موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام الرقية الشرعية والتعريف بالموسوعة الشرعية في علم الرقى ( متاحة للمشاركة ) > فتاوى ودراسات وأبحاث العلماء وطلبة العلم والدعاة في الرقية والاستشفاء والأمراض الروحية

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:39 AM   #1
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

Arrow ( && رسالة في حكم حل السحر بالسحر: للشيخ " وليد بن راشد السعيدان " &&) !!!

رسالة في حكم حل السحر بالسحر
تأليف : وليد بن راشد السعيدان
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستهديه ونستغفره ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، ثم أما بعد ، فإنه قد سألني بعض طلبة العلم أن أكتب لهم جوابا مختصرا في مسألة ( حل السحر بالسحر ) فما حكم ذلك ؟ وما الأدلة على هذا الحكم ؟ وما القواعد المساندة والمؤيدة لهذا الحكم ؟ وكيف الرد على من قال بخلاف ما دلت عليه الأدلة ؟ فلم أجد بدا من تسطير الإجابة ، فاسأل الله العلي القدير باسمه الأعظم أن يوفقني للحق والصواب ، وأن يفتح علي في تأييد الحق بما يقطع حجة المخالف للدليل ، وأن يشرح لما نقوله صدور أهل الحق ، وأن يهدي ضال المسلمين ، ويثبت مطيعهم ،ويرزقهم الفقه في دينه ، إنه خير مسئول ، والله أعلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد العون والفضل :-
لا شك أنه لا يخفى على شريف علمك أن أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى يثبتون أن السحر له حقيقة ، فمنه ما يمرض ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه ، ومنه ما يصيب العقل بالجنون ، وهو أنواع وصنوف ، ولكن يجمعها أنه استعانة بالشياطين على تحقيق المراد ، ومن المعلوم أن الشياطين لا يمكن أن تعين الساحر إلا لما ترجوه منه ومن مراجعيه من فساد المعتقد ، وهتك أستار التوحيد ومن قال بغير هذا فإنه لم يعرف حقيقة السحر ، ومن المعلوم بارك الله فيك أن الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فإنه من الشرك الأكبر المخرج من الملة ، كما قررناه في موضع آخر ، والمهم عندنا هنا أن نجيب على عين هذا السؤال ، فأقول :- لا جرم أن الحق الحقيق بالقبول هو حرمة حل السحر بالسحر ، فهو محرم التحريم الأكيد القطعي ، وممنوع المنع الواضح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، والأدلة على هذه المسألة لا تكاد تخفى على من له أدنى بصيرة في الدليل ، ولم أكن أتوقع أن ينشأ من أهل التوحيد من يقرر بجزم وقوة جواز الذهاب إلى السحرة ليفكوا السحر عنه ، ويباهل على ذلك ، وكأن القول بالمنع كان قولا معارضا للإسلام فأراد التصحيح ، ولم يقف عند هذا الحد ، حتى نسب القول بجواز الذهاب للسحرة إلى أكثر سلف الأمة ولا أدري في الحقيقة كيف توصل إلى هذه النتيجة الفاسدة الخاطئة ، مع أنه من أهل الدليل ، ومحب للخير ، ولا نحسبه إلا راغبا في الحق ، وليته لم يقل بذلك ، وأسأل الله تعالى أن يرده إلى جادة الحق والصواب ، فالحق والصواب في هذه المسألة هو القول بالمنع ، فلا يجوز الذهاب إلى الكهان والسحرة والعرافين والمشعوذين،لا في حل ولا عقد ، ولا في صدر ولا ورد ، لا يجوز الذهاب يا إخواني مطلقا ، إلا في حالات استثناها العلماء من الإنكار عليهم مثلا أو لفضيحتهم ، وأما الذهاب إلى هذه الفئة الفاسدة والطائفة الكاسدة لطلب العلاج منهم فإنه محرم التحريم الأكيد القطعي, وهذا قد دل عليه الدليل الشرعي الصحيح الصريح ، وأنا أسوق لك الأدلة التي سيتضح لك بعدها إن شاء الله تعالى وجه الحق في هذه المسألة :-

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:41 AM   #2
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

فمن الأدلة :- قوله تعالى  وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ  فهذا إثبات من الله تعالى أن بعض الإنس قد عقد صفقة مع الجن وهي صفقة الاستمتاع المتبادل ، فالإنسي يستمتع بالشيطان بما يحقق له من بعض الأمور أو يخبره ببعض الغائبات عنه ، ونحو ذلك ، والمقابل أن الشيطان يستمتع بالإنسي بما يقدمه له من القرابين المعنوية والحسية ، فالمعنوية كذبح توحيده ، والتسبب في قتل توحيد الناس ، وإهلاك عقيدتهم والحسية كما هو معلوم عنهم من إهلاك الحرث والنسل والتفريق وإهلاك العلائق بين الأهل والأقارب ، وإيذاء الناس ، ونحو هذا ، وهذه الحالة تنطبق على الساحر انطباقا كليا ، فالساحر يستمتع بالجني المصاحب له ، والجني يستمتع بالساحر ، وهذه الحال ثابتة لعموم السحرة ، فمن قرر جواز الذهاب إليهم بحجة الاستشفاء فإنه في الحقيقة متعاون معهم في هذا الاستمتاع ، فهو في الحقيقة يقرر جواز ما أثبت القرآن أنه من الأسباب لدخول النار ، وتجويز الذهاب للسحرة إقرار لبقاء هذا الاستمتاع الكفري ، وسيكون مآل صاحبه إلى النار إن لم يتداركه الله تعالى برحمة منه وفضل ، فلما كان أصل مبنى العلاقة بين الساحر والشياطين التي معه هي تبادل الاستمتاع الذي نص القرآن على أنه من أسباب النار صار الذهاب لهم من المحرمات لأن المتقرر أن الشريعة إذا نهت عن شيء ، فإنه يعتبر نهي عنه بالأصالة ، ويتضمن النهي عن كل وسائله وذرائعه التي تفضي إليه والمتقرر أن مما يعرف به النهي عن الشيء تقرر العقوبة عليه في الآخرة كما هي الحال هنا .
ومن الأدلة أيضا :- قوله تعالى  وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى  فقوله ( الساحر ) اسم مفرد دخلت عليه الألف واللام ، والمتقرر أن الألف واللام إن دخلت على المفرد فإنها تكسبه العموم فيدخل في ذلك كل السحرة ، وهذه الآية وإن وردت على سبب خاص ، إلا أن المتقرر في القواعد أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وقوله ( لا يفلح ) نفي للفلاح على وجه الإطلاق والمتقرر في القواعد أن الأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل ، وهذا يفيدك أنه لا فلاح لهؤلاء ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهذا والله هو الحق الذي لا خلف فيه ، فإنك لو رأيت الساحر ذي الثياب الرثة ، لا يعقد سحره إلا في أخس الأماكن التي لا تدخلها الكلاب ، ولا ترتاح روحه الشيطانية إلا بالتلوث بأخبث الروائح ، والغالب فيهم الفقر والقهر والعذاب والنكد في معيشتهم لا في بيوتهم ولا في مكان عملهم ، ولا في أي مكان توجهوا له ، فالشياطين تؤزهم أزا وتقهرهم قهرا ، وتأمرهم بالأفعال التي لا تليق بالبهائم فضلا عن العقلاء من بني آدم ، والغالب أنهم في المجتمع هم المطرودون المبعدون ، فأي فلاح لهذه الطائفة القذرة ، وأي خير يرجى من وراء من هذه حاله ، فكيف نجيز أن تطرق أبوابهم طلبا للفلاح بالشفاء ، وهم لا فلاح عندهم أصلا بنص القرآن ، والمتقرر أن فاقد الشيء لا يعطيه ، ومن المعلوم أن الطبيب إن كان جيدا في طبه خبيرا في مجال عمله فإنه يقال له ( هذا مفلح في طبه ومجال عمله ) وأما الساحر فقد نفى الله عنه الفلاح والشفاء من المرض نوع فلاح ، فإن كان الساحر ممن نفى الله عنه الفلاح ، فكيف يرجى منه أن يكون سببا في الشفاء ؟ هذا لا يكون أبدا ، فهذه الآية فيها دليل على تحريم الذهاب للسحرة لطلب الشفاء ، لأن الشفاء نوع فلاح ، والفلاح منفي عنهم ، والأصل بقاء الإطلاق على إطلاقه حتى يرد المقيد، بل هذا النفي مؤكد بقوله تعالى ( حيث أتى ) أي كيفما كان ، وكيفما فعل ، وكيفما نوى فهو لا فلاح فيه ، ولا منه ، والله المستعان .
ومن الأدلة أيضا :- قوله تعالى  وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ  والمتقرر أن الجمع إن دخلت عليه الألف واللام الاستغراقية فإنها تكسبه العموم ، فيدخل فيه كل السحرة , والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فالفلاح منفي عنهم ، وهو نفي مطلق ، والأصل بقاء المطلق على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل ، فيدخل فيه نفي الفلاح في الدنيا والآخرة ، فمن نفي عنه الفلاح بهذه الصورة ، فبالله عليك كيف نقول للمسلمين :- يجوز الذهاب له لطلب العافية بسببه ، كيف نعلق قلوب المسلمين بمن هذه صفته شرعا؟ ألا إن تجويز الذهاب إلى هذه الطائفة الفاسدة خطأ ظاهر ، وإن قال به من قاله .
ومن الأدلة أيضا :- قوله تعالى  وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ ... الآية  وهي دالة على منع إتيان السحرة من عدة وجوه:
الأول :- أن فيها دلالة على أن ما عند الساحر من العلم إنما أصله وأساسه من تعليم الشياطين وقد عرفت عداوتها لبني آدم ، قال تعالى  إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ  وقال تعالى  وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ  فلا مودة ولا رحمة ولا صلح يرجى من الشيطان ، لأنه لا يريد إلا هلاك بني آدم ، ومن هذه حاله فكيف سيكون تعليمه إن باشر هو تعليم بني آدم ؟ لا جرم أنه سيستفرغ طاقته ، ويأتي بنهاية جهده فيما هو مضر ومفسد ومهلك لبني آدم ، فلا يرجى من تعليم الشيطان نفع ولا خير ولا شفاء ، فالساحر إنما تلقف علم السحر من الشيطان ، فبالله عليك هل يجوز لنا أن نقول للمريض من بني آدم :- اذهب إلى هذا الساحر لعلك تجد عنده ما فيه سبب لشفائك ؟ أين النفع الذي سيجده المريض من تعليم الشيطان؟ بل والله لا يوجد عند هذه الطائفة الكاسدة والثلة الفاسدة إلا الكفر والبعد عن عافية الدين والدنيا ، ولا يوجد عندهم إلا الأمراض الروحية ، وقتل الإيمان فالذهاب لهم ضرر محض ، ومفسدة ظاهرة , لا يجيزها إلا من غفل عن استحضارها وقت الإفتاء فالله المستعان,

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:42 AM   #3
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

الثاني :- أن هذه الآية فيها إثبات أن الساحر كافر ، لقوله تعالى  وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ  وفي آخر الآية قال  وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ  فهذه من الأدلة على كفره ، وهو إنما كفر بسبب تعلمه للسحر، فالسحر هو الآفة التي أوجبت كفره ، فكيف نجيز للمريض أن يذهب إلى هذا الساحر ليستفيد من شيء هو أصلا سبب الكفر والضلال واللعنة والغضب؟ فإن هذا الساحر إنما سيعالج هذا المريض بما عرفه وتعلمه من السحر ، وهذا التعلم هو سبب الكفر ، وهو سبب الضلال ، فما كان سببا للكفر والضلال ونفي الفلاح والنصيب في الآخرة فهل يرجى من ورائه شفاء أو خير أو فلاح ؟
الثالث:- أن الله تعالى قد أثبت أن هذا التعلم والتعليم الحاصل بين الساحر وشياطينه ضار وغير نافع ، وذلك في قوله تعالى  وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ  وقد خرج إثبات الضرر ونفي النفع مخرج الإطلاق ، والمتقرر أن المطلق يجب بقاؤه على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل ، فالضرر هنا يراد به ضرر الدين والدنيا والآخرة ، ونفي النفع هنا يراد به نفي النفع في الدين والدنيا والآخرة ، وما ورد عن السلف من الخلاف في تفسير ذلك فإنما هو من خلاف التنوع لا التضاد ، والمتقرر أن اللفظ إذا احتمل معنيين أو أكثر لا تنافي بينهما حمل عليهما، والعافية من النفع ، فالله تعالى أثبت أنهم إنما تعلموا ما فيه ضررهم ، فما يوجد عندهم علم السحر هو في الحقيقة ضرر محض ، بقول ربنا جل وعلا ، وما كان ضررا محضا فكيف ترجى منه العافية والشفاء ؟ كيف يرجى الشفاء من علم قول الله فيه:- إنه ضرر ولا نفع فيه، أفي خبر الله تعالى شك ؟ كلا والذي نفسي بيده ، ولذلك فلا والله ما نعلم عند هذه الطائفة المعتوهة إلا كل الضرر ، بل تأمل في قول الله تعالى  مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ  أن الله تعالى لم يكتف بإثبات الضرر فقط، حتى قرن معه نفي النفع ، مع أنه لو قال  مَا يَضُرُّهُمْ  لكفى في الزجر عن تعلمه أو إتيان من تعلمه ، ولكنه لم يكتف بذلك ، بل أراد الله جل وعلا أن يقطع دابر النفع عن هذه الطائفة ، وأن يثبت كامل الضرر منها ، فقرن إثبات الضرر بنفي النفع ، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وذلك دليل ظاهر على أن من أتاهم طلبا للنفع فإننا نقول له ( ولا ينفعهم ) ومن جاءهم لرفع الضرر فنقول له ( ما يضرهم ) فلا ضرر يرفع عند هؤلاء ، بل هم الضرر بعينه ، ولا نفع يرجى من ورائهم ، بل هم شقاء وفساد البلاد والعباد ، ألا لعنهم الله وأبعدهم وأقصاهم ، ونسأل الله تعالى أن يهلكهم وأن يكفي الأمة شرهم,
الرابع:- أن الله تعالى نفى عنهم العلم فقال وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ فنفى الله تعالى عنهم العلم ، وذلك أنهم في الحقيقة إنما تعلموا ما فيه ضررهم العاجل والآجل ، ومن كان كذلك فهو جاهل في الحقيقة ، وليته ما تعلم هذا العلم الذي لم يزدد به إلا الضرر والضلال والكفر ، فالسحرة جهال بنص القرآن ، وما عندهم من العلم إنما هو خيالات شيطانية يلبسون بها على عقول السذج من الناس ، فمن أجاز الذهاب لهم لطلب أسباب الشفاء إنما ظن أنهم على دراية من الأمر ، وهم في الحقيقة جهال لا فهم عندهم ولا علم يرجى نفعه ، فالحق حرمة الذهاب لهم والله المستعان .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:43 AM   #4
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

ومن الأدلة أيضا :- ما رواه مسلم في الصحيح قال :- حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ - وَتَقَارَبَا فِى لَفْظِ الْحَدِيثِ - قَالاَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السلمي قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ, فرماني الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ, فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِى لَكِنِّى سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فبأبي هُوَ وأمي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِى وَلاَ ضربني وَلاَ شتمني قَالَ « إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شيء مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ » أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إني حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ وَإِنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأْتُونَ الْكُهَّانَ. قَالَ « فَلاَ تَأْتِهِمْ » قَالَ وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ, قَالَ « ذَاكَ شيء يَجِدُونَهُ في صُدُورِهِمْ فَلاَ يَصُدَّنَّهُمْ » وهو نص صحيح صريح في منع إتيان الكهان ، والسحرة منهم ، فقوله " فلا تأتهم " هذا نهي ، والمتقرر في القواعد أن النهي المجرد عن القرينة يفيد التحريم ، ولأنه قال " فلا تأتهم " وهذا إجمال في النهي وترك للتفصيل فيه وقد تقرر في القواعد أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال ، أي أنه لما أطلق النهي عن التفصيل ، مع أنه مقام احتمال ، عرفنا أنه يريد به العموم ، أي عموم النهي عن إتيانهم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل معاوية عن سبب مجيء هؤلاء ، وإنما نهاه نهيا عاما، وهذا ظاهر في أن الكهان لا يجوز إتيانهم لأي غرض، ومن ذلك إتيانهم لطلب سبب الشفاء عندهم ، فنقول لمن سألنا عن حكم المجيء إليهم كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم " فلا تأتهم " قال النووي رحمه الله تعالى (قالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ إِتْيَان الْكَاهِن ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَات قَدْ يُصَادِف بَعْضهَا الْإِصَابَة ؛ فَيُخَاف الْفِتْنَة عَلَى الْإِنْسَان بِسَبَبِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُونَ عَلَى النَّاس كَثِيرًا مِنْ أَمْر الشَّرَائِع ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَان الْكُهَّان وَتَصْدِيقهمْ فِيمَا يَقُولُونَ ، وَتَحْرِيم مَا يُعْطُونَ مِنْ الْحُلْوَانِ ، وَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ) وقال رحمه الله تعالى ناقلا عن الخطابي كلاما نفيسا (وَقَالَ الْخَطَّابِيّ - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - : حُلْوَان الْكَاهِن مَا يَأْخُذهُ الْمُتَكَهِّن عَلَى كِهَانَته ، وَهُوَ مُحَرَّم . وَفِعْله بَاطِل ، قَالَ : وَحُلْوَان الْعَرَّاف حَرَام أَيْضًا ، قَالَ : وَالْفَرْق بَيْن الْعَرَّاف وَالْكَاهِن ، أَنَّ الْكَاهِن إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَار عَنْ الْكَوَائِن فِي الْمُسْتَقْبَل ، وَيَدَّعِي مَعْرِفَة الْأَسْرَار ، وَالْعَرَّاف يَتَعَاطَى مَعْرِفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق ، وَمَكَان الضَّالَّة وَنَحْوهمَا ، وَقَالَ الْخَطَّابِيّ أَيْضًا فِي حَدِيث ( مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُول فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : كَانَ فِي الْعَرَب كَهَنَة يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُور ، مِنْهُمْ مَنْ يَزْعُم أَنَّ لَهُ رِئْيًا مِنْ الْجِنّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَار ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي اِسْتِدْرَاك ذَلِكَ بِفَهْمٍ أُعْطِيه وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى : عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُم مَعْرِفَة الْأُمُور بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَاب اِسْتَدَلَّ بِهَا ، كَمَعْرِفَةِ مَنْ سَرَقَ الشَّيْء الْفُلَانِيّ ، وَمَعْرِفَة مَنْ يُتَّهَم بِهِ الْمَرْأَة ، وَنَحْو ذَلِكَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّم كَاهِنًا قَالَ : وَالْحَدِيث يَشْتَمِل عَلَى النَّهْي عَنْ إِتْيَان هَؤُلَاءِ كُلّهمْ ، وَالرُّجُوع إِلَى قَوْلهمْ وَتَصْدِيقهمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ . هَذَا كَلَام الْخَطَّابِيّ وَهُوَ نَفِيس ).
ومن الأدلة أيضا :- ما رواه أبو داود في سننه قال :- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ح وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَكِيمٍ الأَثْرَمِ عَنْ أَبِى تَمِيمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَتَى كَاهِنًا ». قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثِهِ « فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ » ثُمَّ اتَّفَقَا « أَوْ أَتَى امْرَأَةً » قَالَ مُسَدَّدٌ « امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَوْ أَتَى امْرَأَةً » قَالَ مُسَدَّدٌ « امْرَأَتَهُ فِى دُبُرِهَا فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ » قال الأزهري ( وَكَانَتْ الْكِهَانَة فِي الْعَرَب قَبْل مَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا بُعِثَ نَبِيًّا وَحُرِسَتْ السَّمَاء بِالشُّهُبِ وَمُنِعَتْ الْجِنّ وَالشَّيَاطِين مِنْ اِسْتِرَاق السَّمْع وَإِلْقَائِهِ إِلَى الْكَهَنَة بَطَلَ عِلْم الْكِهَانَة وَأَزْهَق اللَّه أَبَاطِيل الْكِهَانَة بِالْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل وَأَطْلَعَ اللَّه سُبْحَانه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ عِلْم الْغُيُوب الَّتِي عَجَزَ الْكَهَنَة عَنْ الْإِحَاطَة بِهِ ، فَلَا كِهَانَة الْيَوْم بِحَمْدِ اللَّه وَمَنّهُ وَإِغْنَائِهِ بِالتَّنْزِيلِ عَنْهَا ) قَالَ اِبْن الْأَثِير : وَقَوْله مَنْ أَتَى كَاهِنًا يَشْتَمِل عَلَى إِتْيَان الْكَاهِن وَالْعَرَّاف وَالْمُنَجِّم) قلت :- قوله في الحديث " من أتى " هذا إطلاق في الإتيان ، فلم يفصل بين إتيان وإتيان ، والمتقرر في القواعد أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال ، والمتقرر أن الأصل هو البقاء على العموم حتى يرد المخصص ، فمن أخرج من العموم إتيان المريض للاستشفاء عند الكهان والسحرة فقد خصص العموم بلا دليل ، وكلامه لاغ ، لأن المتقرر أن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل ، ولأن العام من كلام الله ورسوله لا يخصص إلا بكلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقوله " كاهنا " نكرة ، وقوله " من أتى " هذا شرط ، فلفظ الكاهن في هذا الحديث نكرة في سياق الشرط ، والمتقرر في القواعد أن النكرة في سياق الشرط تعم فيدخل فيه الإتيان لكل من يطلق عليه أنه كاهن ، فالكاهن أو الساحر الذي يأتيه من يريد الاستشفاء بما عنده من الكهانة والسحر داخل في عموم هذا النهي ، ومن أخرجه من النهي فإنه مطالب بالدليل الدال على هذا التخصيص ، وانظر كيف عقوبة من فعل هذا ، فإنه يكون كافرا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا من جملة أحاديث الوعيد التي لا يتعرض لها بتأويل يخرجها عن مقصودها الذي من أجله سيقت له ، وهذا ظاهر في تحريم إتيانهم على أي وجه كان .
ومن الأدلة أيضا :- ما رواه مسلم في الصحيح قال :- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى - يَعْنِى ابْنَ سَعِيدٍ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شيء لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » فقوله " من أتى " هذا مطلق ، والمتقرر أن المطلق يحب بقاؤه على إطلاقه ولا يقيد إلا بدليل فيدخل في ذلك كل إتيان لهم ، ومن ذلك الإتيان لطلب الاستشفاء من عندهم ، ومن أخرج هذا الإتيان من الإطلاق فإنه مطالب بالدليل ، لأن الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل ، وقوله " عرافا " نكرة ، وقد وردت في سياق الشرط ، والمتقرر أن النكرة في سياق الشرط تعم ، فيدخل فيه كل عراف ، سواء العراف الذي يعقد ابتداء ، أو العراف الذي يحل ما قد عقد ، كل ذلك يشملهم عموم النهي على الإتيان ، ومن خصص العراف الذي يحل العقد فإنه مطالب بالدليل الدال على هذا التخصيص ، لأن المتقرر أن الأصل هو البقاء على العموم حتى يرد المخصص ، والمتقرر أن التخصيص لا يثبت إلا بالدليل ، والمتقرر أن الدليل إنما يطلب من الناقل عن الأصل لا من الثابت عليه ، ولأنه صلى الله عليه وسلم عمم النهي عن الإتيان ، ولم يفصل بين عراف وعراف ، والمتقرر أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال ، وهذا واضح .
ومن الأدلة أيضا :- حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم "رواه البزار بإسناد جيد، وقال الألباني (صحيح لغيره ) والمتقرر أن قوله ( ليس منا ) تفيد تحريم ما علقت عليه ، وقوله " من تطير أو تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له " كل ذلك يفيد العموم ، لأن المتقرر في الأصول أن لفظة ( من ) تفيد العموم ، لأنها اسم موصول ، والأسماء الموصولة تفيد العموم ، بل في قوله " أو سحر له " نص صريح في تحريم إتيان السحرة لطلب الشفاء بحل السحر ، لأنه داخل في معناها ، لأن الساحر سوف يجري السحر له ، فهو ممن سحر له ، وكذلك إتيان الكهان للعلم بمكان السحر هو داخل في قوله " أو تكهن له " وبالجملة ، فهذا الحديث دليل على حرمة عمل الكهانة ، والسحر ، وذلك بقوله " من تكهن " وقوله " من سحر " ودليل على حرمة إتيانهم وطلب شيء من ذلك منهم بقوله " أو تكهن له " وقوله " أو سحر له " ودعوى أن الحديث ضعيف دعوى غير مقبولة ، بل الحديث حسن ، وسنده جيد ، وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحيح لغيره ، فلا بد من القول بمقتضاه ، والعمل بما ورد فيه ، قال سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله تعالى (في هذه الأحاديث الشريفة النهي عن إتيان العرافين وأمثالهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد على ذلك فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكاراً إتيان الكهان والعرافين ونحوهم ، ومنع من يتعاطى شيئاً من ذلك في الأسواق وغيرها والإنكار عليهم أشد الإنكار ، والإنكار على من يجيء إليهم ، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور ولا بكثرة من يأتي إليهم ممن ينتسب إلى العلم ، فإنهم غير راسخين في العلم ؛ بل من الجهل لما في إتيانهم من المحذور لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم ، والخطر الجسيم ، والعواقب الوخيمة ، ولأنهم كذبة فجرة ، كما أن في هذه الأحاديث دليلاً على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر ، ولأنهما لا يتوصلان إلى مقصودهما إلا بخدمة الجن وعبادتهم من دون الله ، وذلك كفر بالله وشرك به سبحانه والمصدق لهم بدعواهم على الغيب ويعتقد بذلك يكون مثلهم ، وكل من تلقى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز للمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجاً كتمتمتهم بالطلاسم ، أو صب الرصاص ، ونحو ذلك من الخرافات التي يعملونها ، فإن هذا من الكهانة والتلبيس على الناس ومن رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم وكفرهم ، كما لا يجوز أيضاً لأحد من المسلمين أن يذهب إلى من يسأله من الكهان ونحوهم عمن سيتزوج ابنه أو قريبه أو عما يكون بين الزوجين وأسرتيهما من المحبة والوفاء أو العداوة والفراق ونحو ذلك لان هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى , والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عز وجل في شأن الملكين في سورة البقرة  وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ  فدلت هذه الآية الكريمة على أن السحر كفر وأن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه ، كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعاً ولا ضراً ، وإنما يؤثر بإذن الله الكوني القدري ؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر ، ولقد عظم الضرر ، واشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين ، ولبسوا بها على ضعفاء العقول فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل , كما دلت الآية الكريمة على أن الذين يتعلمون السحر إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، وأنه ليس لهم عند الله من خلاق أي ( من حظ ونصيب ) وهذا وعيد عظيم يدل على شدة خسارتهم في الدنيا والآخرة وأنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان ، ولهذا ذمهم الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله  وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ  والشراء هنا بمعنى البيع ، نسأل الله العافية والسلامة من شر السحرة والكهنة وسائر المشعوذين ، كما نسأله سبحانه أن يقي المسلمين شرهم ، وأن يوفق المسلمين للحذر منهم ، وتنفيذ حكم الله فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم وأعمالهم الخبيثة إنه جواد كريم ، وقد شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه ، وأوضح لهم سبحانه ما يعالجونه به بعد وقوعه رحمة منه لهم وإحساناً منه إليهم وإتماماً لنعمته عليهم ) .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:44 AM   #5
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

ومن الأدلة أيضا :- حديث جابر رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال " هو من عمل الشيطان " رواه أبو داود ، قال الألباني رحمه الله تعالى ( وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عقيل بن معقل و هو ابن منبه اليماني ، و هو ثقة اتفاقا ) قال في عون المعبود (قَالَ فِي النِّهَايَة النُّشْرَة بِالضَّمِّ ضَرْب مِنْ الرُّقْيَة وَالْعِلَاج يُعَالَج بِهِ مَنْ كَانَ يَظُنّ أَنَّ بِهِ مَسًّا مِنْ الْجِنّ سُمِّيَتْ نُشْرَة لِأَنَّهُ يُنْشَر بِهَا عَنْهُ مَا خَامَرَهُ مِنْ الدَّاء أَيْ يُكْشَف وَيُزَال . وَقَالَ الْحَسَن: النُّشْرَة مِنْ السِّحْر وَقَدْ نُشِرَتْ عَنْهُ تَنْشِيرًا اِنْتَهَى . وَفِي فَتْح الْوَدُود : لَعَلَّهُ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى أَسْمَاء الشَّيَاطِين أَوْ كَانَ بِلِسَانٍ غَيْر مَعْلُوم فَلِذَلِكَ جَاءَ أَنَّهُ سِحْر سُمِّيَ نُشْرَة لِانْتِشَارِ الدَّاء وَانْكِشَاف الْبَلَاء بِهِ ( هُوَ مِنْ عَمَل الشَّيْطَان ) أَيْ مِنْ النَّوْع الَّذِي كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعَالِجُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْآيَات الْقُرْآنِيَّة وَالْأَسْمَاء وَالصِّفَات الرَّبَّانِيَّة وَالدَّعَوَات الْمَأْثُورَة النَّبَوِيَّة فَلَا بَأْس بِهِ . وَفِي النِّهَايَة : وَمِنْهُ الْحَدِيث فَلَعَلَّ طِبًّا أَصَابَهُ ثُمَّ نَشَرَهُ بَقْل أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس أَيْ رَقَاهُ . وَالْحَدِيث سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ ) وقال ابن القيم رحمه الله تعالى ( والنشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان حل سحر بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان فإن السحر من عمله فيتقرب إليه الناشر والمنتشر بما يحب فيبطل عمله عن المسحور والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهذا جائز بل مستحب وعلى النوع المذموم يحمل قول الحسن لا يحل السحر إلا ساحر ) فأنت ترى هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل النشرة من عمل الشيطان والمراد بها عند أهل العلم رحمهم الله تعالى حل السحر بسحر مثله ، فهو من النشرة المحرمة وعليه:- فإتيان الساحر لحل السحر لا يجوز لأنه من النشرة الشيطانية .
ومن الأدلة أيضا:- حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومصدق بالسحر، وقاطع الرحم " ومن ذهب إلى السحرة وأخبروه بحقيقة حاله فيما تخبرهم به شياطينهم ووصفوا له العلاج من ذلك ودفع الثمن ، وتعاطى هذا العلاج فهو في الحقيقة مصدق بالسحر ، فيقع في هذا الوعيد . والعياذ بالله .
ومن الأدلة أيضا :- ما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه قال :- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأنصاري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ البغي وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ " قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (حُلْوَان الْكَاهِن ، حَرَام بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذ الْعِوَض عَلَى أَمْر بَاطِل ، وَفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيم وَالضَّرْب بِالْحَصَى وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَانَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنْ اِسْتِطْلَاع الْغَيْب ) ومن المعلوم أن من يأتي الكاهن ليحل عنه السحر ، فإنه لا يبذله بالمجان ، بل لا يبذله إلا بالعوض ، وبذل العوض على ذلك محرم ، والمتقرر أن تحريم الثمن على الشيء دليل على تحريمه ، لأن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه ، فلا يجوز بذل العوض على التكهن ولا على السحر وهذا يتضمن النهي عن إتيانهم, قال الخطابي رحمه الله تعالى ( وَحُلْوَان الْعَرَّاف أَيْضًا حَرَام , قَالَ : وَالْفَرْق بَيْن الْكَاهِن وَالْعَرَّاف أَنَّ الْكَاهِن إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَار عَنْ الْكَائِنَات فِي مُسْتَقْبَل الزَّمَان وَيَدَّعِي مَعْرِفَة الْأَسْرَار ، وَالْعَرَّاف هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق وَمَكَان الضَّالَّة وَنَحْوهمَا مِنْ الْأُمُور , هَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيّ فِي مَعَالِم السُّنَن فِي كِتَاب الْبُيُوع ، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي آخِر الْكِتَاب أَبْسَط مِنْ هَذَا فَقَالَ : إِنَّ الْكَاهِن هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَة عِلْم الْغَيْب ، وَيُخْبِر النَّاس عَنْ الْكَوَائِن قَالَ : وَكَانَ فِي الْعَرَب كَهَنَة يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنْ الْأُمُور ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُم أَنَّ لَهُ رُفَقَاء مِنْ الْجِنّ وَتَابِعَة تُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَار ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدِرْك الْأُمُور بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ يَعْرِف الْأُمُور بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَاب يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَق فَيَعْرِف الْمَظْنُون بِهِ السَّرِقَة ، وَتَتَّهِم الْمَرْأَة بِالرِّيبَةِ فَيُعْرَف مِنْ صَاحِبهَا وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي الْمُنَجِّم كَاهِنًا قَالَ : وَحَدِيث النَّهْي عَنْ إِتْيَان الْكُهَّان يَشْتَمِل عَلَى النَّهْي عَنْ هَؤُلَاءِ كُلّهمْ ، وَعَلَى النَّهْي عَنْ تَصْدِيقهمْ وَالرُّجُوع إِلَى قَوْلهمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْعُو الطَّبِيب كَاهِنًا ، وَرُبَّمَا سَمُّوهُ عَرَّافًا ؛ فَهَذَا غَيْر دَاخِل فِي النَّهْي . هَذَا آخِر كَلَام الْخَطَّابِيّ . قَالَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي آخِر كِتَابه الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة : وَيَمْنَع الْمُحْتَسَب مَنْ يَكْتَسِب بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْو ، وَيُؤَدِّب عَلَيْهِ الْآخِذ وَالْمُعْطِي ) قلت :- والأحاديث في النهي عن حلوان الكاهن كثيرة .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر في الأدلة جواز التداوي ، إلا بالحرام ، فالحرام مهما كان لا يجوز التداوي به ، إلا بدليل خاص ، وما كان حراما التحريم الكلي فإنه لا يجوز التداوي به ، كالتداوي بالخمر، والموسيقى ، والرقى الشركية ، والتمائم كلها ، ومن ذلك :- التداوي بالسحر والتكهن فإنها من المحرمات في الشرع ، وما كان حراما فإنه لا يجوز التداوي به ، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله خلق الداء و الدواء ، فتداووا ، و لا تتداووا بحرام " وهو حديث حسن ، وحديث أم سلمة أنها انتبذت ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيذ يهدر ، فقال " ما هذا ؟ " قلت : فلانة اشتكت فوصف لها ، قالت : فدفعه برجله فكسره و قال " إن الله لم يجعل في حرام شفاء " ورجاله كلهم ثقات ، و أخرج الطبراني عن أبي الأحوص أن رجلا أتى عبد الله فقال : إن أخي مريض اشتكى بطنه ، و أنه نعت له الخمر أفأسقيه؟ قال عبد الله : سبحان الله ! ما جعل الله شفاء في رجس ، إنما الشفاء في شيئين : العسل شفاء للناس ، و القرآن شفاء لما في الصدور . قال الألباني (و إسناده صحيح أيضا)ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن التداوي بالخمر قال " إنها داء "ونهى عن ذلك ، وقال صلى الله عليه وسلم " من تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاء " وهو يحتمل التحسين ، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أصابه شيء من الأدواء فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله ، فإن الله لم يجعل في شيء مما حرم شفاء " ولا بأس به مع الشواهد ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الدواء الخبيث ، وعن ابن مسعود موقوفا عليه : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم . وإسناده صحيح ، ونحو هذه الأدلة فإنها دالة على تحريم التعالج بالتكهن والسحر ، لأنها أصلا في ذاتها محرمة ، والمتقرر أن التداوي بالمحرم لا يجوز إلا بدليل ، والله أعلم .
ومن الأدلة الدالة على ذلك أيضا :- الأدلة الدالة على أن الله تعالى إن حرم شيئا حرم ثمنه ، وما كان حرام الثمن فهو حرام التعاطي ، لأن المتقرر أن تحريم الثمن فرع عن تحريم الفعل ، ففي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ؟ فإنه تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال " لا هو حرام " ثم قال عند ذلك " قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه " وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله اليهود " ثلاثا " إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها فأكلوا أثمانها إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه " رواه أبو داود وهو حديث صحيح، ومن المعلوم أن القول بجواز الذهاب إلى الكهان والسحرة لغرض العلاج عندهم يفتح بابا قد أغلقه الشارع ، وهو دفع الثمن المربح لهم ، على هذه المنفعة المحرمة ، فمن أجاز ذلك فهو مخالف لهذه الأحاديث الدالة على تحريم دفع الثمن على الأفعال المحرمة ، وهذا واضح .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:47 AM   #6
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

ومن الأدلة أيضا :- الأدلة الدالة على أن السحر من موبقات الآثام وكبائر الذنوب ، قال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه :- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حدثني سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ ابْنِ زَيْدٍ المدني عَنْ أَبِى الْغَيْثِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ التي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، والتولي يَوْمَ الزَّحْفِ, وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ » فإذا كان تعاطي السحر وتعلمه من السبع الموبقات ، فلا يجوز حينئذ الذهاب لمن يتعاطاه لغرض العلاج ، لأننا سنكون بذلك نعينه على ارتكاب هذه الموبقة وانظر كيف قال " والسحر " والمتقرر أن اسم الجنس إذا دخلت عليه الألف واللام فإنه يفيد العموم فيدخل في ذلك كل ما يسمى سحرا ، والسحر الثاني الذي سيعمله الساحر لحل السحر الأول داخل في عموم قوله " والسحر " فهو من الموبقات ، لأن المتقرر أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال منزل منزلة العموم في المقال ، والله المستعان .
ومن الأدلة أيضا:- أن المتقرر عند عامة أهل العلم رحمهم الله تعالى أن من ضرورات الشرع حفظ الدين، فحفظ الدين مما ينقضه بالكلية أو ينافي كماله من المقاصد الضرورية الكبيرة التي جاء بها هذا الدين العظيم ، ومن المعلوم يا إخواني أن الذهاب إلى السحرة والكهان من أعظم ما يكون خطرا على الدين ، لما هم عليه من الكفر والشرك والوثنية ، والاستعانة بالشياطين ، فإن الشياطين التي تعينهم إنما تعينهم من أجل ما يقدم لها مما تأمره به ، وأكبر شيء يأمر به الشيطان الشرك ، وقتل النفس والزنا ، والغالب أنهم لا يعالجون أحدا إلا ويأمرونه بأفعال منكرة ، وغريبة ، بل في الغالب ما تكون شركية ، أو تفضي إلى ذلك ، فالذاهب لهم لا يمكن أن يسلم مطلقا ، أعني سلامة الدين لأن أكبر مقصود للشيطان هو اختراق حاجز الدين وإتلافه في قلب العبد ، وعليه :- فهذا يقرر لنا حرمة الذهاب لهم حماية لجناب التوحيد ، ومحافظة على الدين ، وحراسة للإيمان ، الذي هو أعز وأغلى ما نملكه ونتصف به ، فلا يجوز تعريض الدين لمثل هذه الأخطار ، لأن حراسته أمانة وحمالة كبيرة ، لابد من سد كل الأبواب التي من شأنها أن تكون مؤثرة فيه نقضا أو نقصا .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر عند أهل العلم رحمهم الله تعالى وجوب سد الذرائع ، فسد الذرائع من القواعد الكبيرة التي لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار في الكلام على هذه المسألة ، وذلك لأن هؤلاء الكهان والعرافين والسحرة لابد وأن يكونوا سببا في هلاك التوحيد أو إنقاص كماله الواجب, وهم في الأعم الأغلب إنما يعتمدون على ما تخبرهم به شياطينهم من الأمور الغائبة عنهم ، ومن المتقرر شرعا أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ، فالله تعالى هو عالم الغيب وحده لا شريك ، فتصديق هؤلاء فيما يدعونه من علم الغيب موقع في الشرك الأكبر ، وفعل ما يأمرون به من الذبح لغير الله تعالى موقع في الشرك الأكبر ، ودعاء الأسماء الغريبة - والتي هي في الغالب أسماء من يعينهم من الشياطين - موجب للوقوع في الشرك الأكبر ، إلى غير ذلك من الأبواب التي تفضي إلى الوقوع في أمور الشرك ، والمتقرر أن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فوسائل الشرك شرك ووسائل الحرام حرام ، وكل وسيلة تفضي إلى الوقوع في الأمر الممنوع شرعا فهي ممنوعة شرعا وكم ، وكم من إنسان ذهب لهم ولم يرجع من دينه بشيء ، فضلا عن الفتنة بهم وبما يخبرون به فالحذر الحذر من هذه الطائفة الفاسدة الإبليسية والثلة الكاسدة الخبيثة الشيطانية .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر في الشرع حرمة التعاون على الإثم والعدوان ، كما قال تعالى وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ والذهاب لهم من أجل العلاج بالسحر هو في الحقيقة تعاون معهم على الإثم والعدوان ، لأن السحر محرم كله ، وعدوان كله, ولا يحل منه شيء ، فإقرارهم على تعاطيه وعمله ودفع المبالغ الطائلة لهم من أجل العلاج كل هذا من المحرمات ، لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر أن ما كان تحريمه مما لا تحله إلا الضرورة فإنه لا يجوز التداوي به وأما التحريم الذي تبيحه الحاجة فإنه يجوز التداوي به ، وتحريم السحر لا تحله لا ضرورة ولا حاجة فلا يجوز التداوي به من باب أولى .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر في الشريعة أن الشريعة جاءت لتقرير المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وقد قررنا لك أن الذهاب إلى السحر والكهان من الأفعال التي طفحت جوانبه من المفاسد ، ولا مصلحة فيه فيما نعلم ، وإن كان ثمة شيء من المصالح ، فإنها لا تعتبر مع تلك المفاسد الكبيرة ، فحيث كان الذهاب لهم مما كثرت مفاسده وتعددت أضراره ، فلا يكون مما يجوز لأن تجويزه تقرير لما فيه من المفاسد ، والمتقرر أن كل مفسدة فالواجب شرعا تعطيلها أو تقليها ما أمكن .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر في القواعد أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، والذاهب لهم وإن كان فيه شيء من المصلحة ، ولكن مفاسده أكثر ، فلابد من تقديم المفاسد على المصالح المرجوة من وراء الذهاب لهم .
ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر في القواعد أن المفاسد المتحققة لا تقتحم من أجل المصالح المتوهمة والذهاب لهم فيه مفاسد متحققة بمجرد الذهاب لهم ، وأما ما نرجوه منهم من المصالح فإنه متوهم فلا نجزم بحصوله ، فكيف نقتحم المفاسد الكثيرة المتحققة من أجل مراعاة مصالح لا ندري هل تتحقق أم لا ؟ هذا والله بعيد عن الفقه .

ومن الأدلة أيضا :- أن القول بجواز الذهاب إلى السحرة والكهان لحل السحر بما عندهم من علم الكهانة والسحر يتضمن إقرار وجودهم في البلد ، وإقرار بقائهم من الباطل الذي جاء الشرع بإبطاله ، فتجويز الذهاب لهم مقرر لوجودهم ، ووجودهم ممنوع شرعا ، فنتج منه أن الذهاب لهم ممنوع شرعا ، لأن المتقرر أن ما أفضى إلى الممنوع فهو ممنوع ، وما أفضى إلى إقرار ما أمر الشرع بإزالته وإعدامه فلا جرم أنه ممنوع شرعا .

ومن الأدلة أيضا :- أن الأكثر ممن ذهب إلى السحرة بقصد العلاج لم يستفد منهم إلا مجرد الأوهام والشكوك ، ولا تزال أعراضه المرضية على ما هي عليه إن لم تكن قد زادت ، وبعض المرضى قد تخف أعراضه في بادي الأمر إلا أنه في النهاية تضطرب حالته ، وتعود إلى أسوأ مما كانت عليه ، وهذا يبين لك أنهم دجاجلة أفاكون ، وجهلة مارقون ، وعفنة فاسدون تالفون ، فلا عقل ولا هداية ولا توفيق ، فضلا عن أن كثيرا ممن ذهب إليهم قد دفع سحره بسحر مماثل أو أقوى فعولج الشر بالشر ، ودفعت المفسدة بمثلها ، ودفع الضرر بالضرر ، والمتقرر في القواعد أن الضرر لا يدفع بالضرر.

ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر أن المبني على الباطل لا يكون إلا باطلا ، وأنت خبير في أن ما عند السحرة والكهان من العلم ، إنما هو بوحي شياطينهم ، وأنت تعرف أن الكذب في الشياطين كثير جدا ، لقوله " صدقك وهو كذوب " فكذبهم كثير لا يحصر ، وأما صدقهم فهو قليل ، فالكهان والسحرة يبنون وصفاتهم على ما تمليه عليهم الجن المصاحبة لهم ، فلابد وأن يكون كثير من هذه الوصفات التي يصفها الساحر أو الكاهن للمرضى قد بني على غير شيء ، وإنما بني على الدجل والكذب والخرافة ، فتكون كلها باطلة لا يجوز تعاطيها ، لأن ما بني على الباطل فهو باطل .

ومن الأدلة أيضا :- أن المتقرر في القواعد وجوب حفظ الصحة ، فالدين جاء بالاهتمام بأمر الصحة أيما اهتمام ، وكثير من هذه التدخينات والأعشاب التي يصفها الكاهن أو الساحر هي في حقيقتها خليط من أعشاب لا يدرى عن مدى تأثيره الصحي على البدن ، فبعضها قد يصيب بالأمراض المستعصية الخطيرة ، لأن الساحر ليس من أهل الاختصاص في وصف مثل هذه الأعشاب فسدا لباب فساد الصحة نقول :- لا يجوز الذهاب إلى الكهنة والسحرة للعلاج فالمتداوي عندهم قد يصدق عليه المثل القائل ( يبني قصرا ، ويهدم مصرا ) .

ومن الأدلة أيضا :- أن القول بتجويز الذهاب للسحرة للعلاج فيه فتح لباب التخفي وراء ستار نفع الناس ، ويجد الساحر لنفسه مسوغا لوجوده بين الناس ، وإن أخذ بالقول وشدد عليه قال :- أنا ممن يحل لا ممن يعقد ، أو يقول الآخر :- أنا أعمل بفتوى العالم الفلاني أو الشيخ الفلاني ، فلا يدرى بعد ذلك من المحق ومن المبطل فيختلط الحابل بالنابل ، فسدا لهذا الباب نقول :- لا يجوز الذهاب للسحرة أصلا ، لا في عقد ولا في حل .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:48 AM   #7
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

ومن الأدلة أيضا :- أن الساحر لابد له في حال حل السحر أن يتصل بالشياطين ، وهذا الاتصال بهم من قبله لابد وأن يتضمن أمرا ينافي التوحيد ، لابد من ذلك ، لأن الشياطين لا تخدم الساحر من أجل سواد عيونه ، بل تخدمه على حسب كفره وشدة إجرامه في جانب الحق والخلق ، فإن جوزنا الذهاب للساحر بقصد التداوي فإننا نجوز ضمنا هذا الاتصال ، فانظر كيف أفضت الحال بالقول بالجواز إلى القول بإقرار الاتصال الشركي ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ومن أوجه المنع أيضا:- أن القول بتجويز حل السحر بالسحر يفضي إلى تسلط الساحر على الناس في سحرهم ليضطروا له في الحل عنهم ، فيأخذ عليهم الأموال الطائلة ، قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى ( ولهذا ترى كثيرا من السحرة الفجرة في الأزمان التي لا سيف فيها يردعهم يتعمد سحر الناس ممن يحبه أو يبغضه ليضطره بذلك إلى سؤاله حله يتوصل بذلك إلى أموال الناس بالباطل فيستحوذ على أموالهم ودينهم نسأل الله تعالى العافية ) فلابد من سد هذا الباب السد المنيع ، ولا يتأتى هذا إلا بالقول بمنع الذهاب لهم المنع المطلق ، وهو الحق الذي لا يجوز القول بغيره في هذه المسألة .

ومن الأوجه أيضا :- أن النبي صلى الله علبه وسلم قد وصف هذا العمل بأنه من عمل الشيطان وذلك في قوله لما سئل عن النشرة قال " هي من عمل الشيطان " وهذا أبلغ من مجرد النهي عنها فهي من عمل الشيطان ، وما كان من عمل الشيطان فإنه لا يكون إلا ممنوعا ، فكيف تطيب النفس بتجويز شيء من عمل الشيطان ؟ فالله المستعان .

ومن الأوجه أيضا :- أن القول بتجويز حل السحر بالسحر فيه فتح لباب تعلم السحر ، لأن ثمة من سيتعلمه بهذا القصد ، فيفضي هذا إلى كثرة الشر وانتشار الشرك ، وإضلال الناس بحجة الاستشفاء فينفتح باب السحر ، وتظهر قرون الوثنية ، ويفرخ الشيطان في عقول الناس وقلوبهم وتكون له السيطرة ، ويحتل منصب القوة على بني آدم ، فالشريعة قد أغلقت باب السحر ، ومن ذلك إغلاق باب تعلمه ، والقول بتجويز حل السحر بالسحر مما ينفتح به هذا الباب ، فلابد من سد بابه بمنع تعلمه مطلقا ، ولو كان يراد به نفع الناس بحل السحر عنهم .

ومن الأوجه أيضا :- أن المتقرر أن سلامة المقاصد لا تسوغ الوقوع في المخالفات ، فالذهاب لهم وإن لم يقصد به صاحبه إلا نفع نفسه بالعافية ، ولا يريد به إضرار أحد ، والساحر وإن نوى نفع هذا المريض ، إلا أن ذلك كله لا يسوغ الوقوع في المخالفات ، فالسحر حكمه التحريم ، بغض النظر عن مقاصد تعليمه وعمله ، ولا يجوز لأحد أن يترخص في الذهاب إلى السحرة والكهان بحجة أن قصده سليم ، لما قررناه لك .

ومن الأدلة أيضا:- أن المتقرر في قواعد الشرع أن كل من اتخذ سببا لم يدل عليه شرع ولا قدر فقد أشرك الشرك الأصغر ، وإن اعتقده الفاعل بذاته فشرك أكبر ، والمعالجة التي ستتم عند الساحر كثير منها يكون فيه اختراع علاجات لم يثبت الدليل الشرعي ولا الدليل القدري أنها نافعة ، فضلا عن أن كثيرا من هذه الأدوية التي يصنعها هي أصلا في ذاتها لا تجوز شرعا لما اشتملت عليه من الضرر الديني والبدني ، فهي في حقيقتها اختراع أسباب لم يأت بها الشرع ولا تثبتها التجربة ، بل الشرع جاء بإبطالها ، وندب إلى محاربتها لما فيها من الضرر العظيم والمفاسد الكبيرة ، والعوائد الخطيرة على الفرد والمجتمع في أبدانهم وأديانهم ، فهي من اتخاذ الأسباب بلا دليل شرعي ولا قدر مرعي ، فهي من الشرك الأصغر إلا في حق من اعتقد أنها الفاعلة بذاتها فتكون في حقه من الشرك الأكبر ، فالواجب سدها ومحاربتها ، وهذا لا يتأتى مع القول بتجويز الذهاب إلى السحرة والكهان بل لا يتأتى إلا مع القول بتحريم حل السحر بالسحر ، ولو تأملت هذا الوجه من الاستدلال لوجدته قويا في ترجيح التحريم ، فالذهاب إلى السحرة ليس من الأسباب المعتبرة في الشرع في العلاج ، بل هو مما جاءت الشريعة بصد بابه ، والله أعلم .

ومن الأدلة أيضا:- ما رواه الحاكم في المستدرك عن الحسن قال : سألت أنس بن مالك عن النشرة فقال : ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنها من عمل الشيطان " وقال :- هذا حديث صحيح و أبو رجاء هو مطر الوراق و لم يخرجاه ، وقال الذهبي في التلخيص : صحيح ، والنشرة على القول الصحيح هي حل السحر بالسحر, فبان لك بذلك القول الصحيح الحق في هذه المسألة وأن حل السحر بالسحر لا يجوز ، وأنه من النشرة الشيطانية ، وأنه دل على منعه الكتاب والسنة وقواعد الشرع ، والمعقول الصريح ، والله أسأل أن يشرح صدورنا للحق الموافق للكتاب والسنة .

( فصــل )
وقد استند من قال بالجواز بأدلة لا تصلح أن تكون دليلا أصلا ، ومن باب الفائدة أذكرها لك مع بيان الجواب عليها ، فأقول وبالله التوفيق ومنه أستمد العون والتأييد :-

مما استدل به القائلون بالجواز ثبوت الخلاف في المسألة ، وهذا من أعجب ما استدلوا به ، قالوا:- المسألة خلافية ، والخلاف رحمة للأمة ، وفيه توسعة عليها، وهذا باطل ، لأن المتقرر أنه يجب علينا رد الأمور المتنازع فيها للكتاب والسنة ، لنعرف وجه الحق فيها على ضوء دراسة الأدلة ، قال تعالى  وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ  وقال تعالى  فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً  فليس وجود الخلاف في المسألة بمسوغ لأن تأخذ من الأقوال ما يحلو لك ، بل لابد من النظر في الأدلة ، والمقارنة بين الحجاج وقد رأيت أن أدلة الكتاب والسنة والقواعد الشرعية والمعقول الصريح كلها تدل على أنه لا يجوز الذهاب للسحرة والكهان ، وهذه المسألة في الحقيقة وإن لم تكن من مسائل الإجماع إلا أنه لابد وأن ينكر فيها على المخالف لأن الدليل ناصر أحد القولين نصرا ظاهرا ، والمسائل الخلافية إذا كان الدليل فيها ينصر أحد القولين نصرا ظاهرا ، فالواجب هو الأخذ بمقتضى الدليل وترك ما خالفه وهذا متقرر عند أهل الحق ، ولكن تأبى بعض النفوس إلا الانسياق وراء شهواتها وما تريد ، والله المستعان .

ومما قالوه :- إن بعض السلف أجاز حل السحر بالسحر ، فقد روي عن الحسن أنه قال ( لا يحل السحر إلا ساحر ) وفي البخاري عن قتادة: قلت لابن المسيب: رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر؟ قال ( لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه ) وهو أقوى ما استدلوا به ، وأقول :- إن الطامة الكبرى أن يفسر كلام السلف على غير مرادهم ، فأما قول الحسن فإنه يريد به التحذير من النشرة الشيطانية ، وإنما يريد بيان أن السحر عقد من الشيطان, ولا يقدر على حلها إلا من هو ساحر مثله ، ففيه التحذير من الذهاب إلى السحرة ، وليس فيه إقرار الذهاب ، فالحسن هنا إنما يتكلم عن النشرة التي تتضمن حل السحر بسحر مثله ، ولم يقل :- بما أنه لا يحل السحر إلا ساحر فاذهبوا للسحرة ، هو لم يقل هذا ، وإنما أثبت أن الأمور السحرية أمور خفية شيطانية فلا يكاد يعرف حلها إلا من هو ساحر يعرف هذه الأمور ، وأما قول ابن المسيب فإنه إنما يريد النشرة الجائزة ، وهي حل السحر بالأدوية المباحة والتعويذات الجائزة ، والرقى النافعة المشروعة ، فهو يقرر جواز النشرة المباحة المشروعة ، وبالجملة فهي نشرتان :- نشرة سحرية شيطانية شركية ، وهي التي حذر منها الحسن رحمه الله تعالى ، ونشرة مباحة شرعية ، وهي النشرة التي رغب فيها ابن المسيب ، والمتقرر أن حمل كلام السلف الصالح على ما يتوافق مع دلالة الكتاب والسنة أولى من حمله على ما يتعارض مع دلالتهما ، لاسيما وإن كان من أئمة السلف كالحسن وابن المسيب ، ففي الحقيقة أن كلام الحسن وابن المسيب متفق مع ما قررته الأدلة من منع حل السحر بالسحر ، فلا دليل في كلامهما على ما يريده من قال بجواز حل السحر بالسحر ، وإنما هو شيء توهموه فقط ، قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ( قوله " قال ابن المسيب : لا بأس به" محمول على الحل الذي لا بأس به وهو الحل بالرقية والتعوذات والأشياء المباحة فهذا من باب الإصلاح والإصلاح مأمور به والمنكر منهي عنه ) وقال رحمه الله تعالى ( قوله "وروي عن الحسن أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر" أي لا يحل السحر بالطرق الشيطانية إلا ساحر وأما حله بالطرق الإيمانية والشرعية فهذا يحلّه أهل العلم والبصائر والخبرة والتجارب فيحلونه بأنواع من الأدوية والتعوذات والقراءة فيحل عن المسحور ما به كما حل عن النبي صلى الله عليه السحر بقراءة المعوذتين ) وقال الشيخ صالح آل الشيخ في بيان في شرحه لباب ما جاء في النشرة من كتاب التوحيد ( ومناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة ، وهي أنه كما أن السحر شرك بالله - جل وعلا - يقدح في أصل التوحيد ، وأن الساحر مشرك الشرك الأكبر بالله ، فالنشرة التي هي حلّ السحر قد تكون من ساحر، وقد تكون من غير ساحر بالأدوية المأذون بها ، أو الأدعية ونحو ذلك فإذا كان من ساحر فإنها مناقضة لأصل التوحيد ، ومنافية لأصله، فالمناسبة ظاهرة في الصلة بين هذا الباب وباب ما جاء في السحر ، وكذا مناسبتها لكتاب التوحيد؛ لأن كثيرين ممن يستعملون النشرة يشركون بالله جل وعلا. والنشرة قسمان: نشرة جائزة، ونشرة ممنوعة. فالنشرة الجائزة: هي ما كانت بالقرآن، أو بالأدعية المعروفة، أو بالأدوية عند الأطباء، ونحو ذلك، فإن السحر يكون عن طريق الجن -كما تقدم- ويحصل منه -حقيقةً- إمراض في البدن، وتغيير في العقل والفهم، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يُعالج بالمضادات التي تزيل ذلك السحر، فمما يزيله القرآن الكريم، والقرآن هو أعظم ما ينفع في إزالة السحر، وكذلك الأدعية، والأوراد، ونحو ذلك مما هو معروف من الرقى الشرعية) وقال حفظه الله تعالى في بيان قول ابن المسيب ( يريد ابن المسيب بذلك ما ينفع من النشرة بالتعوذات ، والأدعية ، والقرآن ، والدواء المباح ، ونحو ذلك ، أما النشرة التي هي بالسحر فابن المسيب أرفع من أن يقول إنها جائزة ، ولم ينه عنها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول « هي من عمل الشيطان » لهذا قال " لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح ، فأما ما ينفع فلم ينه عنه " يعني : من الأدوية المباحة ، ومن الرقى ، والتعوذات الشرعية ، وقراءة القرآن ، ونحو ذلك ، فهذا لم ينه عنه ، بل أذن فيه ) وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله تعالى (قلت : قول العلامة ابن القيم والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والأدوية المباحة فهو جائز يشير رحمه الله إلى مثل هذا وعليه يحمل كلام من أجاز النشرة من العلماء ، والحاصل : أن ما كان منه بالسحر فيحرم وما كان بالقرآن والدعوات والأدوية المباحة فجائز ) فانظر كيف حمل الشيخ رحمه الله تعالى كلام من أجاز النشرة من العلماء على النشرة الشرعية لا النشرة الشيطانية ، ففي الحقيق إن كلام ابن المسيب وكلام الحسن فيه رد على من قال بجواز الذهاب إلى السحرة والكهان .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:48 AM   #8
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

ومما قالوه أيضا :- إن حل السحر بالسحر قد تدعو إليه الضرورة ، ونقول :- إن بعض العلماء من أتباع المذاهب يرى جواز حل السحر بمثله إذا كان للضرورة ، كما قال فقهاء مذهب الإمام أحمد في بعض كتبهم ( ويجوز حل سحر بمثله ضرورة) وهذا القول ليس بصواب ، بل هو غلط ؛ لأن الضرورة لا تكون جائزة ببذل الدين والتوحيد عوضا عنها ، ومعروف أن الضروريات الخمس التي جاءت بها الشرائع أولها : حفظ الدين ، وغيره أدنى منه مرتبة - ولا شك - فلا يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى ، وضرورة الحفاظ على النفس وإن كانت من الضروريات الخمس ، لكنها دون حفظ الدين مرتبة ؛ ولهذا لا يقدم ما هو أدنى على ما هو أعلى ، أو أن يبذل ما هو أعلى لتحصيل ما هو أدنى من الضروريات الخمس ، والأنفس لا يجوز حفظها بالشرك ، ولأن يموت المرء وهو على التوحيد خير له من أن يعافى وقد أشرك بالله - جل وعلا- لأن السحر لا يكون إلا بشرك ، والذي يأتي الساحر ويطلب منه حل السحر ، فقد رضي قوله وعمله ، ورضي أن يعمل به ذاك ، ورضي أن يشرك ذاك بالله لأجل منفعته ، وهذا غير جائز ، فتحصل من هذا أن السحر نشرا ووقوعا لا يكون إلا بالشرك الأكبر بالله - جل وعلا- وعليه فلا يجوز أن يحل لا من جهة الضرورة ، ولا من جهة غير الضرورة من باب أولى بسحر مثله ، بل يحل وينشر بالرقى الشرعية بل إن المتقرر أن الضرورة لا تتحقق إلا إن انسد الباب في وجه العبد الانسداد الكامل فلم يجد بدا ولا مساغا من تعاطي هذا الأمر ، وأنت خبير في أن حل السحر له بابه المفتوح شرعا ، وذلك يكون باستخراج السحر وإبطاله ، أو بالرقى الشرعية وبكثرة الدعاء ، أو بالحجامة في موضع الألم فلا تدعو الحاجة أصلا إلى الذهاب إلى الطرق المحرمة ، فضلا عن دعوى الضرورة ، فالطرق الشرعية بابها مفتوح ، لكنها تحتاج إلى طول نفس وصبر وحسن ظن بالله تعالى وكمال توكل عليه فالله تعالى لم يحوجنا في أمور علاجنا إلى طرق الأبواب المحرمة ، بل قد فتح لنا من أبواب العلاج النافع ، والدواء الشافي ما فيه الغنية الكاملة عن التقحم فيما يعود على العبد ضرره في العاجل والآجل ، فدعوى الضرورة إلى الذهاب للساحر دعوى فجة ، لا يسندها دليل النقل ولا دليل الواقع ، ولله الحمد ، مع أن ابن تيمية وغيره من علماء التحقيق قد قرروا أن الأمور العلاجية لا تدخل في باب الضرورات ، مهما كان علاجها نافعا ، والله أعلم .

ومما قالوه أيضا :- أن بعض العلماء قد أجاز الذهاب إلى السحرة لحل السحر ، وأقول :- إن المتقرر أن كلام العالم لابد وأن يوزن بموافقته للكتاب والسنة ، أي إن كلام العالم لا يكون كلاما مقبولا إلا إن كان موافقا لدليل الوحي ، وأما إن كان معارضا للدليل ومخالفا له فإنه لا قبول له فالحق يعرف بموافقة الدليل لا بموافقة قول العالم الفلاني ، والمتقرر أن كلاً يؤخذ من قوله ويترك إلا قول الشارع ، والمتقرر أن كلام أهل العلم إنما يستدل له ، ولا يستدل به ، فضلا عن وقوع الخلط في فهم كلام العالم أصلا ، أو التقول على العالم ما لم يقله ، والمقصود أن إفتاء بعض أهل العلم بجواز حل السحر بالسحر ليس بحجة على الشرع ، بل الشرع هو الحجة على كل أحد، وهذه من أضعف الحجج لأنها معارضة بمثلها ، لأننا سنقول :- وهناك كم هائل من العلماء حرموا حل السحر بالسحر ، لكن تبقى لنا الأدلة الدالة على حرمة هذه المسألة سليمة من أي اعتراض .

ومما قالوه :- إن حل السحر بالسحر فيه مصلحة للمسحور، فنقول :- بئس الكلام هذا ، فإن هذه المصلحة تعارضها مفاسد كثيرة ، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأن هذا رأي في مقابلة النص ، والمتقرر أنه لا رأي ولا اجتهاد مع النص ، ولأنه اعتبار لما ألغاه الشرع ، والمتقرر أن اعتبار ما ألغاه باطل ، كإلغاء ما اعتبره تماما ، ولأنه قياس في مقابلة النص ، والمتقرر أن القياس في مقابلة النص باطل . وهذا خلاصة ما قالوه في هذه المسألة ، وأنت ترى أنه ليس فيه كبير شيء, فلا أدري في الحقيقة كيف قيل هذا في الأمة ، ولكنه قيل ، وعلى كل حال ، فالقول الصحيح ، بل الحق الذي لا مرية فيه هو حرمة حل السحر بالسحر كما بينته لك بالأدلة ، والله يتولانا وإياك .

(فصــل)
قال أبو العباس رحمه الله تعالى ( وَأَمَّا مُعَالَجَةُ الْمَصْرُوعِ بِالرُّقَى وَالتَّعَوُّذَاتِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ : فَإِنْ كَانَتْ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ مِمَّا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا وَمِمَّا يَجُوزُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا الرَّجُلُ دَاعِيًا اللَّهَ ذَاكِرًا لَهُ وَمُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْقَى بِهَا الْمَصْرُوعُ وَيُعَوَّذَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ** أَنَّهُ أَذِنَ فِي الرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا ** وَقَالَ ** مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ** وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ كَلِمَاتٌ مُحَرَّمَةٌ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شِرْكٌ أَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْمَعْنَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كُفْرٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَ بِهَا وَلَا يُعَزِّمَ وَلَا يُقْسِمَ وَإِنْ كَانَ الْجِنِّيُّ قَدْ يَنْصَرِفُ عَنْ الْمَصْرُوعِ بِهَا فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ كَالسِّيمَا وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَإِنَّ السَّاحِرَ السيماوي وَإِنْ كَانَ يَنَالُ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ كَمَا يَنَالُ السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْكَاذِبُ بِكَذِبِهِ وَبِالْخِيَانَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْمُشْرِكُ بِشِرْكِهِ وَكُفْرِهِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ نَالُوا بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ بِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّهَا تَعْقُبُهُمْ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِمَّا حَصَّلُوهُ مِنْ أَغْرَاضِهِمْ , فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ الرُّسُلَ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَمَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَتِهِ وَمَنْفَعَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى الْمَضَرَّةِ , وَإِنْ كَرِهَتْهُ النُّفُوسُ , كَمَا قَالَ تَعَالَى  كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ  الْآيَةَ . فَأَمَرَ بِالْجِهَادِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ لَكِنَّ مَصْلَحَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ مِنْ أَلَمِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْرَبُ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ لِتَحْصُلَ لَهُ الْعَافِيَةُ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ حُصُولِ الْعَافِيَةِ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى أَلَمِ شُرْبِ الدَّوَاءِ . وَكَذَلِكَ التَّاجِرُ الَّذِي يَتَغَرَّبُ عَنْ وَطَنِهِ وَيَسْهَرُ وَيَخَافُ وَيَتَحَمَّلُ هَذِهِ الْمَكْرُوهَاتِ مَصْلَحَةُ الرِّبْحِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَكَارِهِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ** حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ** وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ السَّاحِرِ  وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى  وَقَالَ تَعَالَى  وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ  إلَى قَوْلِهِ  وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ  فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ السَّاحِرَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ , وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ فِي الدُّنْيَا  وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ  آمَنُوا وَاتَّقَوْا بِفِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَكَانَ مَا يَأْتِيهِمْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُمْ بِالسِّحْرِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى  إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ  وَقَالَ  مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  وَقَالَ  وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً  الْآيَتَيْنِ . وَقَالَ  وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ , أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا  وَالْأَحَادِيثُ فِيمَا يُثِيبُ اللَّهُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ ضَرَرٍ بِمَا شَاءَ وَلَا يَجْلِبُ كُلَّ نَفْعٍ بِمَا شَاءَ بَلْ لَا يَجْلِبُ النَّفْعَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ وَلَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ فَإِنْ كَانَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالْأَقْسَامِ وَالدُّعَاءِ وَالْخَلْوَةِ وَالسَّهَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ , فَمَنْ كَذَّبَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالسِّحْرِ وَمَا يَأْتُونَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ - كَدُعَاءِ الْكَوَاكِبِ وَتَخْرِيجِ الْقُوَى الْفَعَّالَةِ السَّمَاوِيَّةِ بِالْقُوَى الْمُنْفَعِلَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ الشَّيَاطِينِ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ فَالشَّيَاطِينُ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ وَيُسَمُّونَهَا رُوحَانِيَّةَ الْكَوَاكِبِ - وَأَنْكَرُوا دُخُولَ الْجِنِّ فِي أَبْدَانِ الْإِنْسِ وَحُضُورَهَا بِمَا يَسْتَحْضِرُونَ بِهِ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالْأَقْسَامِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فَقَدْ كَذَّبَ بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمًا وَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ بِمَا رَآهُ مُؤَثِّرًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِنَ ذَلِكَ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ فَيَفْعَلُ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إمَّا مِنْ الْكُفْرِ وَإِمَّا مِنْ الْفُسُوقِ وَإِمَّا الْعِصْيَانِ بَلْ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيَتْرُكَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَمِمَّا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّعَوُّذِ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ ** مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ , وَلَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ ** وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ ** أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ ** وَلَمَّا جَاءَتْهُ الشَّيَاطِينُ بِلَهَبٍ مِنْ نَارٍ أَمَرَ بِهَذَا التَّعَوُّذِ ** أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ ** فَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ الَّتِي يَقُولُهَا الْعَبْدُ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى وَإِذَا نَامَ وَإِذَا خَافَ شَيْئًا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ مَا فِيهِ بَلَاغٌ , فَمَنْ سَلَكَ مِثْلَ هَذِهِ السَّبِيلِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَمَنْ دَخَلَ فِي سَبِيلِ أَهْلِ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الدَّاخِلَةِ فِي الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ فَقَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَبِذَلِكَ ذَمَّ اللَّهُ مَنْ ذَمَّهُ مِنْ مُبَدِّلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ  وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ , وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى  إلَى قَوْلِهِ  وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ  وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ) .
وسئلت اللجنة الدائمة في المملكة عن رجل تزوج امرأة وهي في غاية المودة وصادق المحبة وبعد مدة أبغضته بغضة شديدة بلا سبب، وقد قيل: إن هذا من فعل السحرة، وجاءه بعض الناس وأمره أن يذهب إلى شخص أرضي يعمل هذا العمل لكي يتغلب على ما مكروا فيه، وقال: إن هذا يعتبر دفاعا ولحفظ زوجته، ومع الضرورة تباح المحذورات وتوقف الرجل؛ لأنه يعتقد ذلك كفرا، فهل للرجل أن يدافع بالسحر لفك السحر إذا ابتلي به أم يسلم الأمر ويصبر، وهل يعد الدفاع رد كيد للاعتداء أم يعد كفرا؟ فأجابوا بقولهم ( لا يجوز لك أن تذهب إلى ساحر من أجل أن يحل السحر الذي تجده في نفسك بسحر مثله؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له " رواه الطبراني عن عمران بن حصين قال المناوي : إسناده جيد، ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن النشرة " هي من عمل الشيطان " رواه الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد والنشرة: هي حل السحر عن المسحور بالسحر. ويوجد من الأدعية والأدوية المشروعة ما فيه كفاية ) وقالت اللجنة الدائمة ( تعاطي السحر حرام، بل كفر أكبر فلا يجوز أن يستعمل السحر لإبطال السحر، ولكن يعالج المبتلى بالسحر بالرقى والأدعية الشرعية الواردة في القرآن والثابتة في السنة ) وقالوا أيضا ( فك السحر بالسحر لا يجوز، وإتيان الكهان أو إحضارهم عند المسحور لفك ما به من سحر لا يجوز، وتعليق الحجب والتمائم لذلك لا يجوز، ولو ترتب على ما ذكر فك السحر أحيانا، ولكن يرقى المسحور بتلاوة القرآن عليه كسورة ( الفاتحة ) و ( آية الكرسي ) و ( قل هو الله أحد ) و ( المعوذتين ) ونحوها من سور القرآن وآياته، وكذلك يرقى بالأدعية والأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله :- اللهم رب الناس، أزل الباس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما ، ومثل قوله :- بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ويكرر ذلك (ثلاث مرات) لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ونوصيك بالرجوع إلى كتاب [الأذكار] للنووي ، وكتاب [الكلم الطيب] لابن تيمية وكتاب [الوابل الصيب] لابن قيم الجوزية وباب ما جاء بالنشرة في [كتاب التوحيد] و [فتح المجيد] وقد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سحر ثم شفاه الله من ذلك ) وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ( والمقصود : أن السحرة شرهم عظيم , ولهذا يجب أن يقتلوا ، فولي الأمر إذا عرف أنهم سحرة ، وثبت لديه ذلك بالبينة الشرعية وجب عليه قتلهم , صيانة للمجتمع من شرهم وفسادهم ومن أصيب بالسحر ليس له إن يتداوى بالسحر ، فإن الشر لا يزال بالشر ، والكفر لا يزال بالكفر وإنما يزال الشر بالخير , ولهذا لما سئل عليه الصلاة والسلام عن النشرة قال "هي من عمل الشيطان" والنشرة المذكورة في الحديث : هي حل السحر عن المسحور بالسحر ، أما إن كان بالقرآن الكريم والأدوية المباحة والرقية الطيبة فهذا لا بأس به ، وأما بالسحر فلا يجوز كما تقدم , لأن السحر عبادة للشياطين ، فالساحر إنما يسحر ويعرف السحر بعد عبادته للشياطين ، وبعد خدمته للشياطين وتقربه إليهم بما يريدون ، وبعد ذلك يعلمونه ما يحصل به السحر ، لكن لا مانع والحمد لله من علاج المسحور بالقراءة وبالتعوذات الشرعية ، بالأدوية المباحة ، كما يعالج المريض من أنواع المرض من جهة الأطباء ، وليس من اللازم أن يشفى , لأنه ما كل مريض يشفى ، فقد يعالج المريض فيشفى إذا كان الأجل مؤخرا ، وقد لا يشفى ويموت في هذا المرض ، ولو عرض على أحذق الأطباء وأعلم الأطباء لأنه متى نزل الأجل لم ينفع الدواء ولا العلاج, لقول الله تعالى  وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا  وإنما ينفع الطب وينفع الدواء إذا لم يحضر الأجل وقدر الله للعبد الشفاء كذلك هذا الذي أصيب بالسحر قد يكتب الله له الشفاء ، وقد لا يكتب له الشفاء . ابتلاء وامتحانا ، وقد يكون لأسباب أخرى الله يعلمها جل وعلا ، منها : أنه قد يكون الذي عالجه ليس عنده العلاج المناسب لهذا الداء ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل " وقال عليه الصلاة والسلام " ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " ومن العلاج الشرعي : أن يعالج السحر بالقراءة فالمسحور يقرأ عليه أعظم سورة في القرآن : وهي الفاتحة ، تكرر عليه ، فإذا قرأها القارئ الصالح المؤمن الذي يعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره ، وأنه سبحانه وتعالى مصرف الأمور ، وأنه متى قال للشيء : كن فإنه يكون ، فإذا صدرت القراءة عن إيمان ، وعن تقوى ، وعن إخلاص ، وكرر ذلك القارئ فقد يزول السحر ويشفى صاحبه بإذن الله ، وقد مر بعض الصحابة رضي الله عنهم على بادية قد لدغ شيخهم ، يعني : أميرهم ، وقد فعلوا كل شيء ولم ينفعه ، فقالوا لبعض الصحابة : هل فيكم من راق؟ قالوا : نعم . فقرأ عليه أحدهم سورة الفاتحة ، فقام كأنما نشط من عقال في الحال ، وعافاه الله من شر لدغة الحية , والنبي عليه الصلاة والسلام قال : لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا وقد رقى ورقي عليه الصلاة والسلام ، فالرقية فيها خير كثير ، وفيها نفع عظيم فإذا قرئ على المسحور بالفاتحة ، وبآية الكرسي ، وبقل هو الله أحد ، والمعوذتين ، أو بغيرها من الآيات ، مع الدعوات الطيبة الواردة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لما رقى بعض المرضى : اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ، يكرر ذلك ثلاث مرات أو أكثر ، ومثل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام رقاه صلى الله عليه وسلم بقوله بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ثلاث مرات فهذه رقية عظيمة وثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يشرع أن يرقى بها اللديغ والمسحور والمريض ، ولا بأس أن يرقى المريض والمسحور واللديغ بالدعوات الطيبة ، وإن لم تكن منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن فيها محذور شرعا , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا وقد يعافي الله المريض والمسحور وغيرهما بغير الرقية وبغير أسباب من الإنسان؛ لأنه سبحانه هو القادر على كل شيء ، وله الحكمة البالغة في كل شيء ، وقد قال سبحانه في كتابه الكريم  إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  فله سبحانه الحمد والشكر على كل ما يقضيه ويقدره ، وله الحكمة البالغة في كل شيء عز وجل وقد لا يشفى المريض , لأنه قد تم أجله وقدر موته بهذا المرض , ومما يستعمل في الرقية آيات السحر تقرأ في الماء ، وهي آيات السحر في الأعراف ، وهي قوله تعالى  وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ  وفي يونس وهي قوله تعالى  وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ  إلى قوله جل وعلا  وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ  وكذلك آيات طه  قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى  إلى قوله سبحانه  وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى  وهذه الآيات مما ينفع الله بها في رقية السحر ، وإن قرأ القارئ هذه الآيات في الماء وقرأ معها سورة الفاتحة ، وآية الكرسي ، وبقل هو الله أحد والمعوذتين في ماء ثم صبه على من يظن أنه مسحور ، أو محبوس عن زوجته فإنه يشفى بإذن الله, إن وضع في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان مناسبا ، كما ذكر ذلك الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في (فتح المجيد) عن بعض أهل العلم في باب (ما جاء في النشرة) ويستحب أن يكرر قراءة السور الثلاث ، وهي : (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ثلاث مرات, والمقصود : أن هذه الأدوية وما أشبهها هي مما يعالج به هذا البلاء وهو السحر ، ويعالج به أيضا من حبر عن زوجته ، وقد جرب ذلك كثيرا فنفع الله به ، وقد يعالج بالفاتحة وحدها فيشفى ، وقد يعالج بقل هو الله أحد والمعوذتين وحدها ويشفى , ومن المهم جدا أن يكون المعالج والمعالج عندهما إيمان صادق ، وعندهما ثقة بالله ، وعلم بأنه سبحانه مصرف الأمور وأنه متى شاء شيئا كان ، وإذا لم يشأ لم يكن سبحانه وتعالى ، فالأمر بيده جل وعلا ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فعند الإيمان وعند الصدق مع الله من القارئ والمقروء عليه يزول المرض بإذن الله وبسرعة ، وتنفع الأدوية الحسية والمعنوية . نسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يرضيه ، إنه سميع قريب ) وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى عن حكم حل السحر عن المسحور "النشرة"؟ فأجاب قائلًا ( حل السحر عن المسحور " النشرة " الأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين:

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 19-12-2008, 10:49 AM   #9
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

القسم الأول : أن تكون بالقرآن الكريم ، والأدعية الشرعية ، والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها لما فيها من المصلحة وعدم المفسدة ، بل ربما تكون مطلوبة ؛ لأنها مصلحة بلا مضرة.
القسم الثاني : إذا كانت النشرة بشيء محرم كنقض السحر بسحر مثله فهذا موضع خلاف بين أهل العلم: فمن العلماء من أجازه للضرورة, ومنهم من منعه, لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال " هي من عمل الشيطان " وإسناده جيد رواه أبو داود ، وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرمًا ، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله - سبحانه وتعالى - بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره والله سبحانه وتعالى يقول  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  ويقول الله تعالى  أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ  والله الموفق ) وقال الشيخ صالح بن فوزان حفظه الله تعالى ( أما قضية حل السحر بسحر مثله فقد نص كثير من العلماء على أن ذلك لا يجوز، لأن التداوي إنما يكون بالحلال والمباح، ولم يجعل الله شفاء المسلمين فيما حرم عليهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " تداووا ولا تداووا بحرام " وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " ومن أعظم المحرمات السحر فلا يجوز التداوي به ولا حل السحر به، وإنما السحر يحل بالأدوية المباحة وبالآيات القرآنية والأدعية المأثورة هذا الذي يجوز حل السحر به, وأما حله بسحر مثله فهذا هو النشرة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم " إنها من عمل الشيطان " وقال الحسن " لا يحل السحر إلا ساحر " ومنع منها كثير من العلماء ) .
وهذا آخر ما أردنا تحريره في هذه العجالة ، في بيان حكم هذه المسألة الخطيرة التي كثر حولها الجدل ، وأسأله جل وعلا أن يفقهنا وإياكم في ديننا وأن يعلمنا وإياكم ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ، وقد كتبت هذه الوريقات على عجلة من الأمر ، فإن وجدت فيها ما ينفعك فالوصية لك أن تدعو لجامعها بالمغفرة ، وإن تجد عيبا فسد الخللا ، فجل من لا عيب فيه وعلا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وقد فرغت منها قبيل الفجر ليلة الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة عام تسع وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 01:22 AM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com