عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 14-01-2007, 04:54 PM   #8
معلومات العضو
مسك الختام
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي


الأيام القادمة سوف تكون أشد وأقسى

عدت من مصر وحضر الخبيث بين يديّ وكان يبكي بحرقة شديدة وتحداها على الصبر والتحمل ، فأيقظتها من صرعها وأسمعته إياها وهيَّ تعاهد الله سبحانه وتعالى على الصبر والاحتساب وتطلب منه العون والمغفرة ، فحضر مرة أخرى يبكي ويصيح ويقول بأعلى صوته : لم أعد أقدر عليها ، سأحطمها ، أنا أكرهها ، فبينت له أنها تكرهه والأولى له أن يُخَلِصَ نفسه من هذا العذاب الذي يتعرض له ليلاً ونهاراً ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ، فصاح : أحبها 000 أحبها 000 ، فأنذرته وبينت له بأن الأيام القادمة سوف تكون أشد وأقسى ، فولّى مستكبراً 0

وعزمنا الأمر للتوجه إلى بيت الله الحرام أشرف وأطهر بقعة على وجه الأرض لأداء مناسك العمرة وكي نطلب من الله سبحانه وتعالى أن يخلصنا من هذا الطاغية ، توجهنا بالسيارة إلى مكة المكرمة وكانت الفتاة طوال الرحلة خائفة مرتعدة تشعر بالضيق والغثيان ، وكان يُداخِلُها أمر غريب وهو أن السيارة تعود للوراء ، وبفضل الله سبحانه وتعالى وصلنا مكة ، وشعرت بانشراح في الصدر مع خوف يكاد يتفطر منه قلبها ، ولما انتهينا من الطواف شربت من ماء زمزم فزال عنها الخوف ، ومن ثم توجهنا للسعي بين الصفا والمروة ، وفي نهاية الشوط الثاني من السعي حذفها الخبيث على حجارة الصفا وأتممنا السعي والعمرة بفضل الله سبحانه وتعالى وحده ، وكانت الفتاة تبكي بكاءً شديداً طوال هذه المدة ، وقد أصبحت من خلال ملازمتي لها أملك الخبرة والمعرفة في التفريق بين بكائها وبكاء ذلك الخبيث 0

بعد ذلك أصبحنا نتردد على الحرم للصلاة والطواف ، وكان يغلب على الفتاة النرفزة الشديدة والغضب والعناد ، وكنت أسايرها أشد المسايرة حتى لا تفلت من يدي ، وقد كنت أجبرها على التضلع من ماء زمزم ، وألقنها بعض الأدعية والأوراد المأثورة في السنة المطهرة ، وكان يبدو على وجهها وهي تقول ذلك السرحان والكره والاشمئزاز ، خاصة عند الدعاء على هذا الخبيث والاستعانة بالله أن يخلصنا منه ومن شره وأن يحول بينه وبين هذه الفتاة المسكينة ، وقد كنت أجزم أن التعابير التي كانت تظهر على وجه الفتاة تعابيره هوّ ، فكنت أكثر من اختيار الأدعية التي أظن أن لها تأثيراً على هذا العُتل المتجبر 0

مكثنا في مكة ما يقارب العشرين يوماً ، وقد ختمت الفتاة القرآن في الحرم خلال هذه الفترة مرتين ، وكانت المرة الأولى في الثلث الأخير من الليل في الطواف ، وقد أوصلتها عند الملتزم فدعت بما قدرها الله سبحانه وتعالى ، وصلت ركعتين في حجر اسماعيل ، وكانت تبكي بكاءً عجيباً ، بعد ذلك ذهبت بها إلى ماء زمزم فاغتسلت وتضلعت منه 0

وفكرت في هذا الموقع بالذات أن أكرر المحاولة معها لقيام الثلث الأخير من الليل بسورة البقرة لقدسية المكان ، وكان ذلك ، وبدأت المحاولة ، وكان حدثاً مشهوداً ، وكان عزاؤنا بأننا متحجبات عن أعين الناس ولا يعرفنا أحد ، وبدأت الفتاة تتمايل يمنة ويسرة من جراء الآلام التي بدأت تهاجمها من رأسها إلى أخمص قدميها ، واشتد بكاؤها ومع ذلك تستمر في الصبر والقراءة ، وكنت أتتبع الخبيث من مكان لآخر بماء زمزم ، وكان يفر من ذلك الماء فراراً عجيباً ، مما جعلني استخدم ذلك الأمر معه لاحقاً ، وقد بدأت الفتاة القيام في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وختمت سورة البقرة في ركعتين في تمام الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ، وكان بكاؤها خلال تلك الفترة بكاءً شديداً وعجيباً ، وكاد أن يحول بينها وبين الدعاء وخاصة في السجود ، وكنت أقوم على تلقينها ذلك في مرات عده، وعندما انتهت من قيامها فرحت فرحاً عظيماً ، وتوجهت إلى ماء زمزم وشربت وتضلعت ، وكانت تلك المرة الأولى التي تستطيع أن تقوم الليل بسورة البقرة كاملة 0

بعون من الله سبحانه وتعالى

وقد تكرر ذلك الأمر إحدى عشر ليلة متتالية ، وكانت الآلام والمعاناة فيها تتناقص وتقل ، وكنت أرى الإصرار والعزيمة تزداد بشكل مطرد ، وكل ذلك بعون من الله سبحانه وتعالى ، حتى وصل بها الأمر إلى أن تبدأ القيام وتنتهي منه في ساعة واحدة فقط ، وكثر طوافها بعد أن كانت لا تستطيع ذلك في السابق إلا بصعوبة بالغة ، وبلغ من تحديها لهذا الخبيث مستعينة بالله سبحانه أنه في إحدى المرّات خنقها وجعلها تتقيأ وبشدة حتى سقطت على الأرض ، وكانت قد قطعت شوطاً كبيراً من القراءة ، فذهبت بها إلى ماء زمزم وغسّلت عباءتينا ، وأخبرتها أن تصلي جالسة ، فأبت ذلك وصلت واقفة وأعادت صلاتها منذ البداية ولم تصب بشيء بفضل الله عز وجل 0

وفي الثلاث ليلالي الأخيرة من تواجدنا في الحرم المكي كانت تشعر أثناء الصلاة وكأن دبابيس محمأة بالنار توخز في جسدها ، وقد قاومت ذلك بفضل الله واستخدام ماء زمزم ، ولم يمنعها ذلك من الاستمرار في الجدول السابق الذي وضعته لنفسها ، ومما لفت نظري أثناء هذه الفترة أهمية ماء زمزم في العلاج والاستشفاء شرباً واغتسالاً ، مما جعلني في كثير من الأحيان وأثناء تواجدنا بالحرم من غسل كافة أنحاء جسدها بماء زمزم ، من خلال رشه على ثيابها ، وقد استخدمت مثل ذلك الأمر معها في الشقة التي نسكنها ، فجلست في حوض للماء وكنت أسكب عليها من ماء زمزم وأقرأ عليها الرقية الشرعية وكانت تتململ وتحاول الخروج من الماء وتستغيث ولم أكن أعر لكل ذلك أي اهتمام ، بل أواصل القراءة ، وقد حاول الخبيث ذات مرة أن يغرقها في الماء ولكنني كنت منتبهة بفضل الله سبحانه وتعالى ، خاصة أنني لم أنس تهديد هذا الطاغية بقتلها وقتل نفسه ، وقد استخدمت ذلك الأمر مدة تسعة أيام متتالية وفي كل مرة كانت الأحوال والظروف تتناقص عن الفتاة يوماً بعد يوم ، وبعد انتهاء رحلتنا أصبحت في حالة تحسن شديد للغاية من حيث زوال كافة أعراض المعاناة ، وكذلك فتح شهيتها للأكل والشرب 0

ومن ثم ذهبنا إلى المنطقة الشرقية وعرضنا الحالة على الأخ أبو البراء حيث عاينها وأعطانا تقييماً طيباً عن حالتها وأوصانا بالاستمرار فيما نحن فيه ، وأوصاها كذلك بالصبر والاحتساب واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وحثها على مواصلة الرقية الشرعية والاستعانة بالله الواحد الأحد 0

بعد ذلك عدنا إلى بلدنا واستمر الأمر معها طبيعي تماماً ، وكل من رآها في ذلك الوقت أقسم بأنها إنسانة طبيعية لا تعاني من أية أعراض تذكر وبقي الحال على ما هو عليه مدة عشرة أيام ، وخلال تلك الأيام حدث تقصير من قبل الفتاة في الجدول الذي تسير عليه ، فتحين الفرصة مرة أخرى ليصرعها ولكنه لم يكن قادراً بفضل الله سبحانه وتعالى على فعل أي شيء يذكر ، وأدّعى أن هذا بإرادته ، وكادت الفتاة أن تنهار ووقفت معها كي أشد من عزيمتها وإصرارها ، وعاودت التحدي مستعينة بالله سبحانه ، وعادت كي تقوم بسورة البقرة ، لكي يعود هذا الأفاك إلى مضايقتها ولكن بضعف ووهن شديدين 0

وها نحن اليوم ملتزمون بفضل الله سبحانه وتعالى وكرمه ومنه بجدول العلاج ، والفتاة الآن تقوم على ختم القرآن الكريم من ثلاثة إلى سبعة أيام نسأل الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق والسداد .

تلك هي قصتنا التي حاولت أن اختصرها قدر المستطاع وهي تمثل معاناة أشهر بأيامها ولحظاتها وثوانيها ، أكتبها كي تكون عبرة وعظة لكل باحث عن الحق، سائلاً المولى عز وجل أن يحفظنا بحفظه ، ويوفقنا بتوفيقه، كتب الله لنا ولكم الأجر ، ورفع درجاتنا بما أصابنا ، وحط من خطايانا ، إنه وليّ ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0


    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة