المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبرتك، لأني أحبك ؟؟


المتألقة
12-05-2009, 11:12 PM
أخبرتك، لأني أحبك

**************
عزيزه المانع :

للناس في حياتنا مواقع تختلف باختلاف مكانها من القلب، هناك من يحتلون القلب كله، وهناك من يحتلون جزءا منه، وهناك من يقفون عند بابه، وهناك من حدودهم الدوران حول أسواره، وهناك من تفصلهم عنه دروب ومحطات تتفاوت في القرب والبعد، وهناك من لا يحلمون مجرد حلم، بالاقتراب من طريقه. وبحسب موقع الناس قربا أو بعدا من قلوبنا، يكون تعاملنا معهم، فنحن لا نتعامل مع الناس كلهم بطريقة واحدة، وإنما من كان منهم إلى قلوبنا أقرب، كان تعاملنا معه بصدق أكثر، وحرصنا على أن تكون علاقتنا به نقية صافية من كل شائبة، فنكاشفه بما في نفوسنا، ونجعله مستودع أسرارنا ومجلى همومنا، ننفض عنده غبار صدورنا فنتخفف مما يثقلها من القلق وما يعذبها من الآلام ونجد في تفاعله الحنون معنا ما نبحث عنه من راحة وطمأنينة. ولكن الأمر لا يكون كذلك دائما، ففي بعض الأحيان يكون مصدر القلق هو من نحب نفسه، وحين ننفض مشاعرنا القلقة بين يديه كما تعودنا، ونشكو إليه ما يحدثه سلوكه من ضيق في صدورنا، لا نجد عنده ما كان يسقينا إياه من التفاعل الحنون، في هذه المرة يذهب التعاطف إلى ما هو أقرب، إلى الذات، فيصرفه الغضب من كلامنا عن مواساتنا إلى الدفاع عن ذاته، والاهتمام بتبرئتها مما اتهمت به وما يراه تجنيا عليها، وقد يتنامى غضبه فيهجرنا ويعلن القطيعة معنا، فنندم، ونتمنى لو أننا لم نكشف له عما كان يضطرب في صدورنا، أو لو أننا كنا أكثر حكمة فشربنا على القذى ولم نعرض أنفسنا للظمأ، خاصة أننا نعلم، أن لا أحد تصفو مشاربه.
ولكن هل كنا حقا مخطئين في تصرفنا؟ هل كان علينا أن نكتم في نفوسنا ما يتولد فيها من شكوك وظنون حتى وإن عذبتنا وآلمتنا؟
الصمت على ما يجرح في سلوك الأحبة، قد يجعل العلاقة تسير بينهم سالمة من المنغصات في ظاهرها، لكنها في الباطن تتحول إلى علاقة ينخر فيها الصدأ ليعمل على تآكلها شيئا فشيئا، فالصمت على المنغصات يجعلها تتجه إلى داخل القلب لتبني فيه حواجز تتنامى مع تنامي حجمها، لتفصل تدريجيا بين القلب وساكنه.
إننا حين نلجأ إلى الكشف عما في نفوسنا، لمن نعطيهم الأولوية في حياتنا، فنطلعهم على ما ساءنا أو جرحنا في تعاملهم معنا، نحن غالبا نهدف إلى غسل القلب من الغبار الذي علقه به، وحين نقول لمن نحب: «آلمني تجاهلك الرد على سؤالي» أو «ضايقني أني حين أخاطبك في أمر ذي أهمية تحيله إلى مزاح»، فإننا نهدف أن يعرف الحبيب ما في نفوسنا من ضيق، بسبب تصرفه معنا، وغايتنا أن نعينه على الابتعاد عن ما يضايقنا متى وضح له.
أما الصمت، وطي الضيق بين الجوانح، فإنه لا ينتج عنه سوى أن يكون لبنة في بناء حاجز الفصل. المكاشفة والتعبير عن المشاعر المستاءة لا تعني مطلقا اللوم أو النقد، وإنما هي تعبير عن إحلال الآخر محل الذات، فنحن لا نكشف ما في صدورنا لمن لا يهمنا أمرهم ولا يعنينا استمرار علاقتنا بهم.