المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللذة التي تطيقها الشريعة


أسامي عابرة
03-06-2009, 03:51 AM
اللذة التي تطيقها الشريعة



ولا بد في ذلك من المزاح المستعذب والأحاديث المستطابة والفكاهة المحبوبة وإصابة اللذة التي تطيقها الشريعة ويقدرها العقل حتى لا يتجلوزها إلى الإسراف فيها ولا يقصرعنها تهاونا بها.
ذلك أن الخروج إلى أحد الطرفين إن كان إلى جانب الزيادة سمى مجونا وفسقا وخلاعة وما أشبهها من أسماء الذم. وإن كان إلى جانب النقصان سمى فدامة وعبوسا وشكاسة وما أشبهها من أسماء الذم أيضا. والمتوسط بينهما هوالظريف الذي يوسف بالهشاشة والطلاقة وحسن العشرة ويعرض من الصعوبة في وجود هذا الوسط ما يعرض في سائر الفضائل الخلقية. ومما يؤخذ به من يحفظ صحة نفسه أن يلتزم وظيفة من الجزء النظري والعملي لا يسوغ له الإخلال بها البتة لتجري النفس مجرى الرياضة التي تلزم في حفظ صحة البدن وأطباء النفوس أشد تعظيما لها في حفظ صحة النفس. وذلك أن النفس متى تعطلت من النظر وعدمت الفكر والغوص على المعاني تبلدت وتبلهت وانقطت عنها مادة كل خير. وإذا ألفت الكسل وتبرمت بالروية واختارت العطلة قرب هلاكها لأن في عطلتها هذه إنسلاخا من صورتها الخاصة بها ورجعوعا منها إلى رتبة البهائم. وهذا هو الإنتكاس في الخلق نعوذ بالله منه. وإذا تعود الحديث الناشء من مبدء تكوينه الإرتياض بالأمور الفكرية ولازم التعاليم الأربعة ألف الصدق واحتمل ثقل الروية والنظر وأنس بالحق ونبا طبعه عن الباطل وسمعه عن الكذب فإذا بلغ أشده وانتقل إلى مطالعة الحكمة استمر طبعه فيها وتشرب ما يستودع منها ولا يرد عليه أمر غريب ولا يحتاج إلى كثير تعب في فهم غوامضها وإستخراج دفائنها فيصل إلى سعادتها التي ذكرناها سريعا. وإن كان حافظ هذه الصحة قد توحد في العلم لا نهاية له وفوق كل ذي علم عليم. ولا يتكاسلن عن معاودة ما علمه والدرس له فإن النسيان آفة العلم وليتذكر قول الحسن البصري رحمة الله عليه (اقدعوا هذه النفوس فإنها طائعة وحادثوها فإنها سريعة الدثور) واعلم أن هذه الكلمات مع قلة حروفها كثيرة المعاني وهي مع ذلك فصيحة واستوفت شروط البلاغة. وليعلم أيضا حافظ هذه الصحة على نفسه أنه إنما يحفظ عليها نعما شريفة جليلة موهوبة لها وكنوزا عظيمة مدخرة فيها وملابس فاخرة مفرغة عليها. وإن من كانت هذه المواهب الجليلة موجودة له في ذاته لا يحتاج إلى تطليها من خارج ولا إلى بذل الأموال فيها لغيره ولا يكلف العناء والمؤمن الثقال في تحصيلها ثم أعرض عنها وأهمل أمرها حتى انسلخ عنها وعرى منها لملوم في فعله مغبون في رأيه غير رشيد ولا موفق.
لا سيما وهو يرى طالبي النعم الخارجة كيف يتجشمون الأسفار البعيدة الخطرة ويقطعون السبل المخوفة الوعرة ويتعرضون لضروب المكاره وأنواع التلف من السباع العادية وطبقات الشرار الباغية وهم يخيبون في أكثر الأحوال مع مقاسات هذه الأهوال. وربما عرضت لهم الندامات المفرطة والحسرات المعطبة التي تقطع أنفساهم وتفصل أعضاءهم فإن ظفروا بشيء من مطالبهم كان لا محالة زائلا عن قرب أو معرضا للزوال وغير مطموع في بقائه لأنه منخارج وما كان خارجا عنها فهو غير ممتنع عما يطرقه من الحوادث التي لا تحصى كثرة. وصاحبه مع هذه الحال شديد الوجل دائم الإشفاق متعب الجسم والنفس يحفظ ما لا يجد إلى حفظه سبيلا والحذر على مالا يغني فيه الحذر فتيلا.
وإن كان طالب هذه الأشياء الخارجة عنا سلطانا أو صاحب سلطان تضاعفت عليه هذه المكاره أضعافا كثيرة بقدر ما يلابسه وبحسب ما يقاسيه من الأضداد والحساد على البعد ومن القرب وبكثرة ما يحتاج إليه من المؤن في إستصلاح من يليه ويلي من يليه من مدارة من يواليه ويعاديه. وهو في كل ذلك ملوم مستبطأ ومعتب مستقصر ويستزيده جميع أهله والمتصلين به ولا سبيل له إلى إرضاء واحد منهم فضلا عن جميعهم. ولا يزال يبلغه عن أخص الناس به من أولاده وحرمه ومن يجري مجراهم من حاشيته وخوله ما يملأه غيظا وحنقا وهو غير آمن على نفسه من جهتهم مع التحاسد الذي بينهم من مكاتبة الأعداء إياهم ومواطأة الحساد لهم. وكلما ازداد من الأعوان والأعضاد والأنصار زادوه في شغل القلب وجلبوا إليه من المكاره ما لم يكن عنده فهو غنى عند الناس وهو أشدهم فقرا ومحسود وهو أكثرهم حسدا. وكيف لا يكون فقيرا وحدا الفقر هو هو كثرة الحاجة فأكثر الناس حاجة أشدهم فقرا كما أن أغنى الناس أقلهم حاجة. ولذلك حكمنا حكما صادقا بأن الله تعالى أغنى الأغنياء لأنه لا حاجة له إلى شيء من الأشياء.


من كتاب تهذيب الأخلاق

عطر
03-06-2009, 10:52 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخيتي أم سلمى

شكر الله لك هذا النقل الطيب

وفقك الله لما يحب ويرضى

أسامي عابرة
03-06-2009, 12:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفيكِ بارك الله أخيتي الحبيبة عطر الجنة

شكر الله لكِ تواجدكِ العطر ومروركِ الكريم وحسن قولكِ

رفع الله قدركِ وأعلى نزلكِ

تمنياتي لكم بوافر الصحة والسلامة والرضى والقبول من الله عز وجل

في رعاية الله وحفظه