المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : &( الأوستيوباثي نظام علاجي يتعامل مع بنية الجسم )&


د.عبدالله
24-04-2007, 09:37 AM
الاوستيوباثي هو نظام علاجي يتعامل مع بنية الجسم، أي العظام والمفاصل والأربطة والأوتار والعضلات وكل الأنسجة الرابطة وعلاقتها مع بعضها بعضا، وتأثيرات وضعها الصحي في أجهزة الجسم المختلفة.
والاصل في هذا النظام العلاجي كما تذكر “الموسوعة الطبية الشاملة” لشبكة الاطباء الدوليين (المجموعة الطبية الأوروبية-الأمريكية) يعود الى الأمريكي اندرو تيلر ستل، فبعد أن خدم في الخطوط الأمامية للقتال في الحرب الأهلية الأمريكية كجراح، وبعد أن فقد أولاده الثلاثة في ذات السحايا الفقرية أصبح ستل غير مقتنع ومتشائما من الطب المتداول. وكان ذلك في أواسط القرن الماضي عندما كان العلاج المتوفر غير نافع في أكثر الحالات (حتى على مستوى الطب المتداول) وكانت الجراحة أمرا قاسيا جدا لحداثة استعمال المخدر وأسباب أخرى. لذا أراد ستل أن يجد طريقة علاجية أكثر تعاطفا مع المريض وأكثر نفعا.

بعد تجارب ستل تأكد من أن الوسائل اليدوية وحدها أكثر فعالية بشكل ملفت للنظر من الطرق الأخرى في أكثر الحالات التي تعامل معها.
وفي عام 1874 م بدأ ستل باستعمال الطرق اليدوية في العلاج، والتي سماها الأوستيوباثي، وذلك مع الجراحة أيضا في عيادة كبيرة جدا، وأصبح معروفا للنجاحات التي حققها. وبعد ثماني عشرة سنة، وبعد أن أثبت أن هذه الطرق هي أكثر فعالية من الطرق المتوفرة في حينه، أسس ستل أول مدرسة لتعليمها سماها “مدرسة الطب الأوستيوباثي” في كركسفل بولاية ميسوري.

الطريقة العلاجية
اعتقد أندرو ستل بإمكانية الجسم الذاتية للشفاء، وبضرورة أن تكون مصادر الدم والأعصاب لكل أنسجة الجسم غير معاقة لكي تعمل هذه الأنسجة بالشكل الصحيح. وإذا ما تداخلت مشكلة بنيوية، مثل شد عضلي أو انحناء في العمود الفقري الخ، بشكل سلبي على السريان الدموي والعصبي، يحدث تأثير سلبي في قدرة الجسم على الشفاء ويحصل المرض. لذلك أسس طريقة للمعالجة أو الدعك باليد. (manipulation) لإعادة أي انحرافات بنيوية إلى وضعها الطبيعي.
وكان ستل أول من قدم تفسيرا مقبولا عقليا حول أهمية العمود الفقري للمحافظة على الصحة حيث إنه محيط بالحبل الشوكي.
فيمكن اعتبار الحبل الشوكي ملحقا للدماغ مسيطرا على كل فعاليات الجسم، ليس فقط العضلات، وإنما أعضاء حيوية هامة كالكلى والقلب والكبد والرئتين، وكذلك الأوعية الدموية والغدد. وأي تداخل مع الأعصاب المارة من وإلى الدماغ من خلال الحبل الشوكي لا بد وأن يؤثر في العمل الطبيعي للأنسجة التي تمر منها أو إليها هذه الأعصاب.
وقد أكد ستل ثلاثة مبادئ أساسية للشفاء هي:
* يضم الجسم الطبيعي الصحي بداخله قابلية الدفاع والتصليح عند الإصابات في حالات العدوى والتأثيرات السمية والحوادث.
الجسم وحدة واحدة، وعند وجود وضع بنيوي أو وظائفي غير طبيعي فإنه يؤثر بشكل سلبي في الأجزاء الأخرى.
يستطيع الجسم أن يدافع أو يصلح بأفضل شكل ممكن إذا ما كانت بنيته في وضعها الحركي والمرن الأقصى.
وكنتيجة لفكرة احتواء الجسم على دفاعاته الذاتية هي أن المرض يحصل عندما تضعف هذه الدفاعات، وأن هذا الضعف قد حصل بسبب أن الجسم قد أصبح غير صحيح ميكانيكيا.
وكان الدكتور ستل ينظر إلى مرضاه بنفس النظرة الكلية، وترك الطريقة المعتادة أي معالجة الأعراض من دون البحث عن الأسباب. وكان بعد أن يسأل المريض عن كل ما يتعلق به مما يعتبره الطبيب بديلا ذا علاقة بحالته المرضية، كان يقوم بفحص الأنسجة الرابطة بواسطة أصابعه، وكان يفحص الأعضاء الداخلية يدويا كالكبد والمعدة. وهذا ما كان يدرسه ستل من أن البنية والوظيفة (للأعضاء) مترابطة بشكل لا فكاك عنه، ومما قاله “إن الجهاز العظمي العضلي من العظام والأربطة والعضلات والصفاق (وهو الطبقة التي توجد تحت الجلد مباشرة والتي تتألف من حزم من أنسجة ليفية مرنة والتي تغلف العضلات والأعصاب والأعضاء المختلفة) تكون بنية واحدة والتي عندما تتعرض للاختلاف (عن وضعها الطبيعي) من الممكن أن تحدث تغييرات في وظائف أجزاء أخرى من الجسم”.
وبخلاف الأفكار المقبولة عموما اليوم، فإن الدكتور ستل أعطى أهمية كبيرة في التشخيص والعلاج للصفاق كما للعمود الفقري. وكانت نصيحته “إن الصفاق هو المكان الذي تبحث فيه عن أسباب المرض، وهو المكان الذي يبدأ فيه عمل العلاج في جميع الأمراض”.

علاقة العمود الفقري بالأجهزة:
يقوم نظام العلاج بالأوستيوباثي على اساس الاعتقاد بوجود علاقة أكيدة بين العمود الفقري وأجهزة الجسم المختلفة، وإن هذه العلاقة جاءت من الأعصاب الخارجة والداخلة من الحبل الشوكي الواقع في داخل العمود الفقري والأجهزة التي تصل إليها. ويعتقد “الأوستيوباثي” أن هذه العلاقة تحتم حدوث الخلل بعمل الأجهزة التي تصل إليها الأعصاب الخارجة من منطقة الفقرات المصابة. هذا بالإضافة إلى عوامل ميكانيكية أخرى كالمفاصل (غير الفقرات) والصفاق والعضلات. وعلى الرغم من ذلك فإن الأوستيوباثي يعتقد بوجود عوامل أخرى مسببة للمرض كالغذاء والوراثة والبيئة والنفس والبكتيريا، لأنه لا يدعي إمكانية علاج الحالات المرضية الناتجة من هذه العوامل.
كما أن أعضاء الجسم مغذاة بنوعين من الأعصاب. الأول من الدماغ الأوسط والنخاع الشوكي والمنطقة العجزية، أما الثاني فمن المنطقتين الصدرية والقطنية من عقد عصبية كبيرة تقع قرب العمود.
والمعروف أن أعضاء الجسم مزودة بمجموعتين من الألياف العصبية. الأولى من المخ والنخاع الشوكي والمنطقة العجزية، والثانية من المنطقتين الصدرية والقطنية من العقد العصبية الكبيرة الواقعة قرب العمود الفقري.
وعندما يكون هناك خلل في الوضع الطبيعي لفقرة ما والتي تحيط بالألياف العصبية يحصل تداخل في الوارد والصادر، مما يعني احتمال إرسال أو استلام معلومات غير صحيحة من المخيخ والحبل الشوكي. ومن الممكن أن يكون التداخل المستمر معيقا لهذه المنطقة من الحبل الشوكي. وبما أن هذه المعلومات المرسلة والمستقبلة مسؤولة أيضا عن عمل الأعضاء العميقة في الجسم، فإنه من المنطقي الاستنتاج بأن أي خلل في الوضع الطبيعي للفقرات يمكن أن يكون مضرا لصحة هذه الأعضاء.
ومن جهة أخرى فإن الاختلال في أي قسم من الليف العصبي يمكن أن ينشأ بسبب حصول ما يسمى الخلل المرضي الأوستيوباثي (osteopathic Lesion) في المنطقة المجاورة له كالمعصم أو المرفق أو الكتف الخ، حيث يكون الصفاق قد التهب أو كون كيانا لاصقا. وتكون هذه الاختلالات أعظم عندما يمر الليف العصبي بالعظام، وخصوصا في الجذور في منطقة العمود الفقري. وعندما يتعرض الليف العصبي للضغط يحصل اختلاف في النبضات المتناسقة التي ترسل خلاله. ومن الممكن ألا ينقطع الاتصال العصبي كليا، إلا أنه في جميع الحالات لا بد وأن تبدأ بعض الأعراض الخفية بالتكون.
وتجب الإشارة إلى أن المعالجين الأوستيوباثيين لا يقومون بتتبع الأعصاب والإحساس بها لمعرفة العطب، إلا أن تجربتهم لأكثر من 100 عام تثبت بما لا مجال للشك أن المريض الذي يتم تخليصه من الخلل الميكانيكي الحاصل في جهازه العظمي العضلي وذلك بإزالة الخلل المرضي الأوستيوباثي، يتخلص من حالات مرضية كانت قد تسببت من هذا الخلل، بل ويعود إلى صحته الكاملة إذا ما كان سبب المرض هذه الاختلالات الأوستيوباثية فحسب. إلا أنه إذا ما ترسخ المرض العضوي بحيث سبب عطبا دائما في الأعضاء المحنية فإن الأوستيوباثي لا تعود نافعة لإزالة الحالة.

الخلل المرضي الأوستيوباثي
يحتوي التشخيص الأوستيوباثي على حالة معينة من الممكن أن تحدث في أي مفصل وهي التي تسمى عادة الخلل المرضي الأوستيوباثي. وتقديم هذه التسمية القاعدة العلمية لفعل العلاج الأوستيوباثي.
إن لكل مفصل مجالا معينا من الحركة، ولنسميه الطبيعي. وتساعد المفاصل في حركتها الأربطة والأوتار والعضلات وكذلك الصفاق. وهذه الأنسجة تمكن المفصل من الحركة حسب المجال الطبيعي لكل إنسان، ذلك لأن لكل إنسان مجالا لحركة المفاصل يختلف عن غيره. وعندما يحصل تحرك لأي مفصل بشكل غير اعتيادي يحصل تثبيت للمفصل مما يبقيه، بمساعدة الأوتار والأربطة والعضلات في نقطة هي أقصى ما يمكن في مجال حركته. وعندما يكون المفصل بهذا الوضع يسمي الأوستيوباثيون هذه الحالة الخلل المرضي الأوستيوباثي.
إن هذا الخلل ليس كما قد يتصور من أنه واضح عيانا، وإلا لبان ذلك في صور الأشعة. فهو لا يتضمن تباعدا كبيرا للعظم عن مكانه الطبيعي، وإنما يتضمن تحركا بسيطا للمفصل بحيث يثبت في أقصى ما يمكن من مجال حركته. مع ذلك فإنه من الأهمية بمكان بحيث أن تشخيصه ضروري جدا كمقدمة للعلاج. وهنا تبرز ضرورة مراجعة معالج أوستيوباثي متدرب بشكل صحيح على ذلك.
وهكذا يتبين أن مقدار التغير الذي يجب أن يحصل لبداية الهبوط بالصحة قليل جدا. كذلك فإن أي جزء في الجسم يمنع من المصادر الدموية والعصبية اللازمة وبالتالي من التغذية لا بد وأن يصبح مريضا.
إن حدوث الخلل المرضي الأوستيوباثي يؤدي إلى:
حصر الأعصاب. فهذه تسير من خلال الفقرات من الحبل الشوكي إلى أجزاء الجسم المختلفة، ومن أجزاء الجسم عائدة إلى الدماغ. وعند حصول الخلل الأوستيوباثي في مفصل ما فإن الأجزاء القريبة منه لا بد وأن تصاب بالمشكلة ذاتها. وهذا يؤدي إلى أن تحصر الألياف العصبية المارة إلى المفصل من خلالها. كما يمكن أن يلتهب العصب الذي لا يمر من المنطقة مباشرة وإنما قريبا من المنطقة المحصورة.
نقص مصدر الدم. وهذا يحصل إذا ما حصل أي شد عضلي في العضلات المتصلة مباشرة أو بشكل غير مباشر للجزء من العمود الفقري المتأثر بالخلل الأوستيوباثي حتى وإن لم يكن قريبا منه. وسيؤدي ذلك إلى عدم عمل الصفاق بالشكل الطبيعي مما يقلل من سريان الدم أو قد يوقفه كليا، مما قد يؤدي إلى حالات مرضية خطيرة.
عطب القرص الفقري. عندما يستمر الخلل الأوستيوباثي من دون علاج لفترة طويلة تصبح إمكانية إزالته أقل. وحتى لو لم يكن القرص الفقري متحركا من مكانه فقد لوحظ في البحث المختبري أن قابليته على امتصاص الماء من الدم واللمف تقل إذا ما استمرت حالة الخلل الأوستيوباثي. وهذا يسبب تقلصا في حجم القرص مما يقلل من كفاءته كمانع للصدمات.
تلف المفصل. وهذا مشابه للتلف الذي يحصل في أي جزء من الماكينة الموضوعة باستمرار تحت الشد المستمر عندما يكون في غير الوضع الاعتيادي له حسب التصميم.
اختلاف الإشارات العصبية. وهذا ما سبق ذكره عن علاقة الفقرات بأجهزة الجسم المختلفة حيث يحصل اختلاف في الشكل العام للمعلومات المنقولة من وإلى الدماغ مما يؤثر في عمل الأجهزة.

وضع القامة والحركة
يهتم الأوستيوباثي بوضع قامة المريض ثنائي الاتجاه. فهو من جهة يهتم بالقامة عموما، وهذا يتضمن حالة العضلات وواجبها في إسناد البنية. ومن جهة أخرى يهتم بالآثار التي للقامة، حاليا أو مستقبلا، في صحة المريض.
أما العوامل التي تؤثر في القامة فهي:
طبيعة المهنة، ونعني الاستعمال المستمر للعضلات في حالة معينة. وهذا يؤثر بأشكال مختلفة في الألياف العصبية المغذية لها، وكذلك بدرجة السموم التي تفرزها العضلة عندما تعمل بشكل مستمر. وعندما يحصل ذلك فإن التقلص العضلي لا بد وأن يتبع مما يؤدي إلى التأثير في حركة المفصل. وعندما تستمر هذه الحالة لسنين يحاول الجسم أن يتكيف معها فيتغير وضع القامة.
* العوامل الوراثية، كوجود الشخص ذي البنية النحيفة والآخر ذي البنية السميكة. ويكون الأشخاص نحيفو البنية أكثر عرضة للمرض بسبب كون بناهم أقل تجمعا وبذا تصعب مقاومة القوى الخارجية التي تسبب مشاكل القرص الفقري مثلا. كما إن أجسامهم موزعة على مسافة بعيدة من مركز الثقل ونقاط الإسناد الأساسية. أما النوع السميك فبعكسهم، إلا أنهم عندما يصابون بهذه المشاكل فإن علاجهم يكون أصعب.
* الشذوذات البنيوية. وكثيرا ما تحصل تغيرات في الصغر بغير ظهور لأعراض مرضية وهذا يؤدي إلى اختلاف في وضع العضلات والمفاصل والأنسجة الرابطة مما يغير من الوضع المفترض للقامة. وكثير من الناس عندهم إحدى الساقين أطول من الأخرى وهذا يجعل الحوض هابطا من جهة الساق الأقصر وهو ما يؤدي إلى انحراف العمود الفقري أي انحراف في القامة إلى إحدى الجهتين اليمنى أو اليسرى.

الفحص
كما هو الحال في باقي طرق العلاج البديلة، فإن المعالج الأوستيوباثي مدرب لكي يحصل من المريض على معلومات كثيرة تخص صحته العامة ومهنته وحتى حياته السابقة. وهو يلاحظ حتى قبل أن يبدأ بسؤال المريض كيف يمشي وكيف هو وضع قامته ودرجة الحركة عندما يجلس. والمعالج الأوستيوباثي يهتم بدرجة الحركة في كل المفاصل بما في ذلك القفص الصدري وهو شيء يستطيع ملاحظته من تنفس المريض مثلا.
ثم ينظر المعالج إلى الهيكل العظمي بصورة عامة. وهنا لا يدرس إمكانية تغيير أي انحراف فيه لأن ذلك غير ممكن. إما أولا فلأن الهيكل العظمي، أخذ شكلا معينا بعد سنين من المداومة على وضع معين في أغلب الأوقات بسبب المهنة أو غير ذلك مما ذكرنا في أعلاه، وأما ثانيا فلأنه لا يوجد شكل محدد للهيكل العظمي لا يمكن الخروج عنه، فهناك، أشكال متعددة حسب الخلقة الأصلية. ثم يفحص العضلات ليرى تأثير شكل الجسم ووضع القامة لسنين فيها. فمثلا إذا كان هناك تحدب إلى الأمام في العمود الفقري فإن العضلات الكبيرة الساندة للعمود يجب أن تفحص ليرى علاقة شكلها الخاص بهذا المريض مع الحالة عموما. فإذا لم تكن لذلك علاقة مع المشكلة التي يشكو منها المريض فإن المعالج قد لا يرى ضرورة لتغيير وضع أصبح طبيعيا له بعد التكيف.
ثم يأتي إلى سطح الجسم باستعمال طريقة تسمى الجس، وهي من أكثر الأساليب مهارة عند الأوستيوباثيين، حيث يستطيع فيها أن يحس بأي تغيرات بنيوية مهما كانت بسيطة ولكن قد تؤثر في مساحات واسعة وفي عمل أجزاء أخرى في الجسم. وباستعمال الجس العميق يستطيع أن يعرف الكثير عن مشاكل مختلفة. وأخيرا فهو يرى وضعية الأوتار والأربطة الساندة وعلاقتها بالمفاصل. وبالطبع فإن الجس العميق ضروري لفحص الصفاق.
وفي الغالب لا يحتاج المعالج الأوستيوباثي إلى صور الأشعة لتشخيص الحالة. مع ذلك، فهو يطلبها إذا ما شك في أن العلاج الأوستيوباثي لا يتلاءم مع المرض الحاصل في العمود الفقري أو المفاصل الأخرى.

العلاج ومدته
بعد أن تم التشخيص وتوصل المعالج إلى سبب المشكلة يبدأ بالمعالجة التي غرضها إعادة توازن العمود الفقري والشد فيما حوله، وكذلك موازنة الشد في الأجزاء البنيوية الأخرى. وبهذا يمكن إعادة حركات كل أجزاء البنية إلى طبيعتها وتقليل الحصر والاختلافات غير الطبيعية عن الأعصاب وفي الدورة الدموية.
وهناك طرق عديدة مثل المد والتدليك وغيرهما، ويعتمد إجراؤها على عدة عوامل منها حجم المريض ووضع قامته ونوع المشكلة ووضع المفصل المعين، فإذا ما كان المفصل معاقا مثلا يجب ألا يحاول المعالج إعادته إلى وضعه الطبيعي، بل ينصح المريض بما يجب عمله. ومن أكثر الطرق استعمالا في إزالة تثبيت المفصل في أقصى نقطة من مجال حركته هي الحركة السريعة جدا.
أما التدليك فهو خاص بهذه الطريقة العلاجية، وإن كان يشابه التدليك المعروف الذي يقوم بعمله المعالج الطبيعي في الطب المتداول والذي يقوم به أي شخص في الحقيقة. وما يقوم به المعالج الأوستيوباثي هنا هو معالجة للأنسجة الرقيقة الموجودة تحت الجلد مباشرة، وهذا يتأتى من اهتمام الأوستيوباثي بالصفاق بدءا من الدكتور ستل الذي يؤكد أن أسباب المرض يجب أن يبحث عنها في الصفاق، وإن العلاج يجب أن يبدأ من هناك أيضا.
ويخشى بعض المرضى من احتمال أن تكون بعض المعالجات الأوستيوباثية مؤلمة خصوصا تلك ذات الحركة السريعة جدا، إلا أن الواقع ينفي حصول أي ألم في العلاج. ولكن قد يحس المريض بعدم الراحة للحظة واحدة بسبب وضعه غير المريح على سرير العلاج مثلا.
وأهم عمل من جانب المريض هو الاسترخاء الكامل، وخصوصا في الحركة السريعة جدا. ذلك لأن الاسترخاء يجعل العضلات مرتخية مما لا يشد المفاصل إلى درجة تمنع حصول تحركها إلى الوضع الطبيعي وهو ما يبتغيه المعالج. كما إن الاسترخاء ضروري جدا لمن كان يشكو من الآلام، في أثناء المعالجة وخارجها.
وللمعالجين الأوستيوباثيين طرق عديدة لتحقيق ذلك، إلا أن دور المريض لتحقيق الاسترخاء مهم جدا. وهو جزء من العلاج، أو على الأقل لضمان عدم عودة الحالة أو عدم حصول ما يطورها نحو الأسوأ.
اما النصائح التي يعطيها المعالج للمريض، فهو يعلمه الطريقة الصحيحة لاستعمال جسمه، ووضع قامته الأفضل في العمل والفراغ، وكذلك أهمية أداء التمارين الرياضية المناسبة له لأجل المحافظة على مرونة الجسم والعمود الفقري.
كما إن بعض المعالجين الأوستيوباثيين هم معالجون طبيعيون أيضا، اي درسوا المعالجة الطبيعية بأقسامها المختلفة جنبا إلى جنب مع الأوستيوباثي، وبالتالي فهم يعلمون المريض الغذاء الصحيح، والوسائل العلاجية الطبيعية التي قد تساعده في مشكلته كالعلاجات المائية من حمامات وكمادات وغيرهما.
أما مدة العلاج فتعتمد، كما هو واضح، على الحالة نفسها. فإذا كانت الحالة مزمنة فإن المراجعة الأولى قد تستغرق ساعة من الزمن وقد يعطى فيها بعض العلاج. كما يضع المعالج في هذه الحالة برنامجا من جلسات علاجية قصيرة على مدة زمنية طويلة وبحيث تطول الفترات الزمنية فيما بين الجلسات شيئا فشيئا، وبالطبع إذا كانت الحالة جديدة أو أنها تحتاج إلى تغيير في أوضاع المريض، أي أن تكون مسؤولية المريض هي المطلوب تعريفها له، فإن جلسات العلاج لا بد وأن تكون معدودة.

الأوستيوباثي الجمجمي
هناك نوع من الأوستيوباثي بدأ بالانتشار من الولايات المتحدة الأمريكية مقره الأصلي. وهذا هو العلاج الأوستيوباثي للجمجمة الذي بدأه الدكتور سذر لاند أحد تلامذة الدكتور ستل.
وفي هذا العلاج يتم التعامل مع الجمجمة بالإضافة إلى باقي أجزاء الجسم. وينصح بهذا العلاج لمن يشكو من مشاكل أساسها التعرض لحادث أو بسبب حصول أعطاب عند الولادة. فكثيرا ما تنتهي المعالجة في المستشفى بعد حادث سيارة مثلا ويظن المريض أنه استرد عافيته ثم بعد مدة من الزمن قد تطول أو تقصر يحس ببعض المتاعب ويتبين أنها بسبب ذلك الحادث.
وبالطبع فإن التعامل مع مفاصل الجمجمة يكون بلطف وعناية فائقتين لحساسية المنطقة ولصغر المفاصل فيها.
وقد حصل المعالجون على نتائج جيدة في حالات عديدة مثل مشاكل القصبات الهوائية، والتنفس غير الطبيعي، والحساسية من الصوت، والنشاط الزائد على المعتاد، ونوبات الكآبة، كما أن أفضل النتائج قد تم التوصل إليها في علاج الأطفال الصغار.

الاوستيوباثي والطرق العلاجية الأخرى
كما ذكر، فإن بعض المعالجين الأوستيوباثيين متدربون على العلاجات الطبيعية كالأنظمة الغذائية والعلاجات المائية، وهذا يعني أنك تستطيع أن تحصل على العلاجين الأوستيوباثي والطبيعي من نفس المعالج وفي آن واحد.
كما أن بعضهم متدرب على طرق علاجية أخرى الهوميوباثي أو الإبر الصينية مما يجعل المعالج متمكنا أكثر في العلاج لأن بحوزته عدة طرق علاجية يستطيع أن يوظفها ويجمع بينها حسب الحالة المرضية المعينة. ومن الأمور التي يهتم بها المعالج هنا هو التمارين التنفسية لأهميتها في تحقيق استرخاء المريض، وهذا ما ستجد بعضه في الفصل الخاص باليوغا حيث تعد التمارين التنفسية من أدواتها العلاجية.
وبما أن الأوستيوباثي طريقة علاجية كلية هدفها تشخيص الأسباب الكامنة وراء المرض ومن ثم التعامل مع الجسم للقضاء على هذه الأسباب، فهي لا توافق على استعمال الأدوية التي تسكن الأعراض أي الأدوية المتداولة. إلا أنها، ولعدم اعتمادها على أدوية تؤخذ داخليا، لن تجد الدواء المتداول متعارضا مع علاجها بشكل مباشر كما هو الحال مع الدواء الهوميوباثي، وإنما سيكون دور الدواء معيقا لكونه يخفف الأعراض مما يجعل ظهور أعراض المرض أقل. على أنه من الممكن، إذا وافق المعالج، أن تستمر بتناول الأدوية المتداولة التي قد تكون لتخفيف الآلام لفترة زمنية محدودة وعلى أساس تقليل الاعتماد عليها تدريجيا إلى أن تستطيع تركها نهائيا.

حالات واقعية
1- كاثي ممرضة عمرها 27 سنة، أحست قبل سنة بألم شديد جدا في كاحلها الأيسر. وبعد ستة أسابيع من العلاج المعتاد وصور الأشعة وتحاليل الدم التي لم تظهر شيئا بدأت تحس بآلام حادة في صدرها وعند تحريك كتفها اليسرى. ثم طبيب أخصائي وتشخيص جديد وهو الروماتزم والتهاب في الألياف، فكانت الحبوب المعتادة ولكن بلا فائدة مما تركها مكتئبة، وهنا كانت الحبوب المهدئة في الانتظار.
وواقع الحال هو وجود تحديد في الحوض سبب ألما تسميعيا (أي الذي أساسه مكان آخر غير المكان الذي يوجد فيه) في ساقها. وأدى استمرار وجود هذه الحالة إلى تخلخل التوازن في قامتها مما سبب الخلل الأوستيوباثي المرضي في أعلى ظهرها واستتبع ذلك حالة كتفها وصدرها. وبعد 14 يوما من العلاج الأوستيوباثي الأول كان التحسن كبيرا، وبعد 21 يوما من العلاج الثاني زالت جميع الأعراض ولم تعد إليها بعدها.
2- امرأة عمرها 32 سنة ذات بنية صغيرة وقامة جيدة، أصيبت بالآلام في صدرها قبل 4 أشهر. وانتشرت الآلام واستمرت في الجانب الأيسر وخصوصا عند الانحناء إلى الأمام. ولم تظهر صور الأشعة وتخطيط القلب شيئا، ولا شربة الباريوم لمعرفة ما إذا كان سبب الألم قرحة في المعدة. وبعد الفحص الأوستيوباثي تبين أن هناك تحديدا في أحدى أضلاع صدرها، والذي لم يتطلب أكثر من جلستين لكي يزول كليا ونهائيا. فتصور الكم الهائل من الأدوية والمراهم وجلسات العلاج الطبيعي لو استمرت على مراجعة الطب المتداول، ومن دون زوال الحالة مع ذلك.
3- جفري شاب عمره 26 عاما يعمل سائقا لشاحنة، متوسط الطول وذو بنية نحيفة. ولمدة 6 أشهر كان يشكو من آلام حادة تشبه ضربات السكين في الجزء الأسفل من صدره والتي أخذت بالانتشار إلى الأعلى بعد ذلك. لم تبين صور الأشعة ولا تخطيط القلب شيئا، واستمر على تناول الحبوب المسكنة. بين الفحص الأوستيوباثي أن عنده تحديدا في الفقرات الصدرية مما كان يحدد من حركة التجويف الصدري كله، وكانت مناطق المرارة والمعدة مؤلمة عند الفحص. وبعد أسبوع واحد فقط من إزالة التحديد الفقري وتصريف المرارة يدويا زالت الأعراض ولم تعد.
4- نيل رجل عمره 60 سنة من النوع السميك، ذو وزن زائد قليلا ويعمل عملا بدنيا يشكو من آلام شديدة في الجانب الأيسر من صدره والتي كانت أكثر شدة في الليل مما كان يعيق نومه. وأثبتت الفحوص أن قلبه ومعدته سليمان. أعطاه الطبيب حبوبا مسكنة للألم تؤخذ عند الحاجة. إلا أن المريض بدأ يحس بالتوعك وبالدوار وبأنه بات يحتاج أن يتبول مرارا بدرجة أكثر مما اعتاد عليه. أوضح الفحص الأوستيوباثي أن هناك تحديدا في الفقرة الصدرية السادسة وبعض التحديد في حركة الكتف الأيسر مع تضيق في أسفل الرقبة، وبعد أسبوعين زالت الآلام مما استطاع معه المريض أن يترك استعمال الحبوب المسكنة. وبعد جلسات علاجية أخرى زالت الحالة المرضية ولما يمض على العلاج إلا شهر واحد.
5- فيرا امرأة عمرها 42 عاما تعاني من الأرق. وكانت لا تشكو من ذلك إلى ما قبل سنة من مراجعتها للمعالج الأوستيوباثي. وكانت تستيقظ في الثالثة صباحا ولا تستطيع أن تنام ثانية إلا في السابعة. ولم يكن لديها أي مشاكل مالية أو عائلية أو تاريخ مرضي عصبي. أبلغت المعالج بأنها كانت تشكوا ولمدة 18 شهرا من سوء الهضم والإحساس بالامتلاء قرب القلب. وكذلك كانت تشكو من عسر الطمث لمدة 10 أشهر وتمت معالجة ذلك بالطب المتداول إلا أنه عاد بعد ذلك ولكن بشكل أخف. وقد تبين وجود شد عضلي مع تحديد في كتفها وخلل أوستيوباثي بسيط. وبعد ترخية هذه المناطق وكل المنطقة الصدرية في عدة جلسات علاجية في مدة شهرين بدأت المريضة بالعودة للنوم الاعتيادي. وبعد العلاج الأوستيوباثي لظهرها وحوضها وبطنها زالت عنها كل الأعراض المتبقية. وأوصاها المعالج بتقليل وزنها وعمل التمارين اليومية.
6- مالكولم طفل عمره 4 سنوات، يشكو من آلام في الكعبين لمدة سنتين. وكانت الآلام أحيانا شديدة إلى الدرجة التي تجعله يبكي وخصوصا في الليل. وقد أفادت المسؤولة عنه في الروضة بأنه غير سعيد وغير متحمس. وقد أوضح الفحص وجود تحديد خفيف جدا في الفقرة القطنية الخامسة مع شد عمودي في أعلى العمود الفقري. بدأ العلاج مرة في الأسبوع لمدة شهرين، ثم تبعته حركة خفيفة ومعدلة جدا لكي تلائمه في أسفل الظهر مع معالجة جمجمية للرأس لمدة شهر واحد لتزول بعدها الآلام التي آذته لمدة سنتين، بعدها أصبح مالكولم طفلا نابها وقياديا وسط أقرانه.

المصدر : مجلة الصحة والطب .