عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 31-05-2007, 03:39 AM   #13
معلومات العضو
أبو عبد الرحمن اليوسف
إشراقة إشراف متجددة
 
الصورة الرمزية أبو عبد الرحمن اليوسف
 

 

افتراضي

الحلـقــــــــــــــــة الرابعـــــــــــــــــــــة :


ووصف المعيشة نفسها بالضنك مبالغة،وفسرت هــذه المعيشة بعذاب البرزخ، والصحيح: أنها تتناول معيشته في الدنيا، وحاله في البرزخ؛فإنه يكون في ضنك في الدارين .. وفي الآخـــرة يُنسى في العذاب ،وهذا عكس أ هل السعادة والفلاح، فإنَّ حياتهم في الدنيا أطيب الحياة، ولهم في البرزخ وفي الآخرة أفضل الثواب .

قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) فهذا في الدنيا ،ثم قال سبحانه :
( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) فهذا في البرزخ والآخرة .
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

وقال تعالى: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) فهذه أربعة مواضيع ذكر الله تعالى فيها : أنه يجزي المحسن بإحسانه جزاءين: جزاء في الدنيا، وجــزاء في الآخــرة ؛ فالإحسان له جزاء معجـلٌّ ولا بدّ ، والإسـاءة لها جــزاء معجـل ولابدّ،ولو لم يكن إلا ما يجـازى به المحسن من انشـراح صدره وانفساح قلبه وسروره ولذَّاته بمعاملة ربه عزَّ وجلَّ،وطاعته، وذكره ، ونعيم روحه بمحبته وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى،أعـظم ممـا يفرح القريب مـن السلطان الكريم عليه بسلطانه،وما يجازى به المسيء من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظـلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه،وهذا أمر لا يكاد من له أدنى حسٌّ وحياةٌ يرتاب فيه،بل الغموم والهموم والأحزان والضيق:عقوبات عاجلة،ونار دنيوية، وجهنم حاضرة .

والإقبال على الله تعالى، والإنابة إليه ، والرضاء به وعنه ، وامتلاء القلب من محبته ، واللهج بذكره،والفرح والسرور بمعرفته : ثواب عاجل،وجنة، وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البته ) انظر: الوابل الصيب (68-69) .

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- :
( ..فإنه سبحانه رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره، فالمُعرِضُ عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه،وإن تنعـم في الدنيا بأصناف النعم ، ففي قلبه من الوحشـة والذل والحسرات التي تقطع القـلوب والأمـاني الباطلة ، والعذاب الحاضر ما فيه ،وإنمـا يواريه عنه سكرات الشهوات،والعشق ، وحب الدنيا ، والرياسة،وإن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر، فسكر هذه الأمور أعظم من سكر الخمر، فإنه يفيق صاحبه ويصحو، وسـكر الهوى وحب الدنيا لا يصحو صاحبه إلا إذا كان في عسكر الأموات، فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعـرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم في دنياه وفي البرزخ ويوم معاده ،ولا تقرّ العين ولا يهدأ القلب ، ولا تطمئن النفس إلا بإلهها ومعبودها الذي هو حق ،وكل معبود سواه باطل،فمن قَرَّت عينه بالله قرَّت به كلُّ عين،ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه علي الدنيا حسرات،والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحاً كما قال تعالى :
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )سورة النحل،الآية:97.

فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة ،والحسنى يوم القيـامة ، فلهم أطيب الحـياتين، وهم أحياء في الدارين ) الداء والدواء(38-84) .

وبكلمةٍ جامعة لما تقدَّم ذِكْـرُه ، أقـول: إنَّ كثرة الهموم والأحزان،والاكتئاب والقلق والضجر،وقلة التوفيق،وفساد الرأي،وخفاء الحق ، وفساد القلب، وخمول الذكر ،وإضاعة الوقت،ونفرة الخلق ،والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء ،وقسوة القلب،ومحق البركة في الرزق والعمر ،وحرمان العلم،ولباس الذل،وإهانة العدو،وضيق الصدر ،والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب،ويضيعون الوقت،وطول الهم والغم وضنك المعيشة وكسف البال:إنما تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله تعالى كما يتولد الزرع عن الماء، والإحراق عن النار،وأضداد هذه تتولد عن طاعتة سبحانه جلَّ في علاه.

قال ابن رجب-رحمه الله- :
(الحذرَ الحذرَ من المعاصي،فكم سَلَبَتْ من نِعَم ،وكم جلبت من نقم،وكم خرَّبت من ديار،وكم أخلت دياراً من أهلها،فما بقي من ديَّار،وكم أخذت من العُصاة بالنار،وكم محت لهم من آثار ؟‍ .

يا صـاحب الذنب لا تأمـــــــن عواقبَهُ ..... عـواقبُ الذَّنب تُخشى وهــــــــي تنتظر
فـــــــــكلُّ نفسٍ ستُجزى بالذي كسبَتْ ..... وليسَ للخـلــــــقِ من ديَّانِـــــــهـم وَزَرُ



يتبع إنْ شاء الله تعالى .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن اليوسف ; 31-05-2007 الساعة 03:51 AM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة