المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : &( التغيرات المناخية وصحة البشر )&


د.عبدالله
26-06-2007, 03:28 PM
لم يعد الحديث عن التغيرات المناخية، وطبقة الأوزون، والتبدلات التي تشهدها اليابسة كالتصحر مثلا، مجرد كلام نظري، بل تحولت تلك التوقعات الآن إلى حقائق ماثلة أمام أعيننا. فإلى أي حد يمكننا التكيّف مع هذه المتغيرات التي أطلقنا العنان لها بأيدينا.
لقد باتت هذه التغيرات من الخطورة والانتشار لدرجة أصبح من المستحيل معها تجنب تأثيراتها المؤلمة، ومنها استنزاف طبقة الأوزون الذي يعد أبرز الظواهر التي يشار إليها بالبنان بعد أن بدأت تأثيراته تظهر في صحة البشر. والواقع أن الفهم الجيد للتأثيرات غير المباشرة ومنها على سبيل المثال آليه تأثير أشعة الشمس في الجلد، يجعلنا أقدر على التنبؤ ببعض جوانب السيناريوهات المستقبلية بشيء من الثقة، في حين أن التأثيرات غير المباشرة كالتغيرات التي تطرأ على مجموعة من الأمراض المعدية، تجعل الصورة العامة أكثر تعقيداً وغموضاً إلى درجة لا يمكن التنبؤ بها.


يمثل استنزاف طبقة الأوزون في الجزء العلوي من الغلاف الجوي واحداً من أبرز ملامح التغير العالمي، فقد بدأت سماكة طبقة الأوزون (O3) الذي يتشكل بفعل تأثير أشعة الشمس في جزئيات الأوكسجين O2، تقل بسبب تعرضها للمواد الكيمياوية المصنعة.
وأشارت تقديرات الخبراء في السنوات العشرين الماضية، إلى أن العالم يفقد 4% من الأوزون بالعقد، الأمر الذي اعتبر في غاية الخطورة، ذلك أن طبقة الأوزون تحمي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية التي تنطلق من الشمس.
وينقسم طيف الأشعة فوق البنفسجية C التي يتراوح طول موجتها بين 200 إلى 280 نانومترا (النانو يساوي جزءاً من المليون) تعقبها الحزمة فوق البنفسجية B ويتراوح طول موجتها بين 280 إلى 320 نانومترا ثم الحزمة فوق البنفسجية A ويتراوح طول موجتها بين 320 إلى 400 نانومتر.
ويقوم الأوكسجين الموجود في الغلاف الجوي بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية التي لا يتجاوز طول موجتها 242 نانومتراً، في حين أن الأوزون يمتص بشكل أساسي الموجات التي يتراوح طولها بين 230 - 290 نانومتراً. وعليه، فإن الأوكسجين والأوزون يحولان دون قيام الجزئيات الموجودة في الكائنات الحية ومن ضمنها الإنسان، بامتصاص كميات كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية التي لها تأثيرات بيولوجية دراماتيكية.
والأوزون يمتص الأشعة فوق البنفسجية B التي يستخدمها قطاع الصناعة في قتل الكائنات الدقيقة الموجودة في المعدات والأغذية، ولذلك فإنها لا تصل سطح الأرض، وعلى سبيل المقارنة فإن تأثير الأوزون في الأشعة A قليل إلا انه يقوم بامتصاص معظم الأشعة B ولكن ما ينفذ منها عبر هذه الطبقة يبقى كافياً للتأثير في جلدنا وأعيننا المكشوفة.
ويعتبر لون البشرة العامل الأساسي الذي يمكن من خلاله قياس مدى التأثر بالأشعة فوق البنفسجية. فالبشرة الداكنة غنية بالمادة الصبغية (الميلانين) التي تعمل بمثابة واق شمسي طبيعي حيث إنها تقوم بامتصاص الأشعة فوق البنفسجية وهذا ما يفسر لنا انخفاض معدل الإصابات بالمشكلات الجلدية لدى أصحاب البشرة الداكنة، في حين أن أصحاب البشرة الفاتحة أو البيضاء أقل حظاً على هذا الصعيد.
وتلعب الأشعة فوق البنفسجية B دوراً مهماً في عملية اسمرار البشرة بسبب التعرض لأشعة الشمس، غير أنها تتسبب أيضا في الحروق الشمسية والالتهابات الجلدية وغيرها من التأثيرات البيولوجية.
وتشتمل هذه التأثيرات في تعرض جزئيات الحمض النووي DNA للضرر، الأمر الذي يقود إلى حدوث تغايرات إحيائية وتغيرات في الخصائص البنيوية والأنزيمية للبروتينات، أما الأشعة فوق البنفسجية التي تتسبب في التهابات بسيطة، فتعتبر اقل خطورة ولكن التعرض لها لمدة سنوات عديدة يجعلها مؤذية.
ورغم أن سماكة جلد الإنسان لا تزيد على ثلاثة ملليمترات إلا انه يمتلك بنية معقدة تشتمل على طبقة خارجية من الخلايا الظهارية وأخرى داعمة من النسيج الضام. ومعظم الأضرار التي تتسبب بها الأشعة فوق البنفسجية تحدث في النسيج الضام مما يؤدي إلى ظهور التجاعيد، ويكاد لا يخلو أحد منا ممن تجاوزوا الثلاثين من تلك الأضرار المتمثلة في تجاعيد في جلد الوجه.
وفي المرحلة الأولى من تأثير الأشعة فوق البنفسجية، يصبح الجلد متسماً بتجاعيد دقيقة كما انه يفقد مرونته، وفي النهاية، يصبح الجلد غير المحمي من أشعة الشمس خشناً وكثير التكتل، كما هو حال وجوه كبار السن من القرويين في البلدان الحارة.
ويقول الباحثون إن السبب في ذلك يعود إلى أن الخلايا التي تشكل ألياف النسيج الضام (الأرومات الليفية الجلدية) تنتج أليافاً مشوهة نتيجة تأثرها بالأشعة فوق البنفسجية، ومعروف أن الأرومات الليفية قريبة جدا من سطح الجلد لدرجة أنها تتلقى 50% من الأشعة الشمسية التي يتعرض لها سطح الجلد.
ويعتبر سرطان الجلد من أكثر نتائج التعرض للأشعة فوق البنفسجية خطورة، وهو أكثر أنواع الأورام انتشارا لدى البشر، فالتعرض على مدى سنين العمر، للأشعة فوق البنفسجية يحدث تغايرات أحيائية أو طفرات جينية تفضي إلى تشكل الورم. ووفقاً لتقديرات برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، فإن هناك 2,2 مليون إصابة بسرطان الجلد سنوياً على مستوى العالم. وتشير الدراسات إلى أن نقصان الأوزون في طبقة الستراتوسفير بنسبة 1% يقابله ارتفاع في معدل الإصابة بالأورام الجلدية بنسبة 5%، وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من الأورام الجلدية: سرطان الخلايا القاعدية ويطلق عليه أيضا اسم “القرحة القارضة” نظراً للطريقة التي يتم فيها “قضم” الأنسجة، ونادراً ما ينتشر هذا النوع إلى أجزاء أخرى من الجسم، وعليه يمكن علاجه عن طريق الاستئصال الجراحي.
والنوع الثاني هو سرطان الخلايا الحرشفية الذي يمكن أن ينتشر إلى العقد اللمفية الموضعية ويتطلب استخدام العلاج الإشعاعي، وأما أكثر الأورام الجلدية خطورة فهو الورم القتاميني الخبيث، وينشأ عندما يحدث تغاير أحيائي في خلايا الميلانين أو القتامين، وتبدأ هذه الخلايا بالانقسام على نحو خارج عن السيطرة، الأمر الذي يؤدي إلى تغيرات في الشامات (البقع السوداء) الموجودة مسبقاً في الجلد أو إلى تشكل بقع سوداء غير منتظمة سرعان ما تأخذ بالانتشار، وحيث ان الخلايا الميلانينية المصابة تنتشر بسرعة في الجسم في المراحل الأولى، فإن العديد من الحالات عصي على العلاج.
ولوحظ خلال الأربعين سنة الماضية، ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الخلايا القتامينية بين أصحاب البشرة البيضاء في العديد من الدول ومنها استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة.
ويتمثل احد التأثيرات الأخرى الناجمة عن استنزاف طبقة الاوزون على الجلد، في الخلل الذي يحدث في خلايا النظام المناعي للجلد. وتقوم هذه الخلايا بمعالجة المادة الغريبة وتنظيم ردود الأفعال لمواجهة الدخلاء من البكتيريا والفيروسات.
وتشير بعض الدراسات الأمريكية إلى أن التعرض الكبير للأشعة فوق البنفسجية يمكن أن يحدث خللاً في الوظيفة الوقائية للجلد بتخريب تلك الخلايا الأمر الذي يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية.
فالعين تقوم بامتصاص الضوء طالما أنها مفتوحة وبالتالي فإنها معرضة بشكل كبير للدخول الأشعة فوق البنفسجية فيها، الأمر الذي تكون عواقبه وخيمة في بعض الأحيان، فقد تتعطل على سبيل المثال وظيفة خلايا المقلة الخضابية المسؤولة عن خفض كمية الإشعاع المنعكس داخل العين، بهدف تنقية البصر لدى تعرضها إلى كمية كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية، وقد ينجم عن ذلك ظهور أورام قتامينية في العين أو فقدان البصر وربما الموت.
ويقع التأثير الأخطر في عدسة العين، وحيث إن بروتينات العدسة تتجدد بشكل طبيعي على نحو بطيء، فإنها أكثر عرضة للإصابة بالأضرار مقارنة بغيرها. فمع مرور الزمن، تصبح المجموعات البروتينية الشفافة التي تركز الضوء، ضبابية الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بما يسمى “إعتام عدسة العين” (cataract) الذي يمثل احد أكثر أسباب فقدان البصر شيوعاً.
ورغم انه من الممكن معالجة إعتام العين عن طريق الجراحة، إلا أن العديد من المرضى في البلدان الفقيرة لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج بالتقنيات المتطورة المناسبة. وتقول منظمة الصحة العالمية إن حوالي 3 ملايين إصابة بإعتام العين من إجمالي عدد الإصابات سنويا، ناجمة عن التعرض للأشعة فوق البنفسجية. وتشير بعض التقديرات إلى أن انحسار 10% من الأوزون في طبقة الستراتوسفير قد يؤدي إلى ظهور 75,1 مليون إصابة إضافية سنوياً.
ويؤثر استنزاف طبقة الأوزون في صحة الإنسان بشكل غير مباشر مما يقود إلى نتائج لا تقل خطورة عن النتائج السابقة ويصعب حصرها. فالعديد من الحيوانات والنباتات معرض للتأثيرات الكبيرة للأشعة فوق البنفسجية. وعليه فإن أي ارتفاع في كمية هذه الأشعة سيؤدي حتماً إلى خلل في هرم السلسلة الغذائية. فنبات فيتوبلانكتون الذي يعيش بالقرب من سطح البحر باحثاً عن الأشعة من أجل عملية التمثيل الضوئي، من أكثر الأنواع عرضة لتأثيرات الأشعة فوق البنفسجية، ولسوء الحظ فإن هذا النوع من النبات يقع في قعر الهرم الغذائي وتقتات منه كافة الكائنات البحرية تقريباً.
وعندما يتعرض للضرر، فإن هذه الكائنات تصبح غير قادرة على الحركة أو التكاثر بشكل طبيعي، وقد بدأ تأثير ذلك يظهر في الأسماك والقريدس والكائنات الأخرى الضخمة نسبياً في المراحل الأولى من نموها، الأمر الذي يحمل في طياته إشارة إلى احتمال حدوث تغيرات كبيرة في البيئة البحرية التي بدورها ستؤثر في الموارد الغذائية للإنسان.
وليست المحاصيل الزراعية والدواب بمنأى عن تلك التأثيرات فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن المحاصيل الزراعية مثل فول الصويا والبازلاء والفول قد تنخفض إلى الربع عندما تزداد كمية الأشعة فوق البنفسجية في الضوء الساقط عليها بنسبة 25%.
وعلى الرغم من أن جلد الحيوان محمي بطبقة سميكة من الشعر، إلا أن ذلك لن يحمي العين التي بدأت حالات اعتلالها تزداد وبالأخص تهيج القرنية (العين الوردية) وإعتام العين وسرطان العين، ومجمل القول إن التكهنات بشأن مورد الغذاء العالمي غير محددة وغير أكيدة.
ومن جهة أخرى، فإن النمو السكاني السريع يفاقم المشكلة. فإذا كنا نرغب في تجنيب الملايين من البشر عواقب سوء التغذية فعلينا أن نحافظ على المورد الغذائي الحالي والسعي إلى تأمين موارد أخرى، ولا يقتصر سوء التغذية على كونه الخطوة الأولى باتجاه المجاعة بل انه أيضا يزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض المعدية. وفي هذه الحالة يرجح أن يموت الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية متأثرين بالأمراض المسببة للإسهال، في حين تطول فترة مرض الراشدين مما يؤدي إلى تعطيل قدراتهم والعجز عن إعالة عائلاتهم.

ظاهرة الاحتباس الحراري

والواقع أن هذا السيناريو لا يقوم على المعلومات التي بحوزتنا عن التغير المناخي، فالقوى التي تكمن وراء ارتفاع درجة الأرض أو ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري، ضرورية لاستمرار الحياة على الأرض، ولكن النماذج المناخية التي نشهدها الآن، تشير إلى أن درجة حرارة غلاف الأرض ترتفع على نحو أسرع مما هو متوقع منذ العصر الجليدي الأخير وذلك بفضل ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن نشاطات البشر.
ومن المتوقع أن تكون تأثيرات الاحتباس الحراري واسعة الانتشار إذ ربما يرتفع على سبيل المثال، معدل حدوث الموجات الحرارية التي بالطبع ستكون أكثر خطورة. ومعروف أن الموجات الحرارية تسبب ارتفاعاً في معدل الوفيات، بيد أن الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة العالمية عام ،1996 أظهرت أن معدل وفيات الموجات الحرارية لا يشكل إلا جزءاً ضئيلاً من المعدل العالمي الكلي للوفيات في عام 1995.
وأما الدراسة التي أجرتها كلية لندن للصحة والأدوية الاستوائية فقد قدمت صورة قاتمة للوضع، فقياساً بالموجات الحرارية الصيفية في بريطانيا عامي 1976 و1995 يتوقع الباحثون أن معدل حدوث موجات حرارية، كذلك سيزداد 50 ضعفاً مع حلول عام 2050.
وأشارت الدراسة إلى أن لندن تعاني ارتفاعاً في معدل الوفيات خلال فترة الموجات الحرارية نظراً لارتفاع درجة حرارة المدينة وارتفاع مستوى الملوثات في الهواء.
ويتمثل أحد التأثيرات الأخرى للتغير المناخي في ارتفاع تركيز الجراثيم والفطريات وغيرها من العوامل المثيرة للحساسية في الهواء، ولا ننسى أيضا الظواهر المناخية الخطيرة كالعواصف والأعاصير والفيضانات التي يحتمل أن تزداد من حيث العدد والقوة، ورغم صعوبة التنبؤ بها إلا انه من المتوقع أن تكون هذه الظواهر مستقبلا أكثر خطورة وتدميراً. وما على المرء سوى إلقاء نظرة على الإعصار الذي ضرب بنجلاديش عام 1970 وقتل مئات الألوف من البشر والفيضانات التي شهدها العالم في الفترة الماضية وأسفرت عن تشريد 21 مليون شخص.

أضرار اقتصادية

لا تقتصر عواقب العواصف المتكررة وازدياد رقعة انتشارها على ارتفاع معدل الوفيات بل إن ذلك سيؤدي إلى خسائر مادية مع زيادة الضرائب المفروضة على الاقتصاد الذي يحاول النهوض مجدداً، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى خفض الإنفاق على الصحة العامة.
والى جانب ذلك فإن الزراعة ستتضرر من الفيضانات والعواصف وبالتالي فإن أعدادا أكبر من البشر سيفقدون منازلهم مما سيسهم في تفاقم الظروف المعيشية وبالتالي ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض والوفيات.
ولكن التأثيرات غير المباشرة لظاهرة الاحتباس الحراري ربما تكون أسوأ وأخطر بكثير. ويعود ذلك إلى التغيرات التي ستطرأ على مستوى سطح البحر ومدى خطورة وسلوك بعض الأمراض المعدية وكذلك على حجم الانتاج الزراعي والموارد المائية.
وعلى صعيد آخر يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في ذوبان القمم القطبية الجليدية وكذلك التمدد الحراري لمياه البحر، مما يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر. ويقدر الخبراء أن ذوبان الصفيحة الجليدية الغربية في القارة المتجمدة الجنوبية سيرفع من مستوى سطح البحر بمقدار خمسة أمتار.
ويقولون انه بالنظر إلى عدد سكان العالم اليوم، فإن ارتفاعاً في مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر فقط سيضاعف عدد ضحايا الفيضانات السنوي ليصل إلى 92 مليون نسمة، ناهيك عن حجم الكارثة التي يمكن أن يتسبب فيها هذا الارتفاع بالنسبة لبلدان مثل بنجلاديش وهولندا والجزر المنخفضة. ولا تكمن المشكلة الرئيسية في ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يقدر العلماء انه سيتراوح بين 1 - 2 سم سنوياً على مدى بضعة قرون، بقدر ما تكمن في الأماكن التي سيلجأ إليها المشردون نتيجة ذلك. فنزوح الأعداد الكبيرة من البشر سيقود إلى نشوء مشكلات اجتماعية كالنزاع والازدحام والتي بدورها ستؤدي إلى تفشي الأمراض والمجاعة، وسوف يتأثر مستوى الصحة العامة أيضا والسبب في ذلك يعود جزئياً إلى تضرر أنظمة الصرف الصحي.

الأمراض أسرع انتشاراً

من شأن ارتفاع درجة حرارة المناخ أن يسهل انتشار الفيروسات والحيوانات الناقلة للأمراض المعدية الذي يقتصر وجودها الآن على المناطق المدارية، ولا يقتصر الأمر على اتساع رقعة انتشار الفيروسات وارتفاع معدل تكاثرها، بل إن ذلك يقلص فترة حضانتها أيضا، وعلى رأس قائمة الجراثيم المرشحة لذلك هي جرثومة الملاريا.
ففي عام 1996 أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن الملاريا تتسبب أو تساهم في موت 3 ملايين شخص سنويا، معظمهم في دول جنوب الصحراء الإفريقية، كما أن انتقال هذا الوباء مسألة سهلة للغاية. فبعوضة الملاريا التي تنقل المرض وتسمى “انوفيليس”، حساسة جدا للتغيرات في درجة الحرارة مهما كانت طفيفة.
ويقدر الخبراء أن ارتفاع درجة حرارة العالم بمقدار 5,3 مئوية لا يضاعف عدد الحشرات في المناطق المدارية فحسب بل انه سيضاعف أعدادها مئات المرات في المناطق المعتدلة.
والجدير بالذكر أن البعوض ينقل حمى الضنك التي بدأت تنتشر على نحو مثير للقلق منذ ثلاثين سنة إلى أن أصبح 40% من سكان العالم معرضين للإصابة بهذا الوباء.
ومن الأشياء المثيرة للقلق على هذا الصعيد أن الذين لم يتعرضوا لتلك الجراثيم من قبل سيصبحون أكثر عرضة لها من غيرهم، وعلى الرغم من أن الملاريا كانت مستوطنة في أوروبا حتى الستينات والولايات المتحدة حتى الأربعينات، إلا انه من الممكن ألا يكون سكان الشمال قد تعرضوا للأمراض الاستوائية منذ قرون.
وسوف تطرأ تغيرات كبيرة على الإنتاجية الزراعية نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض. وصحيح أن العديد من التأثيرات الصحية ستكون محلية، غير أن تصدير المحاصيل الغذائية سيفاقم من حجم المشكلة إذ سيؤدي ذلك إلى زيادة مستوى النقص وإلى أزمات اقتصادية محلية، وقد تستفيد بعض المناطق من زيادة فترة المواسم الزراعية بيد أن بعض المحاصيل سوف تفسد نتيجة الحرارة العالية وقلة الأمطار. وفي دراسة أشارت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة إلى أن الانخفاض الكبير في مستوى الإنتاجية الزراعية سيقع في البلدان النامية (حوالي 10%) وخصوصاً في الأماكن التي يتوقع أن تحدث فيها زيادة كبيرة في عدد السكان. وبالنظر إلى هذين العاملين، فإن عدد السكان المعرضين لخطر المجاعة سيزداد بنسبة 50% في بعض المناطق الأمر الذي بدوره سيجعل الأطفال عرضة للإصابة بأمراض عقلية وجسدية. وأما بالنسبة للتغيرات التي ستطرأ على الموارد المائية فقد تكون في غاية الخطورة، حيث ستنخفض كمية الأمطار وسيزداد معدل استنزاف المياه العذبة التي ربما تختلط مع مياه البحر. وهذا لا يعني فقط زيادة ملوحة الماء بل زيادة تلوثه. فبكتيريا الكوليرا، تقطن النباتات البحرية المعلقة (النباتات المعلقة وهي التي تعيش مغمورة في المياه لا طافية ولا راسية). وبما انه من المتوقع أن يزيد عدد هذا النوع من النباتات لدى ارتفاع درجة حرارة المياه الساحلية ومصبات الأنهار، فسوف تزداد رقعة انتشار الكوليرا. وبكلمة مختصرة، إن المستقبل ينذر بالكوارث ولكن مجرد تلمس العلماء لاحتمالات حدوث هذه الكوارث يشير ضمناً إلى إمكانية القيام بأشياء عديدة لتجنبها. والأمر الذي أصبح واضحاً هو انه في الوقت الذي تلعب فيه المبادرات الذاتية دوراً مهماً في حماية صحة البشر، فإن التعاون العالمي ضرورة ملحة لا سبيل إلى تجاهلها.

المصدر : مجلة الصحة والطب .