اليك أختي الفاضلة مقتطفات من باب في أحكام الحيض والنفاس لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزانباب في أحكام الحيض والنفاس
أولا : الحيض وأحكامه
قال الله تعالى : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ .
والحيض هو دم طبيعة وجبلة ، يخرج من قعر الرحم في أوقات معلومة ، خلقه الله لحكمة غذاء الولد في بطن أمه لافتقاره إلى الغذاء ، إذ لو شاركها في غذائها لضعفت قواها ، فجعل الله له هذا الغذاء ؛ لذلك قل أن تحيض الحامل ، فإذا ولدت قلبه الله لبنا يدر من ثدييها ؛ ليتغذى به ولدها ، ولذلك قل أن تحيض المرضع ، فإذا خلت المرأة من حمل ورضاع بقي لا مصرف له ؛ ليستقر في مكان من رحمها ، ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام ، وقد يزيد عن ذلك أو يقل ، ويطول شهر المرأة ويقصر حسبما ركبه الله من الطباع .
وللحائض خلال حيضها وعند نهايته أحكام مفصلة في الكتاب والسنة :
من هذه الأحكام أن الحائض لا تصلي ولا تصوم حال حيضها ، قال عليه الصلاة والسلام لفاطمة بنت أبي حبيش : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، فلو صامت الحائض أو صلت حال حيضها لم يصح لها صوم ولا صلاة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاها عن ذلك والنهي يقتضي عدم الصحة ، بل تكون بذلك عاصية لله ولرسوله .
- فإذا طهرت من حيضها فإنها تقضي الصوم دون الصلاة بإجماع أهل العلم ، قالت عائشة رضي الله عنها : كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكنا نؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، متفق عليه .
- ومن أحكام الحائض أنها لا يجوز لها أن تطوف بالبيت ، ولا تقرأ القرآن ، ولا تجلس في المسجد ، ويحرم على زوجها وطؤها في الفرج حتى ينقطع حيضها وتغتسل ، قال تعالى : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ، ومعنى الاعتزال : ترك الوطء ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : اصنعوا كل شيء إلا النكاح ، رواه الجماعة إلا البخاري ، وفي لفظ : " إلا الجماع " .
- ويجوز لزوج الحائض أن يستمتع منها بغير الجماع في الفرج كالقبلة واللمس ونحو ذلك .
- ولا يجوز لزوجها أن يطلقها وهي حائض ، قال تعالى : يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ، أي : طاهرات من غير جماع ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من طلق امرأته وهي حائض أن يراجعها ثم يطلقها حال طهرها إن أراد .
والطهر هو انقطاع الدم ، فإذا انقطع دمها فقد طهرت ، وانتهت فترة حيضها ، فيجب عليها الاغتسال ، ثم تزاول ما منعت منه بسبب الحيض ، وإن رأت بعد الطهر كدرة أو صفرة لم تلتفت إليها لقول أم عطية رضي الله عنها : " كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا " ، رواه أبو داود وغيره وله حكم الرفع لأنه تقرير منه صلى الله عليه وسلم .
تنبيه هام :
إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس لزمها أن تصلي الظهر والعصر من هذا اليوم ، ومن طهرت منهما قبل طلوع الفجر لزمها أن تصلي المغرب والعشاء من هذه الليلة ؛ لأن وقت الصلاة الثانية وقت للصلاة الأولى في حال العذر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى " ( 22 / 434 ) : " ولهذا كان جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد إذا طهرت الحائض في آخر النهار صلت الظهر والعصر جميعا ، وإذا طهرت في آخر الليل صلت المغرب والعشاء جميعا ، كما نقل ذلك عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وابن عباس ؛ لأن الوقت مشترك بين الصلاتين في حال العذر ، فإذا طهرت في آخر النهار فوقت الظهر باق ، فتصليها قبل العصر ، وإذا طهرت في آخر الليل فوقت المغرب باق في حال العذر ، فتصليها قبل العشاء " انتهى .
وأما إذا دخل عليها وقت صلاة ، ثم حاضت أو نفست قبل أن تصلي ، فالقول الراجح أنه لا يلزمها قضاء تلك الصلاة التي أدركت أول وقتها ، ثم حاضت أو نفست قبل أن تصليها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (23 / 335) في هذه المسألة : " والأظهر في الدليل مذهب أبي حنيفة ومالك أنها لا يلزمها شيء ؛ لأن القضاء إنما يجب بأمر جديد ، ولا أمر هنا يلزمها بالقضاء ، ولأنها أخرت تأخيرا جائزا ، فهي غير مفرطة ، وأما النائم أو الناسي ، وإن كان غير مفرط أيضا ، فإن ما يفعله ليس قضاء ، بل ذلك وقت الصلاة في حقه حين يستيقظ ويذكر " انتهى .
ثانيا : الاستحاضة وأحكامها
الاستحاضة : سيلان الدم في غير وقته على سبيل النزيف من عرق يسمى العاذل .
والمستحاضة أمرها مشكل لاشتباه دم الحيض بدم الاستحاضة ، فإذا كان الدم ينزل منها باستمرار أو غالب الوقت ، فما الذي تعتبره منه حيضا ؟ وما الذي تعتبره استحاضة لا تترك من أجله الصوم والصلاة ؟ فإن المستحاضة يعتبر لها أحكام الطاهرات .
وبناء على ذلك فإن المستحاضة لها ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن تكون لها عادة معروفة لديها قبل إصابتها بالاستحاضة ، بأن كانت قبل الاستحاضة تحيض خمسة أيام أو ثمانية أيام مثلا في أول الشهر أو وسطه ، فتعرف عددها ووقتها ، فهذه تجلس قدر عادتها ، وتدع الصلاة والصيام ، وتعتبر لها أحكام الحيض ، فإذا انتهت عادتها اغتسلت وصلت ، واعتبرت الدم الباقي دم استحاضة لقوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة : امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي وصلي ، رواه مسلم ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : إنما ذلك عرق ، وليس بحيض ، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة ، متفق عليه .
الحالة الثانية : إذا لم يكن لها عادة معروفة ، لكن دمها متميز ، بعضه يحمل صفة الحيض بأن يكون أسود أو ثخينا أو له رائحة ، وبقيته لا تحمل صفة الحيض بأن يكون أحمر ليس له رائحة ولا ثخينا ، ففي هذه الحالة تعتبر الدم الذي يحمل صفة الحيض حيضا ، فتجلس وتدع الصلاة والصيام ، وتعتبر ما عداه استحاضة ، تغتسل عند نهاية الذي يحمل صفة الحيض ، وتصلي وتصوم ، وتعتبر طاهرا لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ، فأمسكي عن الصلاة ، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي ، رواه أبو داود والنسائي ، وصححه ابن حبان والحاكم ، ففيه أن المستحاضة تعتبر صفة الدم ، فتميز بها بين الحيض وغيره .
الحالة الثالثة : إذا لم يكن لها عادة تعرفها ، ولا صفة تميز بها الحيض من غيره ، فإنها تجلس غالب الحيض ستة أيام أو سبعة أيام من كل شهر ؛ لأن هذه عادة غالب النساء لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش : إنما هي ركضة من الشيطان ، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ، ثم اغتسلي ، فإذا استنقأت فصلي أربعة وعشرين أو ثلاثة وعشرين ، وصومي وصلي ، فإن ذلك يجزئك ، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء ، رواه الخمسة ، وصححه الترمذي .
والحاصل مما سبق أن المعتادة ترد إلى عادتها ، والمميزة ترد إلى العمل بالتمييز ، والفاقدة لهذا تحيض ستا أو سبعا ، وفي هذا جمع بين السنن الثلاث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والعلامات التي قيل بها ست : إما العادة ، فإن العادة أقوى العلامات ؛ لأن الأصل مقام الحيض دون غيره ، وإما التمييز ؛ لأن الدم الأسود والثخين المنتن أولى أن يكون حيضا من الأحمر ، وإما اعتبار غالب عادة النساء ؛ لأن الأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب ، فهذه العلامات الثلاث تدل عليها السنة والاعتبار " ثم ذكر بقية العلامات التي قيل بها .
وقال في " النهاية " : " وأصوب الأقوال اعتبار العلامات التي جاءت بها السنة ، وإلغاء ما سوى ذلك " انتهى .
ما يلزم المستحاضة في حال الحكم بطهارتها :
1 - يجب عليها أن تغتسل عند نهاية حيضتها المعتبرة حسبما سيأتي بيانه .
2 - تغسل فرجها لإزالة ما عليه من الخارج عند كل صلاة ، وتجعل في المخرج قطنا ونحوه يمنع الخارج ، وتشد عليه ما يمسكه عن السقوط ، ثم تتوضأ عند دخول وقت كل صلاة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة : تدع الصلاة أيام أقرائها ، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة ، رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي ، وقال : " حديث حسن " ، وقال صلى الله عليه وسلم : أنعت لك الكرسف ، تحشين به المكان ، والكرسف القطن ، ويمكن استعمال الحفائظ الطبية الموجودة الآن .
هذه جمل من أحكام الحيض ، مررنا عليها مرا سريعا ، وتفاصيلها تحتاج إلى وقت طويل ، لكن يجب على من أشكل عليه شيء منها أو من غيرها أن يسأل العلماء ، فسيجد عندهم إن شاء الله ما يزيل إشكاله ، وبالله التوفيق .
الرابط: