولا تزيد العادة في قوة الطبع الذي لنا كبير زيادة لفرط ما جبلنا عليه في البدء من القوة والشوق. ولذلك متى كانت هذه اللذة حسية قبيحة جدا ثم مال الطبع إليها بافراط وانفعل عنها بقوة استحسن الإنسان فيها كل قبيح وهون على نفسه منها كل صعب ولا يرى موضع الغلط ولا مكان القبيح حتى تبصره الحكمة. وأما اللذة العقلية الجميلة فأمرها بالضد.
وذلك ان الطبع يكرهها فإن انصرف الإنسن إليها بمعرفته وتمييزه احتاج فيها إلى صبر ورياضة حتى إذا تبصر فيها وتدرب لها إنكشف له حسها وبهاؤها، وصارت عنده بمكان في الحسن. ومن هنا تبين أن الإنسان في إبتداء تكوينه محتاج إلى سياسة الوالدين ثم إلى الشريعة الإلهية والدين القيم حتى تهديه وتقومه إلى الحكم البالغة ليتولى تدبير نفسه إلى آخر عمره. وقد تبين مع ذلك تعلق السعادة بالجود. وذلك أنا قد بينا لذة فاعلة ولذة الفاعل أبدا تكون في الإعطاء ولذة المنفعل أبدا تكون في الأخذ. ولا تظهر لذة السعيد إلا بإبراز فضائله وإظهار حكمته ووضعها كفائته في مواضعها وكذلك البناء الحاذق والصانع اللطيف والموسيقاني المحسن. وبالجملة كل صانع حاذق فاضل في صناعته ينسر بإظهار فضائله وإذاعتها بين أهلها ومستحقيها. وهذا هو معنى الجود إلا أن الجود بأعلى الأشياء وأكرمها أفضل وأشرف من الجود بأدونها وأخسها وقد عرض لهذا الجود مع شرفه وعلو مرتبته ضد ما عرض لذلك الجود الآخر مع نزارته وقلته. وذلك أن صاحب الأموال والمقتنيات الخارجة كلها ينتقص ماله بالإنفاق وينثلم بالبذل وتفني ذخائره. وأما صاحب السعادة العامة فإن أمواله لا تنقص بالإنفاق بل تزيد ولا تفنى ذخائره بالتبذير بل تنمو. وتلك معرضة للآفات الكثيرة من الأعداء واللصوص وسائر المتسلطين وهذه محروسة من كل آفة لا سبيل للأشرار والأعداء إليها بوجه ولا سبب. فقد ظهرت لذة السعيد كيف تكون ومن أين تبتدىء وإلى أين تنتهي وكيف يكون السرور الحقيقي واللذة الذاتية. وتبين أيضا أنها أبدية وتامة وإلهية وأن ضدها هو الشقاء لذاته بالضد وعلى العكس أعني أن لذاته كلها عرضية ومنتقلة عن طبائعها إلى أضدادها حتى مؤلمة أو مكروهة وأنها غير إلهية بل شيطانية وغير ممدوحة بل هي مذمومة. وذلك بأن ينظر في السعادة هل هي ممدوحة. فإن ارسطوطاليس يقول أن الأشياء التي هي في غاية الفضل لا يوجد لها مدح لأنها أفضل وأمدح وأجل من أن تمدح قال: وذلك أنا قد ننسب المتأهلين والخيار من الناس إلى السعادة وليس يوجد أحد من الناس يمدح السعادة نفسها كما يمدح العدل. لكنه يجلها ويكرمها إلى أنها أمر إلهي بالأشياء التي هي أفضل من المدح وهو الله تعالى وإلى الخير فإن المدح هو الفضيلة والعمل بها. ثم انتهى كلامه هذا إلى أن قال: فالله تعالى أكرم وأشرف من أن يمدح بل إنما يمجدونه ونحن نمجد الله تعالى ونقدسه تمجيدا كثيرا.
وأما السعادة فلأنها أمر إلهي وإنما تفعل الأشياء كلها لأجلها فهي كذلك أيضا ممجدة. فعلى هذا الأمر ينبغي أن لا تمدح السعادة لأنها أجل من كل مدح بل نمجدها في نفسها وتمدح الأمور كلها بها وبقدر قسطها منها.


من كتاب تهذيب الأخلاق

***
29-12-2009, 02:55 AM
رفع الله قدرك أختي الفاضلة أم سلمى

أسامي عابرة
29-12-2009, 08:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحسن الله إليكم

شكر الله لكم تواجدكم الطيب ومروركم الكريم

رزقكم الله أعلى عليين

في رعاية الله وحفظه