قال الحافظ السيوطيّ رحمه الله :
" وقال بعض المتأخرين : لاخْتِلاف القراءات وتنوعها فوائد :
منها : التّهوين والتّسهيل
والتّخفيف على الأُمّة .
ومنها : إظهار فضلها وشرفها على سائر الأمم ، إذ لم ينزل كتابُ غيرهم إلاّ على وجه واحد .
ومنها : إعظام أجرها ،
من حيث إنّهم يُفرغون جهدهم في تحقيق ذلك وضبطه لفظةً لفظة ، حتى مقادير الـمَدّات وتفاوت الإمالات ،
ثم في تتبّع معاني ذلك واستنباط الحِكم والأحكام من دلالة كلّ لفظ ، وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح .
ومنها : إظهار سرّ الله في كتابه ، وصيانته له عن التبديل والاختلاف ، مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة .
ومنها : المبالغة في إعجازه بإيجازه ، إذ تنوّع القراءات بمنزلة الآيات ،
ولو جُعلت دلالة كل لفظ آية على حدة لم يخف ما كان فيه من التطويل ، ولهذا كان قوله : ** وأرْجُلَكم ** [ المائدة : 6 ]
مُنزَّلاً لغسل الرجل ،
والمسح على الخفّ واللفظ واحد ،
لكن باختلاف إعرابِه .
ومنها : أن بعض القراءات يبيّن
ما لعلّه يُجْهَلُ في القراءات الأخرى ،
فقراءة ** يَطَّهّرْنَ **
بالتشديد مُبَيِّنَة لمعنى قراءة
التخفيف ،
وقراءة ( فامضوا إلى ذكر الله )
[ وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه . والمتواتر : ** فاسعوا ** ] .
تُبيّن أن المراد بقراءة : ** فاسعوا **
[ سورة الجمعة : 9 ]
الذهاب ، لا المشي السريع .
وقال أبو عبيد في
" فضائل القرآن " : المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها ،
كقراءة عائشة وحفصة : ( والوسطى صلاة العصر ) .
[ والقراءة المتواترة : ** حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا لله قَانِتِين ** البقرة 238 ، دون الزيادة المذكورة ] .
وقراءة ابن مسعود :
( فاقطعوا أيمانهما ) .
[ القراءة المتواترة : ** فاقطعوا أيديهما ** المائدة 38
وقراءة جابر : ( فإن الله من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم ) .
[ القراءة المتواترة : ** فإنّ الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم ** النور 33
بدون ( لهن ) ] .
قال : فهذه الحروف وما شاكلها
قد صارت مفسرة للقرآن ،
وقد كان يُروى مثل هذا عن التابعين في التفسير فيستحسن ،
فكيف إذا رُوي عن كبار الصحابة ،
ثم صار في نفس القراءة !
فهو أكثر من التفسير وأقوى ،
فأدنى ما يستنبط من هذه الحروف معرفة صحّة التأويل . انتهى .
وقد اعتنيت في كتابي
" أسرار التنزيل "
ببيان كل قراءة أفادت معنى زائدا على القراءة المشهورة " .
الإتقان في علوم القرآن
( 1 / 254 - 255 )
ط : دار ابن كثير .