المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع الشيخ " سعد بن ناصر الغنام "


منذر ادريس
09-11-2007, 11:33 AM
طريق الدعوة ....


قيمة المرء على قدر همته، وإذا علت الهمة لم ترض بالدون، ولا تقف همة إلا لخساستها، ولابد للسالك من همة تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه، والدعاة إلى الله أكثر السالكين حاجة إلى علو الهمم مع وجود البصيرة، وإذا جاز لهمة أي أحد أن يصيبها العجز وال**ل أو الوقوف والسكون أو حتى قليل الملل والفتور فإن الداعية لا ينبغي له أن يدع لهمته الفرصة لذلك، إذ كيف يلتـذ داعية براحة وهـم قد لقنوه من أول يوم أن ينشد:
في ضميري دائماً صوت النبي * آمراً: جاهد و كابد و اتعب
صائحـاً: غالب و طالب و ادأب * صارخاً: كـــــن أبداً حراً أبي
و كيف يميل إلى استرخاء، و أصحابه يهتـفون:
نَبني، ولا نتكل * نفني، ولا ننخذل
لـنا يـد والـعـمـل * لـنـا غـد والأمـل
إن حرية الداعية، والأمل الذي يستيقنه: يدفعان به دفعاً إلى البذل السخي.

عـلـو فـي الـحـيـاة:
حرية.... و أمل
حرية ت**ر قيود الشهوات .. و أمل بالأجر، وثقة بالنصر
كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في ميزان التصارع العقائدي، كانتا دوماً في تاريخ التوحيد الطويل، تأخذان التعب من أجيال الدعاة من النبيين والصديقين والراشدين و التابعين و من لحقهم بإحسان على مر القرون ، فكلهم بالتعب كانوا يفرحون يأبون إلا العلو في الحياة ونحن إن شاء الله بهم لمقتدون.

كان تعبهم يتمثل أحياناً بحركة يومية دائبة في الإنذار والتبشير، والتجميع والتبصير، أو سهـراً على رعاية مصالح المسلمين. و يتمثـل أحياناً في انكباب على التعلم واجتياز المفاوز لحيازة حديث أو كلمات فقه.
ويتجسد في أخرى قتالاً، وتحفيزاً دائماً لجهاد وعـلو موت. وفي أخرى إشغالاً للفكـر في التخطيط. فإن أخذوا راحة، واستلقـوا على ظهورهم: لبث ذهنهم يصطاد الخاطر. وكل ذلك حكى التاريخ، ليتعلم الدعاة اليوم.
نـطـق بـالليـل والنهـار:
فأول من يطالعنا: الأنبياء عليهم السلام. كان لسانهم ناطقاً بالليل والنهار، والإعلان والإسرار. قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام: {قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً** , ثم قال: {ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً**.
ونـطـق أثنـاء خطـوات الهجرة:
"والواقع أن الداعي إذا كان صادقاً في دعوتـه منشغلاً بها لا يفكـر إلا فيها ولا يتحرك إلا من أجلها ولا يبخل عليها بشيء من جهده ووقته لم يشغله عنها شاغل أبداً حتى في أحرج الساعات وأضيق الحالات وأدق الظروف، وهكذا كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعندما هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقي في طريقه بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه فيما بين مكة والمدينة، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا. وهذ يدل أنه عليه الصلاة والسلام لم يغفل عن الدعوة إلى الله حتى وهـو في طريقه مهاجراً إلى المدينة و القوم يطلبونه " .
و نطـق في السجـن:
"ويوسف عليه السلام عندما دخل السجن مظلوماً لم يشغله السجن و ضيقه عن واجب الدعوة إلى الله ولهذا فقد اغتنم سؤال السجينين عن رؤيا رأياها، فقال لهما قبل أن يجيبهما ما أخبرنا الله به: {يا صاحبي السجن أأرباب متـفرقون خيـر أم الله الواحد القهار** "
الراشـد يمنع النـوم:
وقاربهم الصديق أبو بكر رضي الله عنه حتى قال عند وفاته: "والله ما نمت فحلمت، ولا توهمت فسهوت، وإني لعلى السبيل ما زغت". يعني أنه قد شغلته حروب الردة و الفتوح وأرهقه إرساء جهاز الدولة، حتى أنه ما كان ليستغرق في نومه ليتاح له أن يحلم، و ظل يزاد بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الصديقية ليهبه الله تعالى يقظة أثناء هذا التعب تبعد عنه الوهم والسهو.

الترابي ...!
ويترجم عبدالله بن عباس رضي الله عنه انغماسه في صورة جمع بين التواضع والصبر على مشقة التعلم وجمع الحديث، حتى أن الريح لتسفي عليه التراب، يرجو بذلك أن يستـنشق نسمات الجنة، ويجتاز الصراط بلا حساب.
واسمعه يروي ما كان منه ويـقول: (أقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح علي التراب، فيخرج فيقول لي: يابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ ألا أرسلـت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث). ولو شاء أن يوقظوه لأيقظوه له مع الفرح، ولكن الهمم العالية تطرب لصفير الرياح ولفحات التراب