عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 23-06-2005, 09:36 AM   #6
معلومات العضو
CodeR
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

يونس عليه السلام كفداء بشرى:
وهناك فارق واضح بين القربان البشري والذي هو ترضية للآهة بغرض التقرب منها،وبين الفدو والذي هو التضحية بفرد في سبيل انقاذ الجماعة، لقد أعطانا القرآن الكريم مثالا لتلك الفديات البشرية التي كان يطحن بها فداء للمجموعة إذا حاقت بهم الأخطار والأزمات، وقد فصل ذلك في سورة الصافات من قصته نبي الله يونس عليه السلام، قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ، فَلَوْلآ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ، لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ، وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ، وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فَأَمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [الصافات: 139: 148].

والمقصود أنه عليه السلام لما ذهب مغاضبًا بسبب قومه، ركب سفينة في البحر فلجت بهم واضطربت وماجت بهم وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون على ما ذكره المفسرون، قالوا فاشتوروا فيما بينهم على أن يقترعوا فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليحتفظوا منه، فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبى الله يونس، فلم يسمحوا به، فأعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضًا لما يريده الله به من الأمر العظيم، قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ [الصافات: 139: 142]. وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر، وبعث الله حوتا عظيما، من البحر الأخضر، فالتقمه و أمره الله تعالى أن لا يأكل له لحما و لا شحما و يهشم له عظما، فليس لك برزق، فأخذه فطاف به البحار كلها.

وإذا كانت القصة قد تمت بإرادة الله ولحكمة اقتضاها المولى عز وجل ولكنها تكشف لنا عن وجود فكرة الفدو البشرى من أجل الإبقاء على حياة الآخرين، وأن ذلك المعتقد كان موجودًا متعارف عليه في ذلك الوقت.

إسماعيل عليه السلام وفدائه بفدو حيوانى:
وهناك صورة أخرى من صور الفداء تتمثل في الفداء الحيواني بالإنساني وهى قصة الذبيح الأول إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وتبين لنا كيف أن الله فداه من الذبح فقال وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 107]، ولكن هذا المثال فيه امتثال لطاعة الله عز وجل كما سنبين وربما اقتبس الشيطان من ذلك فكرة القربات الشيطانية التي تتمثل في ذبح السحرة طفل صغير كقربان لإبليس حتى ينال منه التعميد كساحر وإبليس عليه لعنة الله يفعل ذلك من باب الندية لله عز وجل.

يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدًا صالحًا فبشره الله تعالى بغلام حليم، وهو إسماعيل عليه السلام لأنه أول من ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل. وهذا مالا خلاف فيه بين أهل الملل لأنه أول ولده وبكره، وقوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ [الصافات: 102]، أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه، قال مجاهد فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ أي شب وارتحل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل، فلما كان هذا رأي إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده. هذا وفى الحديث عن ابن عباس مرفوعًا (رؤيا الأبناء وحي). قال عبيد بن عمير أيضا وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعدما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلاً عليه، فجعل الله لهما فرجا ومخرجًا ورزقهما من حيث لا يحتسبان. ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته، ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرًا ويذبحه قهرًا قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى في الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات: 102]، فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل إبراهيم فقال: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِى إِنْ شَآءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: 102]، وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى: فَلَمَّآ أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: 103] قيل: أسلما أي استسلما لأمر الله و عزما على ذلك. وقيل هذا من المقدم والمؤجر، والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه.

قيل أراد أن يذبحه من قفاه لألا يشاهده في حال ذبحه، قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك. وقيل بل أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقى طرف جبينه لاصقا بالأرض وأسلما أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت. قال السدي وغيره أمر السكين على حلقة فلم تقطع شيئًا، ويقال جعل بينها وبين حلقة صفيحة من نحاس والله اعلم. فعند ذلك نودي من الله عز وجل: أَن يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَآ [الصافات: 104، 105]، أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران، وكما مالك مبذول للضيفان، ولهذا قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلؤُاْ الْمُبِينُ [الصافات: 106]، أي الاختبار الظاهر البين وقوله: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات: 107]، أي وجعلناه فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه، والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطًا بسمرة في ثبير. قال سفيان: لم تزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا).

عبد الله بن عبد المطلب وفدائه بفدو حيوانى:
وننتقل إلى قصة أخرى من قصص النذر البشرى أو القربات البشرى واستبداله بالفدو الحيواني، وهى قصة الذبيح الثاني عبد الله بن عبد المطلب والد نبينا محمدr.

قال ابن إسحاق: وكان عبد المطلب فيما يزعمون نذر حين لقي من قريش ما لقي عند حفر زمزم، لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغو معه حتى يمنعوه، ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة. فلما تكامل بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه وهم: الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة، وأبو طالب، وعبد الله، جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء لله عز وجل بذلك فأطاعوه، وقالوا: كيف نصنع؟ قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحًا ثم ائتوني، ففعلوا. ثم أتوه، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدي للكعبة، وكان عند هبل قداح سبع وهى الأزلام التي يتحاكمون إليها إن أعضل عليهم أمر من عقل أو نسب أو أمر من الأمور جاءوه فاستقسموا بها فما أمرتهم به أو نهتهم عنه إمتثلوه.

والمقصود أن عبد المطلب لما جاء يستقيم بالقداح عند هبل خرج القدح على ابنه عبد الله وكان أصغر ولده وأحبهم إليه، فأخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله، وأخذ الشفرة ثم أقبل بها إلى أساف ونائلة ليذبحه، فقامت إليه قريش من أنديتها فقالوا: ما تريد عبد المطلب؟ قال: أذبحه، فقالت له قريش وبنوه أخوة عبد الله والله لا تذبحه أبدًا حتى تعذر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يجيء بابنه حتى يذبحه، فما بقاء الناس على هذا. وذكر يونس بن بكير عن ابن إسحاق، أن العباس هو الذي اجتذب عبد الله من تحت رجل أبيه حين وضعها عليه ليذبحه فيقال إنه شبح وجهه شجًا، لم يزل في وجهه إلى أن مات.

ثم أشارت قريش على عبد المطلب أن يذهب إلى الحجاز فإن بها عرافة لها تابع فيسألها عن ذلك، ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه فاذبحه، وإن أمرتك بأمر لك وله فيه مخرج قبلته، فانطلق حتى أتوا المدينة، فوجدوا العرافة وهى سجاح فيما ذكره يونس بن بكير عن إسحاق بخبير، فركبوا حتى جاءوها، فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه، فقالت لهم: ارجعوا عنى اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله، فرجعوا من عندها.

فلما خرجوا قام عبد المطلب يدعوا الله، ثم غدوا عليها فقالت لهم: قد جاءني الخبر، كما الدية فيكم؟ قالوا عشر من الإبل ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه، فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم، فخرجوا حتى قدموا مكة فلما أجمعوا على ذلك الأمر قام عبد المطلب يدعوا الله، ثم قربوا عبد الله وعشرًا من الإبل، ثم خرجوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرًا، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرًا فلم يزالون يزيدون عشرًا عشرًا ويخرج القدح على عبد الله حتى بلغت الإبل مائة. ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فقالت عند ذلك قريش لعبد المطلب، وهو قائم عند هبل يدعو الله، قد انتهى رضى ربك يا عبد المطلب، فعندها زعموا أنه قال: لا حتى أضرب عليها بالقداح ثلاث مرات فضربوا ثلاثا ويقع القدح فيها على الإبل، فنحرت ثم تركت لا يصد عنها إنسان ولا يمنع.

قربان ابني آدم عليه السلام:
ولا يفوتنا في هذا الصدد ذكر قصة ابني آدم وذلك القربان الذي تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر للاستدلال على قدم القربات الحيوانية التي كانت تقرب لله عز وجل، وجعل الشيطان لنفسه نصيبًا منها بأن جر الإنسان للذبح لغير الله حتى تبطل تلك القرابين كعبادات لله عز وجل وبالتالي صارت قربات له عليه لعائن الله.

قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الأَخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ، قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَقِينَ [المائدة: 27]، وبعد أن دب الحسد في قلب الأخ لأخيه ونزغ الشيطان بينهما فهم الأخ فقتل أخاه وسفك دمه كأول دم يسفك إرضاء للشيطان وبتحفيز منه قال تعالى: {فَطَوَعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 30]، وهذا هو مراد الشيطان الخسارة والحسرة والندامة دأبه مع أولياءه وأتباعه من الذين يسفكون الدماء ويستحلونها بغير ما أحل الله.

ذكر السدي عن أبى مالك وأبى صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أن آدم كان يزوج ذكر بطن بأنثى الأخرى وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل وكان أكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن فأراد هابيل أن يستأثر بها على أخيه وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى فأمرهما أن يقربا قربانا وذهب آدم ليحج إلى مكة واستحفظ السموات على بنيه فأبين والأرضين والجبال فأبين فتقبل قابيل بحفظ ذلك. فلما ذهب قربا قربانا فقرب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب غنم وقرب هابيل حزمة من زرع من رديء زرعه فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال إنما يتقبل الله من المتقين).

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة