موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام الرقية الشرعية والتعريف بالموسوعة الشرعية في علم الرقى ( متاحة للمشاركة ) > فتاوى ودراسات وأبحاث العلماء وطلبة العلم والدعاة في الرقية والاستشفاء والأمراض الروحية

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 06-06-2012, 03:12 PM   #1
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

Arrow ( && " إرشاد العباد في كشف مثالب الحسد والحساد " - علي الهبيدي && ) !!!

إرشاد العباد في كشف مثالب الحسد والحساد

على محمد سلمان محيميد آل عسكر العبيدي


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات

أعمالنا، مَن يهده الله فهو المهتدِ، ومَن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:
فهذه رسالة في بيان مضارِّ الحسد على الفرد والمجتمع، وبيان مثالبه والتحذير

منه، وكيفية علاجه.
وأسأل الباري - عز وجل - أن يعمَّ نفعها، آمين.
Ÿ Ÿ Ÿ

عن علي بن بشر المروزي قال: كتب إليَّ ابن المبارك هذه الأبيات:
كُلُّ العَدَاوَةِ قَدْ تُرْجَى إِمَاتَتُهَا إِلاَّ عَدَاوَةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ
فَإِنَّ فِي القَلْبِ مِنْهَا عُقْدَةً عُقِدَتْ وَلَيْسَ يَفْتَحُهَا رَاقٍ إِلَى الأَبَدِ
إِلاَّ الإِلَهُ فَإِنْ يَرْحَمْ تَحِلَّ بِهِ وَإِنْ أَبَاهُ فَلاَ تَرْجُوهُ مِنْ أَحَدِ
قال يزيد بن الحكم الثقفي:
تُكَاشِرُنِي كُرْهًا كَأَنَّكَ نَاصِحٌ وَعَيْنُكَ تُبْدِى أَنَّ قَلْبَكَ لِي دَوِي
بَدَا مِنْكَ عَيْبٌ طَالَمَا قَدْ كَتَمْتَهُ كَمَا كَتَمَتْ دَاءَ ابْنِهَا أُمُّ مُدَّوِي
لِسَانُكَ مَاذِيٌّ وَقَلْبُكَ عَلْقَمٌ وَشَرُّكَ مَبْسُوطٌ وَخَيْرُكَ مُنْطَوِي
تَمَلَّأْتَ مِنْ غَيْظٍ عَلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ بِكَ الغَيْظُ حَتَّى كِدْتَ بِالغَيْظِ تَشْتَوِي
وَمَا بَرِحَتْ نَفْسٌ حَسُودٌ حُشِيتَهَا تُذِيبُكَ حَتَّى قِيلَ: هَلْ أَنْتَ مُكْتَوِي
وَقَالَ النِّطَاسِيُّونَ إِنَّكَ مُشْعَرٌ سُلاَلاً أَلاَ بَلْ أَنْتَ مِنْ حَسَدٍ جَوِي
أَرَاكَ إِذَا لَمْ أَهْوَ أَمْرًا هَويتَهُ وَلَسْتَ لِمَا أَهْوَى مِنَ الأَمْرِ

بِالهَوِي
وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلاَيَ طِحْتَ كَمَا هَوَى بِأَجْرَامِهِ مِنْ قِلَّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي
عَدُوُّكَ يَخْشَى صَوْلَتِي إِنْ لَقِيتُهُ وَأَنْتَ عَدُوِّي لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَوِي
قال القائل:
طَالَ عَلَى الحَاسِدِ أَحْزَانُهُ فَاصْفَرَّ مِنْ كَثْرَةِ أَحْزَانِهِ
دَعْهُ فَقَدْ أَشْعَلْتُ فِي جَوْفِهِ مَا هَاجَ مِنْ حَرٍّ لِنِيرَانِهِ
العَيْبُ أَشْهَى عِنْدَهُ لَذَّةً مِنْ لَذَّةِ المَالِ لِخُزَّانِهِ
فَارْمِ عَلَى غَارِبِهِ حَبْلَهُ تَسْلَمُ مِنْ كَثْرَةِ بُهْتَانِهِ
تعريف الحسد:
الحسد: هو ثوَران النفس لغير الحق، وحقد دفين في الصدور، وغلٌّ كامن في

دواخل النفس، ولؤم مستور في القلب، كلها سهام مصوَّبة نحو الكرم، والنبل،

والشهامة، والفضيلة، التي تستحيل على الحاسد أن ينالها، أو يرقى إلى

محاسنها، أو يتحلَّى ببعض صفاتها، والحسد انفعال نفسي إزاء نعمة الله على

بعض عباده مع تمنِّي زوالها، وسواء أَتْبَع الحاسد هذا الانفعال بسعيٍ منه لإزالة

النعمة تحت تأثير الحقد والغيظ، أو وقف عند حدِّ الانفعال النفسي، فإن شرًّا

يمكن أن يَعقُب هذا الانفعال.

وهو مرضٌ في القلب خطير، ينشأ نتيجة تفاوت الناس وتفاضلهم في الأرزاق

والأعمال والمناصب والجمال وغيرها، والحسد دائمًا يكثر بين الأقران من

البشر، كالحسد بين التجَّار أنفسهم وبين أصحاب الأموال، وأصحاب الرِّياسات

وبين طلبة العلم، وهو سببٌ من أسباب إثارة النفوس وانفعالها، فالذي يراقب

الناس ويحسدهم على ما آتاهم الله من فضله ولم يرزقه الله من ذلك شيئًا يتضجَّر

ويغضب من حاله؛ لأن الحسد حبل قوي من حبال الشيطان، يدخل من خلاله إلى

نفس الإنسان ويوسوس له؛ ليخرجه من هدوئه واستقراره إلى عالم الغضب

والانفعال، ويجعل هذا الإنسان الغاضب يسلك تجاه المحسود سلوكًا غير محمود

العاقبة عليه وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، والحسد مذمومٌ مثل الجزع، الحسد

خلق دنيء، ومن لؤمه ودناءته أنه يبدأ بالأقرب فالأقرب، من الأقارب والأكْفَاء

والمعارف والخُلَطاء والإخوان.

والحسد داء ينهك الجسد، ويفسد الودَّ، علاجه عَسِر، وصاحبه ضَجِر، وهو بابٌ

غامض وأمر متعذِّر، وما ظهر منه فلا يُداوَى، وما بطن منه فمُداوِيه في عناء.
فال الجاحظ: "والحسد عقيد الكفر، وحليف الباطل، وضدُّ الحق، وحرب

البيان؛ فقد ذمَّ الله - تعالى - أهل الكتاب به فقال: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ

الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ** [البقرة:

109].

منه تتولَّد العداوة، وهو سبب كلِّ قطيعة، ومُنتِج كلِّ وحشة، ومفرِّق كلِّ جماعة،

وقاطع كلِّ رَحِم بين الأقرباء، ومُحدِث التفرُّق بين القرناء، وملقح الشر بين

الخُلَطاء، يَكمُن في الصدر كُمُون النار في الحجر.

ولو لم يدخل على الحاسد بعد تراكم الغموم على قلبه، واستمكان الحزن في

جوفه، وكثرة مضضه ووسواس ضميره، وتنغُّص عمره وكدر نفسه ونكد عيشه

- إلا استصغاره نعمة الله عليه، وسخطه على سيده بما أفاد غيره، وتمنِّيه

عليه أن يرجع في هِبَتِه إياه، وأن لا يرزق أحدًا سواه، وقال المهلب بن أبي

صفرة: الحسد شهاب لا يبالي مَن أصاب، وعلى مَن وقع.

والحسد تركيب لعلة يُحسد عليها؛ فهو لا يزول إلا بزوالها، ومن هذا قال معاوية

- رضي الله عنه -: يمكنني أن أرضي الناس كلَّهم إلا حاسدَ نعمة، فإنه لا

يرضيه منها إلا زوالها.

والحسد لا يكون إلا عن فساد الطبع، واعوجاج التركيب، واضطراب السُّوس.

والحسد أخو الكذب، يجريان في مضمار واحد؛ فهما أليفان لا يفترقان،

وضجيعان لا يتباينان، والعداوة قد تخلو من الكذب؛ ألا ترى أن أولياء الله قد

عادوا أعداء الله؛ إذ لم يستحلوا أن يكذبوا عليهم، والحسد لا يبرأ من البُهْتِ،

وكيف يبرأ منه وهو عموده الذي عليه يعتمِد، وأساسه به البناء يعقد؟! وأنشد:
كَضَرَائِرِ الحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا كَذِبًا وَزُورًا إِنَّهُ لَدَمِيمُ
والحسد نارٌ وقودُه الروح، لا تخبو أبدًا أو يفنى الوقود، والحسد لا يُبلِي المحسود

أو الحاسد، والعداوة جَمْرٌ يُوقِده الغضب، ويطفئه الرضا، فهو مؤمَّل الرجوع

مرجوُّ الإنابة، والحسد جوهرٌ، والعداوة اكتسابٌ.

وقال بعضهم: الحسد أنثى؛ لأنه ذليل، والعداوة ذكر فحل؛ لأنها عزيزة.

قال الجاحظ: إن الحسد أخسُّ وأغبن من العداوة، إن الملل كلها ذمَّته وعابته،

ولا نعلم أن شاذًّا من الشواذ، وشاردًا من الشُّرَّاد، فضلاً عن جيل من الأجيال -

أمَرَ بالحسد.

والحسد شقيق اللؤم، فكلُّ حاسد لئيم، الحقد مدفون في صدره، نار الغل مستَعِرَة

فيه، لا تخبو ولا تنطفئ، من علامات اللئيم المخادع أن يكون حسَنَ القول، سيئ

الفعل، بعيد الغضب، قريب الحسد، حمولاً للفحش، مجازيًا بالحقد، متكلِّفًا للجود،

صغير الخطَر، متوسِّعًا فيما ليس له، ضيقًا فيما يملك.

وحدثنا أبو بكر بن دريد - رحمه الله – قال: أخبرنا عبدالرحمن عن عمِّه

قال: سمعت رجلاً يقول: الحسد ماحِق الحسنات، والزهو جالب لمَقْتِ الله

ومَقْتِ الصالحين، والعجب صارفٌ عن الازدياد من العلم داعٍ إلى التخمط

والجهل، والبخل أذمُّ الأخلاق وأجلبها لسوء الأحدوثة.

وقال سليمان التيمي: الحسد يُضعِف اليقين، ويُسهِر العين، ويُثير الهم، وكان

يُقال: لا يوجد الحرُّ حريصًا، ولا الكريم حسدًا.

وجاء في "العقد الفريد": قال بعض الحكماء: أجهد البلاء أن تظهر

الخلَّة، وتطول المدَّة، وتعجز الحِيلة، ثم لا تعدم صديقًا موليًا، وابن عمٍّ شامتًا،

وجارًا حاسدًا، ووليًّا قد تحوَّل عدوًّا، وزوجة مختلعة، وجارية مستبيعة، وعبدًا

يحقِرُك، وولدًا ينتَهِرك، فانظر أين موضع جهدك في الهرب؟ قال الشاعر:
حَسَدُوا النِّعْمَةَ لَمَّا ظَهَرَتْ فَرَمَوْهَا بِأَبَاطِيلِ الكَلِمْ
وَإِذَا مَا اللهُ أَسْدَى نِعْمَةً لَمْ يَضِرْهَا قَوْلُ أَعْدَاءِ النِّعَمْ
وقيل: إذا سرَّك أن تَسْلَم من الحاسد فعمِّ عليه أمرك، وكانت عائشة -

رضي الله عنها - تتمثَّل بهذين البيتين:
إِذَا مَا الدَّهْرُ جَرَّ عَلَى أُنَاسٍ حَوَادِثَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَا
فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا
ولبعضهم:
إِيَّاكَ وَالحَسَدَ الَّذِي هُوَ آفَةٌ فَتَوَقَّهُ وَتَوَقَّ غَيْرَةَ مَنْ حَسَدْ
إِنَّ الحَسُودَ إِذَا أَرَاكَ مَوَدَّةً بِالقَوْلِ فَهْوَ لَكَ العَدُوُّ المُجْتَهِدْ
وقال الحسن: أصول الشرِّ ثلاثة وفروعه ستة، فالأصول الثلاثة: الحسد،

والحرص، وحب الدنيا، والفروع الستة: حب النوم، وحب الشبع، وحب

الراحة، وحب الرئاسة، وحب الثناء، وحب الفخر.

وقال الحسن: يحسد أحدهم أخاه حتى يقع في سريرته وما يعرف علانيته،

ويلومه على ما لا يعلمه منه، ويتعلَّم منه في الصداقة ما يعيِّره به إذا كانت

العداوة، والله ما أرى هذا بمسلم.

وقال بعض الحكماء: ما أمحق للإيمان، ولا أهتك للستر من الحسد؛ وذلك أن

الحاسد مُعانِد لحكم الله، باغٍ على عباده، عاتٍ على ربه، يعتدُّ نِعَم الله نِقَمًا،

ومزيده غِيَرًا، وعدل قضائه حيفًا، للناس حالٌ وله حال، ليس يهدأ، ولا ينام

جشعه، ولا ينفعه عيشه، محتقرٌ لنِعَم الله عليه، متسخِّط ما جرت به أقداره، لا

يبرد غليله، ولا تُؤمَن غوائله، إن سالمته وَتَرَك، وإن واصلته قَطَعَك، وإن

صَرَمته سبقك.

وأنشد أبو موسى لنصر بن سيار:
إِنِّي نَشَأْتُ وَحُسَّادِي ذَوُو عَدَدٍ يَا ذَا المَعَارِجِ لاَ تَنْقُصْ لَهُمْ عَدَدَا
إِنْ يَحْسُدُونِي عَلَى حُسْنِ البَلاَءِ بِهِمْ فَمِثْلُ حُسْنِ بَلاَئِي جَرَّ لِي حَسَدَا
وقال آخر:
إِنْ يَحْسُدُونِي فَإِنِّي غَيْرُ لاَئِمِهِمْ قَبْلِي مِنَ النَّاسِ أَهْلُ الفَضْلِ قَدْ حُسِدُوا
فَدَامَ لِي وَلَهُمْ مَا بِي وَمَا بِهِمُ وَمَاتَ أَكْثَرُنَا غَيْظًا بِمَا يَجِدُ
وقال حبيب الطائي:
وَإِذَا أَرَادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
لَوْلاَ اشْتِعَالُ النَّارِ فِيمَا جَاوَرَتْ مَا كَانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ
وما أجمل ما قال محمد بن مناذر:
يَأَيُّهَا العَائِبِي وَمَا بِيَ مِنْ عَيبٍ أَلاَ تَرْعَوِي وَتَزْدَجِرُ
هَلْ لَكَ عِنْدِي وَتْرٌ فَتَطْلُبَهُ أَمْ أَنْتَ مِمَّا أَتَيْتَ مُعْتَذِرُ
إِنْ يَكُ قَسْمُ الإِلَهِ فَضَّلَنِي وَأَنْتَ صَلْدٌ مَا فِيكَ مُعْتَصَرُ
فَالحَمْدُ وَالشُّكْرُ وَالثَّنَاءُ لَهُ وَلِلحَسُودِ التُّرابُ وَالحَجَرُ
فَمَا الَّذِي يَجْتَنِي جَلِيسُكَ أَوْ يَبْدُو لَهُ مِنْكَ حِينَ يَخْتَبِرُ
اقْرَأْ لَنَا سُورَةً تُذَكِّرُنَا فَإِنَّ خَيْرَ المَوَاعِظِ السُّوَرُ
أَوْ صِفْ لَنَا الحُكْمَ فِي فَرَائِضِنَا مَا تَسْتَحِقُّ الأُنْثَى أَوِ الذَّكَرُ
أَوِ ارْوِ فِقْهًا تُحْيِى القُلُوبَ بِهِ جَاءَ بِهِ عَنْ نَبِيِّنَا الأَثَرُ
أَوْ مِنْ أَعَاجِيبِ جَاهِلِيَّتِنَا فَإِنَّهَا حِكْمَةٌ وَمُخْتَبَرُ
أَوِ ارْوِ عَنْ فَارِسٍ لَنَا مَثَلاً فَإِنَّ أَمْثَالَهَا لَنَا عِبَرُ
فَإِنْ تَكُنْ قَدْ جَهِلْتَ ذَاكَ وَذَا فَفِيكَ لِلنَّاظِرِينَ مُعْتَبَرُ
فَغَنِّ صَوْتًا تُشْجَى النُّفُوسُ بِهِ وَبَعْضُ مَا قَدْ أَتَيْتَ يُغْتَفَرُ
وقيل لأبي عاصم النبيل: إن يحيى بن سعيد يحسدك وربما قرضك، فأنشأ

يقول:
فَلَسْتَ بِحَيٍّ وَلاَ مَيِّتٍ إِذَا لَمْ تُعَادَ وَلَمْ تُحْسَدِ
محاسدة الأقارب:
كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعري: مُرْ

ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا.

وقال أكثم بن صيفي: تباعدوا في الدار، تقاربوا في المودَّة.

وقالوا: أزهد الناس في عالمٍ أهله.

وقال فرج بن سلام: وقف أمية بن الأسكر على ابن عمٍّ له فقال:
نَشَدْتُكَ بِالبَيْتِ الَّذِي طَافَ حَوْلَهُ رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
فَإِنَّكَ قَدْ جَرَّبْتَنِي فَوَجَدْتَنِي أُعِينُكَ فِي الجُلَّى وَأَكْفِيكَ جَانِبِي
وَإِنَّ دَبَّ مِنْ قَوْمِي إِلَيْكَ عَدَاوَةً عَقَارِبُهُمْ دَبَّتْ إِلَيْهِمْ عَقَارِبِي
قال: أكذلك أنت؟ قال: نعم، قال: فما بال مئبرك لا يزال إليَّ دسيسًا؟

قال: لا أعود، قال: قد رضيت، وعفا الله عما سلف، وقال يحيى بن سعيد:

مَن أراد أن يبين عمله، ويظهر علمه، فليجلس في غير مجلس رهطه.

وقال ذو الإصبع العدواني:
لِيَ ابْنُ عَمٍّ عَلَى مَا كَانَ مِنْ خُلُقٍ مُحَاسِدٌ لِيَ أَقْلِيهِ وَيَقْلِينِي
أَزْرَى بِنَا أَنَّنَا شَالَتْ نَعَامَتُنَا فَخَالَنِي دُوْنَهُ أَوْ خِلْتُهُ دُونِي
يَا عَمْرُو إِلاَّ تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الهَامَةُ اسْقُونِي
مَاذَا عَلَيَّ وَإِنْ كُنْتُمْ ذَوِي رَحِمِي أَلاَّ أُحِبُّكُمُ إِنْ لَمْ تُحِبُّونِي
لاَ أَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي ضَمَائِرِهِمْ مَا فِي ضَمِيرِي لَهُمْ مِنْ ذَاكَ يَكْفِينِي
وقال آخر:
مَهْلاً بَنِي عَمِّنَا عَنْ نَحْتِ أَثْلَتِنَا سِيرُوا رُوَيْدًا كَمَا كُنْتُمْ تَسِيرُونَا
لاَ تَطْمَعُوا أَنْ تُهِينُونَا وَنُكْرِمُكُمْ وَأَنْ نَكُفَّ الأَذَى عَنْكُمْ وَتُؤْذُونَا
اللهُ يَعْلَمُ أَنَّا لاَ نُحِبُّكُمُ وَلاَ نَلُومُكُمُ أَلاَّ تُحِبُّونَا
وقال آخر:
وَلَقَدْ سَبَرْتُ النَّاسَ ثُمْ خَبَرْتُهُمْ وَوَصَفْتُ مَا وَصَفُوا مِنَ الأَسْبَابِ
فَإِذَا القَرَابَةُ لاَ تُقَرِّبُ قَاطِعًا وَإِذَا المَوَدَّةُ أَقْرَبُ الأَنْسَابِ
وقال حبيب أيضًا:
ذُو الوُدِّ مِنِّي وَذُو القُرْبَى بِمَنْزِلَةٍ وَإِخْوَتِي أُسْوَةٌ عِنْدِي وَإِخْوَانِي
عِصَابَةٌ جَاوَرَتْ آدَابُهُمْ أَدَبِي فَهُمْ وَإِن فُرِّقُوا فِي الأَرْضِ جِيرَانِي
مثالب الحسد:
وأما مثالب الحسد، فهي أكثر من أن تُذكَر، وأشهر من أن تُسطر، ولكن ما لا

يُستطاع ذكر كلِّه لا يترك بعضه.

فاعلم - رحمك الله تعالى - أن أول معصية وقعت من الخلق الحسد؛ لما

حسد إبليس آدم، ثم حسد قابيل هابيل، والحسد لا يكون إلا على نعمة، ومتى أنعم

الله على عبدٍ نعمةً فأحبَّ أحدٌ أن يكون له مثلها من غير أن تزول عن المحسود،

فذلك الحسد يسمى غبطةً، ولا لوم فيه ولا ذم؛ عن النبي - صلى الله عليه

وسلم -: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله حفظ القرآن، فهو يقوم

به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه في وجوه البرِّ آناء الليل

وآناء النهار)).

فهذا الحسد إنما هو في طاعة الله - عز وجل - وطاعة رسوله - صلى

الله عليه وسلم.

وقال بعض الأشراف:
احْسُدْ عَلَى نَيْلِ المَكَارِمِ وَالعُلَى إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي حَالِةِ المَحْسُودِ
حَسَدُ الفَتَى بِالمَكْرُمَاتِ لِغَيْرِهِ كَرَمٌ وَلَكِنْ لَيْسَ بِالمَعْدُودِ
وإن أحبَّ زوالها عن المحسود فهذا الحسد المذموم، وصاحبه الملوم الظَّلُوم.

ثم إن هذا الحاسد تارةً يحب زوالها عن المحسود ومجيئها إليه، وهذا قبيح؛ لأنه

إيثار في ضمنه اعتراض، وأقبح منه طلب زوالها عن المحسود، وحصولها إلى

غيره، وأقبح منهما طلب زوالها مطلقًا، فهذا عدو نِعَم الله - تعالى.

وعن الأصمعي قال: العرب تقول: لا ثناء مع الكبر، ولا صديق لذي

الحسد، ولا شرف لسيئ الأدب.

وفي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه

وسلم - أنه قال: ((لا تباغضوا ولا تقاطعوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا،

وكونوا عباد الله إخوانًا))، وفي "صحيح ابن حبان": ((لا يجتمع في

جوف عبدٍ الإيمانُ والحسد))، ورواه البيهقي أيضًا من حديث أبي هريرة -

رضي الله عنه - مرفوعًا.

وروى الطبراني بسندٍ رجاله ثقات عن ضمرة بن ثعلبة - رضي الله عنه -

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال الناس بخيرٍ

ما لم يتحاسدوا)).

وروى البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما عن الزبير - رضي الله عنه -

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((دبَّ إليكم داءُ الأمم

قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، أمَا إني لا أقول: تحلق

الشعر، ولكن تحلق الدين)).

معالجة داء الحسد:
فإن قيل: قد ذكرت من صريح الآثار وصحيح الأخبار ما ينفِّر عن الحسد

ويبعد عنه كلَّ أحد، لكن الحسد مرض باطني، فكيف السبيل إلى زواله؟

فالجواب: إن الآدمي قد جُبِل على حبِّ الرفعة، فلا يحب أن يعلو عليه أحد في

نعمة من نِعَم الدنيا، فإذا علاَ أحد عليه شقَّ عليه وأحب زوال ما علا به.

ومعالجة ذلك تارةً بالزهد في الدنيا، وأنها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فلا

وجه للمنافسة فيها عند العقلاء، وتارةً بالرضا بالقضاء؛ فإنك إن لم ترضَ لم

تحصل إلا على الندم وفوات الثواب، وغضب رب الأرباب، فهما مصيبتان أو

أكثر، وليس للعاقل حيلة في دفع القضاء فعليه بالرضا.
مَا لِي عَلَى مُرِّ القَضَا مِنْ حِيلَةٍ غَيٍرِ الرِّضَا
أَنَا فِي الهَوَى عَبْدٌ وَمَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَعَرَّضَا
وتارةً في النظر فيما يتعلق بتلك النِّعَم من الآفات، فإذا لم يعمل بمقتضى ما في

النفس ولم ينطق، لم يضرَّه ما وضع في الطبع.

فالحسد أولاً يضرُّ الحاسد في الدين والدنيا، ولا يستضر بذلك المحسود، فلا تؤذِ

نفسك.

أما ضرره في الدين، فإن الحاسد قد سخط قضاءَ الله - تعالى - فكَرِه نعمته

على عباده، وهذا قذًى في بصر الإيمان، ويكفيه أنه شارَك إبليس في الحسد

وفارَق الأنبياء في حبِّهم الخير لكلِّ أحد.

وقال عبدالله بن مسعود: لا تعادوا نِعَم الله، فقيل له: ومَن يعادي نِعَم

الله؟! قال: الذين يحسُدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، ثم إن الحسد

يحمل على إطلاق اللسان في المحسود بالشتم والتحايل على أذاه.

وأما ضرره في الدنيا، فإن الحاسد يتألم ولا يزال في كَمَدٍ، وأنشدوا:
دَعِ الحَسُودَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ كَمَدِهْ كَفَاكَ مِنْهُ لَهِيبُ النَّارِ فِي جَسَدِهْ
إِنْ لُمْتَ ذَا حَسَدٍ نَفَّسْتَ كُرْبَتَهُ وَإِنْ سَكَتَّ فَقَدْ عَذَّبْتَهُ بِيَدِهْ
قال الأصمعي: سمعت أعرابيًّا يقول: ما رأيت ظالمًا أشبه بمظلوم من

الحاسد؛ حزن لازم، ونفس دائم، وعقل هائم، وحسرة لا تنقضي.

وقد قال معاوية - رضي الله عنه -: ليس في خصال الشرِّ أعدل من

الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود.

وقال بعض الحكماء: يكفيك من الحاسد أنه يغتمُّ في وقت سرورك.

وقيل في منثور الحِكَم: عقوبة الحاسد من نفسه.

وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما أطول عمرك! قال: تركت الحسد

فبقيت.

فإن قيل: هل للحاسد دواء؟ فالجواب: قلَّ أن ينجع فيه دواء؛ لأنه جهول

ظلوم، وليس يشفي علة صدره ويزيل حزازة الحسد من قلبه إلا زوال النعمة،

فحينئذ يتعذَّر الدواء أو يعزُّ.

ومن هذا قول بعضهم وأحسن:
وَكُلٌّ أُدَاوِيهِ عَلَى قَدْرِ دَائِهِ سِوَى حَاسِدِي فَهْيَ الَّتِي لاَ أَنَالُهَا
وَكَيْفَ يُدَاوِي المَرْءُ حَاسِدَ نِعْمَةٍ إِذَا كَانَ لاَ يُرضِيهِ إِلاَّ زَوَالُهَا
نعم، إن كان الحاسد ذا فهم فدواؤه أن يقمع أسباب الحسد من الباطن؛ فإن سببها

في الغالب الكبر وعزة النفس، ثم يتكلَّف مدح المحسود والتواضُع له والهدية

إليه.

ثم اعلم أنك إنما تحسد إخوانك على الدنيا وحطامها، وأما قُوَّام الليل وصُوَّام

النهار فلا أراك تحسدهم.

التعوُّذ من السحر والعين والحسد:
إن من الأدواء الفتَّاكة والشر العظيم ما يكون في الإنسان من مرض بسبب

السحر أو العين أو الحسد، والسحر له تأثيرٌ بالغ في المسحور، فقد يُمرِض وقد

يقتل، وهكذا الشأن في عين الحاسد إذا تكيفت نفسه بالخبث، واستجمع في قلبه

الشر، فإنه يضرُّ بالمحسود، فربما أمرضه وربما قتله، فالسحر له حقيقة وتأثير،

والحسد له حقيقة وتأثير.

وإن من نعمة الله على عبده المؤمن أن هيَّأ له أسبابًا مباركةً وأمورًا نافعةً، يندفع

بها عنه شرُّ هؤلاء، ويزول بها عنه ضررهم والبلاء النازل به بسببهم، قال ابن

السماك: أنزل الله - تعالى - سورة جعلها عوذةً لخلقه من صنوف الشر،

فلمَّا انتهى إلى الحسد، جعله خاتمًا إذ لم يكن بعده في الشر نهاية.

وقد أجمل العلاَّمة ابن القيم - رحمه الله - ذلك في عشرة أسباب عظيمة،

إذا قام بها العبد وطبَّقها، زال عنه شر الحاسد والعائن والساحر:

السبب الأول: التعوُّذ بالله من شرِّه والتحصُّن به واللجوء إليه؛ كما قال -

تعالى -: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ

إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ** [

الفلق: 1- 5].



والله - تعالى - سميع لِمَن استعاذ به، عليم بما يستعيذ منه، قادر على كلِّ

شيء، وهو وحده المستعاذ به، لا يُستَعاذ بأحد من خلقه، ولا يُلجَأ إلى أحدٍ سواه،

بل هو الذي يعيذ المستعيذين ويعصمهم ويحميهم من شرِّ ما استعاذوا من شرِّه.


وحقيقة الاستعاذة: الهروب من شيء تخافه إلى مَن يعصمك ويحميك منه، ولا

حافظ للعبد ولا معيذ له إلا الله، وهو - سبحانه - حسب مَن توكل عليه،

وكافي مَن لجأ إليه، وهو الذي يؤمِّن خوف الخائف، ويجير المستجير، وهو نعم

المولى ونعم النصير.



وقوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ**؛ أي: من شرِّ جميع المخلوقات، وقال ثابت

البناني، والحسن البصري: جهنم وإبليس وذريته مما خلق، ذكره ابن كثير في

"تفسيره".



وفي الحديث: أن جبريل جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فقال: اشتكيت يا محمد؟ فقال: ((نعم))، فقال: بسم الله أرقيك، من

كلِّ داء يؤذيك، ومن شرِّ كل حاسد وعين، الله يشفيك؛ رواه مسلم.

السبب الثاني: تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه، فمَن اتقى الله تولَّى حفظه

ولم يَكِلْه إلى غيره؛ قال - تعالى -: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ

شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ** [آل عمران: 120]، وقال النبي -

صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: ((

احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك))، فمَن حفظ الله حفظه الله،

ووجده أمامه أينما توجَّه، ومَن كان الله حافظه وأمامه، فممَّن يخاف؟! وممَّن

يحذر؟!

السبب الثالث: الصبر على عدوِّه وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدِّث نفسه

بأذاه أصلاً، فما نُصِر على حاسده وعدوِّه بمثل الصبر عليه، وكلَّما زاد بغي

الحاسد كان بغيه جندًا وقوةً للمُبغَى عليه، يقاتل بها الباغي نفسه وهو لا يشعر،

فبغيه سهمٌ يرميه من نفسه إلى نفسه؛ {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ** [

فاطر: 43]، فإذا صبر المحسود ولم يستَطِل الأمر، نال حسن العاقبة، بإذن

الله.
وقال عبدالله بن المعتز - رحمه الله تعالى -:

اصْبِرْ عَلَى كَيْدِ الحَسُو دِ فَإِنَّ صَبْرَكَ قَاتِلُهْ
فَالنَّارُ تَأْكُلُ بَعْضَهَا إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَأْكُلُهْ
وحقيقة الحسد: شدَّة الأسَى على الخيرات تكون للناس الأفاضل، وهو غير

المنافسة، وربما غلط قوم فظنُّوا أن المنافسة في الخير هي الحسد، وليس الأمر

على ما ظنُّوا؛ لأن المنافسة طلب التشبُّه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم،

والحسد مصروفٌ إلى الضرر؛ لأن غايته أن يُعدم الأفاضل فضلهم، من غير أن

يصير الفضل له، فهذا الفرق بين المنافسة والحسد.

فالمنافسة إذًا فضيلة؛ لأنها داعية إلى اكتساب الفضائل والاقتداء بأخيار

الأفاضل.

السبب الرابع: التوكُّل على الله، فمَن يتوكل على الله فهو حسبه، والتوكُّل من

أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم،

ومَن كان الله كافيه فلا مَطْمَع فيه لعدوٍّ، ولو توكَّل العبد على الله حقَّ توكُّله، ولو

كادت له السموات والأرض ومَن فيهن، لجعل له مخرجًا من ذلك، وكفاه

ونصره.

السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن

يمحوَه من باله كلَّما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه،

وهذا من أنفع الأدوية وأقوى الأسباب المُعِينة على اندفاع شرِّه، فإن هذا بمنزلة

مَن يطلبه عدوُّه ليمسكه ويؤذيه، فإذا لم يتعرَّض له ولا تماسك هو وإياه، بل

انعزل عنه، لم يقدر عليه، فإذا تماسَكَا وتعلَّق كلٌّ منهما بصاحبه، حصل الشر،

وهكذا الأرواح سواء، فإذا تعلقت كلُّ روح منهما بالأخرى، عُدِم القرار ودام

الشر حتى يهلك أحدهما، فإذا جذب روحه عنه وصانها عن الفكر فيه والتعلُّق به،

وأخذ يشغل باله بما هو أنفع له - بقي الحاسد الباغي يأكل بعضه بعضًا، فإن

الحسد كالنار، إذا لم تجد ما تأكله أكل بعضها بعضًا.

السبب السادس: الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته ونيل رضاه

والإنابة إليه في كل خواطر نفسه وأمانيها، تدبُّ فيها دبيب تلك الخواطر شيئًا

فشيئًا حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه

كلها في محابِّ الربِّ والتقرُّب إليه وذكره والثناء عليه؛ قال - تعالى - عن

عدوِّه إبليس أنه قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ

الْمُخْلَصِينَ** [ص: 82- 83]، فالمخلص بمثابة مَن آوَى إلى حصن

حصين، لا خوف على مَن تحصَّن به، ولا ضيعة على مَن آوَى إليه، ولا مطمع

للعدوِّ في الدنوِّ منه.

السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلَّطت عليه أعداءه؛ فإن

الله - تعالى - يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ** [

الشورى: 30]، فما سُلِّط على العبد مَن يؤذيه إلا بذنب، يعلمه أو لا يعلمه،

وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله

أضعاف ما يذكره.

وفي الدعاء المشهور: ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم،

وأستغفرك لما لا أعلم))؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد"، فما يحتاج

العبد إلى الاستغفار منه مما لا يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه، فما سُلِّط عليه

مؤذٍ إلا بذنب، وليس في الوجود شرٌّ إلا الذنوب وموجباتها، فإذا عُوفِي من

الذنوب عُوفِي من مُوجِباتها، فليس للعبد إذا بُغِي عليه وأُوذِي وتسلَّط عليه

خصومه شيء أنفع له من التوبة النصوح من الذنوب التي كانت سببًا لتسلُّط

عدوِّه عليه.

السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع

البلاء ودفع العين وشرِّ الحاسد، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلَّط على

محسِن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معامَلاً فيه باللطف والمعونة

والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة، والصدقة والإحسان من شكر النعمة،

والشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببًا لزوالها.

السبب التاسع: أن يطفئ نارَ الحاسد والباغي والمؤذِي بالإحسان إليه، فكلَّما

ازداد أذًى وشرًّا وبغيًا وحسدًا، ازددت إليه إحسانًا، وله نصيحةً، وعليه شفقةً؛

قال الله - تعالى -: {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ** [فصلت: 34].

الخاتمة:
لا تكن حسودًا:
ليكن ممَّا تصرف به الأذى والعذاب عن نفسك ألا تكون حسودًا؛ فإن الحسد خلق

لئيم، ومن لؤمه أنه مُوَكَّل بالأدنى فالأدنى من الأقارب والأكْفَاء والمعارف،

والخُلَطاء والإخوان، فليكن ما تُعامِل به الحسد أن تعلم أن خير ما تكون حين

تكون مع مَن هو خيرٌ منك، وأن غنمًا حسنًا لك أن يكون عَشِيرك وخَلِيطك أفضلَ

منك في العلم، فتقتبس من علمه، وأفضل منك في القوة فيدفع عنك بقوته، وأفضل

منك في المال فتفيد من ماله، وأفضل منك في الجاه فتصيب حاجتك بجاهه،

وأفضل منك في الدين فتزداد صلاحًا بصلاحه.

ولكن الطباع خسَّت، حتى في الحسد أيضًا، كان الناس قديمًا إذا حسدوا رجلاً

على يساره، حرصوا على كسب المال حتى يصيروا مثله، وإذا حسدوا على

علمه تعلموا حتى يضاهوه، وإذا حسدوا على جوده بذلوا حتى يقال: إنهم أكرم

منه، فالآن لما ضعفت الطبائع، وصغرت النفوس، وعجزوا أن يجعلوا أنفسهم

مثل من حسدوه في المعنى الذي حسدوه عليه - عدلوا إلى تنقُّص المبرز، فإن

كان فقيرًا شنَّعوا على فقره، وإن كان عالمًا خطَّؤوه، وإن كان جوادًا قالوا:

هذا مُتاجِر بجوده وبخَّلوه، وإن كان فعَّالاً للخير، قالوا: هذا مراء.

وخير الإخوان مَن إذا عظَّمته صانك، ولا يعيب أخاه على الزلَّة؛ فإنه شريكه في

الطبيعة، بل يصفح ويتنكَّب محاسدة الإخوان؛ لأن الحسد للصديق من سقم

المودة، كما أن الجود بالمودة أعظم البذل؛ لأنه لا يظهر ودٌّ صحيح من قلب

سقيم.

فالعاقل يكون على إماتة الحسد بما قدر عليه أحرص منه على تربيته، ولا يجد

لإماتته دواء أنفع من البعاد؛ فإن الحاسد ليس يحسدك على عيبٍ فيك ولا على

خيانة ظهرت منك، ولكن يحسدك بما ركب فيه من ضدِّ الرضا بالقضاء؛ كما قال

العتبي:
أُفَكِّرُ مَا ذَنْبِي إِلَيْكَ فَلاَ أَرَى لِنَفْسِيَ جُرْمًا غَيْرَ أَنَّكَ حَاسِدُ
فإن الحسد عقوبةٌ موجبة للحاسد بما يناله منه ويشينه؛ من عصيان ربه،

واستصغار نعمته، والسخط لقدره، مع الكرب اللازم والحزن الدائم، والتنفُّس

صعدًا، والتشاغل بما لا يُدرَك ولا يحصى.

ولو سلم المخذول قلبه من الحسد، لكان من الإسلام بمكان، ومن السؤدد في

ارتفاع، فوضعه الله لحسده، وأظهر نفاقه، قال محمود الوراق:
أَعْطَيْتُ كُلَّ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي الرِّضَا إِلاَّ الحَسُودَ فَإِنَّهُ أَعْيَانِي
لاَ أَنَّ لِي ذَنْبًا لَدَيْهِ عَلِمْتُهُ إِلاَّ تَظَاهُرَ نِعْمَةِ الرَّحْمَنِ
يَطْوِي عَلَى حَنَقٍ حَشَاهُ لِأَن رَأَى عِنْدِي كَمَالَ غِنًى وَفَضْلَ بَيَانِ
مَا إِنْ أَرَى يُرْضِيهِ إِلاَّ ذِلَّتِي وَذَهَابُ أَمْوَالِي وَقَطْعُ لِسَانِي
وذكر الباري - جل جلاله - في كتابه أهل الجنة، وما منَّ به عليهم من

السرور والكرامة عندما دخلوها وبوَّأها لهم فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ

وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا

عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ** [

الحجر: 45- 48].

فما أنزلهم دار كرامته إلا بعد ما نزع الغلَّ والحسد من قلوبهم، فتهنَّوا بالجنة،

وقابلوا إخوانهم على السرر، وتلذَّذوا بالنظر في مقابلة الوجوه؛ لسلامة

صدورهم، ونزْع الغلِّ من قلوبهم، ولو لم ينزع ذلك من صدورهم ويخرجه من

قلوبهم، لافتقدوا لذة الجنة، وتدابروا وتقاطعوا وتحاسدوا، وواقعوا الخطيئة،

ولمسَّهم فيها النصب، وأعقبوا منها الخروج؛ لأنه - عز وجل - فاضَل بينهم

في المنازل.

وما أرى السلامة إلا في قطع الحاسد، ولا السرور إلا في افتقاد وجهه، ولا

الراحة إلا في الإعراض عن مداراته، ولا الربح إلا في ترك مصافاته، فإذا

فعلت ذلك، فكُلْ هنيًّا مريًّا، ونَمْ رضيًّا، وعِشْ في السرور مليًّا.

ونحن نسأل الله الجليل أن يصفِّي كدَر قلوبنا، ويجنِّبنا وإياكم دناءة الأخلاق،

ويرزقنا وإياكم حسن الإلفة والاتِّفاق، ويحسن توفيقنا وتسديدنا، والسلام.

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2012, 05:35 AM   #2
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي


،،،،،،

بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ومشرفتنا القديرة ( أم سلمى ) ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
 

 

 

 


 

توقيع  أبو البراء
 
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2012, 08:25 AM   #3
معلومات العضو
الغردينيا
مراقبة عامة لمنتدى الرقية الشرعية

افتراضي

بارك الله فيك أنتقاء مفيد
أختي أم سلمى في ميزان حسناتك

 

 

 

 


 

توقيع  الغردينيا
 
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2012, 12:57 PM   #4
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي


،،،،،،

بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ومشرفتنا القديرة ( الغردينيا ) ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
 

 

 

 


 

توقيع  أبو البراء
 
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2012, 06:47 PM   #5
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء
  

،،،،،،

بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ومشرفتنا القديرة ( أم سلمى ) ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفيكم بارك الله وأحسن إليكم

شكر الله لكم مروركم الكريم وحسن قولكم

رفع الله قدركم وأعلى نزلكم في جنات النعيم

في رعاية الله وحفظه

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 07-06-2012, 06:49 PM   #6
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الغردينيا
   بارك الله فيك أنتقاء مفيد
أختي أم سلمى في ميزان حسناتك

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وفيكِ بارك الله أختي الكريمة الغردينيا

أسعدني مروركِ الكريم وحسن قولكِ

رفع الله قدركِ وأعلى نزلكِ في أعلى عليين

في حفظ الله ورعايته
 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 08-06-2012, 06:43 AM   #7
معلومات العضو
أبو البراء

لموقع ومنتدى الرقية الشرعية - مؤلف ( الموسوعة الشرعية في علم الرقى )
 
الصورة الرمزية أبو البراء
 

 

افتراضي


،،،،،،

بارك الله فيكم أخيتي الفاضلة ومشرفتنا القديرة ( أم سلمى ) ، وزادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :

أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0
 

 

 

 


 

توقيع  أبو البراء
 
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 12:59 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com