موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > المنبر الإسلامي العام

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 15-10-2006, 02:57 PM   #1
معلومات العضو
الليبي السلفي
إشراقة إشراف متجددة

Thumbs up ( && قَاعِدَةٌ جَلِيلَةٌ فِى فَهْمِ نُصُوصِ الْوَحِي وَالتَّنْزِيلِ && ) !!!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الْحَمْدُ للهِ نَاصِرِ الْحَقِّ وَرَافِعِى لِوَائِه . وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتّمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى أَتقَى خَلْقِهِ وَأَوْلِيائِه . وبعد ..

فإنَّ لأهل السَّنة وأصحاب الحديث النَّصِيبُ الأَوْفَى والْقِدْحُ الْمُعَلَّى من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله . وكيف لا ، ومحكمُ التَّنزيل مُعْتَصَمُهُم ، ورسولُ الله إِمَامُهُم وَمَتْبُوعُهُم ، (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ )) ( الأنعام 5/90) .

وقد أعاذهم اللهُ العظيمُ من أربعِ ضلالاتٍ زائغاتٍ : من تأويل المعطِّلين ، وتحريف الغالين ، وتشبيه الجاهلين ، وتلبيس المبطلين .

النَّاسُ فِى فَهْمِ نُصُوصِ الْوَحِي وَالتَّنْزِيلِ عَلَى خَمْسَةِ أَصْنَافٍ :

أَصْحَابُ تَأْوِيلٍ ، وَأَصْحَابُ تَخْيِيلٍ ، وَأَصْحَابُ تَجْهِيلٍ ، وَأَصْحَابُ تَمْثِيلٍ ، وَأَصْحَابُ سَوَاءِ السَّبِيلِ

ــــ

ولله درُّ ناصرِ الكتاب والسُّنة ابن القيِّم ـ عليه سَحَائِبُ الرَّحمة وشَآبِيبُ المغفرة ـ :

لَهُ الْقِدْحُ الْمُعَلى فِى الْعَوَالِى وَفِى بَسْطِ الأَدِلَّةِ طُولُ بَاعِ

فقد ذكر فى (( صَوَاعِقِهِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى الْجَهْمِيَّة والْمُعَطِّلة )) انقسامَ النَّاس فِى فَهْمِ نُصُوصِ الْوَحِي على الخمسة الأصناف التَّالية :

[ الصِّنْفُ الأَوَّلُ : أَصْحَابُ التَّأوِيل ]

وهم أشدُّ الأصناف اضطراباً ، إذْ لم يثبتْ لهم قَدَمٌ في الفرق بين ما يُتَأَوَّل وما لا يُتَأَوَّل ، ولا ضابطٌ مُطِّرِدٌ مُنْعَكِسٌ تجب مراعاته ، وتمنع مخالفته ، بخلاف سائر الفرق ، فإنهم جروا على ضابطٍ واحدٍ ، وإن كان فيهم من هو أشدُّ خطأ من أصحاب التَّأويل ، كما سنذكره .

[ الصِّنْفُ الثَّانِي : أَصْحَابُ التَّخْيِيل ]

وهم الذين اعتقدوا أن الرَّسلَ لم تفصح للخلق بالحقائق ، إذ ليس في قواهم إدراكها ، وإنَّما خيَّلت لهم ، وأبرزت المعقول في صورة المحسوس . قالوا : ولو دعت الرَّسلُ أممهم إلى الإقرار بربٍّ لا داخل العالم ، ولا خارجه ، ولا محايثاً له ، ولا مبايناً له ، ولا متَّصِلاً به ، ولا منفصلا عنه ، ولا فوقه ، ولا تحته ، ولا عن يمينه ، ولا عن يساره ؛ لنفرت عقولهم من ذلك ، ولم تُصَدِّق بإمكان وجود هذا الموجود ، فضلاً ؛ عن وجوب وجوده . قالوا : وكذلك لو أخبروهم بحقيقة كلامه ، وأنه فيضٌ فاض من المبدأ الأوَّل على العقل الفعَّال ، ثم فاض من ذلك العقل على النَّفس النَّاطقة الزَّاكيَّة المستعدة ؛ لم يفهموا ذلك ، ولو أخبروهم عن المعاد الرُّوحانِيِّ بما هو عليه لم يفهموه ، فقربوا لهم الحقائق المعقولة في إبرازها في الصُّور المحسوسة ، وضربوا لهم الأمثال بقيام الأجساد من القبور في يوم العرض والنُّشور ، ومصيرها إلى جنَّةٍ فيها أكلٌ وشربٌ ولحمٌ وخمرٌ وجوارٍ حِسَانٍ ، أو نارٍ فيها أنواع العذاب ، تفهيماً للذَّة الرُّوحانيَّة بهذه الصُّورة ، والألم الروحانِيِّ بهذه الصُّورة ، وهكذا فعلوا في وجود الربِّ وصفاته وأفعاله ؛ ضربوا لهم الأمثال بموجودٍ عظيمٍ جدَّاً أكبر من كل موجودٍ ، وله سريرٌ عظيمٌ ، وهو مستوٍ فوق سريره ، يسمع ويبصر ، ويتكلم ، ويأمر وينهى ، ويرضى ويغضب ، ويأتي ويجيء ، وينزل ، وله يدان ، ووجه ، ويفعل بمشيئته وإرادته ، وإذا تكلَّم العبادُ سَمِعَ كلامهم ، وإذا تحرَّكوا رأى حركاتهم ، وإذا هجس في قلب أحدٍ منهم هاجسٌ علمه ، وأنه يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فيقولُ : مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ، إلى غير ذلك ، مما نطقت به الكتبُ الإلهيَّة . قالوا : ولا يحلُّ لأحدٍ أن يتأوَّل ذلك على خلاف ظاهره للجمهور ، لأنه يفسد ما وُضعتْ له الشرائعُ والكتبُ الإلهيَّة ، وأما الخاصَّة فهم يعلمون أن هذه أمثال مضروبة لأمورٍ عقليَّةٍ ، تعجز عن إدراكها عقولُ الجمهور ، فتأويلها جـناية على الشريـعة والحكمة ، وإقـرارها إقـرار للشريعة والحكمة . قالوا : وعقول الجمهور بالنسبة إلى هذه الحقائق أضعف من عقول الصِّبيان بالنسبة إلى ما يدركه عقلاء الرجال ، وأهل الحكمة منهم ، والحكيم إذا أراد أن يخوِّف الصغيرَ أو يبسط أملَه ؛ خوَّفه ورَجَّاه بما يناسب فهمَه وطبعَه .

وحقيقة الأمر عند هذه الطائفة : أن الذي أخبرت به الرُّسلُ عن الله ، وصفاته ، وأفعاله ، وعن اليوم الآخر ، لا حقيقة له يطابق ما أخبروا به ، ولكنَّه أَمْثَالٌ وَتَخْيِيْلٌ وَتَفْهِيمٌ بِضَرْبِ الأَمْثَالِ . وقد سـاعدهم أربـاب التَّأويل على هذا المقصد في باب معرفة الله وأسمائه وصفاته ، وصرَّحوا في ذلك بمعنى ما صرَّح به هؤلاء في باب المعاد وحشر الأجساد . بَلْ ؛ نقلوا كلماتهم بعينها إلى نصوص الاستواء ، والفوقية ، ونصوص الصِّفات الخبرية ، لكن هؤلاء أوجبوا أو سوَّغوا تأويلها بما يخرجها عن حقائقها ، وظواهرها ، وظنُّوا أن الرسلَ قصدتْ ذلك من المخاطبين ؛ تعريضاً لهم إلى الثَّواب الجزيل ، ببـذل الجهد في تأويلها ، أو استخراج معانٍ تليـق بها ، وحملها عليها ، وأما أولئك فقد حرَّموا التأويل ، ورأوه عائداً على ما قصدته الأنبياءُ بالإبطال .

والطائفتان ( يعنى الْمُتَأَوِّلَة والْمُخَيِّلَة ) متفقتان على انتفاء حقائقها المفهومة منها في نفس الأمر .

[ الصِّنْفُ الثَّالِثُ : أَصْحَابُ التَّجْهِيل ]

الذين قالوا : نصوص الصِّفات ألفاظ لا تُعقل معانيها ، ولا ندري ما أراد الله ورسوله منها ؟ ، ولكن نقرأها ألفاظاً لا معانِيَ لها ، ونعلم أن لها تأويلاً لا يعلمه إلا اللهُ ، وهي عندنا بمنزلة كهيعص مريم ، وحم عسق الشورى ، والمص الأعراف ، فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيه تمثيلاً ، ولا تشبيهاً ، ولم نعرف معناه ، وننكر على من تأوَّله ، ونكلُ علمَه إلى الله . وَظَنَّ هؤلاء أنَّ هذه طريقة السَّلف ، وأنَّهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصِّفات ، ولا يفهمون معنى قوله (( لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ))( ص 38/75) ، وقوله (( وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَـوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّـماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَـمِينِهِ ))( الزمـر 39/67) ، و (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))( طه 20/5) ، وأمثال ذلك من نصوص الصِّفات .

وبَنَوْا هذا المذهب على أصلين : أحدهما أن هذه النُّصوص من المتشابه ، والثاني أن للمتشابه تأويلاً لا يعلمه إلا الله . فنتج من هذين الأصلين : استجهال السَّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصَّحابة والتَّابعين لهم بإحسانٍ ، وأنهم كانوا يقرأون (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))( طه 20/5) ، و (( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ))( المائدة 5/64) ، ويروون (( يَنْزِلُ رَبُّنَا كَلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ))(1) ، ولا يعرفون معنى ذلك ، ولا ما أريد به ، ولازم قولهم : إن الرَّسول كان يتكلَّم بذلك ، ولا يعلم معناه . ثم تناقضوا أقبح تناقضٍ ، فقالوا : تجري على ظواهرها ، وتأويلها مما يخالف الظَّواهر باطل ، ومع ذلك فلها تأويل لا يعمله إلا الله . فكيف يثبتون لها تأويلاً ، ويقولون : تجرى على ظواهرها ؟ ، ويقولون : الظَّاهر منها غير مراد ، والرَّبُّ منفرد بعلم تأويلها ؟ ، فهل في التَّناقض أقبحُ من هذا !! .

وهؤلاء غلطوا في المتشابه ، وفي جعل هذه النُّصوص من المتشابه ، وفي كون المتشابه لا يعلم معناه إلا الله ، فأخطأوا في المقدمات الثلاث ، واضطرهم إلى هذا : التَّخلُّص من تأويلات المبطلين ، وتحريفات المعطِّلين ، وسدُّوا على نفوسهم الباب ، وقالوا لا نرضى بالخطأ ، ولا وصول لنا إلى الصواب . فهؤلاء تركوا التَّدبر المأمور به والتَّذكر والعقل لمعاني النصوص الذي هو أساس الإيمان ، وعمود اليقين ، وأعرضوا عنه بقلوبهم ، وتعبدوا بالألفاظ المجردة التي أنزلت في ذلك ، وظنُّوا أنها أنزلت للتِّلاوة ، والتَّعبد بها دون تعقل معانيها ، وتدبرها والتفكر فيها . فأولئك جعلوها عرضة للتَّأويل والتَّحريف ، كما جعلها أصحاب التَّخييل أمثالاً ، لا حقيقة لها .


[ الصِّنْفُ الرَّابِعُ : أَصْحَابُ التَّشْبِيه وَالتَّمْثِيل ]

الذين فهموا منها مثل ما للمخلوقين وظنُّوا أنْ لا حقيقة لها سوى ذلك ، وقالوا : محال أن يخاطبنا الله سبحانه بما لا نعقله ، ثم يقول (( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ))( البقرة 2/73) ، و (( لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ))( البقرة 2/219) ، و (( لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ))( ص 38/29) ، ونظائر ذلك . وهؤلاء هم المشبهة .

فهذه الفرقُ لا تزالُ تُبَدِّعُ بعضُها بعضاً ، وتضلِّلُه ، وتجهِّلُه . وقد تصادمتْ كما ترى ، فهم كزمرة من العميان تلاقوا فتصادموا ، كما قال أعمى البَّصر والبَّصيرة منهم :

وَنَظِيرِي فِي الْعِلْمِ مِثْلِيَ أَعْمَى
فَكِلانَا فِي حِنْـدِسٍ نَتَصَادَمُ

ـــــــ

(1) قال الْبُخَارِيُّ (( الجمعة ))(1077) : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ ، وقال مسلم (( صلاة المسافرين ))(1261) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ )) .

وهدى الله للطريقة المثلى ، والسَّبيل الأقوم :

[ الصِّنْفُ الخَامِسُ : أَصْحَابُ سَوَاءِ السَّبِيل ]

فلم يتلوَّثُوا بشيءٍ من أوضار هذه الفرق وأدناسها ، وأثبتوا لله حقائق الأسماء والصفات ، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات ، فكان مذهبُهم مذهباً بين مذهبين ، وهدىً بين ضلالتين ، خرج من بين مذاهب الْمُعَطِّلِينَ ، والْمُخَيِّلِينَ ، والْمُجَهِّلِينَ ، والْمُشَبِّهِينَ كَمَا خَرَجَ الْلَبَنُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنَاً خَالِصَاً سَائِغَاً للشَّاربين ، وقالوا : نَصِفُّ اللهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ ، مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ ، وَلا تَعْطِيلٍ ، وَلا تَشْبِيهٍ ، وَلا تَمِثيلٍ ، بل طريقتنا : إثبات حقائق الأسماء والصفات ، ونفي مشابهة المخلوقات ، فلا نعطِّل ، ولا نؤول ، ولا نمثِّل ، ولا نجهِّل ، ولا نقول : ليس لله يَدَانِ ، ولا وجهٌ ، ولا سمعٌ ، ولا بصرٌ ، ولا حياةٌ ، ولا قدرة ، ولا استوى على عرشه ، ولا نقول : له يدان كأيدي المخلوق ، ووجه كوجوههم ، وسمع وبصر وحياة وقدرة واستوى كأسماعهم وأبصارهم وقدرتهم واستوائهم ، بل نقول : له ذات حقيقة ليست كالذوات ، وله صفات حقيقة لا مجازاً ليست كصفات المخلوقين ، وكذلك قولنا في وجهه تبارك وتعالى ، ويديه ، وسمعه ، وبصره ، وكلامه ، واستوائه . ولا يمنعنا ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفات وحقائقها ، كما لم يمنع ذلك من أثبت لله شيئاً من صفات الكمال من فهم معنى الصِّفة ، وتحقيقها ، فإن من أثبت له سبحانه السَّمع والبصر أثبتهما حقيقةً ، وفهم معناهما ، فهكذا سائر صفاته المقدسة يجب أن تجري هذا المجرى ، وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها ، فإن الله سبحانه لم يكلف عباده بذلك ، ولا أراده منهم ، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً ، بل كثير من مخلوقاته أو أكثرها لم يجعل لهم سبيلا إلى معرفة كنهه وكيفيته ، وهذه أرواحهم التي هي أدنى إليهم من كل دانٍ ؛ قد حجب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها ، وجعل لهم السَّبيل إلى معرفتها والتَّمييز بينها وبين أرواح البهائم ، وقد أخبرنا سبحانه عن تفاصيل يوم القيامة ، وما في الجنَّة والنَّار ، فقامت حقائق ذلك في قلوب أهل الإيمان ، وشاهدته عقولهم ، ولم يعرفوا كيفيته وكنهه ، فلا يشك المسلمون أن في الجنَّة أنهاراً من خمرٍ ، وأنهاراً من عسلٍ ، وأنهاراً من لبنٍ ، ولكن لا يعرفون كنه ذلك ومادته وكيفيته ، إذ كانوا لا يعرفون في الدُّنيا الخمرَ إلا ما اعتصر من الأعناب ، والعسل إلا ما قذفت به النَّحل في بيوتها ، واللبنَ إلا ما خرج من الضُّروع ، والحريرَ إلا ما خرج من فم دود القز ، وقد فهموا معاني ذلك في الجنة من غير أن يكون مماثلاً لما في الدنيا ، كما قال ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الآخِرَةِ إِلا الأَسَمَاءَ ، ولم يمنعهم عدم النظير في الدنيا من فهم ما أخبروا به من ذلك ، فهكذا الأسماء والصفات لم يمنعهم انتفاء نظيرها في الدنيا ، ومثالها من فهم حقائقها ومعانيها ، بل قام بقلوبهم معرفة حقائقها ، وانتفاء التمثيل والتشبيه عنها ، وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته سبحانه لنفسه في ثلاثة مواضع من القرآن :
[ أحدها ]

قوله (( لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))( النحل 16/60) .
[ الثاني ]

قوله (( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ))( الروم 30/27) .
[ الثالث ]

قوله (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ))( الشورى 42/11) .

فنفى سبحانه المماثلة عن هذا المثل الأعلى ، وهو ما في قلوب أهل سمواته وأرضه من معرفته ، والإقرار بربوبيته ، وأسمائه وصفاته وذاته .
فهذا المثل الأعلى هو الذي آمن به المؤمنون ، وأنس بها لعارفون ، وقامت شواهده في قلوبهم بالتعريفات الفطرية ، المكملة بالكتب الإلهية ، المقبولة بالبراهين العقلية . فاتفق على الشهادة بثبوته : العقل ، والسمع ، والفطرة .

فإذا قال المثبت : يا الله ؛ قام بقلبه ربَّاً قيوماً ، قائماً بنفسه ، مستوياً على عرشه ، مُكَلِّمَاً مُتَكَلِّمَاً سَامِعَاً رَآئِيَاً قديراً مريداً فعَّالاً لما يشاء ، يسمع دعاء الدَّاعين ، ويقضي حوائج السَّائلين ، ويفرِّجُ عن المكروبين ، ترضيه الطاعات ، وتغضبه المعاصي ، تعرج الملائكة بالأمر إليه ، وتنزل بالأمر من عنده ، وإذا شئت زيادة تعريف بهذا المثل الأعلى ، فقدِّر قوى جميع المخلوقات اجتمعت لواحدٍ منهم ، ثم كان جميعهم على قوة ذلك الواحد ، فإذا نسبت قوَّته إلى قوَّة الرب تبارك وتعالى لم تجد لها نسبةً وإيَّاها ألبتة ، كما لا تجد نسبة بين قوَّة البعوضة وقوَّة الأسد ، فإذا قدَّرت علوم الخلائق اجتمعت لرجلٍ واحدٍ ، ثم قدَّرت جميعهم بهذه المثابة كانت علومهم بالنسبة إلى علمه تعالى كنقرة عصفورٍ من بحر ، وإذا قدَّرت حكمة جميع المخلوقين على هذا التقدير لم يكن لها نسبة إلى حكمته ، وكذلك إذا قدَّرت كل جمالٍ في الوجود اجتمع لشخصٍ واحدٍ ، ثم كان الخلق كلهم بذلك الجمال كان نسبته إلى جمال الرب تعالى وجلاله دون نسبة السِّراج الضَّعيف إلى جرم الشَّمس .

وقد نبَّهنا الله سبحانه على هذا المعنى بقوله (( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))( لقمان 31/27) ، فقدِّر البحر المحيط بالعالم مداداً ، ووراءه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ تحيـط به كلها مداد ، تكتب به كلماتُ الله ؛ نفدت البحارُ ، وفنيت الأقلامُ التي لو قدَّرت جميع أشجار الأرض من حين خلقت إلى آخر الدُّنيا، ولم تنفد كلماتُ الله . وقد أخبر النَّبىُّ (( إن السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ فِى الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلاةٍ ، وَالْكُرْسِيُّ فِى الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِى أَرْضِ فَلاةٍ ، وَالْعَرْشُ لا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلا اللهُ )) ، وهو سبحانه فوق عرشه ، يعلم ويرى ما عباده عليه .

فهذا هو الذى قام بقلوب المؤمنين المصدِّقين العارفين به سبحانه المثل الأعلى ، فعرفوه به ، وعبدوه به ، وسألـوه به ، فأحبُّوه وخافوه ورجوه ، وتوكلوا عليه وأنابوا إليه ، واطمأنوا بذكره ، وأنسوا بحبِّه بواسطة هذا التَّعريف ، وسائر ما وصف به نفسه من صفات كماله ، إذ قد أحاط علمهم بأنَّه لا نظيرَ لذلك ولا مثيلَ له ، ولم يخطر بقلوبهم مماثلة شىءٍ من المخلوقين .
وقد أعلمهم اللهُ سبحانه على لسان رسوله (( أنَّه يَقْبِضُ سَمَوَاتِهِ بِيَدِهِ ، وَالأَرْضَ بِالْيَدِ الأُخْرَى ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ )) و (( وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِى كِفَّةٍ كَخَرْدَلَةِ فِى كَف أَحَدِكُمْ )) و (( أنَّه يَضَعُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ )) . فأىُّ يدٍ للخلق وأىُّ إصبعٍ تشبه هذه اليد ، وهذه الإصبع ، حتى يكون إثباتها تشبيهاً وتمثيلاً ! .

فقاتل اللهُ أصحابَ التَّحريف ، والتَّأويل ، والتَّخييل ، والتَّشبيه ، والتَّمثيل : ماذا حرموه من الحقائق الإيمانية والمعارف الإلهية ، وماذا تعوَّضُوا به من زبالة الأذهان ونخالة الأفكار ؟! . وقد جرت عادةُ الله سبحانه أن يذل من آثر الأدنى على الأعلى ، ويجعله عبره للعقلاء . فأول هذا الصنف إبليس لعنه الله . ترك السجود لآدم كبراً ، فابتلاه الله تعالى بالقياده لفسَّاق ذريته . وعبَّاد الأصنام لم يقرُّوا بنبىٍّ من البشر ، ورضوا بآلهةٍ من الحجر . والْجَهْمِيَّةُ نزَّهوا الله عن عرشه لئلا يحويه مكانٌ ، ثم قالوا : هو فى الآبار ، والأنجاس ، وفى كلِّ مكان . وهكذا طوائف الباطل . لم يرضوا بنصوص الوحى فابتـلوا بزبالة أذهان المتحيرين ، وورثة الصَّابئين ، وأفراخ الفلاسفة الملحدين ، وَمَنْ يُضْلِلْ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلَياً مُرْشِدَاً )) اهـ .

وهذا التقرير أصلٌ أصيلٌ فى الردِّ على كل الفرق المنحرفة عن سواء السَّبيل فى فهم أحكام الشريعة : أصولها وفروعها ، وخاصَّة التوحيد الذى هو ذروة سـنام الدين ، وعليه معقد نجاة العباد من العذاب والعقاب ، كما قال مُعَاذُ بْنِ جَبَلٍ : كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ ، فَقَـالَ : يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ ؟ ، قُلْتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : (( فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً )) ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، قَالَ : يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ ، قُلْتُ : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : (( أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ )) .


منقول للفائدة

وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وسلم تسليما كثيرا.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 16-10-2006, 02:31 PM   #2
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي




بارك الله فيكم أخي الحبيب ( الليبي السلفي ) ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 16-10-2006, 10:54 PM   #3
معلومات العضو
أبو فهد
موقوف

افتراضي


... بسم الله الرحمن الرحيم ...
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارك الله في الجميع وجزاكم الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
... معالج متمرس ...


    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 02:01 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com