أحمد محمد المومري
المساجد هي بيوت الله عز وجل، وقد أضافها الله عز وجل إلى نفسه إضافة تعظيم وتشريف، إذ قال سبحانه: “وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً”، وهي أحب البقاع إليه، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أحب البلاد إلى الله مساجدها”.
أحب البلاد إلى الله المساجد، لأنها تؤدي أهم الأدوار، وهو الاتصال بين الأرض والسماء، بين العبد وربه، فالمسجد هو البقعة الطاهرة التي تفيء إليها النفوس، وتسكن إليها القلوب، فتجد نفسها في هذه البقعة الشريفة، حيث السكينة والرحمة، وتحاول أن تتخلص ولو للحظات من عناء طويل، وعنت ما لانقطاعه من سبيل.
إن المساجد من أهم الشعائر الإلهية التي أمر الله عز وجل بنصبها وإقامتها لتكون المنطلق الأول لبناء الإنسان بناء عقائدياً شاملاً، والموقع الأساسي لتقوية العلاقة مع الله عز وجل، ومنشأ الحركة لجميع أبعاد السلوك الفردي والاجتماعي والسياسي، لأن هذه الأعمال كتكاليف قبل أن تكون أعمالاً فردية أو سياسية أو اجتماعية، هي أمور عقائدية لابد أن تنبثق من خلال العلاقة مع الله سبحانه وتعالى.
الركيزة الأولى
وكان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن وطئت قدماه الشريفتان دار هجرته، هو بناء مسجده الذي أسس على التقوى من أول يوم، فكان المسجد هو الركيزة الأولى واللبنة الأساسية في تكوين المجتمع المسلم.
ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى ببناء المساجد وعمارتها ورفعها وتطهيرها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شأن المساجد: “إنما بنيت لذكر الله والصلاة فيها وقراءة القرآن” (أخرجه أحمد)، ولايجوز فيها السب والشتم، ولا غير ذلك من الأقوال والأعمال المحرمة، أما الكلام القليل المباح فلا بأس به عند الحاجة فيما يتعلق بشؤون الدنيا.
وأوجب علينا تشييدها وعمارتها وصيانتها وإكرامها عن كل ما لا يليق بها ويناسب شرفها، لأن المساجد ما بنيت إلا لذكر الله، ولإقامة الصلاة، ولتعليم الناس أمور دينهم، مع ما يحصل فيها من اجتماع الناس، وتآلف قلوبهم، ومصافحة بعضهم بعضاً وحل المشكلات في أمور الحياة المختلفة. ولهذا لا بد أن تصان من بعض الأمور التي لا تليق ولا تناسب الأغراض التي بنيت من أجلها المساجد.
لقد أولت الدولة اهتماماً ببناء المساجد ونشرها في كل الأرجاء بما يليق بعظمة هذا المكان وهيبته وقامت بالإنفاق السخي عليها، بالإضافة الى تهوية المساجد وتكييفها، والعناية بنظافة دورات المياه والمواضئ وتهيئتهما، وتخصيص مكان لصلاة النساء، والحرص على إيجاد مرافق للمسجد من مواقف للسيارات وتشجير ما حوله، واختيار إمام كفء مقتدر، وعمال يقومون على نظافة المسجد وخدمته.
وفي المقابل، على مرتادي المساجد أن يراعوا حرمة بيوت الله عز وجل وعدم رفع الصوت فيها، وألا يكون هناك أطفال إلا بصحبة آبائهم وذويهم، وتجنيب المساجد الأوساخ والقاذورات والروائح الكريهة.
ملصقات تنبيهية
ولكن ما نراه اليوم من مخالفة كثير من الناس لهذه الأهداف العالية والتي قال الله فيها: “في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال” (سورة النور: 36) لأمر يحزن القلوب، حيث نرى ونسمع ارتفاع الأصوات والتشويش على المصلين.. وهذا كله من المخالفات التي تحدث في عصرنا.
فكثيراً ما تلفت نظر المصلين الذين يرتادون المساجد لأداء صلواتهم وعباداتهم الى وجود ملصقات تنبيهية وإرشادية يرجو معظمها “إغلاق الهاتف المتحرك” أو “عدم النوم في المسجد” أو “عدم الإسراف بالماء”، وانتشرت هذه الملصقات لتشمل أغلبية المساجد الكبيرة منها والصغيرة. حيث تراها أينما تنقل ناظريك في المسجد بداية من الباب الرئيسي والأعمدة الداخلية والجدران الأربعة الى دورات المياه وأماكن الوضوء.
وتنوعت أحجام الملصقات التنبيهية وألوانها بل ولغاتها، من باب لفت الانتباه إليها وحتى لا يقطع خشوع المصلين رنين هاتف أو شخير نائم. ولكن عادة ما تجد تجاهلاً بعدم الالتزام بما فيها، بل وتطالها بعض الأيدي لتشويهها وتغيير معناها أو إتلافها، ضاربين عرض الحائط بحرمة المساجد التي يجب أن تصان، كونها بيوت الله عز وجل.
فلو تذكر المصلي مع خلع نعليه عند باب المسجد أن يغلق هاتفه المتحرك أو يجعله في الوضع “الصامت”، ولو تنبه كل من أراد الوضوء لكمية الماء التي يحتاجها فعلاً لإتمام وضوئه من دون زيادة أو إسراف، ولو راعى البعض الآخر السكينة التي يجب أن تكون داخل المسجد بعدم التجمعات الحوارية أو الاستلقاء لأخذ قيلولة، لما اضطر القائمون على خدمة المساجد إلى نشر هذه الملصقات في أرجائها، ولما سمعت إمام المسجد ينبه المصلين بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام بقوله: “استووا، استقيموا، الرجاء إغلاق الهواتف المتحركة.. الله أكبر”، بل وتفردت بعض خطب الجمعة بالحديث عن حرمة المساجد وعدم إزعاج المصلين.
حلقات الثرثرة
ومن تلك الصور المخالفة، إقامة حلقات للكلام والثرثرة في أمور الدنيا من دون سبب شرعي ينفع المسجد، وإنما لمجرد القيل والقال، وذكر الناس وغيبتهم، وبذلك تضاف إلى الغيبة المحرمة حرمة التشويش والخروج عن أهداف المساجد.
وإذا اجتمع إلى ذلك الاتفاق على عقد بيع، أو جرد حسابات بين الناس في المسجد، كان الأمر أشد حرمة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو هريرة “من رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك”.
ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها عدم رفع الصوت حتى بالقراءة والذكر، إذا كان بحضرة القارئ من يصلي، لأن المصلي يحتاج إلى التدبر والخشوع، والقارئ يشغله برفع صوته؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “أيها الناس كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة” (رواه أحمد وسنده صحيح). وسبب ورود الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة.
في بيوت الله.. التي ينبغي لأداء دورها ألا يذكر فيها اسم غير الله للتعظيم أو التشريع، أمر برفعها من الناحية المعنوية، وبطهارتها بأداء العبادة فيها، وجعلها أداة لأداء حق الله، والصلاة والعبادة والصفاء الروحي والنفسي بذكر الله واتباع أمره، ورفعها من الناحية الحسية بنظافتها وصيانتها وحفظها عن القاذورات والأوساخ.
إن المساجد المعمورة ما جعلت إلا للذكر والطاعة، فلذلك تؤدى فيها الصلاة جماعة وفرادى، ويدعو فيها المسلم ربه وحده، ولا يدعو معه أحدا، وإضافتها إلى الله تعالى تقتضي شرفها وتميزها عن بقية البقاع، وذلك ما يوجب احترامها ومراعاة حرمتها.
&( سلوكيات لا تليق بحرمة المسجد )&
