معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ))
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،
أما بعد : يقول الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في شرحه لرياض الصالحين :
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لو أقسم على الله لأبره )) يعني لو حلف على شيء ليسر الله له أمره ، حتى يحقق له ما حلف عليه ، وهذا كثيرًا ما يقع ؛ أن يحلف الإنسان على شيء ثقة بالله عز وجل ، ورجاء لثوابه فيبر الله قسمه ، وأما الحالف على الله تعاليًا وتحجرًّا لرحمته ، فإن هذا يُخذل ، والعياذ بالله .
وهاهنا مثلان :
المثل الأول : أن الربيع بنت النضر رضي الله عنهما وهي من الأنصار، كسرت ثنية جارية من الأنصار ، فرفعوا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُكسر ثنية الربيع ، لقول الله تعالى : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْس) إلى قوله : ( وَالسِّنَّ بِالسِّنّ) [المائدة : 45] فقال أخوها أنس بن النضر : والله يا رسول الله لا تكسر ثنية الربيع ، فقال (( يا أنس كتاب الله القصاص )) فقال : والله لا تكسر ثنية الربيع .
أقسم بهذا ليس ذلك ردًّا لحكم الله ورسوله ، ولكنه يحاول بقدر ما يستطيع أن يتكلم مع أهلها حتى يعفوا ويأخذوا الدية ، أو يعفوا مجانًا ، كأنه واثق من موافقتهم ، لا ردًّا لحكم الله ورسوله ، فيسَّر الله سبحانه وتعالى ؛ فعفى أهل الجارية عن القصاص ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)) .
وهنا لا شك أن الحامل لأنس بن النضر هو قوة رجائه بالله عز وجل ، وأن الله سييسر من الأسباب ما يمنع كسر ثنية أخته الربيع .
أما المثل الثاني : الذي أقسم على الله تأليًا وتعارضًا وترفعًا فإن الله يخيب آماله ، ومثال ذلك الرجل الذي كان مطيعًا لله عز وجل عابدًا ، يمر على رجل عاص ، كلما مر عليه وجده على المعصية ، فقال : والله لا يغفر الله لفلان ، حمله على ذلك الإعجاب بنفسه ، والتحجر بفضل الله ورحمته ، واستبعاد رحمة الله عز وجل من عباده .
فقال الله تعالى (( من ذا الذي يتألى علي ـ أي يحلف على ـ ألا أغفر لفلان . قد غفرت له ، وأحبطت عملك )) ، فانظر الفرق بين هذا وهذا .
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( إن من عباد الله )) (( من )) هنا للتبعيض ، (( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره )) وذلك فيمن أقسم على الله ثقة به ، ورجاء لما عند الله عز وجل .
،،،،،،،،،،،
من :
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
المجلد الثاني
باب : فضل ضعفة المسلمين