موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > المنبر الإسلامي العام

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 07-10-2006, 12:13 AM   #1
معلومات العضو
أزف الرحيل
إشراقة إدارة متجددة

Thumbs up حُسْنُ الْخُلُقِ

حُسْنُ الْخُلُقِ

رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:** إنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا فَأَكْرِمُوهُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ إلَّا بِهِمَا**. وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَدْوَأِ الدَّاءِ ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ الْخُلُقُ الدَّنِيُّ وَاللِّسَانُ الْبَذِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ ضَاقَ رِزْقُهُ. وَعِلَّةُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: الْحَسَنُ الْخُلُقِ مَنْ نَفْسُهُ فِي رَاحَةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي سَلَامَةٍ. وَالسَّيِّئُ الْخُلُقِ النَّاسُ مِنْهُ فِي بَلَاءٍ، وَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ فِي عَنَاءٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَاشِرْ أَهْلَك بِأَحْسَنِ أَخْلَاقِك فَإِنَّ الثَّوَاءَ فِيهِمْ قَلِيلٌ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :

إذَا لَمْ تَتَّسِعْ أَخْلَاقُ قَـوْمٍ تَضِيقُ بِهِمْ فَسِيحَاتُ الْبِلَادِ

إذَا مَا الْمَرْءُ لَمْ يُخْلَقُ لَبِيبًا فَلَيْسَ اللُّبُّ عَنْ قِدَمِ الْوِلَادِ

فَإِذَا حَسُنَتْ أَخْلَاقُ الْإِنْسَانِ كَثُرَ مُصَافُوهُ، وَقَلَّ مُعَادُوهُ، فَتَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ الصِّعَابُ، وَلَانَتْ لَهُ الْقُلُوبُ الْغِضَابُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ{ حُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يُعَمِّرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ**. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مِنْ سَعَةِ الْأَخْلَاقِ كُنُوزُ الْأَرْزَاقِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَثْرَةِ الْأَصْفِيَاءِ الْمُسْعِدِينَ، وَقِلَّةِ الْأَعْدَاءِ الْمُجْحِفِينَ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:** أَحَبُّكُمْ إلَيَّ أَحْسَنكُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ**. وَحُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ يَكُونَ سَهْلَ الْعَرِيكَةِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، طَلِيقَ الْوَجْهِ، قَلِيلَ النُّفُورِ، طَيِّبَ الْكَلِمَةِ. وَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ فَقَالَ: ** أَهْلُ الْجَنَّةِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ طَلْقٍ**. قَالَ الشَّاعِرُ :

أَصْفُو وَأَكْدُرُ أَحْيَانًا لِمُخْتَبِرِي وَلَيْسَ مُسْتَحْسَنًا صَفْوٌ بِلَا كَدَرِ

وَلَيْسَ يُرِيدُ بِالْكَدَرِ الَّذِي هُوَ الْبَذَاءُ وَشَرَاسَةُ الْخُلُقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ ذَمٌّ لَا يُسْتَحْسَنُ وَعَيْبٌ لَا يُرْتَضِي . وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْكَفَّ وَالِانْقِبَاضَ فِي مَوْضِعٍ يُلَامُ فِيهِ الْمُسَاعِدُ وَيُذَمُّ فِيهِ الْمُوَافِقُ ، فَإِذَا كَانَتْ لِمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ حُدُودٌ مُقَدَّرَةٌ وَمَوَاضِعُ مُسْتَحَقَّةٌ فَإِنْ تَجَاوَزَ بِهَا الْحَدَّ صَارَتْ مَلَقًا وَإِنْ عَدَلَ بِهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا صَارَتْ نِفَاقًا. وَالْمَلَقُ ذُلٌّ ، وَالنِّفَاقُ لُؤْمٌ، وَلَيْسَ لِمَنْ وُسِمَ بِهِمَا وُدٌّ مَبْرُورٌ وَلَا أَثَرٌ مَشْكُورٌ. وَقَدْ رَوَى حَكِيمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ** شَرُّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ **. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ** لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ وَجِيهًا عِنْد اللَّهِ تَعَالَى **. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عُرْوَةَ: لَأَنْ يَكُونَ لِي نِصْفُ وَجْهٍ وَنِصْفُ لِسَانٍ عَلَى مَا فِيهِمَا مِنْ قُبْحِ الْمَنْظَرِ وَعَجْزِ الْمَخْبَرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ ذَا وَجْهَيْنِ وَذَا لِسَانَيْنِ وَذَا قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

خَلِّ النِّفَاقَ لِأَهْلِـهِ وَعَلَيْك فَالْتَمِسِ الطَّرِيقَا

وَارْغَبْ بِنَفْسِك أَنْ تُرَى إلَّا عَدُوًّا أَوْ صَدِيقَا

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ:

وَكَمْ مـِنْ صَدِيـقٍ وُدُّهُ بِلِسَـــانِهِ خَؤونٌ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لَا يَتَذَمَّمُ

يُضَاحِكـُنِي عَجَبًا إذَا مَا لَقِيـــتُهُ، وَيَصْدُفُنِي مِنْهُ إذَا غِبْتُ أَسْهُمُ

كَذَلِكَ ذُو الْوَجْهَيْنِ يُرْضِيك شَاهِدًا وَفِي غَيْبِهِ إنْ غَابَ صَابٌ وَعَلْقَمُ

وَرُبَّمَا تَغَيَّرَ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْوَطَاءُ إلَى الشَّرَاسَةِ وَالْبَذَاءِ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ ، وَأُمُورٍ طَارِئَةٍ ، تَجْعَلُ اللِّينَ خُشُونَةً وَالْوَطَاءَ غِلْظَةً وَالطَّلَاقَةَ عُبُوسًا. فَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ الْوِلَايَةُ ( أي السلطة والجاه ) الَّتِي تُحْدِثُ فِي الْأَخْلَاقِ تَغَيُّرًا، وَعَلَى الْخُلَطَاءِ تَنَكُّرًا، إمَّا مِنْ لُؤْمِ طَبْعٍ، وَإِمَّا مِنْ ضِيقِ صَدْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: مَنْ تَاهَ فِي وِلَايَتِهِ ذَلَّ فِي عَزْلِهِ. وَقِيلَ: ذُلُّ الْعَزْلِ يُضْحِكُ مِنْ تِيهِ الْوِلَايَةِ. وَمِنْهَا: الْعَزْلُ فَقَدْ يَسُوءُ بِهِ الْخُلُقُ وَيَضِيقُ بِهِ الصَّدْرُ إمَّا لِشِدَّةِ أَسَفٍ أَوْ لِقِلَّةِ صَبْرٍ. حَكَى حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عُزِلَ عَنْ وِلَايَةٍ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: إنِّي وَجَدْتهُا حُلْوَةَ الرَّضَاعِ مُرَّةَ الْفِطَامِ. وَمِنْهَا: الْغِنَى فَقَدْ تَتَغَيَّرُ بِهِ أَخْلَاقُ اللَّئِيمِ بَطَرًا، وَتَسُوءُ طَرَائِقُهُ أَشَرًا. وَقَدْ قِيلَ: مَنْ نَالَ اسْتَطَالَ. وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ:

غَضْبَـــانُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَالَ سَاقٍ لَهُ مَا لَمْ يَسْقِهِ لَهُ دِينٌ وَلَا خُلُقُ

فَمَنْ يَكُنْ عَنْ كِرَامِ النَّاسِ يَسْأَلُنِي فَأَكْرَمُ النَّاسِ مَنْ كَانَتْ لَهُ وَرِقُ

وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :

فَإِنْ تَكُـنْ الدُّنْيَا أَنَالَتْك ثَرْوَةً فَأَصْبَحْت ذَا يُسْرٍ وَقَدْ كُنْت ذَا عُسْر

ِ لَقَدْ كَشَفَ الْإِثْرَاءُ مِنْك خَلَائِقًا مِنْ اللُّؤْمِ كَانَتْ تَحْتَ ثَوْبٍ مِنْ الْفَقْر

ِ وَبِحَسَبِ مَا أَفْسَدَهُ الْغِنَى كَذَلِكَ يُصْلِحُهُ الْفَقْرُ. وَكَتَبَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ إلَى الْحَجَّاجِ أَنَّ أَهْلَ الشَّامِ قَدْ الْتَاثُوا عَلَيْهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اقْطَعْ عَنْهُمْ الْأَرْزَاقَ، فَفَعَلَ فَسَاءَتْ حَالُهُمْ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَقَالُوا: أَقِلْنَا . فَكَتَبَ إلَى الْحَجَّاجِ فِيهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ كُنْت آنَسْتَ مِنْهُمْ رُشْدًا فَأَجْرِ عَلَيْهِمْ مَا كُنْتَ تُجْرِي. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَقْرَ جُنْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرَ يُذِلُّ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يَتَكَبَّرُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ{ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّ ابْنَ آدَمَ بِثَلَاثٍ مَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ لِشَيْءٍ: الْفَقْرُ، وَالْمَرَضُ ، وَالْمَوْتُ **. وَمِنْهَا: الْفَقْرُ فَقَدْ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْخُلُقُ إمَّا أَنَفَةً مِنْ ذُلِّ الِاسْتِكَانَةِ أَوْ أَسَفًا عَلَى فَائِتِ الْغِنَى. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ** كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا ، وَكَادَ الْحَسَدُ أَنْ يَغْلِبَ الْقَدَرَ** . وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ:

وَأَعْجَبُ حَالَاتِ ابْنِ آدَمَ خَلْقُهُ يَضِلُّ إذَا فَكَّرْتَ فِي كُنْهِهِ الْفِكْرُ

فَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ بَقَــاؤُهُ وَيَجْزَعُ مِمَّا صَارَ وَهُوَ لَهُ ذُخْرُ

وَرُبَّمَا تَسَلَّى مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْأَمَانِي، وَإِنْ قَلَّ صِدْقُهَا. فَقَدْ قِيلَ : قَلَّمَا تَصْدُقُ الْأُمْنِيَّةُ وَلَكِنْ قَدْ يُعْتَاضُ بِهَا سَلْوَةً مِنْ هَمٍّ أَوْ مَسَرَّةٍ بِرَجَاءٍ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: حَرِّكْ مُنَاك إذَا اغْتَمَمْت فَإِنَّهُنَّ مَرَاوِحُ، وَقَالَ آخَرُ:

إذَا تَمَنَّيْتَ بِتَّ اللَّيْلَ مُغْتَبِطًا إنَّ الْمُنَى رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ

وَمِنْهَا الْهُمُومُ الَّتِي تُذْهِلُ اللُّبَّ، وَتَشْغَلُ الْقَلْبَ، فَلَا تَتْبَعُ الِاحْتِمَالَ وَلَا تَقْوَى عَلَى صَبْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: الْهَمُّ كَالسُّمِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: الْحُزْنُ كَالدَّاءِ الْمَخْزُونِ فِي فُؤَادِ الْمَحْزُونِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ :

هُمُومُك بِالْعَيْشِ مَقْرُونَةٌ فَمَا تَقْطَعُ الْعَيْشَ إلَّا بِهِمْ

إذَا تَمَّ أَمْرٌ بَدَا نَقْصُهُ تَرَقَّبْ زَوَالًا إذَا قِيلَ تَـــمْ

إذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ تُزِيلُ النِّعَمْ

وَحَـــامِ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الْإِلَهِ فَإِنَّ الْإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ

حَلَاوَةُ دُنْيَــاك مَسْمُومَةٌ فَمَا تَأْكُلُ الشَّهْدَ إلَّا بِسُمْ

فَكَمْ قَدَرٌ دَبَّ فِي مُهْلَةٍ فَلَمْ يَعْلَـمِ النَّاسُ حَتَّى هَجَمْ

وَمِنْهَا الْأَمْرَاضُ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الطَّبْعُ مَا يَتَغَيَّرُ بِهَا الْجِسْمُ، فَلَا تَبْقَى الْأَخْلَاقُ عَلَى اعْتِدَالٍ وَلَا يُقْدَرُ مَعَهَا عَلَى احْتِمَالٍ. وَقَدْ قَالَ الْمُتَنَبِّي:

آلَةُ الْعَيْشِ صِحَّةٌ وَشَبَــابُ فَإِذَا وَلَّيَـا عَـنْ الْمَرْءِ وَلَّى

وَإِذَا الشَّيْخُ قَالَ أُفٍّ فَمَا مَــلَّ حَيَاةً وَإِنَّمـَا الضَّعْفَ مَلَّا

وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مِنْ النَّاسِ كُفُئًا ذَاتُ خِدْرٍ أَرَادَتْ الْمَوْتَ بَعْلَا

أَبَـدًا تَسْتَرِدُّ مَا تَهَبُ الدُّنْيَا فَيَا لَيْتَ جُودَهَا كَانَ بُخْــلَا

وَمِنْهَا عُلُوُّ السِّنِّ وَحُدُوثُ الْهَرَمِ لِتَأْثِيرِهِ فِي آلَةِ الْجَسَدِ كَذَلِكَ يَكُونُ تَأْثِيرُهُ فِي أَخْلَاقِ النَّفْسِ، فَكَمَا يَضْعُفُ الْجَسَدُ عَنْ احْتِمَالِ مَا كَانَ يُطِيقُهُ مِنْ أَثْقَالٍ فَكَذَلِكَ تَعْجِزُ النَّفْسُ عَنْ أَثْقَالِ مَا كَانَتْ تَصْبِرُ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْوِفَاقِ، وَمَضِيقِ الشِّقَاقِ، وَكَذَلِكَ مَا ضَاهَاهُ. وَقَالَ مَنْصُورٌ النَّمَرِيُّ:

مَا كُنْتُ أُوفِي شَبَــابِي كُنْهَ عِزَّتِهِ حَتَّى مَضَى فَإِذَا الدُّنْيَا لَهُ تَبَــعُ

مَا كَانَ أَقْصَــرَ أَيَّامِ الشَّبَابِ وَمَا أَبْقَى حَلَاوَةَ ذِكْرَاهُ الَّتِي تَــدَعُ

مَا وَاجَهَ الشَّيْـبُ مِنْ عَيْنٍ وَإِنْ رَمَقَتْ إلَّا لَهَا نَبْوَةٌ عَنْهُ وَمُرْتَــدَعُ

قَدْ كِدْت تَقْضِي عَلَى فَوْتِ الشَّبَابِ أَسًى لَوْلَا يُعَزِّيك أَنَّ الْعُمْرَ مُنْقَطِعُ

فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ أَحْدَثَتْ سُوءَ خُلُقٍ كَانَ عَامًّا. وَهَا هُنَا سَبَبٌ خَاصٌّ يُحْدِثُ سُوءَ خُلُقٍ خَاصٍّ، وَهُوَ الْبُغْضُ الَّذِي تَنْفِرُ مِنْهُ النَّفْسُ فَتُحْدِثُ نُفُورًا عَلَى الْمُبْغَضِ، فَيَؤُولُ إلَى سُوءِ خُلُقٍ يَخُصُّهُ دُونَ غَيْرِهِ. فَإِذَا كَانَ سُوءُ الْخُلُقِ حَادِثًا بِسَبَبٍ كَانَ زَوَالُهُ مَقْرُونًا بِزَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ، ثُمَّ بِالضِّدِّ.

من أدب الدنيا والدين

رسالة الحسن البصري

إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما

اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد عبدك و رسولك و خليلك و على آله الطيبين الطاهرين . عدد ما في علم الله العظيم . صلاة و سلاما و بركات دائمة بدوام ملك الله العظيم

أما بعد:
اِعْلمْ يا أمير المؤمنين أن الدنيا دار ظعن و ليست بدار إقامة . و إنما أهبط إليها آدم من الجنة عقوبة . و قد يحسب من لا يدري ما ثواب الله أنها ثواب . و من لم يدر ما عقاب الله أنها عقاب . و لها في كل يوم صرعة . و ليست صرعة كصرعة . هي تهين من أكرمها . و تذل من أعزها . و تصرع من آثرها . و لها في كل حين قتلى . فهي كالسم يأكله من لا يعرفه و فيه حتفه . فالزاد منها تركها. والغنى منها فقرها . فكن فيها يا أمير المومنين كالمداوي جرحه . يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء . يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا فإن أهل الفضائل كان منطقهم فيها بالصواب. و مشيهم بالتواضع. مطعمهم الطيب من الرزق. مغمضي أبصارهم عن المحارم. فخوفهم في البر كخوفهم في البحر. ودعاؤهم في السراء كدعائهم في الضراء. لولا الآجال التي كتبت لهم ما تقاوت أرواحهم في أجسادهم خوفا من العقاب. و شوقا إلى الثواب. عظم الخالق في نفوسهم. فصغر المخلوق في أعينهم .
واعلم يا أمير المؤمنين أن التفكير يدعو إلى الخير و العمل به. و أن الندم على الشر يدعو إلى تركه. و ليس ما يفنى وإن كان كثيرا بأهل أن يؤثر على ما يبقى و إن كان طلبه عزيزا. و احتمال المؤنة المنقطعة التي تُعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تُعقب مؤنة باقية و ندامة طويلة . فاحذر الدنيا الصارعة الخاذلة القاتلة التي قد تزينت بخدعها وقتلت بغرورها و خدعت بآمالها . فأصبحت الدنيا كالعروس المجلية . فالعيون إليها ناظرة . و القلوب عليها والهة . و النفوس لها عاشقة . و هي لأزواجها كلهم قاتلة . فلا الباقي بالماضي معتبر . و لا الآخر لما رأى من أثرها على الأول مُــزدَجَر . و لا العارف بالله المصدق له حين أخبر عنها مدَّكر . فأبت القلوبُ إلا لها حبا . و أبت النفوسُ إلا لها عشقا . و من عشق شيئا لم يلهم نفسه غيره . و لم يعقل شيئا سواه . مات في طلبه و كان آثر الأشياء عنده . فهما عاشقان طالبان مجتهدان:

فعاشق قد ظفر منها بحاجته . فاغتر و طغى و نسي و لها . فغفل عن مبتدأ خلقه. وضيع ما إليه معاده . فقلَّ في الدنيا لبثه. حتى زالت عنه قدمه . و جاءت منيته على شر ما كان حالا . و أطول ما كان فيها أملا . فعظم ندمه . و كثرت حسرته مع ما عالج من سكرته . فاجتمعت عليه سكرة الموت بكربته . و حسرة الفوت بغصته . فغير موصوف ما نزل به .

و آخر ميت مات من قبل أن يظفر منها بحاجته . فمات بغمه و كمده . و لم يدرك فيها ما طلب . و لم يرح نفسه عن التعب و النصب و اللعب .

فخرجا جميعا بغير زاد . و قدما على غير مهاد . فاحذرها الحذر كله . فإنما مثلها كمثل الحية لين مسها تقتل بسمها . فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها . و ضع عنك همومها لما قد أيقنت به من فراقها . و اجعل شدة ما اشتد منها رجاء ما ترجو بعدها . و كن عند أسرِّ ما تكون منها أحذر ما تكون لها .

فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور صحبته من سرورها بما يسوؤه. و كلما ظفر منها بما يحب انقلبت عليه بما يكره . فالسار منها لأهلها غار . و النافع منها غدا ضار . و قد وصل الرخاء منها بالبلاء . و جعل البقاء فيها إلى الفناء . فسرورُها بالحزن مشوب . والناعم فيها مسلوب. وانظر يا أمير المومنين إليها نظر الزاهد المفارق . و لا تنظر نظر المبتلى العاشق الوامق . و اعلم أنها تُـزيل الثاوي بالساكن . و تفجع المترف فيها بالآمن . ولا ترجع فيها ما تولى منها و أدبر . و لا بد مما هو آت منها ينتظر . و لا يتبع ما صفا منها إلا كدر . فاحذرها فإن أمانيها كاذبة . و آمالها باطلة . و عيشها نكد . و صفوها كدر . و أنت منها على خطر . إما نعمة زائلة . و إما بلية نازلة . و إما مصيبة فادحة . و إما منية قاضية . فلقد كدرت المعيشة لمن عقل . فهو من نعيمها على خطر . و من بليتها على حذر . و من المنية على يقين . فلو كان الخالق تبارك و تعالى اسمه لم يخبر عنها بخبر . و لم يضرب لها مثلا . و لم يأمر فيها بزهد . لكانت الدنيا قد أيقظت النائم . و نبهت الغافل . فكيف وقد جاء عن الله عز و جل منها زاجر و فيها واعظ . فما لها عنده قدر . و لا لها عنده وزن من الصغر . فلهي عنده أصغر من حصاة في الحصى . و من مقدار نواة في النوى . ما خلق الله عز وجل خلقا فيما بلغنا أبغض إلى الله تبارك و تعالى منها . ما نظر إليها منذ خلقها . و لقد عرضت على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم بمفاتيحها و خزائنها لا ينقصه ذلك عند الله عز و جل جناح بعوضة فأبى أن يتقبلها . و ما منعه من القبول لها – مع ما لا ينقصه الله عز و جل شيئا مما عنده كما وعده – إلا أنه علم أن الله عز و جل أبغض شيئا فأبغضه . و صغر شيئا فصغره . و لو قبلها كان الدليل على محبته قبوله إياها . و لكنه كره أن يخالف أمره . أو يحب ما أبغض خالقه . أو يرفع مما وضع مليكه . ولا تأمن من أن يكون هذا الكلام عليك حجة، نفعنا الله و إياك بالموعظة و السلام عليك و رحمة الله .



إبلاغ الواعي لحديث التداعي

الأستاذ الدكتور.مرهف سقا

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فهذا شرح حديث ثوبان رضي الله عنه في تداعي الأمم على خير الأمم أسأل الله تعالى أن أكون موفقاً فيه فهو حسبي ونعم الوكيل أبدؤه بسرد ألفاظ الحديث مخرجة ثم شرح ألفاظها ثم شرح الحديث واستنباط ما يرشد إليه.

روايات الحديث :

1 ـ عن ثوبان قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت( 1 ).

قال المنذري: أبو عبد السلام [ الراوي عن ثوبان ]هذا هو صالح بن رستم الهاشمي الدمشقي سئل عنه أبو حاتم فقال مجهول لا نعرفه .

2 ـ عن ثوبان : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : توشك الأمم أن تداعى عليكم كما يتداعى القوم على قصعتهم ينزع الوهن من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم وتحبب إليكم الدنيا قالوا من قلة قال أكثركم غثاء كغثاء السيل (2) .

3 ـ عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الآكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت(3) .

4 ـ ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله قال توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الآكل إلى قصعتكم قالوا من قله نحن يومئذ قال بل انتم يومئذ كثير عددكم وليقذفن الوهن في قلوبكم قالوا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت(4)

5 ـ عن ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى على القوم إلى قصعتهم قال قيل من قلة قال لا ولكنه غثاء كغثاء السيل يجعل الوهن في قلوبكم وينزع الرعب في قلوب عدوكم بحبكم الدنيا وكراهتكم الموت (5)

6 ـ عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قالوا من قلة بنا يومئذ قال أنتم ذلك اليوم كثير ولكن غثاء كغثاء السيل تنتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قالوا وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت(6 ) .

7 ـ عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قيل أمن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ولتنزعن المهابة منكم وليقذفن الوهن في قلوبكم قالوا وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت .

رواه عن دحيم الدمشقي عن بشر بن بكر عن جابر(7) .

غريب الحديث والمعنى(8):

يوشك الأمم : أي يقرب فرق الكفر وأمم الضلالة .

التداعي الاجتماع ودعاء البعض بعضا . وهي بحذف إحدى التاءين، أي تداعي بأن يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال والمراد من الأمم فرق الكفر والضلالة.

الأكلة: ضبط في بعض النسخ الصحيحة بفتحتين بوزن طلبة وهو جمع آكل وقال في المجمع نقلا عن المفاتيح في شرح المصابيح ويروي الأكلة بفتحتين أيضا جمع آكل انتهى وقال فيه قبيل هذا ورواية أبي داود لنا الآكلة بوزن فاعله وقال القاري في المرقاة آكلة بالمد وهي الرواية على نعت الفئة والجماعة أو نحو ذلك كذا روي لنا عن كتاب أبي داود وهذا الحديث من أفراده ذكره الطيبي رحمه الله ولو روى الأكلة بفتحتين على أنه جمع آكل اسم فاعل لكان له وجه وجيه انتهى.

قال صاحب عون المعبود : قلت قد روي بفتحتين أيضا كما عرفت.

والمعنى كما يدعو أكلة الطعام بعضهم بعضا ( إلى قصعتها ) الضمير للأكلة أي التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع فيأكلونها عفوا صفوا كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم أو ضرر يلحقهم أو بأس يمنعهم قاله القاري.

قال في المجمع أي يقرب أن فرق الكفر وأمم الضلالة أن تداعى عليكم أي يدعو بعضهم بعضا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم ليغلبوا على ما ملكتموها من الديار كما أن الفئة آكلة يتداعى بعضهم بعضا إلى قصعتهم التي يتناولونها من غير مانع فيأكلونها صفوا من غير تعب انتهى.

(ومن قلة ) خبر مبتدأ محذوف وقوله (نحن يومئذ ) مبتدأ والخبر صفة لها أي إن ذلك التداعي لأجل قلة نحن عليها. (يومئذ كثير ) :أي عددا وقليل مددا ولكنكم غثاء كغثاء

غثاء كغثاء السيل: (غثاء ) بالضم والمد وبالتشديد أيضا،وهو ما يحمله السيل من زبد ووسخ، شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم. ولينزعن : أي ليخرجن .

المهابة أي الخوف والرعب. وليقذفن : بفتح الياء أي وليرمين الله ( الوهن ) :أي الضعف. وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه، ولذلك فسره بحب الدنيا وكراهية الموت قاله القاري. وما الوهن : أي ما يوجبه وما سببه قال الطيبي رحمه الله سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت وهما متلازمان فكأنهما شيء واحد يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين ونسأل الله العافية.

واقعنا والحديث :

يضعنا النبي صلى الله عليه وسلم أمام صورة حركية مدهشة ، يمثلها بقوم جياع شرهين يبحثون عن وليمة باردة سهلة يأكلونها، وعندما يجدون هذه الفريسة؛ يقف كل واحد منهم على مشارف الطرق ويذهب إلى النوادي والمحافل يدعو الأمم والفرق والأفراد ، بينما هنا الداعي إلى الطعام لئيم حاقد تأصل فيه الشر حتى صار معدناً للشر ، أي كما يدعو صاحب الطعام ضيوفه إلى الوليمة كذلك الأمم والفرق الضالة تدعوا بعضها عليكم إذ أنتم الوليمة يومئذ.

وتأمل هذا التشبيه الأول للمسلمين بالقصعة ، الغنيمة الباردة .. التي يهيئها صاحبها بالنسق الذي يسيل لعابه ويتحكم بشكلها وطعمها ، والقصعة بين يديه مستسلمة تنتظر موعد وصولها إلى فم آكلها .

إن تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم تداعي الأمم بتداعي الأكلة ليوحي بنفسية عفنة انطوت على شراهة واندفاع شديد نحو القصعة يغذيه جوع دموي دفين .

ولعل هذا ما أدى بسيدنا ثوبان رضي الله عنه أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب التداعي ، هل هو من القلة حتى استخفت هذه الأمم بالمسلمين واستهترت بما معهم؟ .

فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم جواب الحكيم الذي يفتح مدارك الوعي الإيماني في قلب وعقل المسلم حتى لا يكون ثغرة يؤتى من خلالها على المسلمين وبلادهم فيكون سبباً لذلة إخوانه .

نعم ليست القلة هي السبب ، ألم تر إلى المسلمين في بدر لقد كانوا قلة ،ولم يستطع عليهم عدوهم ، وكذلك في الأحزاب تداعى الجمع عليهم ولم يحقق الله آمال الكافرين في المسلمين مع أن المسلمين قلة .

إذن ليس للعدد وزن ولا قيمة عند الله ، ولم يجعله الله السبب الرئيس للانتصار في المعارك.

بل المسلمون عندما تتداعى الأمم عليهم يومئذ كثير ، ولكن .. هم غثاء كغثاء السيل ، تأمل أخي المسلم هذا التشبيه الثاني للمسلمين بالغثاء وهو ما ارتفع على وجه الماء وحمله السيل من الوسخ والجيف والأعواد .... مما لا ينفع الناس ولا يقوم به شيء ، ومعلوم أن الغثاء تبع للسيل الجارف لا يقوى على المصادمة ولا خيار له في الطريق الذي يسلكه مع السيل ، بل شأن هذا الغثاء السمع والطاعة من السيل الذي يحصد كل ما أتى أمامه .

ويبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب هذا الاستسلام والانقياد الأعمى مع معرفة المنقاد أنه ذاهب إلى الهاوية، وكأنه صلى الله عليه وسلم قرأ ما في نفس كل سامع للحديث السؤال الذي يتداعى إلى النفس : وممّ هذا ؟

فيجيب الرسول الرحيم بقوله ((ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن )) وفي لفظ آخر ((ينزع الوهن من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم )) وفي رواية (( ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن )) ، وفي لفظ : (( تـنـتـزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن )) .

إن هذه الألفاظ تشير إلى :

ـ أن أعداءنا كانوا يهابوننا ، (( ينتزع المهابة من قلوب عدوكم )) ومثله من روايات الحديث السابقة ، وهذه المهابة لنا في قلوب العدو سببها الوهن الذي فيهم ، والذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم بـ (حب الدنيا وكراهية الموت) ، وهذا ما يؤيده الرواية الأخرى للحديث ((ينزع الوهن من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم)) .

إذن إن الوهن الذي أصاب أعداءنا سببه حبهم للدنيا كما قال تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة:96).

هذا من طرفهم ، وأما من طرف المسلمين فحبهم للموت كان يزرع المهابة في قلوب عدوهم ، وهذا مما يجعل أعداء الإسلام يحسبون للمسلمين كل حساب عندما تراودهم أنفسهم في التورط بالقتال مع المسلمين .

ولكن يوم التداعي الذي يحدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم تتغير الأحول ، وتتداخل القلوب وتتدخل الأهواء ، ويتحكم الهوى ، وتدخل الدنيا نفوس المسلمين وقلوبهم، وتصبح المصالح هي الموجهة بدل الإيمان ، وتؤثر الدنيا على الدين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة:105): (بل ائتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بخاصة نفسك ، ودع العوام ، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم .) قال عبد الله بن المبارك : وزاد غير عتبة : ( قيل يا رسول الله : أجر خمسين رجلاً منا أو منهم ؟، قال : بل أجر خمسين منكم . ) (9 ).

ولكن ثوبان رضي الله عنه سمع بـ ( الوهن ) فأخذت انتباهه ، لأنها لفظ مجمل ، والضعف وهن ، والمرض وهن ... فأي أنواع الوهن يصيبهم ؟ ، ثم لكل نوع من الوهن أسبابه..

لكن الجواب أعطى للوهن مدلولاً إيمانياً يشمل كل المعاني السابقة ، وأضاف إليها أم المعاني ، إنه : حب الدنيا وكراهية الموت ، وعند الطيالسي : ( بحبكم الدنيا .. ) فالباء سببية ، أي بسبب حبكم الدنيا وكراهيتكم للموت .

إنه وهن قلبي ، وهن نفسي ، وهن فكري ، وهن عقائدي تسرب إليكم لتشرب قلوبكم حب الدنيا ، فتعلقت بها كتعلق الغريق بقشة يظن فيها النجاة .

فالعدو يمتلك الدنيا ورفاهيتها ، وأخذ يتحكم بها فينا كما يريد ، ويلوح بها أمام أعينا كما يلوح الرجل لكلبه بقطعة لحم ، يزينها له ليستعبده ، فيلهث الكلب ويسيل لعابه ، ويرضى لنفسه أن يكون منقاداً لسيده مقبل أن يعطيه الطعام .

كذلك الذي أشرب قلبه حب الدنيا واستمسكت نفسه بها وظن أن السعادة فيها ، أخذ يخاف من زوالها من يديه فأتقن سبب تحصيلها ، أتدري ما هو ؟ ، أن يكون ذليلاً منقاداً في السيل الجارف ، أن يكون إمعة لا رأي له ، أن يكون ريشة في مهب الريح تتقاذفه الأفكار وتتلاعب فيه العواطف ،أن يكون سلاحاً يحارب به إخوانه المسلمين في الأرض ويحارب به الإسلام .

هل أدركت معي أخي المسلم سر تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لحال المسلمين في زمن التداعي بـ ( القصعة، والغثاء ).

وهل أدركت سر المهانة التي يعيشها المسلمون اليوم ؟ وسر استهانة عدونا بنا وسبب جرأته علينا .

هل وهل .. أسئلة كثيرة تطرح نفسها في كل وقت عندما :

ـ تسمع أن أعداء الإسلام كافة يريدون تغيير المناهج الشرعية في بلاد المسلمين ، وتنعقد المؤتمرات لذلك في بلاد المسلمين ؟.

ـ تسمع تصريحات الصليبيين علناً في محاربة الإسلام ، والقضاء على العلماء ، وما تعلنه جرائدهم وأبواقهم اللئيمة مطالبة بهدم الكعبة المشرفة زادها الله تعظيماً .

ـ تسمع شتمهم للنبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بما لا يرضاه أحدنا لنفسه فكيف لنبيه؟

ـ ترى قتل المسلمين في أندونيسيا وكشمير وأفغانستان وفلسطين والعراق .. بجهود دولية وتحالفات رسمية تحت شعار الإنسانية .

ـ ترى من هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ويحملون أفكاراً علمانية يلبسونها ثياباً إسلامية ليستسيغها شباب المسلمين ، ويحرفوا عقولهم ...... .

وغير ذلك كثير مما ينفطر القلب له ، ونحن الذين يبلغ تعدادنا ملياراً وجاوز الربع مليار

ولكننا كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم غثاء كغثاء السيل .

كم خسرنا عندما خسرنا إيماننا ، كم خسرنا عندما خسرنا خلافتنا ، كم خسرنا عندما خسرنا تشريعنا ، وكم .. وكم.. بل كم خسر العالم عندما خسرنا نحن ، وعندما خسرنا إسلامنا ؟.

إنني لا أتكلم بلهجة اليائس من رحمة الله حاشا ، ولكن أنبه لعلي أجد من يسمع العلاج من هدي النبوة ، فالعلاج في الحديث أن ننزع حب الدنيا من قلوبنا ، وأن نتذاكر الموت فيما بيننا ، وأن نملك مفاصل القوة وأسبابها وأولها كراهية الدنيا وحب الموت .

ولا يظنن ظان أن المقصود بكراهية الدنيا تركها والإعراض عنها بل ترك حبها والتعلق فيها ، و أن تكون بأيدينا لا في قلوبنا .

وأنا على يقين أن الإسلام سبلغ ما بلغته الشمس ، وأن راية الإسلام سترفع في كل مكان على وجه الأرض وخاصة في ما ، ولكن لنقرأ قوله تعالى :

( هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد:38)

( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:53)

(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد:11).



المراجع

(1) ـ أبو داود في السنن 4/111 :دار الفكر ت محيي الدين عبد الحميد

(2) ـ مصنف ابن أبي شيبة ج: 7 ص: 463 ط مكتبة الرشد الرياض ت كمال الحوت

(3) ـ مسند أحمد ج: 5 ص: 278 ط دار قرطبة مصر .

(4) ـ مسند الروياني ج: 1 ص: 427 ت أيمن علي أبو يماني ط دار قرطبة 1416

(5) ـ مسند الطيالسي: ص: 133 ط دار المعرفة بيروت

(6) ـ حلية الأولياء ج: 1 ص: 182 ط دار الكتاب العربي الرابعة 1405

(7) ـ تهذيب الكمال ج: 13 ص: 46 مؤسسة الرسالة في ترجمة صالح بن رستم . وقد أخرج الحديث البخاري في تاريخه الكبير فقال : (عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم يوشك أن تداعى عليكم الأمم

قاله عيسى بن إبراهيم نا عبد العزيز بن مسلم وقال مؤمل عن عبد العزيز عن إسماعيل عن قيس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح .

التاريخ الكبير ج: 4 ص: 340 ط دار الفكر ت هاشم الندوي

(8) ـ عون المعبود ج: 11 ص: 272 ، 273 ، ط دار الكتب العلمية الثانية1415.

(9) ـ أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح ، وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك ورواه ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي الحكم . انظر ابن كثير صـ 444 ط مؤسسة الرسالة . ت أنس مصطفى الخن .

المصدر : مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 08:40 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com